* ثمة نقاط التقاء كثيرة بينك وبين جان جنيه:
- "الخبز الحافي" و "يوميات لص" كلاهما سيرة ذاتية صريحة وجريئة· في الأولى هناك البطل المشرَّد في شوارع طنجة· وفي الثانية هناك البطل المشرد في شوارع باريس· وكلا البطلين مارس الصعلكة والسرقة، وعاش حياة صعبة وسط المهمشين والبوهيميين والكادحين··· كيف ترى أنت نقاط الالتقاء هذه؟
* هذه ملاحظة ذكية· بالفعل بيني وبين جنيه أشياء كثيرة مشتركة· فكلانا عاش طفولة ضائعة· وكلانا تشرَّد، تصعْلك، وسرق· ولكن مع الفارق طبعا·
- " أنا مارستُ اللصوصية لآكل وأبعد عني شبح الجوع· أما هو فقد كان يعتبر السرقة وسيلة لرد الاعتبار لنفسه من مجتمع ظالم لا يرحم!
وبالنسبة للكتابة، هو كتب لأنه اكتشف أن الكتابة يمكن أن تخرجه من السجن وتنقذه أو تعفيه من حكم السجن المؤبَّد (وهذا ما حصل بالفعل نتيجة دفاع مجموعة من الكُتاب الفرنسيين عنه، مثل: جان بول سارتر، كوكتو، أندري مالرو، وبيكاسو··)·
أما أنا فقد كتبت لأرد الاعتبار لطبقتي المقهورة، وأحارب الاستغلال البشع الذي تمارسه عليها الطبقة التي تملك!
ثم إن جنيه لا يخفي شذوذه الجنسي، بل إنه يعلنه أمام أصدقائه ومعارفه· وأنا لستُ شاذا جنسيا!!
* هل تأثرت بجان جنيه في كتابة "الخبز الحافي"؟
- " لكل منا أسلوبه الأدبي الخاص، وطريقته في الكتابة ينفرد بها· أنا لم أتأثر به فيما كتبت· جان جنيه له شروطه في الكتابة والحياة، وأنا لي شروطي المغايرة في الكتابة والحياة·
* التقيت جان جنيه في باريس عام 1980· كيف وجدته؟ وهل كان لايزال يضع نفسه في "مقبرة الأدب"؟!
- " بعد أيام من مشاركتي في برنامج "لابوستروف" التلفزيوني الذي يشرف عليه برنار بيفو، زرت جان جنيه صحبة الطاهر بن جلون في حي "بي?ال"، حيث ـ وربما لأول مرة ـ اكترى جنيه شقة ليسكن فيها بعيدا عن الفنادق الصغيرة التي اعتاد أن يقيم فيها·
لم أسأله عن هذا التغيُّر· كل ما أذكر هو أنه استقبلني حافي القدمين (رغم أنه كان مزكوما) قائلا: "لقد قرأت كتابك "الخبز الحافي"· إنك كتبت كتابا جيدا"·
* هل يمكن أن تصف لنا هذه الشقة؟
- " نافذة غرفته المطلة على الشارع كانت مقفلة· وهواؤها يُغثي! في أحد الأركان ركام صغير من الكتب· وعلى طاولة صغيرة هاتف ومنفضة ملأى بأعقاب سجائر "جيطان"· وسريره ليس أكبر من حجم قبر بالقياس إلى قامته!
* ما هي المواضيع التي تحاورتما فيها؟
- " لم نتحاور في مواضيع ذات أهمية تذكر في هذا السياق·
* كيف كان انطباعك عن باريس وأنت تزورها وتشاهدها للمرة الأولى؟
- " لم أجد باريس التي كنت أتصوَّرها من خلال ما قرأت عنها في الكتب· باستثناء المتاحف (خاصة متحف اللوفر)، فقد وجدت الأماكن العامة (مطاعم، حانات، فنادق···) مُؤَمركة جدا! ويمكن أن أذكر في هذا المجال مقهى "فلور" الذي كان يكتب فيه جان بول سارتر، وسيمون دوبوفوار، وألبيركامو وغيرهم· وكذلك مقهى "ليدوما?و" الذي خبا فيه الإشراق المثير، الذي وصفه سارتر خاصة في رباعيته التي لم يتم جزأها الأخير: "دروب الحرية"·
* ألم تكن لك اكتشافات أخرى في باريس؟
- " نعم· فقد انتعشت ببعض أحلامي عنها· إنها حقا مدينة النور التي ألهمت الكثير من الأحلام والاستيهامات الفكرية، الفنية والحضارية· وأعتقد أنها إحدى المدن العالمية التي ستظل تثير خيالاتنا بعيدا عنها، أو في صميم جغرافيتها الكونية·
أنا شخصيا استمتعت ببعض أموات مقابرها، أكثر مما استمتعت بأحياء شوارعها! كنت مهووسا بزيارة معظم مقابرها الزاهية، مثل: بيرلاشيز، ومونمارتر، ومونمبارناس، وبيكيوس وغيرها· وقد وصفت زياراتي لهذه المقابر الموحية في أحد فصول كتابي "وجوه" تحت عنوان: "فيرونيك"·
* هل يمكنك أن تصف باريس في عبارات مختصرة ومكثَّفة تمثّل رأيك فيها؟
- " باريس مدينة ما إن تغادرها حتى تريد العودة إليها· إن لها سحرها الجذاب الذي يمسُّك بمسِّه الساحر المسحور·
تلك هي باريس الأكثر مما يمكن أن يقال عنها·
* هل التقيت ببعض الأدباء العرب أثناء تواجدك في باريس؟
- " التقيت أحمد عبد المعطي حجازي، وجمال الدين بن الشيخ ومحمود أمين العالم، أثناء عشاء أقامه لنا حجازي في منزله·
* علاقتك بالكاتب المسرحي الأمريكي تينسي وليامز، هل كانت بنفس حميميَّة علاقتك بجان جنيه؟
- " قبل أن أتعرف على تينسي وليامز، كنت أسمع أنه يبدي تحفظا يصل إلى حد الحذر من ربط أية علاقة مع المغاربة! وقد قدَّمني إليه بول بوولز على أني صديقه· وكان ذلك في صيف 1973· ولم تكن علاقتي به بنفس حميمية علاقتي بجان جنيه· تينسي وليامز لم يتيسَّر لي إلا نادرا أن أحدثه ويحدثني بطريقة جدية، إلا مرة أو مرتين في منزل بول بوولز· والجلسات التي جمعتنا معا في فندق "المنزه"، ومقهى "مدام بورط"، كانت للتسلية فقط!
بينما مع جان جنيه دائما هناك أحاديث عميقة·
* وبالنسبة لكتاباته؟
- " كتابات تينسي وليامز تُعجبني أكثر من سلوكه· سلوكه ليس سيئا بقدر ما هو هستيري يصل إلى درجة السطحيَّة! ربما للتفريج عن نفسه·
* هل يمكنك أن تقوم بمقارنة بين جنيه ووليامز؟
- " جنيه يتميز بتواضع عبقري· وتعامله مع نماذج مسرحياته ومذكراته يتَّسم بكثير من الإنسانية والسمو· أما وليامز فهو معجب بشخصيته· كثير الغرور والعجرفة! وتعامله مع الناس يقتصر فقط على الطبقة البورجوازية التي تتحسَّر على ماضيها· واتصالاته لا تتجاوز أفراد هذه الطبقة إلا نادرا جدا·
بالنسبة للكتابة، كلاهما كاتب كبير ومبدع عميق·
* الكاتب الأمريكي ـ اليهودي إدوار روديتي، متى تعرفت عليه؟
- " في نهاية الستينات على ما أذكر· وهو من أصل تركي، وأعترف أنه شجَّعني كثيرا على المُضيِّ في الكتابة· كانت لي جلسات كثيرة مع هذا الكاتب الذي كان يعتزُّ بمعرفته لأبناء وأحفاد الشاعر أحمد شوقي·
ومن أطرف ما رواه لي إدوار روديتي أنه استيقظ من النوم، ذات صباح، فوجد نفسه نائما في فراش واحد مع غارسيا لوركا!!
ولا أدري مدى صحة هذه الحكاية·
* التقيت صمويل بيكيت وألبرتو مورافيا وتعرَّفت عليهما· ترى كيف وجدتهما؟
- " صمويل بيكيت عندما تعرفت عليه سنة 1973 في طنجة، لم يكن عنده أي استعداد للحديث· كان يحب الوحدة والعزلة· فصمت ولم يُبْد رأيا في أي شيء· أما ألبرتو مورافيا فقد التقيت به في أصيلة سنة 1979· ولم أحدثه أو يحدثني بشيء يمكن أن يذكر، أو يستحق أن يقال·
10/26/2004
- "الخبز الحافي" و "يوميات لص" كلاهما سيرة ذاتية صريحة وجريئة· في الأولى هناك البطل المشرَّد في شوارع طنجة· وفي الثانية هناك البطل المشرد في شوارع باريس· وكلا البطلين مارس الصعلكة والسرقة، وعاش حياة صعبة وسط المهمشين والبوهيميين والكادحين··· كيف ترى أنت نقاط الالتقاء هذه؟
* هذه ملاحظة ذكية· بالفعل بيني وبين جنيه أشياء كثيرة مشتركة· فكلانا عاش طفولة ضائعة· وكلانا تشرَّد، تصعْلك، وسرق· ولكن مع الفارق طبعا·
- " أنا مارستُ اللصوصية لآكل وأبعد عني شبح الجوع· أما هو فقد كان يعتبر السرقة وسيلة لرد الاعتبار لنفسه من مجتمع ظالم لا يرحم!
وبالنسبة للكتابة، هو كتب لأنه اكتشف أن الكتابة يمكن أن تخرجه من السجن وتنقذه أو تعفيه من حكم السجن المؤبَّد (وهذا ما حصل بالفعل نتيجة دفاع مجموعة من الكُتاب الفرنسيين عنه، مثل: جان بول سارتر، كوكتو، أندري مالرو، وبيكاسو··)·
أما أنا فقد كتبت لأرد الاعتبار لطبقتي المقهورة، وأحارب الاستغلال البشع الذي تمارسه عليها الطبقة التي تملك!
ثم إن جنيه لا يخفي شذوذه الجنسي، بل إنه يعلنه أمام أصدقائه ومعارفه· وأنا لستُ شاذا جنسيا!!
* هل تأثرت بجان جنيه في كتابة "الخبز الحافي"؟
- " لكل منا أسلوبه الأدبي الخاص، وطريقته في الكتابة ينفرد بها· أنا لم أتأثر به فيما كتبت· جان جنيه له شروطه في الكتابة والحياة، وأنا لي شروطي المغايرة في الكتابة والحياة·
* التقيت جان جنيه في باريس عام 1980· كيف وجدته؟ وهل كان لايزال يضع نفسه في "مقبرة الأدب"؟!
- " بعد أيام من مشاركتي في برنامج "لابوستروف" التلفزيوني الذي يشرف عليه برنار بيفو، زرت جان جنيه صحبة الطاهر بن جلون في حي "بي?ال"، حيث ـ وربما لأول مرة ـ اكترى جنيه شقة ليسكن فيها بعيدا عن الفنادق الصغيرة التي اعتاد أن يقيم فيها·
لم أسأله عن هذا التغيُّر· كل ما أذكر هو أنه استقبلني حافي القدمين (رغم أنه كان مزكوما) قائلا: "لقد قرأت كتابك "الخبز الحافي"· إنك كتبت كتابا جيدا"·
* هل يمكن أن تصف لنا هذه الشقة؟
- " نافذة غرفته المطلة على الشارع كانت مقفلة· وهواؤها يُغثي! في أحد الأركان ركام صغير من الكتب· وعلى طاولة صغيرة هاتف ومنفضة ملأى بأعقاب سجائر "جيطان"· وسريره ليس أكبر من حجم قبر بالقياس إلى قامته!
* ما هي المواضيع التي تحاورتما فيها؟
- " لم نتحاور في مواضيع ذات أهمية تذكر في هذا السياق·
* كيف كان انطباعك عن باريس وأنت تزورها وتشاهدها للمرة الأولى؟
- " لم أجد باريس التي كنت أتصوَّرها من خلال ما قرأت عنها في الكتب· باستثناء المتاحف (خاصة متحف اللوفر)، فقد وجدت الأماكن العامة (مطاعم، حانات، فنادق···) مُؤَمركة جدا! ويمكن أن أذكر في هذا المجال مقهى "فلور" الذي كان يكتب فيه جان بول سارتر، وسيمون دوبوفوار، وألبيركامو وغيرهم· وكذلك مقهى "ليدوما?و" الذي خبا فيه الإشراق المثير، الذي وصفه سارتر خاصة في رباعيته التي لم يتم جزأها الأخير: "دروب الحرية"·
* ألم تكن لك اكتشافات أخرى في باريس؟
- " نعم· فقد انتعشت ببعض أحلامي عنها· إنها حقا مدينة النور التي ألهمت الكثير من الأحلام والاستيهامات الفكرية، الفنية والحضارية· وأعتقد أنها إحدى المدن العالمية التي ستظل تثير خيالاتنا بعيدا عنها، أو في صميم جغرافيتها الكونية·
أنا شخصيا استمتعت ببعض أموات مقابرها، أكثر مما استمتعت بأحياء شوارعها! كنت مهووسا بزيارة معظم مقابرها الزاهية، مثل: بيرلاشيز، ومونمارتر، ومونمبارناس، وبيكيوس وغيرها· وقد وصفت زياراتي لهذه المقابر الموحية في أحد فصول كتابي "وجوه" تحت عنوان: "فيرونيك"·
* هل يمكنك أن تصف باريس في عبارات مختصرة ومكثَّفة تمثّل رأيك فيها؟
- " باريس مدينة ما إن تغادرها حتى تريد العودة إليها· إن لها سحرها الجذاب الذي يمسُّك بمسِّه الساحر المسحور·
تلك هي باريس الأكثر مما يمكن أن يقال عنها·
* هل التقيت ببعض الأدباء العرب أثناء تواجدك في باريس؟
- " التقيت أحمد عبد المعطي حجازي، وجمال الدين بن الشيخ ومحمود أمين العالم، أثناء عشاء أقامه لنا حجازي في منزله·
* علاقتك بالكاتب المسرحي الأمريكي تينسي وليامز، هل كانت بنفس حميميَّة علاقتك بجان جنيه؟
- " قبل أن أتعرف على تينسي وليامز، كنت أسمع أنه يبدي تحفظا يصل إلى حد الحذر من ربط أية علاقة مع المغاربة! وقد قدَّمني إليه بول بوولز على أني صديقه· وكان ذلك في صيف 1973· ولم تكن علاقتي به بنفس حميمية علاقتي بجان جنيه· تينسي وليامز لم يتيسَّر لي إلا نادرا أن أحدثه ويحدثني بطريقة جدية، إلا مرة أو مرتين في منزل بول بوولز· والجلسات التي جمعتنا معا في فندق "المنزه"، ومقهى "مدام بورط"، كانت للتسلية فقط!
بينما مع جان جنيه دائما هناك أحاديث عميقة·
* وبالنسبة لكتاباته؟
- " كتابات تينسي وليامز تُعجبني أكثر من سلوكه· سلوكه ليس سيئا بقدر ما هو هستيري يصل إلى درجة السطحيَّة! ربما للتفريج عن نفسه·
* هل يمكنك أن تقوم بمقارنة بين جنيه ووليامز؟
- " جنيه يتميز بتواضع عبقري· وتعامله مع نماذج مسرحياته ومذكراته يتَّسم بكثير من الإنسانية والسمو· أما وليامز فهو معجب بشخصيته· كثير الغرور والعجرفة! وتعامله مع الناس يقتصر فقط على الطبقة البورجوازية التي تتحسَّر على ماضيها· واتصالاته لا تتجاوز أفراد هذه الطبقة إلا نادرا جدا·
بالنسبة للكتابة، كلاهما كاتب كبير ومبدع عميق·
* الكاتب الأمريكي ـ اليهودي إدوار روديتي، متى تعرفت عليه؟
- " في نهاية الستينات على ما أذكر· وهو من أصل تركي، وأعترف أنه شجَّعني كثيرا على المُضيِّ في الكتابة· كانت لي جلسات كثيرة مع هذا الكاتب الذي كان يعتزُّ بمعرفته لأبناء وأحفاد الشاعر أحمد شوقي·
ومن أطرف ما رواه لي إدوار روديتي أنه استيقظ من النوم، ذات صباح، فوجد نفسه نائما في فراش واحد مع غارسيا لوركا!!
ولا أدري مدى صحة هذه الحكاية·
* التقيت صمويل بيكيت وألبرتو مورافيا وتعرَّفت عليهما· ترى كيف وجدتهما؟
- " صمويل بيكيت عندما تعرفت عليه سنة 1973 في طنجة، لم يكن عنده أي استعداد للحديث· كان يحب الوحدة والعزلة· فصمت ولم يُبْد رأيا في أي شيء· أما ألبرتو مورافيا فقد التقيت به في أصيلة سنة 1979· ولم أحدثه أو يحدثني بشيء يمكن أن يذكر، أو يستحق أن يقال·
10/26/2004