يمكن القول أن (( القصة القصيرة )) تعتبر أحدث الفنون الأدبية .. شغف بها المثقفون حتى غدت فناً مستقلاً بزَّ الكثير من الفنون الأدبية في القرن العشرين .. وصار لها أسس تنطلق منها .. وخصائص تفرزها عن غيرها .. يقول (( براندر مايتوس )) : (( أن القصة القصيرة نوع أعلى وأصعب من الرواية لأنها لاتقوم بغير الأبتكار في المعنى ، وفي الفكرة ، وفي الخيال )) .. وهكذا ذاع صيت أعلامها المبرزين ، فيما أفتتن بها نقادها ودارسوها الذين قصروا همهم عليها في أحيان كثيرة .
حاول الكثير من الكتاب الأوربيين .. قبل القرن العشرين كتابة شكل أدبي .. يقترب من فن (( القصة القصيرة )) الحالي .. بيد أن كتاباتهم تلك لم تنهض لمجاراة أسلوب كتابة القصة القصيرة الفنية .. فقد حاول (( ديكنز )) .. مثلما حاول (( هنري جيمس )) وغيرهما كثير كتابة شكل يماهي الشكل الفني للقصة القصيرة .. لكن لم ترقَ محاولاتهم تلك الى قيمة فنية تقترب من مصطلحها الفني الذي صِيغ تعريف القصة القصيرة بمقتضاه .
يقول (( مكسيم غوركي )) : (( لقد خرجنا جميعاً من تحت معطف جوجول )) .. وهو يريد أن يربط بداية القصة القصيرة ﺒـ (( جوجول 1809 - 1852 )) .. حتى عده النقاد أبا القصة القصيرة الحديثة .. والذي استمد موضوعات قصصه من الحكايات الشعبية فيما دعا الى الابتعاد عن الاطروحات الميثية : (( اني اؤمن بحياة الناس العاديين ، والشعبيين منهم بخاصة ، سواء منهم الغني أوالفقير ، المغامرون أوالمحدودون المحصورون ، الحسنو الخلق أوالسيئو الخلق البليدون أو كثيرو الحركة والهياج ، منهم الذين يكوّنون عِرق المادة التي يحتاجها الكاتب في بحثه أوعمله )) .. كما يعتبر الأمريكي (( إدجار آلن بو )) من رواد هذا الفن الأدبي .. فقد رام ان يقنن لهذا الفن شكلاً وبناءً ومقصداً بما يميزه عن الرواية .. ويمنحه وجوداً قائماً بنفسه .. غير أن القصة القصيرة حققت طفرة نوعية وتسنمت مرقى سامقاً على يد الكاتبين (( موباسان )) و (( تشيخوف )) .. حتى عُد كل منهما مدرسة أدبية في هذا الفن .. وأصبح لكل واحد منهما أشياعه ومتابعوه الذين يحذون حذوه .
كانت رؤى الكاتب الفرنسي (( جي دي موباسان )) في قصصه تقطر حزناً وكآبة .. تصور الحياة ببشاعة وكلاحة .. بيد أن بريق الشهوة يومض فيها .. وشبق الوصال يسكن شخوصها .. حاول ان يجمع بين الدراما العنيفة المشحونة بالسخرية والزراية بغباء البشر .. والمفآجأت والتحولات الحادة ، وأراد أن يجسد الإحساس بالإثم والتكفير عنه باعتزال الحياة : (( لان الإثم إحساس اجتماعي يمكن أن تخف وطأته بالعزلة )) .. وكان يرمي الادباء بتهمة المخادعة .. ويظن ان لهم من الحبائل مايمكنهم من استدراج الناس الى فخاخ حيلهم : (( فكل منا يكوّن لنفسه صورة خادعة للعالم .. وكبار الفنانين هم أولئك الذين يسعهم حمل الإنسانية على قبول انخداعاتهم الخاصة )) .
بينما أهتم الكاتب الروسي (( أنطون تشيخوف )) بالمشاعر الإنسانية البسيطة .. والتي تكاد تتوارى خلف المظاهر الخداعة المضللة .. وراح يجسد جيشانها في قصصه .. جاهداً في سبر أغوارها .. وقد خرّج تلك القصص في شكل فني متقن متجهاً صوب الواقعية .
أما في الوطن العربي .. فقد بُدء بالقصة القصيرة المعربة عن الأنكليزية والفرنسية .. ثم جاءت كتابات عبد الله النديم .. وغيره ، والتي تسربت اليها عناصر قصصية .. من حوار ووصف وأختيار حدث - لكنها تبقى كتابات تنزع الى الأصلاح والأرشاد (( وهو التيار الذي نشأت في كنفه القصة القصيرة وخاصة في مصر )) .. وفي أوائل القرن العشرين ظهرت محاولات في القصة القصيرة لكل من : صالح حمدي حماد ، محمد أحمد تيمور ، مصطفى لطفي المنفلوطي صاحب كتاب " العبرات " والذي أمتازت قصصه بالسرد والعذوبة اللغوية .. فيما ابتعد فيها عن تجسيد فكرة أو تصوير إحساس .. لكنها كانت حبلى بالأحزان .. يرهقها البؤس ويسومها العذاب .
وفي العراق بدأت بوادر القصة القصيرة في الربع الثاني من القرن العشرين على يد رواد كبار من أمثال محمد أحمد السيد وجعفر الخليلي وذنون أيوب وعبد الحق فاضل ويوسف متي وعبد المجيد لطفي وغيرهم .. وقد وجد القراء في قصصهم تلك مرارة لاذعة لأن تجاربهم في الحياة كانت قاسية .. حيث عانوا من البؤس والحرمان وشظف العيش .. وقد تجلى كل ذلك في النهايات المحزنة والمأساوية لشخوص قصصهم .. ويعتبر الأديب العراقي اللامع فؤاد التكرلي من المجددين في القصة العراقية القصيرة متمعناً ومتعمقاً في أسرار الجمال في الفن .. ينزع الى الروح الإنسانية المستوحاة من الجو المحلي والشعبي .
وفي المغرب العربي ظهر كتّاب كبار من أمثال عبد المجيد بن جلون وعبد الكريم غلاب .. حيث أسهمت بلاد مصر في صقل موهبة بن جلون كقاص .. فقد مكث فيها طول الفترة التي طفق يكتب القصص القصيرة .. حيث تبنته مجلة (( الثقافة )) المصرية لنشر قصصه .. مثلما أستفاد منها عبد الكريم غلاب .. وقد تميزت قصص هؤلاء وغيرهم بالمبالغة الشديدة في تمجيد فترات معينة من التاريخ العربي بقصد إذكاء الروح القومية والنضالية لمواجهة المستعمر الباغي .
يمكن أن نقول أن القصة القصيرة تعد أقرب الفنون الى روح العصر بيد أنها - كفن أدبي - قد أدرك كبار كتابها مدى الصعوبة التي تكمن وراء الابداع فيها ، حيث تتطلب مجهوداً مضنياً .. يؤكد ذلك ما يقوله (( مارسيل بريفو )) من (( أن كتابة قصة قصيرة تنبض بالحياة ، وتتوافر فيها جميع الشروط المطلوبة - ضرب من البراعة - وأني لأعترف بكل صراحة أنني أتهيب معالجة القصة القصيرة وأحذرها خصوصاً اذا كان علي أن أكتب دائماً )) .. وفي الختام يمكن أن نوجز تاريخ القصة القصيرة :
لقد بزغت القصة القصيرة في روسيا ثم أمريكا وأشرقت في أوربا .. أما في الوطن العربي فكانت بدايتها في مصر ثم العراق وبلاد الشام ثم المغرب العربي .
ضمد كاظم وسمي
حاول الكثير من الكتاب الأوربيين .. قبل القرن العشرين كتابة شكل أدبي .. يقترب من فن (( القصة القصيرة )) الحالي .. بيد أن كتاباتهم تلك لم تنهض لمجاراة أسلوب كتابة القصة القصيرة الفنية .. فقد حاول (( ديكنز )) .. مثلما حاول (( هنري جيمس )) وغيرهما كثير كتابة شكل يماهي الشكل الفني للقصة القصيرة .. لكن لم ترقَ محاولاتهم تلك الى قيمة فنية تقترب من مصطلحها الفني الذي صِيغ تعريف القصة القصيرة بمقتضاه .
يقول (( مكسيم غوركي )) : (( لقد خرجنا جميعاً من تحت معطف جوجول )) .. وهو يريد أن يربط بداية القصة القصيرة ﺒـ (( جوجول 1809 - 1852 )) .. حتى عده النقاد أبا القصة القصيرة الحديثة .. والذي استمد موضوعات قصصه من الحكايات الشعبية فيما دعا الى الابتعاد عن الاطروحات الميثية : (( اني اؤمن بحياة الناس العاديين ، والشعبيين منهم بخاصة ، سواء منهم الغني أوالفقير ، المغامرون أوالمحدودون المحصورون ، الحسنو الخلق أوالسيئو الخلق البليدون أو كثيرو الحركة والهياج ، منهم الذين يكوّنون عِرق المادة التي يحتاجها الكاتب في بحثه أوعمله )) .. كما يعتبر الأمريكي (( إدجار آلن بو )) من رواد هذا الفن الأدبي .. فقد رام ان يقنن لهذا الفن شكلاً وبناءً ومقصداً بما يميزه عن الرواية .. ويمنحه وجوداً قائماً بنفسه .. غير أن القصة القصيرة حققت طفرة نوعية وتسنمت مرقى سامقاً على يد الكاتبين (( موباسان )) و (( تشيخوف )) .. حتى عُد كل منهما مدرسة أدبية في هذا الفن .. وأصبح لكل واحد منهما أشياعه ومتابعوه الذين يحذون حذوه .
كانت رؤى الكاتب الفرنسي (( جي دي موباسان )) في قصصه تقطر حزناً وكآبة .. تصور الحياة ببشاعة وكلاحة .. بيد أن بريق الشهوة يومض فيها .. وشبق الوصال يسكن شخوصها .. حاول ان يجمع بين الدراما العنيفة المشحونة بالسخرية والزراية بغباء البشر .. والمفآجأت والتحولات الحادة ، وأراد أن يجسد الإحساس بالإثم والتكفير عنه باعتزال الحياة : (( لان الإثم إحساس اجتماعي يمكن أن تخف وطأته بالعزلة )) .. وكان يرمي الادباء بتهمة المخادعة .. ويظن ان لهم من الحبائل مايمكنهم من استدراج الناس الى فخاخ حيلهم : (( فكل منا يكوّن لنفسه صورة خادعة للعالم .. وكبار الفنانين هم أولئك الذين يسعهم حمل الإنسانية على قبول انخداعاتهم الخاصة )) .
بينما أهتم الكاتب الروسي (( أنطون تشيخوف )) بالمشاعر الإنسانية البسيطة .. والتي تكاد تتوارى خلف المظاهر الخداعة المضللة .. وراح يجسد جيشانها في قصصه .. جاهداً في سبر أغوارها .. وقد خرّج تلك القصص في شكل فني متقن متجهاً صوب الواقعية .
أما في الوطن العربي .. فقد بُدء بالقصة القصيرة المعربة عن الأنكليزية والفرنسية .. ثم جاءت كتابات عبد الله النديم .. وغيره ، والتي تسربت اليها عناصر قصصية .. من حوار ووصف وأختيار حدث - لكنها تبقى كتابات تنزع الى الأصلاح والأرشاد (( وهو التيار الذي نشأت في كنفه القصة القصيرة وخاصة في مصر )) .. وفي أوائل القرن العشرين ظهرت محاولات في القصة القصيرة لكل من : صالح حمدي حماد ، محمد أحمد تيمور ، مصطفى لطفي المنفلوطي صاحب كتاب " العبرات " والذي أمتازت قصصه بالسرد والعذوبة اللغوية .. فيما ابتعد فيها عن تجسيد فكرة أو تصوير إحساس .. لكنها كانت حبلى بالأحزان .. يرهقها البؤس ويسومها العذاب .
وفي العراق بدأت بوادر القصة القصيرة في الربع الثاني من القرن العشرين على يد رواد كبار من أمثال محمد أحمد السيد وجعفر الخليلي وذنون أيوب وعبد الحق فاضل ويوسف متي وعبد المجيد لطفي وغيرهم .. وقد وجد القراء في قصصهم تلك مرارة لاذعة لأن تجاربهم في الحياة كانت قاسية .. حيث عانوا من البؤس والحرمان وشظف العيش .. وقد تجلى كل ذلك في النهايات المحزنة والمأساوية لشخوص قصصهم .. ويعتبر الأديب العراقي اللامع فؤاد التكرلي من المجددين في القصة العراقية القصيرة متمعناً ومتعمقاً في أسرار الجمال في الفن .. ينزع الى الروح الإنسانية المستوحاة من الجو المحلي والشعبي .
وفي المغرب العربي ظهر كتّاب كبار من أمثال عبد المجيد بن جلون وعبد الكريم غلاب .. حيث أسهمت بلاد مصر في صقل موهبة بن جلون كقاص .. فقد مكث فيها طول الفترة التي طفق يكتب القصص القصيرة .. حيث تبنته مجلة (( الثقافة )) المصرية لنشر قصصه .. مثلما أستفاد منها عبد الكريم غلاب .. وقد تميزت قصص هؤلاء وغيرهم بالمبالغة الشديدة في تمجيد فترات معينة من التاريخ العربي بقصد إذكاء الروح القومية والنضالية لمواجهة المستعمر الباغي .
يمكن أن نقول أن القصة القصيرة تعد أقرب الفنون الى روح العصر بيد أنها - كفن أدبي - قد أدرك كبار كتابها مدى الصعوبة التي تكمن وراء الابداع فيها ، حيث تتطلب مجهوداً مضنياً .. يؤكد ذلك ما يقوله (( مارسيل بريفو )) من (( أن كتابة قصة قصيرة تنبض بالحياة ، وتتوافر فيها جميع الشروط المطلوبة - ضرب من البراعة - وأني لأعترف بكل صراحة أنني أتهيب معالجة القصة القصيرة وأحذرها خصوصاً اذا كان علي أن أكتب دائماً )) .. وفي الختام يمكن أن نوجز تاريخ القصة القصيرة :
لقد بزغت القصة القصيرة في روسيا ثم أمريكا وأشرقت في أوربا .. أما في الوطن العربي فكانت بدايتها في مصر ثم العراق وبلاد الشام ثم المغرب العربي .
ضمد كاظم وسمي