الشهر السادس
153 -أ- فجر اليوم (١٥٣) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : "ولا عمري أقول تحيا إسرائيل.. عندما قايضوا الطفل الغزاوي"
عندما اختلف الشنفرى مع قبيلته فضل عليها الصعلكة واصطحاب الحيوانات الشرسة والجوع ، وقال :
"ولي دونكم أهلون : سيد عملس / وأرقط زهلول وعرفاء جيأل ...
وأستف ترب الأرض كي لا يرى له / علي من الطول امرؤ متطول"
وعندما كان أحمد سارد رواية يحيى السسنوار " الشوك والقرنفل " طفلا لم يأكل اللحم في طفولته إلا في عرس خالته ، وحين قال لهم معلم الصف في يوم ماطر تخيلوا أن السماء تمطر لحما ورزا فرح ، وفرح أكثر يوم حصل على بطاقة تمكنه من الأكل في مطعم الوكالة تمنح للأطفال سييء التغذية من الأسر الفقيرة.
لم تمطر سماء غزة لحما ورزا ، ولذلك اضطر بعص أهلها ، في خمسينيات القرن ٢٠ ، أن يتسللوا إلى قراهم القريبة التي طردوا منها ، وأقيمت المستوطنات الإسرائيلية على أنقاضها ، ليبحثوا في مزابلها عن بقايا طعام.
في هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة جاع البشر وجاعت الحيوانات أيضا ، وعز الرغيف وأما اللحم الحلال فصار من السلع النادرة جدا وأفضل من الذهب ، وحين توفر القليل منه وطبخه كريم أو محسن أو ... إلخ خاطب الشاب طفلا ، ينتظر دوره ليحصل على القليل في هذه الأشهر العجاف ، طبعا في غزة ، طالبا منه ، لكي يخصه بقطعة لحم ، أن يقول :
- تحيا إسرائيل .
رد عليه الطفل :
- ولا عمري !
أي في عمري لن أقول :
- تحيا إسرائيل .
في هذه اليوميات كتبت :
ما متع إسرائيلي إلا بما جاع به فلسطيني .
في مقابل مدن الإسرائيليين ومستوطناتهم الجميلة المنظمة تقع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين البائسة الفقيرة التي تفتقد إلى أدنى تنظيم . منظر يسر الناظرين هناك ومنظر يسوؤهم هنا .
من قصائد محمود درويش الجميلة قصيدة " طللية البروة " ، التي تعقد على ثنائية القرية الفلسطينية الفقيرة المعدمة والمستوطنة الإسرائيلية ومصانعها الحديثة وشوارعها النظيفة العريضة الواسعة ، وحين يسأله مرافقه لزيارة القرية التي أقيم على أنقاضها كيبوتس ( يتسعور ) إن كان يرى الصنوبرة الطويلة ومصنع الألبان والطرق الحديثة فوق أنقاض البيوت ، يجيبه الشاعر :
- كلا . لا أرى إلا الغزالة في الشباك
- كلا لا أرى إلا الحديقة تحتها ، وأرى خيوط العنكبوت .
ما متع إسرائيلي إلا على إفقار فلسطيني وطرده من أرضه أو قتله ، وأستغفر الله لي ولكم .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٧ / ٣ / ٢٠٢٤
وما زالت الحرب مستمرة .
***
> 153 -ب- الحرب في شهرها السادس :
الحرب تدخل اليوم شهرها السادس ويومها المائة والثلاثة وخمسين ورمضان قاب قوسين وأدنى ولا دلائل على توقفها أو انتهائها ، وثمة صمت يشبه صمت الموتى وأغلب الظن أن أهل غزة فقط هم من يعيشون أجواءها وظلالها وكوابيسها وتبعاتها ، وأما بقية العالم فقد مل ، على ما يبدو ، متابعة أخبارها التي بدأت تخفت ويخفت ضجيجها يوما إثر يوم .
آخر شريط فيديو شاهدته يبدو فيه شاب غزاوي بيده كيس مساعدات أمريكية ، ولا أعرف لماذا ذكر اسم الأردن ، يعبر فيه عن رفضه مساعدات تأتي من دولة تزود إسرائيل بالأسلحة . وعدا أن المساعدات لم ترق له ، إذ لا يعرف ما هي بالضبط ، فقد وضعها في ظرف نايلون أسود وألقى بها في مكب النفايات / الحاوية . لقد رأى أن مكانها هو الحاوية فقط .
الأجواء في نابلس شتوية وباردة والأمطار تبدو ناعمة " مطر ناعم في شتاء يوشك على الرحيل " .
مقالي الأحد القادم لدفاتر الأيام الفلسطينية عنوانه " العالم بعيدا عن غزة والضفة الغربية " وفيه آتي على ما شاهدت الأوضاع عليه في أثناء سفري إلى سلطنة عمان لكي أشارك في ندوة عن " التشبث بالأرض في الأدب الفلسطيني " .
كثيرون يسألونني :
- كيف كانت الرحلة ؟
ما أخبثهم !
في يوم الاثنين أقلعت الطائرة من عمان إلى الدوحة ومن الدوحة إلى مسقط وقضيت النهار كله في المطارات والسيارات . مطار الملكة علياء ومطار الدوحة ومطار مسقط ، وفي يوم الجمعة الأول من آذار طرت من مسقط إلى الدوحة فمطار الملكة علياء ، وأنفقت النقود أجرة للفنادق الفخمة في مسقط والفنادق المعقولة في عمان ولم نسح ولم نتجول ولم نزر ولم ... ولم ... ولم . كما لو أنها سفرة عمل لصالح القضية - أي والله .
هل سيشعر الإسرائيليون ، في غزة ، بالضجر فيولون الأدبار أم أن الأنفاق ستجبرهم على الرحيل ؟
يا برد كن دفئا على غزة وسكانها و .... .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٧ / ٣ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٥٣ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة .
.***
154 -أ- فجر اليوم ( ١٥٤ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة: "وربما المخفي أعظم: اغتصاب وسرقات وقتل"
هل يفاجأ المرء حين يقرأ تقريرا منقولا عن " لؤي ديب " أعدته 5 منظمات دولية و 3 منظمات إسرائيلية غير حكومية منعت إدارة الرئيس الأمريكي ( جو بايدن ) نشره يأتي على 112 حالة اغتصاب فلسطينيات ، في السجون الإسرائيلية ، منذ 7 أكتوبر بينها ثلاث حالات لفتيات عذراوات ، وعلى سرقة مصوغات ذهب بقيمة 370 مليون دولار ، وإعدام ما يقارب 87 شاب بإطلاق النار عليهم في الرأس وتدمير بيوت أهالي المقاومين أو من اشتبه فيهم ، وأن عدد الجنود المرتزقة الذين قتلوا ولم تبلغ إسرائيل عائلاتهم ، حتى اللحظة ، 1327 ؟
هل يفاجأ المرء حين يقرأ التقرير ؟
إذا لجأنا إلى المنهج الاستردادي وقسنا الحاضر على الماضي - أي 2023 / 2024 على 1948 ، واعتمدنا فقط على الوثائق التي أفرجت عنها إسرائيل وأشرطة الفيديو التي تحدث فيها شهود شاركوا في حرب 1948 فإن الاستغراب والدهشة سرعان ما يتلاشيان .
من دير ياسين إلى الطنطورة إلى قبية إلى كفر قاسم إلى دفن جنود مصريين أحياء في سيناء في حرب 1967 إلى ... إلخ إلخ ، كل هذا يقول لنا إن ما ورد في التقرير وارد جدا .
في الأيام الأخيرة راجعت ملاحظاتي على رواية عدنية شبلي " تفصيل ثانوي " ( 2017 ) ، فقرأت عن حالة اغتصاب جماعي لبدوية من النقب ، والموضوع يتطلب معالجة وربما معالجات ، وأما عن السرقات فقد كتب الكاتب الإسرائيلي ( يورام كانيوك ) روايته / سيرته " ( 1948 ) وأدلى فيها بشهادته في الموضوع .
الغرب نهب العالم وارتكب مجازر إبادة و .. و ... و ... والمخفي أعظم .
اليوم يوم المرأة العالمي .
صباح الخير يا غزة
خربشات
٨ / ٣ / ٢٠٢٤
***
> 154 -ب- " يا أمة العار " أبو عبييدة .
شخصيا لم أتفاجأ من موقف العرب والمسلمين ، فهو موقف ، من القضية الفلسطينية ،قديم - جديد ، وقد عبر عنه الثائر الفلسطيني عوض الذي كتب ليلة إعدامه في سجن عكا قصيدته الشهيرة التي مطلعها:
" ظنيت إلنا ملوك تمشي وراها رجال "
وبعد عوض كتب أبو سلمى قصيدته الشهيرة :
" أنشر على لهب القصيد
شكوى العبيد إلى العبيد
شكوى يرددها الزمان
إلى الأبد الأبيد
قالوا الملوك وإنهم
لا يملكون سوى الهبيد "
وفي ١٥ / ١١ / ٢٠٢٣ كتبت تحت عنوان " مناشدة الزعامة العربية وذاكرتنا العذراء " ( الأيام الفلسطينية ١٩ / ١١ / ٢٠٢٣ ) .
وكان إبراهيم طوقان قال :
" لا تلتمس يوما رجاء عند
من جربته فوجدته لا يشعر " .
شخصيا لن أشتم الملوك والرؤساء العرب والأمتين العربية والإسلامية ، لأن سقف توقعاتي ليس عاليا ، فالعرب والمسلمون غارقون في تفاصيل حياتهم الفقيرة المعدمة البائسة ، وأما أن الأقصى يهمهم فهم على استعداد لبناء أقصى آخر يقع في بلاد الهونولولو ويمكن أيضا أن يبنوا مدينة جديدة يسمونها القدس ويقولون إنها الوارد ذكر مسجدها الأقصى في قوله تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) .
في العام ١٩٧٩ كتب صديقنا القاص أكرم هنية قصة قصيرة عنوانها " بعد الحصار .. قبل الشمس بقليل " أدرجها في مجموعته " السفينة الأخيرة ... الميناء الأخير " تنبأ فيها باختفاء الأقصى وسرقة قبة الصخرة واستعداد الملك خالد لبناء أقصى آخر عوضا عنه .
مساء الخير يا غزة
خربشات
٨ / ٣ / ٢٠٢٤ .
مساء اليوم ( ١٥٤ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة .
***
155 -أ- فجر اليوم ( ١٥٥ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : " والجنود يرتكبون الإثم حين يحزنون"
مناظر كثيرة مؤلمة يشاهدها من يتابع أخبار ما يجري هناك في الحرب الدائرة وأكثرها يتعلق بالمجازر المرتكبة بحق المدنيين من البشر وبحق الحجر والشجر ، كما لو أن الحرب حرب انتقام وثأر لجيش يفتخر بطهارة السلاح .
مات الغزيون أمس وهم ينتظرون أن تمطرهم الطائرات بالغذاء ، فقد سقطت الأكياس على رؤوسهم ، ومات بعض الغزيين أمس وهم يقيمون في أنقاض بيوتهم رافضين أن يغادروها إلى خيام لن تنجو أيضا من الملاحقة .
المشهد الذي بثته فضائية الجزيرة أمس كان جندي إسرائيلي التقطه بالكاميرا الخاصة به . مجموعة من الجنود الإسرائيليين المدججين بأحدث الأسلحة تبحث بين الأنقاض عن مقاومين فلا تشاهد إلا رجلا مسنا ، قرب سريره ، حرك ، حين رآهم ، يديه شارة على أنه مدني مسالم لا سلاح بيديه ، فأرداه جندي بأربع رصاصات لترتقي روحه إلى السماء ويبقى جسده في أنقاض بيته .
لم يحزن الجندي ولم يسأله قائده إن كان القتيل مقاوما ليهنئه على شجاعته الباسلة ، إذ مد يده وصافحه ، ف " الجنود يرتكبون الإثم حين يحزنون " ويكونون هناك في الميدان " آلة تنفث نارا وردى ، وتجعل الفضاء طيرا أسودا " - والتعبير لمحمود درويش في قصيدته " جندي يحلم بالزنابق البيضاء " ، ولو فتش الجنود في جيب الرجل المسن لربما وجدوا فيها " صورتين ؛ واحدة لزوحته ، واحدة لطفلته " .
" كخيمة هوى على الحصى
وعانق الكواكب المحطمة
كان على جبينه تاج من دم
وصدره بدون أوسمة
لأنه لم يحسن القتال
يبدو أنه مزارع أو عامل أو بائع جوال " .
في حرب العام ١٩٦٧ جرت على مشارف مدينة نابلس معركة بين عدد من أفراد الجيش الأردني والجيش الإسرائيلي شارك فيها طيران الجيش الثاني ، واستبسل فيها أبو هاشم الضابط الأردني واستشهد ، ولحظة انتهاء المعركة نزل ضابط إسرائيلي واقترب من دبابة الشهيد صالح عبدالله شويعر " أبو هاشم " وصحبه وأدى لهم التحية .
في الحرب الدائرة حاليا ، وفي مقطع شريط الفيديو الذي صوره الجندي الإسرائيلي ، فقد الجنود الإسرائيليون أخلاقيات ضابطهم المشار إليه .
هل الميناء الذي أعلن الرئيس الأمريكي عن إقامته سيكون لإيصال المساعدات لأهل غزة أم لتسهيل هجرتهم منها ؟
إن غدا لناظره قريب ! وإن صار سطر محمود درويش في قصيدته " مديح الظل العالي " :
" أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا "
صار شعارنا الذي نؤمن به ، فقد عززت صدق ما ورد فيه الأيام .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٩ / ٣ / ٢٠٢٤ .
***
> 155 -ب- وصايا الاحتلال الإسرائيلي لنا في الضفة الغربية :
" أهالي المنطقة :
.....
.....
.....
نحن نعلنها بشكل واضح : لن نرحم كل من يحاول أو يفكر أو يحرض أو يكتب ضد إسرائيل ، أو يشارك في أي مسيرة أو فعالية ، ومن يعتقد أننا سنتهاون فقد أخطأ .
....
....
...
كل عام وأنتم بخير رمضان كريم عليكم " .
( من منشور عممه الإسرائيليون أول أمس وقرأته على صفحة الصديق Najeh Khalil وأدرجته على صفحتي).
عندما كتبت عن رواية يحيى السسنوار " الشوك والقرنفل " خاف علي بعض معارفي ، وعندما أشهر ( أبو يائير ) في مؤتمر صحفي القنبلة الذرية التي ألقى جيشه في غزة القبض عليها ، مجسدة في كتاب الفوهرر الألماني ( أدولف هتلر ) قررت أن أضع في غرفة الضيوف في شقتي ، درءا لأي أشكال ، الكتب الثلاثة الآتية جنبا إلى جنب :
- كفاحي
- مكان تحت الشمس
- الشوك والقرنفل .
غير مرة كتبت تحت عنوان " في مديح الاحتلال الإسرائيلي " ، فهل كنت جادا أم كنت أخلط الجد بالهزل بالسخرية؟
وقبل ثلاثة أسابيع تقريبا كتبت تحت عنوان " أنا وأبو يائير وأدولف هتلر " متطرقا إلى الكنز الثمين في غزة.
قبل ثلاثة أيام أدرجت شريط فيديو قديم ل " أبو يائير " يخاطب فيه بالعربية الجماهير العربية الفلسطينية ، في المناطق المحتلة في العام ١٩٤٨ ، يدعوهم إلى التصويت له حتى يكافح الجريمة في المجتمع العربي وحتى يمكنهم من السفر مباشرة من تل أبيب إلى مكة .
حلها يا أبو يائير وأعلن الوحدة العربية وقيام دولة واحدة من المحيط إلى الخليج ويا دار ما دخلك شر ، وفي أمثالنا " عش رجبا تر عجبا " .
الوضع سريالي .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٩ / ٣ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٥٥ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة .
***
156 -أ- صباح اليوم ( ١٥٦ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : " أشرطة الفيديو الغزاوية في تعليقات الإسرائيليين عليها"
أمس ذكرني الكاتب شفيق التلولي في تعليق ، فلما أردت أن أقرأ ما كتب عاكس الجهاز وأظهر لي شريط فيديو لغزاوي ، من مدينة خانيونس ، يبكي فيه تدمير بيته الذي أنفق عمره في بنائه ، بل يبكي تدمير المدينة كلها . كان الرجل يصرخ كمجنون فتظهر أسنانه المتداعية المكسرة المخلوع بعضها . كان يصرخ وينشج دون أن تذرف عيناه الدموع ، ويبدو أن المآقي جفت لدى قسم منا ، وأغلب الظن أن هؤلاء سيموتون قهرا .
الشريط أدرجه على صفحته مواطن إسرائيلي ( فنيوت هتسيبور ) ، وحين نظرت في التعليقات التي كتبها بالعبرية إسرائيليون لاحظت عبارة " عرض الترجمة " فضغطت عليها وهالني سخريتهم من الرجل الغزاوي ، ولم أقرأ من بين مائة تعليق توزعت بين تشف وسخرية وتهكم إلا تعليقا أو اثنين يبدو صاحبه / هما إنسانا متزنا / إنسانين متزنين ( بلغ عدد التعليقات ١٦٦٦ حتى صباح اليوم ) .
- ضحكت كثيرا في ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ والآن في ٧ / ٣ / ٢٠٢٤ عليك أن تبكي كثيرا .
- أين كنت في ٧ / ١٠ ؟
- دراما تستحق الشفقة .
- تمثيل .
- أسنانه خربة من أكل الحلوى في ٧ / ١٠ .
- يجب أن يذهب إلى طبيب أسنان .
- أسنانه بحاجة إلى علاج .
- العبرة بالنهايات . ضحكت في البداية . ابك أخيرا .
- ما زالت هناك بنايات قائمة .
- التحية لجيش الدفاع الإسرائيلي . جيش الأبطال .
- ما جرى ويجري ليس لصالح الطرفين .
- الحرب سيئة
- لكم مكان في الأنفاق . حظ سعيد .
- أضحكني .
- أغنية جميلة .
- إخلاء قيد الإعمار .
- كم سعر الشقة هناك .
- كل سبت له ليلة سبت . ( اللي بدق الباب بسمع الجواب . يعني ) .
- استجداء لجلب المساعدات
- أين الدموع ؟
- لا توجد دموع .
إلخ ... إلخ .. إلخ ،
وكان يجب أن أنقل الترجمات كلها .
الإسرائيليون يرقصون ويغنون وقليلون منهم يكره الحرب ، وهناك أشرطة كثيرة يحتفل الجنود فيها تغني لهم مغنية إسرائيلية تحثهم على تدمير المزيد ، وأخرى لجنود يؤذنون بالعربية وهم مستلقون على الأنقاض ، وثالثة ورابعة ، وهذا جانب ضعف حضوره في يومياتنا .
مرة كتبت تحت عنوان " لما لو العبرية في أعراس الخليل ، والدحية الفلسطينية في أعراس اليهود " وحلها يا ( أبو يائير ) إن كنت قادرا على حلها .
خربشات عادل الاسطة
١٠ / ٣ / ٢٠٢٤
الشريط مدرج على صفحة ( فنيوت هتسيبور ) قبل أربعة أيام . لقد أدرجته على صفحتي ويمكن ترجمة التعليقات )
***
> 156 -ب- بنيامين نتنياهو ونسخة كتاب ( أدولف هتلر ) " كفاحي /Mein Kampf " :
القنبلة الذرية التي ألقى جيش الدفاع الإسرائيلي القبض عليها في غزة ، في الحرب الدائرة حاليا ، ووصلت إلى يد رئيس الوزراء الإسرائيلي ( بنيامين نتنياهو / أبو يائير ) لفتت الأنظار ، فتحدث عنها هو ، ليبرر قسوة الرد الإسرائيلي على أهل غزة ، بخاصة حين يجعل منهم نازيين جددا يوجههم كتاب الفوهرر الغارب ، وصارت أيضا ، لنا ، موضوع كتابة ونقاش ، بل ومثار تساؤل عما يمكن أن نفعله نحن بالنسخ التي في مكتباتنا ، إن ساءت الأحوال في الضفة الغربية ، علما بأن ( أدولف هتلر ) نفسه لو بعثت في جسده الروح ، لما قدم أو أخر ، بل ولو بعثت معه أيضا عشيقته ( ايفا براون ) وبعث معهما ( جوبلز ) والجوقة كلها . لقد صارت عظامهم ، كما يقول مثلنا الشعبي ، مكاحل .
وما أرجحه هو أن النسخ الموجودة ، في قطاع غزة ، من الكتاب قد تعد على أصابع اليدين والقدمين لا أكثر ، وقد تجدها في مكتبات كتاب قليلين جدا قد تتنوع اتجاهاتهم الفكرية ، اشتراها قسم منهم ليقرأ الكتاب كونه ممنوعا ، وكل ممنوع مرغوب ، أو ليقارن بين النازية والصهيونية ، وهذه مقارنة محببة لدى قسم من مثقفينا الذين هم ضد النازية والصهيونية .
هل كانت النسخة في أحد بيوت الكتاب الذي اقتحمته القوات الإسرائيلية ومكثت فيه ؟
وهنا نسأل :
- كم عدد النسخ التي عثرت عليها القوات الإسرائيلية في البيوت التي اقتحمتها وفتشت فيها ؟
أحد كتاب غزة ممن اقتحمت شققهم رأى صورة مكتبه وعليها نسخة الكتاب وقربها صورة له وهو شاب يافع جدا و ... والكاتب يساري الاتجاه عموما - أي ممن أرادوا قراءة كتاب الفوهرر لمعرفة أفكاره ليس أكثر.
أعتقد أن في العهد القديم أسفارا فيها من التحريض على احتقار الآخرين وازدرائهم والتعالي عليهم ، بل والدعوة إلى قتلهم ونساءهم وأطفالهم ، أكثر بكثير مما في كتاب الفوهرر ، وفي الحرب هذه عرفنا الكثير الكثير .
عندنا مثل يقول : " أسمع كلامك أصدقك ... أشوف عمايلك استغرب " .
هل هاجمت الطائرات الحربية الألمانية في الحرب العالمية الثانية ( الغيتوات ) - أي أحياء اليهود في البلدان الأوروبية وسوتها ومن فيها بالأرض ؟
إني لأتساءل !!!
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٠ / ٣ / ٢٠٢٤
مساء اليوم ( ١٥٦ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة .
***
167 -أ- رمضان غزة في اليوم ( ١٥٧ ) من المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة:
منذ أيام وأنا أتابع صفحة مخيم النصيرات وصفحات أخرى غيرها ، فأقرأ فيها ما يعبر عن ألم ومرارة لما يمرون به ، بخاصة أن شهر رمضان الذي حل في هذا الصباح كان يقترب من الأبواب .
افتقد أهل غزة الأجواء الأسرية الطبيعية ، وافتقدوا أيضا أجواء الاستعداد للشهر الفضيل من شراء مواد تموينية وأخرى للزينة ، وتساءلوا عن وجبات الطعام التي سيؤمنها الصائم له ولأسرته ، واستفسروا إن كان يجب على الصائم جوعا أن يصوم ؟
هل الصيام فرض في هذا العام على أهل غزة الصائم أكثرهم منذ أربعة أشهر تقريبا جوعا فرض عليهم ليهلكوا؟
للتو قرأت في صفحة الصديق شجاع الصفدي أنه لأول مرة يستقبل الشهر الفضيل المحبب إليه بامتعاض . هكذا خاطب ربه غصبا مكرها متألما ، فكما كتب غيره لا طعام يفرح الصائم الذي يفرح عند الإفطار لأنه صبر وأدى الفريضة ، ثم حصل على ما يعوضه عن صبره نهارا كاملا .
لا صحن شوربة ولا صحن سلطة ولا وجبة صحية ولا قطعة حلوى ولا ماء ولا عصير ولا ذهاب لتأدية صلاة التراويح ولا كهرباء ولا صوت عبد الباسط يقرأ القرآن ولا صوت مؤذن ينتظر الصائمون سماع " الله أكبر الله أكبر " ولا .. ولا .. ولا .. ومع ذلك فقد قام بعض شباب شمال غزة أمس بتنظيف الشوارع وتزيين الحيطان وتبييضها والكتابة عليها : أهلا برمضان وكل عام وشعبنا الفلسطيني بخير ووضع أفضل .
صار الجندي الإسرائيلي في ساعة استرخاء واستلقاء على رمال غزة ، قبل أن يقنصه قناص ، يؤذن ساخرا من المسلمين ، وصار زميله يصور ما يقوم به ، ليبث شريط فيديو يعبر عن سخريته من المسلمين وربهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
هل تخاطب أهل غزة قائلا :
- صبرا آل غزة ، فإن موعدكم الجنة ؟
وماذا يجدي الخطاب ؟
وبعد عشرة أيام سنتغنى وغيرنا بمعركة الكرامة كما نتغنى بخالد بن الوليد وبصلاح الدين الأيوبي . سنتغنى !!
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١١ / ٣ / ٢٠٢٤
***
158 - صباح اليوم ( ١٥٨ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : "أمس تذكرت ابنة عمي في غزة"
في بداية الحرب كتبت ٨ حلقات تحت عنوان " في غزة لي أصدقاء ولي ذكريات " أتيت فيها على زياراتي قطاع غزة وأقاربي هناك ، وكتبت عن ابنة عمي أبو زكي " فريال " التي ولدت ، في العام ١٩٥٠ ، في مدارس إيواء اللاجئين في نابلس أو في الخيام في مخيم عسكر القديم ، وتزوجت في العام ١٩٧١ من السيد صلاح رزق وأنجبت منه ثلاثة أبناء وثلاث أو أربع بنات - لم أعد متأكدا - .
أمس قلت أسأل من جديد عما ألم بها بعد أن صار الواحد منا يتابع أخبار المعارك ونسي نفسه وأقاربه ، فالموت في غزة صار بالجملة وعائلات بأكملها دفنت تحت أنقاض بيوتها .
أمس مساء عرفت من ابنتها التي تقيم في المنفى ، ولابنة عمي ثلاثة أبناء ذكور وابنتان في المنافي ، أمس عرفت أن أوضاعها مع ابنتها لا تختلف عن أوضاع لاجئي شمال قطاع غزة إلى جنوبها : الإقامة في الخيام .
لم تستوعب ابنة عمي أنها تقيم ، وهي في الرابعة والسبعين من عمرها ، في خيمة . هبط السكر معها وساءت حالتها الصحية وفقدت وعيها ولم تعد تعرف بناتها ، ولم تتحسن أحوالها إلا بعد أن أحضروا لها الدواء وأنبوبة أكسجين لتتمكن من التنفس .
وأنا أقرأ ما كتبته ابنتها لي ترحمت على زوجها صلاح ابن النعمة الذي كان بيته وبيت أبيه في حي الرمال وكانوا ذوي نعمة ، وأنا أترحم عليه تذكرت عبارة " أبو قيس " في رواية غسان كنفاني " رجال في الشمس " ( ١٩٦٣ ) وهو في صحراء الكويت يتذكر الأستاذ سليم ويخاطبه ؛ الأستاذ سليم الذي توفي قبل سقوط قريته بليلة واحدة ودفن فيها :
" يا إلهي أتوجد ثمة نعمة إلهية أكبر من هذه ! "
وأنت يا صلاح رزق الذي عرفناه كريما شهما مرحا أخاطبك بعد سنوات ومن بعيد بعبارة " أبو قيس " نفسها :
" يا إلهي أتوجد ثمة نعمة إلهية أكبر من هذه " وأضيف :
- أنك دفنت معززا مكرما في مقبرة من مقابر مدينتك .
وأمس قرأت نعي مواطن غزاوي يقيم في القاهرة لأبنائه ، وقد أدرج صورتهم :
"تم تأكيد خبر استشهاد جميع أبنائي . ربي يرحمكم يابا ويصبر قلبي . حسبنا الله ونعم الوكيل"
فأدرجت ما كتبه في صفحتي متسائلا :
- بالله عليك ، ما هي مشاعرك حين تقرأ ما كتبه أب غزي في هذا المنشور / ينعى أبناءه ؟!!
وأمس تذكرت أيضا ما ألم بأبناء الشاعرة د.آلاء القطراوي وقد كتبت عن هذا .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ٣ / ٢٠٢٤ .
***
159- صباح اليوم ( ١٥٩ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : "حالتنا العبثية السيزيفية : مطاعم وكالة غوث اللاجئين"
ولدت ابنة عمي في خيمة وبعد أربعة وسبعين عاما تعود لتعيش في خيمة أيضا . كأن حياتنا قصيدة دائرية الشكل . من رحم الأم الصغرى إلى رحم الأم الكبرى ، وكلما رفعنا الصخرة إلى أعلى الجبل واقتربنا من قمة الجبل وقلنا : استقررنا ، حكمت علينا آلهة تل أبيب وواشنطن ومن سار في ركابهما بأن نعود إلى البداية . دحرجت الصخرة وطلبت منا أن نحملها ثانية . أسطورة سيزيفية . كأنما هي مسرحية " الباب " .
ما الذي ذكرني بما سبق وقد كنت كتبته عشرين مرة ؟
وأنا أشاهد لقطات مما تبثه الفضائيات أو مما يدرجه بعض الناشطين من أشرطة فيديو لأحوال لاجئي شمال قطاع غزة الجدد ، في جنوبه ، وكيف يقضون أيام رمضان الأولى ، تذكرت طفولتنا في ستينيات القرن ٢٠ في مخيمات اللجوء ، وقد كتب عنها عديدون وآخر ما قرأته مما كتب هو ما ورد في رواية يحيى السسنوار " الشوك والقرنفل " ( ٢٠٠٤ ) عن طفولة سارده في مخيم الشاطيء المولود في ١٩٦٢ ، سارده الذي استشهد عمه في حرب حزيران ١٩٦٧ ، وفقد أبوه في الفترة نفسها ، فرعاه جده ووكالة الغوث ومنحته بطاقة " طعمة ":.
لشدة فقر أحمد ولسوء حالته الصحية ، بسبب الفقر ، منحته وكالة الغوث بطاقة خاصة تمنحها للأطفال سييء التغذية ، فصار يذهب إلى مطعم الوكالة يوميا ، ليحصل على وجبة خاصة .
ولمن لم يعرف مطاعم وكالة غوث اللاجئين ، فإنها غالبا ما كانت صالة طويلة فيها طاولات يوضع الطعام عليها ويجلس مرتادوها على بنوك يلتهمون وجباتهم ويمنعون من أخذها معهم .
المشاهد التي شاهدتها أمس للاجئي غزة في الخيام ، وهم يتناولون طعام السحور ، أعادتني إلى تلك المطاعم . كأننا لا رحنا ولا جينا ، وها هي دورة حياة الفلسطينيين تعود إلى بداياتها .
أعتقد أنه لن يخفف من وقع الألم إلا إن صحونا على خبر كنس الإسرائيليين من القطاع ، أو أن يحدث في فلسطين ما حدث في أوروبا في العام ١٩٩٠ - أي سقوط الجدران ، أو في جنوب أفريقيا - أي انتهاء المعازل العنصرية ، وعودة اللاجئين . هل أحلم ؟ ربما !
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ٣ / ٢٠٢٤
***
160- فجر اليوم (١٦٠) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة: "جبر الفلسطيني ثانية: من بطن أمه للقبر"
في اجتياح الضفة الغربية في ربيع العام ٢٠٠٢ ، حيث حوصرنا لفترة طويلة ، كتبت قصة قصيرة عنوانها " يوميات جبر الفلسطيني في العيد " .
عندما قرأت أمس ما كتبه الناقد طلعت قديح ، تحت عنوان " ع المكشوف " ، عن حياته منذ ولادته في غزة تذكرت المثل الشعبي الذي جعلته عنوانا لقصتي " جبر .. من بطن أمه للقبر " .
عدد طلعت الحروب التي عاشها في غزة وقال إنه - إن فتح المعبر - فسيهاجر مثل كثيرين من أهل غزة ، تاركا القطاع لإسرائيل وخماس ، فماذا يعني له هذا المسمى " وطن " ؟
هل نلومه على ما كتب ؟
لا أحد منا ، نحن البعيدين عن أرض قطاع غزة ، يمكن أن يزايد على أي مواطن هناك ، ولكن ...
عندما استعرضت ، فيما كتبته لندوة مسقط ، ما كتبه بعض روائيينا ، منذ العام ١٩٣٢ ، عن الأرض وفقدانها وضرورة التشبث فيها ، لم أجد من شجع على المغادرة سوى إسحق موسى الحسيني في " مذكرات دجاجة " ( ١٩٤٣ ) ، ولم يكن مر بالتجربة القاسية التي يعيشها أهل غزة الآن ، وكل الذين كتبوا لم يعانوا القليل القليل مما يعاني منه الغزيون الآن أيضا .
أنا الآن أكتب وأنا في شقتي ، لا أكتب وأنا في خيمة ، فهل يحق لي أن أزايد على أي مواطن غزاوي يقيم في غزة الآن ؟
وأنا أشاهد أشرطة الفيديو التي تبثها قناة الجزيرة أو التي يصورها أفراد ، أو وأنا أسأل عن أخبار بعض أقاربي هناك ، لا ألوم غزاويا واحدا حتى لو ... وأستغفر الله .
عندما أعلمتني ابنة ابنة عمي ، بعد أن سألتها عن أخبار أمها ، أنهم دفعوا مبلغا من المال من أجل إخراجها من القطاع ، صمت ولم أرغب في أن أكون ناصحا ..
وعندما خرج الروائي عاطف ابوسيف وزير الثقافة في السلطة الفلسطينية من غزة في اليوم الخامس والثمانين طلبت منه أن يكتب في يومياته عن تجربة الخروج ، لا لكي أدينه ، وإنما لتكتمل كتابته ، فلو كنت مكانه لربما فكرت أيضا في النجاة الشخصية ، وقبل ستة أيام كتب الكاتب شجاع الصفدي الذي ما زال في غزة ، تحت عنوان " شذرات شخصية " أنه لا يجب على أحد أن يلوم من يفكر في البحث عن خلاص فردي .
ترى لو كان غسان كنفاني حيا ويقيم في غزة هل كان سيكتب :
- كان عليكم ألا تخرجوا !!
في المنفى عشنا الذل وفي المنفى لوحقنا وطردنا وتشردنا وهدم مخيم تل الزعتر وجسر الباشا واليرموك والتعن فاطس أهل شنلر والبقعة أيضا و ... و لهذا صمت أهل فلسطين في مناطق ال ١٩٤٨ وكان لسان حالهم عبارة إميل حبيبي " الجلوس على الخازوق ، فقد جربنا الخوازيق كلها فرأيناها أشبه بمسامير ... إلخ إلخ " .
هل بالغنا في لوم الأجداد والآباء لخروجهم في العام ١٩٤٨ ؟
الآن أقرأ في رواية ابتسام عازم " سفر الاختفاء " وفيها أقرأ أيضا عن الموضوع نفسه .
أنا حائر وإن اتفقت والكاتب عبد المجيد حمدان أن نبقى صامدين هنا حتى لو متنا جوعا .
وفي الموضوع نفسه كتب أيضا الصديق Ziad Ameireh d " وماذا لو ركبوا - أهل غزة - السفن " وكان أول ما قرأت في هذا الصباح .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٤ / ٣ / ٢٠٢٤ .
***
161 - مقتلة غزة ومهلكتها وحرب إبادتها ( ١٦١ ) : "أرحم احتلال على وجه الأرضّّ"
في الكتاب الثالث، وعنوانه " يعاد الثانية " ، من رواية إميل حبيبي " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل " ( ١٩٧٤ ) ، في الرسالة الثالثة ، وعنوانها " حديث شطط في الطريق إلى سجن شطة " ، يأتي سعيد المتشائل على حوار بينه وبين الرجل الكبير الذي اقتاده إلى السجن ؛ حوار يفخر فيه الرجل الكبير بالاحتلال الإسرائيلي ، فيصفه بأنه " أرحم احتلال على وجه الأرض " ، وبما فعله اليهود في أرض فلسطين ، حيث حولوها إلى أرض خضراء ، ويقارن بين ما هي عليه الأرض المحتلة في العام ١٩٤٨ بما هي عليه الأرض المحتلة في العام ١٩٦٧ : الأرض الخضراء مقابل الأرض الجرداء ، فيرد عليه سعيد :
- ألهذا هدمتم قرى اللطرون ؛ عمواس ويالو وبيت نوبا ، وشردتم أهاليها ، يا معلمي الكبير ؟ .
وكان سعيد سأله أيضا عن سبب هدم بيوت السجناء ، وكان المعلم أجابه :
- لنقطع دابر الجردان التي عششت فيها فننقذهم من الطاعون .
ويتكيء على ما ادعته وزارة الصحة الإسرائيلية بخصوص هدم بيوت قرى الجفتلك في الغور .
في الحرب الدائرة حاليا لم تهدم إسرائيل بيوت ثلاثة مخيمات في قطاع غزة ، بل دمرت ما يقارب الستين بالمائة من بيوته . هل أرادت الدولة العبرية أن تقضي أيضا على دابر الجرذان هناك ؟
في بداية المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة رأى وزير الحرب الإسرائيلي ( يوآف غالانت ) في الفلسطينيين حيوانات بشرية ، ورأى إسرائيليون آخرون الرأي نفسه ، فهل أرادوا أن يريحوا البشرية من الجرذان الفلسطينية خوفا على العالم من مرض طاعون أقسى من الكورونا ؟
أحيانا أكون أنا رحيما أيضا مثل الاحتلال الإسرائيلي ، فحين لا تروق لي هندسة مدينة نابلس ؛ مباني وشوارع ، أهدمها وأعيد تنظيمها وبناءها . حكم يا ربي حكم !
ما زالت المقتلة مستمرة ويبدو أنها ، كما قرأت أمس في مقال الدكتور عبد المجيد سويلم Abdel Majeed Sweilem
، في جريدة الأيام الفلسطينية ، يبدو أنها ستتسع لتشمل الإقليم كله .
هل أكرر قول محمود درويش في قصيدته " في القدس " :
- أمن حجر شحيح الضوء تندلع الحروب ؟
لست أدري ، فعين الولايات المتحدة الأمريكية على حقول الغاز أمام شواطيء غزة و ... و .. والولايات المتحدة لا تريد أن تخسر معقلا مهما من معاقلها الأخيرة !!
سامحونا !
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ٣ /"٢٠٢٤ .
***
The killers of Gaza, its annihilation, and the war of annihilation (161): “The most merciful occupation on the face of the earth”
By Adel Osta is one of the writers in Palestine
In the third book, entitled “The Second Repeated,” from Emile Habibi’s novel “The Strange Incidents in the Disappearance of Saeed Abi Al-Nahs Al-Mutasha’il” (1974). In the third letter, entitled “A Conversation with Shatat on the Way to Shatta Prison,” Saeed Al-Mutash’il comes to a dialogue between him and The old man who took him to prison; A dialogue in which the old man is proud of the Israeli occupation, describing it as “the most merciful occupation on the face of the earth,” and of what the Jews did in the land of Palestine, where they turned it into green land, and he compares what the occupied land was like in the year 1948 with what the occupied land was like in the year 1967: The green land versus the barren land, and Saeed replied:
- Is this why you demolished the villages of Latrun? Emmaus, Yalo, and Beit Nuba, and you displaced their people, O my great teacher? .
Saeed had also asked him about the reason for demolishing the prisoners’ homes, and the teacher had answered him:
- Let us cut off the rats that nested in them and save them from the plague.
It is based on what the Israeli Ministry of Health claimed regarding the demolition of homes in the villages of Al-Jiftlik in the Jordan Valley.
In the current war, Israel did not demolish the homes of three camps in the Gaza Strip, but rather destroyed approximately sixty percent of its homes. Did the Hebrew state also want to eliminate the rats there?
At the beginning of the killing, destruction, and war of extermination, the Israeli Minister of War (Yoav Galant) saw the Palestinians as human animals, and other Israelis saw the same opinion. Did they want to relieve humanity of the Palestinian rats out of fear for the world of a plague disease more severe than the Corona virus?
Sometimes I am also merciful, like the Israeli occupation. When I do not like the architecture of the city of Nablus; Buildings and streets, I demolish them, reorganize them, and rebuild them. Judge, O Lord, judge!
The killing is still continuing and it seems that, as I read yesterday in the article by Dr. Abdel Majeed Sweilem
In the Palestinian Al-Ayyam newspaper, it appears that it will expand to include the entire region.
Shall I repeat what Mahmoud Darwish said in his poem “In Jerusalem”:
- From a stone with scarce light, wars break out?
I don't know, because the United States of America has its eyes on the gas fields off the shores of Gaza and... and... and the United States does not want to lose an important stronghold of its last strongholds!!
Forgive us!
Good morning, Gaza
Adel Al-Osta's scribbles
3/15/2024ج
***
162 - "إنه الجمال اليهودي"
" إن لم تستح فافعل ما شئت " يقول المثل الشعبي ، ولم أعقب بأكثر من هذا حين أدرجت على صفحتي ما شاهدته من تنسيق بين مذيعي دبي ومملكة البحرين والقناة الإسرائيلية 12 .
خاطب مذيع فضائية دبي زميله في فضائية مملكة البحرين وخاطبا زميلتهما المذيعة الإسرائيلية الحسناء ذات المظهر الجميل والصوت المغناج ، وردد أحدهما كلمة ( شالوم ) العبرية ، فيم تحدثت هي بفرح بين ، وتواصل ، في ذات اللحظة ، العدوان على غزة ، فدمرت البيوت وارتقى الشهداء وواصل شعبنا هناك مقاومته على الأصعدة جميعها ؛ البحث عن الطعام ، والغناء ، والبقاء في شمال القطاع ، والخروج " من كل بيت وحارة وشارع " و " طالعلك يا عدوي طالع " .
في قصيدته " العودة إلى كربلاء " التي كتبها الشاعر أحمد دحبور في أيلول ١٩٧١ قال :
" يا كربلاء الذبح ، والفرح المبيت ، والمخيم ، والمحبة
كل الوجوه تكشفت كل الوجوه
ورأيت ، كان السيف في كفي ،
وكنت لنظرة الفقراء كعبة
ورأيت من باعوك ،
باعونا معا ،
وتقاسمونا في المزاد ،
...
...
هذا زمان للبطولة ، أو - لمن شاء - الجنون " .
هل أخطأت في الشاعر عين المخيم ؟
" شاهدتهم - عين المخيم في لا تخطيء - وكانوا :
تاجرا ،
ومقامرا ،
ومقنعا ،
كانوا دنانير النخيل " .
هل بدأ اليوم التالي للحرب ؟
فتح في رام الله تهاجم خماس ، والمستوطنون في تل الرميدة في الخليل عربدوا ليل أمس في شوارع البلدة القديمة ، وغالبا ما تستباح القرى ، والأحياء القديمة للمدن ، والمخيمات في ساعات الفجر ، وأما فقراء غزة وأغنياؤها و ... فيبحثون عن طعامهم في البراري ، ويعالجون جرحاهم كيفما تيسر ، ولا يأكل قسم منهم يوميا إلا الخبيزة التي كانوا يأكلونها مرة في العام ، وواصلت الأمهات البكاء على أبنائهن كما واصلت الطائرات الإسرائيلية غاراتها وقصفها العمارات وتسويتها بالأرض .
هل بدت ملامح الهزيمة ؛ هزيمة الجيش الإسرائيلي ، تلوح في الأفق ؟
ربما ! أو أنني أسأت فهم ما قاله وزير الحرب الإسرائيلي ( يوآف غالانت ) .
" للحقيقة وجهان والثلج أسود فوق فلسطيننا "
والمعذرة لمحمود درويش إذ استبدلت كلمة بأخرى .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٦ / ٣ / ٢٠٢٤
***
163 -أ- غزة ( ١٦٣ ) : " الرفق بالحيوان "
قبل حوالي أسبوعين عرفت من الصديق محمد لافي - وهو فلسطيني من مخيم الشابورة في رفح استقر في ألمانيا وحصل على جنسيتها - أن الروائية الفلسطينية ، الحاصلة على الجنسية الأمريكية سوزان أبو الهوى ، صاحبة رواية " صباحات جنين / بينما ينام العالم " ، موجودة في رفح ، فاستغربت الأمر وتساءلت مشككا ، حتى تأكدت وقرأت مقابلة معها ، بعد عودتها عبر القاهرة .
أرادت سوزان أن تكتب عن غزة من داخل غزة ، كما كتب الفرنسي ( جان جينيه ) عن الفلسطينيين في الأردن ولبنان وهو في قواعدهم ، وكما كتب عن مجازر شاتيلا وصبرا في اليوم التالي لارتكاب المجزرة ، حين زار شاتيلا وصبرا " أربع ساعات في شاتيلا " .
كانت دهشتي ومحمد أن سوزان في غزة لتهتم بالحيوان هناك " الرفق بالحيوان " ولم أصدق في البداية ، ثم تابعت الموضوع وعرفت أنها هناك ، لتكتب عما ترى وتعيش ، بالإضافة إلى ما سبق .
في ظل الإبادة والمهلكة والمقتلة الجارية لم تخل أشرطة الفيديو المصورة عنها من أشرطة تأتي على علاقة بعض الغزيين بقططهم ، وأما تمجيد دور الحمير ومكانتها فقد كان لافتا ، لأن مجدها كوسيلة تنقل عاد إليها ، فصارت وسيلة النقل الأولى .
ماذا لو جمع المرء حكايات القطط والكلاب الضالة وغير الضالة والحمير في أثناء المقتلة ؟
أمس قرأت إعلانا أدرجته زينة عاهد هليس ، في صفحة أهالي رفح حي تل السلطان ، عن مكافأة مقدارها 150 شيكلا لمن بعثر على قطتها " شيرازي لون أبيض عيون أزرق أنف أشقر بتهمني جدا جدا " ، وقد أدرجت صورتها في الإعلان .
هل نستغرب هذا ؟
قال المتنبي :
" أعز مكان في الدنا سرج سابح "
وأما صديقنا القاص توفيق فياض فقد كتب قصة جميلة عنوانها " الكلب سمور " أتى فيها على فضيلة الكلب في العودة إلى قريته ورفض حياة اللجوء المذلة . أعتقد أن الكلب سمور يستحق الرعاية والاهتمام والاحترام أيضا ومثله حمير غزة في هذا الزمن .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ٣ / ٢٠٢٤
***
163 -ب- توفيق فياض و " تلفزيون نابلس "
هاتفني كاتبنا الكبير توفيق فياض المقيم في تونس ليعبر عن انزعاجه مما شاهده على شاشة تلفزيون نابلس .
في اليوم السابق للشهر الفضيل كتب أحد ناشطي الفيس بوك طالبا من أصدقائه ألا ينشروا ، في رمضان ، أية صورة لمائدة طعامهم ، مراعاة للوضع الذي يعاني منه أهل غزة المحاصرين الهالكين قصفا وحصارا وجوعا فلا يجدون ما يأكلونه ، ولا يخفى هذا على أحد ، فالمقتلة والمهلكة في قمتها ، وحذر كل من ينشر صورة للمائدة بشطب اسمه من قائمة أصدقائه .
وفي أثناء تجوالي في نابلس قبل أسابيع ، وكانت الأسواق مزدهرة ، قارنت بين الوضع في غزة وفي نابلس ، وكثيرا ما قرأت في صفحات غزيين عن غزة في رمضان هذا العام وغزة في رمضان العام الماضي ، وفي الأحد الماضي كان مقالي في جريدة الأيام الفلسطينية تحت عنوان " الحياة بعيدا عن غزة والضفة " أتيت فيه على ما شاهدته في ( بوليفارد ) في عمان وفي المطار وفي مسقط ، وتساءلت إن كان هناك شيء يجري في غزة .
كان توفيق فياض غاضبا ومستاء جدا من مقدمتي البرنامج وحديثهما عن الطعام والحلويات ، وأيضا من طبيعة الأسئلة التي وجهتاها للجمهور . فهل يعقل أننا في وطن واحد ؟
حاولت أن أخفف من سورة الغصب ، فتذكرت ما كتبه الفلسطينيون واللبنانيون عن حياتهم في حرب حزيران ١٩٨٢ ، وهو ما دفع محمود درويش ليكتب :
" ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا " ، و " نرقص بين شهيدين " وقد كتبت في يومياتي عن هذا .
وذكرت " أبو قتيبة " بأن حصار بيروت وقصفها بالقنابل الفراغية لم يحل دون مشاهدتنا مباريات كأس العالم في اللحظة نفسها ، وقد كتب محمود درويش عن هذا بالتفصيل في كتابه " ذاكرة للنسيان " . هل يمكن أن ننسى المظاهرة التي سارت في شوارع الجزائر احتجاجا على حكم المباراة ، المظاهرة التي لم تنظم لحصار بيروت ، بل للاحتجاج على نتيجة المباراة ؟
في العام ٢٠٢١ كنت أكتب يوميات تحت عنوان " ذاكرة أمس " خصصت بها شارع النصر في مدينة نابلس في رمضان ، ثم اندلعت الحرب في غزة فصرت أكتب يوميات حرب غزة ٢٠٢١ ، وجمع الأستاذ المغربي Mehdi Naqos هذه اليوميات وكان يفترض أن تصدر في كتاب عنوانه " ذاكرة أمس : يوميات شارع النصر وحرب غزة " .
شارع النصر منذ الساعة الثالثة عصرا وحتى الخامسة والنصف مساء يكون أعمر شارع في المدينة ، تجد فيه كل ما لذ وطاب من حلويات وحمص وفلافل وكبة ومخللات ومواد السلطة وعصائر و ...وخبزا متعدد أشكال الأرغفة مرصع بعضها بحبة البركة .
في ساعات الفجر اقتحمت الآليات الإسرائيلية المدينة وعاثت فيها خرابا ثم ... ثم ... .
هذه يا عزيزي أبو قتيبة حياتنا منذ النكبة التي أنت أحد أبنائها وأحد أبرز من كتب عنها في قصصه القصيرة ورواياته ومسرحياته و ... وأبرز من ترجم ما كتب عنها من روايات مثل رواية ( يزهار سميلانسكي ) " خربة خزعة " و ... و ... وتستمر الحياة وسلامي لك ولأهل تونس الخضراء .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
مساء ١٧ / ٣ / ٢٠٢٣ .
***
164 - غزة ( ١٦٤ ) : قرش شدمي والجيش الأكثر أخلاقا في العالم
" شو قالوا بالعبري " .
شو قالوا بالعبري برنامج تقدمه الإعلامية الجليلية ليلى عبده تفضح فيه ما يجري في الدولة الإسرائيلية وما يرتكبه الجيش الأكثر أخلاقا في العالم في غزة وفي الضفة الغربية أيضا .
الحلقة الأخيرة التي شاهدتها أتت على مقتل الرجل السبعيني الأطرش الأصم الأبكم عطا إبراهيم المقيد وعلى تدمير جامعة الإسراء في غزة بأمر من الضابط ( باراك حيرام ) .
قررت الحكومة الإسرائيلية على إثر تصوير قاتل عطا المقيد شريط فيديو حصلت فضائية الجزيرة على نسخة منه بثتها ، ما أدى إلى مطالبة جريدة ( هآرتس ) الإسرائيلية إلى إثارة الموضوع والتحقيق فيه ، قررت الحكومة الإسرائيلية تشكيل لجنة تحقيق في الحدث ، كما طولب أيضا بالتحقيق في شأن تدمير جامعة الإسراء .
الحلقة التي شاهدتها ذكرتني بالضابط ( شدمي ) الذي صار قرشه ، لدى عرب فلسطين ١٩٤٨ ، مضرب مثل .
في العام ١٩٥٦ أصدر شدمي أوامره بإطلاق النار على سكان قرية كفر قاسم ، العائدين من أراضيهم التي يفلحونها ويزرعونها ، فقتل منهم ٤٩ مواطنا . قدم شدمي للمحاكمة وصدر بحقه حكم ظل يخفف إلى أن قررت المحكمة إطلاق سراحه بعد دفع غرامة مقدارها قرش .
ولا حكم قراقوش ، وفي الحادثة كتب إميل حبيبي وسميح القاسم كتيبا ، وكتب الشعراء شعرا ومنه قصيدة محمود درويش " أزهار الدم " :
" - احصدوهم دفعة واحدة
احصدوهم
....
...حصدوهم
......
كفر قاسم
إنني عدت من الموت لأحيا ، لأغني
فدعيني استعر صوتي من جرح توهج " ،
و
" غابة الزيتون كانت دائما خضراء
كانت يا حبيبي
... إن خمسين ضحية
جعلتها في الغروب
بركة حمراء .. خمسين ضحية
يا حبيبي .. لا تلمني ..
قتلوني .. قتلوني
قتلوني "
وأما أنا فلا أريد لجرح غزة وجرح الضفة أن يتوهجا لأستعر صوتي وكتابتي منهما . أريد للحرب أن تنتهي ويعود اللاجئون ويعيش الفلسطينيون ؛ مسلمين ومسيحيين ويهودا ، بثبات ونبات ويخلفون صبيانا وبنات .
للكاتب الإسرائيلي ( يغآل ليب ) رواية عنوانها " والله يا أمي إني أكره الحرب " كتبها بعد أن شارك في حرب حزيران ١٩٦٧ . هل أكرر عنوانها أم أكرر عبارة فلسطيني في وصف الإسرائيليين " يقتلوننا ويبكون " .
الضفة أيضا صارت تستباح أكثر وأكثر .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٨ / ٣ / ٢٠٢٤
***
165 - غزة ( ١٦٥ ) : يحدث في غزة الآن
هل يحدث في غزة الآن شيء ؟
لا يحدث في غزة منذ ٧ أكتوبر شيء .
هل هناك في غزة حرب ؟
كل ما يقال عن حرب هناك هو فبركة في فبركة
[ تجدر الإشارة إلى قصيدة الشاعر الفلسطيني نجوان درويش " فبركة " ]
هل ثمة في غزة اثنان وثلاثون ألف قتيل و٧٥ ألف جريح ؟
[ هذا مجرد فبركة ]
هل سوت إسرائيل أكثر من ٦٠ بالمائة من بنايات غزة بالأرض ؟
[ لا يعقل هذا . هذه دعاية نازية للمدعو ( جوبلز ) . إنها فبركة في فبركة ]
هل أجبرت الحرب في غزة أكثر من مليون و ٤٠٠ ألف فلسطيني على النزوح من شمالها إلى جنوبها ؟
[ إن لم تكن هذه فبركة لاسامية ، فماذا يمكن أن تكون ؟ ]
هل يموت الناس هناك جوعا ويأكلون علف الدواب ؟
[ كيف يموتون جوعا وجارتهم دولة إسرائيل واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط ؟ هذه الادعاءات فبركة أيضا ]
هل تحاصر إسرائيل في غزة المشافي ؟
[ هذه ذروة الفبركة ]
وأنا لا أصدق ما يقال وما يشاع ، فكل ما يقال وما يشاع هو ثرثرات لا قيمة لها ، وكل ما نشاهد من أشرطة فيديو وصور تبثها الفضائيات إن هو إلا من إنتاج الذكاء الصناعي ليس أكثر .
وأنا كلي فبركة في فبركة وحياتي كلها فبركة في فبركة .
أبي فبركة
أمي فبركة
النكبة فبركة
هزيمة حزيران ١٩٦٧ فبركة
وما ليس فبركة هو أن الفلسطينيين في ٧ أكتوبر قتلوا الأطفال اليهود وشقوا بطون النساء اليهوديات وعذبوا المسنين والمسنات وأقاموا لهم معسكرات إبادة وغرف غاز واغتصبوا الفتيات اليهوديات الجميلات . هذا كله ليس فبركة . هذا كله ليس فبركة .
أمس عرضت فضائية الجزيرة مشاهد لما يجري هناك في غزة . نساء أطفال جميعهم خرجوا من أنقاض منزل قصفته الطائرات . هل كانت الطائرات إسرائيلية ؟
[ وهذا كله فبركة في فبركة في فبركة في فبركة ] .
قل لي إذن ما الحقيقة . قل لي ما هي الأحداث التي هي ليست فبركة ؟
[ ما ليس فبركة هو أن النازي ( أدولف هتلر ) قتل ستة ملايين يهودي . هذا فقط ليس فبركة ]
خرجت المرأة الفلسطينية الغزية من بيتها أمس لتحضر لأبنائها كيس طحين ، ولما عادت لم تر بيتها . رأت ركامه وتحت أنقاضه أبناؤها كلهم . [ وهذا للأسف ليس حقيقة . هذا كله من فبركات الجزيرة و ( غوبلز ) و ( أدولف هتلر ) الخمساويين الداعشين أحفاد طالبان الداعين إلى نكاح الجهاد أو إن شئت جهاد النكاح وكله ماشي وكله صابون ]
لم أعثر على قصيدة نجوان درويش " فبركة " ولكني قرأت في ديوانه المترجمة قصائده إلى الفرنسية قصيدة عنوانها " باص الكوابيس " وهذا نصها :
" رأيتهم يضعون خالاتي في أكياس بلاستيك سوداء
وفي زوايا الأكياس تتجمع دماؤهن الحارة
( لكن أنا ليس لي خالات )
عرفت أنهم قد قتلوا ناتاشا - ابنتي التي في الثالثة
( لكن أنا ليس لي ابنة )
قيل لي إنهم اغتصبوا زوجتي قبل أن يجروا جسمها على
الدرج ويتركوه في الشارع
( لكن أنا لم أتزوج )
لا شك هذه نظارتي التي تحطمت تحت البسطار
( لكن أنا لا ألبس نظارة )
كنت نائما في بيت والدي أحلم بالسفر إلى بيتها ، وحين
استيقظت
رأيت إخوتي
يتدلون
من سقف كنيسة القيامة " .
هل قرأ أي منكم شعر الشاعر نجوان درويش ؟
ربما تكون قصيدته هذه من فبركاتي !! ربما !!
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٩ / ٣ / ٢٠٢٤
***
166- غزة ( ١٦٦ ) : مستشفى الشفاء ثانية
لم تنته الحرب في شمال غزة ، ويبدو أنها ، بمحاصرة مستشفى الشفاء ثانية ، عادت من جديد إلى نقطة الصفر .
لم تكتف القوات الإسرائيلية بحصار المشفى ، فقد اقتحمته ، ويبدو أن الخسائر التي تكبدتها أمس أفقدتها عقلها ، فلجأت إلى سلسلة إعدامات ميدانية لعشرات المواطنين الموجودين هناك ، وهو ما أفادته تقارير المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان .
إن كان الشاعر الانجليزي ( ووردزورث ) قال إن " الطفل أبو الرجل " ، وهو ما أخذ به الروائي الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا حين كتب سيرته الذاتية " البئر الأولى " فكتب عن طفولته ، فإن طفولة الدولة العبرية هي الأب الحقيقي لعقدها الثامن - أي شيخوختها .
أمس تذكرت روايات إلياس خوري " باب الشمس " و " أولاد الغيتو : اسمي آدم ونجمة البحر ورجل يشبهني " فعدت إليها لأقرأ فيها عن " المحو " . إسرائيل تريد أن تمحو فلسطين وشعبها وتراثها . كيف لم ننتبه في هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة إلى روايات خوري ؟ هل اكتفينا بقراءة مقاله الأسبوعي الذي يأتي أحيانا عليها ؟
في " باب الشمس " يسرد راوي الرواية عن احتلال قرية البروة . هل اختلف ما قامت به القوات الإسرائيلية أمس في مستشفى الشفاء عما ارتكبته بحق أهل البروة ؟
اقرأوا الآتي :
" أمر الضابط طانيوس بالمشي أمامه . مشى الفتى حتى وصلا إلى شجرة الجميز في طرف الساحة ، وهناك أطلق الضابط رصاصة واحدة من مسدسه ، وعاد إلى الحشد الصغير ليأمره بركوب الشاحنة . وبدأ الناس يتدافعون إلى الشاحنة حتى أبونا جبران تدافع مع المتدافعين ، ولم يذهب لتفقد ابن أخته الميت (- أي طانيوس الذي قتله الضابط الإسرائيلي ) "
و
" حين دخل الإسرائيليون البروة نسفوها بيتا بيتا .لم يأخذوا ثيابنا وشراطيطنا . كانوا كالمجانين ينسفون البيوت ويقومون بحرقها ، ويدعسون القمح ويقطعون أشجار الزيتون بالديناميت ... " ( ١٩٦ ) .
ولماذا نبتعد عن غزة . في العام ١٩٥٦ احتلها الإسرائيليون مدة ستة أشهر وارتكبوا فيها جرائم الإعدام الميداني . هل تذكرون مشهد إعدام سالم في رواية غسان كنفاني " ما تبقى لكم " ( ١٩٦٦ ) ؟ هل تذكرون مشهد إعدام الجنود المصريين والسودانيين في كتاب معين بسيسو " دفاتر فلسطينية " ( ١٩٧٨ )٧ ؟
هل تتذكرون قصيدة محمود درويش " ليلة البوم " في ديوانه " لماذا تركت الحصان وحيدا ؟ " ( ١٩٩٥ ) :
" ههنا حاضر لا يلامسه الأمس ..
حين وصلنا
إلى آخر الشجرات انتبهنا إلى أننا
لم نعد قادرين على الانتباه . وحين
التفتنا إلى الشاحنات رأينا الغياب
يكدش أشياءه المنتقاة وينصب
خيمته الأبدية من حولنا " .
هل خيامنا أبدية ؟
خيام اللاجئين الآن في رفح هي حفيدة خيامهم في العام ١٩٤٨ ، وكنت كتبت عن ابنة عمي التي ولدت في خيمة وهي الآن تقيم في خيمة أيضا .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٠ / ٣ / ٢٠٢٤ .
***
167 -أ- غزة ( ١٦٧ ) : "يهود اليهود":
في رواية إلياس خوري " باب الشمس "( ١٩٩٨ ) تتردد على لسان بعض شخصياتها ، لتبيان فظاعة معاناة الفلسطينيين ، العبارة الآتية :
- " صرنا يهود اليهود " .
والعبارة تحيل إلى عالمين ؛ عالم الفلسطينيين ، منذ نكبة العام ١٩٤٨ ، وعالم اليهود في أوروبا ، تحديدا منذ حشروا ، أو انحشروا هم ، في غيتوات خاصة بهم ، وصارت كلمة يهودي شتيمة .
عانى اليهود في أوروبا ؛ عانوا في روسيا القيصرية ( البوغروم ) ، وعانوا في ألمانيا النازية ( الهولوكست ) ، وكان أن حقدوا على أعدائهم وحقدوا أيضا على من استقبلهم في بيته . ولأنهم لم يتمكنوا من مقاضاة القياصرة الروس والنازيين الألمان ، فقد رأوا فينا أولئك وهؤلاء ، وفرغوا حقدهم على الطرفين فينا . هل أراد الله أن يسلطهم علينا لأننا ، في نظر قسم منا ، أشرار ، أو لأننا ، كما يقول كل واحد فينا لا يمشي الآخرون على مزاجه ، سيئون و " بنستاهل " ؟ .
- لقد صرنا يهود اليهود .
ولأننا صرنا يهود اليهود فليس غريبا أن تزعم الحركة الصهيونية أن من قتلوا في غزة ؛ من النساء والأطفال والمسنين ، هم من اليهود ، وهكذا سيواصل الإسرائيليون الصراخ والحديث عن " الشوا " - أي المحرقة - إلى ما لا نهاية ، وقد يصدق روايتهم العالم الغربي . ألم يصدق ( جو بايدن ) الرئيس الأمريكي ما قاله له رئيس الوزراء الإسرائيلي في بداية الحرب من أن الفلسطينيين قتلوا واغتصبوا ؟
وعودة إلى رواية " باب الشمس " .
يرد في الرواية أن عددا من ضحايا شاتيلا وصبرا ، في العام ١٩٨٢ ، كانوا من اليهود ، وقد اعتمد إلياس ، فيما أورده على لسان الشخصية التي تحدثت ، على كتاب " الدماغ الحديدي " للكاتب الإسرائيلي ( امنون كابيلوك ) ، ومما ورد في الكتاب :
" فقد أحصي بين المفقودين تسع نساء يهوديات تزوجن من فلسطينيين أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين ، وتبعن أزواجهن إلى لبنان أثناء نزوح ١٩٤٨ ، وقد نشرت الصحف الإسرائيلية أسماء أربع منهن " .
كل شيء وارد وممكن ، وهناك من رد أسباب ما يجري الآن إلى هجوم خماس الداعشية المجرمة قطاعة الرؤوس بقارة البطون مغتصبة النساء قاتلة الأطفال ، ناسيا أو متناسيا ، غافلا أو متغافلا ، ما جرى في العام ١٩٤٨ وما تلاه من احتلال وطرد وهدم بيوت واحتقار وتعال و .. و .. وكل ما تقوم به دولة مريضة تحيا في الماضي .
الأوضاع في غزة ليست بخير إطلاقا فالقتل والتجويع والحصار في ازدياد ، وأمس ، في جنين ، ارتقى ثلاثة شباب فلسطينيين ، طاردتهم مسيرة و ... و ... .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٠ / ٣ / ٢٠٢٤
***
167 - ب- نعم أنا أيضا لست بخير :
لست في غزة لأعيش قسوة الحياة ، تحت القصف ، مشردا في شارع أو مقيما في خيمة أو ينتظر دوره في طابور للحصول على رغيف أو كيس طحين مغمس بالدم ، أو ليفرغ معدته مما تمتليء به من هذا العالم أو مثانته أو ...
ولست في غزة ، ليغرق مما تجود به السماء من أمطار كانت شتاء هذا العام وفيرة غزيرة ، أو ليشعر ببرد لافتقاد التدفئة أو نقصان الملابس الشتوية التي تركها أصحابها في بيوتهم ، على أمل أن يكون النزوح ، نحو الجنوب ، قصيرا عابرا ، في حرب قصيرة عابرة ، حرب مثل الحروب السابقة أو مثل حرب حزيران ١٩٦٧ . لا الملابس عدنا إليها ولا البيوت ، فقد سويت الأخيرة بالأرض وسويت معها بالتراب الملابس والغسالات وخزانات المياه و ... و ... .
نعم لست أنا أيضا بخير ، علما بأنني أملك كل ما افتقده أهل غزة : البيت والطعام والكساء والدفء والمكتبة والنقود والمعارف والأصدقاء وإمكانية السفر وتناول لذيد الطعام وفاخر الحلوى وتوفر الإنترنت و ... .
نعم لست أنا بخير !
أحاول أن أقرأ كتابا جديدا فلا أركز .
أحاول أن أستمع إلى أغاني فيروز فلا أشعر بالرضا
أحاول أن أشاهد مباريات كأس دوري أبطال أوروبا ، كما هي العادة منذ سنوات ، فلا أقوى على متابعة مباراة واحدة . أحاول فلا تطاوعني يدي على البحث في غوغل عنها .
وأحاول أن ... فلا أشعر بالرضا . أيعقل ؟؟!!
أمشي في الشارع وأتأمل في وجوه البشر وأنظر إلى البضائع أشتري ما قل وأفاد وأبقاني على قيد الحياة .
أتابع الأخبار . أثرثر مع بعض من ألتقيهم . أبحث في صفحات معينة عن خبر يفرح . أرقام . أرقام . أرقام . أرقام . قتلى . جرحى . أسرى . عدد اللاجئين . عدد الميتين جوعا . عدد الشاحنات . محاولات الإنزال . الميناء . الدبابات الإسرائيلية . محاصرة المشافي . الاستغلال . ارتفاع الأسعار . السلع النادرة . أكل الحشائش . أرغفة الخبز المصنوع من علف الدواب . الكذب . النفاق . البطولات الحقيقة والوهمية في التلفازات .
ارتقاء " حلل يا دويري " و " الفارس الأنيق " و " الفارس الحافي ذي البنطال الستريتش " . أطفال بلا إباء . بلا أمهات . عائلات تباد . الشاعر سليم النفار وعائلته . حمزة وائل الدحدوح وعائلته . ضياع مكتبات . التحسر على الماضي .ذكريات رمضان الماضي . تكيات الطعام . شتائم الغزيين للمساعدات الجوية ومن يقومون بها : لا نريد مساعداتكم . نريد أن نعود إلى بيوتنا و ... و ... و ... و " أجمل الأمهات " اللاتي بقين في غزة يحتملن خفة الحياة التي لا تحتمل .
وأنا .. ؟!
أنا الذي ينعم بكل ما يفتقده أهل غزة ، أنا لست بخير أيضا .
كان الله في عونكم يا أهل غزة !
وصباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ٣ / ٢٠٢٤
***
168 - غزة ( ١٦٨ ) "ما يجب أن يقال":
حلقت نسوة إنجليزيات شعر رؤوسهن تضامنا مع نسوة غزة اللاتي يمررن بظروف قاسية صعبة ، فعدا التيتم وفقدان الأهل والترمل وفقدان الأبناء والبنات والأطراف والبيوت ، وعدا النزوح واللجوء والإقامة في بيوت مكتظة لمعارف وأقارب - إن وجدن من يستضيفهن - ، عدا ما سبق لا يجدن الماء ليغتسلن أو ليغسلن رؤوسهن - أي شعرهن . لقد صار تاج رأسهن يحن إلى الماء والشامبو والتمشيط والسشوار ووردة الزينة و ... و ...
لا أعرف ماذا فعلت نسوة ألمانيا اللاتي ولدتهن أمهات وجدات عشن تجربة الحرب العالمية الثانية ، فقاسين لمدة أربع سنوات !! هل نسيت المعمرات أو بناتهن أو حفيداتهن تلك التجربة ؟
لم أتابع مواقف الأدباء الألمان مما يجري في غزة ، ولكن مواقف بعض المسؤولين كانت مخزية ، ففي بداية المقتلة وحرب الإبادة والمهلكة أجل المشرفون على معرض الكتاب في ( فراكفورت ) منح جائزة للفلسطينية عدنية شبلي عن روايتها " تفصيل ثانوي " ( ٢٠١٧ ) ، وفي بداية الحرب زار المستشار الألماني إسرائيل ليتضامن مع حكومتها . موقف مخز أسير ماض وجب أن يتجاوز .
قبل أيام كتبت عن محادثة مع الكاتب توفيق فياض ، وما لم أكتبه مما ورد فيها حديثي عن بعض الأدباء الألمان مثل ( فولفجانغ بورخرت ) و ( هاينريش بول ) و ( جونتر جراس ) .
وأنا أتحدث عن الأخير ذكرت قصيدته التي منع بسببها من دخول إسرائيل التي لم تكتف بذالك ، بل هاجمته بسبب مشاركته في الحرب العالمية الثانية مرتديا زي الجندية النازي ، ولم يكن يومها سوى مواطن ألماني عادي مراهق غير واع ، وقد أقر بذلك .
قصيدة ( جراس ) عنوانها " ما يجب أن يقال " وفيها كتب عن ازدواجية معايير الغرب في تعامله مع دول الصراع في الشرق الأوسط ، وخص بالذكر إيران وإسرائيل .
في هذه المقتلة التي صمت فيها عشرات من كتابنا ووجب أن يكتبوا ، ولكنهم خافوا أو جبنوا أو رجحوا مصلحة الفصيل على مصلحة الشعب ، في هذه المقتلة تذكرت ( جراس ) وشجاعته وقصيدته ، وقد ترجمتها عن الألمانية وكتبت عنها في جريدة الأيام الفلسطينية "
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٢ / ٣ / ٢٠٢٤
( ملاحظة : سوف أدرج ترجمة قصيدة جراس على حائط الفيس بوك )
***
169 - غزة ( ١٦٩ ) : لا قراقوش ولا قرقاش
في زمن حكم صلاح الدين الأيوبي مصر أراد الأسعد بن مماتي صاحب كتاب " الفاشوش في أحكام قراقوش " أن يسخر من صلاح الدين .
ولما كان صلاح الدين جادا حازما تخلص من حكم الفاطميين بالسيف ، فقد قضى على تراثهم - ويقال أحرق كتبهم - ، أخذ ابن مماتي هذا بالحسبان ، ولذلك لم يسخر منه مباشرة ، وإنما سخر من وزيره قراقوش ، " والحكي للجارة واسمعي يا كنة " ورحم الله رئيس الوزراء الأردني عبد الكريم الكباريتي الذي صار موضع سخرية الفنان نبيل المشيني ، إن أحسنت التذكر .
وعندما كان الحكم الإسرائيلي في ستينيات القرن ٢٠ يحاسب الكتاب الفلسطينيين على كتاباتهم ، فيراقب ويمنع ويشطب ويسجن ويفصل من الوظيفة - ولم ينج توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم من تلك العقوبات أو بعضها - فقد جنح قسم منهم أحيانا إلى التعبير غير المباشر ، شأنهم شأن ابن مماتي ، بل إن سميح القاسم نفسه كتب مسرحية عنوانها " قرقاش " ليسخر من الحاكم الإسرائيلي ، كما سخر ابن مماتي من الوزير وقصد صلاح الدين .
ما الذي ذكرني بابن مماتي وكتابه وبمسرحية سميح القاسم ؟
وأنا أنظر في الصور ومقاطع ( الريلز ) التي يدرجها نشطاء الفيس بوك لفت نظري ما أدرجه أمس الصديق سعادة سوداح Saadeh Soudah .
أدرج سعادة صورة لمسنة فلسطينية في الرابعة والتسعين من عمرها واسمها نايفة رزق النواتي وكتب " اعتقلها جيش الاحتلال من عمارة الصلاح 3 مفترق الولادة غرب مستشفى الشفاء غزة واقتادها إلى جهة مجهولة " .
لطالما اعتقل جنود الاحتلال أطفالا لا يتجاوزون العاشرة ، بل أحيانا السابعة ، وكان منظر اعتقالهم يثير الشفقة ، لا الشفقة على الأطفال ، بل الشفقة على الجنود ودولتهم .
هذه المرة سوف أكون حسن النية والطوية وأزعم أن اقتياد المرأة العجوز لن يكون إلى السجن ، بل إلى قريتها أو مدينتها التي هجرت منها في العام ١٩٤٨ وإن ذلك تم كمبادرة حسن نية لإنهاء الحروب بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الأبد ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة وعودة اللاجئين تبدأ بإعادة نابفة ، وإن شاء الله يعود إلى فلسطين المواطن الأردني نايف حواتمة ليسهم في إقامة دولة إسراطين التي دعا إليها الزعيم الليبي السابق معمر القذافي .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٣ / ٣ / ٢٠٢٤
***
170 - غزة ( ١٧٠ ) : لم تنته الحرب .. إنها الحرب التي لا تنتهي
لم تنته الحرب ، والحرب الفلسطينية الإسرائيلية حرب لا تنتهي ، فثمة دائما حرب قادمة كما كتب الكاتب الإسرائيلي ( حانوخ ليفين ) في أثناء حرب حزيران ١٩٦٧ ، واقتبس منه محمود درويش عبارته " أنا وأنت والحرب القادمة " ، وفي كل حرب تستعر وأكتب عنها أستعير منهما لازمتهما " أنا وأنت والحرب القادمة " . كم مرة كتبت تحت هذا العنوان ؟!
صارت العبارة مملة ممجوجة لكثرة تكرارها ، فلماذا يواصل الإسرائيليون حروبهم ؟ ألا يشعرون بالضجر ؟!
أمس ، وأنا أشاهد أشرطة فيديو تصور ما يفعله الإسرائيليون بشباب غزة ، حيث تجمعهم عراة مغمضي العيون مربوطة أيديهم خلف طهورهم جالسين بالعشرات على الأرض صفوفا صفوفا ، فيشتم قسم منهم خماس والسسنوار و ... ، أمس تذكرت ما كنا نمر به منذ وقعت الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال في ١٩٦٧ ، فالمشهد يتكرر ولا نهاية له ولا يشعر الفلسطينيون باليأس ، وأمس قلت :
- حتى لو انتهت الحرب بخروج المقاتلين الفلسطينيين من غزة شهداء أو أسرى أو جرحى ، فإن الحرب لن تنتهي ، وسوف تكون هناك حرب قادمة ، وسيتكرر المشهد حتى يكون هناك حل عادل .
قبل العام ١٩٨٧ كان أبو طلال ، وأبو طلال ضابط إسرائيلي من إخواننا الدروز ، يعاقب شباب مخيم بلاطة عقابا جماعيا . يخرجهم ليلا من بيوتهم ويجبرهم على الركض لمسافات طويلة أو يجلسهم على الأرض ، وقد يطلب منهم أن يشتموا ياسر عرفات وحركة فتح والفصائل الفلسطينية . ( اسألوا رجال بلاطة عن " أبو طلال " !! )
هل استكان شباب بلاطة وذلوا وجبنوا ؟
لقد كان مخيم بلاطة سباقا في انتفاضة الحجارة ١٩٨٧ ، وما زال نقطة ساخنة لا يشعر شبابه بالضجر ، ولقد مكث يحيى السسنوار في السجون الإسرائيلية أكثر من ٢٠ عاما ، فهل خنع أو استكان ؟
ومنذ انتفاضة الأقصى ٢٠٠٠ والمقاومة تتواصل ، والحروب تستعر ولا تنتهي ، فمتى ينتهي شهر العسل الفلسطيني الإسرائيلي هذا ؟!
لم تكن مشاهد التعذيب والإذلال جديدة . إنها مشاهد صارت مألوفة ولم يتعلم الإسرائيليون ، ويبدو أنهم لن يتعلموا . هل كان ( حانوخ ليفين ) يكتب بيد سماوية أم أنه فهم جيدا عقلية الطبقة الحاكمة في دولته ؟
صارت الحروب عادة ؛ صارت مملة ، ومثلها صارت كتابتي وجملة " أنا وأنت .. والحرب القادمة".
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٤ / ٣ / ٢٠٢٤ .
***
153 -أ- فجر اليوم (١٥٣) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : "ولا عمري أقول تحيا إسرائيل.. عندما قايضوا الطفل الغزاوي"
عندما اختلف الشنفرى مع قبيلته فضل عليها الصعلكة واصطحاب الحيوانات الشرسة والجوع ، وقال :
"ولي دونكم أهلون : سيد عملس / وأرقط زهلول وعرفاء جيأل ...
وأستف ترب الأرض كي لا يرى له / علي من الطول امرؤ متطول"
وعندما كان أحمد سارد رواية يحيى السسنوار " الشوك والقرنفل " طفلا لم يأكل اللحم في طفولته إلا في عرس خالته ، وحين قال لهم معلم الصف في يوم ماطر تخيلوا أن السماء تمطر لحما ورزا فرح ، وفرح أكثر يوم حصل على بطاقة تمكنه من الأكل في مطعم الوكالة تمنح للأطفال سييء التغذية من الأسر الفقيرة.
لم تمطر سماء غزة لحما ورزا ، ولذلك اضطر بعص أهلها ، في خمسينيات القرن ٢٠ ، أن يتسللوا إلى قراهم القريبة التي طردوا منها ، وأقيمت المستوطنات الإسرائيلية على أنقاضها ، ليبحثوا في مزابلها عن بقايا طعام.
في هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة جاع البشر وجاعت الحيوانات أيضا ، وعز الرغيف وأما اللحم الحلال فصار من السلع النادرة جدا وأفضل من الذهب ، وحين توفر القليل منه وطبخه كريم أو محسن أو ... إلخ خاطب الشاب طفلا ، ينتظر دوره ليحصل على القليل في هذه الأشهر العجاف ، طبعا في غزة ، طالبا منه ، لكي يخصه بقطعة لحم ، أن يقول :
- تحيا إسرائيل .
رد عليه الطفل :
- ولا عمري !
أي في عمري لن أقول :
- تحيا إسرائيل .
في هذه اليوميات كتبت :
ما متع إسرائيلي إلا بما جاع به فلسطيني .
في مقابل مدن الإسرائيليين ومستوطناتهم الجميلة المنظمة تقع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين البائسة الفقيرة التي تفتقد إلى أدنى تنظيم . منظر يسر الناظرين هناك ومنظر يسوؤهم هنا .
من قصائد محمود درويش الجميلة قصيدة " طللية البروة " ، التي تعقد على ثنائية القرية الفلسطينية الفقيرة المعدمة والمستوطنة الإسرائيلية ومصانعها الحديثة وشوارعها النظيفة العريضة الواسعة ، وحين يسأله مرافقه لزيارة القرية التي أقيم على أنقاضها كيبوتس ( يتسعور ) إن كان يرى الصنوبرة الطويلة ومصنع الألبان والطرق الحديثة فوق أنقاض البيوت ، يجيبه الشاعر :
- كلا . لا أرى إلا الغزالة في الشباك
- كلا لا أرى إلا الحديقة تحتها ، وأرى خيوط العنكبوت .
ما متع إسرائيلي إلا على إفقار فلسطيني وطرده من أرضه أو قتله ، وأستغفر الله لي ولكم .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٧ / ٣ / ٢٠٢٤
وما زالت الحرب مستمرة .
***
> 153 -ب- الحرب في شهرها السادس :
الحرب تدخل اليوم شهرها السادس ويومها المائة والثلاثة وخمسين ورمضان قاب قوسين وأدنى ولا دلائل على توقفها أو انتهائها ، وثمة صمت يشبه صمت الموتى وأغلب الظن أن أهل غزة فقط هم من يعيشون أجواءها وظلالها وكوابيسها وتبعاتها ، وأما بقية العالم فقد مل ، على ما يبدو ، متابعة أخبارها التي بدأت تخفت ويخفت ضجيجها يوما إثر يوم .
آخر شريط فيديو شاهدته يبدو فيه شاب غزاوي بيده كيس مساعدات أمريكية ، ولا أعرف لماذا ذكر اسم الأردن ، يعبر فيه عن رفضه مساعدات تأتي من دولة تزود إسرائيل بالأسلحة . وعدا أن المساعدات لم ترق له ، إذ لا يعرف ما هي بالضبط ، فقد وضعها في ظرف نايلون أسود وألقى بها في مكب النفايات / الحاوية . لقد رأى أن مكانها هو الحاوية فقط .
الأجواء في نابلس شتوية وباردة والأمطار تبدو ناعمة " مطر ناعم في شتاء يوشك على الرحيل " .
مقالي الأحد القادم لدفاتر الأيام الفلسطينية عنوانه " العالم بعيدا عن غزة والضفة الغربية " وفيه آتي على ما شاهدت الأوضاع عليه في أثناء سفري إلى سلطنة عمان لكي أشارك في ندوة عن " التشبث بالأرض في الأدب الفلسطيني " .
كثيرون يسألونني :
- كيف كانت الرحلة ؟
ما أخبثهم !
في يوم الاثنين أقلعت الطائرة من عمان إلى الدوحة ومن الدوحة إلى مسقط وقضيت النهار كله في المطارات والسيارات . مطار الملكة علياء ومطار الدوحة ومطار مسقط ، وفي يوم الجمعة الأول من آذار طرت من مسقط إلى الدوحة فمطار الملكة علياء ، وأنفقت النقود أجرة للفنادق الفخمة في مسقط والفنادق المعقولة في عمان ولم نسح ولم نتجول ولم نزر ولم ... ولم ... ولم . كما لو أنها سفرة عمل لصالح القضية - أي والله .
هل سيشعر الإسرائيليون ، في غزة ، بالضجر فيولون الأدبار أم أن الأنفاق ستجبرهم على الرحيل ؟
يا برد كن دفئا على غزة وسكانها و .... .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٧ / ٣ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٥٣ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة .
.***
154 -أ- فجر اليوم ( ١٥٤ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة: "وربما المخفي أعظم: اغتصاب وسرقات وقتل"
هل يفاجأ المرء حين يقرأ تقريرا منقولا عن " لؤي ديب " أعدته 5 منظمات دولية و 3 منظمات إسرائيلية غير حكومية منعت إدارة الرئيس الأمريكي ( جو بايدن ) نشره يأتي على 112 حالة اغتصاب فلسطينيات ، في السجون الإسرائيلية ، منذ 7 أكتوبر بينها ثلاث حالات لفتيات عذراوات ، وعلى سرقة مصوغات ذهب بقيمة 370 مليون دولار ، وإعدام ما يقارب 87 شاب بإطلاق النار عليهم في الرأس وتدمير بيوت أهالي المقاومين أو من اشتبه فيهم ، وأن عدد الجنود المرتزقة الذين قتلوا ولم تبلغ إسرائيل عائلاتهم ، حتى اللحظة ، 1327 ؟
هل يفاجأ المرء حين يقرأ التقرير ؟
إذا لجأنا إلى المنهج الاستردادي وقسنا الحاضر على الماضي - أي 2023 / 2024 على 1948 ، واعتمدنا فقط على الوثائق التي أفرجت عنها إسرائيل وأشرطة الفيديو التي تحدث فيها شهود شاركوا في حرب 1948 فإن الاستغراب والدهشة سرعان ما يتلاشيان .
من دير ياسين إلى الطنطورة إلى قبية إلى كفر قاسم إلى دفن جنود مصريين أحياء في سيناء في حرب 1967 إلى ... إلخ إلخ ، كل هذا يقول لنا إن ما ورد في التقرير وارد جدا .
في الأيام الأخيرة راجعت ملاحظاتي على رواية عدنية شبلي " تفصيل ثانوي " ( 2017 ) ، فقرأت عن حالة اغتصاب جماعي لبدوية من النقب ، والموضوع يتطلب معالجة وربما معالجات ، وأما عن السرقات فقد كتب الكاتب الإسرائيلي ( يورام كانيوك ) روايته / سيرته " ( 1948 ) وأدلى فيها بشهادته في الموضوع .
الغرب نهب العالم وارتكب مجازر إبادة و .. و ... و ... والمخفي أعظم .
اليوم يوم المرأة العالمي .
صباح الخير يا غزة
خربشات
٨ / ٣ / ٢٠٢٤
***
> 154 -ب- " يا أمة العار " أبو عبييدة .
شخصيا لم أتفاجأ من موقف العرب والمسلمين ، فهو موقف ، من القضية الفلسطينية ،قديم - جديد ، وقد عبر عنه الثائر الفلسطيني عوض الذي كتب ليلة إعدامه في سجن عكا قصيدته الشهيرة التي مطلعها:
" ظنيت إلنا ملوك تمشي وراها رجال "
وبعد عوض كتب أبو سلمى قصيدته الشهيرة :
" أنشر على لهب القصيد
شكوى العبيد إلى العبيد
شكوى يرددها الزمان
إلى الأبد الأبيد
قالوا الملوك وإنهم
لا يملكون سوى الهبيد "
وفي ١٥ / ١١ / ٢٠٢٣ كتبت تحت عنوان " مناشدة الزعامة العربية وذاكرتنا العذراء " ( الأيام الفلسطينية ١٩ / ١١ / ٢٠٢٣ ) .
وكان إبراهيم طوقان قال :
" لا تلتمس يوما رجاء عند
من جربته فوجدته لا يشعر " .
شخصيا لن أشتم الملوك والرؤساء العرب والأمتين العربية والإسلامية ، لأن سقف توقعاتي ليس عاليا ، فالعرب والمسلمون غارقون في تفاصيل حياتهم الفقيرة المعدمة البائسة ، وأما أن الأقصى يهمهم فهم على استعداد لبناء أقصى آخر يقع في بلاد الهونولولو ويمكن أيضا أن يبنوا مدينة جديدة يسمونها القدس ويقولون إنها الوارد ذكر مسجدها الأقصى في قوله تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) .
في العام ١٩٧٩ كتب صديقنا القاص أكرم هنية قصة قصيرة عنوانها " بعد الحصار .. قبل الشمس بقليل " أدرجها في مجموعته " السفينة الأخيرة ... الميناء الأخير " تنبأ فيها باختفاء الأقصى وسرقة قبة الصخرة واستعداد الملك خالد لبناء أقصى آخر عوضا عنه .
مساء الخير يا غزة
خربشات
٨ / ٣ / ٢٠٢٤ .
مساء اليوم ( ١٥٤ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة .
***
155 -أ- فجر اليوم ( ١٥٥ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : " والجنود يرتكبون الإثم حين يحزنون"
مناظر كثيرة مؤلمة يشاهدها من يتابع أخبار ما يجري هناك في الحرب الدائرة وأكثرها يتعلق بالمجازر المرتكبة بحق المدنيين من البشر وبحق الحجر والشجر ، كما لو أن الحرب حرب انتقام وثأر لجيش يفتخر بطهارة السلاح .
مات الغزيون أمس وهم ينتظرون أن تمطرهم الطائرات بالغذاء ، فقد سقطت الأكياس على رؤوسهم ، ومات بعض الغزيين أمس وهم يقيمون في أنقاض بيوتهم رافضين أن يغادروها إلى خيام لن تنجو أيضا من الملاحقة .
المشهد الذي بثته فضائية الجزيرة أمس كان جندي إسرائيلي التقطه بالكاميرا الخاصة به . مجموعة من الجنود الإسرائيليين المدججين بأحدث الأسلحة تبحث بين الأنقاض عن مقاومين فلا تشاهد إلا رجلا مسنا ، قرب سريره ، حرك ، حين رآهم ، يديه شارة على أنه مدني مسالم لا سلاح بيديه ، فأرداه جندي بأربع رصاصات لترتقي روحه إلى السماء ويبقى جسده في أنقاض بيته .
لم يحزن الجندي ولم يسأله قائده إن كان القتيل مقاوما ليهنئه على شجاعته الباسلة ، إذ مد يده وصافحه ، ف " الجنود يرتكبون الإثم حين يحزنون " ويكونون هناك في الميدان " آلة تنفث نارا وردى ، وتجعل الفضاء طيرا أسودا " - والتعبير لمحمود درويش في قصيدته " جندي يحلم بالزنابق البيضاء " ، ولو فتش الجنود في جيب الرجل المسن لربما وجدوا فيها " صورتين ؛ واحدة لزوحته ، واحدة لطفلته " .
" كخيمة هوى على الحصى
وعانق الكواكب المحطمة
كان على جبينه تاج من دم
وصدره بدون أوسمة
لأنه لم يحسن القتال
يبدو أنه مزارع أو عامل أو بائع جوال " .
في حرب العام ١٩٦٧ جرت على مشارف مدينة نابلس معركة بين عدد من أفراد الجيش الأردني والجيش الإسرائيلي شارك فيها طيران الجيش الثاني ، واستبسل فيها أبو هاشم الضابط الأردني واستشهد ، ولحظة انتهاء المعركة نزل ضابط إسرائيلي واقترب من دبابة الشهيد صالح عبدالله شويعر " أبو هاشم " وصحبه وأدى لهم التحية .
في الحرب الدائرة حاليا ، وفي مقطع شريط الفيديو الذي صوره الجندي الإسرائيلي ، فقد الجنود الإسرائيليون أخلاقيات ضابطهم المشار إليه .
هل الميناء الذي أعلن الرئيس الأمريكي عن إقامته سيكون لإيصال المساعدات لأهل غزة أم لتسهيل هجرتهم منها ؟
إن غدا لناظره قريب ! وإن صار سطر محمود درويش في قصيدته " مديح الظل العالي " :
" أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا "
صار شعارنا الذي نؤمن به ، فقد عززت صدق ما ورد فيه الأيام .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٩ / ٣ / ٢٠٢٤ .
***
> 155 -ب- وصايا الاحتلال الإسرائيلي لنا في الضفة الغربية :
" أهالي المنطقة :
.....
.....
.....
نحن نعلنها بشكل واضح : لن نرحم كل من يحاول أو يفكر أو يحرض أو يكتب ضد إسرائيل ، أو يشارك في أي مسيرة أو فعالية ، ومن يعتقد أننا سنتهاون فقد أخطأ .
....
....
...
كل عام وأنتم بخير رمضان كريم عليكم " .
( من منشور عممه الإسرائيليون أول أمس وقرأته على صفحة الصديق Najeh Khalil وأدرجته على صفحتي).
عندما كتبت عن رواية يحيى السسنوار " الشوك والقرنفل " خاف علي بعض معارفي ، وعندما أشهر ( أبو يائير ) في مؤتمر صحفي القنبلة الذرية التي ألقى جيشه في غزة القبض عليها ، مجسدة في كتاب الفوهرر الألماني ( أدولف هتلر ) قررت أن أضع في غرفة الضيوف في شقتي ، درءا لأي أشكال ، الكتب الثلاثة الآتية جنبا إلى جنب :
- كفاحي
- مكان تحت الشمس
- الشوك والقرنفل .
غير مرة كتبت تحت عنوان " في مديح الاحتلال الإسرائيلي " ، فهل كنت جادا أم كنت أخلط الجد بالهزل بالسخرية؟
وقبل ثلاثة أسابيع تقريبا كتبت تحت عنوان " أنا وأبو يائير وأدولف هتلر " متطرقا إلى الكنز الثمين في غزة.
قبل ثلاثة أيام أدرجت شريط فيديو قديم ل " أبو يائير " يخاطب فيه بالعربية الجماهير العربية الفلسطينية ، في المناطق المحتلة في العام ١٩٤٨ ، يدعوهم إلى التصويت له حتى يكافح الجريمة في المجتمع العربي وحتى يمكنهم من السفر مباشرة من تل أبيب إلى مكة .
حلها يا أبو يائير وأعلن الوحدة العربية وقيام دولة واحدة من المحيط إلى الخليج ويا دار ما دخلك شر ، وفي أمثالنا " عش رجبا تر عجبا " .
الوضع سريالي .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٩ / ٣ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٥٥ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة .
***
156 -أ- صباح اليوم ( ١٥٦ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : " أشرطة الفيديو الغزاوية في تعليقات الإسرائيليين عليها"
أمس ذكرني الكاتب شفيق التلولي في تعليق ، فلما أردت أن أقرأ ما كتب عاكس الجهاز وأظهر لي شريط فيديو لغزاوي ، من مدينة خانيونس ، يبكي فيه تدمير بيته الذي أنفق عمره في بنائه ، بل يبكي تدمير المدينة كلها . كان الرجل يصرخ كمجنون فتظهر أسنانه المتداعية المكسرة المخلوع بعضها . كان يصرخ وينشج دون أن تذرف عيناه الدموع ، ويبدو أن المآقي جفت لدى قسم منا ، وأغلب الظن أن هؤلاء سيموتون قهرا .
الشريط أدرجه على صفحته مواطن إسرائيلي ( فنيوت هتسيبور ) ، وحين نظرت في التعليقات التي كتبها بالعبرية إسرائيليون لاحظت عبارة " عرض الترجمة " فضغطت عليها وهالني سخريتهم من الرجل الغزاوي ، ولم أقرأ من بين مائة تعليق توزعت بين تشف وسخرية وتهكم إلا تعليقا أو اثنين يبدو صاحبه / هما إنسانا متزنا / إنسانين متزنين ( بلغ عدد التعليقات ١٦٦٦ حتى صباح اليوم ) .
- ضحكت كثيرا في ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ والآن في ٧ / ٣ / ٢٠٢٤ عليك أن تبكي كثيرا .
- أين كنت في ٧ / ١٠ ؟
- دراما تستحق الشفقة .
- تمثيل .
- أسنانه خربة من أكل الحلوى في ٧ / ١٠ .
- يجب أن يذهب إلى طبيب أسنان .
- أسنانه بحاجة إلى علاج .
- العبرة بالنهايات . ضحكت في البداية . ابك أخيرا .
- ما زالت هناك بنايات قائمة .
- التحية لجيش الدفاع الإسرائيلي . جيش الأبطال .
- ما جرى ويجري ليس لصالح الطرفين .
- الحرب سيئة
- لكم مكان في الأنفاق . حظ سعيد .
- أضحكني .
- أغنية جميلة .
- إخلاء قيد الإعمار .
- كم سعر الشقة هناك .
- كل سبت له ليلة سبت . ( اللي بدق الباب بسمع الجواب . يعني ) .
- استجداء لجلب المساعدات
- أين الدموع ؟
- لا توجد دموع .
إلخ ... إلخ .. إلخ ،
وكان يجب أن أنقل الترجمات كلها .
الإسرائيليون يرقصون ويغنون وقليلون منهم يكره الحرب ، وهناك أشرطة كثيرة يحتفل الجنود فيها تغني لهم مغنية إسرائيلية تحثهم على تدمير المزيد ، وأخرى لجنود يؤذنون بالعربية وهم مستلقون على الأنقاض ، وثالثة ورابعة ، وهذا جانب ضعف حضوره في يومياتنا .
مرة كتبت تحت عنوان " لما لو العبرية في أعراس الخليل ، والدحية الفلسطينية في أعراس اليهود " وحلها يا ( أبو يائير ) إن كنت قادرا على حلها .
خربشات عادل الاسطة
١٠ / ٣ / ٢٠٢٤
الشريط مدرج على صفحة ( فنيوت هتسيبور ) قبل أربعة أيام . لقد أدرجته على صفحتي ويمكن ترجمة التعليقات )
***
> 156 -ب- بنيامين نتنياهو ونسخة كتاب ( أدولف هتلر ) " كفاحي /Mein Kampf " :
القنبلة الذرية التي ألقى جيش الدفاع الإسرائيلي القبض عليها في غزة ، في الحرب الدائرة حاليا ، ووصلت إلى يد رئيس الوزراء الإسرائيلي ( بنيامين نتنياهو / أبو يائير ) لفتت الأنظار ، فتحدث عنها هو ، ليبرر قسوة الرد الإسرائيلي على أهل غزة ، بخاصة حين يجعل منهم نازيين جددا يوجههم كتاب الفوهرر الغارب ، وصارت أيضا ، لنا ، موضوع كتابة ونقاش ، بل ومثار تساؤل عما يمكن أن نفعله نحن بالنسخ التي في مكتباتنا ، إن ساءت الأحوال في الضفة الغربية ، علما بأن ( أدولف هتلر ) نفسه لو بعثت في جسده الروح ، لما قدم أو أخر ، بل ولو بعثت معه أيضا عشيقته ( ايفا براون ) وبعث معهما ( جوبلز ) والجوقة كلها . لقد صارت عظامهم ، كما يقول مثلنا الشعبي ، مكاحل .
وما أرجحه هو أن النسخ الموجودة ، في قطاع غزة ، من الكتاب قد تعد على أصابع اليدين والقدمين لا أكثر ، وقد تجدها في مكتبات كتاب قليلين جدا قد تتنوع اتجاهاتهم الفكرية ، اشتراها قسم منهم ليقرأ الكتاب كونه ممنوعا ، وكل ممنوع مرغوب ، أو ليقارن بين النازية والصهيونية ، وهذه مقارنة محببة لدى قسم من مثقفينا الذين هم ضد النازية والصهيونية .
هل كانت النسخة في أحد بيوت الكتاب الذي اقتحمته القوات الإسرائيلية ومكثت فيه ؟
وهنا نسأل :
- كم عدد النسخ التي عثرت عليها القوات الإسرائيلية في البيوت التي اقتحمتها وفتشت فيها ؟
أحد كتاب غزة ممن اقتحمت شققهم رأى صورة مكتبه وعليها نسخة الكتاب وقربها صورة له وهو شاب يافع جدا و ... والكاتب يساري الاتجاه عموما - أي ممن أرادوا قراءة كتاب الفوهرر لمعرفة أفكاره ليس أكثر.
أعتقد أن في العهد القديم أسفارا فيها من التحريض على احتقار الآخرين وازدرائهم والتعالي عليهم ، بل والدعوة إلى قتلهم ونساءهم وأطفالهم ، أكثر بكثير مما في كتاب الفوهرر ، وفي الحرب هذه عرفنا الكثير الكثير .
عندنا مثل يقول : " أسمع كلامك أصدقك ... أشوف عمايلك استغرب " .
هل هاجمت الطائرات الحربية الألمانية في الحرب العالمية الثانية ( الغيتوات ) - أي أحياء اليهود في البلدان الأوروبية وسوتها ومن فيها بالأرض ؟
إني لأتساءل !!!
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٠ / ٣ / ٢٠٢٤
مساء اليوم ( ١٥٦ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة .
***
167 -أ- رمضان غزة في اليوم ( ١٥٧ ) من المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة:
منذ أيام وأنا أتابع صفحة مخيم النصيرات وصفحات أخرى غيرها ، فأقرأ فيها ما يعبر عن ألم ومرارة لما يمرون به ، بخاصة أن شهر رمضان الذي حل في هذا الصباح كان يقترب من الأبواب .
افتقد أهل غزة الأجواء الأسرية الطبيعية ، وافتقدوا أيضا أجواء الاستعداد للشهر الفضيل من شراء مواد تموينية وأخرى للزينة ، وتساءلوا عن وجبات الطعام التي سيؤمنها الصائم له ولأسرته ، واستفسروا إن كان يجب على الصائم جوعا أن يصوم ؟
هل الصيام فرض في هذا العام على أهل غزة الصائم أكثرهم منذ أربعة أشهر تقريبا جوعا فرض عليهم ليهلكوا؟
للتو قرأت في صفحة الصديق شجاع الصفدي أنه لأول مرة يستقبل الشهر الفضيل المحبب إليه بامتعاض . هكذا خاطب ربه غصبا مكرها متألما ، فكما كتب غيره لا طعام يفرح الصائم الذي يفرح عند الإفطار لأنه صبر وأدى الفريضة ، ثم حصل على ما يعوضه عن صبره نهارا كاملا .
لا صحن شوربة ولا صحن سلطة ولا وجبة صحية ولا قطعة حلوى ولا ماء ولا عصير ولا ذهاب لتأدية صلاة التراويح ولا كهرباء ولا صوت عبد الباسط يقرأ القرآن ولا صوت مؤذن ينتظر الصائمون سماع " الله أكبر الله أكبر " ولا .. ولا .. ولا .. ومع ذلك فقد قام بعض شباب شمال غزة أمس بتنظيف الشوارع وتزيين الحيطان وتبييضها والكتابة عليها : أهلا برمضان وكل عام وشعبنا الفلسطيني بخير ووضع أفضل .
صار الجندي الإسرائيلي في ساعة استرخاء واستلقاء على رمال غزة ، قبل أن يقنصه قناص ، يؤذن ساخرا من المسلمين ، وصار زميله يصور ما يقوم به ، ليبث شريط فيديو يعبر عن سخريته من المسلمين وربهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
هل تخاطب أهل غزة قائلا :
- صبرا آل غزة ، فإن موعدكم الجنة ؟
وماذا يجدي الخطاب ؟
وبعد عشرة أيام سنتغنى وغيرنا بمعركة الكرامة كما نتغنى بخالد بن الوليد وبصلاح الدين الأيوبي . سنتغنى !!
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١١ / ٣ / ٢٠٢٤
***
158 - صباح اليوم ( ١٥٨ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : "أمس تذكرت ابنة عمي في غزة"
في بداية الحرب كتبت ٨ حلقات تحت عنوان " في غزة لي أصدقاء ولي ذكريات " أتيت فيها على زياراتي قطاع غزة وأقاربي هناك ، وكتبت عن ابنة عمي أبو زكي " فريال " التي ولدت ، في العام ١٩٥٠ ، في مدارس إيواء اللاجئين في نابلس أو في الخيام في مخيم عسكر القديم ، وتزوجت في العام ١٩٧١ من السيد صلاح رزق وأنجبت منه ثلاثة أبناء وثلاث أو أربع بنات - لم أعد متأكدا - .
أمس قلت أسأل من جديد عما ألم بها بعد أن صار الواحد منا يتابع أخبار المعارك ونسي نفسه وأقاربه ، فالموت في غزة صار بالجملة وعائلات بأكملها دفنت تحت أنقاض بيوتها .
أمس مساء عرفت من ابنتها التي تقيم في المنفى ، ولابنة عمي ثلاثة أبناء ذكور وابنتان في المنافي ، أمس عرفت أن أوضاعها مع ابنتها لا تختلف عن أوضاع لاجئي شمال قطاع غزة إلى جنوبها : الإقامة في الخيام .
لم تستوعب ابنة عمي أنها تقيم ، وهي في الرابعة والسبعين من عمرها ، في خيمة . هبط السكر معها وساءت حالتها الصحية وفقدت وعيها ولم تعد تعرف بناتها ، ولم تتحسن أحوالها إلا بعد أن أحضروا لها الدواء وأنبوبة أكسجين لتتمكن من التنفس .
وأنا أقرأ ما كتبته ابنتها لي ترحمت على زوجها صلاح ابن النعمة الذي كان بيته وبيت أبيه في حي الرمال وكانوا ذوي نعمة ، وأنا أترحم عليه تذكرت عبارة " أبو قيس " في رواية غسان كنفاني " رجال في الشمس " ( ١٩٦٣ ) وهو في صحراء الكويت يتذكر الأستاذ سليم ويخاطبه ؛ الأستاذ سليم الذي توفي قبل سقوط قريته بليلة واحدة ودفن فيها :
" يا إلهي أتوجد ثمة نعمة إلهية أكبر من هذه ! "
وأنت يا صلاح رزق الذي عرفناه كريما شهما مرحا أخاطبك بعد سنوات ومن بعيد بعبارة " أبو قيس " نفسها :
" يا إلهي أتوجد ثمة نعمة إلهية أكبر من هذه " وأضيف :
- أنك دفنت معززا مكرما في مقبرة من مقابر مدينتك .
وأمس قرأت نعي مواطن غزاوي يقيم في القاهرة لأبنائه ، وقد أدرج صورتهم :
"تم تأكيد خبر استشهاد جميع أبنائي . ربي يرحمكم يابا ويصبر قلبي . حسبنا الله ونعم الوكيل"
فأدرجت ما كتبه في صفحتي متسائلا :
- بالله عليك ، ما هي مشاعرك حين تقرأ ما كتبه أب غزي في هذا المنشور / ينعى أبناءه ؟!!
وأمس تذكرت أيضا ما ألم بأبناء الشاعرة د.آلاء القطراوي وقد كتبت عن هذا .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ٣ / ٢٠٢٤ .
***
159- صباح اليوم ( ١٥٩ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : "حالتنا العبثية السيزيفية : مطاعم وكالة غوث اللاجئين"
ولدت ابنة عمي في خيمة وبعد أربعة وسبعين عاما تعود لتعيش في خيمة أيضا . كأن حياتنا قصيدة دائرية الشكل . من رحم الأم الصغرى إلى رحم الأم الكبرى ، وكلما رفعنا الصخرة إلى أعلى الجبل واقتربنا من قمة الجبل وقلنا : استقررنا ، حكمت علينا آلهة تل أبيب وواشنطن ومن سار في ركابهما بأن نعود إلى البداية . دحرجت الصخرة وطلبت منا أن نحملها ثانية . أسطورة سيزيفية . كأنما هي مسرحية " الباب " .
ما الذي ذكرني بما سبق وقد كنت كتبته عشرين مرة ؟
وأنا أشاهد لقطات مما تبثه الفضائيات أو مما يدرجه بعض الناشطين من أشرطة فيديو لأحوال لاجئي شمال قطاع غزة الجدد ، في جنوبه ، وكيف يقضون أيام رمضان الأولى ، تذكرت طفولتنا في ستينيات القرن ٢٠ في مخيمات اللجوء ، وقد كتب عنها عديدون وآخر ما قرأته مما كتب هو ما ورد في رواية يحيى السسنوار " الشوك والقرنفل " ( ٢٠٠٤ ) عن طفولة سارده في مخيم الشاطيء المولود في ١٩٦٢ ، سارده الذي استشهد عمه في حرب حزيران ١٩٦٧ ، وفقد أبوه في الفترة نفسها ، فرعاه جده ووكالة الغوث ومنحته بطاقة " طعمة ":.
لشدة فقر أحمد ولسوء حالته الصحية ، بسبب الفقر ، منحته وكالة الغوث بطاقة خاصة تمنحها للأطفال سييء التغذية ، فصار يذهب إلى مطعم الوكالة يوميا ، ليحصل على وجبة خاصة .
ولمن لم يعرف مطاعم وكالة غوث اللاجئين ، فإنها غالبا ما كانت صالة طويلة فيها طاولات يوضع الطعام عليها ويجلس مرتادوها على بنوك يلتهمون وجباتهم ويمنعون من أخذها معهم .
المشاهد التي شاهدتها أمس للاجئي غزة في الخيام ، وهم يتناولون طعام السحور ، أعادتني إلى تلك المطاعم . كأننا لا رحنا ولا جينا ، وها هي دورة حياة الفلسطينيين تعود إلى بداياتها .
أعتقد أنه لن يخفف من وقع الألم إلا إن صحونا على خبر كنس الإسرائيليين من القطاع ، أو أن يحدث في فلسطين ما حدث في أوروبا في العام ١٩٩٠ - أي سقوط الجدران ، أو في جنوب أفريقيا - أي انتهاء المعازل العنصرية ، وعودة اللاجئين . هل أحلم ؟ ربما !
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ٣ / ٢٠٢٤
***
160- فجر اليوم (١٦٠) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة: "جبر الفلسطيني ثانية: من بطن أمه للقبر"
في اجتياح الضفة الغربية في ربيع العام ٢٠٠٢ ، حيث حوصرنا لفترة طويلة ، كتبت قصة قصيرة عنوانها " يوميات جبر الفلسطيني في العيد " .
عندما قرأت أمس ما كتبه الناقد طلعت قديح ، تحت عنوان " ع المكشوف " ، عن حياته منذ ولادته في غزة تذكرت المثل الشعبي الذي جعلته عنوانا لقصتي " جبر .. من بطن أمه للقبر " .
عدد طلعت الحروب التي عاشها في غزة وقال إنه - إن فتح المعبر - فسيهاجر مثل كثيرين من أهل غزة ، تاركا القطاع لإسرائيل وخماس ، فماذا يعني له هذا المسمى " وطن " ؟
هل نلومه على ما كتب ؟
لا أحد منا ، نحن البعيدين عن أرض قطاع غزة ، يمكن أن يزايد على أي مواطن هناك ، ولكن ...
عندما استعرضت ، فيما كتبته لندوة مسقط ، ما كتبه بعض روائيينا ، منذ العام ١٩٣٢ ، عن الأرض وفقدانها وضرورة التشبث فيها ، لم أجد من شجع على المغادرة سوى إسحق موسى الحسيني في " مذكرات دجاجة " ( ١٩٤٣ ) ، ولم يكن مر بالتجربة القاسية التي يعيشها أهل غزة الآن ، وكل الذين كتبوا لم يعانوا القليل القليل مما يعاني منه الغزيون الآن أيضا .
أنا الآن أكتب وأنا في شقتي ، لا أكتب وأنا في خيمة ، فهل يحق لي أن أزايد على أي مواطن غزاوي يقيم في غزة الآن ؟
وأنا أشاهد أشرطة الفيديو التي تبثها قناة الجزيرة أو التي يصورها أفراد ، أو وأنا أسأل عن أخبار بعض أقاربي هناك ، لا ألوم غزاويا واحدا حتى لو ... وأستغفر الله .
عندما أعلمتني ابنة ابنة عمي ، بعد أن سألتها عن أخبار أمها ، أنهم دفعوا مبلغا من المال من أجل إخراجها من القطاع ، صمت ولم أرغب في أن أكون ناصحا ..
وعندما خرج الروائي عاطف ابوسيف وزير الثقافة في السلطة الفلسطينية من غزة في اليوم الخامس والثمانين طلبت منه أن يكتب في يومياته عن تجربة الخروج ، لا لكي أدينه ، وإنما لتكتمل كتابته ، فلو كنت مكانه لربما فكرت أيضا في النجاة الشخصية ، وقبل ستة أيام كتب الكاتب شجاع الصفدي الذي ما زال في غزة ، تحت عنوان " شذرات شخصية " أنه لا يجب على أحد أن يلوم من يفكر في البحث عن خلاص فردي .
ترى لو كان غسان كنفاني حيا ويقيم في غزة هل كان سيكتب :
- كان عليكم ألا تخرجوا !!
في المنفى عشنا الذل وفي المنفى لوحقنا وطردنا وتشردنا وهدم مخيم تل الزعتر وجسر الباشا واليرموك والتعن فاطس أهل شنلر والبقعة أيضا و ... و لهذا صمت أهل فلسطين في مناطق ال ١٩٤٨ وكان لسان حالهم عبارة إميل حبيبي " الجلوس على الخازوق ، فقد جربنا الخوازيق كلها فرأيناها أشبه بمسامير ... إلخ إلخ " .
هل بالغنا في لوم الأجداد والآباء لخروجهم في العام ١٩٤٨ ؟
الآن أقرأ في رواية ابتسام عازم " سفر الاختفاء " وفيها أقرأ أيضا عن الموضوع نفسه .
أنا حائر وإن اتفقت والكاتب عبد المجيد حمدان أن نبقى صامدين هنا حتى لو متنا جوعا .
وفي الموضوع نفسه كتب أيضا الصديق Ziad Ameireh d " وماذا لو ركبوا - أهل غزة - السفن " وكان أول ما قرأت في هذا الصباح .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٤ / ٣ / ٢٠٢٤ .
***
161 - مقتلة غزة ومهلكتها وحرب إبادتها ( ١٦١ ) : "أرحم احتلال على وجه الأرضّّ"
في الكتاب الثالث، وعنوانه " يعاد الثانية " ، من رواية إميل حبيبي " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل " ( ١٩٧٤ ) ، في الرسالة الثالثة ، وعنوانها " حديث شطط في الطريق إلى سجن شطة " ، يأتي سعيد المتشائل على حوار بينه وبين الرجل الكبير الذي اقتاده إلى السجن ؛ حوار يفخر فيه الرجل الكبير بالاحتلال الإسرائيلي ، فيصفه بأنه " أرحم احتلال على وجه الأرض " ، وبما فعله اليهود في أرض فلسطين ، حيث حولوها إلى أرض خضراء ، ويقارن بين ما هي عليه الأرض المحتلة في العام ١٩٤٨ بما هي عليه الأرض المحتلة في العام ١٩٦٧ : الأرض الخضراء مقابل الأرض الجرداء ، فيرد عليه سعيد :
- ألهذا هدمتم قرى اللطرون ؛ عمواس ويالو وبيت نوبا ، وشردتم أهاليها ، يا معلمي الكبير ؟ .
وكان سعيد سأله أيضا عن سبب هدم بيوت السجناء ، وكان المعلم أجابه :
- لنقطع دابر الجردان التي عششت فيها فننقذهم من الطاعون .
ويتكيء على ما ادعته وزارة الصحة الإسرائيلية بخصوص هدم بيوت قرى الجفتلك في الغور .
في الحرب الدائرة حاليا لم تهدم إسرائيل بيوت ثلاثة مخيمات في قطاع غزة ، بل دمرت ما يقارب الستين بالمائة من بيوته . هل أرادت الدولة العبرية أن تقضي أيضا على دابر الجرذان هناك ؟
في بداية المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة رأى وزير الحرب الإسرائيلي ( يوآف غالانت ) في الفلسطينيين حيوانات بشرية ، ورأى إسرائيليون آخرون الرأي نفسه ، فهل أرادوا أن يريحوا البشرية من الجرذان الفلسطينية خوفا على العالم من مرض طاعون أقسى من الكورونا ؟
أحيانا أكون أنا رحيما أيضا مثل الاحتلال الإسرائيلي ، فحين لا تروق لي هندسة مدينة نابلس ؛ مباني وشوارع ، أهدمها وأعيد تنظيمها وبناءها . حكم يا ربي حكم !
ما زالت المقتلة مستمرة ويبدو أنها ، كما قرأت أمس في مقال الدكتور عبد المجيد سويلم Abdel Majeed Sweilem
، في جريدة الأيام الفلسطينية ، يبدو أنها ستتسع لتشمل الإقليم كله .
هل أكرر قول محمود درويش في قصيدته " في القدس " :
- أمن حجر شحيح الضوء تندلع الحروب ؟
لست أدري ، فعين الولايات المتحدة الأمريكية على حقول الغاز أمام شواطيء غزة و ... و .. والولايات المتحدة لا تريد أن تخسر معقلا مهما من معاقلها الأخيرة !!
سامحونا !
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ٣ /"٢٠٢٤ .
***
The killers of Gaza, its annihilation, and the war of annihilation (161): “The most merciful occupation on the face of the earth”
By Adel Osta is one of the writers in Palestine
In the third book, entitled “The Second Repeated,” from Emile Habibi’s novel “The Strange Incidents in the Disappearance of Saeed Abi Al-Nahs Al-Mutasha’il” (1974). In the third letter, entitled “A Conversation with Shatat on the Way to Shatta Prison,” Saeed Al-Mutash’il comes to a dialogue between him and The old man who took him to prison; A dialogue in which the old man is proud of the Israeli occupation, describing it as “the most merciful occupation on the face of the earth,” and of what the Jews did in the land of Palestine, where they turned it into green land, and he compares what the occupied land was like in the year 1948 with what the occupied land was like in the year 1967: The green land versus the barren land, and Saeed replied:
- Is this why you demolished the villages of Latrun? Emmaus, Yalo, and Beit Nuba, and you displaced their people, O my great teacher? .
Saeed had also asked him about the reason for demolishing the prisoners’ homes, and the teacher had answered him:
- Let us cut off the rats that nested in them and save them from the plague.
It is based on what the Israeli Ministry of Health claimed regarding the demolition of homes in the villages of Al-Jiftlik in the Jordan Valley.
In the current war, Israel did not demolish the homes of three camps in the Gaza Strip, but rather destroyed approximately sixty percent of its homes. Did the Hebrew state also want to eliminate the rats there?
At the beginning of the killing, destruction, and war of extermination, the Israeli Minister of War (Yoav Galant) saw the Palestinians as human animals, and other Israelis saw the same opinion. Did they want to relieve humanity of the Palestinian rats out of fear for the world of a plague disease more severe than the Corona virus?
Sometimes I am also merciful, like the Israeli occupation. When I do not like the architecture of the city of Nablus; Buildings and streets, I demolish them, reorganize them, and rebuild them. Judge, O Lord, judge!
The killing is still continuing and it seems that, as I read yesterday in the article by Dr. Abdel Majeed Sweilem
In the Palestinian Al-Ayyam newspaper, it appears that it will expand to include the entire region.
Shall I repeat what Mahmoud Darwish said in his poem “In Jerusalem”:
- From a stone with scarce light, wars break out?
I don't know, because the United States of America has its eyes on the gas fields off the shores of Gaza and... and... and the United States does not want to lose an important stronghold of its last strongholds!!
Forgive us!
Good morning, Gaza
Adel Al-Osta's scribbles
3/15/2024ج
***
162 - "إنه الجمال اليهودي"
" إن لم تستح فافعل ما شئت " يقول المثل الشعبي ، ولم أعقب بأكثر من هذا حين أدرجت على صفحتي ما شاهدته من تنسيق بين مذيعي دبي ومملكة البحرين والقناة الإسرائيلية 12 .
خاطب مذيع فضائية دبي زميله في فضائية مملكة البحرين وخاطبا زميلتهما المذيعة الإسرائيلية الحسناء ذات المظهر الجميل والصوت المغناج ، وردد أحدهما كلمة ( شالوم ) العبرية ، فيم تحدثت هي بفرح بين ، وتواصل ، في ذات اللحظة ، العدوان على غزة ، فدمرت البيوت وارتقى الشهداء وواصل شعبنا هناك مقاومته على الأصعدة جميعها ؛ البحث عن الطعام ، والغناء ، والبقاء في شمال القطاع ، والخروج " من كل بيت وحارة وشارع " و " طالعلك يا عدوي طالع " .
في قصيدته " العودة إلى كربلاء " التي كتبها الشاعر أحمد دحبور في أيلول ١٩٧١ قال :
" يا كربلاء الذبح ، والفرح المبيت ، والمخيم ، والمحبة
كل الوجوه تكشفت كل الوجوه
ورأيت ، كان السيف في كفي ،
وكنت لنظرة الفقراء كعبة
ورأيت من باعوك ،
باعونا معا ،
وتقاسمونا في المزاد ،
...
...
هذا زمان للبطولة ، أو - لمن شاء - الجنون " .
هل أخطأت في الشاعر عين المخيم ؟
" شاهدتهم - عين المخيم في لا تخطيء - وكانوا :
تاجرا ،
ومقامرا ،
ومقنعا ،
كانوا دنانير النخيل " .
هل بدأ اليوم التالي للحرب ؟
فتح في رام الله تهاجم خماس ، والمستوطنون في تل الرميدة في الخليل عربدوا ليل أمس في شوارع البلدة القديمة ، وغالبا ما تستباح القرى ، والأحياء القديمة للمدن ، والمخيمات في ساعات الفجر ، وأما فقراء غزة وأغنياؤها و ... فيبحثون عن طعامهم في البراري ، ويعالجون جرحاهم كيفما تيسر ، ولا يأكل قسم منهم يوميا إلا الخبيزة التي كانوا يأكلونها مرة في العام ، وواصلت الأمهات البكاء على أبنائهن كما واصلت الطائرات الإسرائيلية غاراتها وقصفها العمارات وتسويتها بالأرض .
هل بدت ملامح الهزيمة ؛ هزيمة الجيش الإسرائيلي ، تلوح في الأفق ؟
ربما ! أو أنني أسأت فهم ما قاله وزير الحرب الإسرائيلي ( يوآف غالانت ) .
" للحقيقة وجهان والثلج أسود فوق فلسطيننا "
والمعذرة لمحمود درويش إذ استبدلت كلمة بأخرى .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٦ / ٣ / ٢٠٢٤
***
163 -أ- غزة ( ١٦٣ ) : " الرفق بالحيوان "
قبل حوالي أسبوعين عرفت من الصديق محمد لافي - وهو فلسطيني من مخيم الشابورة في رفح استقر في ألمانيا وحصل على جنسيتها - أن الروائية الفلسطينية ، الحاصلة على الجنسية الأمريكية سوزان أبو الهوى ، صاحبة رواية " صباحات جنين / بينما ينام العالم " ، موجودة في رفح ، فاستغربت الأمر وتساءلت مشككا ، حتى تأكدت وقرأت مقابلة معها ، بعد عودتها عبر القاهرة .
أرادت سوزان أن تكتب عن غزة من داخل غزة ، كما كتب الفرنسي ( جان جينيه ) عن الفلسطينيين في الأردن ولبنان وهو في قواعدهم ، وكما كتب عن مجازر شاتيلا وصبرا في اليوم التالي لارتكاب المجزرة ، حين زار شاتيلا وصبرا " أربع ساعات في شاتيلا " .
كانت دهشتي ومحمد أن سوزان في غزة لتهتم بالحيوان هناك " الرفق بالحيوان " ولم أصدق في البداية ، ثم تابعت الموضوع وعرفت أنها هناك ، لتكتب عما ترى وتعيش ، بالإضافة إلى ما سبق .
في ظل الإبادة والمهلكة والمقتلة الجارية لم تخل أشرطة الفيديو المصورة عنها من أشرطة تأتي على علاقة بعض الغزيين بقططهم ، وأما تمجيد دور الحمير ومكانتها فقد كان لافتا ، لأن مجدها كوسيلة تنقل عاد إليها ، فصارت وسيلة النقل الأولى .
ماذا لو جمع المرء حكايات القطط والكلاب الضالة وغير الضالة والحمير في أثناء المقتلة ؟
أمس قرأت إعلانا أدرجته زينة عاهد هليس ، في صفحة أهالي رفح حي تل السلطان ، عن مكافأة مقدارها 150 شيكلا لمن بعثر على قطتها " شيرازي لون أبيض عيون أزرق أنف أشقر بتهمني جدا جدا " ، وقد أدرجت صورتها في الإعلان .
هل نستغرب هذا ؟
قال المتنبي :
" أعز مكان في الدنا سرج سابح "
وأما صديقنا القاص توفيق فياض فقد كتب قصة جميلة عنوانها " الكلب سمور " أتى فيها على فضيلة الكلب في العودة إلى قريته ورفض حياة اللجوء المذلة . أعتقد أن الكلب سمور يستحق الرعاية والاهتمام والاحترام أيضا ومثله حمير غزة في هذا الزمن .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ٣ / ٢٠٢٤
***
163 -ب- توفيق فياض و " تلفزيون نابلس "
هاتفني كاتبنا الكبير توفيق فياض المقيم في تونس ليعبر عن انزعاجه مما شاهده على شاشة تلفزيون نابلس .
في اليوم السابق للشهر الفضيل كتب أحد ناشطي الفيس بوك طالبا من أصدقائه ألا ينشروا ، في رمضان ، أية صورة لمائدة طعامهم ، مراعاة للوضع الذي يعاني منه أهل غزة المحاصرين الهالكين قصفا وحصارا وجوعا فلا يجدون ما يأكلونه ، ولا يخفى هذا على أحد ، فالمقتلة والمهلكة في قمتها ، وحذر كل من ينشر صورة للمائدة بشطب اسمه من قائمة أصدقائه .
وفي أثناء تجوالي في نابلس قبل أسابيع ، وكانت الأسواق مزدهرة ، قارنت بين الوضع في غزة وفي نابلس ، وكثيرا ما قرأت في صفحات غزيين عن غزة في رمضان هذا العام وغزة في رمضان العام الماضي ، وفي الأحد الماضي كان مقالي في جريدة الأيام الفلسطينية تحت عنوان " الحياة بعيدا عن غزة والضفة " أتيت فيه على ما شاهدته في ( بوليفارد ) في عمان وفي المطار وفي مسقط ، وتساءلت إن كان هناك شيء يجري في غزة .
كان توفيق فياض غاضبا ومستاء جدا من مقدمتي البرنامج وحديثهما عن الطعام والحلويات ، وأيضا من طبيعة الأسئلة التي وجهتاها للجمهور . فهل يعقل أننا في وطن واحد ؟
حاولت أن أخفف من سورة الغصب ، فتذكرت ما كتبه الفلسطينيون واللبنانيون عن حياتهم في حرب حزيران ١٩٨٢ ، وهو ما دفع محمود درويش ليكتب :
" ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا " ، و " نرقص بين شهيدين " وقد كتبت في يومياتي عن هذا .
وذكرت " أبو قتيبة " بأن حصار بيروت وقصفها بالقنابل الفراغية لم يحل دون مشاهدتنا مباريات كأس العالم في اللحظة نفسها ، وقد كتب محمود درويش عن هذا بالتفصيل في كتابه " ذاكرة للنسيان " . هل يمكن أن ننسى المظاهرة التي سارت في شوارع الجزائر احتجاجا على حكم المباراة ، المظاهرة التي لم تنظم لحصار بيروت ، بل للاحتجاج على نتيجة المباراة ؟
في العام ٢٠٢١ كنت أكتب يوميات تحت عنوان " ذاكرة أمس " خصصت بها شارع النصر في مدينة نابلس في رمضان ، ثم اندلعت الحرب في غزة فصرت أكتب يوميات حرب غزة ٢٠٢١ ، وجمع الأستاذ المغربي Mehdi Naqos هذه اليوميات وكان يفترض أن تصدر في كتاب عنوانه " ذاكرة أمس : يوميات شارع النصر وحرب غزة " .
شارع النصر منذ الساعة الثالثة عصرا وحتى الخامسة والنصف مساء يكون أعمر شارع في المدينة ، تجد فيه كل ما لذ وطاب من حلويات وحمص وفلافل وكبة ومخللات ومواد السلطة وعصائر و ...وخبزا متعدد أشكال الأرغفة مرصع بعضها بحبة البركة .
في ساعات الفجر اقتحمت الآليات الإسرائيلية المدينة وعاثت فيها خرابا ثم ... ثم ... .
هذه يا عزيزي أبو قتيبة حياتنا منذ النكبة التي أنت أحد أبنائها وأحد أبرز من كتب عنها في قصصه القصيرة ورواياته ومسرحياته و ... وأبرز من ترجم ما كتب عنها من روايات مثل رواية ( يزهار سميلانسكي ) " خربة خزعة " و ... و ... وتستمر الحياة وسلامي لك ولأهل تونس الخضراء .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
مساء ١٧ / ٣ / ٢٠٢٣ .
***
164 - غزة ( ١٦٤ ) : قرش شدمي والجيش الأكثر أخلاقا في العالم
" شو قالوا بالعبري " .
شو قالوا بالعبري برنامج تقدمه الإعلامية الجليلية ليلى عبده تفضح فيه ما يجري في الدولة الإسرائيلية وما يرتكبه الجيش الأكثر أخلاقا في العالم في غزة وفي الضفة الغربية أيضا .
الحلقة الأخيرة التي شاهدتها أتت على مقتل الرجل السبعيني الأطرش الأصم الأبكم عطا إبراهيم المقيد وعلى تدمير جامعة الإسراء في غزة بأمر من الضابط ( باراك حيرام ) .
قررت الحكومة الإسرائيلية على إثر تصوير قاتل عطا المقيد شريط فيديو حصلت فضائية الجزيرة على نسخة منه بثتها ، ما أدى إلى مطالبة جريدة ( هآرتس ) الإسرائيلية إلى إثارة الموضوع والتحقيق فيه ، قررت الحكومة الإسرائيلية تشكيل لجنة تحقيق في الحدث ، كما طولب أيضا بالتحقيق في شأن تدمير جامعة الإسراء .
الحلقة التي شاهدتها ذكرتني بالضابط ( شدمي ) الذي صار قرشه ، لدى عرب فلسطين ١٩٤٨ ، مضرب مثل .
في العام ١٩٥٦ أصدر شدمي أوامره بإطلاق النار على سكان قرية كفر قاسم ، العائدين من أراضيهم التي يفلحونها ويزرعونها ، فقتل منهم ٤٩ مواطنا . قدم شدمي للمحاكمة وصدر بحقه حكم ظل يخفف إلى أن قررت المحكمة إطلاق سراحه بعد دفع غرامة مقدارها قرش .
ولا حكم قراقوش ، وفي الحادثة كتب إميل حبيبي وسميح القاسم كتيبا ، وكتب الشعراء شعرا ومنه قصيدة محمود درويش " أزهار الدم " :
" - احصدوهم دفعة واحدة
احصدوهم
....
...حصدوهم
......
كفر قاسم
إنني عدت من الموت لأحيا ، لأغني
فدعيني استعر صوتي من جرح توهج " ،
و
" غابة الزيتون كانت دائما خضراء
كانت يا حبيبي
... إن خمسين ضحية
جعلتها في الغروب
بركة حمراء .. خمسين ضحية
يا حبيبي .. لا تلمني ..
قتلوني .. قتلوني
قتلوني "
وأما أنا فلا أريد لجرح غزة وجرح الضفة أن يتوهجا لأستعر صوتي وكتابتي منهما . أريد للحرب أن تنتهي ويعود اللاجئون ويعيش الفلسطينيون ؛ مسلمين ومسيحيين ويهودا ، بثبات ونبات ويخلفون صبيانا وبنات .
للكاتب الإسرائيلي ( يغآل ليب ) رواية عنوانها " والله يا أمي إني أكره الحرب " كتبها بعد أن شارك في حرب حزيران ١٩٦٧ . هل أكرر عنوانها أم أكرر عبارة فلسطيني في وصف الإسرائيليين " يقتلوننا ويبكون " .
الضفة أيضا صارت تستباح أكثر وأكثر .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٨ / ٣ / ٢٠٢٤
***
165 - غزة ( ١٦٥ ) : يحدث في غزة الآن
هل يحدث في غزة الآن شيء ؟
لا يحدث في غزة منذ ٧ أكتوبر شيء .
هل هناك في غزة حرب ؟
كل ما يقال عن حرب هناك هو فبركة في فبركة
[ تجدر الإشارة إلى قصيدة الشاعر الفلسطيني نجوان درويش " فبركة " ]
هل ثمة في غزة اثنان وثلاثون ألف قتيل و٧٥ ألف جريح ؟
[ هذا مجرد فبركة ]
هل سوت إسرائيل أكثر من ٦٠ بالمائة من بنايات غزة بالأرض ؟
[ لا يعقل هذا . هذه دعاية نازية للمدعو ( جوبلز ) . إنها فبركة في فبركة ]
هل أجبرت الحرب في غزة أكثر من مليون و ٤٠٠ ألف فلسطيني على النزوح من شمالها إلى جنوبها ؟
[ إن لم تكن هذه فبركة لاسامية ، فماذا يمكن أن تكون ؟ ]
هل يموت الناس هناك جوعا ويأكلون علف الدواب ؟
[ كيف يموتون جوعا وجارتهم دولة إسرائيل واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط ؟ هذه الادعاءات فبركة أيضا ]
هل تحاصر إسرائيل في غزة المشافي ؟
[ هذه ذروة الفبركة ]
وأنا لا أصدق ما يقال وما يشاع ، فكل ما يقال وما يشاع هو ثرثرات لا قيمة لها ، وكل ما نشاهد من أشرطة فيديو وصور تبثها الفضائيات إن هو إلا من إنتاج الذكاء الصناعي ليس أكثر .
وأنا كلي فبركة في فبركة وحياتي كلها فبركة في فبركة .
أبي فبركة
أمي فبركة
النكبة فبركة
هزيمة حزيران ١٩٦٧ فبركة
وما ليس فبركة هو أن الفلسطينيين في ٧ أكتوبر قتلوا الأطفال اليهود وشقوا بطون النساء اليهوديات وعذبوا المسنين والمسنات وأقاموا لهم معسكرات إبادة وغرف غاز واغتصبوا الفتيات اليهوديات الجميلات . هذا كله ليس فبركة . هذا كله ليس فبركة .
أمس عرضت فضائية الجزيرة مشاهد لما يجري هناك في غزة . نساء أطفال جميعهم خرجوا من أنقاض منزل قصفته الطائرات . هل كانت الطائرات إسرائيلية ؟
[ وهذا كله فبركة في فبركة في فبركة في فبركة ] .
قل لي إذن ما الحقيقة . قل لي ما هي الأحداث التي هي ليست فبركة ؟
[ ما ليس فبركة هو أن النازي ( أدولف هتلر ) قتل ستة ملايين يهودي . هذا فقط ليس فبركة ]
خرجت المرأة الفلسطينية الغزية من بيتها أمس لتحضر لأبنائها كيس طحين ، ولما عادت لم تر بيتها . رأت ركامه وتحت أنقاضه أبناؤها كلهم . [ وهذا للأسف ليس حقيقة . هذا كله من فبركات الجزيرة و ( غوبلز ) و ( أدولف هتلر ) الخمساويين الداعشين أحفاد طالبان الداعين إلى نكاح الجهاد أو إن شئت جهاد النكاح وكله ماشي وكله صابون ]
لم أعثر على قصيدة نجوان درويش " فبركة " ولكني قرأت في ديوانه المترجمة قصائده إلى الفرنسية قصيدة عنوانها " باص الكوابيس " وهذا نصها :
" رأيتهم يضعون خالاتي في أكياس بلاستيك سوداء
وفي زوايا الأكياس تتجمع دماؤهن الحارة
( لكن أنا ليس لي خالات )
عرفت أنهم قد قتلوا ناتاشا - ابنتي التي في الثالثة
( لكن أنا ليس لي ابنة )
قيل لي إنهم اغتصبوا زوجتي قبل أن يجروا جسمها على
الدرج ويتركوه في الشارع
( لكن أنا لم أتزوج )
لا شك هذه نظارتي التي تحطمت تحت البسطار
( لكن أنا لا ألبس نظارة )
كنت نائما في بيت والدي أحلم بالسفر إلى بيتها ، وحين
استيقظت
رأيت إخوتي
يتدلون
من سقف كنيسة القيامة " .
هل قرأ أي منكم شعر الشاعر نجوان درويش ؟
ربما تكون قصيدته هذه من فبركاتي !! ربما !!
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٩ / ٣ / ٢٠٢٤
***
166- غزة ( ١٦٦ ) : مستشفى الشفاء ثانية
لم تنته الحرب في شمال غزة ، ويبدو أنها ، بمحاصرة مستشفى الشفاء ثانية ، عادت من جديد إلى نقطة الصفر .
لم تكتف القوات الإسرائيلية بحصار المشفى ، فقد اقتحمته ، ويبدو أن الخسائر التي تكبدتها أمس أفقدتها عقلها ، فلجأت إلى سلسلة إعدامات ميدانية لعشرات المواطنين الموجودين هناك ، وهو ما أفادته تقارير المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان .
إن كان الشاعر الانجليزي ( ووردزورث ) قال إن " الطفل أبو الرجل " ، وهو ما أخذ به الروائي الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا حين كتب سيرته الذاتية " البئر الأولى " فكتب عن طفولته ، فإن طفولة الدولة العبرية هي الأب الحقيقي لعقدها الثامن - أي شيخوختها .
أمس تذكرت روايات إلياس خوري " باب الشمس " و " أولاد الغيتو : اسمي آدم ونجمة البحر ورجل يشبهني " فعدت إليها لأقرأ فيها عن " المحو " . إسرائيل تريد أن تمحو فلسطين وشعبها وتراثها . كيف لم ننتبه في هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة إلى روايات خوري ؟ هل اكتفينا بقراءة مقاله الأسبوعي الذي يأتي أحيانا عليها ؟
في " باب الشمس " يسرد راوي الرواية عن احتلال قرية البروة . هل اختلف ما قامت به القوات الإسرائيلية أمس في مستشفى الشفاء عما ارتكبته بحق أهل البروة ؟
اقرأوا الآتي :
" أمر الضابط طانيوس بالمشي أمامه . مشى الفتى حتى وصلا إلى شجرة الجميز في طرف الساحة ، وهناك أطلق الضابط رصاصة واحدة من مسدسه ، وعاد إلى الحشد الصغير ليأمره بركوب الشاحنة . وبدأ الناس يتدافعون إلى الشاحنة حتى أبونا جبران تدافع مع المتدافعين ، ولم يذهب لتفقد ابن أخته الميت (- أي طانيوس الذي قتله الضابط الإسرائيلي ) "
و
" حين دخل الإسرائيليون البروة نسفوها بيتا بيتا .لم يأخذوا ثيابنا وشراطيطنا . كانوا كالمجانين ينسفون البيوت ويقومون بحرقها ، ويدعسون القمح ويقطعون أشجار الزيتون بالديناميت ... " ( ١٩٦ ) .
ولماذا نبتعد عن غزة . في العام ١٩٥٦ احتلها الإسرائيليون مدة ستة أشهر وارتكبوا فيها جرائم الإعدام الميداني . هل تذكرون مشهد إعدام سالم في رواية غسان كنفاني " ما تبقى لكم " ( ١٩٦٦ ) ؟ هل تذكرون مشهد إعدام الجنود المصريين والسودانيين في كتاب معين بسيسو " دفاتر فلسطينية " ( ١٩٧٨ )٧ ؟
هل تتذكرون قصيدة محمود درويش " ليلة البوم " في ديوانه " لماذا تركت الحصان وحيدا ؟ " ( ١٩٩٥ ) :
" ههنا حاضر لا يلامسه الأمس ..
حين وصلنا
إلى آخر الشجرات انتبهنا إلى أننا
لم نعد قادرين على الانتباه . وحين
التفتنا إلى الشاحنات رأينا الغياب
يكدش أشياءه المنتقاة وينصب
خيمته الأبدية من حولنا " .
هل خيامنا أبدية ؟
خيام اللاجئين الآن في رفح هي حفيدة خيامهم في العام ١٩٤٨ ، وكنت كتبت عن ابنة عمي التي ولدت في خيمة وهي الآن تقيم في خيمة أيضا .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٠ / ٣ / ٢٠٢٤ .
***
167 -أ- غزة ( ١٦٧ ) : "يهود اليهود":
في رواية إلياس خوري " باب الشمس "( ١٩٩٨ ) تتردد على لسان بعض شخصياتها ، لتبيان فظاعة معاناة الفلسطينيين ، العبارة الآتية :
- " صرنا يهود اليهود " .
والعبارة تحيل إلى عالمين ؛ عالم الفلسطينيين ، منذ نكبة العام ١٩٤٨ ، وعالم اليهود في أوروبا ، تحديدا منذ حشروا ، أو انحشروا هم ، في غيتوات خاصة بهم ، وصارت كلمة يهودي شتيمة .
عانى اليهود في أوروبا ؛ عانوا في روسيا القيصرية ( البوغروم ) ، وعانوا في ألمانيا النازية ( الهولوكست ) ، وكان أن حقدوا على أعدائهم وحقدوا أيضا على من استقبلهم في بيته . ولأنهم لم يتمكنوا من مقاضاة القياصرة الروس والنازيين الألمان ، فقد رأوا فينا أولئك وهؤلاء ، وفرغوا حقدهم على الطرفين فينا . هل أراد الله أن يسلطهم علينا لأننا ، في نظر قسم منا ، أشرار ، أو لأننا ، كما يقول كل واحد فينا لا يمشي الآخرون على مزاجه ، سيئون و " بنستاهل " ؟ .
- لقد صرنا يهود اليهود .
ولأننا صرنا يهود اليهود فليس غريبا أن تزعم الحركة الصهيونية أن من قتلوا في غزة ؛ من النساء والأطفال والمسنين ، هم من اليهود ، وهكذا سيواصل الإسرائيليون الصراخ والحديث عن " الشوا " - أي المحرقة - إلى ما لا نهاية ، وقد يصدق روايتهم العالم الغربي . ألم يصدق ( جو بايدن ) الرئيس الأمريكي ما قاله له رئيس الوزراء الإسرائيلي في بداية الحرب من أن الفلسطينيين قتلوا واغتصبوا ؟
وعودة إلى رواية " باب الشمس " .
يرد في الرواية أن عددا من ضحايا شاتيلا وصبرا ، في العام ١٩٨٢ ، كانوا من اليهود ، وقد اعتمد إلياس ، فيما أورده على لسان الشخصية التي تحدثت ، على كتاب " الدماغ الحديدي " للكاتب الإسرائيلي ( امنون كابيلوك ) ، ومما ورد في الكتاب :
" فقد أحصي بين المفقودين تسع نساء يهوديات تزوجن من فلسطينيين أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين ، وتبعن أزواجهن إلى لبنان أثناء نزوح ١٩٤٨ ، وقد نشرت الصحف الإسرائيلية أسماء أربع منهن " .
كل شيء وارد وممكن ، وهناك من رد أسباب ما يجري الآن إلى هجوم خماس الداعشية المجرمة قطاعة الرؤوس بقارة البطون مغتصبة النساء قاتلة الأطفال ، ناسيا أو متناسيا ، غافلا أو متغافلا ، ما جرى في العام ١٩٤٨ وما تلاه من احتلال وطرد وهدم بيوت واحتقار وتعال و .. و .. وكل ما تقوم به دولة مريضة تحيا في الماضي .
الأوضاع في غزة ليست بخير إطلاقا فالقتل والتجويع والحصار في ازدياد ، وأمس ، في جنين ، ارتقى ثلاثة شباب فلسطينيين ، طاردتهم مسيرة و ... و ... .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٠ / ٣ / ٢٠٢٤
***
167 - ب- نعم أنا أيضا لست بخير :
لست في غزة لأعيش قسوة الحياة ، تحت القصف ، مشردا في شارع أو مقيما في خيمة أو ينتظر دوره في طابور للحصول على رغيف أو كيس طحين مغمس بالدم ، أو ليفرغ معدته مما تمتليء به من هذا العالم أو مثانته أو ...
ولست في غزة ، ليغرق مما تجود به السماء من أمطار كانت شتاء هذا العام وفيرة غزيرة ، أو ليشعر ببرد لافتقاد التدفئة أو نقصان الملابس الشتوية التي تركها أصحابها في بيوتهم ، على أمل أن يكون النزوح ، نحو الجنوب ، قصيرا عابرا ، في حرب قصيرة عابرة ، حرب مثل الحروب السابقة أو مثل حرب حزيران ١٩٦٧ . لا الملابس عدنا إليها ولا البيوت ، فقد سويت الأخيرة بالأرض وسويت معها بالتراب الملابس والغسالات وخزانات المياه و ... و ... .
نعم لست أنا أيضا بخير ، علما بأنني أملك كل ما افتقده أهل غزة : البيت والطعام والكساء والدفء والمكتبة والنقود والمعارف والأصدقاء وإمكانية السفر وتناول لذيد الطعام وفاخر الحلوى وتوفر الإنترنت و ... .
نعم لست أنا بخير !
أحاول أن أقرأ كتابا جديدا فلا أركز .
أحاول أن أستمع إلى أغاني فيروز فلا أشعر بالرضا
أحاول أن أشاهد مباريات كأس دوري أبطال أوروبا ، كما هي العادة منذ سنوات ، فلا أقوى على متابعة مباراة واحدة . أحاول فلا تطاوعني يدي على البحث في غوغل عنها .
وأحاول أن ... فلا أشعر بالرضا . أيعقل ؟؟!!
أمشي في الشارع وأتأمل في وجوه البشر وأنظر إلى البضائع أشتري ما قل وأفاد وأبقاني على قيد الحياة .
أتابع الأخبار . أثرثر مع بعض من ألتقيهم . أبحث في صفحات معينة عن خبر يفرح . أرقام . أرقام . أرقام . أرقام . قتلى . جرحى . أسرى . عدد اللاجئين . عدد الميتين جوعا . عدد الشاحنات . محاولات الإنزال . الميناء . الدبابات الإسرائيلية . محاصرة المشافي . الاستغلال . ارتفاع الأسعار . السلع النادرة . أكل الحشائش . أرغفة الخبز المصنوع من علف الدواب . الكذب . النفاق . البطولات الحقيقة والوهمية في التلفازات .
ارتقاء " حلل يا دويري " و " الفارس الأنيق " و " الفارس الحافي ذي البنطال الستريتش " . أطفال بلا إباء . بلا أمهات . عائلات تباد . الشاعر سليم النفار وعائلته . حمزة وائل الدحدوح وعائلته . ضياع مكتبات . التحسر على الماضي .ذكريات رمضان الماضي . تكيات الطعام . شتائم الغزيين للمساعدات الجوية ومن يقومون بها : لا نريد مساعداتكم . نريد أن نعود إلى بيوتنا و ... و ... و ... و " أجمل الأمهات " اللاتي بقين في غزة يحتملن خفة الحياة التي لا تحتمل .
وأنا .. ؟!
أنا الذي ينعم بكل ما يفتقده أهل غزة ، أنا لست بخير أيضا .
كان الله في عونكم يا أهل غزة !
وصباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ٣ / ٢٠٢٤
***
168 - غزة ( ١٦٨ ) "ما يجب أن يقال":
حلقت نسوة إنجليزيات شعر رؤوسهن تضامنا مع نسوة غزة اللاتي يمررن بظروف قاسية صعبة ، فعدا التيتم وفقدان الأهل والترمل وفقدان الأبناء والبنات والأطراف والبيوت ، وعدا النزوح واللجوء والإقامة في بيوت مكتظة لمعارف وأقارب - إن وجدن من يستضيفهن - ، عدا ما سبق لا يجدن الماء ليغتسلن أو ليغسلن رؤوسهن - أي شعرهن . لقد صار تاج رأسهن يحن إلى الماء والشامبو والتمشيط والسشوار ووردة الزينة و ... و ...
لا أعرف ماذا فعلت نسوة ألمانيا اللاتي ولدتهن أمهات وجدات عشن تجربة الحرب العالمية الثانية ، فقاسين لمدة أربع سنوات !! هل نسيت المعمرات أو بناتهن أو حفيداتهن تلك التجربة ؟
لم أتابع مواقف الأدباء الألمان مما يجري في غزة ، ولكن مواقف بعض المسؤولين كانت مخزية ، ففي بداية المقتلة وحرب الإبادة والمهلكة أجل المشرفون على معرض الكتاب في ( فراكفورت ) منح جائزة للفلسطينية عدنية شبلي عن روايتها " تفصيل ثانوي " ( ٢٠١٧ ) ، وفي بداية الحرب زار المستشار الألماني إسرائيل ليتضامن مع حكومتها . موقف مخز أسير ماض وجب أن يتجاوز .
قبل أيام كتبت عن محادثة مع الكاتب توفيق فياض ، وما لم أكتبه مما ورد فيها حديثي عن بعض الأدباء الألمان مثل ( فولفجانغ بورخرت ) و ( هاينريش بول ) و ( جونتر جراس ) .
وأنا أتحدث عن الأخير ذكرت قصيدته التي منع بسببها من دخول إسرائيل التي لم تكتف بذالك ، بل هاجمته بسبب مشاركته في الحرب العالمية الثانية مرتديا زي الجندية النازي ، ولم يكن يومها سوى مواطن ألماني عادي مراهق غير واع ، وقد أقر بذلك .
قصيدة ( جراس ) عنوانها " ما يجب أن يقال " وفيها كتب عن ازدواجية معايير الغرب في تعامله مع دول الصراع في الشرق الأوسط ، وخص بالذكر إيران وإسرائيل .
في هذه المقتلة التي صمت فيها عشرات من كتابنا ووجب أن يكتبوا ، ولكنهم خافوا أو جبنوا أو رجحوا مصلحة الفصيل على مصلحة الشعب ، في هذه المقتلة تذكرت ( جراس ) وشجاعته وقصيدته ، وقد ترجمتها عن الألمانية وكتبت عنها في جريدة الأيام الفلسطينية "
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٢ / ٣ / ٢٠٢٤
( ملاحظة : سوف أدرج ترجمة قصيدة جراس على حائط الفيس بوك )
***
169 - غزة ( ١٦٩ ) : لا قراقوش ولا قرقاش
في زمن حكم صلاح الدين الأيوبي مصر أراد الأسعد بن مماتي صاحب كتاب " الفاشوش في أحكام قراقوش " أن يسخر من صلاح الدين .
ولما كان صلاح الدين جادا حازما تخلص من حكم الفاطميين بالسيف ، فقد قضى على تراثهم - ويقال أحرق كتبهم - ، أخذ ابن مماتي هذا بالحسبان ، ولذلك لم يسخر منه مباشرة ، وإنما سخر من وزيره قراقوش ، " والحكي للجارة واسمعي يا كنة " ورحم الله رئيس الوزراء الأردني عبد الكريم الكباريتي الذي صار موضع سخرية الفنان نبيل المشيني ، إن أحسنت التذكر .
وعندما كان الحكم الإسرائيلي في ستينيات القرن ٢٠ يحاسب الكتاب الفلسطينيين على كتاباتهم ، فيراقب ويمنع ويشطب ويسجن ويفصل من الوظيفة - ولم ينج توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم من تلك العقوبات أو بعضها - فقد جنح قسم منهم أحيانا إلى التعبير غير المباشر ، شأنهم شأن ابن مماتي ، بل إن سميح القاسم نفسه كتب مسرحية عنوانها " قرقاش " ليسخر من الحاكم الإسرائيلي ، كما سخر ابن مماتي من الوزير وقصد صلاح الدين .
ما الذي ذكرني بابن مماتي وكتابه وبمسرحية سميح القاسم ؟
وأنا أنظر في الصور ومقاطع ( الريلز ) التي يدرجها نشطاء الفيس بوك لفت نظري ما أدرجه أمس الصديق سعادة سوداح Saadeh Soudah .
أدرج سعادة صورة لمسنة فلسطينية في الرابعة والتسعين من عمرها واسمها نايفة رزق النواتي وكتب " اعتقلها جيش الاحتلال من عمارة الصلاح 3 مفترق الولادة غرب مستشفى الشفاء غزة واقتادها إلى جهة مجهولة " .
لطالما اعتقل جنود الاحتلال أطفالا لا يتجاوزون العاشرة ، بل أحيانا السابعة ، وكان منظر اعتقالهم يثير الشفقة ، لا الشفقة على الأطفال ، بل الشفقة على الجنود ودولتهم .
هذه المرة سوف أكون حسن النية والطوية وأزعم أن اقتياد المرأة العجوز لن يكون إلى السجن ، بل إلى قريتها أو مدينتها التي هجرت منها في العام ١٩٤٨ وإن ذلك تم كمبادرة حسن نية لإنهاء الحروب بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الأبد ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة وعودة اللاجئين تبدأ بإعادة نابفة ، وإن شاء الله يعود إلى فلسطين المواطن الأردني نايف حواتمة ليسهم في إقامة دولة إسراطين التي دعا إليها الزعيم الليبي السابق معمر القذافي .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٣ / ٣ / ٢٠٢٤
***
170 - غزة ( ١٧٠ ) : لم تنته الحرب .. إنها الحرب التي لا تنتهي
لم تنته الحرب ، والحرب الفلسطينية الإسرائيلية حرب لا تنتهي ، فثمة دائما حرب قادمة كما كتب الكاتب الإسرائيلي ( حانوخ ليفين ) في أثناء حرب حزيران ١٩٦٧ ، واقتبس منه محمود درويش عبارته " أنا وأنت والحرب القادمة " ، وفي كل حرب تستعر وأكتب عنها أستعير منهما لازمتهما " أنا وأنت والحرب القادمة " . كم مرة كتبت تحت هذا العنوان ؟!
صارت العبارة مملة ممجوجة لكثرة تكرارها ، فلماذا يواصل الإسرائيليون حروبهم ؟ ألا يشعرون بالضجر ؟!
أمس ، وأنا أشاهد أشرطة فيديو تصور ما يفعله الإسرائيليون بشباب غزة ، حيث تجمعهم عراة مغمضي العيون مربوطة أيديهم خلف طهورهم جالسين بالعشرات على الأرض صفوفا صفوفا ، فيشتم قسم منهم خماس والسسنوار و ... ، أمس تذكرت ما كنا نمر به منذ وقعت الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال في ١٩٦٧ ، فالمشهد يتكرر ولا نهاية له ولا يشعر الفلسطينيون باليأس ، وأمس قلت :
- حتى لو انتهت الحرب بخروج المقاتلين الفلسطينيين من غزة شهداء أو أسرى أو جرحى ، فإن الحرب لن تنتهي ، وسوف تكون هناك حرب قادمة ، وسيتكرر المشهد حتى يكون هناك حل عادل .
قبل العام ١٩٨٧ كان أبو طلال ، وأبو طلال ضابط إسرائيلي من إخواننا الدروز ، يعاقب شباب مخيم بلاطة عقابا جماعيا . يخرجهم ليلا من بيوتهم ويجبرهم على الركض لمسافات طويلة أو يجلسهم على الأرض ، وقد يطلب منهم أن يشتموا ياسر عرفات وحركة فتح والفصائل الفلسطينية . ( اسألوا رجال بلاطة عن " أبو طلال " !! )
هل استكان شباب بلاطة وذلوا وجبنوا ؟
لقد كان مخيم بلاطة سباقا في انتفاضة الحجارة ١٩٨٧ ، وما زال نقطة ساخنة لا يشعر شبابه بالضجر ، ولقد مكث يحيى السسنوار في السجون الإسرائيلية أكثر من ٢٠ عاما ، فهل خنع أو استكان ؟
ومنذ انتفاضة الأقصى ٢٠٠٠ والمقاومة تتواصل ، والحروب تستعر ولا تنتهي ، فمتى ينتهي شهر العسل الفلسطيني الإسرائيلي هذا ؟!
لم تكن مشاهد التعذيب والإذلال جديدة . إنها مشاهد صارت مألوفة ولم يتعلم الإسرائيليون ، ويبدو أنهم لن يتعلموا . هل كان ( حانوخ ليفين ) يكتب بيد سماوية أم أنه فهم جيدا عقلية الطبقة الحاكمة في دولته ؟
صارت الحروب عادة ؛ صارت مملة ، ومثلها صارت كتابتي وجملة " أنا وأنت .. والحرب القادمة".
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٤ / ٣ / ٢٠٢٤ .
***