أدركنا الناس في بعض الطقوس الغريبة المتعلقة بالاستسقاء التي لا شك لها ارتباط بعادات وثنية قبل الاسلام، وهو طقس (تلغنجا) أو (تاسليت أونزار)، أدركناهم يرددون: (أنزار أبابا ربي توف توميت بيتلجان)، وفي بعض المناطق يقولون: (توف توميت بوفكوس).
والملحظ الأبرز في هذا الكلام هو إطلاق لفظ الأب على الله سبحانه (بابا ربي)، وإن وجد في بعض المناطق من يقول: (أنزار أسيدي ربي)، وذلك مظهر من مظاهر التهذيب التي لحقت هذا الطقس الوثني بعد دخول الإسلام.
ليس غرضي هاهنا التعليق على (تلغنجا) ولعلي أفرد لها تدوينة خاصة؛ بل ما يعنيني في هذه التدوينة هو إطلاق الأمازيغ لفظ الأب على الله سبحانه.
قد يكون هذا الإطلاق من بقايا النصرانية التي اعتنقها الأمازيغ في فترات من التاريخ حتى ظهر منهم قساسة كبار، وقد يكون السبب أيضا أمورا متعلقة بالمعاني والدلالات الخاصة بهذا اللفظ كما سأبين.
وقد أثار هذا الإطلاق سجالا قويا بين القاضي أبي مروان عبد المالك بن محمد التَّجْمُّوعْتِي السجلماسي 1118 ه، والعلامة أبي علي الحسن بن مسعود اليوسي 1102 ه رحمهما الله تعالى.
فقد اعتبر التجموعتي ذلك الإطلاق كفرا بواحا؛ وقال في ذلك أبياتا خرج فيها عن حد الاتزان فقال:
فلو كنت في الفردوس جاراً لبربر **** لحولت رحلي من نعيم إلى سقر
يقولون للرحمن باباً بجهلهم **** ومن قال للرحمن باباً فقد كفر
فما كان من الإمام أبي علي اليوسي إلا أن رد عليها ردا لا يخلو أيضا من انفعال، قاصدا بيان حقيقة هذه اللفظة فقال:
كفى بك جهلاً أن تحن إلى سقر ****بديلاً من الفردوس في غير مستقر
وتجهل معنى مستبيناً مجازه **** لدى كل ذي فهم سليم وذي نظر
فإن أبا الإنسان يدعوه أنه **** كفيل وقيوم رحيم به وبر
ومن قال للرحمن باباً فقد عنى **** به ذلك المعنى المجاز وما كفر
وقد قال عيسى إنني ذاهب إلى **** أبي وأبيكم جاء ذلك في الأثر
وهذا التأويل الذي صار إليه اليوسي رحمه الله إنما هو في بعض الشرائع القديمة، وقد ذكر بعض المفسرين أن النصارى قبل وقوع التحريف كانوا يطلقون الأب على الله بمعنى الموجد الأول والسبب الأصلي في الظهور، ثم ضل الجهلة بعد ذلك فاعتقدوا أنه أبو الولادة، وتنظر أقوال المفسرين كذلك عند تفسير قوله تعالى: {وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه}.
وثمة تأويل أقرب احتمالا، وهو إطلاق لفظ (الأب) وإرادة الرب وصاحب الشيء ومالكه، فأبو الرجل: مالكه من جهة كون ابنه تحت يده وسلطته، ومن هذا قولهم (باب إيكنوان) أي رب السماوات، و(باب أواكال) أي صاحب الأرض، وهكذا، ويقال في الأنثى (لالت).
وهذا إنما هو لبيان ذلك المعنى اعتذارا لمن صدر منه، إذ لا أحد من المسلمين يعتقد ذلك المعنى الفاسد في حق الله سبحانه، فيكون تشنيع القاضي التجموعتي شديدا مجاوزا لحد الإنصاف رحمه الله تعالى وتجاوز عنه.
وفي المقابل لا يمكن حمل اعتذار اليوسي رحمه الله لمن صدر منه ذلك على محمل التجويز والرضى به، بل يمنع ذلك سدا للذريعة لأن ذلك المعنى خفي وفيه إيهام ولبس، لذلك قال الإمام البيضاوي في تفسيره وهو يتحدث عن إطلاق الأب على الله في الشرائع المتقدمة: (ولذلك كُفِّرَ قائله ومنع منه مطلقاً حسماً لمادة الفساد).
والمسلم مطالب بتوخي الحذر في ذكر الله سبحانه؛ فلا يذكر إلا بما يليق به سبحانه من صفات الكمال والجمال والجلال.
المصادر:
– تفسير البيضاوي.
– رحلة الوافد في هجرة السيد الوالد.
– الإعلام بمن حل أغمات ومراكش من الأعلام.
– النبوغ المغربي.
إبراهيم أيت باخة
والملحظ الأبرز في هذا الكلام هو إطلاق لفظ الأب على الله سبحانه (بابا ربي)، وإن وجد في بعض المناطق من يقول: (أنزار أسيدي ربي)، وذلك مظهر من مظاهر التهذيب التي لحقت هذا الطقس الوثني بعد دخول الإسلام.
ليس غرضي هاهنا التعليق على (تلغنجا) ولعلي أفرد لها تدوينة خاصة؛ بل ما يعنيني في هذه التدوينة هو إطلاق الأمازيغ لفظ الأب على الله سبحانه.
قد يكون هذا الإطلاق من بقايا النصرانية التي اعتنقها الأمازيغ في فترات من التاريخ حتى ظهر منهم قساسة كبار، وقد يكون السبب أيضا أمورا متعلقة بالمعاني والدلالات الخاصة بهذا اللفظ كما سأبين.
وقد أثار هذا الإطلاق سجالا قويا بين القاضي أبي مروان عبد المالك بن محمد التَّجْمُّوعْتِي السجلماسي 1118 ه، والعلامة أبي علي الحسن بن مسعود اليوسي 1102 ه رحمهما الله تعالى.
فقد اعتبر التجموعتي ذلك الإطلاق كفرا بواحا؛ وقال في ذلك أبياتا خرج فيها عن حد الاتزان فقال:
فلو كنت في الفردوس جاراً لبربر **** لحولت رحلي من نعيم إلى سقر
يقولون للرحمن باباً بجهلهم **** ومن قال للرحمن باباً فقد كفر
فما كان من الإمام أبي علي اليوسي إلا أن رد عليها ردا لا يخلو أيضا من انفعال، قاصدا بيان حقيقة هذه اللفظة فقال:
كفى بك جهلاً أن تحن إلى سقر ****بديلاً من الفردوس في غير مستقر
وتجهل معنى مستبيناً مجازه **** لدى كل ذي فهم سليم وذي نظر
فإن أبا الإنسان يدعوه أنه **** كفيل وقيوم رحيم به وبر
ومن قال للرحمن باباً فقد عنى **** به ذلك المعنى المجاز وما كفر
وقد قال عيسى إنني ذاهب إلى **** أبي وأبيكم جاء ذلك في الأثر
وهذا التأويل الذي صار إليه اليوسي رحمه الله إنما هو في بعض الشرائع القديمة، وقد ذكر بعض المفسرين أن النصارى قبل وقوع التحريف كانوا يطلقون الأب على الله بمعنى الموجد الأول والسبب الأصلي في الظهور، ثم ضل الجهلة بعد ذلك فاعتقدوا أنه أبو الولادة، وتنظر أقوال المفسرين كذلك عند تفسير قوله تعالى: {وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه}.
وثمة تأويل أقرب احتمالا، وهو إطلاق لفظ (الأب) وإرادة الرب وصاحب الشيء ومالكه، فأبو الرجل: مالكه من جهة كون ابنه تحت يده وسلطته، ومن هذا قولهم (باب إيكنوان) أي رب السماوات، و(باب أواكال) أي صاحب الأرض، وهكذا، ويقال في الأنثى (لالت).
وهذا إنما هو لبيان ذلك المعنى اعتذارا لمن صدر منه، إذ لا أحد من المسلمين يعتقد ذلك المعنى الفاسد في حق الله سبحانه، فيكون تشنيع القاضي التجموعتي شديدا مجاوزا لحد الإنصاف رحمه الله تعالى وتجاوز عنه.
وفي المقابل لا يمكن حمل اعتذار اليوسي رحمه الله لمن صدر منه ذلك على محمل التجويز والرضى به، بل يمنع ذلك سدا للذريعة لأن ذلك المعنى خفي وفيه إيهام ولبس، لذلك قال الإمام البيضاوي في تفسيره وهو يتحدث عن إطلاق الأب على الله في الشرائع المتقدمة: (ولذلك كُفِّرَ قائله ومنع منه مطلقاً حسماً لمادة الفساد).
والمسلم مطالب بتوخي الحذر في ذكر الله سبحانه؛ فلا يذكر إلا بما يليق به سبحانه من صفات الكمال والجمال والجلال.
المصادر:
– تفسير البيضاوي.
– رحلة الوافد في هجرة السيد الوالد.
– الإعلام بمن حل أغمات ومراكش من الأعلام.
– النبوغ المغربي.
إبراهيم أيت باخة