د. أحمد الحطاب - خلط كبير بين المفاهيم الثلاثة : التّعليم، التّربية والتَّعلُّم

ثلاثة مفاهيم، لا تقل أهمية عن بعضها البعض، يتم الخلط التام بينها استعمالا ومعنى. والأمر يتعلّق هنا بمفاهيم "التربية" و"التعليم" و"التَّعلُّم" علما أن هذه الظاهرة (ظاهرة الخلط) تُلاحظ على جميع مستويات الممارسة التربوية.

وفي هذا الصدد، المدرسةُ، بحكم مقاومتِها للتغيير résistance au changement، وبحكم الجمود immobilisme الذي أصابها بكيفية مُزمنة، لم تعد قادرةً على التّمييز بين التربية والتعليم والتَّعلُّم أو، بعبارة أخرى، بين فعل "ربى"، فعل "علَّمَ" و"فعل تعلَّم".

لتصل إلى هذا الخلط، نسِيت المدرسةُ، وبالتدريج، المهمّة التي أُنشِئت من أجلها ألا وهي: التربية من خلال التعليم والتّعلم. وقد وصل هذا الخلط إلى درجةٍ أصبح معها الفعل التربوي مقتصرا على مجموعة من الطقوس المُتكرِّرة (نمطية) متوَّجة، بكيفية أو أخرى، بتبليغٍ للمعرفة. إنها مشكلة من المشاكل التي تُعاني منها حاليا منظوماتٌ تربويةٌ عديدةٌ بما في ذلك المنظومة التربوية المغربية.

"علَّم" و"ربّى" مفهومان متلازمان غير أن المدرسة استطاعت أن تفصلَ بينهما. بالفعل، من الممكن أن نعلِّم ونربِّي في آن واحد، لكن من الممكن كذلك أن نعلِّم دون أن نُربِّي. إنه من المؤسف أن يُلاحظ أن البديل الثاني هو السائد في الكثير من المؤسسات التعليمية حيث يطغى تبليغُ المعرفة من أجل المعرفة على التّربية التي تساهم قي بناء شخصية المُتعلِّمين.

التعليم، بمعناه الضيق، يهدف إلى تبليغ المعرفة. ولكن، عندما تُستغلُّ المعرفةُ لتمكين المتعلِّم من إدراك ما يجري في حياته اليومية وتفسير الظواهر والأشياء التي تحيط به، آنذاك، يؤدي التعليم إلى التربية. هذه الأخيرة عبارةٌ عن سياق processus يهدف، قبل كل شيء، إلى تطوير شخصية المتعلم من حسن إلى أحسن.

ولا داعي للقول أن المجتمعَ ليس في حاجة إلى أشخاص رؤوسُهم مملوءة، لكن لأشخاص رؤوسُهم قد تكون مملوءة ولكن، في نفس الوقت، يجب أن تكونَ جيِّدةُ التَّركيب. إن التربيةَ هي التي تصنع الرأسَ الجيِّدةَ التَّركيب. وإذا كان التعليمُ يتوجّه إلى قدرات فهمٍ وتسجيلٍ وحفظٍ (تخزين المعارف) واستظهار المعرفة، فالتَّربية تتوجّه لقدرات المُتعلِّمين على دمج هذه المعرفة في سلوكهم (سلوك مهاري، سلوك نفسي-اجتماعي، الخ.)، أو إن صحَّ القولُ، ما هي انعكاسات المعرفة السَّالفة الذِّكر على شخصية المتعلِّم، على نشأته الاجتماعية، على إدراكه للعالم المحيط به، الخ. وباختصار، التعليم يُثقِّف المتعلِّمَين، بينما التربية تُكوِّنهم (طاقات aptitudes، قدرات capacités، كفاءات compétences، مهارات habiletés، سلوك نفسي-اجتماعي comportement psychosocial، استقلالية autonomie، تكيُّف adaptation، الخ.).

يجب أن يختفي الخلط بين "التّربية" و"التّعليم" من المنظومة التربوية نظرا لانعكاساته السِّلبية على الممارسة التربوية والمتعلِّم حيث أن فاعِلي هذه الممارسة، أي المدرسين، أصبح الكثير منهم لا يعير أي اهتمام لهذا الخلط.
بالنسبة لهؤلاء المدرسين، يُعدُّ تبليغُ المعرفةِ فعلاً مُربِّياً ضِمْنيا وافتراضيا شرطَ أن يبذلَ المتعلِّمُ الجهدَ المطلوبَ. ولو افترضنا أن المتعلِّمَ قام بالمجهود المطلوب، فإن ما يُطْلب منه يوم الامتحان، وبكل غرابة، هو استظهار هذه المعرفة وليس أيةَ تغييرات أحدثتها هذه الأخيرة على مستوى شخصيته.

ومن جهة أخرى، إن هذا الخلط ليس حكرا على المدرسين. إنه متداول حتى في الأوساط الخبيرة، في الوثائق الرسمية، في المراجع التربوية و وسائل الإعلام. فيما يخص المدرسين، لا يأتي هذا الخلط من فراغ. إنه مُتَرَتِّبٌ عن تكوينهم الذي، مسبقا، لا يعطي أهمِّيةً للتمييز بين هذين المفهومين.

يختلف التّعلُّم عن التعليم بكونه يذهب إلى أبعد من مجرد تبليغ المعرفة. الحديث عن التّعلُّم يجرنا إلى الحديث عن تملّك، ليس فقط المعارف، لكن، كذلك، المهارات والقدرات وغالبا كذلك عن سلوكات نفسية-اجتماعية.

التّعلُّم، كنشاط دراسي يتقارب مع التربية. ولهذا، فإن أي فعل تعليم acte d'enseignement، إن لم يكن حاملاً لبعد تربوي، فإنه يتحوَّل بكل بساطة، عاجلا أو آجلا، إلى مُجرد تبليغٍ للمعرفة وتراكمها لدى المتعلِّمين. وليكونَ للتعليم وقعٌ على شخصية المتعلِّم وعلى سلوكه، يجب أن يُدمج فيه بعد تربوي من خلال التَّعلُّم. التعليم، كوظيفة اجتماعية، يجب أن يُقْرَنَ بالتَّعلُّم. وهو ما توحيه عبارة "تعليم-تعلم" المتداولة في الوسط المدرسي.رسي. هذان الأخيران مرتبطان ارتباطا وثيقا بمعنى أن التعليم دعامة طبيعية للتَّعلُّم.

عندما يتعلق الأمر بعملية التعليم والتَّعلُّم acte d’enseignement-apprentissage، يغادرُ (يتخلَّى عن) التلميذُ صفةَ (وضعَ) "الفرد الذي يتلقَّى" récepteur، ليتقمَّص صفةَ "المُتَعَلِّم" apprenant، أي إنسان يرغب في التَّعلُّم أو يريد أن يتعلَّم. "التّعلُّم" هو السّعي إلى الفهم والإدراك.

التّدقيق هنا في المعنى أساسي ومن المفترض أن يقودَ، من جهة، إلى وضع المتعلِّم في "حالة تُؤَهِّبُهُ للفهم"، أي أن يكون بكل بساطة هذا الأخيرُ على وعي بأن كل ما يجري داخل القسم مُسَخَّرٌ لمساعدتِه على الفهم. ومن جهة أخرى، من المفترض أن يقودَ أيضا التّدقيق إلى الحد من اعتبار المدرِّس كمالكٍ للمعرفة أو "ذلك الذي يعرف". بل بالعكس، يجب أن يصبحَ ذلك الشخص الذي يُسهِّل بناءَ هذه المعرفة أو إعادةَ بنائها وتملُّكِها من طرف المُتعلِّم. وفعل "يُسَهِّلُ" يعني هنا أن المدرِّس يُركِّز على كل ما يجعل التّعلُّمَ فعلياً (علاقة مدرس-متعلم).

وعليه، عندما يُدَرِّسُ المدرِّسُ، لا يجب أن يكون هدفُه حصريا إغناءَ معارف المتعلِّم ولكن كذلك وبالأخص، حَثُّهُ على إتباث رغبة هذا المتعلِّم في التَّعلُّم (رغبة في الفهم) والاستفادة منها. وبعبارة أخرى، فعلى المدرِّس أن يبذل الجهدَ الضروري ليفهمَ بدوره كيف يَتَعَلَّمُ المتعلِّم. وهنا، تجدر الإشارةُ إلى أن البيداغوجيا والديداكتيك (علم تدريس المواد) تصبحان أداتين لا غنى عنهما لوضع المدرِّس والمتعلِّم في حالة فهمٍ متبادلٍ.

وتأكيدا لما سبق، هناك كلمات غالبا ما تُستعمل كمرادفات synonymes لمفهوم "التَّعلُّمِ" من بينها على سبيل المثال : تربية éducation (سلوك نفسي-اجتماعي)، تجربة expérience (مهارات، قدرات)، تكوين formation (بناء الشخصية على المستوى الفكري من خلال معارف وقدرات وسلوك نفسي-اجتماعي)، بيداغوجيا pédagogie (أداة لإنْحَاحِ التَّعلُّم)، ممارسة pratique (قدرات، مهارات، كفاءات)، الخ. وهذا يعني أن التَّعلُّمَ لا يُخْتَزَلُ في تبليغ المعرفة بل يهدف إلى تحسين شخصية المتعلِّم بمعنى أنه يساعد على تنمية (بناء) الكفاءات compétences، المهارات habiletés ، القدرات capacités ، الخ. أوبكيفية أخرى، على التَّفتُّح الفكري épanouissement intellectuel.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى