حمل سعيد تقيّ الدين السخرية شعارًا حِكَميًّا يسرّبه إلى ما يكتب ويصوّر، وهو القائل: "إن السخرية حكمة لأنها تفلسف الحياة قوةً إذ هي تستخفّ بكل قوة .. والحياة وقد أخصبت في نفسي تجاربها وأهوالها ومخاطرها، نعيمها وجحيمها، ما تركت في نفسي إلا الهزء بنفسي وبكل ما مرّ بي ومَن مرّ بي". فجاءت سخرية الكاتب تلقائية بوصفها نابعة من طبيعته، ومَلَكَة من ملكاته يمارسها في حياته اليومية؛ فانطبعت في أسلوبه. حاكى القضايا والموضوعات المطروحة في مقالاته وقصصه ومسرحياته بسخرية، وهزئ بالكل حتى من نفسه عندما يرتسم راويًا متكلمًا، أو حين يتشظّى إلى شخصيات أخرى ترد في نصوصه. وإن صوّر الموضوعات الأكثر جدّية ومأساوية بهزل، فذلك ليكشف سخف الأسباب التي تؤدّي إلى مثل تلك النهايات، أو عقم الصراعات. من هنا جاء ثراء نصوصه بجدّ يقابله معادل هزلي.
فمن هو سعيد تقيّ الدين (1904- 1960)؟
تخرّج في الجامعة الأميركية في بيروت. حفلت حياته بالنشاطات منذ كان طالباً؛ فترأّس جمعية "العروة الوثقى" وحرّر مجلّتها (1924). نشر مقالاته في دوريّات بيروتية ومصرية، ألّف باكورة مسرحياته "لولا المحامي" و"قضي الأمر" (1924-1925). ثم هاجر إلى الفيلبين ليعمل في التجارة. بعد انقطاع عن الكتابة دام أكثر من عشر سنوات، عاد ليكتب مسرحيته "نخب العدو" ومجموعته القصصية الأولى "الثلج الأسود" (1946). وتخبر ابنته الوحيدة ديانا أن كان لوالدتها "بياتريس جوزف" الفضل في عودته إلى الكتابة.
أسّس في مانيلا الجمعية اللبنانية السورية، وانتُخب رئيساً لها، وعُيّن قنصلاً فخرياً للبنان (1946). نشر مسرحية "حفنة ريح" مع المجموعة القصصية "موجة نار"(1948)، و"غابة الكافور" (1951). بُعيد عودته إلى وطنه (1948)، انتُخب رئيساً لجمعية متخرّجي الجامعة الأميركية، ورئس تحرير مجلة الجمعية "الكلّية" الصادرة باللغة الإنكليزية. حضنت مقالاته و"رفّات الأجنحة" دوريات مثل: "بيروت"، و"بيروت المساء"، و"الصيّاد"، و"الحياة". إلى أن أصدر مسرحيته "المنبوذ" (1953) وقد نالت جائزة "جمعية أهل القلم"، ومجموعته القصصية "ربيع الخريف"(1954).
انتمى إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1951، مؤسّساً جمعيّة "كل مواطن خفير"، ومحدّداً دورها في ملاحقة العملاء. وأوكلت إليه عمادة إذاعة الحزب (1955م). حُكم عليه بالإعدام مرّتين لمشاركته في إعداد انقلاب. والجدير ذكره أنه أراد، قبل انتظامه في الحزب، أن يتثبّت من أمور ثلاثة، هي: أن الحزب لا يحاول هدم لبنان، وأن لا يكون العنف من بعض أساليب المحازبين، وأن لا يؤمر بكتابة شيء او الكفّ عن كتابة شيء. كتب في المقالتين السياسيّة والأدبيّة، وفي فن الترسّل؛ فأصدر"سيداتي وسادتي" و"تبلّغوا وبلّغوا"(1955)، و"غبار البحيرة"(1957).
في ظل الملاحقات السياسيّة له، هاجر إلى المكسيك ومن ثم إلى جزيرة سان أندروز في كولومبيا (1958)، حيث جمع كتابيه الأخيرين: "رياح في شراعي" و"أنا والتنين" الذي صدر بعد وفاته بعام. نُقلت رفاته إلى مسقط رأسه في بعقلين - جبل لبنان سنة 1971.
أدبه نتاج تجاربه وسياقات تاريخيّة عاشها
شهدت المرحلة التي عاشها الكاتب تحولات تاريخية، وتقلبات عالمية وإقليمية ومحلية كبرى: من صعود الحلم العربي بالنهضة والاستقلال والوحدة، إلى وقوع الحربين العالميتين، فسقوط الأحلام بصدور وعد بلفور وإقامة الانتداب الأوروبي على المنطقة بعد تقسيم التركة العثمانية – والعربية منها – ونشوء دولة لبنان الكبير في مرحلة وسيطة وما أفضى إليه من تزكية لانتماءات ضيقة مذهبية ومناطقية. فضلا ً عمّا نتج عن وضع فلسطين من هجرة يهودية متزايدة إلى أراضيها، وقيام الثورات في وجهها، محلية وعربية، والنتيجة المشؤومة في فشل المساعي لمنع حدوث التقسيم عام 1948. وتاليًا إنشاء جيش الانقاذ العربي الذي أُثبطت جهوده أيضًا، نتيجة الخلافات العربية – العربية، الأمر الذي أدّى إلى ولادة الكيان اليهودي؛ فحمل أدب تقي الدين علامات ذلك العصر، آلامه، آماله وخيباته.
هذا على الصعيدين الإقليمي والعالمي، أما على صعيد التجربة الشخصية للكاتب، وبعد قراءتي نتاجه الأدبي واطلاعي على سيرته الذاتية المبثوثة في الكثير من مقالاته ومقدمات كتبه، والمكتوبة بقلم غير قلمه، تكشّفت قصصه أمامي نُتفًا من حياته، وتجلّيًا لتجاربه المتنوعة والمثيرة بتناقضاتها، بوصفه شخصية بارزة في معظمها. وهو القائل إنّ سنّة الحياة هي التغيير والتبدل، وإنّ الدنيا كلّها هي الإنسان الحيّ؛ مطبّقا بذلك شعار أدب الحياة.
من أين ينبثق هذا الضحك؟
من سمات البنية التعبيريّة عند تقي الدين القدرة على اللعب باللغة والتصوير لخلق الجماليات وإحراز متعة التلقّي. يبدو لقارئ نصوصه تمثّل رؤية مولييرMolière في مقولته: "لا هزل من دون حقيقة ولا حقيقة من دون هزل"، بحيث يقول إنّ "الهزء آلم أنواع الإهانات". ويتساءل مارون عبّود (1886-1962) في كتابه "جدد وقدماء" تحت عنوان "سعيد تقيّ الدين الدرامائي": من أين ينبثق هذا الضحك؟ ليجيب بأن ذلك يتكشّف في ثلاثة مظاهر، هي: التعبير، والتكوين الذي يخلقه لأشخاصه، والموقف. ويتابع، موضّحًا أنّ "تكبير الأشياء الهزيلة الحقيرة هو عنصر هام عنده، بل هو وسيلته إلى إبراز شخوصه". هذا القول يؤكّده الناشر جان داية حين يقول إنّ السخرية لديه تعتمد على الكلمة اعتمادها على الفكرة والصورة.
أيّ إنسان يصوّر؟ وأي إنسان يريد؟
اشتهر عن تقي الدين براعته في النحت، لا سيّما نحت الأسماء من صفات وأفعال، ليصبح الاسم علامة على ما يريد الهزء به، وعلى من يبتغي تحجيمه. لكنّ هذا النحت لا يبتعد عن سلاطة لسان عرفت عنه. نتعرّف بشخصيات في مقالاته وقصصه، بقدر ما تثير الضحك، فهي موضع اشمئزاز. على غرار "عوسج شنديب" نجل "شمدص جهجاه"، من خلال نشر الصحف أخبارهما، لا لشيء إلّا احتكامًا لوجاهة متوارثة. والعوسج والشنديب هما من النباتات الشوكيّة البريّة. وجهجاه لفظ يحيل على الوجاهة الفارغة والعجرفة باقترانه بالاسم شمدص العجيب. وتبجّل الصحافة –بيّاعة الفحم- عطوفة الوجيه "حصرم قنزوح" لتبذّل إحسانه، والسيدة حرمه "قرحة طعبروس" الأديبة الكبيرة.
أمّا الجيذور (صيغة تصغير) فهو الوضيع الذي صار من علية القوم، لا أصالة ولا جذور له؛ عرف نعمة طارئة، فلم يحسن التعامل مع وضعه المستجدّ مقلّدًا طبقة لا ينتمي إليها؛ ليظهر نسخة مزيّفة أسوأ من طبقة لم يوفّرها تقي الدين بنقده. ولم يهمل طبقة التجّار المنافقين والمرابين، فأطلق على نموذج منهم اسم "مكحش"، والكحش بالعامية هو الطرد، وفعل قحش يعني كسب بسرعة ونهم وشره. وآخر منحه اسم شهرة "جوهر" لأنه متنكّر لقيم أصيلة ربي عليها، في مفارقة واضحة. وثالث هو "شرشوح القنبزي". وممثل فئة الساسة الفاسدين "طعبروس" صاحب الاسم الممجوج. جميعها ألفاظ معجونة من القاموس الشعبي بنكهة خاصة بسعيد.
ولعلّ أشهر لفظين منحوتين لا يزالان في ذاكرة جيل من اللبنانيين، "الزحفطون" و"الغطواز". والزحافطة هم متسلّقو المناصب بزحفهم على بطونهم، أي بالتملّق والتبعيّة العمياء والتذلّل. والغطواز هو من طاحت به غطرسة الوظيفة، فظنّ نفسه مثل شمدص جهجاه أنّ "الكرة الأرضية يسكنها هو وبليونان من مخاليق البشر. وليس للبليونين من أهميّة قط".
لا يحتاج القارئ إلى كثير عناء ليتبيّن الفئات البشريّة التي كانت بمرمى نقد سعيد، وأن يفهم تاليًا مقته للزيف والاستعلاء والنفاق والتبعيّة والتصاغر والزبائنيّة والطائفيّة والفساد والادّعاء في المناحي الحيويّة- الاجتماعيّة كافة. غير أنّه من الغبن الاكتفاء برصد الأسماء المنحوتة والشخصيات المرسومة كاريكاتوريًّا لإبراز الأسلوب التهكّمي لدى الكاتب. فقد اختطّ منهجًا أسلوبيًّا متكاملاً في المعجميّة والتراكيب والبناء، إذا ما توقفنا أمام قصصه. كأن يبني، على سبيل التمثيل، قصّة على عبارة "يا عيب الشوم" (قصة "سمفوني" من مجموعة "ربيع الخريف") في بناء دائري تنقلب فيه المواقف وتتبادل الأدوار بين أخوين: كبير رصين ودائم التأنيب، وصغير لاهٍ، لكنّه يحظى بفرصة قول العبارة لمرّة وحيدة لكنّها حاسمة، في موقف ينزلق إليه من كان يوبّخه كيفما اتّجه؛ وذلك باعتماد تقنيّة التقليل والتصغير.
أما في قصة "كنز الكوسموس" من المجموعة نفسها، فقد دار البناء على عبارة "تحيا الكَسْمَسة" (لفظ من نحت سعيد بتعريب لفظ الكون cosmos) التي يتلقّنها العربي المغترب (الاغتراب بدلالتيه) في إيمان راسخ وغير متبصّر بالأمميّة، وذلك لإظهار خديعة هذا المفهوم في ظلّ الصراع القومي مع الصهيونيّة العالميّة.
الكبير الذي يصغر، والصغير الذي يتعملق
سأكتفي في هذه السطور بالإضاءة على تقنيّتي الغروتيسك (التضخيم) والتقليل في رسم الشخصيّات والمواقف. ففي قصة "ضيعة الكلاب" ( مجموعة "غابة الكافور") يصوّر تقيّ الدين الحال النفسيّة لفلاح حصل على مساعدة ماليّة من مغترب –ابن بك- رآها "ثروة هائلة": "فهو شيء عظيم في الحياة، شيء يحترم له قيمة. شيء يخاطب بـ (يا سيدي)" ، ويزور بيروت للمرّة الأولى، ويتعرّض لمكر تاجر يستغلّ سذاجة القرويّ وصفاءه. الفلاح هو "الراكب رقم 1 [واحد] في صهوة تلك المكنة الجبّارة.. علا بوملحم أميالاً كثيرة نحو السماء حين ارتقى درجتين إلى مقعده في البوسطة [الحافلة]، وأحسّ الدنيا صارت فعلاً تحت قدميه وأن سكان البسيطة مثل ركاب البوسطة خلفه.. بدت له أشجار الزيتون صغيرة إذ هو الآن يراها من عل ٍ لا من تحت أغصانها.. تفجّر ركاب البوسطة بالحداء على شرف الضيف المسافر". وفي طريق العودة بعد اكتشافه خداع التاجر، شعر بتضاؤل شأنه، وهبط إلى الأرض من جديد: "حشر نفسه في أحد المقاعد الخلفية .. لمح أشجار الزيتون قد تعالت بواسق تتأوّد بعنف وتميل".
وفي "قصة غير عادية" (غابة الكافور)، لنضحك من تصوير حالتين للصحفيّ في موقفين: بمواجهة رئيسه، وأمام شخصيّة يجري معها حوارًا. يروي الصحفي: "-ما بالك شاخصًا إليّ؟ رفسني بقوله [رئيس التحرير]. لمحت بعيني الخلفية الباب ورائي ينصفق بعنف.. انحدرت من ذلك المكتب هاربًا.. مذعورًا.. الخوف يدفع قدمي إلى الفرار". وفي مهمته للقاء الأديب تتضخم صورته بعين نفسه: "مشيت أتبختر.. بخطى الواثق من نفسه، كملاكم يمشي إلى الحلبة لينازل خصمًا.. رأيتني أنظر إلى القصر من علٍ.. القصر فريستي وإني النمر أمشي إليه".
المبالغة والكرنفالية والمفارقات
في كتابه "الملحمة والرواية"، يعرّف الناقد الروسي ميخائيل باختين M. Bakhtine الكرنفال بأنّه "حدث شعبي يتوجّه ضد الثقافة الرسمية السائدة. وسماته الازدواج القيمي وتعدّد الأصوات والضحك. وهو ثقافة فرعية نقدية تشكّك طقوسها في الأخلاق السائدة والمعايير المتّبعة، تُقدّم في سياق كاريكاتوري هزلي.. وبذلك، فإن النظرية الكرنفالية لا تُفصل عن السياق الاجتماعي.. والضحك يحافظ على الوضع القائم ويهدمه في آن عبر إشاعة الثقافة النقدية التي تتوسّع وتنتشر.. والازدواج القيمي يرفض القيمة المطلقة، ويجعل كل قيمة نسبية.. حتى الشعب يسخر من نفسه. من هنا الاحتفال بالمتناقضات.. وهنا تنشأ علاقة جديدة أصلا ً على اللغة والكلام".
في قصة "صورة أم فريد" (مجموعة "الثلج الأسود") المثقّف فريد زهنان لم يَدُر به الزمان، بل مرّ عليه في مغتربه الأميركيّ، ولولا سخاء عباس الجعفري الأمّي لاشتكى فريد الجوع. هذا الجرديّ (من الجرد البعيد عن التمدّن) الذي حلّى الشاي بالملح صار مليونارًا. ويعقّب الراوي: الظاهر أن البقر أمهر بإلقاء دروس الحياة من شهادات أساتذة الجامعات.
لكنّه يحمل على المثقف الزائف بعنف. فيصف فريد بأنّه "لا شرف ولا ترف.. حبة رمل في كومة رمال، خروف في قطيع لا يزهو بقرن ولا يختال بإلية. اعوجّ طربوشه ولمع حذاؤه، وتدلّت من يسراه شهادة مدرسية.. وكان ممن جهلوا معنى الشباب المثقف الشاب المثقف فريد". ويتابع في قصة "القدم الناطقة" مع الدكتور كامل الخجول والذاهل، واصفًا الضحك الشعبي منه: "مَن يعتزل الناس في القرى يمسي موضوع أحاديثهم ومرمى هزئهم.. يروون الأقاصيص عن ذهوله.. يقولون مقهقهين: حين يعمّق الدكتور الموقّر تفكيره ويتعمّد استثارة قواه العقلية يمد يده فيحكّ قفاه.. من الطبيعي أن يضحك الجمهور لرؤية يد الدكتور تحك ما سمّوه (مفكّرة الأستاذ)".
وفي تصويره الكراهية الدفينة، يعمد إلى المبالغة (في قصة "المرحوم"): أثارت رؤية الناطور في نفس الفلاح بو توفيق عاصفة من الكره والغضب حين كان يفطر، "فأقبل يحزّ البندورة بشراسة كأنها قلب الناطور، ويهوي بقبضته على البصلة كأنها رأس خصمه، ويمزّق رغيف الخبز كأنه لحم عدوّه". ختامًا، أعرض مشهدًا لمظاهر الفساد السياسي من استهتار بالمنجزات العلميّة وهدر للمال العام (في قصة "طعبروس"): "لنتكلم بصوت خافت مخافة أن تسمعنا الصحافة.. إن سَلفي [الوزير] باع أكثرها [السيارات] ولمّا نزل نطالبه بثمنها.. وبعضها مخرّب.. وما بقي أرسلته لاستقبال ابن عمي.. والمظلّة الهوائية.. اقتطعنا من نيلونها سروالاً أهديناه إلى رئيس بلدية الثريا.. وانتزعنا الكثير من حبالها لنشر غسيل الوزراء.. الصحافة ترش عليهم الوحول، فأبوابهم أبدًا قذرة يلزمها التنظيف".
في قصصه وضع سعيد الفلاح بمواجهة مع الناطور، والتلميذ إزاء معلّمته، والمثقف الفقير مع الأمّي الثري، والمرؤوس قبالة رئيسه، والقومي أمام الأممي، والبروليتاري في مواجهة مع الإمبريالي، والأخوين إمّا في لوحة حقد وكراهية وإما في سيناريو من اللوم والنصح اللطيف. فيبرز المفارقات من طريق المبالغة وتقنيات التقليل والتضخيم، وغالبًا في مشاهد من الضحك الشعبيّ.
كما الدوائر المتداخلة: التضمين السردي
بالعودة إلى أجواء قصة "ضيعة الكلاب"، وكي نفهم سبب التسمية، فالقاصّ لم يتناول ثنائيّة الثقافة (المدينة)/ الطبيعة (القرية)، أو النفاق التجاري/ الطيبة إلا في قصّة داخل قصة إطار لها مقاصد أعظم. ولهذا دلالات تؤكّد رؤية الكاتب إلى القضايا في انجدالها وضرورة النظر فيها بوصفها متساوية الأهميّة، وإن في تدرّج ملحوظ. والقصة الإطار تشير إلى التعصّب الطائفي في تفسير موت الفلاح بوملحم في طريق عودته إلى قريته، مخدوعًا ومقهورًا، فمات نتيجة إصابته بذبحة صدريّة قرب النهر. أمّا تفسير إحدى الشخصيّات الموتورة طائفيًّا فكان كما يأتي في القصة الإطار: "الله يلعن.. في الربيع الماضي قتل "الجماعة" منهم [إشارة إلى طائفة دينيّة أخرى] رجلًا مسنًّا بعد أن نهبوه ونزعوا حذاءه ومسحوا وجهه بالصباغ الأزرق. أتعلم ماذا فعل أبناء الضيعة؟ تظاهروا أنهم صدّقوا التقرير الطبّي بأنّ الرجل مات بسكتة دماغيّة. هكذا تهرّبوا من واجب للأخذ بالثأر. تسألني ما اسم الضيعة؟ اسمها ضيعة الكلاب".
سعيد تقيّ الدين يصحّ فيه قوله في الإنسان العزيز بأنّه من تلمع الشمس على جبينه، فلا يقضي حياته منحنيًا أمام القوي، كما صدق في قوله إنّه سبق الدهر ولم يماشِه في طلبه للعظمة في زمنه.
د. سمية عزام / لبنان
فمن هو سعيد تقيّ الدين (1904- 1960)؟
تخرّج في الجامعة الأميركية في بيروت. حفلت حياته بالنشاطات منذ كان طالباً؛ فترأّس جمعية "العروة الوثقى" وحرّر مجلّتها (1924). نشر مقالاته في دوريّات بيروتية ومصرية، ألّف باكورة مسرحياته "لولا المحامي" و"قضي الأمر" (1924-1925). ثم هاجر إلى الفيلبين ليعمل في التجارة. بعد انقطاع عن الكتابة دام أكثر من عشر سنوات، عاد ليكتب مسرحيته "نخب العدو" ومجموعته القصصية الأولى "الثلج الأسود" (1946). وتخبر ابنته الوحيدة ديانا أن كان لوالدتها "بياتريس جوزف" الفضل في عودته إلى الكتابة.
أسّس في مانيلا الجمعية اللبنانية السورية، وانتُخب رئيساً لها، وعُيّن قنصلاً فخرياً للبنان (1946). نشر مسرحية "حفنة ريح" مع المجموعة القصصية "موجة نار"(1948)، و"غابة الكافور" (1951). بُعيد عودته إلى وطنه (1948)، انتُخب رئيساً لجمعية متخرّجي الجامعة الأميركية، ورئس تحرير مجلة الجمعية "الكلّية" الصادرة باللغة الإنكليزية. حضنت مقالاته و"رفّات الأجنحة" دوريات مثل: "بيروت"، و"بيروت المساء"، و"الصيّاد"، و"الحياة". إلى أن أصدر مسرحيته "المنبوذ" (1953) وقد نالت جائزة "جمعية أهل القلم"، ومجموعته القصصية "ربيع الخريف"(1954).
انتمى إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1951، مؤسّساً جمعيّة "كل مواطن خفير"، ومحدّداً دورها في ملاحقة العملاء. وأوكلت إليه عمادة إذاعة الحزب (1955م). حُكم عليه بالإعدام مرّتين لمشاركته في إعداد انقلاب. والجدير ذكره أنه أراد، قبل انتظامه في الحزب، أن يتثبّت من أمور ثلاثة، هي: أن الحزب لا يحاول هدم لبنان، وأن لا يكون العنف من بعض أساليب المحازبين، وأن لا يؤمر بكتابة شيء او الكفّ عن كتابة شيء. كتب في المقالتين السياسيّة والأدبيّة، وفي فن الترسّل؛ فأصدر"سيداتي وسادتي" و"تبلّغوا وبلّغوا"(1955)، و"غبار البحيرة"(1957).
في ظل الملاحقات السياسيّة له، هاجر إلى المكسيك ومن ثم إلى جزيرة سان أندروز في كولومبيا (1958)، حيث جمع كتابيه الأخيرين: "رياح في شراعي" و"أنا والتنين" الذي صدر بعد وفاته بعام. نُقلت رفاته إلى مسقط رأسه في بعقلين - جبل لبنان سنة 1971.
أدبه نتاج تجاربه وسياقات تاريخيّة عاشها
شهدت المرحلة التي عاشها الكاتب تحولات تاريخية، وتقلبات عالمية وإقليمية ومحلية كبرى: من صعود الحلم العربي بالنهضة والاستقلال والوحدة، إلى وقوع الحربين العالميتين، فسقوط الأحلام بصدور وعد بلفور وإقامة الانتداب الأوروبي على المنطقة بعد تقسيم التركة العثمانية – والعربية منها – ونشوء دولة لبنان الكبير في مرحلة وسيطة وما أفضى إليه من تزكية لانتماءات ضيقة مذهبية ومناطقية. فضلا ً عمّا نتج عن وضع فلسطين من هجرة يهودية متزايدة إلى أراضيها، وقيام الثورات في وجهها، محلية وعربية، والنتيجة المشؤومة في فشل المساعي لمنع حدوث التقسيم عام 1948. وتاليًا إنشاء جيش الانقاذ العربي الذي أُثبطت جهوده أيضًا، نتيجة الخلافات العربية – العربية، الأمر الذي أدّى إلى ولادة الكيان اليهودي؛ فحمل أدب تقي الدين علامات ذلك العصر، آلامه، آماله وخيباته.
هذا على الصعيدين الإقليمي والعالمي، أما على صعيد التجربة الشخصية للكاتب، وبعد قراءتي نتاجه الأدبي واطلاعي على سيرته الذاتية المبثوثة في الكثير من مقالاته ومقدمات كتبه، والمكتوبة بقلم غير قلمه، تكشّفت قصصه أمامي نُتفًا من حياته، وتجلّيًا لتجاربه المتنوعة والمثيرة بتناقضاتها، بوصفه شخصية بارزة في معظمها. وهو القائل إنّ سنّة الحياة هي التغيير والتبدل، وإنّ الدنيا كلّها هي الإنسان الحيّ؛ مطبّقا بذلك شعار أدب الحياة.
من أين ينبثق هذا الضحك؟
من سمات البنية التعبيريّة عند تقي الدين القدرة على اللعب باللغة والتصوير لخلق الجماليات وإحراز متعة التلقّي. يبدو لقارئ نصوصه تمثّل رؤية مولييرMolière في مقولته: "لا هزل من دون حقيقة ولا حقيقة من دون هزل"، بحيث يقول إنّ "الهزء آلم أنواع الإهانات". ويتساءل مارون عبّود (1886-1962) في كتابه "جدد وقدماء" تحت عنوان "سعيد تقيّ الدين الدرامائي": من أين ينبثق هذا الضحك؟ ليجيب بأن ذلك يتكشّف في ثلاثة مظاهر، هي: التعبير، والتكوين الذي يخلقه لأشخاصه، والموقف. ويتابع، موضّحًا أنّ "تكبير الأشياء الهزيلة الحقيرة هو عنصر هام عنده، بل هو وسيلته إلى إبراز شخوصه". هذا القول يؤكّده الناشر جان داية حين يقول إنّ السخرية لديه تعتمد على الكلمة اعتمادها على الفكرة والصورة.
أيّ إنسان يصوّر؟ وأي إنسان يريد؟
اشتهر عن تقي الدين براعته في النحت، لا سيّما نحت الأسماء من صفات وأفعال، ليصبح الاسم علامة على ما يريد الهزء به، وعلى من يبتغي تحجيمه. لكنّ هذا النحت لا يبتعد عن سلاطة لسان عرفت عنه. نتعرّف بشخصيات في مقالاته وقصصه، بقدر ما تثير الضحك، فهي موضع اشمئزاز. على غرار "عوسج شنديب" نجل "شمدص جهجاه"، من خلال نشر الصحف أخبارهما، لا لشيء إلّا احتكامًا لوجاهة متوارثة. والعوسج والشنديب هما من النباتات الشوكيّة البريّة. وجهجاه لفظ يحيل على الوجاهة الفارغة والعجرفة باقترانه بالاسم شمدص العجيب. وتبجّل الصحافة –بيّاعة الفحم- عطوفة الوجيه "حصرم قنزوح" لتبذّل إحسانه، والسيدة حرمه "قرحة طعبروس" الأديبة الكبيرة.
أمّا الجيذور (صيغة تصغير) فهو الوضيع الذي صار من علية القوم، لا أصالة ولا جذور له؛ عرف نعمة طارئة، فلم يحسن التعامل مع وضعه المستجدّ مقلّدًا طبقة لا ينتمي إليها؛ ليظهر نسخة مزيّفة أسوأ من طبقة لم يوفّرها تقي الدين بنقده. ولم يهمل طبقة التجّار المنافقين والمرابين، فأطلق على نموذج منهم اسم "مكحش"، والكحش بالعامية هو الطرد، وفعل قحش يعني كسب بسرعة ونهم وشره. وآخر منحه اسم شهرة "جوهر" لأنه متنكّر لقيم أصيلة ربي عليها، في مفارقة واضحة. وثالث هو "شرشوح القنبزي". وممثل فئة الساسة الفاسدين "طعبروس" صاحب الاسم الممجوج. جميعها ألفاظ معجونة من القاموس الشعبي بنكهة خاصة بسعيد.
ولعلّ أشهر لفظين منحوتين لا يزالان في ذاكرة جيل من اللبنانيين، "الزحفطون" و"الغطواز". والزحافطة هم متسلّقو المناصب بزحفهم على بطونهم، أي بالتملّق والتبعيّة العمياء والتذلّل. والغطواز هو من طاحت به غطرسة الوظيفة، فظنّ نفسه مثل شمدص جهجاه أنّ "الكرة الأرضية يسكنها هو وبليونان من مخاليق البشر. وليس للبليونين من أهميّة قط".
لا يحتاج القارئ إلى كثير عناء ليتبيّن الفئات البشريّة التي كانت بمرمى نقد سعيد، وأن يفهم تاليًا مقته للزيف والاستعلاء والنفاق والتبعيّة والتصاغر والزبائنيّة والطائفيّة والفساد والادّعاء في المناحي الحيويّة- الاجتماعيّة كافة. غير أنّه من الغبن الاكتفاء برصد الأسماء المنحوتة والشخصيات المرسومة كاريكاتوريًّا لإبراز الأسلوب التهكّمي لدى الكاتب. فقد اختطّ منهجًا أسلوبيًّا متكاملاً في المعجميّة والتراكيب والبناء، إذا ما توقفنا أمام قصصه. كأن يبني، على سبيل التمثيل، قصّة على عبارة "يا عيب الشوم" (قصة "سمفوني" من مجموعة "ربيع الخريف") في بناء دائري تنقلب فيه المواقف وتتبادل الأدوار بين أخوين: كبير رصين ودائم التأنيب، وصغير لاهٍ، لكنّه يحظى بفرصة قول العبارة لمرّة وحيدة لكنّها حاسمة، في موقف ينزلق إليه من كان يوبّخه كيفما اتّجه؛ وذلك باعتماد تقنيّة التقليل والتصغير.
أما في قصة "كنز الكوسموس" من المجموعة نفسها، فقد دار البناء على عبارة "تحيا الكَسْمَسة" (لفظ من نحت سعيد بتعريب لفظ الكون cosmos) التي يتلقّنها العربي المغترب (الاغتراب بدلالتيه) في إيمان راسخ وغير متبصّر بالأمميّة، وذلك لإظهار خديعة هذا المفهوم في ظلّ الصراع القومي مع الصهيونيّة العالميّة.
الكبير الذي يصغر، والصغير الذي يتعملق
سأكتفي في هذه السطور بالإضاءة على تقنيّتي الغروتيسك (التضخيم) والتقليل في رسم الشخصيّات والمواقف. ففي قصة "ضيعة الكلاب" ( مجموعة "غابة الكافور") يصوّر تقيّ الدين الحال النفسيّة لفلاح حصل على مساعدة ماليّة من مغترب –ابن بك- رآها "ثروة هائلة": "فهو شيء عظيم في الحياة، شيء يحترم له قيمة. شيء يخاطب بـ (يا سيدي)" ، ويزور بيروت للمرّة الأولى، ويتعرّض لمكر تاجر يستغلّ سذاجة القرويّ وصفاءه. الفلاح هو "الراكب رقم 1 [واحد] في صهوة تلك المكنة الجبّارة.. علا بوملحم أميالاً كثيرة نحو السماء حين ارتقى درجتين إلى مقعده في البوسطة [الحافلة]، وأحسّ الدنيا صارت فعلاً تحت قدميه وأن سكان البسيطة مثل ركاب البوسطة خلفه.. بدت له أشجار الزيتون صغيرة إذ هو الآن يراها من عل ٍ لا من تحت أغصانها.. تفجّر ركاب البوسطة بالحداء على شرف الضيف المسافر". وفي طريق العودة بعد اكتشافه خداع التاجر، شعر بتضاؤل شأنه، وهبط إلى الأرض من جديد: "حشر نفسه في أحد المقاعد الخلفية .. لمح أشجار الزيتون قد تعالت بواسق تتأوّد بعنف وتميل".
وفي "قصة غير عادية" (غابة الكافور)، لنضحك من تصوير حالتين للصحفيّ في موقفين: بمواجهة رئيسه، وأمام شخصيّة يجري معها حوارًا. يروي الصحفي: "-ما بالك شاخصًا إليّ؟ رفسني بقوله [رئيس التحرير]. لمحت بعيني الخلفية الباب ورائي ينصفق بعنف.. انحدرت من ذلك المكتب هاربًا.. مذعورًا.. الخوف يدفع قدمي إلى الفرار". وفي مهمته للقاء الأديب تتضخم صورته بعين نفسه: "مشيت أتبختر.. بخطى الواثق من نفسه، كملاكم يمشي إلى الحلبة لينازل خصمًا.. رأيتني أنظر إلى القصر من علٍ.. القصر فريستي وإني النمر أمشي إليه".
المبالغة والكرنفالية والمفارقات
في كتابه "الملحمة والرواية"، يعرّف الناقد الروسي ميخائيل باختين M. Bakhtine الكرنفال بأنّه "حدث شعبي يتوجّه ضد الثقافة الرسمية السائدة. وسماته الازدواج القيمي وتعدّد الأصوات والضحك. وهو ثقافة فرعية نقدية تشكّك طقوسها في الأخلاق السائدة والمعايير المتّبعة، تُقدّم في سياق كاريكاتوري هزلي.. وبذلك، فإن النظرية الكرنفالية لا تُفصل عن السياق الاجتماعي.. والضحك يحافظ على الوضع القائم ويهدمه في آن عبر إشاعة الثقافة النقدية التي تتوسّع وتنتشر.. والازدواج القيمي يرفض القيمة المطلقة، ويجعل كل قيمة نسبية.. حتى الشعب يسخر من نفسه. من هنا الاحتفال بالمتناقضات.. وهنا تنشأ علاقة جديدة أصلا ً على اللغة والكلام".
في قصة "صورة أم فريد" (مجموعة "الثلج الأسود") المثقّف فريد زهنان لم يَدُر به الزمان، بل مرّ عليه في مغتربه الأميركيّ، ولولا سخاء عباس الجعفري الأمّي لاشتكى فريد الجوع. هذا الجرديّ (من الجرد البعيد عن التمدّن) الذي حلّى الشاي بالملح صار مليونارًا. ويعقّب الراوي: الظاهر أن البقر أمهر بإلقاء دروس الحياة من شهادات أساتذة الجامعات.
لكنّه يحمل على المثقف الزائف بعنف. فيصف فريد بأنّه "لا شرف ولا ترف.. حبة رمل في كومة رمال، خروف في قطيع لا يزهو بقرن ولا يختال بإلية. اعوجّ طربوشه ولمع حذاؤه، وتدلّت من يسراه شهادة مدرسية.. وكان ممن جهلوا معنى الشباب المثقف الشاب المثقف فريد". ويتابع في قصة "القدم الناطقة" مع الدكتور كامل الخجول والذاهل، واصفًا الضحك الشعبي منه: "مَن يعتزل الناس في القرى يمسي موضوع أحاديثهم ومرمى هزئهم.. يروون الأقاصيص عن ذهوله.. يقولون مقهقهين: حين يعمّق الدكتور الموقّر تفكيره ويتعمّد استثارة قواه العقلية يمد يده فيحكّ قفاه.. من الطبيعي أن يضحك الجمهور لرؤية يد الدكتور تحك ما سمّوه (مفكّرة الأستاذ)".
وفي تصويره الكراهية الدفينة، يعمد إلى المبالغة (في قصة "المرحوم"): أثارت رؤية الناطور في نفس الفلاح بو توفيق عاصفة من الكره والغضب حين كان يفطر، "فأقبل يحزّ البندورة بشراسة كأنها قلب الناطور، ويهوي بقبضته على البصلة كأنها رأس خصمه، ويمزّق رغيف الخبز كأنه لحم عدوّه". ختامًا، أعرض مشهدًا لمظاهر الفساد السياسي من استهتار بالمنجزات العلميّة وهدر للمال العام (في قصة "طعبروس"): "لنتكلم بصوت خافت مخافة أن تسمعنا الصحافة.. إن سَلفي [الوزير] باع أكثرها [السيارات] ولمّا نزل نطالبه بثمنها.. وبعضها مخرّب.. وما بقي أرسلته لاستقبال ابن عمي.. والمظلّة الهوائية.. اقتطعنا من نيلونها سروالاً أهديناه إلى رئيس بلدية الثريا.. وانتزعنا الكثير من حبالها لنشر غسيل الوزراء.. الصحافة ترش عليهم الوحول، فأبوابهم أبدًا قذرة يلزمها التنظيف".
في قصصه وضع سعيد الفلاح بمواجهة مع الناطور، والتلميذ إزاء معلّمته، والمثقف الفقير مع الأمّي الثري، والمرؤوس قبالة رئيسه، والقومي أمام الأممي، والبروليتاري في مواجهة مع الإمبريالي، والأخوين إمّا في لوحة حقد وكراهية وإما في سيناريو من اللوم والنصح اللطيف. فيبرز المفارقات من طريق المبالغة وتقنيات التقليل والتضخيم، وغالبًا في مشاهد من الضحك الشعبيّ.
كما الدوائر المتداخلة: التضمين السردي
بالعودة إلى أجواء قصة "ضيعة الكلاب"، وكي نفهم سبب التسمية، فالقاصّ لم يتناول ثنائيّة الثقافة (المدينة)/ الطبيعة (القرية)، أو النفاق التجاري/ الطيبة إلا في قصّة داخل قصة إطار لها مقاصد أعظم. ولهذا دلالات تؤكّد رؤية الكاتب إلى القضايا في انجدالها وضرورة النظر فيها بوصفها متساوية الأهميّة، وإن في تدرّج ملحوظ. والقصة الإطار تشير إلى التعصّب الطائفي في تفسير موت الفلاح بوملحم في طريق عودته إلى قريته، مخدوعًا ومقهورًا، فمات نتيجة إصابته بذبحة صدريّة قرب النهر. أمّا تفسير إحدى الشخصيّات الموتورة طائفيًّا فكان كما يأتي في القصة الإطار: "الله يلعن.. في الربيع الماضي قتل "الجماعة" منهم [إشارة إلى طائفة دينيّة أخرى] رجلًا مسنًّا بعد أن نهبوه ونزعوا حذاءه ومسحوا وجهه بالصباغ الأزرق. أتعلم ماذا فعل أبناء الضيعة؟ تظاهروا أنهم صدّقوا التقرير الطبّي بأنّ الرجل مات بسكتة دماغيّة. هكذا تهرّبوا من واجب للأخذ بالثأر. تسألني ما اسم الضيعة؟ اسمها ضيعة الكلاب".
سعيد تقيّ الدين يصحّ فيه قوله في الإنسان العزيز بأنّه من تلمع الشمس على جبينه، فلا يقضي حياته منحنيًا أمام القوي، كما صدق في قوله إنّه سبق الدهر ولم يماشِه في طلبه للعظمة في زمنه.
د. سمية عزام / لبنان
Soumaya Azzam
Soumaya Azzam is on Facebook. Join Facebook to connect with Soumaya Azzam and others you may know. Facebook gives people the power to share and makes the world more open and connected.
www.facebook.com