دائما ما كان الخطاب الشعري مناجاة للذات ووصفا وجدانيا لها، ولما يحيط بها من قضايا إجتماعية وسياسية وثقافية ودينية أيضاً، وكذلك النزعات الشعرية على اختلافها، وطنية كانت أم قومية، وكل الموضوعات التي يشتغل النص الشعري على وصفها وتصويرها تصويرا أدبياً تكتمل فيه الجماليات التخييلية واللغوية والفنية والبلاغية والدلالية، فبالوصف يكتمل المشهد الشعري.
وامتثالا لذلك قيل أن الشعر وصف، وأن الشاعر واصف لشيء ما، ولذلك فهو يعمد دوماً إلى التنويع في أشكال الوصف واستخدامها بأساليب مغايرة تماماً، قصد الهروب من الرتابة والنمطية من جهة، فالاعتماد على أسلوب وصف واحد يجعل الشاعر يكرر نفسه بكل ابتذال مهما كانت قيمته الأدبية، وقصد إحداث الإبهار والتفرد بصوره الشعرية من جهة أخرى.
من أجل أن تتميز الصورة الشعرية بمواصفات الإيجاز في المعنى، والتكثيف في اللغة، يعتمد الشعراء كثيراً على وصف الشيء بمعاكسه وما يخالفه في المعنى، وهو ما يعرف في أعراف النقد، بالوصف التقابلي الذي يكون فيه المشهد الشعري جامعا بين متقابلات، وهو ما يمنح الشعر نوعاً من الرمزية والتناقض والغموض والاختلاف، وهذا ما يميز الشعر عن سواه من الفنون الأدبية.
لقد كان الوصف التقابلي العمود الذي قامت عليه قصيدة أحتاج دوزنة للشاعر محمد مدني، حيث كان هذا النوع من الوصف حاضراً في أغلب المقاطع، بشكل مكثف ومتوازن، ما منح للنص قيمته الدلالية الخادمة لموضوع النص العام، إذ أنه ألحق به نوعاً من التضاد الذي جعل الصورة الشعرية في جدلية مستمرة بين المصطلحات المتعاكسة في معناها الاصطلاحي، المتفقة في شعريتها، وهو أيضاً الوصف الذي منح هذا الخطاب الموجه إلى الساسة في إيرتيريا ، والمحمل بالنزعة الوطنية ومشاعر الثورة والأسف جمالية في الرؤية والطرح.
يقول في بداية النص:
أحتاج دوزنة ً
تفك حبالكم عني
وتربطني بكم
كيف التقيتم… خلفَ نافذتي
تجمهرتِ البنادقُ
ناصبتني الشعرَ حيث
والخوفَ المسيجَ بالخمور
قرّبت بين النساء
وباعدت بين النساء وبيننا
باشر النص وهو يبحث عن دوزنة الحرية، صوره الشعرية مباشرة بالتقابل الوصفي بين فك الحبال وربطها في توظيف دقيق للمصطلحات المتعاكسة وفق معنى المشهد الشعري، وما تحتاجه دلالة النص من هجاء المخاطب ولومه، حيث تم مقابلة وصف حبال السيطرة عن الكاتب، بوصف يعاكسها ويشبهها في آن واحد، وذلك عندما يقصد ربطهم به.
يقول في نفس المقطع أيضا:
قربت بين النساء
وباعدت بين النساء وبيننا
وهذا أيضاً وصف معاكس ومتقابل قد تكون القصدية منه، التقريب بين النساء بهجرة رجالهم وأولادهم، وهو أيضاً تبعيد وتفريق في الوقت ذاته، وبالتالي فإن الوصف التقابلي هنا منح الصورة الشعرية جدالا جميلا بين المتناقضات.
يقول في مقطع آخر:
ها يهتّـف دمعُـنا
ودم
يعاندُ أن يَجـِفَّ ولا يُـَردْ
سيمل أطفالي الصغارُ البحـَر
يا بحرًا تجاوز في سكونه
كلَّ حدْ
يا بحرُ … قـُم
حرّ ك … تحرك أو فعد
نحو ابتدائك فالنهاياتُ البعيدة ُ
لا تُحدْ
ألفظ جحيمـَـك
أو فغادِر سا حليك إلى الأبدْ
في هذا المقطع أيضاً جدلية شعرية جميلة أحدثها التقابل الوصفي، الذي يخاطب البحر بالهيجان والسكون، في إشارة إلى ثورة قريبة لا بد أن تأتي من الأطفال، فوصف البحر بين سكونه وتجاوزه لكل أمد، دعوة للأطفال من أجل لفظ جحيمهم وتجاوز سكونهم كما يفعل البحر تماماً، هذا الاسقاط المتعاكس منح المقطع إيحاء جميلاً، خاصةً وأن المقطع يقابل بين البحر في تناقضه، وبين البحر والطفل في الهدوء والحركة.
يقول محمد مدني أيضاً:
كلما أزف الستارْ
قبضُ ‘ المياه هنا
وتشكيلُ الهواء
هـ
ن
ا
ك
هندسة ُُُ الدمار
يا لهفة َ المأموم ِ
صلٌى فرضَه
قبل الوضوء
هذا ظلامُ النار تحرق
مشعليها
دون ضوء
كتبي وأطفالي المضوا – آتون
عمداً – في القصائد في العلاقات
الجديدة للكلام / الفعل بالتنظير
بالتنظيم ، بالتنجيم … يا حزبَ
الصدام الفصل
هذي نقطة للبدء – خط ُُ للمسير
فلا تهادن.
لماذا تضخـّم هذا الجبل ..؟
وأي طريقٍ يسدُ ..؟
اللا أمس يمتـدُّ
أم الليالي التي حبلت
بالشموس يُعدّ ..؟
ما همّنا ..؟
للشمس أم للـ ……
بلى
همنا أن يُقــدّ ..!
الثلج يا تنوريّ الوقاد
.لن تنامْ
فسلامُُُ ُ وسلام ْ
في تصوير شعري جميل قابل هذا المقطع في وصفه لهندسة الدمار المنتهجة من طرف الحكومات، بين الضوء والظلام مشكلا بهما صورة رمزية جميلة، ولربما هو يقصد أن نار الفتنة والقمع السياسي، ظلام لا يشتعل منه ومعه ضوء ونور.
في نفس المقطع أيضاً تقابل وتناقض آخر، وذلك عندما يصف الكلام السياسي الذي أضحى بمثابة القصائد، والفعل الذي يكون بالتخطيط والتنظير والتنظيم، وهذا تصوير تقابلي فيه لمسة فنية تتصف بالجدة والابتكار، خاصة وأن هذا الوصف وجدناه في نصوص كثيرة، منها نص نزار قباني الذي يصف فيه فكرة الخطابات السياسية بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة. وذلك بالضبط في قوله:
كتبي وأطفالي المضوا – آتون
عمداً – في القصائد في العلاقات
الجديدة للكلام / الفعل بالتنظير
بالتنظيم ، بالتنجيم … يا حزبَ
الصدام الفصل
هذي نقطة للبدء – خط ُُ للمسير
فلا تهادن.
يقول في مقطع جديد:
لماذا تضخـّم هذا الجبل ..؟
وأي طريقٍ يسدُ ..؟
اللا أمس يمتـدُّ
أم الليالي التي حبلت
بالشموس يُعدّ ..؟
ما همّنا ..؟
للشمس أم للـ ……
بلى
همنا أن يُقــدّ ..!
الثلج يا تنوريّ الوقاد
.لن تنامْ
فسلامُُُ ُ وسلام ْ
اللليالي تحبل بالشمس التي تتاقضها أو تكاد، هو تصوير فني بليغ جداً، اختصر صورة معاناة الشعب الإيرتيري الذي امتد لا أمسه المرير والمحروم من الحرية إلى أيام أخرى، فلم يستطع الجبل الذي هو رمز عن الصمود والتحدي أن يسده أو يتصدى.
إن الموافقة بين المتعاكسات وحملها في صور ومشاهد شعرية واحدة، وكذا حملها بما يلائم موضوع النص، كان متقن التوظيف، جميل الاستحضار في هذا النص، الذي بلغت الصور الشعرية أوجها فيه، وهي تتقابل بين متعاكسات، تعكس الصورة الواحدة وتناقضها، لكنها لم تتاقض المعنى العام للنص، وهذا ما جعل هذا النص لمحمد مدني ذا وصف شعري مقتدر، يمكن لأي ايرتيري أو إفريقي تذوقه، وأيضاً تحسسه، وذلك أيضاً لأن الوصف التقابلي يمنح للشعر وصوره الفنية جدلية جميلة تحتوي على كثير من الاختلاف والخروج عن المألوف. وعلى هذا فالتقابل الوصفي هنا هو الجوهر الذي ارتقى بهذا النص.
وامتثالا لذلك قيل أن الشعر وصف، وأن الشاعر واصف لشيء ما، ولذلك فهو يعمد دوماً إلى التنويع في أشكال الوصف واستخدامها بأساليب مغايرة تماماً، قصد الهروب من الرتابة والنمطية من جهة، فالاعتماد على أسلوب وصف واحد يجعل الشاعر يكرر نفسه بكل ابتذال مهما كانت قيمته الأدبية، وقصد إحداث الإبهار والتفرد بصوره الشعرية من جهة أخرى.
من أجل أن تتميز الصورة الشعرية بمواصفات الإيجاز في المعنى، والتكثيف في اللغة، يعتمد الشعراء كثيراً على وصف الشيء بمعاكسه وما يخالفه في المعنى، وهو ما يعرف في أعراف النقد، بالوصف التقابلي الذي يكون فيه المشهد الشعري جامعا بين متقابلات، وهو ما يمنح الشعر نوعاً من الرمزية والتناقض والغموض والاختلاف، وهذا ما يميز الشعر عن سواه من الفنون الأدبية.
لقد كان الوصف التقابلي العمود الذي قامت عليه قصيدة أحتاج دوزنة للشاعر محمد مدني، حيث كان هذا النوع من الوصف حاضراً في أغلب المقاطع، بشكل مكثف ومتوازن، ما منح للنص قيمته الدلالية الخادمة لموضوع النص العام، إذ أنه ألحق به نوعاً من التضاد الذي جعل الصورة الشعرية في جدلية مستمرة بين المصطلحات المتعاكسة في معناها الاصطلاحي، المتفقة في شعريتها، وهو أيضاً الوصف الذي منح هذا الخطاب الموجه إلى الساسة في إيرتيريا ، والمحمل بالنزعة الوطنية ومشاعر الثورة والأسف جمالية في الرؤية والطرح.
يقول في بداية النص:
أحتاج دوزنة ً
تفك حبالكم عني
وتربطني بكم
كيف التقيتم… خلفَ نافذتي
تجمهرتِ البنادقُ
ناصبتني الشعرَ حيث
والخوفَ المسيجَ بالخمور
قرّبت بين النساء
وباعدت بين النساء وبيننا
باشر النص وهو يبحث عن دوزنة الحرية، صوره الشعرية مباشرة بالتقابل الوصفي بين فك الحبال وربطها في توظيف دقيق للمصطلحات المتعاكسة وفق معنى المشهد الشعري، وما تحتاجه دلالة النص من هجاء المخاطب ولومه، حيث تم مقابلة وصف حبال السيطرة عن الكاتب، بوصف يعاكسها ويشبهها في آن واحد، وذلك عندما يقصد ربطهم به.
يقول في نفس المقطع أيضا:
قربت بين النساء
وباعدت بين النساء وبيننا
وهذا أيضاً وصف معاكس ومتقابل قد تكون القصدية منه، التقريب بين النساء بهجرة رجالهم وأولادهم، وهو أيضاً تبعيد وتفريق في الوقت ذاته، وبالتالي فإن الوصف التقابلي هنا منح الصورة الشعرية جدالا جميلا بين المتناقضات.
يقول في مقطع آخر:
ها يهتّـف دمعُـنا
ودم
يعاندُ أن يَجـِفَّ ولا يُـَردْ
سيمل أطفالي الصغارُ البحـَر
يا بحرًا تجاوز في سكونه
كلَّ حدْ
يا بحرُ … قـُم
حرّ ك … تحرك أو فعد
نحو ابتدائك فالنهاياتُ البعيدة ُ
لا تُحدْ
ألفظ جحيمـَـك
أو فغادِر سا حليك إلى الأبدْ
في هذا المقطع أيضاً جدلية شعرية جميلة أحدثها التقابل الوصفي، الذي يخاطب البحر بالهيجان والسكون، في إشارة إلى ثورة قريبة لا بد أن تأتي من الأطفال، فوصف البحر بين سكونه وتجاوزه لكل أمد، دعوة للأطفال من أجل لفظ جحيمهم وتجاوز سكونهم كما يفعل البحر تماماً، هذا الاسقاط المتعاكس منح المقطع إيحاء جميلاً، خاصةً وأن المقطع يقابل بين البحر في تناقضه، وبين البحر والطفل في الهدوء والحركة.
يقول محمد مدني أيضاً:
كلما أزف الستارْ
قبضُ ‘ المياه هنا
وتشكيلُ الهواء
هـ
ن
ا
ك
هندسة ُُُ الدمار
يا لهفة َ المأموم ِ
صلٌى فرضَه
قبل الوضوء
هذا ظلامُ النار تحرق
مشعليها
دون ضوء
كتبي وأطفالي المضوا – آتون
عمداً – في القصائد في العلاقات
الجديدة للكلام / الفعل بالتنظير
بالتنظيم ، بالتنجيم … يا حزبَ
الصدام الفصل
هذي نقطة للبدء – خط ُُ للمسير
فلا تهادن.
لماذا تضخـّم هذا الجبل ..؟
وأي طريقٍ يسدُ ..؟
اللا أمس يمتـدُّ
أم الليالي التي حبلت
بالشموس يُعدّ ..؟
ما همّنا ..؟
للشمس أم للـ ……
بلى
همنا أن يُقــدّ ..!
الثلج يا تنوريّ الوقاد
.لن تنامْ
فسلامُُُ ُ وسلام ْ
في تصوير شعري جميل قابل هذا المقطع في وصفه لهندسة الدمار المنتهجة من طرف الحكومات، بين الضوء والظلام مشكلا بهما صورة رمزية جميلة، ولربما هو يقصد أن نار الفتنة والقمع السياسي، ظلام لا يشتعل منه ومعه ضوء ونور.
في نفس المقطع أيضاً تقابل وتناقض آخر، وذلك عندما يصف الكلام السياسي الذي أضحى بمثابة القصائد، والفعل الذي يكون بالتخطيط والتنظير والتنظيم، وهذا تصوير تقابلي فيه لمسة فنية تتصف بالجدة والابتكار، خاصة وأن هذا الوصف وجدناه في نصوص كثيرة، منها نص نزار قباني الذي يصف فيه فكرة الخطابات السياسية بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة. وذلك بالضبط في قوله:
كتبي وأطفالي المضوا – آتون
عمداً – في القصائد في العلاقات
الجديدة للكلام / الفعل بالتنظير
بالتنظيم ، بالتنجيم … يا حزبَ
الصدام الفصل
هذي نقطة للبدء – خط ُُ للمسير
فلا تهادن.
يقول في مقطع جديد:
لماذا تضخـّم هذا الجبل ..؟
وأي طريقٍ يسدُ ..؟
اللا أمس يمتـدُّ
أم الليالي التي حبلت
بالشموس يُعدّ ..؟
ما همّنا ..؟
للشمس أم للـ ……
بلى
همنا أن يُقــدّ ..!
الثلج يا تنوريّ الوقاد
.لن تنامْ
فسلامُُُ ُ وسلام ْ
اللليالي تحبل بالشمس التي تتاقضها أو تكاد، هو تصوير فني بليغ جداً، اختصر صورة معاناة الشعب الإيرتيري الذي امتد لا أمسه المرير والمحروم من الحرية إلى أيام أخرى، فلم يستطع الجبل الذي هو رمز عن الصمود والتحدي أن يسده أو يتصدى.
إن الموافقة بين المتعاكسات وحملها في صور ومشاهد شعرية واحدة، وكذا حملها بما يلائم موضوع النص، كان متقن التوظيف، جميل الاستحضار في هذا النص، الذي بلغت الصور الشعرية أوجها فيه، وهي تتقابل بين متعاكسات، تعكس الصورة الواحدة وتناقضها، لكنها لم تتاقض المعنى العام للنص، وهذا ما جعل هذا النص لمحمد مدني ذا وصف شعري مقتدر، يمكن لأي ايرتيري أو إفريقي تذوقه، وأيضاً تحسسه، وذلك أيضاً لأن الوصف التقابلي يمنح للشعر وصوره الفنية جدلية جميلة تحتوي على كثير من الاختلاف والخروج عن المألوف. وعلى هذا فالتقابل الوصفي هنا هو الجوهر الذي ارتقى بهذا النص.