تزخر الكثير من الحكايات الشعبية بمخلوقات أخري غير الإنسان تشاركه حياته وتؤثر فيها وفي مصيره ، حتى أن معظـم ا لدارسـين والباحثـين يضعون طـائفة من الحـكايات الشعبية تحت اسم " الحكاية الخرافية " ..
وعالم هذه الحكايات هو " المجهول " الذي يقابل لاشعور الإنسان ، أو العالم الداخلي الخفي للإنسان ، والذي تتحرك فيه الدوافع التي يحسها صاحبها وإن كان لا يدركها بوعي وهو يستجيب لها وكأن كل شيء يتم في عالم من السحر..(1)
وهذا العالم المجهول في الحكاية الشعبية الخرافية يزخر بكائنات تجسدها مخاوف الإنسان وطموحاته وتخيلاته عما لا يعرف ، كائنات مثل الجن والغيلان والساحرات والمرده والحيوانات والطيور الغريبة كالرخ والعنقاء وغيرها .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو " لماذا يلجأ الإنسان إلي اقتحام هذه العوالم المجهولة رغم إدراكه ضعفه وقلة حيلته .. ؟ "
يري " أندريه يولس " أن الحكاية الخرافية تحقق للإنسان حياة العدالة والحب التي يحلم بها ، ويضيف " ماكس لوتي " إلي ذلك أن الحـكاية الخرافـية تقدم بوسائلها الخـاصة جـواباً شافياً عن السؤال الذي يدور بخلد الشعب عن مصيره .
من هنا كان من الضروري للإنسان – إزاء القلق الناشئ عن غموض العالم من حوله – أن يجد متنفساً لمشاعره في هذا النوع من الحكايات ، أو بمعني آخر كان لزاماً عليه أن يصنع لنفسه عالماً آخر يفسر له غموض العالم الواقعي من حوله ، ويجسد حلمه بالعدالة المفتقده .
* * *
وسوف نتناول فيما يلي تصور الحكاية الشعبية لأحد هذه العناصر ، وهو الجــــان
لاشك أن صـورة الجــان في الحكاية الشعبية قد تشكلت في الأساس انطلااقاً من تصور الإنسان – خاصة في عصوره البدائية – لهذا الكائن شكلاً وطبيعة ووظيفة .
وقد اعتقد الإنسان بوجود الجــان عنصراً مؤثراً في حياته منذ ما قبل ظهور الأديان ونزول الكتب السماوية – التي لم تنفِ هذا الوجود – بل أثبتته وبينته كما في قول الله عز وجل في سورة الأحقاف " وإذ صرفنا إليك نفراً من الجِن يستمعون القـرآن فـلمّا
حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلي قومهم منذرين " ( آية : 29 ) ، وكذلك في قوله سبحانه وتعالي أيضاً في سورة تحمل اسم الجن " قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنّا سمعنا قرآناً عجبا " ، وهذا إلي جانب ما هو معروف – من القرآن أيضاً – من تسخير الله الجن لنبيه سليمان – عليه الصلاة والسلام – ينفذون أوامره ويبنون له ما يشاء .
وروي الطبراني بإسناد حسن عن أبي ثعلبة الخشني أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " الجن ثلاثة أصناف ، فصنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء وصنف حيات وصنف يحلون ويظعنون " ، ومن ثم فقد ازداد إيمان الإنسان به واعتقاده بأنه يلعب دوراً مؤثراً في حياته .
ولكن .. كيف رأي الإنسان هذا الكائن ؟ وكيف تصور شكله وطبيعته ؟ وما هي مصادره التي استقي منها الرؤية والتصور ؟ ثم كيف وظفه فنياً في حكاياته ؟
يقول ادوارد وليم لين (2) " يعتقد العرب في الخرافات اعتقاداً عظيماً ، ويعد عرب مصر أكثرهم تعلقاً بهذه الاعتقادات الباطلة ، وأكثر هذه الخرافات اعتباراً الاعتقاد بالجن " ، وينقل عنهم قولهم أن الجن أصلهم سابق علي آدم – وهو هنا لم يطلع علي الآية الكريمة التي تقول : " ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأٍ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم " – وأنهم – أي الجن – في خصائصهم العامة طبقة من الكائنات تتوسط بين الملائكة والإنس ، وتقل عنهما فضلاً وأنها خلقت من نار وتستطيع أن تتشكل بأشكال الناس والبهائم والوحوش الخيالية ، كما يمكنها أن تختفي عن الأنظار كما تريد .. ومنهم المؤمنون ومنهم الكفرة ، ويسكنون الأنهار والخرائب والآباروالحمامات والأفران والمراحيض .
ويقول لين أيضاً أن العرب يخشون الجن ، أخيارهم وأشرارهم ويعتقدون أنهم كثيراً أو دائماً يتشكلون بأشكال القطط والكلاب والحيوانات المفترسة وقد روي الشيخ خليل المدابغى – وهو من أشهر علماء مصر في تلك الفترة – الحكاية التالية : " كان له ، كما يقول ، قط أسود عزيز ينام عند ذيل كلته ، وفي منتصف احدى الليالي سمع طرقاً علي باب داره ، فقام القط وفتح مصراع الباب وهتف : من ؟ فأجابه صوت : " أنا فلان الجني .. افتح الباب " ، فقال قط الشيخ : إن المزلاج قرئ عليه اسم الله ، فقال الآخر: " إذن اقذف لي رغيفين من الخبز" فأجاب القط : إن سلة الخبز سمي عليها ، قال الغريب : " أعطني جرعة ماء إذن " فرد عليه بأن وعاء الماء محفوظ بنفس الطريقة ، فسأل ماذا يستطيع أن يفعل وهو يوشك أن يموت جوعاً وعطشاً ؟
فأشار عليه القط أن يذهب إلي الدار التالية ، وذهب هو بنفسه وفتح الباب ثم عاد ، وفي الصباح التالي غفل الشيخ عن عادة كان يراعيها دائماً فأعطي القط نصف الفطيرة التي كان يفطر بها بدلاً من قطعة صغيرة اعتاد أن يعطيه إياها ، ثم قال له : " يا قطي العزيز ، أنت تعلم أني فقير ، فجئني إذن ببعض الذهب " .. فاختفي القط في الحال ولم يره الشيخ بعدها أبداً..
وقد جاء في بعض الأخبار( 3) " أن نوعا ًمن الجن في قديم الزمان قبل خلق آدم عليه الصـلاة والسـلام كانوا ســكاناً في الأرض وقد طبقـوهـا براً وبحـراً ، وسـهلاً وجـبلاً ، وكان فيهم النـبوة و الملك والدين والشريعة ، وكانوا يطيرون إلي السماء ويسلمون علي الملائكة ويستعلمون منهم خبر ما في السماء ، و كثرت نعم الله عليهم إلي أن طغوا وبغوا وتركوا وصايا أنبيائهم فأرسل الله عليهم جنداً من الملائكة فحصل بينهم مقتلة عظيمة ، وغلبوا الجن وطردوهم إلي أطراف البحار"
وهناك أيضاً ما يعرف" بالمتشيطنة" ومنها السعلاه ويحكي أن صنفاً منها يتزىّ بزيّ النساء ويتراءي للرجال ، وحكي أن بعضهم تزوج امرأة منهن وهو لا يعلم وأنجب منها ثم تركته ذات ليلة وطارت ولم تعد إليه ..
ومن أشهر ملوك الجان " إبليس " الذي تملك الأرض – كما يقول المسعودي – مدة طويلة إلي أن خلق آدم وجري له ما جري مع إبليس .
ويقول الدميري في كـتابه " حـــياة الحــيوان " ( 4) أن الجـن أجسـام هـوائية قادرة علي التشــكل بأشكال مختلفة .
ونتيجة لهذه المعتقدات – سواء الدينية أو الشعبية – تشكلت صورة الجان في الحكاية ، واتخذت أشكالاً متعددة ، فهو إما متناهٍ في الصغر أوالعكس ، ففي حكاية " الصياد مع العفريت" وهي من حكايات " ألف ليلة وليلة " يصف الصياد الجني بعد أن فتح القمقم النحاسي وخرج منه دخان أخذ يتجمع حتي صار عفريتاً " رأسه في السحاب ، ورجلاه في التراب ، برأس كالقبة وأيدٍ كالمذاري ، ورجلين كالصواري ، وفم كالمغارة ، وأسنان كالحجارة ، ومناخير كالإبريق وعينين كالسراجين ، أشعث أغبر " .
هذا من ناحية الشكل الخارجي للجان ، أما من ناحية طبيعته فهو كما سبق القول أجسام هوائية تتشكل حسبما يقتضي الحال في الحكاية ، لا يرتبط بقوانين الحركة التي يتقيد بها الإنسان متجاوزاً الزمان والمكان ، أو هو كما جاء في الحديث الشريف السابق ذكره ثلاثة أصناف ، صنف يطير وصنف حيات وصنف يقيم ويرحل ، ويري فيه المعتقد الشعبي القدرة علي التلبس بالإنسان وإلحاق الضرر به وعليه يستلزم الأمر بعض الطقوس التي يتكسب منها السحرة والدجالين والمشعوزين ، ويمضي المعتقد الشعبي في تصنيفه للجن ، فيقسمه إلي جن شرير يعمل علي إيذاء البشر في مواجهة الجن المؤمن الخيّر الذي يعمل علي إصلاح ما أفسد الجن الشرير ومحاولة إحباط عمله ، وبهذه المواصفات يمكنه أن يلعب دوره الهام والرئيسي في هذه النوعية من الحكايات الخرافية التي تنتشر في الكثير من الثقافات في جميع أنحاء العالم ، وكأن هذه المعتقدات معادلاً موضوعياً للصراع الأبدي بين الخير والشر .
سامى عبد الوهاب بطة
باحث بأطلس المأثورات الشعبية
-ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
(1) د. نبيلة إبراهيم : أشكال التعبير في الأدب الشعبي ، القاهرة ، مكتبة غريب – 1989 .
(2) ادوارد وليم لين : المصريون المحدثون – شمائلهم وعاداتهم،ترجمة : عدلي طاهر
(3) الأبشيهي : شهاب الدين محمد بن أحمد، المستطرف من كل فن مستظرف
(4) الدميري : كمال الدين محمد بن موسي : حياة الحيوان الكبري – كتاب الجمهورية
وعالم هذه الحكايات هو " المجهول " الذي يقابل لاشعور الإنسان ، أو العالم الداخلي الخفي للإنسان ، والذي تتحرك فيه الدوافع التي يحسها صاحبها وإن كان لا يدركها بوعي وهو يستجيب لها وكأن كل شيء يتم في عالم من السحر..(1)
وهذا العالم المجهول في الحكاية الشعبية الخرافية يزخر بكائنات تجسدها مخاوف الإنسان وطموحاته وتخيلاته عما لا يعرف ، كائنات مثل الجن والغيلان والساحرات والمرده والحيوانات والطيور الغريبة كالرخ والعنقاء وغيرها .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو " لماذا يلجأ الإنسان إلي اقتحام هذه العوالم المجهولة رغم إدراكه ضعفه وقلة حيلته .. ؟ "
يري " أندريه يولس " أن الحكاية الخرافية تحقق للإنسان حياة العدالة والحب التي يحلم بها ، ويضيف " ماكس لوتي " إلي ذلك أن الحـكاية الخرافـية تقدم بوسائلها الخـاصة جـواباً شافياً عن السؤال الذي يدور بخلد الشعب عن مصيره .
من هنا كان من الضروري للإنسان – إزاء القلق الناشئ عن غموض العالم من حوله – أن يجد متنفساً لمشاعره في هذا النوع من الحكايات ، أو بمعني آخر كان لزاماً عليه أن يصنع لنفسه عالماً آخر يفسر له غموض العالم الواقعي من حوله ، ويجسد حلمه بالعدالة المفتقده .
* * *
وسوف نتناول فيما يلي تصور الحكاية الشعبية لأحد هذه العناصر ، وهو الجــــان
لاشك أن صـورة الجــان في الحكاية الشعبية قد تشكلت في الأساس انطلااقاً من تصور الإنسان – خاصة في عصوره البدائية – لهذا الكائن شكلاً وطبيعة ووظيفة .
وقد اعتقد الإنسان بوجود الجــان عنصراً مؤثراً في حياته منذ ما قبل ظهور الأديان ونزول الكتب السماوية – التي لم تنفِ هذا الوجود – بل أثبتته وبينته كما في قول الله عز وجل في سورة الأحقاف " وإذ صرفنا إليك نفراً من الجِن يستمعون القـرآن فـلمّا
حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلي قومهم منذرين " ( آية : 29 ) ، وكذلك في قوله سبحانه وتعالي أيضاً في سورة تحمل اسم الجن " قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنّا سمعنا قرآناً عجبا " ، وهذا إلي جانب ما هو معروف – من القرآن أيضاً – من تسخير الله الجن لنبيه سليمان – عليه الصلاة والسلام – ينفذون أوامره ويبنون له ما يشاء .
وروي الطبراني بإسناد حسن عن أبي ثعلبة الخشني أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " الجن ثلاثة أصناف ، فصنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء وصنف حيات وصنف يحلون ويظعنون " ، ومن ثم فقد ازداد إيمان الإنسان به واعتقاده بأنه يلعب دوراً مؤثراً في حياته .
ولكن .. كيف رأي الإنسان هذا الكائن ؟ وكيف تصور شكله وطبيعته ؟ وما هي مصادره التي استقي منها الرؤية والتصور ؟ ثم كيف وظفه فنياً في حكاياته ؟
يقول ادوارد وليم لين (2) " يعتقد العرب في الخرافات اعتقاداً عظيماً ، ويعد عرب مصر أكثرهم تعلقاً بهذه الاعتقادات الباطلة ، وأكثر هذه الخرافات اعتباراً الاعتقاد بالجن " ، وينقل عنهم قولهم أن الجن أصلهم سابق علي آدم – وهو هنا لم يطلع علي الآية الكريمة التي تقول : " ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأٍ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم " – وأنهم – أي الجن – في خصائصهم العامة طبقة من الكائنات تتوسط بين الملائكة والإنس ، وتقل عنهما فضلاً وأنها خلقت من نار وتستطيع أن تتشكل بأشكال الناس والبهائم والوحوش الخيالية ، كما يمكنها أن تختفي عن الأنظار كما تريد .. ومنهم المؤمنون ومنهم الكفرة ، ويسكنون الأنهار والخرائب والآباروالحمامات والأفران والمراحيض .
ويقول لين أيضاً أن العرب يخشون الجن ، أخيارهم وأشرارهم ويعتقدون أنهم كثيراً أو دائماً يتشكلون بأشكال القطط والكلاب والحيوانات المفترسة وقد روي الشيخ خليل المدابغى – وهو من أشهر علماء مصر في تلك الفترة – الحكاية التالية : " كان له ، كما يقول ، قط أسود عزيز ينام عند ذيل كلته ، وفي منتصف احدى الليالي سمع طرقاً علي باب داره ، فقام القط وفتح مصراع الباب وهتف : من ؟ فأجابه صوت : " أنا فلان الجني .. افتح الباب " ، فقال قط الشيخ : إن المزلاج قرئ عليه اسم الله ، فقال الآخر: " إذن اقذف لي رغيفين من الخبز" فأجاب القط : إن سلة الخبز سمي عليها ، قال الغريب : " أعطني جرعة ماء إذن " فرد عليه بأن وعاء الماء محفوظ بنفس الطريقة ، فسأل ماذا يستطيع أن يفعل وهو يوشك أن يموت جوعاً وعطشاً ؟
فأشار عليه القط أن يذهب إلي الدار التالية ، وذهب هو بنفسه وفتح الباب ثم عاد ، وفي الصباح التالي غفل الشيخ عن عادة كان يراعيها دائماً فأعطي القط نصف الفطيرة التي كان يفطر بها بدلاً من قطعة صغيرة اعتاد أن يعطيه إياها ، ثم قال له : " يا قطي العزيز ، أنت تعلم أني فقير ، فجئني إذن ببعض الذهب " .. فاختفي القط في الحال ولم يره الشيخ بعدها أبداً..
وقد جاء في بعض الأخبار( 3) " أن نوعا ًمن الجن في قديم الزمان قبل خلق آدم عليه الصـلاة والسـلام كانوا ســكاناً في الأرض وقد طبقـوهـا براً وبحـراً ، وسـهلاً وجـبلاً ، وكان فيهم النـبوة و الملك والدين والشريعة ، وكانوا يطيرون إلي السماء ويسلمون علي الملائكة ويستعلمون منهم خبر ما في السماء ، و كثرت نعم الله عليهم إلي أن طغوا وبغوا وتركوا وصايا أنبيائهم فأرسل الله عليهم جنداً من الملائكة فحصل بينهم مقتلة عظيمة ، وغلبوا الجن وطردوهم إلي أطراف البحار"
وهناك أيضاً ما يعرف" بالمتشيطنة" ومنها السعلاه ويحكي أن صنفاً منها يتزىّ بزيّ النساء ويتراءي للرجال ، وحكي أن بعضهم تزوج امرأة منهن وهو لا يعلم وأنجب منها ثم تركته ذات ليلة وطارت ولم تعد إليه ..
ومن أشهر ملوك الجان " إبليس " الذي تملك الأرض – كما يقول المسعودي – مدة طويلة إلي أن خلق آدم وجري له ما جري مع إبليس .
ويقول الدميري في كـتابه " حـــياة الحــيوان " ( 4) أن الجـن أجسـام هـوائية قادرة علي التشــكل بأشكال مختلفة .
ونتيجة لهذه المعتقدات – سواء الدينية أو الشعبية – تشكلت صورة الجان في الحكاية ، واتخذت أشكالاً متعددة ، فهو إما متناهٍ في الصغر أوالعكس ، ففي حكاية " الصياد مع العفريت" وهي من حكايات " ألف ليلة وليلة " يصف الصياد الجني بعد أن فتح القمقم النحاسي وخرج منه دخان أخذ يتجمع حتي صار عفريتاً " رأسه في السحاب ، ورجلاه في التراب ، برأس كالقبة وأيدٍ كالمذاري ، ورجلين كالصواري ، وفم كالمغارة ، وأسنان كالحجارة ، ومناخير كالإبريق وعينين كالسراجين ، أشعث أغبر " .
هذا من ناحية الشكل الخارجي للجان ، أما من ناحية طبيعته فهو كما سبق القول أجسام هوائية تتشكل حسبما يقتضي الحال في الحكاية ، لا يرتبط بقوانين الحركة التي يتقيد بها الإنسان متجاوزاً الزمان والمكان ، أو هو كما جاء في الحديث الشريف السابق ذكره ثلاثة أصناف ، صنف يطير وصنف حيات وصنف يقيم ويرحل ، ويري فيه المعتقد الشعبي القدرة علي التلبس بالإنسان وإلحاق الضرر به وعليه يستلزم الأمر بعض الطقوس التي يتكسب منها السحرة والدجالين والمشعوزين ، ويمضي المعتقد الشعبي في تصنيفه للجن ، فيقسمه إلي جن شرير يعمل علي إيذاء البشر في مواجهة الجن المؤمن الخيّر الذي يعمل علي إصلاح ما أفسد الجن الشرير ومحاولة إحباط عمله ، وبهذه المواصفات يمكنه أن يلعب دوره الهام والرئيسي في هذه النوعية من الحكايات الخرافية التي تنتشر في الكثير من الثقافات في جميع أنحاء العالم ، وكأن هذه المعتقدات معادلاً موضوعياً للصراع الأبدي بين الخير والشر .
سامى عبد الوهاب بطة
باحث بأطلس المأثورات الشعبية
-ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
(1) د. نبيلة إبراهيم : أشكال التعبير في الأدب الشعبي ، القاهرة ، مكتبة غريب – 1989 .
(2) ادوارد وليم لين : المصريون المحدثون – شمائلهم وعاداتهم،ترجمة : عدلي طاهر
(3) الأبشيهي : شهاب الدين محمد بن أحمد، المستطرف من كل فن مستظرف
(4) الدميري : كمال الدين محمد بن موسي : حياة الحيوان الكبري – كتاب الجمهورية