منفي على المتوسط

يقول شمس الدين النواجي:

هي في الهوى ديني فلا يقل العِدا
أني فتنت بحبها عن ديني
من نهدها الحالي بعنبر خاله
أنا مقسم بالتين والزيتون
سبحان من أنشا وعدل قدّها
غصنا وأبدع خلقه من طين
يا كعبة الحسن التي قد اذهبت
نسكي وهاجت لوعتي وشجوني

نيابة عني و أصالة عن عماد الدين وآخرين.

حبش يا رسول الله
ملأت فمي بهذه الجملة العامرة بالتعجب والمنة، في اللحظة عينها. في إحدى صباحات الخرطوم الندية ذات خريف ما زلت أذكره، نهاية شارع المطار بالقرب من نادي التنس قبالة الكنيسة الشامخة على الجهة الأخرى من الطريق وقفت أربعة جميلات بجانبي بل أربعة مخلوقات تيقنت لاحقا من أنهن بشرا يتحدثون ويبتسمون من إندهاشتي المتبلدة، هن النجلاوات وأنا حائر بأحداقي المندهشة بالملائكة التي ترفل في ثيابها البيضاء وتدندن بمرح، حاولن العبور فتجمدت إشارات المرور والسيارات والطائرات التي على وشك الهبوط والطيور والهواء والزمن لم يتحرك شيء سواهن بثيابهن القطنية البيضاء بتطريزها عند الحواف الذي يحمل علم بلادهن؛ هاهو مستعمر جديد يغرز علمه وسط نياط القلب هانحن نساق عبيدا من جديد، لكني راضِ؛ أبسطه سأتمرغ بعيون ملكية في باحات القصر، يا أبناء الهضبة خذوني معكم عبدا، اخصوني إن شئتم أرجوكم، أرجوكم، لا يسمعني كائن فصوت قلبي غائر مكتوم.
يعبرن الشارع الصامت كما مرت فرقة البيتلز عابرة زقاق صن جنسون لتسجل ألبومها (آبي رود) تكرر المشهد نفسه أمام ناظريّ المثبتين على خطى الملائكة الإمبراطورية عبرن بإتجاه الكنيسة تشق قاماتهن المرتفعة وجوم المكان، حاولت لحاقهن إلاّ أن موكب السيارات والهواء والطيور والجن تحرك عندما وصلت منتصف الطريق، فغرقت وسط أبواقها الغاضبة هذه ملائكة موسى تعبر وما أنا إلا جندي في ركب الفرعون.
تراجعت و صوت جرس الكنيسة العتيقة يرن مبتهجا بقدومهن، وقتها أحببت المسيح ورقص قلبي واعترف عند قداستهن أن أني مذنب وسأتوبُ الآن الآن.
لولا الموج للحقت بهن وأعلنت التوبة الأبدية، لا لغة تجمعنا لكن حتماً ستكون نظراتي العطشى كافية، ستقول لهن يا أبناء عمومتنا مشتاقون، يتعجبن؛ تسرد عيناي الوالهة لهن القصة، لا تتعجبن فأبونا كوش الأعظم يجمعنا، أليس النيل الأزرق ينبع من تانا؟!. إنّ جدي الأعظم في الأصل هو تسفاي فتحور إلى يوسف، قد سبح منذ زمانا غابر من تانا إلى المقرن يبحث عن جدتنا الكبرى التي سبحت هي الأخرى عكس التيار من مروي إلى المقرن.
سأقول لهن سأقول لكل الأحباش إن القهوة تجمعنا، يجمعنا الرقص، يجمعنا اللون الأسمر فهل تفرقنا مجرد خطوط وهمية تسمى أوطان، هل تفرقنا الأديان؟! خذوني أخا منسيا عبر الأزمان، اعتبروني جارا يشارككم كل الافراح، كل الأتراح أو خذوني عبدا إن شئتم، لا يفرق عندي في أية خانة تضعوني، عن نفسي سأكون ذاك العاشق ذاك المذنب الواقف عند العتبات أبديا ينتظر الغفران.

#قونيا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى