النصّ الكبير يجب أن يكون تحليله، أيضًا كبير، ومستوفيًا لشروط النقد، بل وموائم لعمق مديات النص ذاته، وإلّا «كأنك يا أبا زيد ما غزيت».
والنص الشعري هذا الذي بين يديّ الآن، لشاعر عربي لأول مرة اقرأ له، وحقيقة صُدمت وأنا أتجوّل في ربوعه، إذ وجدته يرزح بجمال أخاذ ويحمل معانٍ سامية؛ النص للشاعر البشير عبيد من تونس الحبيبة. وقد تعرفت عليه، أو هو الذي تعرّف عليَّ، لا يهم، أنما الذي يهم هو إنّه تمت معرفة عن بُعد، والفضل يعود للتكنولوجيا الحديثة، والعلم الذي يسمو بنا - نحن بنو البشر- في كل يوم، بل في كل ساعة، وتحديدًا للشبكة العنكبوتية التي أخترعها وابدعها عقل الإنسان الجبّار؛ لاسيما العقل الغربي الذي مازال يغدق علينا - نحن الشعوب التي يُطلق علينا دول العالم الثالث- باكتشافاته واختراعاته وعلومه الإنسانية، على كافة الأصعدة؛ بينا نحن نعيش عصور ما قبل التاريخ، ونرزح تحت أعباء التراث، ونكيل التُهم للآخرين جزافاً، ونعتقد بأنهم يتآمرون علينا.
الذي اكتشفته في نص الموسوم "وحدهم يعبرون الجسر" – بعد أن قرأته أكثر من مرة – أنّه غارق بالبوح والوجد، وعائم ببحور من الصور الشعرية، والمعاني السيالة التي تدل على كون مبدع هذا النص، يتمتع بقابلية فذة في تطويع المفردة الجميلة وجعلها نديّة؛ وكذلك لسعة خيال كبيرة تسيح في أجواء شاسعة، لالتقاط التوهج ومن ثم ملمته داخل إطار مطواع، لرسم تلك الصورة السامقة التي خطط لها الشاعر قبل الخوض في تفاصيل أخرى، داخل النص السائر باتجاه واحد، في خطوط عائمة بعمق دلالاته الرمزية.
إذ نقرأ له:
"يرحلون بإتجاه الغيم الآتي
من ذاكرة القرى الهاربة من التيه
يحملون حقيبة تلو أخرى ذاهلين
من جدار عتيق تداعى
و احلام فتية تبعثرت في الروابي
لم تكن الشفاه جاهزة للهمسات"
الصورة هذه مكتفية بذاتها، معربة عن جزالة في المعنى، ومُعبرة عن تراكمات تريد أن تبوح بتفاصيل أكثر، ولها ابعاد شامخة لعمق النفس المعرفية لخطاب النص الشعري.
وفي هذه المناسبة، قلت في إحدى دراساته لنصوص سبقت هذا النص ما يلي: "الشاعر دائمًا ما يتعامل بالخيال، فالذي يمتلك خيالاً واسعًا، وحسًا مرهفًا، وغير ذلك مما هو معروف عن الشاعر، قديمًا وحديثا، لذلك تجده اكثر ابداعًا من سواه، اعني ممن يتعامل بالتأمل والخيال وبالعاطفة، ونستطيع أن نقول: هو عكس العالِم والفيلسوف والانسان المنتج، كالعامل والصانع، وبمعنى غير هذا المعنى، إنّ الشّاعر ادواته الخيال، ودائمًا ما تجده محدقا بالنجوم، ويعشق الليل، لأن الليل يصفّي ذهن الشاعر، مما تتكدس في مخيلته الهموم والاشجان وكذلك الحنين، ومن هتين الحالتين يبدأ ببث ولواعجه وشكواه، وعتبه على الزمن الذي فرقه عن الأحباب والأهل والأصدقاء، كأن، مثلا، يعيش في غربة، في مدن نائية، تجد هذا الشاعر ديدنه وسلوته الشعر- غالبا، فالشعر هنا يكون هو الصديق الأقرب لهذا الانسان الحساس المسمى بـ "الشاعر"، يجلس معه ويحاوره، واحيانا يتناول معه كأس الطلا، فهو بمعنى نديمه الذي لا يمله ولا يسأم من جلسته واحاديثه.
ونقرأ أيضًا من النص:
" العشاق لا تهمهم حرب هنا وعاصفة هناك
تلتقي الأجساد و الأرواح في الضفة الأخرى
من ذاكرة النور"
يُريد الشاعر أن يعود بنا القهقرة إلى التصوّف، هذا العالم الشاسع، الشامخ بالعطاء الروحي والنفسي معًا، الذي يعطيك الإحساس بالأمن والأمان، ويرسم لك صورة من نور الحقيقة الساطعة. يقول شمس الدين التبريزي في قاعدة من قواعده الصوفية: "من السهل أن تحب إلهاً يتصف بالكمال، والنقاء، والعصمة. لكن الأصعب من ذلك أن تحب إخوانك البشر بكل نقائصهم وعيوبهم. تذكر أن المرء لا يعرف إلا ما هو قادر على أن يحبّ، فلا حكمة من دون حبّ وما لم نتعلم كيف نحب خَلق الله، فلن نستطيع أن نحبَ حقاً ولن نعرف الله حقاً". (راجع: إليف شافاق، قواعد العشق الأربعون ص160، منشورات طوى، بترجمة خالد الجبيلي).
ونقرأ:
"ربما نسيت أو تناست امرأة النور
كيف تحكي لأولاد الزقاق العتيق
ملحمة الأجداد قبل هطول المطر الغزير
و انسحاب الغزاة الشقر من لهيب
المعركة"
هذا المقطع الزاخر بالصور المعطاء، والرمزية الباذخة، تعطينا دروسًا بالأنفس الباذلة مُهجها في سبيل الأرض التي تعني الأم، أيضا، الرؤوم الحاضنة أولادها وتسير بهم نحو الحياة المتدفقة الأمل، حيث تشق عُباب الصعاب بأقدام ثابتة، لا تهزها تلك الصعاب. فتوظيف الصور هنا، خصوصًا في هذا المقطع، كان الشاعر موفقا به أيما توفيق، إذ أوصل المعنى العميق الذي هو بصدد توصيله، بطريقة نرى بأنها كانت ضبابية من ناحية الموضوع ذاته، على اعتبار المعنى ذاهب إلى الحقيقة الموضوعية، الكامنة في روحية النص وذاتيته، فالأمر سائر باتجاه كشف واضع لابد أن يبوح فيه الشاعر لحقيقة كانت مرّة لواقع حزين؛ وقد وُفقَّ الشاعر بذلك.
*نص الشاعر*
وحدهم يعبرون الجسر
البشير عبيد
_____
يرحلون بإتجاه الغيم الآتي
من ذاكرة القرى الهاربة من التيه
يحملون حقيبة تلو أخرى ذاهلين
من جدار عتيق تداعى
و احلام فتية تبعثرت في الروابي
لم تكن الشفاه جاهزة للهمسات
في الخامس من تشرين تأخذنا الخطى
إلى ينابيع الظلال
و الشيخ الضرير يباغتهم بالحكمة الباذخة:
باقون هنا كالشجر السامق في الجنوب
لأحفادنا بهاء الفكرة و كبرياء المعنى
العشاق لا تهمهم حرب هنا و عاصفة هناك
تلتقي الأجساد و الأرواح في الضفة الأخرى
من ذاكرة النور
إنتصف الليل و لم يأت المدد
لا خوف لي من الأفق البعيد
الأحداق
الكوابيس
عشق الفتى للورقات المكتوبة بحبر
الانحياز
ذهاب العسكر الى حروب عبثية
خروج الشبيبة من حدود بلاد غابت عنها
اقواس الحقيقة
يرحلون إلى زمن تداعت فيه المرايا
و صارت نوافذ الضوء ملاذا
للعابرين
ربما نسيت أو تناست امرأة النور
كيف تحكي لأولاد الزقاق العتيق
ملحمة الأجداد قبل هطول المطر الغزير
و انسحاب الغزاة الشقر من لهيب
المعركة
يرحلون إلى مدن غابت عنها الينابيع
لم يكونوا فرسانا للكلام
أو عشاقا لانفلات الحبر في مدح النور الطالع
من قبو قديم
فرادى يعبرون الجسر قبل مرور العاصفة
لم ينسوا ذاكرة القرى
حقيبة الشيخ الضرير
موسيقى الجاز
ثمار الحديقة المنسية
وصايا الأم للطفل الشريد
حكايا الصبايا في ليلة ماطرة
إنتصف الليل و لم يكتمل العناق الطويل
طلع النهار و لم يأت المدد
ربما صار الجسد الهزيل مزارا
لمن ناموا في العراء
هنا ذاكرة المرايا و انفتاح الأقاليم
على الشجر الحزين و الينابيع
لعبور الجسر مباهج
و لاخضرار الروح طقوس و هواجس
فتيان القرى المنسية ٫كانوا وراء التلال
يحملون حقيبة تلو أخرى
لا شيء على الأكتاف
سوى حنين الأجساد للزقاق القديم
ذاكرة الأيام
هروب الفتية من صقيع الضواحي
كأنهم جاؤوا من زمن بعيد
و ارتماء الجسد في اليم العتيق
كان لزاما على الفتيان ان يعبروا الجسر
فرادى
هناك حذو العربات القديمة
تتعالى الأصوات
ترتبك الأصابع
تكتب الأنامل النشيد المشاكس
هنا قرب الشيخ الضرير٫تمر القوافل
معلنة ذهاب الكلام الذهبي إلى ضفة الرؤيا
إنتصف الليل و لم يكتمل العناق الطويل
صارت الأجساد كفاكهة الشتاء
و امطار زمن المماليك
سريعا تأتي العواصف
قبل عبور أولاد القرى الجسر المتاخم
للأنين
و متاهة المشهد
لا خوف للفتية من ضباع الشوارع
لا خوف للبلاد من ضباب مباغت...
تونس - 2022/11/23
والنص الشعري هذا الذي بين يديّ الآن، لشاعر عربي لأول مرة اقرأ له، وحقيقة صُدمت وأنا أتجوّل في ربوعه، إذ وجدته يرزح بجمال أخاذ ويحمل معانٍ سامية؛ النص للشاعر البشير عبيد من تونس الحبيبة. وقد تعرفت عليه، أو هو الذي تعرّف عليَّ، لا يهم، أنما الذي يهم هو إنّه تمت معرفة عن بُعد، والفضل يعود للتكنولوجيا الحديثة، والعلم الذي يسمو بنا - نحن بنو البشر- في كل يوم، بل في كل ساعة، وتحديدًا للشبكة العنكبوتية التي أخترعها وابدعها عقل الإنسان الجبّار؛ لاسيما العقل الغربي الذي مازال يغدق علينا - نحن الشعوب التي يُطلق علينا دول العالم الثالث- باكتشافاته واختراعاته وعلومه الإنسانية، على كافة الأصعدة؛ بينا نحن نعيش عصور ما قبل التاريخ، ونرزح تحت أعباء التراث، ونكيل التُهم للآخرين جزافاً، ونعتقد بأنهم يتآمرون علينا.
الذي اكتشفته في نص الموسوم "وحدهم يعبرون الجسر" – بعد أن قرأته أكثر من مرة – أنّه غارق بالبوح والوجد، وعائم ببحور من الصور الشعرية، والمعاني السيالة التي تدل على كون مبدع هذا النص، يتمتع بقابلية فذة في تطويع المفردة الجميلة وجعلها نديّة؛ وكذلك لسعة خيال كبيرة تسيح في أجواء شاسعة، لالتقاط التوهج ومن ثم ملمته داخل إطار مطواع، لرسم تلك الصورة السامقة التي خطط لها الشاعر قبل الخوض في تفاصيل أخرى، داخل النص السائر باتجاه واحد، في خطوط عائمة بعمق دلالاته الرمزية.
إذ نقرأ له:
"يرحلون بإتجاه الغيم الآتي
من ذاكرة القرى الهاربة من التيه
يحملون حقيبة تلو أخرى ذاهلين
من جدار عتيق تداعى
و احلام فتية تبعثرت في الروابي
لم تكن الشفاه جاهزة للهمسات"
الصورة هذه مكتفية بذاتها، معربة عن جزالة في المعنى، ومُعبرة عن تراكمات تريد أن تبوح بتفاصيل أكثر، ولها ابعاد شامخة لعمق النفس المعرفية لخطاب النص الشعري.
وفي هذه المناسبة، قلت في إحدى دراساته لنصوص سبقت هذا النص ما يلي: "الشاعر دائمًا ما يتعامل بالخيال، فالذي يمتلك خيالاً واسعًا، وحسًا مرهفًا، وغير ذلك مما هو معروف عن الشاعر، قديمًا وحديثا، لذلك تجده اكثر ابداعًا من سواه، اعني ممن يتعامل بالتأمل والخيال وبالعاطفة، ونستطيع أن نقول: هو عكس العالِم والفيلسوف والانسان المنتج، كالعامل والصانع، وبمعنى غير هذا المعنى، إنّ الشّاعر ادواته الخيال، ودائمًا ما تجده محدقا بالنجوم، ويعشق الليل، لأن الليل يصفّي ذهن الشاعر، مما تتكدس في مخيلته الهموم والاشجان وكذلك الحنين، ومن هتين الحالتين يبدأ ببث ولواعجه وشكواه، وعتبه على الزمن الذي فرقه عن الأحباب والأهل والأصدقاء، كأن، مثلا، يعيش في غربة، في مدن نائية، تجد هذا الشاعر ديدنه وسلوته الشعر- غالبا، فالشعر هنا يكون هو الصديق الأقرب لهذا الانسان الحساس المسمى بـ "الشاعر"، يجلس معه ويحاوره، واحيانا يتناول معه كأس الطلا، فهو بمعنى نديمه الذي لا يمله ولا يسأم من جلسته واحاديثه.
ونقرأ أيضًا من النص:
" العشاق لا تهمهم حرب هنا وعاصفة هناك
تلتقي الأجساد و الأرواح في الضفة الأخرى
من ذاكرة النور"
يُريد الشاعر أن يعود بنا القهقرة إلى التصوّف، هذا العالم الشاسع، الشامخ بالعطاء الروحي والنفسي معًا، الذي يعطيك الإحساس بالأمن والأمان، ويرسم لك صورة من نور الحقيقة الساطعة. يقول شمس الدين التبريزي في قاعدة من قواعده الصوفية: "من السهل أن تحب إلهاً يتصف بالكمال، والنقاء، والعصمة. لكن الأصعب من ذلك أن تحب إخوانك البشر بكل نقائصهم وعيوبهم. تذكر أن المرء لا يعرف إلا ما هو قادر على أن يحبّ، فلا حكمة من دون حبّ وما لم نتعلم كيف نحب خَلق الله، فلن نستطيع أن نحبَ حقاً ولن نعرف الله حقاً". (راجع: إليف شافاق، قواعد العشق الأربعون ص160، منشورات طوى، بترجمة خالد الجبيلي).
ونقرأ:
"ربما نسيت أو تناست امرأة النور
كيف تحكي لأولاد الزقاق العتيق
ملحمة الأجداد قبل هطول المطر الغزير
و انسحاب الغزاة الشقر من لهيب
المعركة"
هذا المقطع الزاخر بالصور المعطاء، والرمزية الباذخة، تعطينا دروسًا بالأنفس الباذلة مُهجها في سبيل الأرض التي تعني الأم، أيضا، الرؤوم الحاضنة أولادها وتسير بهم نحو الحياة المتدفقة الأمل، حيث تشق عُباب الصعاب بأقدام ثابتة، لا تهزها تلك الصعاب. فتوظيف الصور هنا، خصوصًا في هذا المقطع، كان الشاعر موفقا به أيما توفيق، إذ أوصل المعنى العميق الذي هو بصدد توصيله، بطريقة نرى بأنها كانت ضبابية من ناحية الموضوع ذاته، على اعتبار المعنى ذاهب إلى الحقيقة الموضوعية، الكامنة في روحية النص وذاتيته، فالأمر سائر باتجاه كشف واضع لابد أن يبوح فيه الشاعر لحقيقة كانت مرّة لواقع حزين؛ وقد وُفقَّ الشاعر بذلك.
*نص الشاعر*
وحدهم يعبرون الجسر
البشير عبيد
_____
يرحلون بإتجاه الغيم الآتي
من ذاكرة القرى الهاربة من التيه
يحملون حقيبة تلو أخرى ذاهلين
من جدار عتيق تداعى
و احلام فتية تبعثرت في الروابي
لم تكن الشفاه جاهزة للهمسات
في الخامس من تشرين تأخذنا الخطى
إلى ينابيع الظلال
و الشيخ الضرير يباغتهم بالحكمة الباذخة:
باقون هنا كالشجر السامق في الجنوب
لأحفادنا بهاء الفكرة و كبرياء المعنى
العشاق لا تهمهم حرب هنا و عاصفة هناك
تلتقي الأجساد و الأرواح في الضفة الأخرى
من ذاكرة النور
إنتصف الليل و لم يأت المدد
لا خوف لي من الأفق البعيد
الأحداق
الكوابيس
عشق الفتى للورقات المكتوبة بحبر
الانحياز
ذهاب العسكر الى حروب عبثية
خروج الشبيبة من حدود بلاد غابت عنها
اقواس الحقيقة
يرحلون إلى زمن تداعت فيه المرايا
و صارت نوافذ الضوء ملاذا
للعابرين
ربما نسيت أو تناست امرأة النور
كيف تحكي لأولاد الزقاق العتيق
ملحمة الأجداد قبل هطول المطر الغزير
و انسحاب الغزاة الشقر من لهيب
المعركة
يرحلون إلى مدن غابت عنها الينابيع
لم يكونوا فرسانا للكلام
أو عشاقا لانفلات الحبر في مدح النور الطالع
من قبو قديم
فرادى يعبرون الجسر قبل مرور العاصفة
لم ينسوا ذاكرة القرى
حقيبة الشيخ الضرير
موسيقى الجاز
ثمار الحديقة المنسية
وصايا الأم للطفل الشريد
حكايا الصبايا في ليلة ماطرة
إنتصف الليل و لم يكتمل العناق الطويل
طلع النهار و لم يأت المدد
ربما صار الجسد الهزيل مزارا
لمن ناموا في العراء
هنا ذاكرة المرايا و انفتاح الأقاليم
على الشجر الحزين و الينابيع
لعبور الجسر مباهج
و لاخضرار الروح طقوس و هواجس
فتيان القرى المنسية ٫كانوا وراء التلال
يحملون حقيبة تلو أخرى
لا شيء على الأكتاف
سوى حنين الأجساد للزقاق القديم
ذاكرة الأيام
هروب الفتية من صقيع الضواحي
كأنهم جاؤوا من زمن بعيد
و ارتماء الجسد في اليم العتيق
كان لزاما على الفتيان ان يعبروا الجسر
فرادى
هناك حذو العربات القديمة
تتعالى الأصوات
ترتبك الأصابع
تكتب الأنامل النشيد المشاكس
هنا قرب الشيخ الضرير٫تمر القوافل
معلنة ذهاب الكلام الذهبي إلى ضفة الرؤيا
إنتصف الليل و لم يكتمل العناق الطويل
صارت الأجساد كفاكهة الشتاء
و امطار زمن المماليك
سريعا تأتي العواصف
قبل عبور أولاد القرى الجسر المتاخم
للأنين
و متاهة المشهد
لا خوف للفتية من ضباع الشوارع
لا خوف للبلاد من ضباب مباغت...
تونس - 2022/11/23