منذ قرأت رواية الكاتب الياس خوري " أولاد الغيتو : اسمي آدم " صرت شغوفا بمتابعة ما جرى في اللد في تموز ١٩٤٨ .
وكلما رأيت مواطنا من اللد التي زرتها مرة بعد هزيمة ١٩٦٧ ، لساعة أو ساعتين ، في رحلة بمعية بعض سكانها الذين أجبروا على تركها عام النكبة ، أخذت أسأله إن كان يتذكر ما جرى في عام الخروج .
قبل ثلاثة أسابيع وأنا في الحافلة التفت إلى أحد سكان اللد ولم أحدثه لعدم تأكدي من أنه هو الذي أعرفه إلا لحظة نزوله من الحافلة . ولم يمر أسبوع حتى صعد ثانية إلى الحافلة التي كنت أستقلها ، وسرعان ما حاورته .
سألته ابتداء إن كان يتذكرني هو ابن الرابعة والثمانين عاما ، فترحم على والدي الاثنين وقال إن الذهب العتيق لا ينسى ، وذكرته بزيارة اللد بصحبته بعد حزيران ٦٧ ، وتجاذبنا أطراف الحديث وشتم الحكام العرب في حينه وقال بحقهم عبارة قاسية .
شتيمة الحكام وتحميلهم مسؤولية ضياع فلسطين هي ما يغلب على الرواية الشعبية عموما ، ولفرط تكرارها ، وتكرار قصة المرأة اللداوية مع حاكم عربي ومهاهاتها أمامه ، حفظتها عن ظهر قلب .
عندما هبطنا من الحافلة قال لي :
- لو كانت صحتي جيدة لاستأجرت الآن سيارة على حسابي واصطحبتك معي إلى اللد وتل أبيب لأريك اللد والسوق المركزي في تل أبيب ، وكان قوله إجابة على سؤالي إن كان ما زال يتذكر البلاد .
رواية خوري المذكورة أعادتني إلى روايات عربية وإسرائيلية وعالمية تناصت معها ، ومن الروايات رواية الكاتبة الايرلندية ( ايثيل مانين ) " الطريق إلى بئر سبع " التي كتبت في ١٩٦٣ ونقلت إلى العربية في ١٩٨٦ .
عندما قرأت رواية ( مانين ) تساءلت عن مرجعيتها في الكتابة ، فالكاتبة العصامية التي ثقفت نفسها بنفسها وصارت تكتب كل عام رواية سئلت ، في أثناء زياراتها إلى العالم العربي ، عن سبب عدم كتابتها رواية تعالج فيها المأساة الفلسطينية ، ولم تهمل السؤال . لقد استجابت له وكتبت عن الخروج من اللد في تموز ١٩٤٨ دون أن تعيش التجربة .
كان السؤال الذي أثرته وأنا أقرأ روايتها يخص مرجعيتها . هل عاشت الكاتبة مع الأسرة التي كتبت عنها وأصغت إلى أحاديثها عن الخروج ومعاناتها ؟ هل اعتمدت على مذكرات وحكايات ؟
لقد تتبعت كتابتها عن الأمكنة في اللد ومنها جامع دهمش والمجزرة التي ارتكبت فيه ، ولاحظت أنها لم تركز على فضاء اللد ، قدر ما ركزت على رحلة الخروج من المدينة إلى رام الله مرورا بالأماكن بين المدينتين ، ويخيل إلي أن الروائية زارت الضفة الغربية وتتبعت خط الخروج من أقرب مكان في الضفة الغربية إلى اللد فرام الله .
ما كتبته عن الخروج لفت نظر الدكتور جورج حبش الذي عاش في اللد وشهد ما حدث فيها ، فكتب في مذكراته " صفحات من مسيرتي النضالية: مذكرات جورج حبش " (مركز دراسات الوحدة العربية ٢٠١٩ ) الآتي عن الرواية :
" بعد سنوات على رحلتنا المأساوية وخروجنا من اللد ، قرأت كتابا لكاتبة بريطانية ، قصة اسمها " الطريق إلى بئر السبع " وكأن هذه الكاتبة كانت معنا في رحلة خروجنا . لا يكفي أن أقول إنني لم أجد أية مبالغة في ما كتبته تلك الروائية البريطانية ، بل أستطيع القول إن المأساة كما عشتها كانت أكثر حدة مما أظهرته تلك الرواية " .
وطبعا ثمة فارق بين أن تعيش الأحداث وتكتب عنها وبين أن تسمع أشخاصا يتحدثون عنها وتكتب عنها ، ومن هنا كانت عبارة الدكتور الأخيرة " بل أستطيع القول إن المأساة كما عشتها كانت أكثر حدة مما أظهرته تلك الرواية " .
ولا أعرف إن كانت المقابلات التي أجريت مع الروائية سألتها عن مصادرها في تأليف روايتها .
قرأت كتابين للدكتور جورج حبش ؛ الأول هو الذي ذكرته والثاني هو " الثوار لا يموتون أبدا " وهو مجموعة مقالات أجراها مع الحكيم صحفي أوروبي ، ولم ألتفت إلى آرائه عن مواقفه السياسية وطروحات الجبهة الشعبية وموقفها من الأنظمة العربية والفصائل الفلسطينية قدر التفاتي إلى الصفحات القليلة التي أتى فيها على حياته وأسرته ودراسته في الجامعة الأميركية في بيروت وعودته في ١٩٤٨ إلى اللد للبقاء مع أهله ومساعدة أهل مدينته وخروجه مهاجرا مجبرا تحت فوهات البنادق . وأعتقد أن هذه الصفحات هي المؤثرة دون غيرها ، وأن بقية المعلومات التي أتى فيها على جوانب أخرى من حياته الفكرية والتنظيمية والسياسية لا تهم إلا الباحثين والدارسين وبعض قادة الفصائل ممن ظلوا على قيد الحياة ، ولن يقرأها القراء بشغف كما يقرأون ما كتبه عن حياته في اللد وخروجه منها . إنها صفحات إنسانية مؤثرة تفصح لنا عن السبب الذي حدا به ، هو دارس الطب ، إلى التفرغ للعمل الفكري والسياسي والنضالي تاركا ممارسة مهنته طبيبا .
عندما توفي الحكيم التفت إلى علاقته بكنفاني وحضوره في كتابات الأديب وتساءلت عن مدى تأثيره فيها ، ولم ألتفت إلى الجانب السياسي الذي كتب فيه العشرات .
ببساطة الأدب أبقى من السياسة وأكثر خلودا .
عادل الاسطة
الجمعة والسبت
٢٨ و ٢٩ آب ٢٠٢٠
وكلما رأيت مواطنا من اللد التي زرتها مرة بعد هزيمة ١٩٦٧ ، لساعة أو ساعتين ، في رحلة بمعية بعض سكانها الذين أجبروا على تركها عام النكبة ، أخذت أسأله إن كان يتذكر ما جرى في عام الخروج .
قبل ثلاثة أسابيع وأنا في الحافلة التفت إلى أحد سكان اللد ولم أحدثه لعدم تأكدي من أنه هو الذي أعرفه إلا لحظة نزوله من الحافلة . ولم يمر أسبوع حتى صعد ثانية إلى الحافلة التي كنت أستقلها ، وسرعان ما حاورته .
سألته ابتداء إن كان يتذكرني هو ابن الرابعة والثمانين عاما ، فترحم على والدي الاثنين وقال إن الذهب العتيق لا ينسى ، وذكرته بزيارة اللد بصحبته بعد حزيران ٦٧ ، وتجاذبنا أطراف الحديث وشتم الحكام العرب في حينه وقال بحقهم عبارة قاسية .
شتيمة الحكام وتحميلهم مسؤولية ضياع فلسطين هي ما يغلب على الرواية الشعبية عموما ، ولفرط تكرارها ، وتكرار قصة المرأة اللداوية مع حاكم عربي ومهاهاتها أمامه ، حفظتها عن ظهر قلب .
عندما هبطنا من الحافلة قال لي :
- لو كانت صحتي جيدة لاستأجرت الآن سيارة على حسابي واصطحبتك معي إلى اللد وتل أبيب لأريك اللد والسوق المركزي في تل أبيب ، وكان قوله إجابة على سؤالي إن كان ما زال يتذكر البلاد .
رواية خوري المذكورة أعادتني إلى روايات عربية وإسرائيلية وعالمية تناصت معها ، ومن الروايات رواية الكاتبة الايرلندية ( ايثيل مانين ) " الطريق إلى بئر سبع " التي كتبت في ١٩٦٣ ونقلت إلى العربية في ١٩٨٦ .
عندما قرأت رواية ( مانين ) تساءلت عن مرجعيتها في الكتابة ، فالكاتبة العصامية التي ثقفت نفسها بنفسها وصارت تكتب كل عام رواية سئلت ، في أثناء زياراتها إلى العالم العربي ، عن سبب عدم كتابتها رواية تعالج فيها المأساة الفلسطينية ، ولم تهمل السؤال . لقد استجابت له وكتبت عن الخروج من اللد في تموز ١٩٤٨ دون أن تعيش التجربة .
كان السؤال الذي أثرته وأنا أقرأ روايتها يخص مرجعيتها . هل عاشت الكاتبة مع الأسرة التي كتبت عنها وأصغت إلى أحاديثها عن الخروج ومعاناتها ؟ هل اعتمدت على مذكرات وحكايات ؟
لقد تتبعت كتابتها عن الأمكنة في اللد ومنها جامع دهمش والمجزرة التي ارتكبت فيه ، ولاحظت أنها لم تركز على فضاء اللد ، قدر ما ركزت على رحلة الخروج من المدينة إلى رام الله مرورا بالأماكن بين المدينتين ، ويخيل إلي أن الروائية زارت الضفة الغربية وتتبعت خط الخروج من أقرب مكان في الضفة الغربية إلى اللد فرام الله .
ما كتبته عن الخروج لفت نظر الدكتور جورج حبش الذي عاش في اللد وشهد ما حدث فيها ، فكتب في مذكراته " صفحات من مسيرتي النضالية: مذكرات جورج حبش " (مركز دراسات الوحدة العربية ٢٠١٩ ) الآتي عن الرواية :
" بعد سنوات على رحلتنا المأساوية وخروجنا من اللد ، قرأت كتابا لكاتبة بريطانية ، قصة اسمها " الطريق إلى بئر السبع " وكأن هذه الكاتبة كانت معنا في رحلة خروجنا . لا يكفي أن أقول إنني لم أجد أية مبالغة في ما كتبته تلك الروائية البريطانية ، بل أستطيع القول إن المأساة كما عشتها كانت أكثر حدة مما أظهرته تلك الرواية " .
وطبعا ثمة فارق بين أن تعيش الأحداث وتكتب عنها وبين أن تسمع أشخاصا يتحدثون عنها وتكتب عنها ، ومن هنا كانت عبارة الدكتور الأخيرة " بل أستطيع القول إن المأساة كما عشتها كانت أكثر حدة مما أظهرته تلك الرواية " .
ولا أعرف إن كانت المقابلات التي أجريت مع الروائية سألتها عن مصادرها في تأليف روايتها .
قرأت كتابين للدكتور جورج حبش ؛ الأول هو الذي ذكرته والثاني هو " الثوار لا يموتون أبدا " وهو مجموعة مقالات أجراها مع الحكيم صحفي أوروبي ، ولم ألتفت إلى آرائه عن مواقفه السياسية وطروحات الجبهة الشعبية وموقفها من الأنظمة العربية والفصائل الفلسطينية قدر التفاتي إلى الصفحات القليلة التي أتى فيها على حياته وأسرته ودراسته في الجامعة الأميركية في بيروت وعودته في ١٩٤٨ إلى اللد للبقاء مع أهله ومساعدة أهل مدينته وخروجه مهاجرا مجبرا تحت فوهات البنادق . وأعتقد أن هذه الصفحات هي المؤثرة دون غيرها ، وأن بقية المعلومات التي أتى فيها على جوانب أخرى من حياته الفكرية والتنظيمية والسياسية لا تهم إلا الباحثين والدارسين وبعض قادة الفصائل ممن ظلوا على قيد الحياة ، ولن يقرأها القراء بشغف كما يقرأون ما كتبه عن حياته في اللد وخروجه منها . إنها صفحات إنسانية مؤثرة تفصح لنا عن السبب الذي حدا به ، هو دارس الطب ، إلى التفرغ للعمل الفكري والسياسي والنضالي تاركا ممارسة مهنته طبيبا .
عندما توفي الحكيم التفت إلى علاقته بكنفاني وحضوره في كتابات الأديب وتساءلت عن مدى تأثيره فيها ، ولم ألتفت إلى الجانب السياسي الذي كتب فيه العشرات .
ببساطة الأدب أبقى من السياسة وأكثر خلودا .
عادل الاسطة
الجمعة والسبت
٢٨ و ٢٩ آب ٢٠٢٠