تؤرخ الثقافة الشعبية المحلية في مستوى غناء العيطة الحوزية، لكثير من هذه الوقائع التي تبرز العلاقة المتوترة بين المخزن والرحامنة والجوارات القبلية لأخرى ،ففي معركة سيدي بوعثمان الشهيرة التي انهزم فيها الشيخ أحمد الهيبة ماء العينين في مواجهة المستعمر الفرنسي في شتنبر 1912 بسبب التقدم الذي كانت تحرزه فرنسا بشريا وعتادا ، وأيضا بسبب تآمر “القياد الكبار” عليه،كما تحكي هذه العيطة عن مخلفات انتفاضة الرحامنة التي تفاقمت مع بروز القائد العيادي كحليف استراتيجي للمستعمر الفرنسي.
هذه القصيدة لم تبق حكرا على قبيلة الرحامنة ،بل صارت “الشيخات” ترددنها في كثير من القبائل المغربية التي بدأت سلطة ونفوذ القياد الكبار،وتقول كلماتها:
هزيت عيني ليك آربي
حطيت عيني وافرح قلبي
واللي بغا الله كاع بغيناه
يا ما اضربتو ما اقتلتونا
ياك صكونا صاكونا
ياك صاكونا للزيتون
ياك تم ناض الريتول
وحتى واحدفينا ما هاني
اللي تهلرس ها الكرارس
واللي تفرم يبقى تم
واللي تحف ها شربيلي
والي تعرى ها سلهامي
واللي بغا اللمة يتعامى
تحزموا وكونوا رجالة
ياودي كونوا عوالين
مشات برا لفم الجمعة
لا خزانة لا عود بقا
وفين عزك آلقصيبة
وآيت عطا وآيت بوزيد
عوثت الشلحة في الجبال
دارتها نوضة وزغاريت
بين الجبال وبين الطرقان
وفي ساعة ولات غمام
ورا الصابرة ولات احرير
وافين ايامك آبن جرير
ياك الغبرا والكور ايطير
ياك الغبرا واكصاص الخيل
وفين ايامك ألاربعا
كان موسم ولاحركة
لا خزانة ولاعود بقا
وفين ايامك آبو عثمان
اكدات النار بلا دخان
ورا الطرابش كي بلعمان
ورا الموتى كيف الذبان
ورا العسكر حابس البيبان
ورا الخواجة مزوق لولاد
إن هذه القصيدة، كما كتابات الإخباريين تؤكد أن الرحامنة تعرضت لعنف مخزني واستعماري فائق القوة،منذ إخماد انتفاضة الرحامنة والى غاية دخول المستعمر الذي واصل تدبير هذه القوة عن طريق سياسة القياد الكبار. وان كانت في الأصل تؤرخ لمعركة أربعاء الصخور بتاريخ 24 غشت 1912 التي كادت أن تلحق الهزيمة بالفرنسيين، ومعركة 31 غشت 1912 ببن جرير،فضلا عن معركة سيدي بوعثمان من نفس السنة ، والتي انفرض فيها على جيوش احمد الهيبة التراجع الى الجنوب، بالرغم من ارتباطها بهذه الأحداث كما تشير إلى ذلك الرواية المحلية، فإنها تكشف أيضا بعضا من المحن التي عانتها القبيلة جراء انتفاضة بن الطاهر.
الفصل السادس:
القائد العيادي
مسارات القائدية
لمذا القائد العيادي بالضبط؟ ما المبرر الموضوعي للاشتغال عليه في سياق الحديث عن ثلاثية “المخزن، الزاوية والقبيلة”؟ وهل المغزى من استحضاره هنا هو تقديم النموذج المخزني والقبلي في آن، على اعتبار أنه من أجال القبيلة؟ أم الهدف، هو اتخاذه كـــ ”متن” تحولات القبيلة وانبناءات العينية عبر هذا القائد/النموذج؟
لا ننكر أن استحضار هذا النموذج يحتمل أكثر من قراءة، ولا يتحدد ضمن مسعى واحد،لكن استحضاره هاهنا يظل مبررا،والى حد بعيد ، بما حازه الرجل من رساميل رمزية ومادية، وما أنتجه، أو ساهم في إنتاجه، من أوضاع ومآلات رحمانية. فمن يكون القائد العيادي؟
أولا:ميلاد القائد
هو ميلود بن الهاشمي بن مبارك بن محمد بنزاوية الذي اشتهر باسم القائد العيادي (1880-1964)، ينتمي إلى فخدة الشلالكة الواقعة غرب أربعاء الصخور،ينحدر من اسرة مخزنية تقلب أفرادها في عدد من المناصب المخزنية المحلية، كان محاربا كوالده الهاشمي بن مبارك الذي اشتهر كرجل حرب خلال الحركات الحسنية ، وكان يعمل كرقاص (ساعي البريد) بين ابن عمه الشيخ أحمد بن محمد الكراوي والقائد عبد الحميد الرحماني بمراكش، وبممارسة هذه المهنة تمكن العيادي من التعرف على بعض أسرار الخدمة المخزنية.
لكن المصادر تشير إلى أن الرجل كان يمتهن الزطاطة واللصوصية من حين لأخر، ألم يقل عبد الأحد السبتي بان الزطاطة تعني رسم المرور، الذي يحصله الخواص أو ممثلو السلطان، وسواء كانت الحماية بالخفر أو بإقامة النزايل فان التحصيل يتطور إلى ابتزاز ؟إلى الدرجة التي تتهاوى فيها الفروق والحدود بين الزطاط وقاطع الطريق، ولعل هذا ما دفع ماكسويل لاعتباره “قاطع طريق محترف”، وهو ما يذهب إليه فردريك وايسجربر الذي يخبرنا أن العيادي “ كان من قبل قاطع طريق شديد البأس ، فتعقل تم صار يرتبط بسلطاتنا العسكرية.
من “الرقاص” الى الزطاط/قاطع الطريق”فالقائدية أخيرا، ينكتب مسار غير عاد لرجل خبر الحرب وتفاعل مع معطيات الحركية المجالية والسياسية لقبيلتهن واستفاد قبلا من الثروة الرمزية والمادية لأسرته التي تقلبت في الخدمة المخزنية، وان على صعيد المشيخة،الشيء الذي سيساهم في إنتاج القائدية أخيرا كمآل مبرر بعدد من الشروط والرساميل الفردية والعائلية والقبلية.
لكن ما سيقوده إلى هذه القائدية ، بخلاف أسلافه، هو الانتقال من المحلي إلى الوطني، وذلك بنوع من التدرج ، وهو انتقال فرضه الانتماء إلى مجال محكوم بالتحالف والتهديد والعبور المخزني (المحلة أو الحركة) والقبلي. لهذا وجد العيادي نفسه يتحالف مع الكندافي بعد تآمر عليه كل من المتوكي والكلاوي نتم سيكون مطلوبا منه أن يبرز قوته لما دعاه المخزن، وباقي القياد الكبار،الى مواجهة تمرد الروكي بوحمارة، منتقلا الى تازة التي تعرضت فيها القبائل الحوزية للهزيمة يوم 22 دجنبر 1902.
إلا أن تأييد العيادي للمولى عبد الحفيظ في حلف يضم القائد المدني الكلاوي أيضا سيكون المدخل الرئيس لتوطيد القائدية واعادة بنائها، خصوصا في اللحظة التي هاجمت فيها الرحامنة وكلاوة، ومن ينتمي إليهما في إطار الحلف الحفيظي، المحلة العزيزية التي كانت متوجهة إلى مراكش، وذلك يوم 20 غشت 1908، حيث تم إرغامها على التراجع إلى الشاوية، وهو ما كان سببا رئيسا في سطوع نجم المولى عبد الحفيظ، الذي لم يتردد في تعيين العيادي قائدا بموجب ظهير شريف مؤرخ في الخامس من يناير 1909.
لكن هذا التعيين الرسمي لم يكن يحمل إيذانا ببسط النفوذ على مجموع تراب الرحامنة، فالمولى عبد الحفيظ عمد إلى تعيين قياد آخرين بالرحامنة، بمعنى انه عين منافسين/أعداء احتياطيين للرجل ومنهم على وجه الخصوص القائد عبد السلام البربوشي، وهو ما لم يكن ليستسيغه العيادي، ولا حتى باقي منافسيه، فالزمن آنئذ يقتضي “القيادة الكبرى”، وتحديدا في مجال متاخم لقواد كبار كالكلاوي والمتوكي والكندافي والعبدي.
القائد البربوشي سيحاول، وفقا لهذا الطرح، أن ينتهي من منافسه العيادي وهو ما جعله بمساعدة كلاوة، يغير عليه في قصبته المسماة ”القليعة” التي انتهبها وحاول تهديمها، فما كان من العيادي إلا أن فر إلى مراكش ، ليعيد حساباته من جديد ، ويغير من أدائه السياسي والاجتماعي، خصوصا وان المستعمر الفرنسي قد حل بالبلاد . وهو المستعمر الذي ينتصر لسياسة التهدئة عن طريق تدعيم القياد الكبار.
لهذا لم يكن القائد العيادي ليتموقع ضد الاستعمار ، بل كان من أصفيائه الذين منحتهم فرنسا ” وسام الشجعان” اعترافا بدوره بتيسير الدخول الفرنسي إلى مراكش ، ونظرا لهذه المكانة التي بات يحتلها لدى المستعمر فقد دعي الى اجتماع القياد الكبار مع المقيم العام ،وذلك يوم 11 أكتوبر بمراكش 1911، وهو الاجتماع الذي حضره العبدي والكلاوي والمتوكي والكندافي وعشرة قياد آخرين من الجنوب.
وكما باقي القياد الكبار الذين كانوا يتنافسون على إظهار الخدمة والقرب، فقد شارك إلى جانب المتوكي والكلاوي والكندافي في ملاحقة جيش احمد الهيبة إلى مدينة تارودانت سنة 1913، هذه الخدمات المتتالية التي قدمها للمستعمر ستجعله سنة 1919 يحظى بــ ”وسام التقدير” من الحكومة الفرنسية ويستدعي على اثر ذلك لحضور احتفالات النصر بباريس في الرابع عشر من يوليوز من نفس السنة.
لكن عقلية “الزطاط/قاطع الطريق” لم تغادره بالمرة، لهذا كانت قراراته تحتمل المد والجزر، والفعل ورد الفعل، لهذا سيقرأ القائد العيادي الرسالة مبكرا، وسيرى بأنه من غير المأمون الاستمرار في خدمة المستعمر ومجاراة الكلاوي. فابتداء من خمسينيات القرن الفائت سيرفض العيادي التسليم بواقع تنصيب سلطان جديد هو محمد بن عرفة، وسينظم “حركة” في نفس يوم التنصيب إلى مراكش واجه فيها رجال الكلاوي.
هذا الموقف سيكون له دور بارز في إعادة بناء وإنتاج الوجاهة الاجتماعية لأنجاله وأحفاده في مغرب الاستقلال وسيمسح جانبا من “جبروت” القائد وتحالفه مع المستعمر،لدى صناع القرار على الأقل،وبسبب إقدام فرنسا على اعتقاله ونفيه تم فرض الإقامة الإجبارية عليه بمدينة الدار البيضاء فان الكثير من التمثلات السابقة سوف تتعرض لإعادة الصياغة . لكن بالمقابل ستستمر تمثلات أخرى ترى فيها “ظالما وقاطع طريق “مازالت تحافظ على اشتغالها في المجال الرحماني،انه منطق التمثل والتمثل المضاد،الذي يكاد يحضر باستمرار في الحديث عن الشخصيات التي كان لها دور ما في خلخلة البنية الاجتماعية. فعندما نتأمل هذه العيطة الحوزية مثلا،نلاحظ مدحا لفضائل القائد العيادي.
هزيت عيني ليك يا ربي
وحطيت عيني وافرح قلبي
دوزها قايد القياد
دوزها القايد العيادي
وكملها حجة في النبي
مول القفطان الكبريتي
لحكاما بالفيريتي
مول الشراجم الشبية
مول الثريات الوردية
ورا الخادم تمشي وتجي
ورا العبد يعيط سيدي
ورا اولادو كيف البيزان
ورا اعبيدو كيف الجديان
وياك قايدي في البيرو
واللي بغاتو ليام تديرو
صايك العودة بالمجدول
ولا حسدتوه ديرو كيفو
* عبد الرحيم العطري (الرحامنة القبيلة بين المخزن والزاوية)-.2012
هذه القصيدة لم تبق حكرا على قبيلة الرحامنة ،بل صارت “الشيخات” ترددنها في كثير من القبائل المغربية التي بدأت سلطة ونفوذ القياد الكبار،وتقول كلماتها:
هزيت عيني ليك آربي
حطيت عيني وافرح قلبي
واللي بغا الله كاع بغيناه
يا ما اضربتو ما اقتلتونا
ياك صكونا صاكونا
ياك صاكونا للزيتون
ياك تم ناض الريتول
وحتى واحدفينا ما هاني
اللي تهلرس ها الكرارس
واللي تفرم يبقى تم
واللي تحف ها شربيلي
والي تعرى ها سلهامي
واللي بغا اللمة يتعامى
تحزموا وكونوا رجالة
ياودي كونوا عوالين
مشات برا لفم الجمعة
لا خزانة لا عود بقا
وفين عزك آلقصيبة
وآيت عطا وآيت بوزيد
عوثت الشلحة في الجبال
دارتها نوضة وزغاريت
بين الجبال وبين الطرقان
وفي ساعة ولات غمام
ورا الصابرة ولات احرير
وافين ايامك آبن جرير
ياك الغبرا والكور ايطير
ياك الغبرا واكصاص الخيل
وفين ايامك ألاربعا
كان موسم ولاحركة
لا خزانة ولاعود بقا
وفين ايامك آبو عثمان
اكدات النار بلا دخان
ورا الطرابش كي بلعمان
ورا الموتى كيف الذبان
ورا العسكر حابس البيبان
ورا الخواجة مزوق لولاد
إن هذه القصيدة، كما كتابات الإخباريين تؤكد أن الرحامنة تعرضت لعنف مخزني واستعماري فائق القوة،منذ إخماد انتفاضة الرحامنة والى غاية دخول المستعمر الذي واصل تدبير هذه القوة عن طريق سياسة القياد الكبار. وان كانت في الأصل تؤرخ لمعركة أربعاء الصخور بتاريخ 24 غشت 1912 التي كادت أن تلحق الهزيمة بالفرنسيين، ومعركة 31 غشت 1912 ببن جرير،فضلا عن معركة سيدي بوعثمان من نفس السنة ، والتي انفرض فيها على جيوش احمد الهيبة التراجع الى الجنوب، بالرغم من ارتباطها بهذه الأحداث كما تشير إلى ذلك الرواية المحلية، فإنها تكشف أيضا بعضا من المحن التي عانتها القبيلة جراء انتفاضة بن الطاهر.
الفصل السادس:
القائد العيادي
مسارات القائدية
لمذا القائد العيادي بالضبط؟ ما المبرر الموضوعي للاشتغال عليه في سياق الحديث عن ثلاثية “المخزن، الزاوية والقبيلة”؟ وهل المغزى من استحضاره هنا هو تقديم النموذج المخزني والقبلي في آن، على اعتبار أنه من أجال القبيلة؟ أم الهدف، هو اتخاذه كـــ ”متن” تحولات القبيلة وانبناءات العينية عبر هذا القائد/النموذج؟
لا ننكر أن استحضار هذا النموذج يحتمل أكثر من قراءة، ولا يتحدد ضمن مسعى واحد،لكن استحضاره هاهنا يظل مبررا،والى حد بعيد ، بما حازه الرجل من رساميل رمزية ومادية، وما أنتجه، أو ساهم في إنتاجه، من أوضاع ومآلات رحمانية. فمن يكون القائد العيادي؟
أولا:ميلاد القائد
هو ميلود بن الهاشمي بن مبارك بن محمد بنزاوية الذي اشتهر باسم القائد العيادي (1880-1964)، ينتمي إلى فخدة الشلالكة الواقعة غرب أربعاء الصخور،ينحدر من اسرة مخزنية تقلب أفرادها في عدد من المناصب المخزنية المحلية، كان محاربا كوالده الهاشمي بن مبارك الذي اشتهر كرجل حرب خلال الحركات الحسنية ، وكان يعمل كرقاص (ساعي البريد) بين ابن عمه الشيخ أحمد بن محمد الكراوي والقائد عبد الحميد الرحماني بمراكش، وبممارسة هذه المهنة تمكن العيادي من التعرف على بعض أسرار الخدمة المخزنية.
لكن المصادر تشير إلى أن الرجل كان يمتهن الزطاطة واللصوصية من حين لأخر، ألم يقل عبد الأحد السبتي بان الزطاطة تعني رسم المرور، الذي يحصله الخواص أو ممثلو السلطان، وسواء كانت الحماية بالخفر أو بإقامة النزايل فان التحصيل يتطور إلى ابتزاز ؟إلى الدرجة التي تتهاوى فيها الفروق والحدود بين الزطاط وقاطع الطريق، ولعل هذا ما دفع ماكسويل لاعتباره “قاطع طريق محترف”، وهو ما يذهب إليه فردريك وايسجربر الذي يخبرنا أن العيادي “ كان من قبل قاطع طريق شديد البأس ، فتعقل تم صار يرتبط بسلطاتنا العسكرية.
من “الرقاص” الى الزطاط/قاطع الطريق”فالقائدية أخيرا، ينكتب مسار غير عاد لرجل خبر الحرب وتفاعل مع معطيات الحركية المجالية والسياسية لقبيلتهن واستفاد قبلا من الثروة الرمزية والمادية لأسرته التي تقلبت في الخدمة المخزنية، وان على صعيد المشيخة،الشيء الذي سيساهم في إنتاج القائدية أخيرا كمآل مبرر بعدد من الشروط والرساميل الفردية والعائلية والقبلية.
لكن ما سيقوده إلى هذه القائدية ، بخلاف أسلافه، هو الانتقال من المحلي إلى الوطني، وذلك بنوع من التدرج ، وهو انتقال فرضه الانتماء إلى مجال محكوم بالتحالف والتهديد والعبور المخزني (المحلة أو الحركة) والقبلي. لهذا وجد العيادي نفسه يتحالف مع الكندافي بعد تآمر عليه كل من المتوكي والكلاوي نتم سيكون مطلوبا منه أن يبرز قوته لما دعاه المخزن، وباقي القياد الكبار،الى مواجهة تمرد الروكي بوحمارة، منتقلا الى تازة التي تعرضت فيها القبائل الحوزية للهزيمة يوم 22 دجنبر 1902.
إلا أن تأييد العيادي للمولى عبد الحفيظ في حلف يضم القائد المدني الكلاوي أيضا سيكون المدخل الرئيس لتوطيد القائدية واعادة بنائها، خصوصا في اللحظة التي هاجمت فيها الرحامنة وكلاوة، ومن ينتمي إليهما في إطار الحلف الحفيظي، المحلة العزيزية التي كانت متوجهة إلى مراكش، وذلك يوم 20 غشت 1908، حيث تم إرغامها على التراجع إلى الشاوية، وهو ما كان سببا رئيسا في سطوع نجم المولى عبد الحفيظ، الذي لم يتردد في تعيين العيادي قائدا بموجب ظهير شريف مؤرخ في الخامس من يناير 1909.
لكن هذا التعيين الرسمي لم يكن يحمل إيذانا ببسط النفوذ على مجموع تراب الرحامنة، فالمولى عبد الحفيظ عمد إلى تعيين قياد آخرين بالرحامنة، بمعنى انه عين منافسين/أعداء احتياطيين للرجل ومنهم على وجه الخصوص القائد عبد السلام البربوشي، وهو ما لم يكن ليستسيغه العيادي، ولا حتى باقي منافسيه، فالزمن آنئذ يقتضي “القيادة الكبرى”، وتحديدا في مجال متاخم لقواد كبار كالكلاوي والمتوكي والكندافي والعبدي.
القائد البربوشي سيحاول، وفقا لهذا الطرح، أن ينتهي من منافسه العيادي وهو ما جعله بمساعدة كلاوة، يغير عليه في قصبته المسماة ”القليعة” التي انتهبها وحاول تهديمها، فما كان من العيادي إلا أن فر إلى مراكش ، ليعيد حساباته من جديد ، ويغير من أدائه السياسي والاجتماعي، خصوصا وان المستعمر الفرنسي قد حل بالبلاد . وهو المستعمر الذي ينتصر لسياسة التهدئة عن طريق تدعيم القياد الكبار.
لهذا لم يكن القائد العيادي ليتموقع ضد الاستعمار ، بل كان من أصفيائه الذين منحتهم فرنسا ” وسام الشجعان” اعترافا بدوره بتيسير الدخول الفرنسي إلى مراكش ، ونظرا لهذه المكانة التي بات يحتلها لدى المستعمر فقد دعي الى اجتماع القياد الكبار مع المقيم العام ،وذلك يوم 11 أكتوبر بمراكش 1911، وهو الاجتماع الذي حضره العبدي والكلاوي والمتوكي والكندافي وعشرة قياد آخرين من الجنوب.
وكما باقي القياد الكبار الذين كانوا يتنافسون على إظهار الخدمة والقرب، فقد شارك إلى جانب المتوكي والكلاوي والكندافي في ملاحقة جيش احمد الهيبة إلى مدينة تارودانت سنة 1913، هذه الخدمات المتتالية التي قدمها للمستعمر ستجعله سنة 1919 يحظى بــ ”وسام التقدير” من الحكومة الفرنسية ويستدعي على اثر ذلك لحضور احتفالات النصر بباريس في الرابع عشر من يوليوز من نفس السنة.
لكن عقلية “الزطاط/قاطع الطريق” لم تغادره بالمرة، لهذا كانت قراراته تحتمل المد والجزر، والفعل ورد الفعل، لهذا سيقرأ القائد العيادي الرسالة مبكرا، وسيرى بأنه من غير المأمون الاستمرار في خدمة المستعمر ومجاراة الكلاوي. فابتداء من خمسينيات القرن الفائت سيرفض العيادي التسليم بواقع تنصيب سلطان جديد هو محمد بن عرفة، وسينظم “حركة” في نفس يوم التنصيب إلى مراكش واجه فيها رجال الكلاوي.
هذا الموقف سيكون له دور بارز في إعادة بناء وإنتاج الوجاهة الاجتماعية لأنجاله وأحفاده في مغرب الاستقلال وسيمسح جانبا من “جبروت” القائد وتحالفه مع المستعمر،لدى صناع القرار على الأقل،وبسبب إقدام فرنسا على اعتقاله ونفيه تم فرض الإقامة الإجبارية عليه بمدينة الدار البيضاء فان الكثير من التمثلات السابقة سوف تتعرض لإعادة الصياغة . لكن بالمقابل ستستمر تمثلات أخرى ترى فيها “ظالما وقاطع طريق “مازالت تحافظ على اشتغالها في المجال الرحماني،انه منطق التمثل والتمثل المضاد،الذي يكاد يحضر باستمرار في الحديث عن الشخصيات التي كان لها دور ما في خلخلة البنية الاجتماعية. فعندما نتأمل هذه العيطة الحوزية مثلا،نلاحظ مدحا لفضائل القائد العيادي.
هزيت عيني ليك يا ربي
وحطيت عيني وافرح قلبي
دوزها قايد القياد
دوزها القايد العيادي
وكملها حجة في النبي
مول القفطان الكبريتي
لحكاما بالفيريتي
مول الشراجم الشبية
مول الثريات الوردية
ورا الخادم تمشي وتجي
ورا العبد يعيط سيدي
ورا اولادو كيف البيزان
ورا اعبيدو كيف الجديان
وياك قايدي في البيرو
واللي بغاتو ليام تديرو
صايك العودة بالمجدول
ولا حسدتوه ديرو كيفو
* عبد الرحيم العطري (الرحامنة القبيلة بين المخزن والزاوية)-.2012