تواتيت نصرالدين - نبؤة نزار قباني في قصيدته (هوامش على دفتر النكسة) قراءة وتحليل



في قصيدته المشهورة (هوامش على دفتر النكسة) التي يبدؤها في مقاطعها الأولى بزخم كبير من اللوم على الأمة العربية والإسلامية التي لم تتخذ قراراتها الإيجابية وتعد العدة لمواجهة المحتل الصهيوني قبل نكسة 1967م وعندما هزمت إسرائيل الجيوش العربية في 6 أيام بحرب خاطفة سببت نكسة كبيرة والتي سميت بنكسة حزيران ، هذه الأيام الستة القليلة قد غيرت وحولت بعض معالم الشرق الأوسط برمته ، وتركت آثارا مؤلمة لم يبرأ منها جسد الأمة العربية إلى يومنا هذا .

لقد أدرك نزار قباني سرّ الهزيمة وحجم الوجع الذي أصاب الأمة ، حيث بدأ يمتد أثره يوما بعد يوم ، وما يخلفه من آثار سلبية على الفرد والمجتمع ، وقد أصبحت هذه النكسة في رأي الكثير قدر لا مفر منه ، وأنها حتمية فرضتها الوقائع على الأرض واختلال ميزان القوى . كما أدرك بتجربته وحنكته السياسية أسباب ومآل الهزيمة ، كما كان يعرف مدى إرتداداتها وتأثيرها ، حيث يقول بحسرة يجللها الألم الذي أحاط بالشاعر كطوق من النار :
**
لو أحدٌ يمنحني الأمان..
لو كنت أستطيع أن أقابل السلطان
قلت له: يا سيدي السلطان
كلابك المفترسات مزقت ردائي
ومخبروك دائماً ورائي..
عيونهم ورائي..
أنوفهم ورائي..
أقدامهم ورائي..
كالقدر المحتوم، كالقضاء
يستجوبون زوجتي
ويكتبون عندهم..
أسماء أصدقائي..
يا حضرة السلطان
لأنني اقتربت من أسوارك الصماء
لأنني..
حاولت أن أكشف عن حزني.. وعن بلائي
ضربت بالحذاء..
أرغمني جندك أن آكل من حذائي
يا سيدي..
يا سيدي السلطان
لقد خسرت الحرب مرتين
لأن نصف شعبنا.. ليس له لسان
ما قيمة الشعب الذي ليس له لسان؟
لأن نصف شعبنا..
محاصرٌ كالنمل والجرذان..
في داخل الجدران..
لو أحدٌ يمنحني الأمان
من عسكر السلطان..
قلت له: لقد خسرت الحرب مرتين..
لأنك انفصلت عن قضية الإنسان..
**
لو أننا لم ندفن الوحدة في التراب
لو لم نمزق جسمها الطري بالحراب
لو بقيت في داخل العيون والأهداب
لما استباحت لحمنا الكلاب..

لقد كتب نزار قباني قصيدته بعد الهزيمة في نفس العام وقد جعلها العديد من النقاد والقراء العرب أنها أقوى ردود الفعل الشعرية على الهزيمة، وأكثرها عنفًا وجرأة، لما تضمنته من نقد حاد لواقع الدول العربية وأنظمتها السياسية الفاشلة التي مازالت تراوح مكانها ولا تسطيع أن تقدم أو تؤخر ماعدا المقاومة الشعبية التي وقفت في وجه الكيان الصهيوني وجيش الإحتلال إلى أن زعزعت كبرياءه وطغيانه بطوفان الأقصى الذي تنبأ به نزار قباني من ارتكاسات النكسة وانتفاضة أطفال الحجارة في آخر المقاطع من قصيدته الجريئة والتي يقول فيها :
**
نريد جيلاً غاضباً..
نريد جيلاً يفلح الآفاق
وينكش التاريخ من جذوره..
وينكش الفكر من الأعماق
نريد جيلاً قادماً..
مختلف الملامح..
لا يغفر الأخطاء.. لا يسامح..
لا ينحني..
لا يعرف النفاق..
نريد جيلاً..
رائداً..
عملاق..

هذا الجيل الرائد الذي لا يعرف النفاق من أطفال الإنتفاضة والذي بدأت معالمه البطولية تتشكل من رحم المعاناة إلى غاية ميلاد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023م إلى يومنا هذا ، وقد تصوره الشاعر نزار قباني في ملامح الأطفال الذين سيكونون قادة وشعلة الثورة ووقودها في وجه المحتل في قصيده هذه التي يقول في ختامها :

**
يا أيها الأطفال..
من المحيط للخليج، أنتم سنابل الآمال
وأنتم الجيل الذي سيكسر الأغلال
ويقتل الأفيون في رؤوسنا..
ويقتل الخيال..
يا أيها الأطفال أنتم –بعد- طيبون
وطاهرون، كالندى والثلج، طاهرون
لا تقرؤوا عن جيلنا المهزوم يا أطفال
فنحن خائبون..
ونحن، مثل قشرة البطيخ، تافهون
ونحن منخورون.. منخورون.. كالنعال
لا تقرؤوا أخبارنا
لا تقتفوا آثارنا
لا تقبلوا أفكارنا
فنحن جيل القيء، والزهري، والسعال
ونحن جيل الدجل، والرقص على الحبال
يا أيها الأطفال:
يا مطر الربيع.. يا سنابل الآمال
أنتم بذور الخصب في حياتنا العقيمه
وأنتم الجيل الذي سيهزم الهزيمه...

ومهما يكن فإن نبؤة الشاعر نزار قباني قد تتحقق وسيكون هذا الجيل الذي يقود المعركة بفضل مقاومته على أرض غزة ولبنان وبفضل صمود المدنيين وصبرهم الذي يفوق صبر الجمال ، و بمساندة الأحرار في العالم ومد يد العون للشعب الفلسطيني المظلوم منذ عقود خلت من الزمن ماديا ومعنويا من أجل النظر في قضيته الجوهرية إيمانا ومعتقدا .

بقلم / تواتيت نصرالدين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى