حاوره: عبد الله الحيمر
يحاول الروائي برهان شاوي رصد تحولات المجتمع العراقي على مدى أربعة قرون كما يسعى لفهم تاريخ الألم البشري. في هذا الحوار يتحدث عن علاقته بالرواية وعن طقوس الكتابة.
■ من قراءة رواياتك، نشعر بثقل القلق الوجودي في داخلك المؤثث بالعزلة والكآبة والبحث في المأساة الميتافيزيقية للإنسان. كيف تشكل الخروج من دهاليز الكوابيس الوجودية عبر الكتابة؟
□ رواياتي هي ثمار العزلة، وفي عزلتي أموضع ذاتي وأسئلتها، بل أموضع وعيي الذاتي وأتوغل في ثوابتي وقناعاتي مفككاً ومشككاً، وأعيد تشكيل قناعاتي، لكن ليس احتكاما إلى وعي الذاتي وتجاربي الذاتية والفكرية حسب، وإنما احتكاما إلى تجارب الآخرين من الأوادم والحواءات الذين يشكلون النماذج الحقيقية لشخصياتي الروائية متماهيا مع قلقهم الوجودي ومع رعشة المأساة الوجودية التي تسري في أعماقهم.
■ كيف تنظر للعلاقة الجدلية بين الرواية والتاريخ، هل هناك تقاطع أم علاقة بنيوية؟ أم بمعنى أن الرواية هي التاريخ بحد ذاته؟
□ التأريخ هو تأريخ والرواية هي رواية. يمكن للأخيرة أن تستمد الأحداث التاريخية وتعيد بناءها بشكل سردي روائي، لاسيما في (الرواية التاريخية) ذات الموضوع التاريخي مثل «الحرب والسلم» لليو تولستوي، لكن يمكن للرواية أن تعبر عن روح العصر وتحولاته من خلال حكاية ما تجري في زمن التحولات التاريخية فتكون معبرة عن تلك الأحداث التاريخية، دون أن تكون رواية تاريخية وثائقية. ونجد هذا النوع عند ستندال في رواية «صومعة بارما» و«الأحمر والأسود» وعند فلوبير في «التربية العاطفية» و«سلمبو» وفي «البؤساء» لهوغو، وفي ثلاثية نجيب محفوظ أو في (اللاز) للطاهر وطار وخماسية «مدن الملح» لعبد الرحمن منيف. وهناك نماذج كثيرة، لكن في رأيي أن الرواية حتى إذا لم تقترب من الأحداث التاريخية بشكل مباشر وإنما تعبّر عن حكاية ما في جغرافيا وزمان ما، فإنها بالضرورة تؤرخ لعصرها من خلال الخطاب السردي وما يحمله من إشارات وأيقونات ورموز، ناهيك من أن الخطاب الروائي هو في الجوهر تأريخ لغوي.
■ كيف استقبل النقاد العرب نظرتك عن الرواية السينمائية كجنس أدبي مستحدث بالمشهد العربي الروائي؟
□ وضع عنوان فرعي لروايتي الأولى بأنها (رواية سينمائية) أثار الاستغراب. والحقيقة أنني ومن خلال دراستي الأكاديمية لفن السينما في موسكو، وبالتحديد تخصصي في السيناريو وعلوم السينما، حاولت أن أضع مصطلحا جديدا يقرّب الأدب من السينما، لاسيما وأنا قد كتبت روايتي تلك مستخدماً كل جماليات اللغة السينمائية، سواء في الوصف أو بناء حركة السرد أو في بنية الأحداث ونمو الحبكة والانتقالات الدقيقة في الزمان والمكان، وهو ما يسمى بالمونتاج، وبالمناسبة فإن هناك الكثير من (الروايات) الأدبية المعروفة لكتّاب عرب معروفين هي في الحقيقة (روايات سينمائية) لكن نظرتنا السلبية للأدب السينمائي ولفن السينما وجهلنا بأصول كتابة (السيناريو) الأدبي، يدفعنا إلى أن نستغرب استخدام مصطلح (رواية سينمائية) في نص روائي سردي
■ سؤال المتاهة كمفهوم روائي عندك، كيف يتشكل أسطوريا وحداثيا؟ وما سبب هذا الهوس الجنوني بالمتاهة بسبع روايات لحد الآن؟
□ بدأت في كتابة متاهتي الأولى «متاهة آدم» وبعد الانتهاء منها وجدت أنني لم أفِ الشخصيات الروائية حقها، لذلك كرست للشخصية الأنثوية الرئيسية «حواء المؤمن» رواية كاملة هي متاهتي الثانية. «متاهة حواء» تتبعت فيها تحولاتها الروحية وتوغلها في متاهتها حتى نهايتها المضيئة، ثم رجعت مرة أخرى إلى نهاية متاهتي الأولى، لأنطلق مجددا مع الشخصية الذكورية فيها وهو «آدم التائه» في متاهة ثالثة هي «متاهة قابيل». وواصلت حكاية هذه الشخصية إلى أن أقفلت الدائر عليه في متاهتي الرابعة «متاهة الأشباح»، لكنني عدت لأنطلق مع شخصيتين نسويتين أخريين هما «حواء الكرخي» و«حواء ذو النورين» جاءتا من المتاهة الثالثة «متاهة قابيل»، لأواصل معهما متاهتي الخامسة «متاهة إبليس». وفي هذه المتاهة التي تجري معظم أحداثها في دمشق وفلورنسا، بل وفي فلورنسا بالتحديد، وبالقرب من بيت دانتي أليغيري نفسه وكأنما انكشف ستار ثقيل من أمام عيني الثالثة التي في الأعماق، إذ اكتشفت سر «جحيم « دانتي أليغيري بطبقاته التسع، فقررت أن تكون متاهاتي تسع طبقات أيضاً. والغريب أنني انتبهت إلى أنني لاشعوريا بنيت معمار المتاهات على شكل طبقات متصاعدة. إلى الآن أنجزت سبع متاهات منشورة، وبدأت في متاهتي الثامنة وسأختمها بمتاهتي التاسعة.
■ كيف ترى متاهة الإنسان العربي؟ بين الحداثة والفكر السلفي؟
□ آفاق الحداثة أمام الإنسان العربي ضيقة، فعلى الرغم من دخول التكنولوجيا إلى الحياة العربية إلى حد ما إلا أن الحداثة الاجتماعية أجهضت منذ عقود، وانطلقت السلفية مستخدمة آخر منجزات هذه التكنولوجيا لتنشر وتكرس وجودها الاجتماعي والسياسي، أي أن تطور التكنولوجيا سهل انتشار الفكر السلفي وأعاق الحداثة الاجتماعية والفكرية والسياسية. وأبسط مثال على ذلك هو هذا الكم من الفضائيات العربية السلفية بشكل مباشر والمقنعة بشكل غير مباشر، بل إن علوم الحاسوب والاتصالات باتت تستخدم بشكل بارع لنشر الفكر السلفي. إذن الحداثة برمزيتها في التكنولوجيا الغربية لم تحمل شيئا من خطاب الحداثة، بل على العكس ساهمت في استنهاض الماضي السلفي وأعادت إلى الحاضر السومبي الراقد في الكتب الصفراء.
لذا أعتقد أن الحداثة الحقيقية تبدأ من إعادة قراءة وتفكيك الماضي والتراث، تفكيك المقدس ونصوصه، وأنسنة التاريخ المقدس برمته، فقد كان جذر الحداثة الأوروبية هو أنسنة المقدس بكل جوانبه، بدءا من السيد المسيح نفسه، وإذا لم يتم ذلك فسنبقى في عصر الخلفاء وما قبله، الحداثة تبدأ بإنسنة المقدس.
■ أنت آت من حضارة بلاد الرافدين الطينية، التي شكلت الوعي الإنساني نحو الكون عن طريق الكتابة والأسطورة. كيف استحضرت هذا التراث الإنساني المشكل من المحو والخراب ،وكيف تستلهم منه بلا وعي روائيا؟
□ أنا ابن هذه الأساطير، أساطير الأولين ووريث كل تاريخ العنف هذا الذي مرت به بلاد ما بين النهرين، لا أدري فعلا إن كان للشعب العراقي الحالي علاقة بناس تلك الحضارات الموغلة في القدم، فأنا أشك في كل الدعاوى القومية والشعبوية العنصرية التي تدعي الانحدار من أصول وسلالات وتتبجح بنقاء الدماء، وكل هذا الهذيان العصابي الفردي والجمعي، لكنني لا أنكر أن أبناء الجغرافيا الثابتة يرثون شيئا جينيا ربما يبرز في أشكالهم أو عاداتهم أو أزيائهم أو مأكولاتهم ولغتهم. وبالنسبة لي باعتباري أنتمي لجغرافيا محددة، فأنا استطيع الإنصات لأنين الناس في الأغاني العراقية الحزينة، في ذلك الشجن الذي يكمن في المواويل العراقية، وفي طبيعة الشخصية العراقية الحارة التي تحب بعنف وتكره بعنف، المتناقضة، تراوغ وتنافق وتتملق، والطيبة إلى حد السذاجة، والتي تنسى بسرعة، وكل تلك السمات التي شخصها الراحل عالم الاجتماع علي الوردي. هذا التاريخ العنيف والدامي كثيرا ما يشكل هذا اللاوعي الجمعي والفردي للإنسان العراقي شاء أم أبى، أنا ابن تاريخ العنف والخراب العراقي وأعي ذلك.
■ كيف تنبعث شخصية «آدم البغدادي» في معظــم رواياتك ـ كسارد رمـــــزي ومعــــنوي في إطار كينونة الرواية؟
□ «آدم البغدادي» هو السارد الأول في متاهتي الأولى «متاهة آدم»، هو الكاتب الأول الذي يكتب رواية «متاهة آدم ـ السقوط إلى الأعلى» عن الكاتب آدم التائه وزوجته حواء المؤمن، الذي بدوره يكتب رواية بعنوان «متاهة آدم ـ المرأة المجهولة» عن الكاتب المهندس آدم المطرود وحبيبته حواء الصايغ، لكن الكاتب الأول «آدم البغدادي» يُقتل في نهاية متاهتي الأولى «متاهة آدم» إلا أنه يبقى حاضراً من خلال مخطوطاته التي ينقذها صديقه آدم المحروم، لذا تتناسل الروايات لاحقا استناداً لمخطوطات الكاتب القتيل «آدم البغدادي» وبدقة أكبر فإنه غير مجود كسارد بعد «متاهة آدم» إلا برمزيته وحضوره من خلال المخطوطات التي أنقذها صديقه، إلى أن نجد له حضوراً فعليا بعد أن تتمرد عليه إحدى شخصياته وهو الكاتب آدم التائه الذي كان بطلاً في «متاهة آدم» ليكتب هو بدوره رواية بطلها «آدم البغدادي» وذلك في متاهتي الرابعة «متاهة الأشباح». في متاهاتي هناك 122 آدم و77 حواء فأنا لا أركز على شخص بعينه.
■ كيف تنظر للرواية المغاربية؟
□ أعتقد أنها تحتل ركنا واضحا في المشهد الروائي العربي، سواء من خلال نتاج الكاتبات والكتّاب المغاربة، أو من خلال ترشح روايات مغربية لأهم الجوائز الروائية العربية.
القدس العربي .
يحاول الروائي برهان شاوي رصد تحولات المجتمع العراقي على مدى أربعة قرون كما يسعى لفهم تاريخ الألم البشري. في هذا الحوار يتحدث عن علاقته بالرواية وعن طقوس الكتابة.
■ من قراءة رواياتك، نشعر بثقل القلق الوجودي في داخلك المؤثث بالعزلة والكآبة والبحث في المأساة الميتافيزيقية للإنسان. كيف تشكل الخروج من دهاليز الكوابيس الوجودية عبر الكتابة؟
□ رواياتي هي ثمار العزلة، وفي عزلتي أموضع ذاتي وأسئلتها، بل أموضع وعيي الذاتي وأتوغل في ثوابتي وقناعاتي مفككاً ومشككاً، وأعيد تشكيل قناعاتي، لكن ليس احتكاما إلى وعي الذاتي وتجاربي الذاتية والفكرية حسب، وإنما احتكاما إلى تجارب الآخرين من الأوادم والحواءات الذين يشكلون النماذج الحقيقية لشخصياتي الروائية متماهيا مع قلقهم الوجودي ومع رعشة المأساة الوجودية التي تسري في أعماقهم.
■ كيف تنظر للعلاقة الجدلية بين الرواية والتاريخ، هل هناك تقاطع أم علاقة بنيوية؟ أم بمعنى أن الرواية هي التاريخ بحد ذاته؟
□ التأريخ هو تأريخ والرواية هي رواية. يمكن للأخيرة أن تستمد الأحداث التاريخية وتعيد بناءها بشكل سردي روائي، لاسيما في (الرواية التاريخية) ذات الموضوع التاريخي مثل «الحرب والسلم» لليو تولستوي، لكن يمكن للرواية أن تعبر عن روح العصر وتحولاته من خلال حكاية ما تجري في زمن التحولات التاريخية فتكون معبرة عن تلك الأحداث التاريخية، دون أن تكون رواية تاريخية وثائقية. ونجد هذا النوع عند ستندال في رواية «صومعة بارما» و«الأحمر والأسود» وعند فلوبير في «التربية العاطفية» و«سلمبو» وفي «البؤساء» لهوغو، وفي ثلاثية نجيب محفوظ أو في (اللاز) للطاهر وطار وخماسية «مدن الملح» لعبد الرحمن منيف. وهناك نماذج كثيرة، لكن في رأيي أن الرواية حتى إذا لم تقترب من الأحداث التاريخية بشكل مباشر وإنما تعبّر عن حكاية ما في جغرافيا وزمان ما، فإنها بالضرورة تؤرخ لعصرها من خلال الخطاب السردي وما يحمله من إشارات وأيقونات ورموز، ناهيك من أن الخطاب الروائي هو في الجوهر تأريخ لغوي.
■ كيف استقبل النقاد العرب نظرتك عن الرواية السينمائية كجنس أدبي مستحدث بالمشهد العربي الروائي؟
□ وضع عنوان فرعي لروايتي الأولى بأنها (رواية سينمائية) أثار الاستغراب. والحقيقة أنني ومن خلال دراستي الأكاديمية لفن السينما في موسكو، وبالتحديد تخصصي في السيناريو وعلوم السينما، حاولت أن أضع مصطلحا جديدا يقرّب الأدب من السينما، لاسيما وأنا قد كتبت روايتي تلك مستخدماً كل جماليات اللغة السينمائية، سواء في الوصف أو بناء حركة السرد أو في بنية الأحداث ونمو الحبكة والانتقالات الدقيقة في الزمان والمكان، وهو ما يسمى بالمونتاج، وبالمناسبة فإن هناك الكثير من (الروايات) الأدبية المعروفة لكتّاب عرب معروفين هي في الحقيقة (روايات سينمائية) لكن نظرتنا السلبية للأدب السينمائي ولفن السينما وجهلنا بأصول كتابة (السيناريو) الأدبي، يدفعنا إلى أن نستغرب استخدام مصطلح (رواية سينمائية) في نص روائي سردي
■ سؤال المتاهة كمفهوم روائي عندك، كيف يتشكل أسطوريا وحداثيا؟ وما سبب هذا الهوس الجنوني بالمتاهة بسبع روايات لحد الآن؟
□ بدأت في كتابة متاهتي الأولى «متاهة آدم» وبعد الانتهاء منها وجدت أنني لم أفِ الشخصيات الروائية حقها، لذلك كرست للشخصية الأنثوية الرئيسية «حواء المؤمن» رواية كاملة هي متاهتي الثانية. «متاهة حواء» تتبعت فيها تحولاتها الروحية وتوغلها في متاهتها حتى نهايتها المضيئة، ثم رجعت مرة أخرى إلى نهاية متاهتي الأولى، لأنطلق مجددا مع الشخصية الذكورية فيها وهو «آدم التائه» في متاهة ثالثة هي «متاهة قابيل». وواصلت حكاية هذه الشخصية إلى أن أقفلت الدائر عليه في متاهتي الرابعة «متاهة الأشباح»، لكنني عدت لأنطلق مع شخصيتين نسويتين أخريين هما «حواء الكرخي» و«حواء ذو النورين» جاءتا من المتاهة الثالثة «متاهة قابيل»، لأواصل معهما متاهتي الخامسة «متاهة إبليس». وفي هذه المتاهة التي تجري معظم أحداثها في دمشق وفلورنسا، بل وفي فلورنسا بالتحديد، وبالقرب من بيت دانتي أليغيري نفسه وكأنما انكشف ستار ثقيل من أمام عيني الثالثة التي في الأعماق، إذ اكتشفت سر «جحيم « دانتي أليغيري بطبقاته التسع، فقررت أن تكون متاهاتي تسع طبقات أيضاً. والغريب أنني انتبهت إلى أنني لاشعوريا بنيت معمار المتاهات على شكل طبقات متصاعدة. إلى الآن أنجزت سبع متاهات منشورة، وبدأت في متاهتي الثامنة وسأختمها بمتاهتي التاسعة.
■ كيف ترى متاهة الإنسان العربي؟ بين الحداثة والفكر السلفي؟
□ آفاق الحداثة أمام الإنسان العربي ضيقة، فعلى الرغم من دخول التكنولوجيا إلى الحياة العربية إلى حد ما إلا أن الحداثة الاجتماعية أجهضت منذ عقود، وانطلقت السلفية مستخدمة آخر منجزات هذه التكنولوجيا لتنشر وتكرس وجودها الاجتماعي والسياسي، أي أن تطور التكنولوجيا سهل انتشار الفكر السلفي وأعاق الحداثة الاجتماعية والفكرية والسياسية. وأبسط مثال على ذلك هو هذا الكم من الفضائيات العربية السلفية بشكل مباشر والمقنعة بشكل غير مباشر، بل إن علوم الحاسوب والاتصالات باتت تستخدم بشكل بارع لنشر الفكر السلفي. إذن الحداثة برمزيتها في التكنولوجيا الغربية لم تحمل شيئا من خطاب الحداثة، بل على العكس ساهمت في استنهاض الماضي السلفي وأعادت إلى الحاضر السومبي الراقد في الكتب الصفراء.
لذا أعتقد أن الحداثة الحقيقية تبدأ من إعادة قراءة وتفكيك الماضي والتراث، تفكيك المقدس ونصوصه، وأنسنة التاريخ المقدس برمته، فقد كان جذر الحداثة الأوروبية هو أنسنة المقدس بكل جوانبه، بدءا من السيد المسيح نفسه، وإذا لم يتم ذلك فسنبقى في عصر الخلفاء وما قبله، الحداثة تبدأ بإنسنة المقدس.
■ أنت آت من حضارة بلاد الرافدين الطينية، التي شكلت الوعي الإنساني نحو الكون عن طريق الكتابة والأسطورة. كيف استحضرت هذا التراث الإنساني المشكل من المحو والخراب ،وكيف تستلهم منه بلا وعي روائيا؟
□ أنا ابن هذه الأساطير، أساطير الأولين ووريث كل تاريخ العنف هذا الذي مرت به بلاد ما بين النهرين، لا أدري فعلا إن كان للشعب العراقي الحالي علاقة بناس تلك الحضارات الموغلة في القدم، فأنا أشك في كل الدعاوى القومية والشعبوية العنصرية التي تدعي الانحدار من أصول وسلالات وتتبجح بنقاء الدماء، وكل هذا الهذيان العصابي الفردي والجمعي، لكنني لا أنكر أن أبناء الجغرافيا الثابتة يرثون شيئا جينيا ربما يبرز في أشكالهم أو عاداتهم أو أزيائهم أو مأكولاتهم ولغتهم. وبالنسبة لي باعتباري أنتمي لجغرافيا محددة، فأنا استطيع الإنصات لأنين الناس في الأغاني العراقية الحزينة، في ذلك الشجن الذي يكمن في المواويل العراقية، وفي طبيعة الشخصية العراقية الحارة التي تحب بعنف وتكره بعنف، المتناقضة، تراوغ وتنافق وتتملق، والطيبة إلى حد السذاجة، والتي تنسى بسرعة، وكل تلك السمات التي شخصها الراحل عالم الاجتماع علي الوردي. هذا التاريخ العنيف والدامي كثيرا ما يشكل هذا اللاوعي الجمعي والفردي للإنسان العراقي شاء أم أبى، أنا ابن تاريخ العنف والخراب العراقي وأعي ذلك.
■ كيف تنبعث شخصية «آدم البغدادي» في معظــم رواياتك ـ كسارد رمـــــزي ومعــــنوي في إطار كينونة الرواية؟
□ «آدم البغدادي» هو السارد الأول في متاهتي الأولى «متاهة آدم»، هو الكاتب الأول الذي يكتب رواية «متاهة آدم ـ السقوط إلى الأعلى» عن الكاتب آدم التائه وزوجته حواء المؤمن، الذي بدوره يكتب رواية بعنوان «متاهة آدم ـ المرأة المجهولة» عن الكاتب المهندس آدم المطرود وحبيبته حواء الصايغ، لكن الكاتب الأول «آدم البغدادي» يُقتل في نهاية متاهتي الأولى «متاهة آدم» إلا أنه يبقى حاضراً من خلال مخطوطاته التي ينقذها صديقه آدم المحروم، لذا تتناسل الروايات لاحقا استناداً لمخطوطات الكاتب القتيل «آدم البغدادي» وبدقة أكبر فإنه غير مجود كسارد بعد «متاهة آدم» إلا برمزيته وحضوره من خلال المخطوطات التي أنقذها صديقه، إلى أن نجد له حضوراً فعليا بعد أن تتمرد عليه إحدى شخصياته وهو الكاتب آدم التائه الذي كان بطلاً في «متاهة آدم» ليكتب هو بدوره رواية بطلها «آدم البغدادي» وذلك في متاهتي الرابعة «متاهة الأشباح». في متاهاتي هناك 122 آدم و77 حواء فأنا لا أركز على شخص بعينه.
■ كيف تنظر للرواية المغاربية؟
□ أعتقد أنها تحتل ركنا واضحا في المشهد الروائي العربي، سواء من خلال نتاج الكاتبات والكتّاب المغاربة، أو من خلال ترشح روايات مغربية لأهم الجوائز الروائية العربية.
القدس العربي .