الراحل عبد الكبير الخطيبي يفكك دلالات المفهوم في “الاسم العربي الجريح“
في كتابه “الاسم العربي الجريح” يخصص المفكر المغربي الراحل عبد الكبير الخطيبي فصلا بكامله للوشم معتبرا إياه “كتابة بالنقط” ضمن مشروعه الأنثروبولوجي والسوسيولوجي والمعرفي الذي قصد به البحث في الهوامش، وفي الثقافة الشعبية والشفهية وجعلها منتوجا إنسانيا ومعرفيا وفنيا قابلا للتفكيك والتحليل، واستنباط العناصر الكونية الكامنة فيه.
وبحسه الأنثروبولوجي الصارم يحاول الخطيبي أن يحدد منشأ كلمة الوشم فيقول إن كلمة stigma «تعني في اليونانية وخزة بالحديد المحمى أو الوشم بأداة حادة، تبعا للتقاليد اليونانية، أو الوشم بصفة عامة، حسب رواية هيرودوت».
أما عن استعمال كلمة «وشم» (أو فعلها) في اللغة العربية فيحدده الخطيبي من خلال معجم «لسان العرب» الذي جاء فيه «ابن سيده: الوشم ما تجعله المرأة على ذراعيها ثم تحشوه بالنوؤور، وهو دخان الشحم» وأيضا «أو وشوم الظبية والمهاة، وهي خطوط في الذراعين». وفي مكان آخر من «لسان العرب» نجد «وأوشمت الأرض إذا رأيت فيها شيئا من النبات. وأوشمت السماء إذا بدا منها برق» ثم «أوشمت المرأة أي بدا ثديها ينتأ كما يوشم البرق» ثم «ويقال بيننا وشيمة أي كلام شر وعداوة. وما عصاه وشمة أي طرفة عين».
وهنا يعتبر صاحب «النقد المزدوج» أن هذه السلسلة الاستعارية تعمم الكتابة بحسب أعضاء الجسم، بإخفاء المعنى في رمز دائري مغلق، ما يفسر بوضوح التوتر الموجود في الإسلام بين الكتابة الجاهلية وبين كتابة القرآن «كن فيكون» القائمة على جمل مسجوعة، اعتبرت كتجاوز، لا يمكن التراجع عنه، لمجمل الكتابات السابقة عليها. ومع ذلك فإن كلمة وشمة استمر استعمالها في الأدب العربي.
وهنا ينتقل الخطيبي إلى اسم الوشم tatouage ويعتبره اسما بولينيزيا أصله tatou أو tataho (علما أن كلمة ta تعني الرسم) وقد دونه الملاح كوك للمرة الأولى على شكل tatow فتحولت في اللغة الإنجليزية إلى tatoo وهي فعل، وهذه الكلمة قليلا ما تستعمل في الفرنسية خارج معناها الضيق، يقول الخطيبي.
كما يربط الخطيبي «الوشم» المغربي بنظيره البولينيزي، وما وراءهما من ثقافات احتكت بالوشم عرفتها حضارات آسيوية قديمة عدة، موزعة اليوم على دول مثل: الصين، اليابان، كمبوديا، لاوس، الفلبين… إلخ، والانعطاف بهذه الثقافة لتكون فناً جسدياً يقود إلى افتضاح المطلق، وكشف حيوات ما بعد الموت، وكذلك لدرء الشرور والكوابيس وإرضاء الآلهة. كما كانت الوشوم تؤشر إلى أنظمة مجتمعية وحياتية، على مستوى طقوس الحب، وسحر الانجذاب، والزواج، والإثارة الجنسية، فضلاً عن التعبير عن الفروسية والشجاعة، وتحمّل الآلام، وتصنيف المراتب داخل القبيلة. وللوشم، أو التوشيم، وظيفة علاجية تشبه ظاهرة الوخز بالإبر الصينية اليوم. وله وظائف نفسية أيضاً، لعل في طليعتها مهمة السيطرة على الجسد، والتحكّم به، وإعطائه وجوداً فوق وجوده القار.
وهنا يعتبر الخطيبي أن الوشم يمكن أن يخضع لمعرفة أو لرغبة. وغالبا ما يشم المغاربة جانبا واحدا من الجسد، فيكتفي الرجال بوشم الذراع و العضد، أما المرأة فإنها تشم مناطق عدة من جسدها مثل : من منتصف الجبين إلى ما بين الحواجب و دلك بشكل عمودي، و من منتصف الشفاه السفلية إلى أسفل الذقن، و قد تشم أيضا في مناطق أخرى كالصدر وما بين النهدين والظهر والساق وأسفل الأرداف وفوق العانة الحليقة وغيرها. و الفتاة المغربية توشم في مناسبتين، عند البلوغ وعند الزواج، فالوشم يصف الدورة الدموية من جهة ومحو غشاء البكارة من جهة أخرى.
إلا أن هناك عدة معان للوشم، فقد يكون إشارة للسجناء والمنفيين، وهناك الوشم لغرض العلاج من بعض الأمراض أو العيوب، أو الوشم الذي يكون دليل معرفة مرتبطا بتبادل النساء وامتلاكهن.
و يلاحظ بأن المناطق التي تعتني بها المرأة سواء بالوشم، أو الحناء، تكون ذات أهمية في عملية الإغراء، وينطبق دلك حتى في المكياج الذي غالبا ما يتركز حول العينين والفم، اللذين يعتبران من أهم المناطق في عملية الإغراء.
عزيز المجدوب
في كتابه “الاسم العربي الجريح” يخصص المفكر المغربي الراحل عبد الكبير الخطيبي فصلا بكامله للوشم معتبرا إياه “كتابة بالنقط” ضمن مشروعه الأنثروبولوجي والسوسيولوجي والمعرفي الذي قصد به البحث في الهوامش، وفي الثقافة الشعبية والشفهية وجعلها منتوجا إنسانيا ومعرفيا وفنيا قابلا للتفكيك والتحليل، واستنباط العناصر الكونية الكامنة فيه.
وبحسه الأنثروبولوجي الصارم يحاول الخطيبي أن يحدد منشأ كلمة الوشم فيقول إن كلمة stigma «تعني في اليونانية وخزة بالحديد المحمى أو الوشم بأداة حادة، تبعا للتقاليد اليونانية، أو الوشم بصفة عامة، حسب رواية هيرودوت».
أما عن استعمال كلمة «وشم» (أو فعلها) في اللغة العربية فيحدده الخطيبي من خلال معجم «لسان العرب» الذي جاء فيه «ابن سيده: الوشم ما تجعله المرأة على ذراعيها ثم تحشوه بالنوؤور، وهو دخان الشحم» وأيضا «أو وشوم الظبية والمهاة، وهي خطوط في الذراعين». وفي مكان آخر من «لسان العرب» نجد «وأوشمت الأرض إذا رأيت فيها شيئا من النبات. وأوشمت السماء إذا بدا منها برق» ثم «أوشمت المرأة أي بدا ثديها ينتأ كما يوشم البرق» ثم «ويقال بيننا وشيمة أي كلام شر وعداوة. وما عصاه وشمة أي طرفة عين».
وهنا يعتبر صاحب «النقد المزدوج» أن هذه السلسلة الاستعارية تعمم الكتابة بحسب أعضاء الجسم، بإخفاء المعنى في رمز دائري مغلق، ما يفسر بوضوح التوتر الموجود في الإسلام بين الكتابة الجاهلية وبين كتابة القرآن «كن فيكون» القائمة على جمل مسجوعة، اعتبرت كتجاوز، لا يمكن التراجع عنه، لمجمل الكتابات السابقة عليها. ومع ذلك فإن كلمة وشمة استمر استعمالها في الأدب العربي.
وهنا ينتقل الخطيبي إلى اسم الوشم tatouage ويعتبره اسما بولينيزيا أصله tatou أو tataho (علما أن كلمة ta تعني الرسم) وقد دونه الملاح كوك للمرة الأولى على شكل tatow فتحولت في اللغة الإنجليزية إلى tatoo وهي فعل، وهذه الكلمة قليلا ما تستعمل في الفرنسية خارج معناها الضيق، يقول الخطيبي.
كما يربط الخطيبي «الوشم» المغربي بنظيره البولينيزي، وما وراءهما من ثقافات احتكت بالوشم عرفتها حضارات آسيوية قديمة عدة، موزعة اليوم على دول مثل: الصين، اليابان، كمبوديا، لاوس، الفلبين… إلخ، والانعطاف بهذه الثقافة لتكون فناً جسدياً يقود إلى افتضاح المطلق، وكشف حيوات ما بعد الموت، وكذلك لدرء الشرور والكوابيس وإرضاء الآلهة. كما كانت الوشوم تؤشر إلى أنظمة مجتمعية وحياتية، على مستوى طقوس الحب، وسحر الانجذاب، والزواج، والإثارة الجنسية، فضلاً عن التعبير عن الفروسية والشجاعة، وتحمّل الآلام، وتصنيف المراتب داخل القبيلة. وللوشم، أو التوشيم، وظيفة علاجية تشبه ظاهرة الوخز بالإبر الصينية اليوم. وله وظائف نفسية أيضاً، لعل في طليعتها مهمة السيطرة على الجسد، والتحكّم به، وإعطائه وجوداً فوق وجوده القار.
وهنا يعتبر الخطيبي أن الوشم يمكن أن يخضع لمعرفة أو لرغبة. وغالبا ما يشم المغاربة جانبا واحدا من الجسد، فيكتفي الرجال بوشم الذراع و العضد، أما المرأة فإنها تشم مناطق عدة من جسدها مثل : من منتصف الجبين إلى ما بين الحواجب و دلك بشكل عمودي، و من منتصف الشفاه السفلية إلى أسفل الذقن، و قد تشم أيضا في مناطق أخرى كالصدر وما بين النهدين والظهر والساق وأسفل الأرداف وفوق العانة الحليقة وغيرها. و الفتاة المغربية توشم في مناسبتين، عند البلوغ وعند الزواج، فالوشم يصف الدورة الدموية من جهة ومحو غشاء البكارة من جهة أخرى.
إلا أن هناك عدة معان للوشم، فقد يكون إشارة للسجناء والمنفيين، وهناك الوشم لغرض العلاج من بعض الأمراض أو العيوب، أو الوشم الذي يكون دليل معرفة مرتبطا بتبادل النساء وامتلاكهن.
و يلاحظ بأن المناطق التي تعتني بها المرأة سواء بالوشم، أو الحناء، تكون ذات أهمية في عملية الإغراء، وينطبق دلك حتى في المكياج الذي غالبا ما يتركز حول العينين والفم، اللذين يعتبران من أهم المناطق في عملية الإغراء.
عزيز المجدوب