في حوزة الشاعر العماني عبديغوث ثلاث مجموعات شعريةː المجموعة الأولى "طفل يتنزه في مقبرة" القاهرة 2003. المجموعة الثانية "عودة عبديغوث من المرعى" صدر عن مؤسسة الانتشار العربي سنة 2012. ثم المجموعة الثالثة " لا تشرب من دمي أيتها الفراشة" عن دار سؤال للنشر، لبنان – بيروت سنة 2017.
حين تتصفح قصائد المجموعة الأولى، تلفي الشاعر عبديغوث يتوجع من التشظي الذي ألم بروحه باكرا، ويتألم من التمزق الذي أصاب قلبه، منذ أن وعى الحياة، وأدرك الوجود، لذلك راح يرسم لوحات جمالية، من محبرة الحزن، وينحت الصور الفنية من دواة الكرب، يقول في نص شعري بعنوان بكارةː (ص 11)
أيها القلق المُبكِّر
الذي يشبه طفلاً مُبتلى بالسرطان
أريد أن أنام كما صخرة الوادي
لا تجرفها الأمطار ولا حتى القيامة!
الصورة مربكة، كما هو واضح من مستوى تراكيبها، ومن دلالة رمزيتها، يكمن بعض هذا الإرباك في مناداة الشاعر للقلق ، إذ استعار الشاعر لفظ القلق للطفل على تخيل أن القلق تمثل في صورته، هذا الطفل يشبه طفلا مبتلي بالسرطان، يرغب في أن ينام مثل صخرة الوادي، لا تجرفها الأمطار ولا حتى القيامة. يستمر الإرباك ها هنا، ليصل ذروته القصوى، ويبلغ مداه الأبعد، حين شبه الشاعر رغبة ذاته في النوم، بنوم صخرة الوادي، تدعونا الصورة أن نتأمل ونتساءل عن علاقة ذات الشاعر بالصخرة؟ الذات في بعدها الوجداني الانفعالي الحركي، التي تتألم بفعل عوادي الزمن ونوائب الدهر، مقابل الصخرة باعتبارها عنصرا من عناصر الطبيعة الجامدة، تتصف بالصلابة والسكون،
تنطوي الصورة على انزياح يشي بانفعال الشاعر، وتوتر وجدانه، لدرجة غمس الشاعر أثناءها ريشته في أصباغ قاتمة، تشكلت من مواد متباعدة، وعناصر متنافرة، سعت في بعدها الدلالي إلى خلق عالم هادئ، يسوده الصمت المطبق الشامل، ورغبت في ركنها الجمالي إلى رسم وجود مختلف، تغشاه السكينة الصارخة الحادة، كأن الشاعر يضجر من اضطراب الذات، ويسأم من ابتلاء مبكر، فيأمل الراحة والانعطاف إلى الاستكانة، والخلود إلى الرقاد..
في نصː لِسان الموت (ص 12)
كانت دارنا العتيقة
تطل على باحة مقبرةٍ ساجدةٍ
تحت قدَميْ جبل أصم
فكيف لي أن أفرح الآن
وأنا أحدثكم بلسان الموت
وكل مدى طفولتي
مقابرُ وجبال!
الصورة هنا، موحية زاخرة، تنم عن لذاذة منسابة مدوية، يلعب فيها المجاز دور المحرك، وقطب الباعث، الذي يرفع الصورة إلى مصاف التخييل الجمالي، ويسمو بها إلى مراتب التفرس الفني، تدعونا إلى تأمل فسيفسائها الإبداعية بكثير من التمحيص، لكن أيضا بكثير من الدهشة، والمتعة، المرتكزة إلى الحواس الوجدانية من ذوق وسمع وبصر. الجبل يوحي بالجبروت والقهر، له قدمان تنوء ساحة المقبرة بحملهما، انه أصم، لا يسمع. إن الجبل في نظرة الشاعر مثل الموت، يسحق طفولته في منتهى نبضها، ويمحقها في مدى خفقها، فيهلك معها الفرح والسكن، وما يرتبط بهما من مقومات الوجود، و ما يدور حولهما من أساسيات الحياة.
انه سحق مأساوي، يستلذه الشاعر بارتياح ممعن، حينما يحوله من مستوى الواقع، إلى مستوى التخييل الشعري، ويستطيبه المبدع عبديغوث بانشراح ممض، حينما يرفعه من أفق الحقيقة، إلى أفق الإبداعي الجمالي، بكل مكوناته الصوتية والتركيبية واللغوية والبلاغية..
قِطار غامض (ص 19)
أفكرُ كثيراً في السنوات الثلاثين
التي مضت كقطار
كل سنة عربة خاوية
فيفاجئني حزن غامض
حين أتذكر أنني لم أكن موجوداً
على الإطلاق!
تتصاعد حرارة الصورة، ويلتهب جمرها، فتنجلي رؤية الشاعر، وتنكشف نظرته، فتمسي خيوطا حريرية، تفيض على اللوحة، فتمنحها زخما من الشعرية، تدفع إلى الانصراف لاستكناه أغوارها، وتطفح على المشهد، فتزيدها قوة من التخييل، تحفز إلى الانطلاق لسبر مغاليقها، يقف الشاعر ها هنا أمام الزمن (الزمن الماضيː السنوات الثلاثين) وقفة تأمل، فيرى أنها مرت مرور قطار زاحف، كل سنة منها عربة خاوية، فيباغته حزن غامض، حين يتذكر أنه لم يكن موجودا على الإطلاق، إنها صورة ذات بعد تراجيدي، يتخيل فيها الشاعر انعدام وجوده، وانسحاق كينونته بسبب مضي الزمن/ العمر، بهذه السرعة والعجلة والتدفق والزوال، وكأن الشاعر عبديغوث، يستحضر لمقولة هيراقليطس (لا يدخل المرء النهر نفسه مرتين) إذ" إن العالم أو الوجود في حالة تغيّر وسيلان وصيرورة وتدفق مستمر, وأن لاشيء يبقى على حالته الأولى أو التي كان عليها، ومن ثم فإن الهوية والثبات ينعدمان، ويصبح الاختلاف وسرعة الزوال والتغيّر الصرف أصل الوجود وحالته الدائمة" كما ذهب إلى ذلك حمزة عبد الأمير حسين في معرض حديثه في مقال له "قراءة مارتن هيدجر لمقولة هيراقليطس(لا يدخل المرء النهر نفسه مرتين) المنشور في موقع "الحداثة وما بعد بعد الحداثة"
حين تتابع قراءة قصائد الديوان، تحس بجمر الكلمات، تتصاعد فوارة في فضاء النص، وتشعر بتوهج الحروف، تنبعث حارة بين ثناياه، فتلفك في إزار اشتعالها، وتضمك بين ثوب لهيبها، فتمضي تترسم خطى العوالم التي شيدها خيال الشاعر، وتقفو آثار الأكوان التي أنشأها خاطره، بنوع من رهافة الحس، ورقة الشعور، فتجد لبنات المشاهد بنيت بترتيب من يتوق إلى تنظيم عالم حالم، ويطمح إلى تأسيس وجود متماسك، يرجع له التوازن الذاتي، ويعيد إليه الصفاء الوجداني، كما هو الحال في قصيدةː
"أطفال الغابة" (ص 26)
أبصرتُ لحياتي كثيراً
فبدت مثل ظلال هزيلة
تتراقص على صفحة الماء
فأشحتُ بخيالي المجنِّح بعيدا
كي يتلألأ الماء على "أطفال الغابة"
وحينما أكلتْ كلُّ هذه السنوات حذائي
جلستُ تحت الظلال إياها
وقد تصاعد زفيري
وبدا قفراً من الهواء
فيا أيها الحُلم المجنِّح
ساعدْ هذا الرسغ المرهفَ
حين يحك دمه
كي يدور دورتهُ الطبيعية
ولا يتفصد مثل هواء متقطع
في الفراغ!
نلمس في هذه القصيدة حرارة العبارة، وحرارة العاطفة التي استولت عليه، وهو يبني بلطافة فكر، ورقة وجدان العوالم التخييلية المركبة من التشبيهات والمجازات والاستعارات، والكنايات، على نحو فني بديع، وشكل جمالي مدهش، يهدف الشاعر عبديغوث عبرها أن يستعيد الحياة المثلى، ويستجلب الزمن المفقود.
هذه بعض الملامح الجمالية، والمقومات الفنية التي ميزت الصور في ديوان "طفل يتنزه في مقبرة" للشاعر عبديغوث، وهي صور كما تبدو ملونة بزخارف الخيال الخصب، الذي يجعل المتلقي يتأثر بما يتلقاه من لوحات، وينفعل بما يمر عليه من مشاهد، فينصهر في بوتقتها الفنية، ويندمج في عوالمها الإبداعية، ومزينة أيضا بلغة مكثفة، شحنها الشاعر بطاقة وجدانية، ومدها بقوة تخييلية، تجعل المتلقي يسافر عبرها إلى أكوان من الحلم، ويحلق في سموات من الرؤى، ومزركشة كذلك بعاطفة حارة تعكس ما اختلج الشاعر في نفسه من أحاسيس تفيض بالإبداع ، وتزخر بالشعر.
نقول ذلك، دون أن يغيب عن الذهن، قلق ذات الشاعر الدائم، واضطراب وجدانه المستمر، الذي ألقى بظلاله على طول تجربة الشاعر. هذا القلق الذي ظل الحافز الداعم إلى البوح الشعري، والعامل الأساس إلى الإفصاح عما اعتمل في داخله من مشاعر،، والمجاهرة عما اختلج في صدره من رؤى وعوالم.
ديوان "طفل يتنزه في مقبرة" للشاعر العماني عبديغوث، الانطلاقة الأولى التي حررت طاقته الإبداعية، فأثمرت هذا العمل الشعري، وتلته أعمال شعرية أخرى، -كما سبق أن أشرنا إلى ذلك في مقدمة هذه القراءة- سجلت تطور التجربة الشعرية لدى الشاعر، بسبب انفتاحها على روافد إبداعية متنوعة، واستنادها إلى مراجع ثقافية متباينة، ومواد معرفية مختلفة، خضعت لمغامرة التميز والحداثة بجرأة لافتة، وجسارة نادرة، استلهمت عددا من الصيغ التعبيرية والجمالية ، وغيرها من الصيغ الفنية الأخرى...
عبدالعزيز أمزيان / شاعر من المغرب.
حين تتصفح قصائد المجموعة الأولى، تلفي الشاعر عبديغوث يتوجع من التشظي الذي ألم بروحه باكرا، ويتألم من التمزق الذي أصاب قلبه، منذ أن وعى الحياة، وأدرك الوجود، لذلك راح يرسم لوحات جمالية، من محبرة الحزن، وينحت الصور الفنية من دواة الكرب، يقول في نص شعري بعنوان بكارةː (ص 11)
أيها القلق المُبكِّر
الذي يشبه طفلاً مُبتلى بالسرطان
أريد أن أنام كما صخرة الوادي
لا تجرفها الأمطار ولا حتى القيامة!
الصورة مربكة، كما هو واضح من مستوى تراكيبها، ومن دلالة رمزيتها، يكمن بعض هذا الإرباك في مناداة الشاعر للقلق ، إذ استعار الشاعر لفظ القلق للطفل على تخيل أن القلق تمثل في صورته، هذا الطفل يشبه طفلا مبتلي بالسرطان، يرغب في أن ينام مثل صخرة الوادي، لا تجرفها الأمطار ولا حتى القيامة. يستمر الإرباك ها هنا، ليصل ذروته القصوى، ويبلغ مداه الأبعد، حين شبه الشاعر رغبة ذاته في النوم، بنوم صخرة الوادي، تدعونا الصورة أن نتأمل ونتساءل عن علاقة ذات الشاعر بالصخرة؟ الذات في بعدها الوجداني الانفعالي الحركي، التي تتألم بفعل عوادي الزمن ونوائب الدهر، مقابل الصخرة باعتبارها عنصرا من عناصر الطبيعة الجامدة، تتصف بالصلابة والسكون،
تنطوي الصورة على انزياح يشي بانفعال الشاعر، وتوتر وجدانه، لدرجة غمس الشاعر أثناءها ريشته في أصباغ قاتمة، تشكلت من مواد متباعدة، وعناصر متنافرة، سعت في بعدها الدلالي إلى خلق عالم هادئ، يسوده الصمت المطبق الشامل، ورغبت في ركنها الجمالي إلى رسم وجود مختلف، تغشاه السكينة الصارخة الحادة، كأن الشاعر يضجر من اضطراب الذات، ويسأم من ابتلاء مبكر، فيأمل الراحة والانعطاف إلى الاستكانة، والخلود إلى الرقاد..
في نصː لِسان الموت (ص 12)
كانت دارنا العتيقة
تطل على باحة مقبرةٍ ساجدةٍ
تحت قدَميْ جبل أصم
فكيف لي أن أفرح الآن
وأنا أحدثكم بلسان الموت
وكل مدى طفولتي
مقابرُ وجبال!
الصورة هنا، موحية زاخرة، تنم عن لذاذة منسابة مدوية، يلعب فيها المجاز دور المحرك، وقطب الباعث، الذي يرفع الصورة إلى مصاف التخييل الجمالي، ويسمو بها إلى مراتب التفرس الفني، تدعونا إلى تأمل فسيفسائها الإبداعية بكثير من التمحيص، لكن أيضا بكثير من الدهشة، والمتعة، المرتكزة إلى الحواس الوجدانية من ذوق وسمع وبصر. الجبل يوحي بالجبروت والقهر، له قدمان تنوء ساحة المقبرة بحملهما، انه أصم، لا يسمع. إن الجبل في نظرة الشاعر مثل الموت، يسحق طفولته في منتهى نبضها، ويمحقها في مدى خفقها، فيهلك معها الفرح والسكن، وما يرتبط بهما من مقومات الوجود، و ما يدور حولهما من أساسيات الحياة.
انه سحق مأساوي، يستلذه الشاعر بارتياح ممعن، حينما يحوله من مستوى الواقع، إلى مستوى التخييل الشعري، ويستطيبه المبدع عبديغوث بانشراح ممض، حينما يرفعه من أفق الحقيقة، إلى أفق الإبداعي الجمالي، بكل مكوناته الصوتية والتركيبية واللغوية والبلاغية..
قِطار غامض (ص 19)
أفكرُ كثيراً في السنوات الثلاثين
التي مضت كقطار
كل سنة عربة خاوية
فيفاجئني حزن غامض
حين أتذكر أنني لم أكن موجوداً
على الإطلاق!
تتصاعد حرارة الصورة، ويلتهب جمرها، فتنجلي رؤية الشاعر، وتنكشف نظرته، فتمسي خيوطا حريرية، تفيض على اللوحة، فتمنحها زخما من الشعرية، تدفع إلى الانصراف لاستكناه أغوارها، وتطفح على المشهد، فتزيدها قوة من التخييل، تحفز إلى الانطلاق لسبر مغاليقها، يقف الشاعر ها هنا أمام الزمن (الزمن الماضيː السنوات الثلاثين) وقفة تأمل، فيرى أنها مرت مرور قطار زاحف، كل سنة منها عربة خاوية، فيباغته حزن غامض، حين يتذكر أنه لم يكن موجودا على الإطلاق، إنها صورة ذات بعد تراجيدي، يتخيل فيها الشاعر انعدام وجوده، وانسحاق كينونته بسبب مضي الزمن/ العمر، بهذه السرعة والعجلة والتدفق والزوال، وكأن الشاعر عبديغوث، يستحضر لمقولة هيراقليطس (لا يدخل المرء النهر نفسه مرتين) إذ" إن العالم أو الوجود في حالة تغيّر وسيلان وصيرورة وتدفق مستمر, وأن لاشيء يبقى على حالته الأولى أو التي كان عليها، ومن ثم فإن الهوية والثبات ينعدمان، ويصبح الاختلاف وسرعة الزوال والتغيّر الصرف أصل الوجود وحالته الدائمة" كما ذهب إلى ذلك حمزة عبد الأمير حسين في معرض حديثه في مقال له "قراءة مارتن هيدجر لمقولة هيراقليطس(لا يدخل المرء النهر نفسه مرتين) المنشور في موقع "الحداثة وما بعد بعد الحداثة"
حين تتابع قراءة قصائد الديوان، تحس بجمر الكلمات، تتصاعد فوارة في فضاء النص، وتشعر بتوهج الحروف، تنبعث حارة بين ثناياه، فتلفك في إزار اشتعالها، وتضمك بين ثوب لهيبها، فتمضي تترسم خطى العوالم التي شيدها خيال الشاعر، وتقفو آثار الأكوان التي أنشأها خاطره، بنوع من رهافة الحس، ورقة الشعور، فتجد لبنات المشاهد بنيت بترتيب من يتوق إلى تنظيم عالم حالم، ويطمح إلى تأسيس وجود متماسك، يرجع له التوازن الذاتي، ويعيد إليه الصفاء الوجداني، كما هو الحال في قصيدةː
"أطفال الغابة" (ص 26)
أبصرتُ لحياتي كثيراً
فبدت مثل ظلال هزيلة
تتراقص على صفحة الماء
فأشحتُ بخيالي المجنِّح بعيدا
كي يتلألأ الماء على "أطفال الغابة"
وحينما أكلتْ كلُّ هذه السنوات حذائي
جلستُ تحت الظلال إياها
وقد تصاعد زفيري
وبدا قفراً من الهواء
فيا أيها الحُلم المجنِّح
ساعدْ هذا الرسغ المرهفَ
حين يحك دمه
كي يدور دورتهُ الطبيعية
ولا يتفصد مثل هواء متقطع
في الفراغ!
نلمس في هذه القصيدة حرارة العبارة، وحرارة العاطفة التي استولت عليه، وهو يبني بلطافة فكر، ورقة وجدان العوالم التخييلية المركبة من التشبيهات والمجازات والاستعارات، والكنايات، على نحو فني بديع، وشكل جمالي مدهش، يهدف الشاعر عبديغوث عبرها أن يستعيد الحياة المثلى، ويستجلب الزمن المفقود.
هذه بعض الملامح الجمالية، والمقومات الفنية التي ميزت الصور في ديوان "طفل يتنزه في مقبرة" للشاعر عبديغوث، وهي صور كما تبدو ملونة بزخارف الخيال الخصب، الذي يجعل المتلقي يتأثر بما يتلقاه من لوحات، وينفعل بما يمر عليه من مشاهد، فينصهر في بوتقتها الفنية، ويندمج في عوالمها الإبداعية، ومزينة أيضا بلغة مكثفة، شحنها الشاعر بطاقة وجدانية، ومدها بقوة تخييلية، تجعل المتلقي يسافر عبرها إلى أكوان من الحلم، ويحلق في سموات من الرؤى، ومزركشة كذلك بعاطفة حارة تعكس ما اختلج الشاعر في نفسه من أحاسيس تفيض بالإبداع ، وتزخر بالشعر.
نقول ذلك، دون أن يغيب عن الذهن، قلق ذات الشاعر الدائم، واضطراب وجدانه المستمر، الذي ألقى بظلاله على طول تجربة الشاعر. هذا القلق الذي ظل الحافز الداعم إلى البوح الشعري، والعامل الأساس إلى الإفصاح عما اعتمل في داخله من مشاعر،، والمجاهرة عما اختلج في صدره من رؤى وعوالم.
ديوان "طفل يتنزه في مقبرة" للشاعر العماني عبديغوث، الانطلاقة الأولى التي حررت طاقته الإبداعية، فأثمرت هذا العمل الشعري، وتلته أعمال شعرية أخرى، -كما سبق أن أشرنا إلى ذلك في مقدمة هذه القراءة- سجلت تطور التجربة الشعرية لدى الشاعر، بسبب انفتاحها على روافد إبداعية متنوعة، واستنادها إلى مراجع ثقافية متباينة، ومواد معرفية مختلفة، خضعت لمغامرة التميز والحداثة بجرأة لافتة، وجسارة نادرة، استلهمت عددا من الصيغ التعبيرية والجمالية ، وغيرها من الصيغ الفنية الأخرى...
عبدالعزيز أمزيان / شاعر من المغرب.