ستيف هوكينج وموت الفلسفة (هل ماتت الفلسفة؟)
في أكثر من نقطة يشير الغذامي إلى أن الفلسفة ماتت وذلك من خلال هوكينج . ص 11 . وفي الفصل الخامس حيث نتلمس هنا " حواسم " الغذامي في " مطاردة " الفلسفة، وتحت عنوان : مآلات الفلسفة ،وطي العنوان هنا ما هو مريع، نعيوي من جهة الغذامي: النظرية أو موت الفلسفة ، وقوله: أبرز من قال بموت الفلسفة هو ستيفن هوكينج. ص 175.
أتحدث عن المطاردة، ليس على طريقة أفلاطون في سعيه إلى محاولة طرد الشعراء من جمهوريته، واستعانة من إملاء خارجي أو تأثير جانبي، وإنما بتقدير منه اعترافاً بخطورتهم على الجمهورية، أي كونهم مأخوذين بما هو حسي وفوري وليس مثالياً بمأثوره الفلسفي، وأن الذي انطلق منه الغذامي جاء في لحظة غير محتسَبة، ترجمة لما هو مكبوت، ربما عانى منه طويلاً.
صحيح أن الغذامي لا يسمي موت الفلسفة بموت الفلسفة، ومن خلال فيزيائينا الكبير مقاماً وعظمة رؤية علمية، أي هوكينج خصوصاً، إنما بتغير الدور، ولكنه، هنا، يجردها من كونها فلسفة، وبطريقته هو، وهو يستعين بالغزالي، كما سنرى، وهنا لا يبقى أي أثر لا لهوكينج، ولا لنظرية ( النص ) ولا حتى للغزالي عينه، وهو حصيلة جملة مؤلفاته التي عرِف بها في زمانه، وفي الواجهة" إحياء علوم الدين )، وربما كان غذامينا أقرب إلى هذه المجموعة من المجلدات .
الغذامي يتحدث عن النظرية، وهي تظهر لديه بتصور ٍ خلاف ما هي عليه في بنيتها، والفلسفة هكذا، والعلم هكذا، ومن خلال هوكينج بالذات إيقونة الفيزياء، وحتى العقل نفسه، وقد " ذوْقنه : إبرازه من خلال مفهوم الذوق، بطابعه الصوفي " وما في ذلك من انزياح عمّا هو فلسفي .
كيف استعرض الغذامي أفكار هوكينج من خلال " أفكاره !!! "؟
ثمة ما يجدر التذكير به، وفي كتاب الغذامي:
( ومع هوكينج في حدود العلم، حدود العقل، ويقول عن أنه يكشف عجز العقل عن تحقيق هذا المبتغى، ومن هنا فهو يخرجها بحكمه عليها بالموت. ص 34 .
مع موت الفلسفة لهوكينج. ص 175 .
وحول النظرية مع هوكينج، ص 176 .وقد نظر للنظرية بوصفها أساساً للعلم. ص 176 . ومديح الغذامي له. ص 178 .)
يذكّر الغذامي ( ولا أكتب يقول أو يرى، لأن ذلك تأكيد على أنه هو صاحب القول أو الموقف، بينما ثمة آخرون مستعان بهم ) أن الفلسفة لا تموت حيث النظرية هي الحل: وكثيرون يرون أن النظرية حلت محل الفلسفة. ليس إلغاء وإنما تصدّياً للمبحث الفلسفي بصيغة حديثة تحرر الفلسفة التقليدية من التكرار الذي ظلت تقع فيه... والحق أن لا أحد يقول بموت الفلسفة بهذه الحدة كما فعل ستيفن هوكينج، ولكنهم يرون تغير وظيفة الفلسفة في هذا العصر، وقد عرضت لباشلار وفوكو ودريدا ورورتي في الفصل الأول، وأقف مع هوكينج لنرى هل أمات الفلسفة أم أنه تبنَّى صيغة ( النظرية) وانساق لإماتة الفلسفة حين تبنى الفلسفة بصيغة النظرية . ص 176 .
وقد أدرك هوكينج أهمية النظرية . ص 176.
ثم مديحه لكتابه التصميم العظيم، وإبراز نقاطه المفصلية. ص 177. عبر تعزيز التوق البشري للمعرفة: لو تحقق لنا أن نصل لجواب عن لماذا نحن موجودون، ولماذا الكون موجود معنا، فحينها سنحقق الانتصار الأعظم للعقل البشري، بما أننا حينها سنتعرف على فكرة الله حول وجودنا. ص 178 .
طبعاً ، ومن باب التأكيد، أن هذه الفلسفة من صنعة الفلسفة في الصميم، أو فلسفية، ولا صلة لها بالعلم الذي عرَّف به هوكينج نفسه، ومفهوم " الكيفية " واللافت أن الغذامي يلحق عبارة ( حينها سنتعرف على فكرة الله حول وجودنا.)، أي بعد سلسلة " لماذا " ولا أدري من أين جاء بها، لأن فكرة هوكينج عن الكون، وانطلاقاً من علمه بطابعه الفيزيائي تقوم على أن الكون هو الذي يقرر نفسه، أي ينتظم ذاتياً، وليس من وجود للإله إطلاقاً، حيث تعرَّض لانتقادات كثيرة جرَّاء هذا الموقف. لا بل يمكن القول أن أي إشارة إلى وجود " خالق للكون " كما هو المعتاد، لا يطيح بفكرة هوكينج العلمية المحضة فحسب، إنما يلغي كل أساس لها أيضاً، لأن الفلسفة هي التي يكون لها القول الفصل عن الوجود الإلهي، وبالتالي يكون هوكينج قد بدأ عالماً وانتهى متفلسفاً.
كيف أدخل الغذامي العبارة السالفة يا ترى ؟
يعلق الغذامي قائلاً: هنا يمارس هوكينج الفلسفة ويضع الفكر الفلسفي في صميم جدليته.
وفي الخلاصة، فإن هوكينج لن يفكر من الفلسفة إلّا إلى الفلسفة . ص 178 .
ليرى أن النظرية النقدية هي الصيغة التي تقوم مقام علم إنساني وثيق الصلة بالعقلنة والاستدلال العقلي والتفكير الناقد، وهذا المنشط هو الصيغة العصرية للفلسفة . ص 179 .
وليجزل العطاء " الكلامي "لقيمة النظرية: قيمة النظرية هي أنها عابرة للمفاهيم، بمثل ما هي عابرة للتخصصات . ص 179 .
وقد أشار إلى ذلك سابقاً في الحديث عن نظرية( النص ) أو ( النظرية) فقط، حسب تعبير جوناثان كوللر الذي يصف الحدث هذا بأنه الخطاب الجديد ذو الطابع الشمولي . ص 172.
أي إن كل ما يتفوه به، يُسمّي الآخرين فضيلة معرفة: علماً وفلسفاً، ويته كرّر القول صحيحاً. إن بالنسبة لحقيقة نظرية هوكينج، وإشكالية التسمية، على وقْع خاصية الاحتمال لا القطع، أو بالنسبة إلى المدفوع به تعبيراً عما هو فلسفي، وغير ساري المفعول، حيث يرتد القول تقديراً إليه .
إلى هوكينج في منبعه
في قراءة كتاب هوكينج " التصميم العظيم " ثمة ما يفيد لإضاءة حقيقة " مآلات ..".
أشير إلى تلك النقاط المحورية التي تعنينا في الكتاب، دون اختزالها، وإساءة الفهم بذلك " 1 "
الكتاب في في ثما نية فصول
ف 1: لغز الوجود
( هناك أسئلة، مثل: كيف يمكننا فهم العالم الذي وجدنا أنفسنا فيه؟ كيف يتصرف الكون؟ ما حقيقة الواقع؟ هل الكون كان بحاجة لخالق؟... .ليعلّق قائلاً: كانت تلك الأسئلة التقليدية للفلسفة، لكن الفلسفة قد ماتت، ولم تحافظ على صمودها أمام تطورات العلم الحديثة . ص 14 .).
نلاحظ ضمناً، وبما لا يمكن الاختلاف عليه في المعنى أن سؤال : هل الكون كان بحاجة لخالق ؟ يندرج ضمن الأسئلة التقليدية، أي إنه سؤال فلسفي قديم، فكيف فات الغذامي ذلك؟ أفوّته قصدا؟
( ويبحث عن الإجابات التي تفرضها الاكتشافات الحديثة . ص 14 .
وحول سؤال الخلق: الكون الذي نعيش فيه ليس هو الكون الوحيد. ص 19 .)
ف2: سيادة القانون
( إن الجهل بطرق الطبيعة قادت الناس في العصور القديمة لابتكار الآلهة التي تتحكم في كل مناحي الحياة البشرية . ص 26 .
معظم أفكار اليونانيين القدامى لا يمكن اعتبارها مرْضية، لأنهم لم يبتكروا الطريقة العلمية. ص 32 .) .
طبعاً كل ما يخص هاتين الفقرتين لا صلة لهما إطلاقاً بالعلم، وإنما بالفلسفة، أي إن هوكينج اعتمد على الطريقة الفلسفية لتنوير فكرته العلمية، وتأكيد أن الفلسفة لم تمت طبعاً .
وفيما يقول تالياً:
( حسب معظم العلماء، قانون الطبيعة هو القاعدة التي تقوم على الانتظام الملحوظ. ص 39 .
هل يمتلك الناس إرادة حرة.. وأين تطورت. ص 43 . ) .
النظر في قوله هذا كذلك، لا يؤسس لما هو علمي، وهو في عموميته الجلية، وإسناد القول غير المنضبط إلى علماء دون تسميتهم، وما يخص " قانون الطبيعة " الأكبر من فكرة فيزيائينا .
وما يراه في هذه الجملة الصادمة لمَا يكون وعيه دينياً، جملة تحرر الكون مما هو متعال ٍ:
( هذا الكتاب يؤصّل لمفهوم الحتمية العلمية . ص 47 .)
وذلك ما نتبينه واقعة مقروءة في ألأفها ويائها في : ف5( نظرية كل شيء: يمكن فهم الكون لأنه محكوم بقوانين علمية.ص 110 ).
وفي ف6: اختياركوننا:
( الأكوان التي يمكن أن توجد بها حياة قبلنا هي أكوان نادرة . ص 175 .)
حيث الحديث احتمالي، وفيه من الخيال الكثير، أو التأمل الفلسفي في الواجهة .
وحتى في ف7( المعجزة الظاهرية: تأكيد فكرة أكوان عدة. ص 198 .)
نتلمس مثل هذا التصعيد بما هو فلسفي، لأن ليس من قربى بين مفهوم " المعجزة الظاهرية " والعلم الذي يقوم على حقائق طبيعية أو ملموسة بالتجربة.
وفي ف8: التصميم العظيم " أي عنوان الكتاب " يكون المنتظَر من عموم الكتاب نفسه:
تأكيد سؤال الكيفية وليس الماهية " لماذا ؟ ". ص 206. وأسئلته تخص الماهية .
ثمة أسئلة تفصح عما يفكر فيه:
لماذا يوجد شيء بدلاً من لاشيء؟
لماذا نحن موجودون؟
لماذا هذه المجموعة من القوانين وليس مجموعة أخرى؟
ليعلّق قائلاً( قد يزعم بعضهم أن إجابة تلك الأسئلة هي أن هناك إله قد اختار الكون بهذه الطريقة ومن المعقول أن نسأل من أو ماالذي خلق الكون، ولكنإن كانت الإجابة هي الإله، فحينها سينقلب السؤال وحسب ليكون ومن خلق الله. ص 206 .
الاعتماد على قوانين الطبيعة لمعرفة الكيفية التي يتصرف بها الكون. ص 207 .).
ماذا يقول الغذامي فيما تقدَّم، بصدد الموقف من " خالق الكون "؟ طبعاً أنا لا أدافع عن أي كان، وفي سياق علاقتي بكتاب " مآلات .." وحتواه، إنما أستعرض الأفكار ذات الصلة، وأحاول النظر فيها نقدياً، وربطها بجملة من الأفكار التي تتمتع بقابلية البقاء ومصداقية وجودها معرفياً .
هوكينج يمدح النظرية التي تعنيه وليس كما أشار إليها الغذامي وهي من لدنّ كوللر" الغربي ": النظرية " إم " هي النظرية الوحيدة المرشحة لأن تكون النظرية الكاملة للكون . ص 216.
وإثبات النظرية بالملاحظة . ص 217 .
وما يؤسس لها فيزيائياً: النظرية " إم " هي النظرية الموحّدة التي كان يأمل أينشتاين في أن يجدها.. لهذا فإن قدرتنا على الاقتراب من جهة القوانين التي تتحكم فينا وفي كوننا ستكون انتصاراً عظيماً . لكن ربما تكون المعجزة الحقيقية هي أن يقودنا تجريد اعتبارات المنطق إلى النظرية الفريدة التي تتنبأ وتصف لكون الهائل المليء بهذا التنوع العجيب الذي نراه. وإذا تم إثبات النظرية بالملاحظة، فسيكون ذلك خلاصة ناجحة للبحث الذي يرجع تاريخه لأكثر من 3000 عام، وسيكون قد عثرنا على التصميم العظيم. ص 218 .
طبعاً في مختتم الكتاب كل ما هو مقروء، في السطور وما بينها، وما خلفها، هو لسان حال الفيزيائي الذي يضع كل رهانه في كفة العلم الذي انشغل به، وليس من كفة أخرى بالمقابل طبعاً، إذ الفلسفة التي يستبقيها تلك التي تكون في " طاعة " العلم : أمرك مولاي! وليس خارجاً، وفي الوقت الذي تكون فرحة فيزيائينا العبقري بالتأكيد ليس بناء على ما أنجزه فيزيائياً، ومدخله الثقب الأسود، إنما ما استعصى على الهضم فيزيائياً، إنها فرحة " التصميم العظيم " اليافطة التي تمتد إلى المستقبل، وهي بقوامها وملء صوتها فلسفية، وهي التي تمنح العلم حضوراً حياً .
في الحوار مع هوكينج وما إذا كانت الفلسفة ميتة أم خلاف ذلك
نعم، هناك إمكان حوار، لأن كتاب هوكينج قائم على ما هو تراكمي معرفياً: العلم والفلسفة، ولأن التصور الفلسفي للكون وأبعد لازمه من مبتداه إلى منتهاه، ولو في سياق عرضه لنطريته في الفيزياء، وما فيه من إمتاع ومؤانسة حقاً، على النقيض مما ابتدأ به الغذامى وانتهى إليه للأسف!
لنتوقف عند الفيلسوف والعالم الكندي بول تاغارد وما يقوله في كتاب هوكينج:
أعلن كلٌّ من ستيفن هوكينغ وزميله عالم الفيزياء ليونارد ملودينو على الصفحة الأولى من كتابهما "التصميم العظيم" موت الفلسفة؛ لأنها لم تواكب التطورات الحديثة في العلم . ومن بين تصريحاتهما:
1-لا يكون صحيحاً إلا إذا قبلتم مثلي وجهة النظر القائلة بأن المفاهيم تعتمد على النظريات. لكن التصريح 2- ينسجم على نحوٍ عادل مع الطريقة التي يتحدث بها فلاسفة العلم عن العلم، رغم أنه قد يكون من بنات أفكار علماء الفيزياء الرياضية أن يفترضوا هذا الانسجام البديع قبل وجود سَنَدٍ تجريبيٍّ. علاوة على ذلك، إن التصريح 3- مثير للجدل للغاية لأنه يقترح أن النماذج يمكن أن تخلق الواقع عوضاً عن أن تكتشفه. ومن الجلي أن كل هذه التأكيدات كافةً تُعَدُّ فلسفية في طرحها لمزاعم عامة حول طبيعة المعرفة والواقع.
ولقد شكّك كثير من علماء الفيزياء البارزين، وبينهم آينشتاين ولي سمولين، بنوع تأويل نظرية الكم الذي افترضه هوكينغ وملودينو، اللذان كان نقاشهما عن الأكوان المتعددة نقاشاً فلسفياً بحتاً، ويخلو من الدقة العلمية.
و:ما هي العلاقة الصحيحة بين الفلسفة والعلم؟ كان الجواب في إحدى المرات هو وجهة النظر الطبيعية، التي جسّدها فلاسفة مثل أرسطو ولوك وهيوم وميل وبيرس وديوي وكواين وكثير من فلاسفة العلم المعاصرين. رأى أولئك الفلاسفة أن الفلسفة والعلم مستمران، وأن الأسئلة الجوهرية عن طبيعة المعرفة والواقع والأخلاق والمعنى يجب أن يُجاب عنها بالاعتماد على النظريات العلمية والأدلة.
إن السؤال الأساس هو: إلى أي مدى نجح هوكينغ وملودينو في التوصل إلى استنتاجات معقولة حول المعرفة والواقع؟ ستستغرق الإجابة عن هذا السؤال بدقة تقويماً أطول، لكن يجب أن يكون جلياً من المقبوسات أعلاه، أن تأكيداتهما تذهب إلى ما وراء النجاحات التجريبية الحقيقية للنظرية الكمومية نحو حقل من التأمل الفلسفي قريب من فلاسفة آخرين شككوا في الوجود المستقل للواقع.
إن الفيلسوف الغابر الذي صار هوكينغ وملودينو عبدين له دون أن يعيا ذلك هو إمانويل كانط، الذي حاول أن يبين أن الواقع يتكوّن بفعل العقل الإنسانيّ.
و:يكرر هوكينغ وملودينو الخطأ الفلسفي الكانطي في الاستنتاج بتبيانِهما حقيقة أننا نحتاج إلى عقول من أجل تطوير معرفتنا بالواقع. ويفترضان أنه لا يوجد واقع مستقل عن هذه العقول والنماذج التي تنتجها .
فالعلاقة بين العقول والنماذج والواقع مشكلة فلسفية مهمة قائمة في علوم كثيرة ولا تستطيع الفيزياء الحديثة وحدها أن تقدم جواباً عنها.
لقد: كان الفيلسوف برتراند راسل والروائي مارك توين من بين كثير من الأشخاص الذين تم الإبلاغ عن موتهم خطأً وبالتالي تمكنوا من قراءة نَعْيِهِما المبكر، فكتب توين معلقاً على ذلك أن "الإبلاغ عن موتي مبالغة"، وما قاله ينطبق على الفلسفة." 2 "
في مقال آخر ثمة ما يوسّع دائرة الحوار ويخصبه:
وهكذا ، وفقًا لهوكينج ، تسمح الفيزياء النظرية في حالتها الحالية من التقدم بهذا الاستنتاج الرائع: الكون - المجرات والبكتيريا ، البشر والصخور ، الأشجار والجسيمات - سيكون محكومًا بالكامل وبشكل صارم بالقوانين الفيزيائية ، ومصيره محكوم تمامًا.
وما يشير إلى غير المفكَّر فيه لدى فيزيائينا:
غالبًا ما تكون أبسط الأخطاء هي الأصعب في تحديدها. من الأسهل معالجة التفاصيل. ومع ذلك ، فهو خطأ في التفكير فظيع إلى درجة أنه يكاد يكون من المستحيل تخيله ، وهو ما يقدمه لنا ستيفن هوكينج. مهما كانت موهبته كفيزيائي ، فقد نسي من أين أتى ، فقد نسي أنه في بداية مسيرته اتخذ خيارًا ، خيارًا متطرفًا ولكنه فعال للغاية ، من أجل استكشاف العالم المادي بشكل أفضل ، فقط هو. في طريقه لم يجد إرادة حرة ولا وعيًا ولا فكرًا ، وهو أمر منطقي لأنه في البداية ، من أجل ضرورات استكشافه ، كان قد تخصص في الكون المادي وحده.
وما يمكن قوله بصدد قضية كونية لا ينظَر فيها من زاوية واحدة فقط:
دعنا نحاول أن نستنتج. ستيفن هوكينج فيزيائي عظيم. قد تكون مواقفه الفلسفية صحيحة ، وقد لا تكون كذلك ، لكن قيمتها مستقلة عن الأعمال التي برع فيها.
أما بالنسبة لواقع الأشياء ، فلا شك أنه من الحكمة التذكير بأن التواضع هو أحد الصفات الرئيسة التي أشعلت شرارة الفكر العقلاني في اليونان منذ سبعة وعشرين قرنا ، والتي حافظت منذ ذلك الحين على شعلة البحث العلمي." 3 "
وفي هذا السياق الحواري- العلمي الفلسفي، الوجودي في تبعاته المختلفة، نتلمس ما يشدد على وجوب التوازن، أو إبقاء الحوار قائماً عبر علاقة تفاعلية، وليس باتهامات متبادلة:
( يجب أن ندرك أن الفلاسفة لديهم الكثير ليغفر لهم الفيزيائيون ، لأنهم غالبًا ما أخطأوا بفخر زعمهم ، دون أدنى دعم تجريبي ، أن يقرروا الأسئلة المتعلقة بالكون. على العكس من ذلك ، من المؤسف أن العديد من الفيزيائيين الذين يطرحون اليوم نظريات تأملية حول أصل الكون يجهلون ما أنتجته قرون من التفكير الفلسفي في هذه المشاكل من حيث الحجج والتحليلات المفاهيمية.
مهما كان الأمر ، فإن هذا الكتاب يشهد على الاختراع النظري الذي لا ينضب لستيفن هوكينج ، وكذلك الموهبة غير العادية كقابلة لوريثه ، توماس هيرتوج ، وعلى عقدة الألغاز التي لا تنضب التي تشكل ، للعقل البشري والخيال. ، السؤال المادي والميتافيزيقي من أصل مطلق.) " 4 "
ذلك جدير بأن يُنظَر في أمره، وأن يًغى إلى كل ما يقال طالما أن النتيجة ممضيٌّ عليها من قبل الجميع. وهو ما يمكن قوله لكاتبنا الغذامي، بعيداً عن الظهور بقوام واعظ، وما يذكّرنا في سبعينيات القرن الماضي، حيث انقسم الناس في الشارع، ممن يهتمون بما هو إيماني، ومن يعزّزون ما هو مادي فلسفي، وفي شوارع دمشق " أيام دراستي في الجامعة " والدعاية اللافتة لكتب من نوع " العلم يدعو إلى الإيمان " واللافت أن كتاب هوكينج : يدعو إلى الإلحاد، فكيف ينبغي النظر إلى العلم إذاً، وفي الحالتين علم؟ وانتشرت كتب كاتب مصري معروف، كانت تتم تعبئة النفوس من خلالها، أعني به: مصطفى محمود " 1921-2009 "، وهي كتب سهلة القراءة، وتخاطب المشاعر والأحاسيس، من نوع: حوار مع صديقي الملحد، و: رحلتي من الشك إلى الإيمان، ونار تحت الرماد، و: رأيت الله ، و: الإسلام ، ماهو؟ ...إلخ . وقد أصبح تالياً في ذمة التاريخ، وأقرب إلى أن يكون طي النسيان. لقد كان كرَة ثلج ضخمة وفي حر الصيف!
ما يمكن قوله، هو ما جرى ويجري النظر فيه على صعيد كوني. إذ إن هوكينج حين يتحدث عن وجود أكوان عدة، وليس كوننا الوحيد، ويعتمد على مقولة الفيزياء في تفسير الكوني، يواجه تناقضاً للغاية، لأن ليس في مقدوره أن يقدّم لنا علماً دقيقاً، حتى على نطاق كوكب الأرض، وليس لديه ما يعزز مقولته، إنما هي الفلسفة التي ترفع من شأن مقولته، فكيف بالحديث عن أكوان عدة وما لا يعرَف عنها أي شيء، إنما ما يكون تخميناً، وهو نفسه متحفَّظ عليه كثيراً، لأن ليس لدينا من معلومة معينة عن الخاصية الفيزيائية تلك التي يشار إليها. وبذلك فإن الفيزياء لن تكون عصا موسى التي شقَّت البحر، بخاصيتها الرمزية المعروفة، بمقدار ما تمارس شقاً لبحر ما، بحر متخيَّل هنا معلوم الاسم طبعاً، ربما يكون هوكينج ومن يؤمن به ؟ ولا بد أن شغفاً ملحوظاً وراء تفسيره المقدَّم كيفياً، سوى أنه المثقَل بما هو ماورائي، أي بالماهية التي تبقي الفلسفة في الواجهة.
ثمة من يحاور فيزيائينا الكبير بحق، وينير ما حوله علّه يتبصر حقيقة ما يستند إليه:
( من المعروف أن ستيفن هوكينج فيزيائي نظري لامع ، يعادل السير إسحاق نيوتن في عصرنا. وهو أيضًا مشهور عبقري بكتابه "تاريخ موجز للوقت" الذي لدي نسخة منه. أن تكون رجل علم وأن تنشر العلم هو مبادرة جديرة بالثناء.
لكن عندما ينزلق النقاش إلى الميتافيزيقا ، فإنه يبتعد فقط عن معايير العلمية. في الواقع ، تتميز الأسئلة الوجودية الكبرى عما يسمى بنظرية المعرفة على أساس التجريبية والتفنيد. "هل يوجد مهندس معماري عظيم في الكون؟" ، على سبيل المثال ، فرضية خالية من العلم: لا يمكننا إثبات وجود هذا المهندس ، ولا إثبات عدم وجوده. وبالتالي فإن السؤال ليس له مكان في العلم ، فهو ليس خصوصيته.).
والسؤل الذي يُطرَح هنا، وما يصله بجوابه:
( ما هي الصلة الوثيقة بين الفلسفة والعلم: نظرية المعرفة. سيكون من المثير للاهتمام مناقشة تعريف ماهية العلم.
تعتمد معرفة الظواهر على طابعها القابل للدحض. مهندس الكون ، مهما كان اسمه ، لا يمكن ملاحظته ، ولا يمكن قياسه ، ولا يمكن حتى تعريفه على أساس فرضيات قابلة للدحض عن طريق التجارب القابلة للتكرار ولا عن طريق نظرية يمكن التنبؤ بها. وبالتالي فإن هذا المهندس المعماري غير معروف ، وبالكاد يمكننا تعريفه أو وصفه. لذلك لا يمكننا قول أي شيء عن الأشياء الميتافيزيقية ، ولا يمكننا تقييمها بموضوعية.
وبالتالي ، لا يمكن للمرء أن يتظاهر بممارسة العلم بالخطابات الميتافيزيقية ، لأنه بخلاف ذلك سيكون خاطئًا.
لا أحد ، ولا بأي وسيلة ، يمكنه الادعاء بتقديم إجابات موضوعية للأسئلة الميتافيزيقية ، ولا حتى العلم ، ولأن هذا ليس دور العلم. إن الادعاء بتقديم مثل هذه الإجابات الميتافيزيقية أو الروحية أو الدينية من خلال مناقشة العلم كوسيلة للبحث هو خدعة فكرية. العلم الشعبي ليس هدفه سوى مشاركة العلم والمعرفة ، وليس منتجًا تسويقيًا. إن مشاركة المعرفة على أساس الحقائق أفضل من جني الأموال من خلال التسهيلات المثيرة للتسويق.) .
وما يجدر الانتباه إليه، وأخذ العلْم الخاص به:
( بالنسبة لأولئك الذين يسعون للحصول على إجابات ميتافيزيقية ، يجب أن يطرحوا احتمال عدم وجود هذه الإجابات. فكرة عدم وجود الله ، على سبيل المثال ، ينتج عنها عدم وجود الخطيئة الأصلية ، وعدم وجود الخير والشر يُسمَّى بشكل صحيح. إن البحث عن إجابات ميتافيزيقية يترجم في الواقع الحاجة إلى اليقين ، بينما تمتلئ الطبيعة بشكوك عميقة. يجب أن نعترف بالحاجة إلى الشجاعة: قبول عدم اليقين ، وقبول المخاطرة بعدم وجود إجابات. سواء كانت هذه الإجابات موجودة أم لا ، فنحن جميعًا نواجه قانونًا طبيعيًا: تظل هذه الإجابات غير معروفة بأي وسيلة.
يجب الحصول على جميع المعارف التي يمكن الوصول إليها من خلال الأساليب العلمية ، وما لا يستطيع العلم اكتشافه ، لا يمكن للبشرية معرفته ". (برتراند راسل)..) .)
والأهم مما تقدم ما يخص " موت الفلسفة " وأي دعوى وراءه هذا النعي الفيزياء نسَباً:
( لقول الحقيقة ، يبالغ هوكينج ، الفلسفة لا تدعي الحقيقة أو المعرفة المطلقة ، إنها فن التفكير الذي يمنح فيه التفكير والأسئلة الحرية والتنوع للأفكار. أما بالنسبة للعلم ، فهو بحد ذاته فرع من الفلسفة ، مؤطرًا بنظرية المعرفة ، وموضوعه البحث عن المعرفة غير المعصومة على أساس الموضوعية (المفهوم الفلسفي) التي تكون وسائلها التجريبية (المفهوم الفلسفي) من خلال معيار التفنيد (المفهوم الفلسفي). ). إذا كان العلم فلسفة نجحت ، فذلك لأنه يعمل ، والنتائج تشهد على ذلك.
يتراجع بالقول: "لذا يبدو أننا مجرد آلات بيولوجية وأن إرادتنا الحرة مجرد وهم".
البيان الذي يشير إلى الحتمية يتناقض مع ما هو معروف في آليات المادة على المستوى الذري: ميكانيكا الكم هي نظرية احتمالية تكون فيها الصدفة هي الموصل.
يمكنك القيام بفلسفة جيدة على سبيل المثال مثل إروين شرودنجر وكارل بوبر عندما تكون لديك معرفة علمية ، ولكن من الواضح أن فلسفة هوكينج ليست شيئًا له.).
ولدينا أمثلة يوردها محاوره ويحاول مكاشفة بنيتها:
( صفحة 15: M-Theory هي النموذج الوحيد الذي يمتلك جميع الخصائص المطلوبة لتكون نظرية نهائية ، وسوف يعتمد عليها معظم تفكيرنا.
من ناحية ، لا يمكن للمرء أن يدعي وجود نظرية نهائية ، لأن الرياضيات لا تنضب ، وأي نظرية علمية هي تمثيل للواقع غير معصوم ومثالي. العلم طريق وليس هدفاً. إن الحديث عن النظرية النهائية يرقى إلى القول بأننا نضع عقائد وحقائق نهائية لا يمكن دحضها ، وهي ليست مسئولية المنهج العلمي. قد تكون نظرية إم نظرية ، لكن من غير الدقيق إعطاءها الصفة النهائية.
الصفحة 15: نظرية M ليست نظرية بالمعنى العادي للكلمة.
هذه جملة تناقض نفسها ...
الصفحة 17: لماذا يوجد شيء بدلاً من لا شيء؟ لماذا نحن موجودون؟ لماذا هذه القوانين الخاصة وليس غيرها؟
هذه أسئلة ميتافيزيقية لا تنتمي إلى العلم. يشرح العلم كيف تعمل الأشياء ، وكيف تعمل أجسامنا ، والتفاعلات البيوكيميائية. يجعل العلم من الممكن قياس الأحجام الفيزيائية ، ويقدر الظواهر. لكن السؤال عن السبب ليس علميًا. إذا كان بإمكان العلم أحيانًا أن يجد إجابات موثوقة لشرح كيفية الظواهر ، فهل يمكن للفلسفة أن تدعي أنها تجد إجابات موثوقة حول سبب وجود الأشياء على الإيمان الوحيد للفكر ، دون اللجوء أحيانًا إلى الحقائق؟
بعد أن قرأت الآن أكثر من 100 صفحة من كتاب هوكينج ، فإن الكتاب ليس بالسوء الذي كنت أتخيله. بعد كل شيء ، اختار هوكينج عنوانًا جذابًا ومثيرًا لإغراء الساذج ، ربما في محاولة لتثقيفهم. بهذا المعنى ، لا يمكنني إلا الموافقة على هذا النهج.
صفحة 173: أحد الأسئلة الأساسية التي لا تزال مفتوحة في نظرية M هو: لماذا لا توجد ، في كوننا ، أبعاد أكثر وضوحًا ولماذا يتم طي أبعاد معينة؟
يقدم هوكينج الأبعاد المكانية كواقع مادي ، وهذا خطأ ، لأن الرياضيات ليست سوى تمثيل غير معصوم للعالم ، فهي تعمل على وصف الواقع ولكنها ليست الحقيقة نفسها. هناك خلط بين الواقع الموصوف بوساطة الرياضيات وعرض الرياضيات على أنها بنية مباشرة للواقع المادي ، فالرياضيات ليست هي العالم ، إنها مجرد أداة لوصفها وشرحها. وبالتالي ، هناك اندماج غريب بين العالم المادي والتجريد الرياضي على الرغم من أنهما شيئان متميزان.) "5"
يمنحنا حوار من هذا النوع القدرة على الانفتاح، وما يشدنا إلى الآخر، وإقامة أكثر من علاقة معه من منظور الاختلاف بالذات. بمقدار ما يكون الحوار هذا باعثاً على التفاؤل، وعلى رؤية الجهات بسويَّة نفسية أكثر توازناً، ومكاشفة عقلية أكثر قابلية للمعرفة بمفهومها التركيبي طبعاً .
وما أسطّره ليس " انتصاراً " لهذا على ذاك، أو تفضيلاً لأي منهما على الآخر، كما تقدَّم، إنما هو مسعى معرفي للتعرف على ذاتنا، على ما في نفسنا من رغبات، وتطهيرها لتكون أكثر هضماً لما يقال أو يترد في محيطنا المجتمعي وتنوعات مواقفه، وفي الجوارالأبعد كذلك .
ففي الذي أثيرَ حتى الآن، وبالنسبة إلى النظرية، منذ متى كانت النظرية قادرة لأن تكون " زئبق " الميزان المعبّر عن التوازن في جدار القول، النص؟ حيث الحركة دائمة، وليس من استقرار لأي شيء من حولنا؟ النظرية مهما أوتيت قوة ونفاذ أثر، تظل محكومة بالمتغيرات، نسبية .
وقفة مع إلحاد ستيفن هوكينج L’athéisme de Stephen Hawking
لم أكن أريد تخصيص فقرة للمسمَّى بـ " إلحاد " هوكينج، إلا لأهمية الموضوع، لأن الموضوع موصول بعموم مقولة فيزيائينا، لا بل بكل ما تقدّم به أقوالاً وأمثلة وغيرها في سياق هذا البحث حتى الآن. لأن المعرفة تستدعي النظر في مفهوم ليس إشكالياً، وإنما أقرب إلى التركيب صراحة أو ضمناً، وليس من رأي فكري أو فلسفي ضمناً، إلا وفيه نفحة إيمانية ما، أما بصدد الإيمان فربما يكون مرتبطاً بقناعة معينة،باعتقاد " دوكسا " وليس بما ينيره معرفياً، أو يكون الخلط بين حالات عدة، بوعي أو من دونه، كما الحال مع تصورات لهوكينج إزاء العلم " المحض " !!
هناك نقاط عدة، لا بل كثيرة تخص هذا الجانب، وفي مقال طويل نسبياً.
إن الاطلاع على نماذج من أفكار المقال هذا، مفيد بخصوص رؤية المكان والمكان ثقافياً، وموقع الإنسان فيهما، وكيف ينظر إلى محيطه، وإلى نفسه، باعتباره باحثاً فيهما أو عالماً كذلك.
ماذا نجد في هذا المقال ؟:
( إلحاد ستيفن هوكينغ ، الذي يمثل تعزيزًا غير متوقع لهذا التيار الإيديولوجي في العصر الحديث ، يقوم على الأفكار التالية التي تمكنا من جمعها من كتاباته وأعماله:
- أولا وقبل كل شيء ، وفقا لهذا الفيزيائي البريطاني ، فإن توحيد الفيزياء يجعل من الممكن التحرر من دور الله كلي المعرفة والقادر في خلق الكون والحفاظ عليه في الوجود. بمجرد أن نعرف كل شيء عن الكون ، يفقد العلم الإلهي كل شيء قوته ويصبح غير ذي صلة.
- النظرية التي طورها طوال حياته المهنية ، وهي النظرية التي تحمل عنوان "الكون بلا حافة" توصي بأن الكون ليس له بداية ولا نهاية ولكنه يعتمد على زمن وهمي وهو تجريد رياضي.
نقد فرضيته حول وحدة العلم وتوحيد الفيزياء: مشكلة الكلية القديمة المضللة
سنرى أولاً فشل الكلية فيما يتعلق بتوحيد ميكانيكا الكم ونظرية النسبية العامة. ثم ننتقد العقيدة الشمولية في العلوم بشكل عام من وجهة نظر علمية وفلسفية.
واحدة من أكثر النتائج النظرية نجاحًا ، والتي لم يتم التحقق منها تجريبيًا ، هي نظرية تبخر الثقوب السوداء نتيجة تأثير الجاذبية القوية لهذا الكيان الفيزيائي الفلكي على التقلبات الكمية ، وهي نظرية طورها ستيفن هوكينج. لكن نظرية تبخر الثقب الأسود (أي تحويل كتلته إلى إشعاع) تتعارض مع مبدأ حفظ المعلومات الكمومية.
ثم تم تطوير نظرية أخرى: إنها نظرية الجاذبية الفائقة أو التناظر الفائق.
على الرغم من محاولات هوكينج وزملائه لإثبات هذا الانتهاك من خلال التجارب الفكرية هذا الانتهاك لافتراض ميكانيكا الكم في حالة تبخر الثقب الأسود ، فقد خسروا رهانهم نظرًا لأنه من المعروف أن الثقوب السوداء يمكنها إطلاق المعلومات التي التقطتها وبالتالي فإن الحفاظ على المعلومات.
أسطورة الشمولية التي هي جوهر التوحيد في الفيزياء
تظهر الروابط بين الفيزياء ومجالات المعرفة الأخرى التي تدعيها الكلية أن الكلية هي عقيدة فلسفية "توسعية" تلوث كل المعرفة العلمية في نوع من التفاعلات المتسلسلة الميتافيزيقية والنظرية.
صعوبة الهويات الرياضية في الفيزياء التي هي أساس القوانين
إنها النظرية التي تصبح مجالًا غير مؤكد لأن الشمولية لا تستنفد أبدًا العلاقات بين المفاهيم والفرضيات الواردة فيها أو تلك التي تنتمي إلى نظريات أخرى حتى الانحدار اللامتناهي.) " 6 "
وما يزيدنا علماً ومعرفة بهذا الخصوص:
( نقد عقيدة هوكينج فيما يتعلق بقوانين الفيزياء
وفقًا لهوكينج ، فإن المعرفة البشرية بالقوانين الفيزيائية تعني أن المرء لا يحتاج إلى الله لفهم الكون. سنوضح في هذا الجزء من المقالة أن الأمر ليس كذلك.
أثبت فلاسفة العلم المعاصرون مثل إيان هكينج ، وباس فان فراسن ، ونانسي كارتررايت أن نظريات الفيزياء بعيدة كل البعد عن الواقعية (أي النظريات التي تصف وتمثل الواقع المادي) وأن القوانين الأساسية للفيزياء هي نظريات تخمينية.
عندما يتعلق الأمر بتجارب الفيزياء ، فإن العلماء لديهم معرفة تجريبية مماثلة تسمح لهم بالتفاعل مع كيانات غير مرئية من خلال التلاعب بها والتدخل في خصائصها السببية. يجري هؤلاء العلماء هذه التجارب في غياب النظريات الأساسية حول الكيانات التي يتلاعبون بها. إن مصدر معتقدات العلماء ليس نظريات ، بل مجرد معتقدات مصاغة حول هذه الكيانات تمكن من التفاعل السببي الناجح معها.
أكد كارترايت أن "الطريق من النظرية إلى الواقع هو من النظرية إلى النموذج ثم من النموذج إلى القانون الفينومينولوجي. قوانين الظواهر صحيحة بالتأكيد بالنسبة للأشياء في الواقع – أو يمكن أن تكون كذلك ؛ لكن القوانين الأساسية [النظريات] صحيحة فقط بالنسبة للأشياء الموجودة في النموذج.
يلاحظ المرء في هذا التأكيد رفض اللجوء إلى النظريات: من الوهم الاعتقاد بأن النظريات تصل إلى الواقع لأن هناك شيئًا ما بين النظريات والتجربة: إن القوانين الظاهراتية هي الأكثر ارتباطًا بالبيانات التجريبية.
النظريات الأساسية هي الأبعد عن ذلك. لا يمكن التحقق مما إذا كانت البيانات النظرية صحيحة بقدر ما لا يمكن مواجهة هذه العبارات مباشرة بالواقع..) " 7 "
وثمة تأكيد على هذا التوجه، من قبل هوكينج في مقابلة معه، ومن خلال التالي:
( "عندما يسألني الناس عما إذا كان الله قد خلق الكون ، أقول لهم إن السؤال ذاته لا معنى له. لم يكن الوقت موجودًا قبل الانفجار العظيم. لذلك لم يكن لدى الله الوقت الكافي ليخلق الكون. إنه مثل السؤال أين النهاية الأرض هي: الأرض كروية ، لذلك ليس لها نهاية ، والبحث عنها ممارسة لا طائل من ورائها.
"لا جنة ولا حياة بعد الموت"
وهكذا كان ستيفن هوكينغ ضيف الحلقة الأولى من المسلسل الوثائقي الأمريكي "الفضول" عام 2011 ، حول موضوع "هل خلق الله الكون؟" كما يتضح من المقتطف أدناه ، كانت إجابته سلبية بشكل واضح.
"عندما يسألني الناس عما إذا كان الله قد خلق الكون ، أقول لهم إن السؤال ذاته لا معنى له. لم يكن الوقت موجودًا قبل الانفجار العظيم. لذلك لم يكن لدى الله الوقت الكافي ليخلق الكون. إنه مثل السؤال أين النهاية الأرض هي: الأرض كروية ، لذلك ليس لها نهاية ، والبحث عنها ممارسة لا طائل من ورائها.
كل واحد منا حر في تصديق ما نريد ، ووجهة نظري هي أن أبسط تفسير هو أنه لا يوجد إله ، ولا أحد خلق الكون ولا أحد يحكم مصيرنا. هذا يقودني إلى فهم هذا: ربما لا توجد جنة أو حياة بعد الموت. لدينا هذا العمر فقط لنقدر المخطط الكبير للكون ، وأنا ممتن للغاية لذلك. "
سياحة الفضاء: ستيفن هوكينغ جاهز للإقلاع
"لا داعي لدعاء الله"
بالفعل في عام 2010 ، كشف ستيفن هوكينج عن إلحاده في كتاب "التصميم الكبير" (شارك في تأليفه مع زميله ليونارد ملودينو) ، والذي نُشر في عام 2011 في فرنسا تحت عنوان "هل يوجد مهندس معماري عظيم؟" (منشورات أوديل جاكوب).
وأكد هناك:
"نظرًا لوجود قوانين مثل الجاذبية ، يمكن للكون ويجب عليه أن يخلق نفسه من لا شيء. [...] الخلق التلقائي هو سبب وجود شيء بدلاً من لا شيء ، وسبب وجود الكون ، وسبب وجودنا. ليست هناك حاجة لاستدعاء الله اضغط على الزر "تشغيل" وابدأ تشغيل الكون ".) " 8 "
ما يجدر التنويه إليه، وإزاء الإلحاد بالذات، وهو بتاريخه الطويل، من المستحيل بمكن سبْر الجانب الإيماني الدقيق في أعماق الإنسان، حتى المتميَّز بثقافة عالية، وفي مجتمعاتنا بالذات، حيث الإيمان لا يخفي جانبه العامي" الشعبي " أي ما يبقي " المؤمن " في نطاق الحشد" الجماهير " بمفهومها " البلوكي " وليس التنوع في ميول الأفراد وثقافاتهم، لأن الفرد، كمفهوم اجتماعي، له هويته الشخصية المعرّفة بموقعه الاجتماعي، واستقلاليته فيما يختار من أفكار، وفيما يظهِره من مواقف من هذا الجانب، وفي الغرب بصورة أقل بكثير، نظراً للتمايز بين قائمة خصوصيات الأفراد والجماعات، حيث القانون يكفل ذلك.
الحديث عن الإلحاد الذي يسمّي شخصاً أو أكثر، يخيف المؤمنين بالله كثيراً، جرّاء وعي قطيعي إجمالاً، ومن خلال ما يجري التشديد عليه من جهة السلطة بهرمية تكوينها. إن أول من يظهِر خوفه ممن يعتبَر ملحداً هو ممثل السلطة بالذات، لأنه بإلحاده يشكل لغماً في عمق الأساس الذي أشيدَ عليه المجتمع، أو قيامة الدولة، أو السلطة ككيان سياسي له وجهه ولسانه، حياته وموته.
الإلحاد يطرَح علماً، ولا فلسفاً في الأصل، إنه نوع من الفن شديد الذاتية،يعمَل عليه في النفس، ويتم اقتطاعه مما هو خارجي " مجتمعي، ويشار إليه علماً عيانياً، وليس في المقدور تثبيته في زمانه ومكانه، طالما أنه يمارس تأثيره في داخل من يتبناه، طالما أنه لا يصرّح به صراحة!
وفي ضوء ذلك يصبح الملحد منعزل الآخرين لفرادة الموقع وخطورته، وقد اختار لنفسه دون كل المحيطين به منظوراً حياتياً يختلط فيه القول والفعل، والصمت أكثر من الكلام، لثقل مفهومه، لعله " الملحد " مجنون نفسه على أتم ما يكون من الخصوصية، وليس عاقل محيطه جمعاً ، وفي بنية هذه العلاقة التي لا يعود كل من الفلسفي والعلمي واضحين، يصعب الكشف جداً عن أسّه ! إنه إقرار بواقع، ربما المعني به نفسه يصعب عليه إبرازه، لأنه يقيني من نوع خاص، وطالما أنه لا يتقدَّم به، نوعاً من المتراس يواجه به الذين يعرّفون بأنفسهم مؤمنين مخالفين لما يعتقد !
الملحد يخيف، لأن الذين يعرَفون بإيمانهم العفوي يشعرون بتهديد داخلي، وليس لأن هناك من خرج عن الجماعة، وهي فكرة قديمة جداً بتاريخها، لأن الإلحاد داخلي، ذاتي، طالما أن الملحد ليس دعوياً، وليس لديه موقع أو منبر من خلاله يدعو إلى الحاد، وهو يقوم بدوره الاجتماعي. ربما من هناك يظهر الخوف اللافت للغذامي بأبعاده الاجتماعية والنفسية، ويشكل تهديداً من الداخل، ولهذا ينظَر في الفلسفة، كما لو أنها " تفرّخ " إلحاداً في أذهان الآخذين بها، وتهيئهم لأن يكونوا حملة بذوره، ونقلة مؤثرات" غبار طلعه: المسموم؟ " إلى الآخرين، وهو في خطره الأكبر بكثير، كما يظهر، ممن يمارس العلم، وينظر إلى الكون وهو يسير بقانون ذاتي، لأن ليس هناك ما يظهر للعلن، مثل ذلك الملحد، وهو ينشر معلومة كهذه . وهو ينبري داخل الثقوب السوداء les trous noirs التي تعنيه، وهي تتعداه، كونها مقبرة مجراتية في أصلها وهولها..
في المحصلة : يعلّمنا العلم كما تعلّمنا الفلسفة بالطريقة التي نهتدي بها إلى أنفسنا دون توقف في الزمان والمكان، وكيفية التحلي بشجاعة الإرادة، ومعرفة قوانا الداخلية، لنبني بها مجتمعاتنا، وننسكن بثراء الطبيعي، وليس من خوف من كشوفات العلم، ولا ما يضاف معرفياً إلى الفلسفة بتنوع أصواتها. إنها بوليفونية على مستوى الواقع، وليس مجرد النص الأدبي، وما نتلمسه في واقعنا هو بؤس المتحصّل مما هو علمي، وبؤس المعاش بعيداً عما هو فلسفي هنا وهناك .
يعلّمنا العلم كيف نتعرف على قوانا بمفهومها الحيوي: العضوي، وتعلمنا الفلسفة، كيف نكتشف بالتوازي مع ما هو علمي، قدراتنا النفسية، ونكون أكثر استواء، وأكثر أهلية لبناء عالمنا الذي يعيش تهديدات تترى، ليس العلم ولا الفلسفة هما السبب، إنما من يحرّكهما بما هو كارثي .
من هنا، يكون في مقدورنا أن نعلم بما لم نعلمه بعد، لنكون ما لم نكنه بعد، بشراً من نوع آخر!
" يتبع "
مصادر وإشارات
1-ستيفن هوكينج" ليونار مولدينو ": التصميم العظيم " إجابات جديدة على أسئلة الكون الكبرى "، ترجمة: أيمن أحمد عيّاد، دار التنوير، بيروت، ط1، 2013 ، في 224 صفحة، وحيث إن أرقام صفحات الكتاب تردُ في المتن، من باب الإيجاز.
2- بول تاغارد: هل ماتت الفلسفة؟ خطأ ستيفن هوكينغ، www.jadaliyya.com
وأنوّه هنا إلى أنني حافظة على الصيغة الكتابية لاسم فيزيائنا وغيره كما هي في المقال المترجم والذي نقلت عنه طائفة من المعلومات التي تشكّل حواراً معه، دون أي تدخل.
وقد صدر لهذا الفيلسوف والعالم الكندي كتاب "الدماغ ومعنى الحياة"، كما صدر كتابه الأخير عن جامعة كولومبيا بعنوان "التوازن: كيف يعمل وماذا يعني؟". وهذه المقالة المترجمة نُشرت في الأساس بالإنجليزية في موقع "علم النفس اليوم].
3- Stephen Hawking, de la physique à la philosophie
ستيفن هوكينج من الفيزياء إلى الفلسفة
4- Francis Wolff ourquoi l’Univers existe-t-il ? Le testament de Stephen Hawking
فرانسيس وولف : لماذا الكون موجود؟ إرادة ستيفن هوكينج
5- Stephen Hawking, science et philosophie
ستيفن هوكينج ، علم وفلسفة
6-Rafik Hiahemzizou :L’athéisme de Stephen Hawking, un engagement personnel précipité. Une critique philosophique et scientifique (1/2)
رفيق هيا همزيزو :إلحاد ستيفن هوكينج ، التزام شخصي متسرع. نقد فلسفي وعلمي (1/2)
7-Rafik Hiahemzizou :Une critique philosophique et scientifique de la doctrine athéiste de Stephen Hawking (2/2)
رفيق هياحمزيزو : نقد فلسفي وعلمي لعقيدة الإلحاد لستيفن هوكينغ (2/2)
8- Thierry Noisette:”Dieu n’existe pas” : Stephen Hawking était un athée convaincu
تييري نويسيت: "الله غير موجود": كان ستيفن هوكينغ ملحدًا مقتنعًا
د. عبدالله الغذامي
في أكثر من نقطة يشير الغذامي إلى أن الفلسفة ماتت وذلك من خلال هوكينج . ص 11 . وفي الفصل الخامس حيث نتلمس هنا " حواسم " الغذامي في " مطاردة " الفلسفة، وتحت عنوان : مآلات الفلسفة ،وطي العنوان هنا ما هو مريع، نعيوي من جهة الغذامي: النظرية أو موت الفلسفة ، وقوله: أبرز من قال بموت الفلسفة هو ستيفن هوكينج. ص 175.
أتحدث عن المطاردة، ليس على طريقة أفلاطون في سعيه إلى محاولة طرد الشعراء من جمهوريته، واستعانة من إملاء خارجي أو تأثير جانبي، وإنما بتقدير منه اعترافاً بخطورتهم على الجمهورية، أي كونهم مأخوذين بما هو حسي وفوري وليس مثالياً بمأثوره الفلسفي، وأن الذي انطلق منه الغذامي جاء في لحظة غير محتسَبة، ترجمة لما هو مكبوت، ربما عانى منه طويلاً.
صحيح أن الغذامي لا يسمي موت الفلسفة بموت الفلسفة، ومن خلال فيزيائينا الكبير مقاماً وعظمة رؤية علمية، أي هوكينج خصوصاً، إنما بتغير الدور، ولكنه، هنا، يجردها من كونها فلسفة، وبطريقته هو، وهو يستعين بالغزالي، كما سنرى، وهنا لا يبقى أي أثر لا لهوكينج، ولا لنظرية ( النص ) ولا حتى للغزالي عينه، وهو حصيلة جملة مؤلفاته التي عرِف بها في زمانه، وفي الواجهة" إحياء علوم الدين )، وربما كان غذامينا أقرب إلى هذه المجموعة من المجلدات .
الغذامي يتحدث عن النظرية، وهي تظهر لديه بتصور ٍ خلاف ما هي عليه في بنيتها، والفلسفة هكذا، والعلم هكذا، ومن خلال هوكينج بالذات إيقونة الفيزياء، وحتى العقل نفسه، وقد " ذوْقنه : إبرازه من خلال مفهوم الذوق، بطابعه الصوفي " وما في ذلك من انزياح عمّا هو فلسفي .
كيف استعرض الغذامي أفكار هوكينج من خلال " أفكاره !!! "؟
ثمة ما يجدر التذكير به، وفي كتاب الغذامي:
( ومع هوكينج في حدود العلم، حدود العقل، ويقول عن أنه يكشف عجز العقل عن تحقيق هذا المبتغى، ومن هنا فهو يخرجها بحكمه عليها بالموت. ص 34 .
مع موت الفلسفة لهوكينج. ص 175 .
وحول النظرية مع هوكينج، ص 176 .وقد نظر للنظرية بوصفها أساساً للعلم. ص 176 . ومديح الغذامي له. ص 178 .)
يذكّر الغذامي ( ولا أكتب يقول أو يرى، لأن ذلك تأكيد على أنه هو صاحب القول أو الموقف، بينما ثمة آخرون مستعان بهم ) أن الفلسفة لا تموت حيث النظرية هي الحل: وكثيرون يرون أن النظرية حلت محل الفلسفة. ليس إلغاء وإنما تصدّياً للمبحث الفلسفي بصيغة حديثة تحرر الفلسفة التقليدية من التكرار الذي ظلت تقع فيه... والحق أن لا أحد يقول بموت الفلسفة بهذه الحدة كما فعل ستيفن هوكينج، ولكنهم يرون تغير وظيفة الفلسفة في هذا العصر، وقد عرضت لباشلار وفوكو ودريدا ورورتي في الفصل الأول، وأقف مع هوكينج لنرى هل أمات الفلسفة أم أنه تبنَّى صيغة ( النظرية) وانساق لإماتة الفلسفة حين تبنى الفلسفة بصيغة النظرية . ص 176 .
وقد أدرك هوكينج أهمية النظرية . ص 176.
ثم مديحه لكتابه التصميم العظيم، وإبراز نقاطه المفصلية. ص 177. عبر تعزيز التوق البشري للمعرفة: لو تحقق لنا أن نصل لجواب عن لماذا نحن موجودون، ولماذا الكون موجود معنا، فحينها سنحقق الانتصار الأعظم للعقل البشري، بما أننا حينها سنتعرف على فكرة الله حول وجودنا. ص 178 .
طبعاً ، ومن باب التأكيد، أن هذه الفلسفة من صنعة الفلسفة في الصميم، أو فلسفية، ولا صلة لها بالعلم الذي عرَّف به هوكينج نفسه، ومفهوم " الكيفية " واللافت أن الغذامي يلحق عبارة ( حينها سنتعرف على فكرة الله حول وجودنا.)، أي بعد سلسلة " لماذا " ولا أدري من أين جاء بها، لأن فكرة هوكينج عن الكون، وانطلاقاً من علمه بطابعه الفيزيائي تقوم على أن الكون هو الذي يقرر نفسه، أي ينتظم ذاتياً، وليس من وجود للإله إطلاقاً، حيث تعرَّض لانتقادات كثيرة جرَّاء هذا الموقف. لا بل يمكن القول أن أي إشارة إلى وجود " خالق للكون " كما هو المعتاد، لا يطيح بفكرة هوكينج العلمية المحضة فحسب، إنما يلغي كل أساس لها أيضاً، لأن الفلسفة هي التي يكون لها القول الفصل عن الوجود الإلهي، وبالتالي يكون هوكينج قد بدأ عالماً وانتهى متفلسفاً.
كيف أدخل الغذامي العبارة السالفة يا ترى ؟
يعلق الغذامي قائلاً: هنا يمارس هوكينج الفلسفة ويضع الفكر الفلسفي في صميم جدليته.
وفي الخلاصة، فإن هوكينج لن يفكر من الفلسفة إلّا إلى الفلسفة . ص 178 .
ليرى أن النظرية النقدية هي الصيغة التي تقوم مقام علم إنساني وثيق الصلة بالعقلنة والاستدلال العقلي والتفكير الناقد، وهذا المنشط هو الصيغة العصرية للفلسفة . ص 179 .
وليجزل العطاء " الكلامي "لقيمة النظرية: قيمة النظرية هي أنها عابرة للمفاهيم، بمثل ما هي عابرة للتخصصات . ص 179 .
وقد أشار إلى ذلك سابقاً في الحديث عن نظرية( النص ) أو ( النظرية) فقط، حسب تعبير جوناثان كوللر الذي يصف الحدث هذا بأنه الخطاب الجديد ذو الطابع الشمولي . ص 172.
أي إن كل ما يتفوه به، يُسمّي الآخرين فضيلة معرفة: علماً وفلسفاً، ويته كرّر القول صحيحاً. إن بالنسبة لحقيقة نظرية هوكينج، وإشكالية التسمية، على وقْع خاصية الاحتمال لا القطع، أو بالنسبة إلى المدفوع به تعبيراً عما هو فلسفي، وغير ساري المفعول، حيث يرتد القول تقديراً إليه .
إلى هوكينج في منبعه
في قراءة كتاب هوكينج " التصميم العظيم " ثمة ما يفيد لإضاءة حقيقة " مآلات ..".
أشير إلى تلك النقاط المحورية التي تعنينا في الكتاب، دون اختزالها، وإساءة الفهم بذلك " 1 "
الكتاب في في ثما نية فصول
ف 1: لغز الوجود
( هناك أسئلة، مثل: كيف يمكننا فهم العالم الذي وجدنا أنفسنا فيه؟ كيف يتصرف الكون؟ ما حقيقة الواقع؟ هل الكون كان بحاجة لخالق؟... .ليعلّق قائلاً: كانت تلك الأسئلة التقليدية للفلسفة، لكن الفلسفة قد ماتت، ولم تحافظ على صمودها أمام تطورات العلم الحديثة . ص 14 .).
نلاحظ ضمناً، وبما لا يمكن الاختلاف عليه في المعنى أن سؤال : هل الكون كان بحاجة لخالق ؟ يندرج ضمن الأسئلة التقليدية، أي إنه سؤال فلسفي قديم، فكيف فات الغذامي ذلك؟ أفوّته قصدا؟
( ويبحث عن الإجابات التي تفرضها الاكتشافات الحديثة . ص 14 .
وحول سؤال الخلق: الكون الذي نعيش فيه ليس هو الكون الوحيد. ص 19 .)
ف2: سيادة القانون
( إن الجهل بطرق الطبيعة قادت الناس في العصور القديمة لابتكار الآلهة التي تتحكم في كل مناحي الحياة البشرية . ص 26 .
معظم أفكار اليونانيين القدامى لا يمكن اعتبارها مرْضية، لأنهم لم يبتكروا الطريقة العلمية. ص 32 .) .
طبعاً كل ما يخص هاتين الفقرتين لا صلة لهما إطلاقاً بالعلم، وإنما بالفلسفة، أي إن هوكينج اعتمد على الطريقة الفلسفية لتنوير فكرته العلمية، وتأكيد أن الفلسفة لم تمت طبعاً .
وفيما يقول تالياً:
( حسب معظم العلماء، قانون الطبيعة هو القاعدة التي تقوم على الانتظام الملحوظ. ص 39 .
هل يمتلك الناس إرادة حرة.. وأين تطورت. ص 43 . ) .
النظر في قوله هذا كذلك، لا يؤسس لما هو علمي، وهو في عموميته الجلية، وإسناد القول غير المنضبط إلى علماء دون تسميتهم، وما يخص " قانون الطبيعة " الأكبر من فكرة فيزيائينا .
وما يراه في هذه الجملة الصادمة لمَا يكون وعيه دينياً، جملة تحرر الكون مما هو متعال ٍ:
( هذا الكتاب يؤصّل لمفهوم الحتمية العلمية . ص 47 .)
وذلك ما نتبينه واقعة مقروءة في ألأفها ويائها في : ف5( نظرية كل شيء: يمكن فهم الكون لأنه محكوم بقوانين علمية.ص 110 ).
وفي ف6: اختياركوننا:
( الأكوان التي يمكن أن توجد بها حياة قبلنا هي أكوان نادرة . ص 175 .)
حيث الحديث احتمالي، وفيه من الخيال الكثير، أو التأمل الفلسفي في الواجهة .
وحتى في ف7( المعجزة الظاهرية: تأكيد فكرة أكوان عدة. ص 198 .)
نتلمس مثل هذا التصعيد بما هو فلسفي، لأن ليس من قربى بين مفهوم " المعجزة الظاهرية " والعلم الذي يقوم على حقائق طبيعية أو ملموسة بالتجربة.
وفي ف8: التصميم العظيم " أي عنوان الكتاب " يكون المنتظَر من عموم الكتاب نفسه:
تأكيد سؤال الكيفية وليس الماهية " لماذا ؟ ". ص 206. وأسئلته تخص الماهية .
ثمة أسئلة تفصح عما يفكر فيه:
لماذا يوجد شيء بدلاً من لاشيء؟
لماذا نحن موجودون؟
لماذا هذه المجموعة من القوانين وليس مجموعة أخرى؟
ليعلّق قائلاً( قد يزعم بعضهم أن إجابة تلك الأسئلة هي أن هناك إله قد اختار الكون بهذه الطريقة ومن المعقول أن نسأل من أو ماالذي خلق الكون، ولكنإن كانت الإجابة هي الإله، فحينها سينقلب السؤال وحسب ليكون ومن خلق الله. ص 206 .
الاعتماد على قوانين الطبيعة لمعرفة الكيفية التي يتصرف بها الكون. ص 207 .).
ماذا يقول الغذامي فيما تقدَّم، بصدد الموقف من " خالق الكون "؟ طبعاً أنا لا أدافع عن أي كان، وفي سياق علاقتي بكتاب " مآلات .." وحتواه، إنما أستعرض الأفكار ذات الصلة، وأحاول النظر فيها نقدياً، وربطها بجملة من الأفكار التي تتمتع بقابلية البقاء ومصداقية وجودها معرفياً .
هوكينج يمدح النظرية التي تعنيه وليس كما أشار إليها الغذامي وهي من لدنّ كوللر" الغربي ": النظرية " إم " هي النظرية الوحيدة المرشحة لأن تكون النظرية الكاملة للكون . ص 216.
وإثبات النظرية بالملاحظة . ص 217 .
وما يؤسس لها فيزيائياً: النظرية " إم " هي النظرية الموحّدة التي كان يأمل أينشتاين في أن يجدها.. لهذا فإن قدرتنا على الاقتراب من جهة القوانين التي تتحكم فينا وفي كوننا ستكون انتصاراً عظيماً . لكن ربما تكون المعجزة الحقيقية هي أن يقودنا تجريد اعتبارات المنطق إلى النظرية الفريدة التي تتنبأ وتصف لكون الهائل المليء بهذا التنوع العجيب الذي نراه. وإذا تم إثبات النظرية بالملاحظة، فسيكون ذلك خلاصة ناجحة للبحث الذي يرجع تاريخه لأكثر من 3000 عام، وسيكون قد عثرنا على التصميم العظيم. ص 218 .
طبعاً في مختتم الكتاب كل ما هو مقروء، في السطور وما بينها، وما خلفها، هو لسان حال الفيزيائي الذي يضع كل رهانه في كفة العلم الذي انشغل به، وليس من كفة أخرى بالمقابل طبعاً، إذ الفلسفة التي يستبقيها تلك التي تكون في " طاعة " العلم : أمرك مولاي! وليس خارجاً، وفي الوقت الذي تكون فرحة فيزيائينا العبقري بالتأكيد ليس بناء على ما أنجزه فيزيائياً، ومدخله الثقب الأسود، إنما ما استعصى على الهضم فيزيائياً، إنها فرحة " التصميم العظيم " اليافطة التي تمتد إلى المستقبل، وهي بقوامها وملء صوتها فلسفية، وهي التي تمنح العلم حضوراً حياً .
في الحوار مع هوكينج وما إذا كانت الفلسفة ميتة أم خلاف ذلك
نعم، هناك إمكان حوار، لأن كتاب هوكينج قائم على ما هو تراكمي معرفياً: العلم والفلسفة، ولأن التصور الفلسفي للكون وأبعد لازمه من مبتداه إلى منتهاه، ولو في سياق عرضه لنطريته في الفيزياء، وما فيه من إمتاع ومؤانسة حقاً، على النقيض مما ابتدأ به الغذامى وانتهى إليه للأسف!
لنتوقف عند الفيلسوف والعالم الكندي بول تاغارد وما يقوله في كتاب هوكينج:
أعلن كلٌّ من ستيفن هوكينغ وزميله عالم الفيزياء ليونارد ملودينو على الصفحة الأولى من كتابهما "التصميم العظيم" موت الفلسفة؛ لأنها لم تواكب التطورات الحديثة في العلم . ومن بين تصريحاتهما:
1-لا يكون صحيحاً إلا إذا قبلتم مثلي وجهة النظر القائلة بأن المفاهيم تعتمد على النظريات. لكن التصريح 2- ينسجم على نحوٍ عادل مع الطريقة التي يتحدث بها فلاسفة العلم عن العلم، رغم أنه قد يكون من بنات أفكار علماء الفيزياء الرياضية أن يفترضوا هذا الانسجام البديع قبل وجود سَنَدٍ تجريبيٍّ. علاوة على ذلك، إن التصريح 3- مثير للجدل للغاية لأنه يقترح أن النماذج يمكن أن تخلق الواقع عوضاً عن أن تكتشفه. ومن الجلي أن كل هذه التأكيدات كافةً تُعَدُّ فلسفية في طرحها لمزاعم عامة حول طبيعة المعرفة والواقع.
ولقد شكّك كثير من علماء الفيزياء البارزين، وبينهم آينشتاين ولي سمولين، بنوع تأويل نظرية الكم الذي افترضه هوكينغ وملودينو، اللذان كان نقاشهما عن الأكوان المتعددة نقاشاً فلسفياً بحتاً، ويخلو من الدقة العلمية.
و:ما هي العلاقة الصحيحة بين الفلسفة والعلم؟ كان الجواب في إحدى المرات هو وجهة النظر الطبيعية، التي جسّدها فلاسفة مثل أرسطو ولوك وهيوم وميل وبيرس وديوي وكواين وكثير من فلاسفة العلم المعاصرين. رأى أولئك الفلاسفة أن الفلسفة والعلم مستمران، وأن الأسئلة الجوهرية عن طبيعة المعرفة والواقع والأخلاق والمعنى يجب أن يُجاب عنها بالاعتماد على النظريات العلمية والأدلة.
إن السؤال الأساس هو: إلى أي مدى نجح هوكينغ وملودينو في التوصل إلى استنتاجات معقولة حول المعرفة والواقع؟ ستستغرق الإجابة عن هذا السؤال بدقة تقويماً أطول، لكن يجب أن يكون جلياً من المقبوسات أعلاه، أن تأكيداتهما تذهب إلى ما وراء النجاحات التجريبية الحقيقية للنظرية الكمومية نحو حقل من التأمل الفلسفي قريب من فلاسفة آخرين شككوا في الوجود المستقل للواقع.
إن الفيلسوف الغابر الذي صار هوكينغ وملودينو عبدين له دون أن يعيا ذلك هو إمانويل كانط، الذي حاول أن يبين أن الواقع يتكوّن بفعل العقل الإنسانيّ.
و:يكرر هوكينغ وملودينو الخطأ الفلسفي الكانطي في الاستنتاج بتبيانِهما حقيقة أننا نحتاج إلى عقول من أجل تطوير معرفتنا بالواقع. ويفترضان أنه لا يوجد واقع مستقل عن هذه العقول والنماذج التي تنتجها .
فالعلاقة بين العقول والنماذج والواقع مشكلة فلسفية مهمة قائمة في علوم كثيرة ولا تستطيع الفيزياء الحديثة وحدها أن تقدم جواباً عنها.
لقد: كان الفيلسوف برتراند راسل والروائي مارك توين من بين كثير من الأشخاص الذين تم الإبلاغ عن موتهم خطأً وبالتالي تمكنوا من قراءة نَعْيِهِما المبكر، فكتب توين معلقاً على ذلك أن "الإبلاغ عن موتي مبالغة"، وما قاله ينطبق على الفلسفة." 2 "
في مقال آخر ثمة ما يوسّع دائرة الحوار ويخصبه:
وهكذا ، وفقًا لهوكينج ، تسمح الفيزياء النظرية في حالتها الحالية من التقدم بهذا الاستنتاج الرائع: الكون - المجرات والبكتيريا ، البشر والصخور ، الأشجار والجسيمات - سيكون محكومًا بالكامل وبشكل صارم بالقوانين الفيزيائية ، ومصيره محكوم تمامًا.
وما يشير إلى غير المفكَّر فيه لدى فيزيائينا:
غالبًا ما تكون أبسط الأخطاء هي الأصعب في تحديدها. من الأسهل معالجة التفاصيل. ومع ذلك ، فهو خطأ في التفكير فظيع إلى درجة أنه يكاد يكون من المستحيل تخيله ، وهو ما يقدمه لنا ستيفن هوكينج. مهما كانت موهبته كفيزيائي ، فقد نسي من أين أتى ، فقد نسي أنه في بداية مسيرته اتخذ خيارًا ، خيارًا متطرفًا ولكنه فعال للغاية ، من أجل استكشاف العالم المادي بشكل أفضل ، فقط هو. في طريقه لم يجد إرادة حرة ولا وعيًا ولا فكرًا ، وهو أمر منطقي لأنه في البداية ، من أجل ضرورات استكشافه ، كان قد تخصص في الكون المادي وحده.
وما يمكن قوله بصدد قضية كونية لا ينظَر فيها من زاوية واحدة فقط:
دعنا نحاول أن نستنتج. ستيفن هوكينج فيزيائي عظيم. قد تكون مواقفه الفلسفية صحيحة ، وقد لا تكون كذلك ، لكن قيمتها مستقلة عن الأعمال التي برع فيها.
أما بالنسبة لواقع الأشياء ، فلا شك أنه من الحكمة التذكير بأن التواضع هو أحد الصفات الرئيسة التي أشعلت شرارة الفكر العقلاني في اليونان منذ سبعة وعشرين قرنا ، والتي حافظت منذ ذلك الحين على شعلة البحث العلمي." 3 "
وفي هذا السياق الحواري- العلمي الفلسفي، الوجودي في تبعاته المختلفة، نتلمس ما يشدد على وجوب التوازن، أو إبقاء الحوار قائماً عبر علاقة تفاعلية، وليس باتهامات متبادلة:
( يجب أن ندرك أن الفلاسفة لديهم الكثير ليغفر لهم الفيزيائيون ، لأنهم غالبًا ما أخطأوا بفخر زعمهم ، دون أدنى دعم تجريبي ، أن يقرروا الأسئلة المتعلقة بالكون. على العكس من ذلك ، من المؤسف أن العديد من الفيزيائيين الذين يطرحون اليوم نظريات تأملية حول أصل الكون يجهلون ما أنتجته قرون من التفكير الفلسفي في هذه المشاكل من حيث الحجج والتحليلات المفاهيمية.
مهما كان الأمر ، فإن هذا الكتاب يشهد على الاختراع النظري الذي لا ينضب لستيفن هوكينج ، وكذلك الموهبة غير العادية كقابلة لوريثه ، توماس هيرتوج ، وعلى عقدة الألغاز التي لا تنضب التي تشكل ، للعقل البشري والخيال. ، السؤال المادي والميتافيزيقي من أصل مطلق.) " 4 "
ذلك جدير بأن يُنظَر في أمره، وأن يًغى إلى كل ما يقال طالما أن النتيجة ممضيٌّ عليها من قبل الجميع. وهو ما يمكن قوله لكاتبنا الغذامي، بعيداً عن الظهور بقوام واعظ، وما يذكّرنا في سبعينيات القرن الماضي، حيث انقسم الناس في الشارع، ممن يهتمون بما هو إيماني، ومن يعزّزون ما هو مادي فلسفي، وفي شوارع دمشق " أيام دراستي في الجامعة " والدعاية اللافتة لكتب من نوع " العلم يدعو إلى الإيمان " واللافت أن كتاب هوكينج : يدعو إلى الإلحاد، فكيف ينبغي النظر إلى العلم إذاً، وفي الحالتين علم؟ وانتشرت كتب كاتب مصري معروف، كانت تتم تعبئة النفوس من خلالها، أعني به: مصطفى محمود " 1921-2009 "، وهي كتب سهلة القراءة، وتخاطب المشاعر والأحاسيس، من نوع: حوار مع صديقي الملحد، و: رحلتي من الشك إلى الإيمان، ونار تحت الرماد، و: رأيت الله ، و: الإسلام ، ماهو؟ ...إلخ . وقد أصبح تالياً في ذمة التاريخ، وأقرب إلى أن يكون طي النسيان. لقد كان كرَة ثلج ضخمة وفي حر الصيف!
ما يمكن قوله، هو ما جرى ويجري النظر فيه على صعيد كوني. إذ إن هوكينج حين يتحدث عن وجود أكوان عدة، وليس كوننا الوحيد، ويعتمد على مقولة الفيزياء في تفسير الكوني، يواجه تناقضاً للغاية، لأن ليس في مقدوره أن يقدّم لنا علماً دقيقاً، حتى على نطاق كوكب الأرض، وليس لديه ما يعزز مقولته، إنما هي الفلسفة التي ترفع من شأن مقولته، فكيف بالحديث عن أكوان عدة وما لا يعرَف عنها أي شيء، إنما ما يكون تخميناً، وهو نفسه متحفَّظ عليه كثيراً، لأن ليس لدينا من معلومة معينة عن الخاصية الفيزيائية تلك التي يشار إليها. وبذلك فإن الفيزياء لن تكون عصا موسى التي شقَّت البحر، بخاصيتها الرمزية المعروفة، بمقدار ما تمارس شقاً لبحر ما، بحر متخيَّل هنا معلوم الاسم طبعاً، ربما يكون هوكينج ومن يؤمن به ؟ ولا بد أن شغفاً ملحوظاً وراء تفسيره المقدَّم كيفياً، سوى أنه المثقَل بما هو ماورائي، أي بالماهية التي تبقي الفلسفة في الواجهة.
ثمة من يحاور فيزيائينا الكبير بحق، وينير ما حوله علّه يتبصر حقيقة ما يستند إليه:
( من المعروف أن ستيفن هوكينج فيزيائي نظري لامع ، يعادل السير إسحاق نيوتن في عصرنا. وهو أيضًا مشهور عبقري بكتابه "تاريخ موجز للوقت" الذي لدي نسخة منه. أن تكون رجل علم وأن تنشر العلم هو مبادرة جديرة بالثناء.
لكن عندما ينزلق النقاش إلى الميتافيزيقا ، فإنه يبتعد فقط عن معايير العلمية. في الواقع ، تتميز الأسئلة الوجودية الكبرى عما يسمى بنظرية المعرفة على أساس التجريبية والتفنيد. "هل يوجد مهندس معماري عظيم في الكون؟" ، على سبيل المثال ، فرضية خالية من العلم: لا يمكننا إثبات وجود هذا المهندس ، ولا إثبات عدم وجوده. وبالتالي فإن السؤال ليس له مكان في العلم ، فهو ليس خصوصيته.).
والسؤل الذي يُطرَح هنا، وما يصله بجوابه:
( ما هي الصلة الوثيقة بين الفلسفة والعلم: نظرية المعرفة. سيكون من المثير للاهتمام مناقشة تعريف ماهية العلم.
تعتمد معرفة الظواهر على طابعها القابل للدحض. مهندس الكون ، مهما كان اسمه ، لا يمكن ملاحظته ، ولا يمكن قياسه ، ولا يمكن حتى تعريفه على أساس فرضيات قابلة للدحض عن طريق التجارب القابلة للتكرار ولا عن طريق نظرية يمكن التنبؤ بها. وبالتالي فإن هذا المهندس المعماري غير معروف ، وبالكاد يمكننا تعريفه أو وصفه. لذلك لا يمكننا قول أي شيء عن الأشياء الميتافيزيقية ، ولا يمكننا تقييمها بموضوعية.
وبالتالي ، لا يمكن للمرء أن يتظاهر بممارسة العلم بالخطابات الميتافيزيقية ، لأنه بخلاف ذلك سيكون خاطئًا.
لا أحد ، ولا بأي وسيلة ، يمكنه الادعاء بتقديم إجابات موضوعية للأسئلة الميتافيزيقية ، ولا حتى العلم ، ولأن هذا ليس دور العلم. إن الادعاء بتقديم مثل هذه الإجابات الميتافيزيقية أو الروحية أو الدينية من خلال مناقشة العلم كوسيلة للبحث هو خدعة فكرية. العلم الشعبي ليس هدفه سوى مشاركة العلم والمعرفة ، وليس منتجًا تسويقيًا. إن مشاركة المعرفة على أساس الحقائق أفضل من جني الأموال من خلال التسهيلات المثيرة للتسويق.) .
وما يجدر الانتباه إليه، وأخذ العلْم الخاص به:
( بالنسبة لأولئك الذين يسعون للحصول على إجابات ميتافيزيقية ، يجب أن يطرحوا احتمال عدم وجود هذه الإجابات. فكرة عدم وجود الله ، على سبيل المثال ، ينتج عنها عدم وجود الخطيئة الأصلية ، وعدم وجود الخير والشر يُسمَّى بشكل صحيح. إن البحث عن إجابات ميتافيزيقية يترجم في الواقع الحاجة إلى اليقين ، بينما تمتلئ الطبيعة بشكوك عميقة. يجب أن نعترف بالحاجة إلى الشجاعة: قبول عدم اليقين ، وقبول المخاطرة بعدم وجود إجابات. سواء كانت هذه الإجابات موجودة أم لا ، فنحن جميعًا نواجه قانونًا طبيعيًا: تظل هذه الإجابات غير معروفة بأي وسيلة.
يجب الحصول على جميع المعارف التي يمكن الوصول إليها من خلال الأساليب العلمية ، وما لا يستطيع العلم اكتشافه ، لا يمكن للبشرية معرفته ". (برتراند راسل)..) .)
والأهم مما تقدم ما يخص " موت الفلسفة " وأي دعوى وراءه هذا النعي الفيزياء نسَباً:
( لقول الحقيقة ، يبالغ هوكينج ، الفلسفة لا تدعي الحقيقة أو المعرفة المطلقة ، إنها فن التفكير الذي يمنح فيه التفكير والأسئلة الحرية والتنوع للأفكار. أما بالنسبة للعلم ، فهو بحد ذاته فرع من الفلسفة ، مؤطرًا بنظرية المعرفة ، وموضوعه البحث عن المعرفة غير المعصومة على أساس الموضوعية (المفهوم الفلسفي) التي تكون وسائلها التجريبية (المفهوم الفلسفي) من خلال معيار التفنيد (المفهوم الفلسفي). ). إذا كان العلم فلسفة نجحت ، فذلك لأنه يعمل ، والنتائج تشهد على ذلك.
يتراجع بالقول: "لذا يبدو أننا مجرد آلات بيولوجية وأن إرادتنا الحرة مجرد وهم".
البيان الذي يشير إلى الحتمية يتناقض مع ما هو معروف في آليات المادة على المستوى الذري: ميكانيكا الكم هي نظرية احتمالية تكون فيها الصدفة هي الموصل.
يمكنك القيام بفلسفة جيدة على سبيل المثال مثل إروين شرودنجر وكارل بوبر عندما تكون لديك معرفة علمية ، ولكن من الواضح أن فلسفة هوكينج ليست شيئًا له.).
ولدينا أمثلة يوردها محاوره ويحاول مكاشفة بنيتها:
( صفحة 15: M-Theory هي النموذج الوحيد الذي يمتلك جميع الخصائص المطلوبة لتكون نظرية نهائية ، وسوف يعتمد عليها معظم تفكيرنا.
من ناحية ، لا يمكن للمرء أن يدعي وجود نظرية نهائية ، لأن الرياضيات لا تنضب ، وأي نظرية علمية هي تمثيل للواقع غير معصوم ومثالي. العلم طريق وليس هدفاً. إن الحديث عن النظرية النهائية يرقى إلى القول بأننا نضع عقائد وحقائق نهائية لا يمكن دحضها ، وهي ليست مسئولية المنهج العلمي. قد تكون نظرية إم نظرية ، لكن من غير الدقيق إعطاءها الصفة النهائية.
الصفحة 15: نظرية M ليست نظرية بالمعنى العادي للكلمة.
هذه جملة تناقض نفسها ...
الصفحة 17: لماذا يوجد شيء بدلاً من لا شيء؟ لماذا نحن موجودون؟ لماذا هذه القوانين الخاصة وليس غيرها؟
هذه أسئلة ميتافيزيقية لا تنتمي إلى العلم. يشرح العلم كيف تعمل الأشياء ، وكيف تعمل أجسامنا ، والتفاعلات البيوكيميائية. يجعل العلم من الممكن قياس الأحجام الفيزيائية ، ويقدر الظواهر. لكن السؤال عن السبب ليس علميًا. إذا كان بإمكان العلم أحيانًا أن يجد إجابات موثوقة لشرح كيفية الظواهر ، فهل يمكن للفلسفة أن تدعي أنها تجد إجابات موثوقة حول سبب وجود الأشياء على الإيمان الوحيد للفكر ، دون اللجوء أحيانًا إلى الحقائق؟
بعد أن قرأت الآن أكثر من 100 صفحة من كتاب هوكينج ، فإن الكتاب ليس بالسوء الذي كنت أتخيله. بعد كل شيء ، اختار هوكينج عنوانًا جذابًا ومثيرًا لإغراء الساذج ، ربما في محاولة لتثقيفهم. بهذا المعنى ، لا يمكنني إلا الموافقة على هذا النهج.
صفحة 173: أحد الأسئلة الأساسية التي لا تزال مفتوحة في نظرية M هو: لماذا لا توجد ، في كوننا ، أبعاد أكثر وضوحًا ولماذا يتم طي أبعاد معينة؟
يقدم هوكينج الأبعاد المكانية كواقع مادي ، وهذا خطأ ، لأن الرياضيات ليست سوى تمثيل غير معصوم للعالم ، فهي تعمل على وصف الواقع ولكنها ليست الحقيقة نفسها. هناك خلط بين الواقع الموصوف بوساطة الرياضيات وعرض الرياضيات على أنها بنية مباشرة للواقع المادي ، فالرياضيات ليست هي العالم ، إنها مجرد أداة لوصفها وشرحها. وبالتالي ، هناك اندماج غريب بين العالم المادي والتجريد الرياضي على الرغم من أنهما شيئان متميزان.) "5"
يمنحنا حوار من هذا النوع القدرة على الانفتاح، وما يشدنا إلى الآخر، وإقامة أكثر من علاقة معه من منظور الاختلاف بالذات. بمقدار ما يكون الحوار هذا باعثاً على التفاؤل، وعلى رؤية الجهات بسويَّة نفسية أكثر توازناً، ومكاشفة عقلية أكثر قابلية للمعرفة بمفهومها التركيبي طبعاً .
وما أسطّره ليس " انتصاراً " لهذا على ذاك، أو تفضيلاً لأي منهما على الآخر، كما تقدَّم، إنما هو مسعى معرفي للتعرف على ذاتنا، على ما في نفسنا من رغبات، وتطهيرها لتكون أكثر هضماً لما يقال أو يترد في محيطنا المجتمعي وتنوعات مواقفه، وفي الجوارالأبعد كذلك .
ففي الذي أثيرَ حتى الآن، وبالنسبة إلى النظرية، منذ متى كانت النظرية قادرة لأن تكون " زئبق " الميزان المعبّر عن التوازن في جدار القول، النص؟ حيث الحركة دائمة، وليس من استقرار لأي شيء من حولنا؟ النظرية مهما أوتيت قوة ونفاذ أثر، تظل محكومة بالمتغيرات، نسبية .
وقفة مع إلحاد ستيفن هوكينج L’athéisme de Stephen Hawking
لم أكن أريد تخصيص فقرة للمسمَّى بـ " إلحاد " هوكينج، إلا لأهمية الموضوع، لأن الموضوع موصول بعموم مقولة فيزيائينا، لا بل بكل ما تقدّم به أقوالاً وأمثلة وغيرها في سياق هذا البحث حتى الآن. لأن المعرفة تستدعي النظر في مفهوم ليس إشكالياً، وإنما أقرب إلى التركيب صراحة أو ضمناً، وليس من رأي فكري أو فلسفي ضمناً، إلا وفيه نفحة إيمانية ما، أما بصدد الإيمان فربما يكون مرتبطاً بقناعة معينة،باعتقاد " دوكسا " وليس بما ينيره معرفياً، أو يكون الخلط بين حالات عدة، بوعي أو من دونه، كما الحال مع تصورات لهوكينج إزاء العلم " المحض " !!
هناك نقاط عدة، لا بل كثيرة تخص هذا الجانب، وفي مقال طويل نسبياً.
إن الاطلاع على نماذج من أفكار المقال هذا، مفيد بخصوص رؤية المكان والمكان ثقافياً، وموقع الإنسان فيهما، وكيف ينظر إلى محيطه، وإلى نفسه، باعتباره باحثاً فيهما أو عالماً كذلك.
ماذا نجد في هذا المقال ؟:
( إلحاد ستيفن هوكينغ ، الذي يمثل تعزيزًا غير متوقع لهذا التيار الإيديولوجي في العصر الحديث ، يقوم على الأفكار التالية التي تمكنا من جمعها من كتاباته وأعماله:
- أولا وقبل كل شيء ، وفقا لهذا الفيزيائي البريطاني ، فإن توحيد الفيزياء يجعل من الممكن التحرر من دور الله كلي المعرفة والقادر في خلق الكون والحفاظ عليه في الوجود. بمجرد أن نعرف كل شيء عن الكون ، يفقد العلم الإلهي كل شيء قوته ويصبح غير ذي صلة.
- النظرية التي طورها طوال حياته المهنية ، وهي النظرية التي تحمل عنوان "الكون بلا حافة" توصي بأن الكون ليس له بداية ولا نهاية ولكنه يعتمد على زمن وهمي وهو تجريد رياضي.
نقد فرضيته حول وحدة العلم وتوحيد الفيزياء: مشكلة الكلية القديمة المضللة
سنرى أولاً فشل الكلية فيما يتعلق بتوحيد ميكانيكا الكم ونظرية النسبية العامة. ثم ننتقد العقيدة الشمولية في العلوم بشكل عام من وجهة نظر علمية وفلسفية.
واحدة من أكثر النتائج النظرية نجاحًا ، والتي لم يتم التحقق منها تجريبيًا ، هي نظرية تبخر الثقوب السوداء نتيجة تأثير الجاذبية القوية لهذا الكيان الفيزيائي الفلكي على التقلبات الكمية ، وهي نظرية طورها ستيفن هوكينج. لكن نظرية تبخر الثقب الأسود (أي تحويل كتلته إلى إشعاع) تتعارض مع مبدأ حفظ المعلومات الكمومية.
ثم تم تطوير نظرية أخرى: إنها نظرية الجاذبية الفائقة أو التناظر الفائق.
على الرغم من محاولات هوكينج وزملائه لإثبات هذا الانتهاك من خلال التجارب الفكرية هذا الانتهاك لافتراض ميكانيكا الكم في حالة تبخر الثقب الأسود ، فقد خسروا رهانهم نظرًا لأنه من المعروف أن الثقوب السوداء يمكنها إطلاق المعلومات التي التقطتها وبالتالي فإن الحفاظ على المعلومات.
أسطورة الشمولية التي هي جوهر التوحيد في الفيزياء
تظهر الروابط بين الفيزياء ومجالات المعرفة الأخرى التي تدعيها الكلية أن الكلية هي عقيدة فلسفية "توسعية" تلوث كل المعرفة العلمية في نوع من التفاعلات المتسلسلة الميتافيزيقية والنظرية.
صعوبة الهويات الرياضية في الفيزياء التي هي أساس القوانين
إنها النظرية التي تصبح مجالًا غير مؤكد لأن الشمولية لا تستنفد أبدًا العلاقات بين المفاهيم والفرضيات الواردة فيها أو تلك التي تنتمي إلى نظريات أخرى حتى الانحدار اللامتناهي.) " 6 "
وما يزيدنا علماً ومعرفة بهذا الخصوص:
( نقد عقيدة هوكينج فيما يتعلق بقوانين الفيزياء
وفقًا لهوكينج ، فإن المعرفة البشرية بالقوانين الفيزيائية تعني أن المرء لا يحتاج إلى الله لفهم الكون. سنوضح في هذا الجزء من المقالة أن الأمر ليس كذلك.
أثبت فلاسفة العلم المعاصرون مثل إيان هكينج ، وباس فان فراسن ، ونانسي كارتررايت أن نظريات الفيزياء بعيدة كل البعد عن الواقعية (أي النظريات التي تصف وتمثل الواقع المادي) وأن القوانين الأساسية للفيزياء هي نظريات تخمينية.
عندما يتعلق الأمر بتجارب الفيزياء ، فإن العلماء لديهم معرفة تجريبية مماثلة تسمح لهم بالتفاعل مع كيانات غير مرئية من خلال التلاعب بها والتدخل في خصائصها السببية. يجري هؤلاء العلماء هذه التجارب في غياب النظريات الأساسية حول الكيانات التي يتلاعبون بها. إن مصدر معتقدات العلماء ليس نظريات ، بل مجرد معتقدات مصاغة حول هذه الكيانات تمكن من التفاعل السببي الناجح معها.
أكد كارترايت أن "الطريق من النظرية إلى الواقع هو من النظرية إلى النموذج ثم من النموذج إلى القانون الفينومينولوجي. قوانين الظواهر صحيحة بالتأكيد بالنسبة للأشياء في الواقع – أو يمكن أن تكون كذلك ؛ لكن القوانين الأساسية [النظريات] صحيحة فقط بالنسبة للأشياء الموجودة في النموذج.
يلاحظ المرء في هذا التأكيد رفض اللجوء إلى النظريات: من الوهم الاعتقاد بأن النظريات تصل إلى الواقع لأن هناك شيئًا ما بين النظريات والتجربة: إن القوانين الظاهراتية هي الأكثر ارتباطًا بالبيانات التجريبية.
النظريات الأساسية هي الأبعد عن ذلك. لا يمكن التحقق مما إذا كانت البيانات النظرية صحيحة بقدر ما لا يمكن مواجهة هذه العبارات مباشرة بالواقع..) " 7 "
وثمة تأكيد على هذا التوجه، من قبل هوكينج في مقابلة معه، ومن خلال التالي:
( "عندما يسألني الناس عما إذا كان الله قد خلق الكون ، أقول لهم إن السؤال ذاته لا معنى له. لم يكن الوقت موجودًا قبل الانفجار العظيم. لذلك لم يكن لدى الله الوقت الكافي ليخلق الكون. إنه مثل السؤال أين النهاية الأرض هي: الأرض كروية ، لذلك ليس لها نهاية ، والبحث عنها ممارسة لا طائل من ورائها.
"لا جنة ولا حياة بعد الموت"
وهكذا كان ستيفن هوكينغ ضيف الحلقة الأولى من المسلسل الوثائقي الأمريكي "الفضول" عام 2011 ، حول موضوع "هل خلق الله الكون؟" كما يتضح من المقتطف أدناه ، كانت إجابته سلبية بشكل واضح.
"عندما يسألني الناس عما إذا كان الله قد خلق الكون ، أقول لهم إن السؤال ذاته لا معنى له. لم يكن الوقت موجودًا قبل الانفجار العظيم. لذلك لم يكن لدى الله الوقت الكافي ليخلق الكون. إنه مثل السؤال أين النهاية الأرض هي: الأرض كروية ، لذلك ليس لها نهاية ، والبحث عنها ممارسة لا طائل من ورائها.
كل واحد منا حر في تصديق ما نريد ، ووجهة نظري هي أن أبسط تفسير هو أنه لا يوجد إله ، ولا أحد خلق الكون ولا أحد يحكم مصيرنا. هذا يقودني إلى فهم هذا: ربما لا توجد جنة أو حياة بعد الموت. لدينا هذا العمر فقط لنقدر المخطط الكبير للكون ، وأنا ممتن للغاية لذلك. "
سياحة الفضاء: ستيفن هوكينغ جاهز للإقلاع
"لا داعي لدعاء الله"
بالفعل في عام 2010 ، كشف ستيفن هوكينج عن إلحاده في كتاب "التصميم الكبير" (شارك في تأليفه مع زميله ليونارد ملودينو) ، والذي نُشر في عام 2011 في فرنسا تحت عنوان "هل يوجد مهندس معماري عظيم؟" (منشورات أوديل جاكوب).
وأكد هناك:
"نظرًا لوجود قوانين مثل الجاذبية ، يمكن للكون ويجب عليه أن يخلق نفسه من لا شيء. [...] الخلق التلقائي هو سبب وجود شيء بدلاً من لا شيء ، وسبب وجود الكون ، وسبب وجودنا. ليست هناك حاجة لاستدعاء الله اضغط على الزر "تشغيل" وابدأ تشغيل الكون ".) " 8 "
ما يجدر التنويه إليه، وإزاء الإلحاد بالذات، وهو بتاريخه الطويل، من المستحيل بمكن سبْر الجانب الإيماني الدقيق في أعماق الإنسان، حتى المتميَّز بثقافة عالية، وفي مجتمعاتنا بالذات، حيث الإيمان لا يخفي جانبه العامي" الشعبي " أي ما يبقي " المؤمن " في نطاق الحشد" الجماهير " بمفهومها " البلوكي " وليس التنوع في ميول الأفراد وثقافاتهم، لأن الفرد، كمفهوم اجتماعي، له هويته الشخصية المعرّفة بموقعه الاجتماعي، واستقلاليته فيما يختار من أفكار، وفيما يظهِره من مواقف من هذا الجانب، وفي الغرب بصورة أقل بكثير، نظراً للتمايز بين قائمة خصوصيات الأفراد والجماعات، حيث القانون يكفل ذلك.
الحديث عن الإلحاد الذي يسمّي شخصاً أو أكثر، يخيف المؤمنين بالله كثيراً، جرّاء وعي قطيعي إجمالاً، ومن خلال ما يجري التشديد عليه من جهة السلطة بهرمية تكوينها. إن أول من يظهِر خوفه ممن يعتبَر ملحداً هو ممثل السلطة بالذات، لأنه بإلحاده يشكل لغماً في عمق الأساس الذي أشيدَ عليه المجتمع، أو قيامة الدولة، أو السلطة ككيان سياسي له وجهه ولسانه، حياته وموته.
الإلحاد يطرَح علماً، ولا فلسفاً في الأصل، إنه نوع من الفن شديد الذاتية،يعمَل عليه في النفس، ويتم اقتطاعه مما هو خارجي " مجتمعي، ويشار إليه علماً عيانياً، وليس في المقدور تثبيته في زمانه ومكانه، طالما أنه يمارس تأثيره في داخل من يتبناه، طالما أنه لا يصرّح به صراحة!
وفي ضوء ذلك يصبح الملحد منعزل الآخرين لفرادة الموقع وخطورته، وقد اختار لنفسه دون كل المحيطين به منظوراً حياتياً يختلط فيه القول والفعل، والصمت أكثر من الكلام، لثقل مفهومه، لعله " الملحد " مجنون نفسه على أتم ما يكون من الخصوصية، وليس عاقل محيطه جمعاً ، وفي بنية هذه العلاقة التي لا يعود كل من الفلسفي والعلمي واضحين، يصعب الكشف جداً عن أسّه ! إنه إقرار بواقع، ربما المعني به نفسه يصعب عليه إبرازه، لأنه يقيني من نوع خاص، وطالما أنه لا يتقدَّم به، نوعاً من المتراس يواجه به الذين يعرّفون بأنفسهم مؤمنين مخالفين لما يعتقد !
الملحد يخيف، لأن الذين يعرَفون بإيمانهم العفوي يشعرون بتهديد داخلي، وليس لأن هناك من خرج عن الجماعة، وهي فكرة قديمة جداً بتاريخها، لأن الإلحاد داخلي، ذاتي، طالما أن الملحد ليس دعوياً، وليس لديه موقع أو منبر من خلاله يدعو إلى الحاد، وهو يقوم بدوره الاجتماعي. ربما من هناك يظهر الخوف اللافت للغذامي بأبعاده الاجتماعية والنفسية، ويشكل تهديداً من الداخل، ولهذا ينظَر في الفلسفة، كما لو أنها " تفرّخ " إلحاداً في أذهان الآخذين بها، وتهيئهم لأن يكونوا حملة بذوره، ونقلة مؤثرات" غبار طلعه: المسموم؟ " إلى الآخرين، وهو في خطره الأكبر بكثير، كما يظهر، ممن يمارس العلم، وينظر إلى الكون وهو يسير بقانون ذاتي، لأن ليس هناك ما يظهر للعلن، مثل ذلك الملحد، وهو ينشر معلومة كهذه . وهو ينبري داخل الثقوب السوداء les trous noirs التي تعنيه، وهي تتعداه، كونها مقبرة مجراتية في أصلها وهولها..
في المحصلة : يعلّمنا العلم كما تعلّمنا الفلسفة بالطريقة التي نهتدي بها إلى أنفسنا دون توقف في الزمان والمكان، وكيفية التحلي بشجاعة الإرادة، ومعرفة قوانا الداخلية، لنبني بها مجتمعاتنا، وننسكن بثراء الطبيعي، وليس من خوف من كشوفات العلم، ولا ما يضاف معرفياً إلى الفلسفة بتنوع أصواتها. إنها بوليفونية على مستوى الواقع، وليس مجرد النص الأدبي، وما نتلمسه في واقعنا هو بؤس المتحصّل مما هو علمي، وبؤس المعاش بعيداً عما هو فلسفي هنا وهناك .
يعلّمنا العلم كيف نتعرف على قوانا بمفهومها الحيوي: العضوي، وتعلمنا الفلسفة، كيف نكتشف بالتوازي مع ما هو علمي، قدراتنا النفسية، ونكون أكثر استواء، وأكثر أهلية لبناء عالمنا الذي يعيش تهديدات تترى، ليس العلم ولا الفلسفة هما السبب، إنما من يحرّكهما بما هو كارثي .
من هنا، يكون في مقدورنا أن نعلم بما لم نعلمه بعد، لنكون ما لم نكنه بعد، بشراً من نوع آخر!
" يتبع "
مصادر وإشارات
1-ستيفن هوكينج" ليونار مولدينو ": التصميم العظيم " إجابات جديدة على أسئلة الكون الكبرى "، ترجمة: أيمن أحمد عيّاد، دار التنوير، بيروت، ط1، 2013 ، في 224 صفحة، وحيث إن أرقام صفحات الكتاب تردُ في المتن، من باب الإيجاز.
2- بول تاغارد: هل ماتت الفلسفة؟ خطأ ستيفن هوكينغ، www.jadaliyya.com
وأنوّه هنا إلى أنني حافظة على الصيغة الكتابية لاسم فيزيائنا وغيره كما هي في المقال المترجم والذي نقلت عنه طائفة من المعلومات التي تشكّل حواراً معه، دون أي تدخل.
وقد صدر لهذا الفيلسوف والعالم الكندي كتاب "الدماغ ومعنى الحياة"، كما صدر كتابه الأخير عن جامعة كولومبيا بعنوان "التوازن: كيف يعمل وماذا يعني؟". وهذه المقالة المترجمة نُشرت في الأساس بالإنجليزية في موقع "علم النفس اليوم].
3- Stephen Hawking, de la physique à la philosophie
ستيفن هوكينج من الفيزياء إلى الفلسفة
4- Francis Wolff ourquoi l’Univers existe-t-il ? Le testament de Stephen Hawking
فرانسيس وولف : لماذا الكون موجود؟ إرادة ستيفن هوكينج
5- Stephen Hawking, science et philosophie
ستيفن هوكينج ، علم وفلسفة
6-Rafik Hiahemzizou :L’athéisme de Stephen Hawking, un engagement personnel précipité. Une critique philosophique et scientifique (1/2)
رفيق هيا همزيزو :إلحاد ستيفن هوكينج ، التزام شخصي متسرع. نقد فلسفي وعلمي (1/2)
7-Rafik Hiahemzizou :Une critique philosophique et scientifique de la doctrine athéiste de Stephen Hawking (2/2)
رفيق هياحمزيزو : نقد فلسفي وعلمي لعقيدة الإلحاد لستيفن هوكينغ (2/2)
8- Thierry Noisette:”Dieu n’existe pas” : Stephen Hawking était un athée convaincu
تييري نويسيت: "الله غير موجود": كان ستيفن هوكينغ ملحدًا مقتنعًا
د. عبدالله الغذامي