تعد مادة النظريات الاجتماعية المعاصرة من أهم المواد العلمية التي يدرسها طلبة علم الاجتماع في مرحلتي الليسانس والدراسات العليا، وأهميتها لا تكمن في مجالها النظري والأكاديمي فحسب، بل تكمن أيضاً في مجالها البراغماتي والتطبيقي.
يستفيد الطالب من مادة النظريات حين يقوم بتوظيف المقولات النظرية ( لنظرية ما ) في دراسته أو بحثه أو أطروحته من خلال تصميم إطار نظري يحدد الهوية العلمية للدراسة وبالأخص تساؤلاتها ومنطلقاتها الفكرية والمبدئية، كما تنطوي أيضاً على تقنيات عملية وإجرائية من شأنها أن تحدد المداخل المنهجية للدراسة وكيفية اقترابها وتناولها وتقصيها للمعلومات والحقائق من الواقع الاجتماعي، بالإضافة إلى توضيح سبل الربط بين عناصر البحث لكي تتسم الدراسة بوحدة الموضوع والهدف.
- الهدف من وراء هذا الدرس: في حقيقة الأمر، يسعى هذا الدرس إلى تحقيق مجموعة من الأهداف لكي يستفيد منها الطالب، وهي كالآتي:[/HEADING]
ويقال عن النظرية بأنها " ضرورة من ضرورات العلم " لماذا ؟ لأن الحقائق التي نصل إليها عن طريق التجارب العلمية أو عن طريق الملاحظة لا يمكن أن نتركها مبعثرة غير متماسكة، بل إن الفكر الإنساني يحاول دائماً أن يجمع بينها ولم ّ شملها في نظام واحد متناسق يربط أجراءها ويجعل منها وحدة متصلة التفكير. هذه الوحدات المتصلة من الحقائق والأقوال هي ما يسمى بالنظرية العلمية. والنظريات العلمية في تطور مستمر، فهي تنمو بنمو البشرية وترتقي بارتقائها.
ويقول الدكتور " علي ليلة أستاذ النظرية السوسيولوجية " في كتابه (بناء النظرية الاجتماعية) " يشكل ظهور النظرية في بناء العلم دالة على نضج بنائه الفكري واكتماله، وبرغم أن النظرية هو المكون الأخير الذي يكتمل به بناء العلم، إلا أنها تظل الوحدة القادرة على منح العلم هويته. وهي المفهوم الفعال القادر على توجيه إنجازات العلم وحركته في دراسة الظواهر التي تشكل مجال فاعليته وإطار بحثه وإدراكه ".
إن هدف العلم هو الوصول إلى تحقيق ثلاثة أشياء رئيسية تتعلق بمادته أو موضوعه، الوصف والتفسير والتنبؤ ( أي وصف الظاهرة وتفسيرها والتنبؤ بما يترتب عليها ) وهذه العمليات الثلاث تفسر بوضوح السبب في كون " النظرية " هي المدخل الأولي لأي علم، فعملية الوصف تعني ببساطة ملاحظة الظاهرة وتسجيل هذه الملاحظات بانتظام، ولكن هذا يتطلب أن يكون لدى الباحث أساساً نظرياً أو منطقياً يستند عليه, وهنا يأتي دور النظرية، فعملية التفسير إنما تتم على أساس نظري، وهدف النظرية هو تفسير للعلاقات المتداخلة للظاهرة والهدف من هذه العملية بالطبع هو نفس الهدف الأسمى للعلم وهو التنبؤ، أي توقع الحدث أو نتائجه المستقبلية.
1- تعريف النظرية: تُعرف النظرية لغةً: بأنها مصطلح مشتق من الكلمة الثلاثية نَظَرَ، ومعناها التأمل أثناء التفكير بشيء ما.
* نظرية: (اسم) الجمع : نظريّات.
- النّظَرِيَّةُ: قضيَّة تُثْبَت صحَّتُها بحجَّةٍ ودليل أو برهان.
- النَّظَرِيَّةُ ( في الفلسفة ): طائفةٌ من الآراء تُفَسِّرُ بها بعض القضايا.
- نظريَّة المَعرِفة: ( الفلسفة والتصوُّف ) البحث في المشكلات القائمة على العلاقة بين الشّخص والموضوع، أو بين العارف والمعروف، وفي وسائل المعرفة الفطريّة أو المكتسبة.
أما اصطلاحاً: فتعرف بقواعد ومبادئ تُستخدم لوصف شيء ما، سواء أكان علمياً، أم فلسفياً، أم معرفياً، أم أدبياً، وقد تثبت هذه النظرية حقيقة معيّنة، أو تساهم في بناء فكر جديد، ومن التعريفات الاصطلاحية الأخرى للنظرية: هي دراسة لموضوع معين دراسة عقلانية ومنطقية، من أجل استنتاج مجموعة من النتائج التي تساهم في تعزيز الفكرة الرئيسية التي تُبنى عليها النظرية.
2- تعريف النظرية العلمية: تمثل النظرية العلمية أهمية بالغة في البحث العلمية بصفة عامة. وتتحدد على أساسها هوية أي علم من العلوم. فالنظرية هي التي تحدد موضوع العلم وتنظم عملياته وأدواره واتجاهاته. وبذلك تختلف النظرية عن المنهج العلمي الذي يعتبر أساساً واحداً لكل العلوم الطبيعية والإنسانية مع اختلاف الإجراءات والأدوات باختلاف الظاهرة محل الدراسة. فعلى سبيل المثال تعد الملاحظة خطوة أساسية في كل بحث علمي، طبيعي أو إنساني ولكن تختلف أدوات الملاحظة، ففي الكيمياء يستعين الباحث بالمجهر وفي علم الاجتماع يستخدم دليل أو كراسة الملاحظة.
ويتفق كثير من العلماء والدارسين على أن النظرية تمثل نسقاً فكرياً متسقاً حول ظاهرة أو مجموعة من الظواهر المتجانسة. تسعى إلى توضيح العلاقة بين الوقائع وتنظمها بشكل له معنى. وتُعريف النظرية العلمية " بأنها عبارة عن إطار فكري يفسر مجموعة من الحقائق العلمية، ويضعها في نسق علمي مترابط ".
وفي النهاية يمكننا القول " إن النظرية نشاط إبداعي ومنطقي موجه إلى فهم أو تفسير صور الارتباط المنطقي بين مجموعة من القوانين الاستقرائية الصادقة الخاصة بمجال ما من مجالات العلم وبالأخص الطبيعة ".
كما أنها تُستخدم في أغلب مجالات العلوم، وتعتبر نظرية علم الطبيعة من أول النظريات العلمية التي اهتمت بدراسة مكونات الطبيعة بالاعتماد على مجموعة من الملاحظات، والدراسات العلمية المحتوية على أبحاث واكتشافات أدت إلى ظهور مجموعة مِن النظريات العلمية في العديد من أنواع العلوم، مثل: النظريات الطبية التي تهتم بالبحث في الأمراض وطرق علاجها ". ويمكننا القول إن كل نظرية تستند إلى مجموعة من القضايا يجب أن تتوافر فيها شروط معينة حتى نطلق عليها صفة العلمية، من أهمها:
أ- الإيجاز: يجب أن تكون النظرية العلمية موجزة في التعبير عن الحقائق التي تشتمل عليها، وفي بيان الغرض الذي وضعت من أجله.
ب- الشمول: يجب أن تشتمل النظرية على جميع الحقائق الفرعية التي تنطوي عليها، وأن تفسر أكبر عدد من الظواهر. فنظرية دوركايم في الانتحار مثلاً تشتمل على الكثير من الحقائق الفرعية، وتعمل على تفسيرها جميعاً.
ج- الانفراد: يجب أن تنفرد النظرية بتفسير الحقائق التي تشتمل عليها. فوجود نظرية أخرى تفسر نفس الحقائق التي تفسرها النظرية الأولى يضعف الأهمية العلمية للنظريتين. ويُلاحظ أن تقدم الدراسة والبحث في موضوع ما يؤدي إلى اختفاء ظاهرة التفاوت الكبير بين النظريات.
د- القدرة على التنبؤ: يجب أن تساعد النظرية العلمية على التنبؤ بما يحدث للظواهر المختلفة قبل حدوثها، فإذا ظهر أن هذه التنبؤات صحيحة ازدادت قوةً ويقيناً.
4- وظائف النظرية العلمية: في حقيقة الأمر تقوم النظرية العلمية بتسع وظائف في النسق العلمي، وهي كالآتي:
الأولى: التفسير أو الفهم بإدراك الأسباب التي بمقتضاها تحدث الظواهر، أو إدراك العلاقات بين الظواهر.
الثانية: إثراء العلم بعلاقات ومفاهيم وقوانين جديدة تنبع من النظرية العلمية. فكل مفهوم يتضمن خبرة اجتماعية وعلمية طويلة، وهو بمثابة تلخيص لكثير من الحقائق التي تشتمل عليها النظرية العلمية.
الثالثة: التحقق من صدق القوانين الجديدة المنبثقة استدلالاً· عن البناء المنطقي للنظرية، فبعد خروج قوانين جديدة منها نرجع إليها للتحقق من صحة الجديد.
الرابعة: بيان الحدود التقريبية لصدق القوانين التي جاءت النظرية من أجل تفسيرها، فالنظرية مركبة من مجموعة من القوانين، قد لا تُعلم حدودها إلا بالنظرية العامة.
الخامسة: تحدد النظرية ميادين الدراسة في مختلف العلوم، كما تحدد نوع الحقائق التي ينبغي أن يتجه إليها الباحث في ميدان دراسته. وبدون النظرية تتداخل ميادين البحث، وتتلاشى الحدود التي تفصلها عن بعضها البعض. مثال ذلك: فالظاهرة الواحدة يمكن أن ينظر إليها من زوايا مختلفة. مثل دراسة ظاهرة استخدام الموبايل.
- عالم الاجتماع: يدرسه من ناحية تأثيره في قضاء الناس لأوقات فراغهم وأثره على العلاقات الاجتماعية.
- عالم النفس: يدرسه من حيث تأثير برامجه في سلوك الأفراد وحالته النفسية.
- عالم الاقتصاد: يدرسه كإحدى السلع المتأثرة بقانون العرض والطلب الإنفاق على شراء الموبايل.
- عالم الفيزيولوجيا: يدرس أثر أشعة الموبايل على أداء أعضاء الجسم لوظائفه وظهور بعض الأمراض بسبب الاستخدام المتزايد.
وهكذا نجد أن كل باحث درس موضوع الموبايل حسب تخصصه، ووفق النظريات التي يسترشد بها في بحثه، والتي تحدد ميدان دراسته.
السادسة: تكشف عن مدى القصور في المعارف العلمية. لأنها بتلخيصها للحقائق العلمية المعروفة تشير إلى النواحي التي لم تبحث من قبل. وهذه النواحي قد تكشف عن حقائق لها دلالتها العلمية إذا خضعت للبحث العلمي الدقيق. مثال ذلك: العلاقة القائمة بين الجريمة والطبقة الاجتماعية. يرى أحد الباحثين ( سذرلاند ) أن النظرية في هذا المجال لا تحيط إلا بجرائم المحترفين. إلا أنه كشف عن نوع آخر من الجرائم الذي أطلق عليه اسم الجرائم الخاصة وهي خرق القانون السائد في الطبقات الغنية مادياً، إلا أن المجتمع يحترم الأغنياء ومن ثم يتسامح معهم.
السابعة: تقوم النظرية بتلخيص الكثير من الحقائق العلمية وتصنيفها وإيجاد العلاقات بينها.
الثامنة: تساعد النظرية على التنبؤ بما يمكن أن يحدث للظواهر المختلفة تحت ظروف معينة وأساس التنبؤ هو الانتقال من الحالات المعلولة إلى الحالات المجهولة أو الحالات المشابهة. مثال ذلك: فالنظرية الإيكولوجية في الجريمة مثلاً تقول إنه خلال عمليات التحضر ونمو المدن، تظهر مراكز تجمع في مناطق معينة تسودها التقاليد والقيم الإجرامية وهو ما أطلق عليه " كليفورد شو " اسم شقة الجريمة التي تتميز بالمباني المتهالكة والازدحام بالسكان وقربها من الأحياء الصناعية والتجارية، مما يؤدي إلى ضعف الوازع القيمي يجعلها أكثر عرضةً لخرق القانون. هذه النظرية تساعد على التنبؤ بما قد يحدث من مشكلات في مناطق المدينة الناشئة خلال عملية التحضر.
التاسعة: الاستفادة بالنظريات العلمية في مجال التطبيق. وبفضلها يستطيع الإنسان أن يتحكم في ظواهر الطبيعة المختلفة، ويوجهها لخدمة الإنسانية ويتنبأ بالمشكلات قبل حدوثها، ويضع أفضل الحلول لمواجهتها.
- ملاحظة يجب أن نلفت الانتباه إليها أن النظريات العلمية في مجال العلوم الإنسانية ليست مسلمات يقنع الباحث بصحتها بل قضايا قابلة للتمحيص الميداني قد يؤكدها وقد ينفيها وقد يعدلها وفقاً للزمان والمكان. بسبب أن الطبيعة البشرية دائمة التغير والتبدل ومن الصعوبة إخضاعها للتجريب المعملي كما هو الحال بالنسبة للعلوم الطبيعية. وهذا يعني أن النظرية العلمية في مجال العلوم الطبيعية تتضمن كل جوانب المعرفة العلمية المطلوبة، بينما في النظرية السوسيولوجية تعتبر جزءاً من المعرفة السوسيولوجية المطلوبة.
[HR][/HR]
· استنتاج قضية مجهولة من قضية، أو من عدة قضايا معلومة. أو: هو التوصل إلى حكم تصديقي مجهول بواسطة حكم تصديقي معلوم، أو بملاحظة حكمين فأكثر من الأحكام التصديقية المعلومة.
د. حسام الدين فياض
الأستاذ المساعد في النظرية الاجتماعية المعاصرة
قسم علم الاجتماع كلية الآداب في جامعة ماردين- حلب سابقاً
يستفيد الطالب من مادة النظريات حين يقوم بتوظيف المقولات النظرية ( لنظرية ما ) في دراسته أو بحثه أو أطروحته من خلال تصميم إطار نظري يحدد الهوية العلمية للدراسة وبالأخص تساؤلاتها ومنطلقاتها الفكرية والمبدئية، كما تنطوي أيضاً على تقنيات عملية وإجرائية من شأنها أن تحدد المداخل المنهجية للدراسة وكيفية اقترابها وتناولها وتقصيها للمعلومات والحقائق من الواقع الاجتماعي، بالإضافة إلى توضيح سبل الربط بين عناصر البحث لكي تتسم الدراسة بوحدة الموضوع والهدف.
- الهدف من وراء هذا الدرس: في حقيقة الأمر، يسعى هذا الدرس إلى تحقيق مجموعة من الأهداف لكي يستفيد منها الطالب، وهي كالآتي:[/HEADING]
- تشجيعه على القيام بدور إيجابي في الاطلاع والمناقشة في مجال النظرية السوسيولوجية.
- واختبار معلوماتها وفتح آفاق فكرية علمية جديدة ذات طبيعة سوسيولوجية لتفسير الظواهر الاجتماعية.
- وأخيراً اكتساب الطالب مهارات أساسية في تعامله مع معطيات الواقع الاجتماعي المعاصر. وذلك من خلال تنمية القدرة للطالب، على ما يلي:
- التحليل: أي معرفة الأسباب والعوامل التي أدت إلى حدوث الظاهرة الاجتماعية والقدرة على فهم المناقشات الدائرة حول المسائل المطروحة في ضوء الشواهد والبراهين المتاحة.
- التفسير: أي فهم المتغيرات الفاعلة في حدوث الظواهر والمشكلات السوسيولوجية سواء على المستويين البنائي أو التأويلي.
- التطبيق: أي القدرة على إنجاز الإطار النظري للبحث من خلال تطبيق المقولات النظرية المناسبة حسب طبيعة الدراسة و زاوية الاقتراب من الواقع الاجتماعي.
- التقييم: أي تقييم النتائج واقتراح الحلول المناسبة.
ويقال عن النظرية بأنها " ضرورة من ضرورات العلم " لماذا ؟ لأن الحقائق التي نصل إليها عن طريق التجارب العلمية أو عن طريق الملاحظة لا يمكن أن نتركها مبعثرة غير متماسكة، بل إن الفكر الإنساني يحاول دائماً أن يجمع بينها ولم ّ شملها في نظام واحد متناسق يربط أجراءها ويجعل منها وحدة متصلة التفكير. هذه الوحدات المتصلة من الحقائق والأقوال هي ما يسمى بالنظرية العلمية. والنظريات العلمية في تطور مستمر، فهي تنمو بنمو البشرية وترتقي بارتقائها.
ويقول الدكتور " علي ليلة أستاذ النظرية السوسيولوجية " في كتابه (بناء النظرية الاجتماعية) " يشكل ظهور النظرية في بناء العلم دالة على نضج بنائه الفكري واكتماله، وبرغم أن النظرية هو المكون الأخير الذي يكتمل به بناء العلم، إلا أنها تظل الوحدة القادرة على منح العلم هويته. وهي المفهوم الفعال القادر على توجيه إنجازات العلم وحركته في دراسة الظواهر التي تشكل مجال فاعليته وإطار بحثه وإدراكه ".
إن هدف العلم هو الوصول إلى تحقيق ثلاثة أشياء رئيسية تتعلق بمادته أو موضوعه، الوصف والتفسير والتنبؤ ( أي وصف الظاهرة وتفسيرها والتنبؤ بما يترتب عليها ) وهذه العمليات الثلاث تفسر بوضوح السبب في كون " النظرية " هي المدخل الأولي لأي علم، فعملية الوصف تعني ببساطة ملاحظة الظاهرة وتسجيل هذه الملاحظات بانتظام، ولكن هذا يتطلب أن يكون لدى الباحث أساساً نظرياً أو منطقياً يستند عليه, وهنا يأتي دور النظرية، فعملية التفسير إنما تتم على أساس نظري، وهدف النظرية هو تفسير للعلاقات المتداخلة للظاهرة والهدف من هذه العملية بالطبع هو نفس الهدف الأسمى للعلم وهو التنبؤ، أي توقع الحدث أو نتائجه المستقبلية.
1- تعريف النظرية: تُعرف النظرية لغةً: بأنها مصطلح مشتق من الكلمة الثلاثية نَظَرَ، ومعناها التأمل أثناء التفكير بشيء ما.
* نظرية: (اسم) الجمع : نظريّات.
- النّظَرِيَّةُ: قضيَّة تُثْبَت صحَّتُها بحجَّةٍ ودليل أو برهان.
- النَّظَرِيَّةُ ( في الفلسفة ): طائفةٌ من الآراء تُفَسِّرُ بها بعض القضايا.
- نظريَّة المَعرِفة: ( الفلسفة والتصوُّف ) البحث في المشكلات القائمة على العلاقة بين الشّخص والموضوع، أو بين العارف والمعروف، وفي وسائل المعرفة الفطريّة أو المكتسبة.
أما اصطلاحاً: فتعرف بقواعد ومبادئ تُستخدم لوصف شيء ما، سواء أكان علمياً، أم فلسفياً، أم معرفياً، أم أدبياً، وقد تثبت هذه النظرية حقيقة معيّنة، أو تساهم في بناء فكر جديد، ومن التعريفات الاصطلاحية الأخرى للنظرية: هي دراسة لموضوع معين دراسة عقلانية ومنطقية، من أجل استنتاج مجموعة من النتائج التي تساهم في تعزيز الفكرة الرئيسية التي تُبنى عليها النظرية.
2- تعريف النظرية العلمية: تمثل النظرية العلمية أهمية بالغة في البحث العلمية بصفة عامة. وتتحدد على أساسها هوية أي علم من العلوم. فالنظرية هي التي تحدد موضوع العلم وتنظم عملياته وأدواره واتجاهاته. وبذلك تختلف النظرية عن المنهج العلمي الذي يعتبر أساساً واحداً لكل العلوم الطبيعية والإنسانية مع اختلاف الإجراءات والأدوات باختلاف الظاهرة محل الدراسة. فعلى سبيل المثال تعد الملاحظة خطوة أساسية في كل بحث علمي، طبيعي أو إنساني ولكن تختلف أدوات الملاحظة، ففي الكيمياء يستعين الباحث بالمجهر وفي علم الاجتماع يستخدم دليل أو كراسة الملاحظة.
ويتفق كثير من العلماء والدارسين على أن النظرية تمثل نسقاً فكرياً متسقاً حول ظاهرة أو مجموعة من الظواهر المتجانسة. تسعى إلى توضيح العلاقة بين الوقائع وتنظمها بشكل له معنى. وتُعريف النظرية العلمية " بأنها عبارة عن إطار فكري يفسر مجموعة من الحقائق العلمية، ويضعها في نسق علمي مترابط ".
وفي النهاية يمكننا القول " إن النظرية نشاط إبداعي ومنطقي موجه إلى فهم أو تفسير صور الارتباط المنطقي بين مجموعة من القوانين الاستقرائية الصادقة الخاصة بمجال ما من مجالات العلم وبالأخص الطبيعة ".
كما أنها تُستخدم في أغلب مجالات العلوم، وتعتبر نظرية علم الطبيعة من أول النظريات العلمية التي اهتمت بدراسة مكونات الطبيعة بالاعتماد على مجموعة من الملاحظات، والدراسات العلمية المحتوية على أبحاث واكتشافات أدت إلى ظهور مجموعة مِن النظريات العلمية في العديد من أنواع العلوم، مثل: النظريات الطبية التي تهتم بالبحث في الأمراض وطرق علاجها ". ويمكننا القول إن كل نظرية تستند إلى مجموعة من القضايا يجب أن تتوافر فيها شروط معينة حتى نطلق عليها صفة العلمية، من أهمها:
- أن تكون القضايا مستندة إلى أفكار محددة تماماً.
- أن تكون القضايا متسقة مع بعضها البعض.
- أن تكون على صورة يمكن أن تستمد منها التعميمات بإتباع الأسلوب الاستقرائي.
- أن تكون القضايا المكونة للنظريات ذات فائدة بحيث يمكن أن تقود الباحثين إلى مزيد من الملاحظات والتعميمات لتوسيع نطاق المعرفة.
- أن تكون القضايا مترابطة مع بعضها البعض بطريقة علمية منظمة، بحيث تعمل على تحديد العلاقات السببية بين المتغيرات بهدف تفسير الظواهر والتنبؤ بها.
أ- الإيجاز: يجب أن تكون النظرية العلمية موجزة في التعبير عن الحقائق التي تشتمل عليها، وفي بيان الغرض الذي وضعت من أجله.
ب- الشمول: يجب أن تشتمل النظرية على جميع الحقائق الفرعية التي تنطوي عليها، وأن تفسر أكبر عدد من الظواهر. فنظرية دوركايم في الانتحار مثلاً تشتمل على الكثير من الحقائق الفرعية، وتعمل على تفسيرها جميعاً.
ج- الانفراد: يجب أن تنفرد النظرية بتفسير الحقائق التي تشتمل عليها. فوجود نظرية أخرى تفسر نفس الحقائق التي تفسرها النظرية الأولى يضعف الأهمية العلمية للنظريتين. ويُلاحظ أن تقدم الدراسة والبحث في موضوع ما يؤدي إلى اختفاء ظاهرة التفاوت الكبير بين النظريات.
د- القدرة على التنبؤ: يجب أن تساعد النظرية العلمية على التنبؤ بما يحدث للظواهر المختلفة قبل حدوثها، فإذا ظهر أن هذه التنبؤات صحيحة ازدادت قوةً ويقيناً.
4- وظائف النظرية العلمية: في حقيقة الأمر تقوم النظرية العلمية بتسع وظائف في النسق العلمي، وهي كالآتي:
الأولى: التفسير أو الفهم بإدراك الأسباب التي بمقتضاها تحدث الظواهر، أو إدراك العلاقات بين الظواهر.
الثانية: إثراء العلم بعلاقات ومفاهيم وقوانين جديدة تنبع من النظرية العلمية. فكل مفهوم يتضمن خبرة اجتماعية وعلمية طويلة، وهو بمثابة تلخيص لكثير من الحقائق التي تشتمل عليها النظرية العلمية.
الثالثة: التحقق من صدق القوانين الجديدة المنبثقة استدلالاً· عن البناء المنطقي للنظرية، فبعد خروج قوانين جديدة منها نرجع إليها للتحقق من صحة الجديد.
الرابعة: بيان الحدود التقريبية لصدق القوانين التي جاءت النظرية من أجل تفسيرها، فالنظرية مركبة من مجموعة من القوانين، قد لا تُعلم حدودها إلا بالنظرية العامة.
الخامسة: تحدد النظرية ميادين الدراسة في مختلف العلوم، كما تحدد نوع الحقائق التي ينبغي أن يتجه إليها الباحث في ميدان دراسته. وبدون النظرية تتداخل ميادين البحث، وتتلاشى الحدود التي تفصلها عن بعضها البعض. مثال ذلك: فالظاهرة الواحدة يمكن أن ينظر إليها من زوايا مختلفة. مثل دراسة ظاهرة استخدام الموبايل.
- عالم الاجتماع: يدرسه من ناحية تأثيره في قضاء الناس لأوقات فراغهم وأثره على العلاقات الاجتماعية.
- عالم النفس: يدرسه من حيث تأثير برامجه في سلوك الأفراد وحالته النفسية.
- عالم الاقتصاد: يدرسه كإحدى السلع المتأثرة بقانون العرض والطلب الإنفاق على شراء الموبايل.
- عالم الفيزيولوجيا: يدرس أثر أشعة الموبايل على أداء أعضاء الجسم لوظائفه وظهور بعض الأمراض بسبب الاستخدام المتزايد.
وهكذا نجد أن كل باحث درس موضوع الموبايل حسب تخصصه، ووفق النظريات التي يسترشد بها في بحثه، والتي تحدد ميدان دراسته.
السادسة: تكشف عن مدى القصور في المعارف العلمية. لأنها بتلخيصها للحقائق العلمية المعروفة تشير إلى النواحي التي لم تبحث من قبل. وهذه النواحي قد تكشف عن حقائق لها دلالتها العلمية إذا خضعت للبحث العلمي الدقيق. مثال ذلك: العلاقة القائمة بين الجريمة والطبقة الاجتماعية. يرى أحد الباحثين ( سذرلاند ) أن النظرية في هذا المجال لا تحيط إلا بجرائم المحترفين. إلا أنه كشف عن نوع آخر من الجرائم الذي أطلق عليه اسم الجرائم الخاصة وهي خرق القانون السائد في الطبقات الغنية مادياً، إلا أن المجتمع يحترم الأغنياء ومن ثم يتسامح معهم.
السابعة: تقوم النظرية بتلخيص الكثير من الحقائق العلمية وتصنيفها وإيجاد العلاقات بينها.
الثامنة: تساعد النظرية على التنبؤ بما يمكن أن يحدث للظواهر المختلفة تحت ظروف معينة وأساس التنبؤ هو الانتقال من الحالات المعلولة إلى الحالات المجهولة أو الحالات المشابهة. مثال ذلك: فالنظرية الإيكولوجية في الجريمة مثلاً تقول إنه خلال عمليات التحضر ونمو المدن، تظهر مراكز تجمع في مناطق معينة تسودها التقاليد والقيم الإجرامية وهو ما أطلق عليه " كليفورد شو " اسم شقة الجريمة التي تتميز بالمباني المتهالكة والازدحام بالسكان وقربها من الأحياء الصناعية والتجارية، مما يؤدي إلى ضعف الوازع القيمي يجعلها أكثر عرضةً لخرق القانون. هذه النظرية تساعد على التنبؤ بما قد يحدث من مشكلات في مناطق المدينة الناشئة خلال عملية التحضر.
التاسعة: الاستفادة بالنظريات العلمية في مجال التطبيق. وبفضلها يستطيع الإنسان أن يتحكم في ظواهر الطبيعة المختلفة، ويوجهها لخدمة الإنسانية ويتنبأ بالمشكلات قبل حدوثها، ويضع أفضل الحلول لمواجهتها.
- ملاحظة يجب أن نلفت الانتباه إليها أن النظريات العلمية في مجال العلوم الإنسانية ليست مسلمات يقنع الباحث بصحتها بل قضايا قابلة للتمحيص الميداني قد يؤكدها وقد ينفيها وقد يعدلها وفقاً للزمان والمكان. بسبب أن الطبيعة البشرية دائمة التغير والتبدل ومن الصعوبة إخضاعها للتجريب المعملي كما هو الحال بالنسبة للعلوم الطبيعية. وهذا يعني أن النظرية العلمية في مجال العلوم الطبيعية تتضمن كل جوانب المعرفة العلمية المطلوبة، بينما في النظرية السوسيولوجية تعتبر جزءاً من المعرفة السوسيولوجية المطلوبة.
[HR][/HR]
· استنتاج قضية مجهولة من قضية، أو من عدة قضايا معلومة. أو: هو التوصل إلى حكم تصديقي مجهول بواسطة حكم تصديقي معلوم، أو بملاحظة حكمين فأكثر من الأحكام التصديقية المعلومة.
د. حسام الدين فياض
الأستاذ المساعد في النظرية الاجتماعية المعاصرة
قسم علم الاجتماع كلية الآداب في جامعة ماردين- حلب سابقاً