سبب تكريس الحنفية هو أصلها في اللغة المصرية القديمة (Getty)
أثارت لفظة "الحنفية" كتسمية "لصنبور المياه" تاريخيًا الكثير من الجدل الذي يمتد لأكثر من قرن من الزمن ولمّا ينتهي بعد. ما هو أصل هذه الكلمة وتاريخها، ومن أين جاءت إلى لغتنا؟ تتبع اشتقاقها سيقودنا لتاريخ من التحولات الاجتماعية تظهر فيه سطوة الفقهاء وسلطة "النص الفقهي" وتأثيرهم الكبير على حياة الناس.
بالنسبة لعلماء اللغة العربية في القرن الماضي فإن لفظ "حنفية" هو لفظ مولد ودخيل على العربية، إذ يقول الشيخ رشيد عطية (1882-1956)، في كتابه "معجم عطية في العامي والدخيل" (دار الكتب العلمية-ص: 54): حنفية: "مولدة يراد بها أنبوبة ذات لولب تزج في ثقب من الحوض لاستفراغ الماء منه عند الحاجة. يُقرب منها الصُنبور وهو أنبوبة في الإداوة يشرب منها حديدًا كانت رصاصًا أو غيرهما".
ويتفق معه العالم اللغوي الشيخ رضا العامل (1872 – 1953) في معجمه الضخم "متن اللغة العربية 2/ 181" بقوله إن الحنفية لفظ "مولد" وهي أنبوب الماء في الميضأة، مكان الوضوء في المسجد، يضيف في كتاب آخر له بالقول سميت كذلك "نسبة إلى السادة الحنفية فإنهم يتوضأون منها ويتجنبون الوضوء من الميضأة".
علماء اللغة يضعون لفظة "الحنفية" ضمن الأخطاء الشائعة المستخدم بكثرة في اللغة العربية الفصحى، يقول محمد العدناني هو عضو شرف في مجمع اللغة العربية الأردني، في كتابه "معجم الأخطاء الشائعة". يُقال: ملأت الكأس من الحنفية، والصواب هو: ملأتها من الصنبور، والصنبور قصبة يشرب منها، سواء أكانت حديدًا أم رصاصًا أم غيرهما، أما كلمة "حنفية" فهي جمع لـ"حنفي" والحنيفي هو الذي يتبع مذهب أبي حَنيفة، ويجمع حنيفي أيضًا على أحناف. وفي المعجم الوسيط إن كلمة "الحَنفية" عامية، وصوابها الصنبور.
إذن، لا يوجد بهذا المعنى أصل للكلمة في اللغة العربية الفصحى، وإنما نجده في اللغة العامية واللغة الدارجة كما يشير العالم اللغوي الليبي علي فهمي خشيم في معجمه الضخم: "البرهان على عروبة اللغة المصرية القديمة ص 290": "فإن كلمة "حنبي" ـ بلفظ v اللاتينية بالباء المخففة ـ تعني: نافورة، بئر، نبع، حنب: ألقى شبكة، جر جدولًا، حنف: قبض، أحنى، وعليه يرجح الدكتور خشيم أن "الحنفية: صنبور الماء والجمع حنفيات، هي من ميراث اللغة الدارجة وليست اللغة العربية الفصحى.
مما سبق نعلم أن لفظة "الحنفية" تم "اعتمادها" في مصر نجد أصولها في لغتها القديمة، وما يعزز وجهة نظرنا هذه هو العودة لتاريخ "شبكات المياه الحديثة". فصحيفة الأهرام المصرية في عددها 46492 الصادر في 22 آذار/مارس 2014، ذكرت أن سلطات الاحتلال الإنجليزي أن عممت في العام 1884 المنشور (رقم 68) القاضي باستبدال أماكن الوضوء في المساجد بصنابير متصلة بشبكة مياه الشرب النقية، التي أقامتها وأن هذا القرار جاء بناء على "ما تقرر فى مجلس النظّار عن مسألة المراحيض النقالة المقتضى إحداثها، وميضاء الجوامع اللازم استبدالها بحنفيات"، تسهيلًا على المصلين لاستخدام المياه النقية فى المساجد للوضوء بدلًا من الطاسة.
اقرأ/ي أيضًا: سجع الكهان.. 600 عام من نزول القرآن
ويبدو أن هذا التعميم لم يمر بسهولة فقد اصطدم كما سنرى بمصالح "رجال الدين" فالتحولات الدراماتيكية التي دخلت إلى بنية "العالم السفلي" للبشر، واعتماد الحنفية كوسيلة لنقل المياه، لم تكن سهلة كما قد يتبادر لذهن الكثير. كان عملية الانتقال "ثورة" حقيقة لها قادتها ولها "شهداؤها" أيضًا.
وإن صحت هذه الرواية فهذا يعني أن لفظة الحنفية أطلقت أواخر القرن التاسع عشر في مصر. ومصر حينها كانت من الدول الرائدة في العالم في تغيير هندسة "عالمها السفلي"/بنيتها التحتية، إذ يعود تاريخ إنشاء أول شركات المياه الحديثة في الإسكندرية والقاهرة إلى ستينيات القرن التاسع عشر بإشراف أوروبي، لكن تم إنشاء مصلحة المجاري الرئيسية في مدينة القاهرة في 22 آذار/مارس 1915.
إذا علمنا أن شبكات الصرف الصحي الحديثة في باريس كانت عام 1850، وفي لندن عام 1865، يتبين لنا الريادة المصرية في هذا المجال، وهو أمر علينا ألا نستهين به لأنه لم يتم بسهولة أبدًا، فهذا العالم السفلي كان له قوانينه واقتصاده وأمراضه وزعماؤه، وحتى أدبه أيضًا، فكثير من الشعراء والكتاب وصف ذلك العالم الرهيب في أعماله.
كانت المعركة التي خاضها البشر ضد مرض الكوليرا هي السبب الرئيسي لاندلاع ثورة تغيير نظام الصرف الصحي في العالم، إذ ذهب ضحية الكوليرا عشرات آلاف البشر، حتى أن فرص العيش لم تتعد 50% لمواليد البشر، هذا عدا عن أن رائحة نتانة الفضلات البشرية كانت هي الرائحة التي تصبغ أغلب مدن الكون.
يعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين نقطة التحول الكبرى لنمط حياتيّ سيغير وجه الكرة الأرضية، يصفه فيكتور هيجو "1802- 1883" في روايته "البؤساء" المنشورة عام 1862 إنه أكثر من تقدم، إنه تحول. إن بين البالوعة القديمة والبالوعة الحاضرة ثورة... ( قضى فيها الكثيرون نحبه) وليس ثمة سجل لأعمال البطولة هذه، أكثر فائدة، من سفك الدماء في ميدان المعركة.
فعلى سبيل المثال استغرق قائد هذه الثورة في فرنسا، وهو المهندس الفرنسي برونيسو، سبع سنوات، من عام 1805 إلى عام 1812، لاكتشاف خبايا هذا العالم الرهيب قبل بدء ثورته، لكن الأمر احتاج إلى الكوليرا لكي تقرر السلطة إعادة إنشاء البواليع على نحو واسع، كما يقول هيجو، لقد أعيد بناء قناة باريس المعوية من جديد، وتعاظمت إلى عشرة أضعاف خلال ربع قرن، قبلها كان البلاليع القوطية القديمة لا تزال تفتح شدقيها في سخرية، كانت فجوات حجرية ضخمة متبلدة، محاطة في بعد الأحيان بأنصاب حجرية، ذات قحة بالغة، فالنفس الكريه للمدن منبعه الأبخرة الوبيئة المنبعثة من "أحشائها"، على حد وصف هيجو، فالبلاليع طوال عشرة قرون كانت داء باريس فالمدن تمرض أيضًا)، لأن البالوعة هي الآفة التي تحملها المدينة في دمها، كان يقال في الامثال: نزول المرء إلى البالوعة كنزوله إلى القبر. كانت جميع ضروب الخرافات الرهيبة تغطى بالذعر، هذه البالوعة الهائلة، بالوعة مروعة تحمل آثار ثورات الكرة الأرضية كما تحمل آثار ثورات الناس، ونقع فيها على آثار الفيضانات العظمى كلها منذ محارة الطوفان حتى خرقة مسارا.
كان الانتقال خارقًا بالفعل، لكنها أصبحت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بالوعة "نظيفة، باردة، مستقيمة، مضبوطة، إنها تكاد تحقّق المثل الأعلى لما يفهم في إنجلترا بكلمة "موقر"، كانت مغرقة في التأنق، يختم هيجو كلامه.
وإن كانت هذه حال عالم باريس السفلي فإن حاله في مصر لم يكن بأفضل من ذلك، ولكنها اصطدمت بأمر لم يكن على البال وهو "سلطة رجال الدين"، يقول الشيخ المعروف الدكتور عدنان ابراهيم في إحدى خطبه: عندما شرعت السلطات المصرية في تمديد المياه في المساجد وبعض البيوت الثرية في القرن التاسع عشر، ثارت ثائرة السادة الشافعية وحالفهم في ذلك السادة المالكية، لأنهم كانوا هم المستفيدين من سقاية الماء، لأن هذا التحول الاقتصادي والاجتماعي عبر "عملية" نقل المياه بالصنبور سيُضيع عليهم الكثير من الأرباح، قاموا باستخدام الشرع وحرموا استخدام صنابير الماء، وقالوا إن الوضوء بها لا يحل شرعًا وإذا توضأت في مسجد أو في أي مكان من ماء هذا الصنبور فصلاتك باطلة، لكن السادة الحنفية خالفوا الشافعية والمالكية في ذلك، فسمي "صنبور" الماء في المسجد بـ"الحنفية" كدلالة على شرعية استخدامها، على حد قوله.
الراجح باعتقادي أن سبب تكريس الحنفية هو أصلها في اللغة المصرية القديمة، فهناك الكثير من الكلمات التي لا تزال مستخدمة ويمكن مطالعتها في المعجم الذي وضعه العالم اللغوي علي فهمي خشيم، والثاني التقاء هذا الأمر مع "تحليلها" من قبل السادة الحنفية في اصطدامهم مع السادة الشافعية والمالكية في هذا الإطار، والتقاء هذين الأمرين هو سبب اعتماد العامة لهذه الكلمة للتعبير عن الأداة التي تنقل المياه إلى منشآتنا الحيوية.
أثارت لفظة "الحنفية" كتسمية "لصنبور المياه" تاريخيًا الكثير من الجدل الذي يمتد لأكثر من قرن من الزمن ولمّا ينتهي بعد. ما هو أصل هذه الكلمة وتاريخها، ومن أين جاءت إلى لغتنا؟ تتبع اشتقاقها سيقودنا لتاريخ من التحولات الاجتماعية تظهر فيه سطوة الفقهاء وسلطة "النص الفقهي" وتأثيرهم الكبير على حياة الناس.
بالنسبة لعلماء اللغة العربية في القرن الماضي فإن لفظ "حنفية" هو لفظ مولد ودخيل على العربية، إذ يقول الشيخ رشيد عطية (1882-1956)، في كتابه "معجم عطية في العامي والدخيل" (دار الكتب العلمية-ص: 54): حنفية: "مولدة يراد بها أنبوبة ذات لولب تزج في ثقب من الحوض لاستفراغ الماء منه عند الحاجة. يُقرب منها الصُنبور وهو أنبوبة في الإداوة يشرب منها حديدًا كانت رصاصًا أو غيرهما".
ويتفق معه العالم اللغوي الشيخ رضا العامل (1872 – 1953) في معجمه الضخم "متن اللغة العربية 2/ 181" بقوله إن الحنفية لفظ "مولد" وهي أنبوب الماء في الميضأة، مكان الوضوء في المسجد، يضيف في كتاب آخر له بالقول سميت كذلك "نسبة إلى السادة الحنفية فإنهم يتوضأون منها ويتجنبون الوضوء من الميضأة".
علماء اللغة يضعون لفظة "الحنفية" ضمن الأخطاء الشائعة المستخدم بكثرة في اللغة العربية الفصحى، يقول محمد العدناني هو عضو شرف في مجمع اللغة العربية الأردني، في كتابه "معجم الأخطاء الشائعة". يُقال: ملأت الكأس من الحنفية، والصواب هو: ملأتها من الصنبور، والصنبور قصبة يشرب منها، سواء أكانت حديدًا أم رصاصًا أم غيرهما، أما كلمة "حنفية" فهي جمع لـ"حنفي" والحنيفي هو الذي يتبع مذهب أبي حَنيفة، ويجمع حنيفي أيضًا على أحناف. وفي المعجم الوسيط إن كلمة "الحَنفية" عامية، وصوابها الصنبور.
إذن، لا يوجد بهذا المعنى أصل للكلمة في اللغة العربية الفصحى، وإنما نجده في اللغة العامية واللغة الدارجة كما يشير العالم اللغوي الليبي علي فهمي خشيم في معجمه الضخم: "البرهان على عروبة اللغة المصرية القديمة ص 290": "فإن كلمة "حنبي" ـ بلفظ v اللاتينية بالباء المخففة ـ تعني: نافورة، بئر، نبع، حنب: ألقى شبكة، جر جدولًا، حنف: قبض، أحنى، وعليه يرجح الدكتور خشيم أن "الحنفية: صنبور الماء والجمع حنفيات، هي من ميراث اللغة الدارجة وليست اللغة العربية الفصحى.
مما سبق نعلم أن لفظة "الحنفية" تم "اعتمادها" في مصر نجد أصولها في لغتها القديمة، وما يعزز وجهة نظرنا هذه هو العودة لتاريخ "شبكات المياه الحديثة". فصحيفة الأهرام المصرية في عددها 46492 الصادر في 22 آذار/مارس 2014، ذكرت أن سلطات الاحتلال الإنجليزي أن عممت في العام 1884 المنشور (رقم 68) القاضي باستبدال أماكن الوضوء في المساجد بصنابير متصلة بشبكة مياه الشرب النقية، التي أقامتها وأن هذا القرار جاء بناء على "ما تقرر فى مجلس النظّار عن مسألة المراحيض النقالة المقتضى إحداثها، وميضاء الجوامع اللازم استبدالها بحنفيات"، تسهيلًا على المصلين لاستخدام المياه النقية فى المساجد للوضوء بدلًا من الطاسة.
اقرأ/ي أيضًا: سجع الكهان.. 600 عام من نزول القرآن
ويبدو أن هذا التعميم لم يمر بسهولة فقد اصطدم كما سنرى بمصالح "رجال الدين" فالتحولات الدراماتيكية التي دخلت إلى بنية "العالم السفلي" للبشر، واعتماد الحنفية كوسيلة لنقل المياه، لم تكن سهلة كما قد يتبادر لذهن الكثير. كان عملية الانتقال "ثورة" حقيقة لها قادتها ولها "شهداؤها" أيضًا.
وإن صحت هذه الرواية فهذا يعني أن لفظة الحنفية أطلقت أواخر القرن التاسع عشر في مصر. ومصر حينها كانت من الدول الرائدة في العالم في تغيير هندسة "عالمها السفلي"/بنيتها التحتية، إذ يعود تاريخ إنشاء أول شركات المياه الحديثة في الإسكندرية والقاهرة إلى ستينيات القرن التاسع عشر بإشراف أوروبي، لكن تم إنشاء مصلحة المجاري الرئيسية في مدينة القاهرة في 22 آذار/مارس 1915.
إذا علمنا أن شبكات الصرف الصحي الحديثة في باريس كانت عام 1850، وفي لندن عام 1865، يتبين لنا الريادة المصرية في هذا المجال، وهو أمر علينا ألا نستهين به لأنه لم يتم بسهولة أبدًا، فهذا العالم السفلي كان له قوانينه واقتصاده وأمراضه وزعماؤه، وحتى أدبه أيضًا، فكثير من الشعراء والكتاب وصف ذلك العالم الرهيب في أعماله.
كانت المعركة التي خاضها البشر ضد مرض الكوليرا هي السبب الرئيسي لاندلاع ثورة تغيير نظام الصرف الصحي في العالم، إذ ذهب ضحية الكوليرا عشرات آلاف البشر، حتى أن فرص العيش لم تتعد 50% لمواليد البشر، هذا عدا عن أن رائحة نتانة الفضلات البشرية كانت هي الرائحة التي تصبغ أغلب مدن الكون.
يعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين نقطة التحول الكبرى لنمط حياتيّ سيغير وجه الكرة الأرضية، يصفه فيكتور هيجو "1802- 1883" في روايته "البؤساء" المنشورة عام 1862 إنه أكثر من تقدم، إنه تحول. إن بين البالوعة القديمة والبالوعة الحاضرة ثورة... ( قضى فيها الكثيرون نحبه) وليس ثمة سجل لأعمال البطولة هذه، أكثر فائدة، من سفك الدماء في ميدان المعركة.
فعلى سبيل المثال استغرق قائد هذه الثورة في فرنسا، وهو المهندس الفرنسي برونيسو، سبع سنوات، من عام 1805 إلى عام 1812، لاكتشاف خبايا هذا العالم الرهيب قبل بدء ثورته، لكن الأمر احتاج إلى الكوليرا لكي تقرر السلطة إعادة إنشاء البواليع على نحو واسع، كما يقول هيجو، لقد أعيد بناء قناة باريس المعوية من جديد، وتعاظمت إلى عشرة أضعاف خلال ربع قرن، قبلها كان البلاليع القوطية القديمة لا تزال تفتح شدقيها في سخرية، كانت فجوات حجرية ضخمة متبلدة، محاطة في بعد الأحيان بأنصاب حجرية، ذات قحة بالغة، فالنفس الكريه للمدن منبعه الأبخرة الوبيئة المنبعثة من "أحشائها"، على حد وصف هيجو، فالبلاليع طوال عشرة قرون كانت داء باريس فالمدن تمرض أيضًا)، لأن البالوعة هي الآفة التي تحملها المدينة في دمها، كان يقال في الامثال: نزول المرء إلى البالوعة كنزوله إلى القبر. كانت جميع ضروب الخرافات الرهيبة تغطى بالذعر، هذه البالوعة الهائلة، بالوعة مروعة تحمل آثار ثورات الكرة الأرضية كما تحمل آثار ثورات الناس، ونقع فيها على آثار الفيضانات العظمى كلها منذ محارة الطوفان حتى خرقة مسارا.
كان الانتقال خارقًا بالفعل، لكنها أصبحت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بالوعة "نظيفة، باردة، مستقيمة، مضبوطة، إنها تكاد تحقّق المثل الأعلى لما يفهم في إنجلترا بكلمة "موقر"، كانت مغرقة في التأنق، يختم هيجو كلامه.
وإن كانت هذه حال عالم باريس السفلي فإن حاله في مصر لم يكن بأفضل من ذلك، ولكنها اصطدمت بأمر لم يكن على البال وهو "سلطة رجال الدين"، يقول الشيخ المعروف الدكتور عدنان ابراهيم في إحدى خطبه: عندما شرعت السلطات المصرية في تمديد المياه في المساجد وبعض البيوت الثرية في القرن التاسع عشر، ثارت ثائرة السادة الشافعية وحالفهم في ذلك السادة المالكية، لأنهم كانوا هم المستفيدين من سقاية الماء، لأن هذا التحول الاقتصادي والاجتماعي عبر "عملية" نقل المياه بالصنبور سيُضيع عليهم الكثير من الأرباح، قاموا باستخدام الشرع وحرموا استخدام صنابير الماء، وقالوا إن الوضوء بها لا يحل شرعًا وإذا توضأت في مسجد أو في أي مكان من ماء هذا الصنبور فصلاتك باطلة، لكن السادة الحنفية خالفوا الشافعية والمالكية في ذلك، فسمي "صنبور" الماء في المسجد بـ"الحنفية" كدلالة على شرعية استخدامها، على حد قوله.
الراجح باعتقادي أن سبب تكريس الحنفية هو أصلها في اللغة المصرية القديمة، فهناك الكثير من الكلمات التي لا تزال مستخدمة ويمكن مطالعتها في المعجم الذي وضعه العالم اللغوي علي فهمي خشيم، والثاني التقاء هذا الأمر مع "تحليلها" من قبل السادة الحنفية في اصطدامهم مع السادة الشافعية والمالكية في هذا الإطار، والتقاء هذين الأمرين هو سبب اعتماد العامة لهذه الكلمة للتعبير عن الأداة التي تنقل المياه إلى منشآتنا الحيوية.