جوهر فتّاحي - فلسفة القضاء والقدر عند شحرور

القضاء والقدر هو واحد من الأركان الإيمانيّة، ليس فقط في الإسلام بل في الأديان الإبراهيميّة كلّها.
عند كتبة التراث الإسلامي، استقرّ الرأي على أنّ القضاء والقدر هو ما كتبه اللّه للإنسان وغيره من المخلوقات من رزق وصحّة وذريّة ومكانة في الحياة ولن يمنع وقوع ذلك شيء. وهنا يبدو الإنسان مسيّرا، أي سائرا إلى "قدره" المحتوم. والقضاء تقريبا هو القدر لديهم ولو اجتهد البعض في اِبداء بعض الفروق التي لا تعدو أن تكون لغويّة.
هذا الطرح ينفي عن الإنسان أي دور ذاتي وأي اِختيار من عنده بما أنّه سائر إلى مشيئة الإله لا محالة. وإذا انتفى الاِختيار من المفروض أن ينتفي العقاب والثواب لأنّ الإله لا يمكن أن يحاسب الإنسان على عمل أراده له وعلى مصير حدّده له.
محمّد شحرور شذّ عن ذلك بعيدا.
شحرور أعطى تعريفا للقضاء وتعريفا للقدر، وهما تعريفان مختلفان، ولكنّهما يشتركان في كونهما مفهومان دنيويان.
القدر عند شحرور يأتي بمعنى المقدار والقيمة الموجبة للحساب. فالغرام قدر، والرطل قدر، ودرجة الحرارة قدر، ونصف الشيء قدر، والقوّة قدر، والسرعة قدر، وπ قدر، وكل ما يُحسب قدر.
نأتي الآن للقضاء.
القضاء عند شحرور هو القانون الذي يحكم المقدّر. فإذا اجتمع جزيئان من الهيدروجين وجزيء من الأوكسيجين، في حرارة 25 درجة، وبار واحد من الضغط، تكوّن الماء السائل حتما. فهذا قانون طبيعي، إذن هذا قضاء. وبأقدار أخرى يكون القضاء ثلجا، وبأقدار أخرى يكون القضاء سحابا، وهكذا..
والإنسان بتعريف شحرور للقضاء والقدر له الحريّة المطلقة في التصرّف في المقدّرات وعليه أن يتعلّم القوانين التي تحكمها. وفي هذا التعريف إحالة تامّة إلى العلم. فتعلّم القدر هو ملاحظة الموجودات، وتعلّم القضاء هو تعلّم القوانين التي تحكمها. وبحسب عمل الإنسان في القدر، المحكوم بقضاء قوانينه، يكون الجزاء. فإذا زرع صاعا من القمح في أرض خصبة كان الجزاء قنطارا، وإذا زرع فيها نصف صاع جنى نصف قنطار، وإذا رزع صاعا في أرض مالحة لم يجن شيئا لأنّه لم يتعلّم القضاء الذي يحكم الزراعة.
وباِختصار غير مخل حوّل شحرور مفهوم القضاء والقدر من معنى الاِستكانة والخنوع والتسليم والسلبيّة إلى معنى العلم والمعرفة والخيار والعمل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى