أبيض وأسود هو مقال يطرح السؤال
-لماذا الأبيض أبيض والأسود أسود؟
وقبل محاولة الإجابة عليه سنمر سريعا على مجموعة من العناصر البصرية / الحسية وتحديدا (الإتجاهات) ونطرح السؤال على بعضها أولا
فنقول
لماذا اليمين يمين واليسار يسار؟
ولماذا الفوق فوق وليس تحت,ولماذا ليس العكس فيكون الأسفل أعلى بدلا من الأسفل؟
لماذا الأمام يتبعه الخلف,لماذا لا يكون العكس؟
والمراد هنا بيان حجم المؤثرات على آرائنا بما لا يدع مجال للتفكير خارج إنحيازاتنا الذاتية إلا من رحم ربي.
لهذا نحن نقول أن الإنسان يرتقي بذاته إجتماعيا أو إقتصاديا أو فكريا من الأسفل إلى الأعلى. ولم نقل من الأعلى للأسفل بسبب تأثير الجاذبية على أجسادنا,وبالتالي على عقولنا. لأنها لا تؤثر على أجسادنا فحسب,بل على كل الأجسام من حولنا.
لذا نحن نقول أن التقدم إلى الأفضل,أو التطور بدلا من التدني,لا يتم إلا صعودا من الأسفل إلى الأعلى. وذلك محاكاة لثلاثة ظواهر؛الجاذبية,والكمية,والتراتبية.
الجاذبية تفرض علينا
أولا أن الأمور أفضل في الأعلى لأن كل الأشياء تسقط إلى الأسفل. مما يعطي أفضلية لمن هو في الأعلى أن يسقط بسهولة من هو بالأسفل. أصلا نحن نجد صعوبة في الحفاظ على رؤوسنا ناظرة للأعلى.
ثانيا أن الصعود للأعلى يعني مقاومة الجاذبية,بمعنى أنك غير كونك تحمل جسدك,فأنت أيضا تصارع من أجل الوصول إلى غايتك. ومثل ذلك,أنك أيضا تظل ثابتا موضعك وعلى حالتك واقفا دون أن تسقط. جامعا بين الإستقرار (الرسوخ) على الأرض,والشموخ إلى السماء.
ثالثا وهنا تحكم ظاهرة التراتبية,بمعنى أنك لما تضع شيئا على الأرض,وليكن حجرا,ثم حجر فوقه,وآخر فوقهما,ورابع فوقهم. وهكذا دواليك صعودا بالبناء للأعلى. يصبح لديك بناء عالي,وربما مقاوم للجاذبية,ثم والتراتبية تفرض الأكثرية. بمعنى أنه لن يحدث الصعود دون توفر عدد معين من الأحجار كقاعدة للبناء. هذا يعني كمية,حتى لو وضعت الأشياء فوق بعضها بصورة عشوائية مثل كومة قمامة,سوف تتحول تدريجيا إلى كمية,وسوف تعلوا إلى تلال من النفايات تضطر للنظر فوق حتى ترى قمتها.
المتفق عليها في علم البصريات,أن الألوان ليست إلا موجات وأشعة تذهب إلى العين ويقرأها المخ على نحو معين,يعطينا تلك الصبغات المسماة أحمر أو أزرق أو أصفر. وقد يتغير إدراكنا وشعورنا باللون الذي أمامنا في حالة إصابة المخ أو العين بعطب معين لا يسمح بالقراءة السليمة ومعالجة الأشعة المستقبلة لتحويلها إلى الألوان المتفق عليها من قبل الجميع. مثلما في العمى (كل شيء أسود ومظلم) ومثلما في عمى الألوان (الألوان غير الألوان).
الأخضر, القلب والتفاح, الكمامة وقبلة من زوجتك, التقزز, الدم
كل هذه الأشياء تبدوا واضحة أكثر إذا ما فهمنا العلاقة بين الأبيض والأسود, أو بين الأعلى والأسفل.
"وقبل المرور إلى المسائل الموالية في انطولوجيا العلاقة بين الوجودين الفعلي والرمزي نلاحظ حنين الحضارة المتأخرة إلى مراحلها المتقدمة.
فشباب الغرب مثلا-ومن يحاكيه من شبابنا-يحن إلى العري وإلى الوشم وإلى الحلي دون فصل بين الذكر والانثى وإلى حياة بسيطة متحرر من تعقيد الحضارة.
ومن أهم الدوافع في السياحة هذا الحنين إلى البساطة والحد من المسافة بين الرمز والمرموز للتحرر مما يفصل الإنسان عن الأشياء الطبيعية العارية.
والعكس صحيح: فسائح العالم الثالث في الغرب يطلب العكس تماما.
يريد أن يظهر قدرته ما يظنه تميزا للغربي عليه. الغربي تكفيه خيمة والعربي أغلى فندق.
أذكر مثال زميلة كورية الجنوبية (فيلسوفة ألمانية) طلبت مني أن أبحث لها عن أرخص مسكن لزيارة ماليزيا وثري عربي زائف طلب مني أغلى فندق لزيارتها.
ما رأيناه من أمثلة انطولوجية العلاقة بين الوجود الفعلي والوجود الرمزي في بداية الحضارة وفي غايتها كاف ولنمر إلى بيان دور الثاني في الأول.
إلى حد الآن بدا كلامنا وكأننا نقدم دور الوجود الفعلي على الوجود الرمزي معتبرين هذا مجرد تابع لذاك. وهذا ارتسام أولي لا يطابق حقيقة الدورين.
ففي بداية الحضارة لا يوجد فصل واضح بين الرمز والمرموز ومن ثم فالارتسام لا يمكن أن يكون صحيحا. وذلك شرط إمكان السحر: معاملة الاسم كالمسمى.
وإلى حد الآن يوجد هذا السلوك عند الإنسان: لذلك كان الكلام أكثر إيلاما من الأفعال أحيانا. أنت قد تسامح من ضربك. لكن لن تسامح من عيرك.
ففاعلية الرمز أقوى من فاعلية المرموز في مستوى التأثير على الأرواح: المدح الكاذب. والأبدان الشيء فيها أفعل من اسمه: كلمة خبز لا تغذي البدن."[31]
[HR][/HR]
[31]أنطولوجيا العلاقة بين الوجود الفعلي والوجود الرمزي / أبو يعرب المرزوقي / مدونة أبو يعرب المرزوقي
أنطولوجيا العلاقة بين الوجود الفعلي والوجود الرمزي – الفصل الثاني – أبو يعرب المرزوقي
-لماذا الأبيض أبيض والأسود أسود؟
وقبل محاولة الإجابة عليه سنمر سريعا على مجموعة من العناصر البصرية / الحسية وتحديدا (الإتجاهات) ونطرح السؤال على بعضها أولا
فنقول
لماذا اليمين يمين واليسار يسار؟
ولماذا الفوق فوق وليس تحت,ولماذا ليس العكس فيكون الأسفل أعلى بدلا من الأسفل؟
لماذا الأمام يتبعه الخلف,لماذا لا يكون العكس؟
والمراد هنا بيان حجم المؤثرات على آرائنا بما لا يدع مجال للتفكير خارج إنحيازاتنا الذاتية إلا من رحم ربي.
لهذا نحن نقول أن الإنسان يرتقي بذاته إجتماعيا أو إقتصاديا أو فكريا من الأسفل إلى الأعلى. ولم نقل من الأعلى للأسفل بسبب تأثير الجاذبية على أجسادنا,وبالتالي على عقولنا. لأنها لا تؤثر على أجسادنا فحسب,بل على كل الأجسام من حولنا.
لذا نحن نقول أن التقدم إلى الأفضل,أو التطور بدلا من التدني,لا يتم إلا صعودا من الأسفل إلى الأعلى. وذلك محاكاة لثلاثة ظواهر؛الجاذبية,والكمية,والتراتبية.
الجاذبية تفرض علينا
أولا أن الأمور أفضل في الأعلى لأن كل الأشياء تسقط إلى الأسفل. مما يعطي أفضلية لمن هو في الأعلى أن يسقط بسهولة من هو بالأسفل. أصلا نحن نجد صعوبة في الحفاظ على رؤوسنا ناظرة للأعلى.
ثانيا أن الصعود للأعلى يعني مقاومة الجاذبية,بمعنى أنك غير كونك تحمل جسدك,فأنت أيضا تصارع من أجل الوصول إلى غايتك. ومثل ذلك,أنك أيضا تظل ثابتا موضعك وعلى حالتك واقفا دون أن تسقط. جامعا بين الإستقرار (الرسوخ) على الأرض,والشموخ إلى السماء.
ثالثا وهنا تحكم ظاهرة التراتبية,بمعنى أنك لما تضع شيئا على الأرض,وليكن حجرا,ثم حجر فوقه,وآخر فوقهما,ورابع فوقهم. وهكذا دواليك صعودا بالبناء للأعلى. يصبح لديك بناء عالي,وربما مقاوم للجاذبية,ثم والتراتبية تفرض الأكثرية. بمعنى أنه لن يحدث الصعود دون توفر عدد معين من الأحجار كقاعدة للبناء. هذا يعني كمية,حتى لو وضعت الأشياء فوق بعضها بصورة عشوائية مثل كومة قمامة,سوف تتحول تدريجيا إلى كمية,وسوف تعلوا إلى تلال من النفايات تضطر للنظر فوق حتى ترى قمتها.
المتفق عليها في علم البصريات,أن الألوان ليست إلا موجات وأشعة تذهب إلى العين ويقرأها المخ على نحو معين,يعطينا تلك الصبغات المسماة أحمر أو أزرق أو أصفر. وقد يتغير إدراكنا وشعورنا باللون الذي أمامنا في حالة إصابة المخ أو العين بعطب معين لا يسمح بالقراءة السليمة ومعالجة الأشعة المستقبلة لتحويلها إلى الألوان المتفق عليها من قبل الجميع. مثلما في العمى (كل شيء أسود ومظلم) ومثلما في عمى الألوان (الألوان غير الألوان).
الأخضر, القلب والتفاح, الكمامة وقبلة من زوجتك, التقزز, الدم
كل هذه الأشياء تبدوا واضحة أكثر إذا ما فهمنا العلاقة بين الأبيض والأسود, أو بين الأعلى والأسفل.
"وقبل المرور إلى المسائل الموالية في انطولوجيا العلاقة بين الوجودين الفعلي والرمزي نلاحظ حنين الحضارة المتأخرة إلى مراحلها المتقدمة.
فشباب الغرب مثلا-ومن يحاكيه من شبابنا-يحن إلى العري وإلى الوشم وإلى الحلي دون فصل بين الذكر والانثى وإلى حياة بسيطة متحرر من تعقيد الحضارة.
ومن أهم الدوافع في السياحة هذا الحنين إلى البساطة والحد من المسافة بين الرمز والمرموز للتحرر مما يفصل الإنسان عن الأشياء الطبيعية العارية.
والعكس صحيح: فسائح العالم الثالث في الغرب يطلب العكس تماما.
يريد أن يظهر قدرته ما يظنه تميزا للغربي عليه. الغربي تكفيه خيمة والعربي أغلى فندق.
أذكر مثال زميلة كورية الجنوبية (فيلسوفة ألمانية) طلبت مني أن أبحث لها عن أرخص مسكن لزيارة ماليزيا وثري عربي زائف طلب مني أغلى فندق لزيارتها.
ما رأيناه من أمثلة انطولوجية العلاقة بين الوجود الفعلي والوجود الرمزي في بداية الحضارة وفي غايتها كاف ولنمر إلى بيان دور الثاني في الأول.
إلى حد الآن بدا كلامنا وكأننا نقدم دور الوجود الفعلي على الوجود الرمزي معتبرين هذا مجرد تابع لذاك. وهذا ارتسام أولي لا يطابق حقيقة الدورين.
ففي بداية الحضارة لا يوجد فصل واضح بين الرمز والمرموز ومن ثم فالارتسام لا يمكن أن يكون صحيحا. وذلك شرط إمكان السحر: معاملة الاسم كالمسمى.
وإلى حد الآن يوجد هذا السلوك عند الإنسان: لذلك كان الكلام أكثر إيلاما من الأفعال أحيانا. أنت قد تسامح من ضربك. لكن لن تسامح من عيرك.
ففاعلية الرمز أقوى من فاعلية المرموز في مستوى التأثير على الأرواح: المدح الكاذب. والأبدان الشيء فيها أفعل من اسمه: كلمة خبز لا تغذي البدن."[31]
[HR][/HR]
[31]أنطولوجيا العلاقة بين الوجود الفعلي والوجود الرمزي / أبو يعرب المرزوقي / مدونة أبو يعرب المرزوقي
أنطولوجيا العلاقة بين الوجود الفعلي والوجود الرمزي – الفصل الثاني – أبو يعرب المرزوقي