قلتُ لهم ماذا تفعلون؟ قالوا إننا بصدد البحث عنه. قلتُ ومَا هو هذا الشيء أو مَن هو الشخص الذي عنه تبحثون؟ قالوا لا نبحث عن شيءٍ وإنما عن شخصٍ :
1. يقول ولا يفعل. لكنه يكون ثرثارا في فترات معيَّنة من الزمان. ثرثرةٌ مُحكمة الأسلوب والمضمون. بل إنك، إذا استمعتَ إليه، يُخيَّلُ لك أنك تعيشُ وستعيش في جنةٍ فوق الأرض. أسلوب يجعلك تُلقي بنفسك في مستقبل زاهرٍ لم ولن يُنبئك به حتى أمهرُ العرَّافين وقارئو الفناجين.
2. بارعٌ في إعطاء الوعود. وُعودٌ مُنمَّقة، مزيَّنة، مُجمَّلة، مُزخرفة، مُزوَّقة...، وفي نفس الوقت، مُخدِّرة. وعودٌ قد تبدو صعبةَ المنال لكنها صادرةٌ عن فارس الفُرسان بإمكانه اختراقَ الجبال والبحور لتنفيذها. فارسٌ يحبُّك ويريد لك الخيرَ ويسعى لإغراقِك فيه. بل إنه فارسٌ قادرٌ وحده على استئصال كل مصائب المجتمع.
3. بارعٌ كذلك في إخراجك من عالم الشك وإدخالك في عالم اليقين بحيث لا يمكنك أن تشكَّ، ولو هنيهة واحدة، في وعوده. وكأنه يبني لك جسراً يكفي أن تمتطيه لتجِدَ نفسَك في مستقبل زاهرٍ لن تُشاهدَه ولا في الأحلام.
4. يُغرِقُك في بحرٍ من الوعود وحتى الوعود التي استعصى على أسلافِه تحقيقُها. وبمجرَّدِ ما يصل إلى مبتغاه، يصبحُ مرئيا أحيانا وغير مرئي في غالب الأحيان. وفي نفس الوقت وبقدرة قادرٍ، تنمحي من ذاكرتِه الوعود التي أبهرَ بها الجميعَ ليتفرَّغ لتنفيذ وعودٍ لم يَبُح بها إلا لنفسِه.
5. موجود لدراسة ما هي، من بين الوعود التي قدَّمها لك، تلك التي تعود عليه بالنفع. وغير موجود لأنه يقضي جلَّ أوقاتِه في استثمارِ نفوذه. استثمارٌ يستفيد منه هو وحاشيتُه وكل مَن ينهجُ نهجَه ويرى فيه "دْجاجة بكامونها".
6. اسمُه على جميع الشفاه لأن الناسَ يرون فيه "فكَّاكْ لْوْحايْلْ" ومُفرِّجَ الهموم ومُخرِجُهم من عالم العُسرِ إلى عالن اليُسرِ، ومن عالم التشاؤم إلى عالم التفاؤل، ومن عالم الضيق إلى عالم الفرج. بل إنه دُونْ كِيشوطْ، Don Quichotte أي الفارس الكريم والمِثالي الذي يرفعُ الظلمَ عن البشر.
7. بارعٌ في يبيع الوهم. وَهمٌ متعمَّدٌ لا يُدرِك بُعدَه إلا هو، بمعنى أن هدا الوهمَ عندما يُقدَّمُ للغير، يظهرُ كوعدٍ بينما، في الحقيقة، ليس إلا طريق مُعبَّدٌ للوصول إلى مآرب غير مُعلنة. وهو يعرف حق المعرفة أن المُشترين، أي الزبناء، كثيرون وخصوصا أولائك الذين تختلط عندهم الأوهامُ يالآمال.
8. يأكل بنَهَمٍ ولا يشبع، ليس بمعنى ملء البطن بالأغذية لكن بمعنى أنه يستحوذ ويأتي على الأخضر واليابس. كما يقول المثلُ المغربي : "اللي شافها ديالو وُ لمشفهاش، عندو فيها النص". وله من الحِيَلِ والمكائد ما يجعلُه قادرا على الحصول على النِّصف الذي لم يَرَه.
9. يُتقن عمليةَ الأخذ، بمعنى يأخذ ولا يُعطي وإذا أعطى، فإنه يرى فيما سيُعطيه فرصةً للحصول على غنيمةٍ تتناسبُ مع غريزة التَّملُّكِ التي تجعله يَدهسُ كلَّ شيء يعترِضُ هذه الغريزة. يدهسُ الأخلاقَ والقِيمَ، وإن اقتضى الحالُ البشرَ لأن ما يهمُّه هو ما يترآى له في الأفقِ من مكاسب.
10. يَسلُك طريقاً خاصّاً به ولا يَسمحُ لأحدٍ ان يسلُكَه معه إلا أولائك الذين لهم نفسُ الغرائز والتوجُّهات ويرى فيهم خزَّاناً لا ينفدُ من المصالح والمنافع. وكلُّ مَن أرادَ أن يسلُكَ نفسَ الطريق، عليه أن يكونَ مُتقِناً لأدوارِ النفاق والخداع و"التشلهيب" والحِربائية وسرعة تغيير الوجوه.
11. لما يفرغُ من النهمِ وتكديس الغنائم، فإنه يبرعُ في البَياتِ hibernation بدماغٍ فارغةٍ من كل ما قدَّمه من وعود وما باعه من أوهام. وبَياتُه هذا ليس كبياتِ بعض الحيوانات التي تنقطعُ عن الأكلِ والشُّربِ و تنامُ نومةً عميقةً طيلةَ فصل الشتاء. لا، بَياتُه هو عبارة عن انعزالٍ إرادي عن أولائك الذين قدَّمَ لهم الوعود للتَّخطيطِ لما سيأتي بعد هذا البيات.
12. يحبُّ نفسَه ويفتحُ لها البابَ على مصراعيه ليزيدَ جشعُها وشرَهُها وطمعُها ويقول دائما اللهم ارحمني ولا ترحم غيري ولو كان هذا الغيرُ من المقرَّبين الأقربين. لأن ما يهُمُّه هو الوصول إلى تحقيق مآريِه التي كان يُخفيها وراء ما قدَّمه من وعودٍ و بيعٍ للأوهام.
قلتُ كفى، لا حاجةَ للمزيدِ، لقد عرفتُه. إنه السياسي بصفةٍ عامَّةٍ و السياسي المُنتَخَب بصفةٍ خاصةٍ.
لكن، لا بأسَ أن أضيفَ أنه خبيرٌ في ذرِّ الرماد على العيون وناشرُ قوي للفساد وبائعٌ ومشتريٌ للذمم وله حِسٌّ خارقٌ للعادة لشمِّ رائحة المال والتَّنقِيبِ عن الفرص المُسيلة للُّعاب. كما له دراعٌ طويلةٌ تتمثَّل في انتمائه للوبيات السياسة والاقتصاد مع توفُّرِه على قدرةٍ خارقة لتعبئة هذه اللوبيات كلما دعت إلى ذلك ضرورةُ خدمة المصالخ الشخصية المتبادلة. يجري وراء الكراسي ليس لخدمة الصالح العام، لكن لتفجير أنانيتِه طغياناً، مكراً وخِداعاً…
لا يتردَّد ولو هنيهة واحدة للتَّخلِّي عن أعزِّ أصدقائه إن دغت الضرورةُ إلى ذلك. دائما مستعِدٌّ لتغييرِ رأيِه عندما لا تهُبُّ الرياحُ في صَالحِِه. ينسى كلَّ شيءٍ ما عدا ما خطَّطه للوصولِ إلى الكرسي. لا يهمُّه أن يكونَ مسانِداً للأغلبية أو مُعارِضاً لها. المُهِمُّ هو توأجُدُه في المكان الذي يسمحُ له بتفجيرِ جشعِه وطمعِه وطُغيانه وانتهازيتِه. يتظاهرُ بحبِّ الوطن لكن، كلما سنحت له الفرصة لنهشِه من كل الجوانب، لا يتردَّد. يُحبُّ الكولسة coulisses لطبخِ الخُطَطِ والمكايد.
مستقبلُه السياسي (السياسوي) له الأسبقية في سلَّمِ الأولويات بمعنى أن مشروعَه السياسوي يأتي قبل المشاريع الاجتماعية. يحبُّ الجمعَ بين السلطة والمال والجاه والنُّفوذ. إنه، بين عشيةٍ وضحاها، يتحوَّلُ إلى سيِّدِ العارفين الذي، بواسِطة العصا التي ورثَها عن سيِّدِنا موسى، يُدجِّن ويُروِّضُ المستحيلَ…
1. يقول ولا يفعل. لكنه يكون ثرثارا في فترات معيَّنة من الزمان. ثرثرةٌ مُحكمة الأسلوب والمضمون. بل إنك، إذا استمعتَ إليه، يُخيَّلُ لك أنك تعيشُ وستعيش في جنةٍ فوق الأرض. أسلوب يجعلك تُلقي بنفسك في مستقبل زاهرٍ لم ولن يُنبئك به حتى أمهرُ العرَّافين وقارئو الفناجين.
2. بارعٌ في إعطاء الوعود. وُعودٌ مُنمَّقة، مزيَّنة، مُجمَّلة، مُزخرفة، مُزوَّقة...، وفي نفس الوقت، مُخدِّرة. وعودٌ قد تبدو صعبةَ المنال لكنها صادرةٌ عن فارس الفُرسان بإمكانه اختراقَ الجبال والبحور لتنفيذها. فارسٌ يحبُّك ويريد لك الخيرَ ويسعى لإغراقِك فيه. بل إنه فارسٌ قادرٌ وحده على استئصال كل مصائب المجتمع.
3. بارعٌ كذلك في إخراجك من عالم الشك وإدخالك في عالم اليقين بحيث لا يمكنك أن تشكَّ، ولو هنيهة واحدة، في وعوده. وكأنه يبني لك جسراً يكفي أن تمتطيه لتجِدَ نفسَك في مستقبل زاهرٍ لن تُشاهدَه ولا في الأحلام.
4. يُغرِقُك في بحرٍ من الوعود وحتى الوعود التي استعصى على أسلافِه تحقيقُها. وبمجرَّدِ ما يصل إلى مبتغاه، يصبحُ مرئيا أحيانا وغير مرئي في غالب الأحيان. وفي نفس الوقت وبقدرة قادرٍ، تنمحي من ذاكرتِه الوعود التي أبهرَ بها الجميعَ ليتفرَّغ لتنفيذ وعودٍ لم يَبُح بها إلا لنفسِه.
5. موجود لدراسة ما هي، من بين الوعود التي قدَّمها لك، تلك التي تعود عليه بالنفع. وغير موجود لأنه يقضي جلَّ أوقاتِه في استثمارِ نفوذه. استثمارٌ يستفيد منه هو وحاشيتُه وكل مَن ينهجُ نهجَه ويرى فيه "دْجاجة بكامونها".
6. اسمُه على جميع الشفاه لأن الناسَ يرون فيه "فكَّاكْ لْوْحايْلْ" ومُفرِّجَ الهموم ومُخرِجُهم من عالم العُسرِ إلى عالن اليُسرِ، ومن عالم التشاؤم إلى عالم التفاؤل، ومن عالم الضيق إلى عالم الفرج. بل إنه دُونْ كِيشوطْ، Don Quichotte أي الفارس الكريم والمِثالي الذي يرفعُ الظلمَ عن البشر.
7. بارعٌ في يبيع الوهم. وَهمٌ متعمَّدٌ لا يُدرِك بُعدَه إلا هو، بمعنى أن هدا الوهمَ عندما يُقدَّمُ للغير، يظهرُ كوعدٍ بينما، في الحقيقة، ليس إلا طريق مُعبَّدٌ للوصول إلى مآرب غير مُعلنة. وهو يعرف حق المعرفة أن المُشترين، أي الزبناء، كثيرون وخصوصا أولائك الذين تختلط عندهم الأوهامُ يالآمال.
8. يأكل بنَهَمٍ ولا يشبع، ليس بمعنى ملء البطن بالأغذية لكن بمعنى أنه يستحوذ ويأتي على الأخضر واليابس. كما يقول المثلُ المغربي : "اللي شافها ديالو وُ لمشفهاش، عندو فيها النص". وله من الحِيَلِ والمكائد ما يجعلُه قادرا على الحصول على النِّصف الذي لم يَرَه.
9. يُتقن عمليةَ الأخذ، بمعنى يأخذ ولا يُعطي وإذا أعطى، فإنه يرى فيما سيُعطيه فرصةً للحصول على غنيمةٍ تتناسبُ مع غريزة التَّملُّكِ التي تجعله يَدهسُ كلَّ شيء يعترِضُ هذه الغريزة. يدهسُ الأخلاقَ والقِيمَ، وإن اقتضى الحالُ البشرَ لأن ما يهمُّه هو ما يترآى له في الأفقِ من مكاسب.
10. يَسلُك طريقاً خاصّاً به ولا يَسمحُ لأحدٍ ان يسلُكَه معه إلا أولائك الذين لهم نفسُ الغرائز والتوجُّهات ويرى فيهم خزَّاناً لا ينفدُ من المصالح والمنافع. وكلُّ مَن أرادَ أن يسلُكَ نفسَ الطريق، عليه أن يكونَ مُتقِناً لأدوارِ النفاق والخداع و"التشلهيب" والحِربائية وسرعة تغيير الوجوه.
11. لما يفرغُ من النهمِ وتكديس الغنائم، فإنه يبرعُ في البَياتِ hibernation بدماغٍ فارغةٍ من كل ما قدَّمه من وعود وما باعه من أوهام. وبَياتُه هذا ليس كبياتِ بعض الحيوانات التي تنقطعُ عن الأكلِ والشُّربِ و تنامُ نومةً عميقةً طيلةَ فصل الشتاء. لا، بَياتُه هو عبارة عن انعزالٍ إرادي عن أولائك الذين قدَّمَ لهم الوعود للتَّخطيطِ لما سيأتي بعد هذا البيات.
12. يحبُّ نفسَه ويفتحُ لها البابَ على مصراعيه ليزيدَ جشعُها وشرَهُها وطمعُها ويقول دائما اللهم ارحمني ولا ترحم غيري ولو كان هذا الغيرُ من المقرَّبين الأقربين. لأن ما يهُمُّه هو الوصول إلى تحقيق مآريِه التي كان يُخفيها وراء ما قدَّمه من وعودٍ و بيعٍ للأوهام.
قلتُ كفى، لا حاجةَ للمزيدِ، لقد عرفتُه. إنه السياسي بصفةٍ عامَّةٍ و السياسي المُنتَخَب بصفةٍ خاصةٍ.
لكن، لا بأسَ أن أضيفَ أنه خبيرٌ في ذرِّ الرماد على العيون وناشرُ قوي للفساد وبائعٌ ومشتريٌ للذمم وله حِسٌّ خارقٌ للعادة لشمِّ رائحة المال والتَّنقِيبِ عن الفرص المُسيلة للُّعاب. كما له دراعٌ طويلةٌ تتمثَّل في انتمائه للوبيات السياسة والاقتصاد مع توفُّرِه على قدرةٍ خارقة لتعبئة هذه اللوبيات كلما دعت إلى ذلك ضرورةُ خدمة المصالخ الشخصية المتبادلة. يجري وراء الكراسي ليس لخدمة الصالح العام، لكن لتفجير أنانيتِه طغياناً، مكراً وخِداعاً…
لا يتردَّد ولو هنيهة واحدة للتَّخلِّي عن أعزِّ أصدقائه إن دغت الضرورةُ إلى ذلك. دائما مستعِدٌّ لتغييرِ رأيِه عندما لا تهُبُّ الرياحُ في صَالحِِه. ينسى كلَّ شيءٍ ما عدا ما خطَّطه للوصولِ إلى الكرسي. لا يهمُّه أن يكونَ مسانِداً للأغلبية أو مُعارِضاً لها. المُهِمُّ هو توأجُدُه في المكان الذي يسمحُ له بتفجيرِ جشعِه وطمعِه وطُغيانه وانتهازيتِه. يتظاهرُ بحبِّ الوطن لكن، كلما سنحت له الفرصة لنهشِه من كل الجوانب، لا يتردَّد. يُحبُّ الكولسة coulisses لطبخِ الخُطَطِ والمكايد.
مستقبلُه السياسي (السياسوي) له الأسبقية في سلَّمِ الأولويات بمعنى أن مشروعَه السياسوي يأتي قبل المشاريع الاجتماعية. يحبُّ الجمعَ بين السلطة والمال والجاه والنُّفوذ. إنه، بين عشيةٍ وضحاها، يتحوَّلُ إلى سيِّدِ العارفين الذي، بواسِطة العصا التي ورثَها عن سيِّدِنا موسى، يُدجِّن ويُروِّضُ المستحيلَ…