د. يوسف زيدان - تعلَّمتُ من (١) : الدكتور رشدي راشد

تعلَّمتُ من (١) :

عرفتُ هذا الرجل "العلَّامة" خلال سنواتٍ طوالٍ مفعمةٍ بالنشاط والمشاركات البحثية في المؤتمرات الدولية والندوات المتخصِّصة في تاريخ العلوم، وجمعت بيننا صداقةٌ عميقة على الرغم من فارق السنِّ بيننا (هو وُلد بالقاهرة سنة ١٩٣٦ ودرس في فرنسا وأقام بها منذ العام ١٩٥٦ يعني قبل مولدي بعامين)
في سنة ٢٠٠٧ حصل الدكتور رشدي راشد على جائزة الملك فيصل العالمية، وليلة استلامه الجائزة اتصل بي من مدينة الرياض، ليُخبرني بأنه سوف يمرُّ عليَّ بالإسكندرية في طريق عودته إلى باريس، لأمرٍ مهم .. قلت مرحِّبًا : أهلا وسهلًا
في الشُّرفة الفسيحة لفندق "المعمورة بالاس" جلسنا صباحًا، وقال لي إنه ليس بحاجةٍ إلى المبلغ المالي للجائزة (٢٠٠ ألف دولار) ويقترح أن يعطيها لي لأُنفقها على برنامج بحثي يوفد النابهين من الطلاب المصريين لاستكمال دراستهم في أوروبا، وذلك من خلال عملي (آنذاك) مديرًا لمركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية .. قلتُ له : هل تحدَّثت في ذلك مع ابنك الدكتور آدم (الأستاذ في السربون) فلديك منه أحفاد ؟ فأجابني بما نصُّه، بالحرف : أيوه، وقال لي "اعمل يا بابا بالفلوس دي حاجة مفيدة، وأحفادك مش لازم يعني يصيِّفوا في هونولولو"
اعتذرت للدكتور رشدي راشد عن عدم الاستجابة لمطلبه، ونصحته بأن يقوم بما يريده من دعم للبعثات الأكاديمية، بنفسه ومن فرنسا، فهذا أجدى وأنفع .. قال : لماذا ؟ قلت : لأنها مسؤولية كبيرة، والأحوال العامة في المكتبة لم تعد مناسبة لمبادرة كهذه .. إذ كانت المكتبة آنذاك منهمكة تمامًا في برنامج دعائي "همبكي" اسمه : الإصلاح
في اليوم التالي ودَّعتُ الدكتور رشدي راشد، ولم أسأله من بعد ذلك عمّا فعله بالمال .. لكنني كنت قد تعلَّمتُ منه، المعنى الذي أشار إليه محمود درويش في قصيدته البديعة، حين قال :
وأنت تخوض حروبك،
فكّر بغيرك
.. وقل يا ليتني شمعةٌ في الظلام



361582214_10160077714683640_3944042307587593747_n.jpg


361605570_10160077714653640_5382280371567801952_n.jpg





أعلى