تفرض علي مقتضيات النقد الصارمة في هذه القراءة التحليلية المتواضعة موضوعية حقة وحيادية تامة بعيدا عن أي تعصب وعاطفة .
بغية إنصاف الكاتب وما كتب وشخصية منجزه البطولية كونها ليست مجرد شخصية ورقية من اختلاقات الخيال.
لأحيك بعميق تمعني وخاص رؤاي وتبصري حكما عادلا على القيمة الفنية للنص من وجهة نظر أدبية محضة وذائقة جمالية صرف .
إذ تعتبر الشخصية البطولية للنص الممثلة في العلامة الصوفي محي الدين بن العربي من أكثر الشخصيات إثارة للجدل منذ القدم وإلى يوم الناس هذا .
إذ لا تزال تحظى بالكثير من التأييد والتهجم .
وإذ لا يليق في مثل هذا المقام السكوت وجب علي مشاركتكم حقيقة ما قيل فيه من قبل كبار أهل العلم الربانيين الموثوقين الذين عايشوه .
ومقاسمتكم ترجمة إمام علم الجرح والتعديل الإمام الذهبي رحمة الله عليه لشخصية بن العربي التي ضمنها تحفة سيره .
وأعرج بحديث مقتضب حول اللجان المانحة للجوائز الأدبية العالمية الكبرى والمعايير التقييمية المعتمدة لديها ومن وجهة نظر خاصة أيضا .
لا تستغربوا إن أرخ ملهم من بلاد التوحيد لأحد كبار المتصوفة وقطب من أقطابهم .
فلا الإبداع حكر على أرض دون غيرها ولا للإلهام جنسيات ولا أعشاش تخص عقول أهلها .
فما الموهبة إلا فضل من الله يؤتيه من يشاء ممن هو حري بها .
ما أكثر من كتبوا عن الصوفية وأحوال المتشبعين بعقائدها لكن ما أقل من برعوا في رصد تفاصيل روحانياتها .
بعض الكتب تخدعنا شهرتها فتعقبها نصوص قيمة تفضح خديعة ذيوع صيتها .
مثلا في ميزان النقد الأدبي إذا ما وضعنا في إحدى كفتيه رواية قواعد العشق الأربعون الشهيرة وفي الكفة الأخرى تحفة موت صغير فإن كفة الأولى تطيش لخفة مضمونها مقارنة بمضمون ما رجح بها
رغم كونهما يتناولان موضوعا واحدا ألا وهو الصوفية وسير كبار مشاهيرها .
في تحفة موت صغير يروي لنا الكاتب السعودي الملهم محمد حسن علوان كيفما كان الحكم ينتقل كالمال من يد إلى يد بين الموحدين والأيوبيين والعباسيين والسلاجقة فيما ظلت روح محي الدين ابن العربي بعيدة عن أي تأثير برغبتها الجموح في ارتقاء المدارج ونهج المسالك والسبل .
من سالك إلى مريد إلى عارف إلى قطب من الأقطاب .
بعدما تلقن مناهج تطهير القلب من قبل أوتاده الأربعة .
ناذرا حياته للسفر والخلوات والترحال تتقاذفه الخوانق والمدن والسبل من أقصى مغرب المسلمين إلى أقصى مشرقهم .
خريطة ترحال جغرافية لا مفتاح لها غير رمزية انتقاله بين المقامات الصوفية الروحانية رغم عظيم ما عاناه وكابده من وشايات الفقهاء وتدابير السفهاء .
ظل مسافرا لا يلقي عصى الترحال إلا لماما
ذارعا حواري فاس وأزقة القاهرة وشعاب مكة وحارات حلب وأحياء بغداد .
جاب كسندباد البحار والمدن والقرى والقفار من الأندلس إلى المغرب وبجاية بالجزائر ومكة ومصر والعراق والشام .
على آيادي كبار المتصوفة من ذوي الكرامات والزهد والبركات كالخياط والحصار ونظام والتبريزي تلقى نعما إلهية سخية ومعارفا علوية وأسرارا قدسية وألطافا خفية .
يرافقه كظله كل من خادميه ومريديه بدر وسودكين .
كل أولئك من صحبه الأخيار ومشايخه الكبار عرفهم فمضوا واستأنست روحه بحبهم فتخلوا رافقهم فرحلوا بعد أن خلفوه وحيدا بين الأغراب كطير غريد خارج الأسراب .
وإذ باتت حياته في غيابهم أكثر مشقة من الموت أسلم الروح بدمشق وفيها ووري التراب .
روح سامية كسحابة صافية ذاقت طوال حياتها شتى الكشوفات ولذات المواجيد والأحوال تبوح لنا بسر من أسرارها المكنونة الخبيئة بأن الحب موت صغير وأن الموت منذ الأزل أضيق من سم الخياط في حين ألا سقف كفاية للحب .
إن الكاتب السعودي محمد حسن علوان صاحب صنعة أدبية قيمة وذائقة فنية مائزة لا يضام في عبقريته الفذة .
وإن كانت للكلمة الواحدة عديد الأوجه وحمالة لأكثر من معنى فلا يمكنني تبرأته من تعاطفه البين مع شخصيته البطولية وهو ينفي عنها عقيدة الحلول والإتحاد .
وقد اختلق لنا ثالوثا طبقيا من الفقهاء والفلاسفة تعلوهما طبقة المتصوفة الزهاد بخاصة كشفها وعلمها اللدني الباطني المزعوم .
كقوله مثلا : إن الفلاسفة أصحاب فكر واستدلال
والفقهاء أصحاب اتباع وامتثال
أما المتصوفة فأصحاب ذوق وحال
وأن الفقيه يقرأ فيقول بما فهمه من مقروئه
والفيلسوف يفكر فيقول بما استنتجه من استدلاله
أما الصوفي فيخلو إلى ربه فيقول بما كشفه الله له .
في حين يتبين لنا الخيط الأبيض من الأسود من خلال ماسرد الإمام الذهبي في سيره ما خص به ترجمة بن العربي قائلا :
لا ريب أن كثيرا من عباراته له تأويل إلا كتاب ( الفصوص ) .
من أردء تواليفه كتاب ( الفصوص ) فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر نسأل الله العفو والنجاة فواغوثاه بالله .
عن العلامة بن دقيق العيد انه سمع الشيخ العز بن عبد السلام يقول عن بن العربي : شيخ سوء كذاب يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا . إنتهى قوله رحمه الله .
بودي الآن أن أسال : لو كتب محمد حسن علوان نصا اجمل من نص موت صغير في غير موضوعه هل كان ليتوج بجائزة البوكر العالمية لعام ٢٠١٧ م ؟
انا جازم بأن المعايير المعتمدة لدى اللجان المانحة للجوائز الأدبية العالمية جميعها لا تتبنى في الحقيقة إلا مبدأ يتيما هو موافقة التوجه .
أخيرا أقول :
كل تصوف يحفظ للعقيدة نقاءها
ويذيب ماحاط بالعقول من التجمد
ويذهب عنها صدأ الجهالة والتبلد
حب نصرف عن ظواهر أقواله خواطرنا
إلى بواطنها حيث مكنون أسرارها
حيث ترتجى صحة الفهم واستعذاب لذة الزهد وحقيقة التعبد .
وخلاصة الفطرة مفادها :
أن قول الحلول من علة الفهوم وفسادها
وقول العقول بالإتحاد دليل على فراغها
وأيما عبادة مهما تسامقت صروحها
دون حب صوفي يعمرها
برهان على خرابها .
الخلود للأرواح المتيمة بحب خالقها
وإن قضى الموت على الأجساد بفنائها .
جمعي شايبي.
بغية إنصاف الكاتب وما كتب وشخصية منجزه البطولية كونها ليست مجرد شخصية ورقية من اختلاقات الخيال.
لأحيك بعميق تمعني وخاص رؤاي وتبصري حكما عادلا على القيمة الفنية للنص من وجهة نظر أدبية محضة وذائقة جمالية صرف .
إذ تعتبر الشخصية البطولية للنص الممثلة في العلامة الصوفي محي الدين بن العربي من أكثر الشخصيات إثارة للجدل منذ القدم وإلى يوم الناس هذا .
إذ لا تزال تحظى بالكثير من التأييد والتهجم .
وإذ لا يليق في مثل هذا المقام السكوت وجب علي مشاركتكم حقيقة ما قيل فيه من قبل كبار أهل العلم الربانيين الموثوقين الذين عايشوه .
ومقاسمتكم ترجمة إمام علم الجرح والتعديل الإمام الذهبي رحمة الله عليه لشخصية بن العربي التي ضمنها تحفة سيره .
وأعرج بحديث مقتضب حول اللجان المانحة للجوائز الأدبية العالمية الكبرى والمعايير التقييمية المعتمدة لديها ومن وجهة نظر خاصة أيضا .
لا تستغربوا إن أرخ ملهم من بلاد التوحيد لأحد كبار المتصوفة وقطب من أقطابهم .
فلا الإبداع حكر على أرض دون غيرها ولا للإلهام جنسيات ولا أعشاش تخص عقول أهلها .
فما الموهبة إلا فضل من الله يؤتيه من يشاء ممن هو حري بها .
ما أكثر من كتبوا عن الصوفية وأحوال المتشبعين بعقائدها لكن ما أقل من برعوا في رصد تفاصيل روحانياتها .
بعض الكتب تخدعنا شهرتها فتعقبها نصوص قيمة تفضح خديعة ذيوع صيتها .
مثلا في ميزان النقد الأدبي إذا ما وضعنا في إحدى كفتيه رواية قواعد العشق الأربعون الشهيرة وفي الكفة الأخرى تحفة موت صغير فإن كفة الأولى تطيش لخفة مضمونها مقارنة بمضمون ما رجح بها
رغم كونهما يتناولان موضوعا واحدا ألا وهو الصوفية وسير كبار مشاهيرها .
في تحفة موت صغير يروي لنا الكاتب السعودي الملهم محمد حسن علوان كيفما كان الحكم ينتقل كالمال من يد إلى يد بين الموحدين والأيوبيين والعباسيين والسلاجقة فيما ظلت روح محي الدين ابن العربي بعيدة عن أي تأثير برغبتها الجموح في ارتقاء المدارج ونهج المسالك والسبل .
من سالك إلى مريد إلى عارف إلى قطب من الأقطاب .
بعدما تلقن مناهج تطهير القلب من قبل أوتاده الأربعة .
ناذرا حياته للسفر والخلوات والترحال تتقاذفه الخوانق والمدن والسبل من أقصى مغرب المسلمين إلى أقصى مشرقهم .
خريطة ترحال جغرافية لا مفتاح لها غير رمزية انتقاله بين المقامات الصوفية الروحانية رغم عظيم ما عاناه وكابده من وشايات الفقهاء وتدابير السفهاء .
ظل مسافرا لا يلقي عصى الترحال إلا لماما
ذارعا حواري فاس وأزقة القاهرة وشعاب مكة وحارات حلب وأحياء بغداد .
جاب كسندباد البحار والمدن والقرى والقفار من الأندلس إلى المغرب وبجاية بالجزائر ومكة ومصر والعراق والشام .
على آيادي كبار المتصوفة من ذوي الكرامات والزهد والبركات كالخياط والحصار ونظام والتبريزي تلقى نعما إلهية سخية ومعارفا علوية وأسرارا قدسية وألطافا خفية .
يرافقه كظله كل من خادميه ومريديه بدر وسودكين .
كل أولئك من صحبه الأخيار ومشايخه الكبار عرفهم فمضوا واستأنست روحه بحبهم فتخلوا رافقهم فرحلوا بعد أن خلفوه وحيدا بين الأغراب كطير غريد خارج الأسراب .
وإذ باتت حياته في غيابهم أكثر مشقة من الموت أسلم الروح بدمشق وفيها ووري التراب .
روح سامية كسحابة صافية ذاقت طوال حياتها شتى الكشوفات ولذات المواجيد والأحوال تبوح لنا بسر من أسرارها المكنونة الخبيئة بأن الحب موت صغير وأن الموت منذ الأزل أضيق من سم الخياط في حين ألا سقف كفاية للحب .
إن الكاتب السعودي محمد حسن علوان صاحب صنعة أدبية قيمة وذائقة فنية مائزة لا يضام في عبقريته الفذة .
وإن كانت للكلمة الواحدة عديد الأوجه وحمالة لأكثر من معنى فلا يمكنني تبرأته من تعاطفه البين مع شخصيته البطولية وهو ينفي عنها عقيدة الحلول والإتحاد .
وقد اختلق لنا ثالوثا طبقيا من الفقهاء والفلاسفة تعلوهما طبقة المتصوفة الزهاد بخاصة كشفها وعلمها اللدني الباطني المزعوم .
كقوله مثلا : إن الفلاسفة أصحاب فكر واستدلال
والفقهاء أصحاب اتباع وامتثال
أما المتصوفة فأصحاب ذوق وحال
وأن الفقيه يقرأ فيقول بما فهمه من مقروئه
والفيلسوف يفكر فيقول بما استنتجه من استدلاله
أما الصوفي فيخلو إلى ربه فيقول بما كشفه الله له .
في حين يتبين لنا الخيط الأبيض من الأسود من خلال ماسرد الإمام الذهبي في سيره ما خص به ترجمة بن العربي قائلا :
لا ريب أن كثيرا من عباراته له تأويل إلا كتاب ( الفصوص ) .
من أردء تواليفه كتاب ( الفصوص ) فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر نسأل الله العفو والنجاة فواغوثاه بالله .
عن العلامة بن دقيق العيد انه سمع الشيخ العز بن عبد السلام يقول عن بن العربي : شيخ سوء كذاب يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا . إنتهى قوله رحمه الله .
بودي الآن أن أسال : لو كتب محمد حسن علوان نصا اجمل من نص موت صغير في غير موضوعه هل كان ليتوج بجائزة البوكر العالمية لعام ٢٠١٧ م ؟
انا جازم بأن المعايير المعتمدة لدى اللجان المانحة للجوائز الأدبية العالمية جميعها لا تتبنى في الحقيقة إلا مبدأ يتيما هو موافقة التوجه .
أخيرا أقول :
كل تصوف يحفظ للعقيدة نقاءها
ويذيب ماحاط بالعقول من التجمد
ويذهب عنها صدأ الجهالة والتبلد
حب نصرف عن ظواهر أقواله خواطرنا
إلى بواطنها حيث مكنون أسرارها
حيث ترتجى صحة الفهم واستعذاب لذة الزهد وحقيقة التعبد .
وخلاصة الفطرة مفادها :
أن قول الحلول من علة الفهوم وفسادها
وقول العقول بالإتحاد دليل على فراغها
وأيما عبادة مهما تسامقت صروحها
دون حب صوفي يعمرها
برهان على خرابها .
الخلود للأرواح المتيمة بحب خالقها
وإن قضى الموت على الأجساد بفنائها .
جمعي شايبي.
