في البداية أقول إن قضية قراءة النص الشعري ليست قضية جديدة في النقد العربي، بل هي قضية قديمة تعود إلى بدايات النقد العربي. وكلنا يذكر مقولة أبي تمام عندما سئل: لم لا تقول ما يفهم؟ فقال: لما لا تفهمون ما أقول!
كما نحفظ أيضا قول أبي الطيب المتنبي في وصف شعره:
أنام ملئ جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم
وقد ازدادت هذه الإشكالية مع الشعر الحديث، وغدت أكثر تعقيدا فلم يعد النص الشعري مجرد بستان وارف الظلال يقصده المرء طلبا للراحة والاستجمام، وإنما أصبح هماً مؤرقا، وأصبحت عملية قراءة النص عملية شاقة تحتاج إلى قارئ حاذق مزود "بأسلحة الفن" كما قال الناقد الجزائري المرحوم (محمد مصايف) قارئ لا يكتفي باستهلاك النص وإنما يساهم في عملية إنتاجه، وقد أخذت هذه الإشكالية حيزاً كبيراً من اهتمام النقاد والدارسين منذ فجر النهضة العربية الحديثة، وإلى يومنا هذا، ولكن على الرغم من الجهود المبذولة من طرف النقاد في مجال قراءة النص الإبداعي (الشعري) فإنه لا يزال لغزاً محيرا لأي باحث يروم مواجهة هذا العالم المليء بالسحر والفتنة والغرابة، حيث يبقى النص ذا وجود عائم غير محدد يلقيه مبدعه (شارداً) ويسهر النقاد جراه ويختصم على حد تعبير المتنبي.
وهذه الدراسة تسعى إلى البحث في إشكالية المنهج في قراءة النص الشعري ، وتحاول الإجابة عن جملة من الأسئلة التي تطرح في هذا المجال مثل:
س) كيف نقرأ النص الشعري؟ وما هي الأدوات الإجرائية التي تستطيع أن تفك رموزه، وتكشف شفرته؟ ما هي المناهج العلمية المناسبة والقادرة على الوصول إلى جوهر العملية الإبداعية؟ ثم ما مدى وعي القارئ بأهمية المنهج؟ أو ما مدى وضوح هذه المسألة في الممارسة النقدية لديه؟ ثم هل استطعنا أن نكون هذا القارئ الجديد الذي يمتلك المنهج العلمي الصحيح، والقادر على قراءة النص الشعري بأدوات نقدية جديدة بدلا من الآليات التقليدية التي تنظر إلى العمل الأدبي نظرة جزئية أو مسطحة فيها الكثير من المجانية والتبسيط في حين نجد أن الدراسات الحديثة تبدو ذات سمات معقدة أو مركبة، وتعتمد على معايير علمية وآليات دقيقة؟ هذه الأسئلة وغيرها تفرض نفسها على كل باحث بشكل أو بآخر وهي أسئلة مشروعة تكشف عن المأزق الخطير الذي قد يقع فيه الناقد بسبب هذا الانفجار النقدي الكبير، وتعدد المناهج وعدم استقرارها.
ولعل الضحية الأولى لهذه الإشكالية هو الطالب والباحث المبتدئ حيث نلحظ أن مسألة المنهج غير واضحة وغير مستقرة في الممارسة النقدية لمعظم الطلبة، بل إننا نزعم أن مسألة المنهج تكاد تكون شبه غائبة عن وعي الطالب وفي ممارساته البحثية.
ولو قمنا بدراسة متفحصة في بحوث طلبتنا فإننا سنصاب بالحسرة والأسى، بل إننا نصدم أحيانا لهول ما نرى، وما نقف عليه من اضطراب واضح في أذهان الطلاب فيما يتعلق بالمنهج، وكأن المنهج لا قيمة له في تصور البعض أو أنه يحتل مكانة ثانوية، في حين أن قضية المنهج تعد اليوم القضية الأولى في جميع حقول المعرفة إذ ترتبط نتائج كل علم بالمنهجية المتبعة فيه ولذلك فإننا لا نكاد نجد في عصرنا الحالي علماً دون منهج. وبذلك احتل المنهج كل هذه الأهمية وغدا هاجساً مؤرقا لكل الباحثين وتطرح حوله كثيراً من الأسئلة ... خاصة في ظل هذا الانفجار النقدي الكبير، وتعدد بل وتشعب المناهج ثم عدم استقرارها وتحولها السريع، مما يجعلنا نقر«بأن القرن العشرين خلافا للقرون السابقة تميز بأنه عصر التحليل في حقول الفكر والمعرفة، وعصر اجتراح المنهجيات للوصف والنظر في منظومة الأفكار المتداخلة »(1).
فظهرت المناهج النقدية الحديثة التي دشنها الشكلانيون الروس(2) (1915-1930) ودي سوسير مروراً بكشوفات النظرية البنيوية التي تقوم على تطبيق المنهج اللغوي في التحليل، ورفض المؤثرات الخارجية، وصولاً إلى السيميائيات التي حررت الأدب والنص الأدبي من سطوة البنيوية، وانتهاءً بالتفكيك الذي طور السيميائية إلى آفاق جديدة في البحث عما هو مغيب في الخطاب الأدبي.
وإذا عدنا إلى مسألة المنهج في البحوث الجامعية فإنني يمكن أن أشير إلى جملة من العيوب والنقائص والتي ألخصها في النقاط الآتية:
1-عدم تمييز الطلاب بين آليات التحليل مثل : التأمل والوصف والتحليل، والمنهج العلمي القائم على أسس معرفية وأدوات إجرائية خاصة.
2-إخفاق الطلاب في تطبيق المنهج بطريقة صحيحة بسبب ضعف الخلفية المعرفية، وعدم امتلاكهم للرؤية النقدية التي تؤهلهم للبحث والتحليل.
3-وقوع بعض الطلاب في عملية التلفيق بين المناهج بدل التركيب من ذلك الجمع بين جميع مناهج النقد وطرائق التحليل الأدبي، ثم الادعاء بتقديم منهج تكاملي يستفيد من مختلف هذه المناهج وهذا ما لا يمكن تحقيقه بسبب بسيط وهو أن هذه المناهج تختلف فيما بينها اختلافا جذرياً إلى حد التناقض من حيث المرجعيات الفكرية وهذا يوقع الباحث في عملية تلفيقية كمية تقوم على الجمع بين المتناقضات بدل التركيب الذي يجب أن يقوم على مبدأ الانتقاء الواعي، ويعتمد على خطة تصورية محددة.
4-سيطرة النقد المعياري الذي يستند على إصدار الأحكام القيمية من خارج النص بدلاً من التحليل والوصف، وما ينجر عن ذلك من إصدار الأحكام الاعتباطية وعدم الاستماع إلى منطق النص وقوانينه الداخلية، وهذا يؤدي في الكثير من الأحيان إلى التعسف وتحميل النص ما لا يحتمل.
5-سيطرة النقد التاريخي على أغلب الممارسات النقدية، مما أدى إلى خلق مفارقة واضحة بين المبدع والمتلقي، تتجلى في اختلاف سياق المبدع عن سياق المتلقي؛ فسياق الإبداع سياق ثقافي، وهم الشاعر فيه همٌ إبداعي، في حين أن سياق التلقي سياق اجتماعي تاريخي متخلف، مما أدى إلى توسيع الهوة بين حركة الإبداع المتعالية أحيانا عن الزمان والمكان، وبين حركة النقد التي لا تزال تجتر ما هو قديم وكلاسيكي.
ولعل هذا ما يجعلنا نتبنى الدعوة التي نادى بها الكثير من المبدعين والنقاد، وأعني بذلك الدعوة إلى خلق قارئ جديد يمتلك وعيا عميقا بالمنهج لقراءة النص الإبداعي الحديث وبخاصة النص الشعري الذي يعد من أكثر الخطابات الإبداعية تعقيداً.
1- أهمية المنهج في قراءة النص الشعري
في البداية أشير إلى أن قضية المنهج هي القضية الأولى في كل حقول المعرفة، إذ ترتبط نتائج كل علم بالمنهجية المتبعة فيه، ولذلك فإننا لا نكاد نجد في هذا العصر علماً دون منهج خاص للتعامل معه.
من هنا احتل المنهج أهمية كبيرة، وغدا هاجسا مؤرقا في نقدنا العربي الحديث، وتطرح حوله الكثير من الأسئلة التي قد لا يتسع المجال لذكرها سواء على صعيد التنظير أو على مستوى الممارسة والتطبيق أو على مستوى المصطلح، بل إننا قد نطرح حتى سؤال المفهوم لأن البعض يخلط بين المنهج العلمي بمعناه العام والمنهج النقدي بمفهومه الخاص.
س) فما هو المنهج؟ أو بالأحرى ما هو المنهج النقدي؟
للإجابة عن هذا السؤال نجد أنفسنا أمام مفهومين اثنين: عام وخاص؛ أما العام فيرتبط بطبيعة الفكر النقدي ذاته في العلوم الإنسانية بأكملها –هذه الطبيعة الفكرية النقدية أسسها (ديكارت)- على أساس أنها لا تقبل أي مسلمات قبل عرضها على العقل، وكذلك الفكر النقدي فإن فيه سمة أساسية، وذلك أنه لا يقبل القضايا على غلاتها انطلاقا من شيوعها، بل إنه يختبرها ويدلل عليها بالوسائل التي تؤدي إلى التأكد من سلامتها وصحتها. أما المعنى الخاص: فهو الذي يتعلق بالدراسة الأدبية، وبطرق معالجة القضايا الأدبية، والنظر في مظاهر الإبداع الأدبي بأشكاله المختلفة»(3)
المنهج إذن هو الطريقة التي نعالج بها النص الأدبي، وتتم هذه المعالجة في ثلاثة مستويات هي:
1-النظرية الأدبية: لأن لكل منهج نظرية أدبية
2-الأدوات الإجرائية: التي نستخدمها أثناء عملية التحليل
3-الجهاز الاصطلاحي: الخاص بالمنهج إذ لكل منهج مصطلحاته التي يجب الالتزام بها عند التحليل
2- مفهوم النص الشعري المعاصر
ليس النص كيانا تاريخيا نقرأ فيه أخبار ما كان وما حدث، ولكنه كيان أنتربولوجي وأنطولوجي في الوقت نفسه، وإن اللغة لتخط فيه كل نماذج تعالق التراث الإنساني وتناصه من فكر ودين وأسطورة وفلسفة ... إلخ.
هذا التحول في رؤية النص لا شك أنه يستدعي تحولاً آخر في منهج قراءة النص، وقبل الانتقال للحديث عن هذه المناهج نبقى مع النص للحظات، لنرى أن الاتجاهات والمقاربات النقدية الحديثة قد أولت النص اهتماماً خاصاً، الأمر الذي أدى إلى علو شأنه على حساب بقية عناصر الترسيمة التواصلية (المؤلف-النص-القارئ) بل جعلته يخرج عن إطار التواصل، بحيث غدا مستقلاً بذاته وتحول إلى سلطة مهيمنة ومتحكمة في الظاهرة الأدبية ... وهكذا أصبح النص يمثل إشكالية معقدة في النقد المعاصر، ويتجلى ذلك في أنه راح يكتسب دلالات جديدة، ويتداخل مع عدد كبير من المصطلحات المجاورة له مثل الخطاب (discourse)، والعمل أو الأثر الأدبي»(4) لدرجة أنه قد يصعب أحيانا التمييز بينهما في الاستعمالات النقدية المعاصرة، وإذا كان بعض النقاد والباحثين قد حصروا مفهوم "النص" في المظهر الكتابي، فيما حصروا مفهوم "الخطاب" في المظهر الشفهي، فإن الدراسات الحديثة المتأثرة باللسانيات تقدم مفهوماً أكثر تحديدا ففون دايك مثلاً ينظر إلى النص بوصفه يمثل بنية عميقة ويسميه "المظهر التجريدي" بينما يمثل الخطاب بنية سطحية ويسميها "المظهر الحسي".(5)
ويقدم الدكتور (سعيد يقطين) تمييزا بين الخطاب والنص، وهو بصدد الحديث عن الخطاب الروائي فيرى أن " الخطاب يتم من خلال مظهره التركيبي أو النحوي... أما النص فهو مفهوم متميز عن الخطاب وله بعد دلالي(6) يتم خلاله إنتاج المعنى من قبل المتلقي.
وعليه يصبح الخطاب رسالة لغوية يبثها المتكلم إلى المتلقي فيستقبلها ويفك رموزها فيتشكل النص.
ويقف الدكتور (محمد مفتاح) في كتابه (تحليل الخطاب الشعري) عند مجموعة من التعريفات المختلفة للنص تعكس توجهات معرفية ونظرية مختلفة ومن هذه التعريفات يعمد (محمد مفتاح) إلى التركيب ليستخلص المقومات الجوهرية والأساسية للنص(7) فهو:
1-مدونة كلامية (أي أنه مؤلف من كلام .. ) وإن كان الدارس يستعين رسم الكتابة في التحليل.
2-حدث: كل نص هو حدث يقع في زمان ومكان معين.
3-تواصلي: يهدف إلى توصيل معلومات ومعارف، ونقل تجارب إلى المتلقي.
4-تفاعلي: وهذه الوظيفة تقيم علاقات اجتماعية بين أفراد المجتمع، وتحافظ عليها.
5-مغلق: ويقصد (محمد مفتاح) انغلاق سمته الكتابية التي لها بداية ونهاية، ولكنه من الناحية المعنوية فهو: توالدي لأن الحدث اللغوي ليس منبثقاً من عدم، وإنما هو متولد من أحداث تاريخية ونفسانية ولغوية.
فالنص إذن هو مدونة حدث كلامي ذي وظائف متعددة»(8).
وهذه التعريفات تضعنا وجها لوجه أمام عدة سمات للنص منها "السمة اللغوية" والتي تركز عليها جميع المناهج النقدية المتأثرة باللسانيات، وعليه فالنص «فعالية لغوية –كما يقول الغذامي- انحرفت عن مواضعات العادة والتقليد وتلبست بروح متمردة رفعتها عن سياقها الاصطلاحي إلى سياق جديد يخصها ويميزها»(9). ولذلك فإن «خير وسيلة للنظر في حركة النص الأدبي .. هي الانطلاق من مصدره اللغوي»(10).
إن النص -كما يرى الغذامي- هو نتيجة لارتداد خط سير الرسالة إلى متلق معين، وفي حالة الوظيفة الأدبية أو الشعرية، وهي التي تهمنا ترتد الرسالة إلى نفسها «ويتحول القول اللغوي من رسالة إلى (نص) ولا يصبح هدفها هو نقل الأفكار، وإنما تتحول لتصبح هي غاية نفسها، وهدفها هو غرس وجودها الذاتي في عالمها الخاص بها، والذي هو جنسها الأدبي الذي يحتويها»(11).
ويلتقي مصطلح النص مع (مصطلح التناص)(12) "intertexte" الذي ازدهر في ظل الدراسات السيميائية، وفي كتابات ما بعد البنيوية بشكل عام ومعناه أن النص لا يمكن أن يكون نقياً بريئا، لأنه في جوهره مجموعة من النصوص المتداخلة، إنه (كريستيفا) «عبارة عن لوحة فسيفسائية من الاقتباسات، وكل نص هو تشرب وتحويل لنصوص أخرى»(13)، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها فالنص لا ينشأ من فراغ، وإنما هو عبارة عن بؤرة تلتقي فيها نصوص سابقة تتنوع بتنوع ثقافة المبدع، وتتراكم فوق بعضها على شكل طبقات رسوبية، وهذا يفرض على القارئ أن يحفر عميقا للوصول إلى الطبقات الرسوبية العميقة.
من كل هذا العرض نخلص إلى النقاط الآتية:
1-التأكيد على السمة اللغوية للنص الأدبي، وأن النص بنية لغوية قائمة بذاتها ومستقلة عن صاحبها.
2-هذا الفهم لطبيعة النص هو الذي سيقوض أسس القراءة السياقية (المؤلف-التاريخ-المجتمع) ويقيم على أنقاضها أسس القراءة النسقية والتي تدعو القارئ إلى استكشاف العمل الفني في ذاته، وقراءة النص قراءة محايثة(14) بعيداً عن كل ما هو خارج النص، فلا قيمة للمقاييس الخارجة عنه سواء كانت نفسية أو اجتماعية أو تاريخية .. لأن كل ما لا ينبع من النص ولا يرتبط بعناصره المكونة له هو في الواقع دخيل عليه.
3-هذا التصور الذي ظهر مع النقد الجديد (الانجلوأمريكي) و(المدرسة الشكلانية الروسية) و(البنيوية الفرنسية) أو لنقل "النقد الجديد" بصبغته الفرنسية (nouvelle critique ) الذي ساد في الستينات من القرن الماضي، وكان عنوانا للمناهج النسقية الجديدة (بنيوية-سيميائية-موضوعاتية) هذا التصور نجد أصداءه تتردد في نقدنا العربي الحديث عند الناقد المصري الدكتور (رشاد رشدي) 1912-1983م وهو فارس هذه المرحلة كما يقول الدكتور (يوسف وغليسي) فهو الذي ناضل وعارك في سبيل ترسيخ هذه الحركة النقدية الجديدة عبر مؤلفاته المختلفة: (ما هو الأدب، مقالات في النقد الأدبي، النقد والنقد الأدبي) وقد آزره في ذلك، وحمل الراية بعده طلبته الذين تولوا تقديم النظرية النقدية الجديدة عبر سلسلة من المؤلفات حيث نشر محمد عناني "النقد التحليلي" عام 1962م عن (كلينث بروكس) (CleanthBrooks )، ونشر سمير سرحان "النقد الموضوعي" ط2 عام 1990 عن (مايثو أرنولد)، كما نشر عبد العزيز حمودة كتابه "علم الجمال" عن (كروتشي) ... وقد صدرت هذه الكتب جميعا عن الدار الأنجلو المصرية ضمن سلسلة (مكتبة النقد الأدبي) بالإضافة إلى أسماء أخرى كالدكتور مصطفى ناصف الذي درس النص الأدبي من وجهة التحليل اللغوي الإستاطيقي، والدكتور لطفي عبد البديع، والدكتور أنس داود الذي درس الأدب وفقا لمنهج "الرؤية الداخلية"(15) وهذا التصور قوامه فلسفة فنية لا ترى بأن الأدب يطابق الواقع أو يطرح نفسه بديلاً عنه، فالفن يقدم صورة خاصة عن طبيعته فقط، ووظيفتهُ لا تتسع لنقل ما هو خارج عنها»(16). ومثل هذا التصور نجده في ما عرف في نقدنا العربي باسم "المنهج الفني" وهو في حقيقة الأمر صدى عربياً مباشراً لمدرسة (النقد الجديد) "الأنجلو الأمريكية" وإن تعددت تسمياته في الممارسة النقدية العربية: كالنقد الفني، والنقد الجمالي لدى روز غريب، والنقد الموضوعي لدى سمير سرحان، ومحمود الربيعي، والنقد التحليلي لدى محمد عناني، والتحليل اللغوي الاستيطيقي لدى لطفي عبد البديع ومنهج الرؤية الداخلية للنص الأدبي لدى أنس داود ... إلخ(17).
وكل هذه التصورات تؤكد تفرد النص الأدبي واستقلاله عن كل ما هو خارجُ ذاته –كما تدعو إلى ذلك البنيوية- فللنص الأدبي كما يقول (شكري عياد): «وجود خاص له منطقه وله نظامه، أو بعبارة أخرى له بنيته التي تتميز عن بنية اللغة العادية»(18). وعليه فإن هاجس النقد الجديد هو :
1- التركيز على الكيفية التي ينقل بها النص الأدبي معناه وليس ما الذي عناه
2- يتجاهل النقد الجديد السياق التاريخي، والمؤلف، والعوامل الخارجية المؤثرة في العمل الأدبي (19).
ولعل محمود الربيعي من أكثر النقاد استماتةً في الدفاع عن استقلالية النص الأدبي، التي تتحول لديه إلى عقيدة نقدية راسخة، يقول في هذا الشأن: «تتلخص عقيدتي النقدية في استقلال العمل الأدبي عن كل ظرف من ظروف تكوينه، وبخاصة ما يتصل بالظروف السياسية والاجتماعية، إنني أؤمن بأن العمل الأدبي نشاطٌ بشري حيوي كامل في ذاته، مستقل بنفسه، له أصالته وقدرته التوجيهية المستقلة للحياة، وأدين بأن العلاقة بين الأدب والمجتمع علاقةُ تفاعل حيوي لا علاقة فعل ورد فعل، أو علاقة صورة منعكسة في مرآة لذا يدهشني جداً ما يهتم به كثيرون من فحص العناصر المكونة للمجتمع على أساس أنها هي التي تؤثر على الأدب بصفته إنتاجاً هو ابن بيئته ويدهشني أكثر ما يحدث من الربط العضوي بين حياة الأديب الذاتية وأدبه، فيفسر الثاني في ضوء الأول، وأرى الأدب في كل صوره طائراً متأبياً مستعصياً جموحاً، لا يخضع لتوجيه شيء من خارجه ولا يستجيب إلا للعناصر التي تشكل كيانه هو، وأرى أن هذا المخلوق المتخلق من عناصر أولية (هي السياسة أو الاجتماع أو الاقتصاد) إنما هو مخلوق جديد يحيا حياة لا تحددها العناصرُ الأوليةُ له، ولا يُحْدث أثرَه على نحو محكوم بهذه العناصر، وهل نقول إن الماء الذي هو أكسجين وهيدروجين يحمل خصائص أي من عنصريه المكونين له؟ وهل لأثره علاقة بأثر أي منهما؟ إننا نرى –على العكس- أن أثره في الإطفاء يناقض أثر أحد عنصريه في الإشتعال »(20).
3-النص كيان فني يقتضي دراسة لغوية جمالية، حسب رأي محمود الربيعي الذي يؤثر الدخول إلى عالمه الأدبي من باب لغوي فيقول: «مدخلي إلى نقد العمل الأدبي مدخل لغوي، وأنا من المؤمنين بأن العمل الأدبي إنمـا هو بناء لغوي»(21).
كما يتشيع مصطفى ناصف للتحليل الاستاطيقي (الجمالي) الذي يرى أن النص يحتاج إليه «حاجة ماسة أيا كان الغرض الذي يسعى إلى تحقيقه»(22).
4-النظر إلى النص الأدبي كصورة عضوية متكاملة موحدَة الشكل والمضمون، فالشكل عند مصطفى ناصف هو قوةُ المضمون ووحدته وليس قالبَهُ أو وعاءَهُ الذي يُحفظ فيه(23).
5-الدعوة إلى التحليل ونبذ التقييم، وما ينجر عنه من إصدار للأحكام دون (حيثيات)، ودون مجرد الاستماع إلى عناصر القضية(24) ذلك أن التحليل موقف يتيح لنا رؤية الكثير واستيعاب الغريب برحابة أوسع، أما التقييم فكثيراً ما يرتبط بمعايير غير أدبية.
تحولات الخطاب النقدي العربي الحديث
مر الخطاب النقدي العربي الحديث بثلاث مراحل أساسية، وقد تميزت كل مرحلة بتوجهاتها النقدية والمنهجية الخاصة، كما أنجبت كل مرحلة نقادها ونصوصها ورؤيتها الخاصة للنص الشعري. ويمكن تحديد هذه المراحل على النحو التالي:
1-مرحلة سيطرة المناهج السياقية: والسلطة فيها للمؤلف، وتشمل المنهج التاريخي، والنفسي، والاجتماعي
2-مرحلة سيطرة المناهج النسقية: والسلطة فيها للنص، وتشمل المنهج البنيوي، والأسلوبي، والموضوعاتي، والسيميائي، والتفكيكي .
3-مرحلة مناهج ما بعد النص : السلطة فيها للقارئ وتشمل نظرية القراءة وجمالية التلقي.
(أولا) ولنبدأ بالمناهج السياقية :
وهي التي تهتم بالعوامل المنتجة للعمل الأدبي (المؤلف-التاريخ-المجتمع)، وقد جعلت هذه المناهج «المؤلف عمدتها في الرؤية والتحليل ومحورها الأساس في التفسير»(25) ولذلك فقد دأبت هذه المناهج على الإعلاء من سلطة المؤلف وجعلته يتربع على عرش الكتابة الأدبية بوصفه يمتلك مفتاح فهم النص وتفسيره، ويأتي في مقدمة المناهج السياقية (المنهج التاريخي) «وهو منهج يتخذ من حوادث التاريخ السياسي والاجتماعي وسيلة لتفسير الأدب، وتعليل ظواهره »(26). ويعتمد النقد التاريخي «على ما يشبه سلسلة من المعادلات السببية؛ فالنص ثمرة صاحبه والأديب صورة لثقافته، والثقافة إفراز للبيئة، والبيئة جزء من التاريخ، فإذا النقد تأريخ للأدب من خـلال البيئة»(27).
وعلى هذا فإن المنهج التاريخي مفيد في دراسة تطور الأدب إنه –على حد تعبير محمد مندور- «تمهيد لازم ولكنه لا يجوز أن نقف عنده، وإلا كنا كمن يجمع المواد الأولية ثم لا يقيم البناء »(28).
وتعد نهايات الربع الأول من القرن العشرين بداية النقد التاريخي في الأدب العربي، بفضل عدد من النقاد الذين تتلمذوا بشكل أو بآخر على يد رموز المدرسة الفرنسية، وعلى رأس هؤلاء النقاد نذكر الدكتور أحمد ضيف (1880-1945م) الذي يمكن عده أول متخرج عربي في مدرسة غوستاف لانسون (1857-1934م) الفرنسية، على أن محمد مندور (1907-1965م) يمكن عدّه الجسر المباشر بين النقدين الفرنسي والعربي على أساس أنه أول من أرسى معالم اللانسوية(29) في نقدنا العربي حين أصدر كتابه "النقد المنهجي عند العرب" مذيلاً بترجمة لمقالة (لانسون) الشهيرة "منهج البحث في الأدب" عام 1946م.
ومنذ الستينات أخذ التقد التاريخي يزدهر في كثير من الجامعات العربية على يد رموزه أمثال: شوقي صيف وسهير القلماوي وعمر الدسوقي في مصر، وشكري فيصل في سوريا، ومحمد الصالح الجابري في تونس، وعباس الجراري في المغرب، وبلقاسم سعد الله وصالح خرفي وعبد الله الركيبي ومحمد ناصر في الجزائر.
وقد اتسم النقد التاريخي بخصائص منها:
1-الربط الآلي بين النص الأدبي ومحيطه السياقي، واعتبار الأول وثيقة للثاني.
2-الاهتمام بالمبدع والبيئة الإبداعية على حساب النص الإبداعي.
3-التركيز على المضمون وسياقاته الخارجية، مع تغييب واضح للخصوصية الأدبية للنص.
4-التعامل مع النصوص المدروسة على أنها مخطوطات بحاجة إلى توثيق ..
وهكذا تبدو لنا الأهمية الأساسية لهذا المنهج في أنه يقدم جهوداً في سبيل تقديم المادة الأدبية الخام، أما دراسة هذه المادة في ذاتها فإنها أوسع بكثير من أن يستوعبها مثل هذا المنهج(30).
ومن المناهج السياقية كذلك يمكن أن نذكر (المنهج النفساني) وهو منهج خارج نصي بامتياز، ويستمد هذا المنهج آلياته النقدية من نظرية التحليل النفسي (لسيغموند فرويد) (1856-1939م) والتي ربطت السلوك الإنساني باللاشعور، " وعلى هذا الأساس حاول فريد " أن يضع تفسيرا لظاهرة الإبداع الفني عن طريق فكرة التسامي النفسي لدى المبدع، فهذا الأخير يندفع تحت وطأة الرغبة اللاشعورية، نحو إنتاج ما يشبع هذه الرغبة، فنشاطه النفسي على رأي (فرويد ) موزع بين ثلاث قوى : الأنا (الشعور)، والأنا الأعلى (الضمير)، والهو (اللاشعور)، والصراع فيما بينهم يتجلى في سلوكه الشخصي في أي موقف من المواقف وهو – أي الصراع - يتم بواسطة ما يطلق عليه فرويد اسم الآليات منها القمع، والكبت، والتسامي "(31).
و قد أخذ النقد النفساني على عاتقه الإجابة عن أسئلة جديدة لم يعرها النقاد أهمية من قبل، ويمكن تلخيص هذه الأسئلة في ثلاثة محاور وهي :
1- المحور الأول :يتمثل في دراسة عملية الخلق أو الإبداع الأدبي ، ويمكن تلخيصه في السؤال : ما العوامل التي أيقظت عبقرية المبدع، ووجهته هذه الوجهة أو تلك ؟
2- المحور الثاني :ويتمثل في معرفة علاقة المبدع الأدبي بآثاره الفنية، ويمكن تلخيصه في السؤال الآتي : من أين يتأتى للمبدع الأدبي الحصول على المادة الفنية ؟ وهل لها علاقة بحياته ، وبعالمه النفسي الخاص ؟ وماهي هذه العلاقة ؟
3- المحور الثالث : ويتمثل في سر تذوق القارئ للآثار الأدبية، أو الفنية، ويتلخص هذا المحور في السؤال : ما العناصر المشتركة بين التجربة الأدبية، وصاحبها، والمتلقي الذي يتأثر بالآثار الفنية . (32)
ويعد المنهج النفساني من أكثر المناهج النقدية إثارةً للمواقف المختلفة فثمة من يناصره، ويتطرف في الدفاع عنه مثل: العقاد وجورج طرابيشي ود.خريستو نجم الذي يرى أن «التحليل النفسي للأدب من أصلح المناهج الأدبية تقصيا للحقيقة وإثراء للفن»(33) وثمة من يعارضه، ويأتي في مقدمة المعارضين (محمد مندور) الذي دعا إلى فصل دراسة الأدب عن العلوم المختلفة ومنها علم النفس ونبه إلى أن الاهتمام بالأديب –باسم علاقة الأدب بعلم النفس- سينتهي بنا إلى قتل الأدب»(34)، ومن المعارضين كذلك نذكر (محي الدين صبحي) (1935-2003م) الذي يرى أن الناقد النفساني يرتكب خطيئة كبرى حين يسوي بين (الشخصية الشعرية) و(شخصية الشاعر) دون اعتبار بأن الشخصية الأدبية شخصية افتراضية، وعليه فإن الخلط بين (أنا الشاعر)، و(أنا الشخص التاريخي) خطأ فادح، ومن هنا يسقط –في نظره- المنهج النفساني بأكمله(35).
وأخيراً نشير إلى الدكتور (عبد المالك مرتاض) والذي يعد من ألد أعداء النقد النفساني، وقد وصفه بـ: النقد المريض المتسلط ثم أشار إلى أن علم النفس وُضع -أصلاً- لمحاولة تفسير الأعراض الجنونية، فمن العسير عليه –بحكم الوضع والوظيفة والطبيعة- أن يضع يده على مرتكزات الجمال الفني للنصوص كما أن الغاية من التحليل النفسي للأدب ليست قراءة الأدب في ذاته، وإنما اتخاذ النص الأدبي ذريعة لتأويل تصرفات الأديب من خلال ما أبدعه(36).
ومهما يكن من أمر فإن القارئ للتطبيقات النقدية النفسانية لا يستطيع أن ينكر ما فيها من عيوب ونقاط ضعف أشار إليها الكثير من الباحثين منها:
1-الاهتمام المبالغ فيه بصاحب النص على حساب النص ذاته (وهو موضوع الدراسة).
2-الافراط في الاهتمام بمنطقة (اللاشعور) التي سماها الدكتور عبد القادر فيدوح بـ (العلبة السوداء).
3-التسوية في هذا النقد بين النصوص الرديئة والجيدة.
4-وأخيراً الإفراط في التفسير الجنسي للأدب وإهمال الجوانب الفنية.
(ثانيا) المناهج النسقية (النصية):
كما رأينا سابقا فقد بدأت ملامح إزاحة وزحزحة السياق تظهر في الخطاب النقدي العربي المعاصر مع النقد الجديد الذي انتقل إلى الوطن العربي في بداية الستينات على يد الدكتور رشاد رشدي (1912-1983م) أول دكتور مصري في الأدب الانجليزي سعى إلى ترسيخ هذا النقد في الساحة العربية.
وقد حمل لواء التبشير بهذه الحركة النقدية عددٌ من النقاد نذكر منهم على الخصوص (مصطفى ناصف) «الذي ينطلق في رفضه لسلطة السياق من تشبعه بثقافة النقد الجديد التي جسدتها كتابات (تي.أس.إليوت) و(رتشاردز) و(كلينث بروكس) و(جون كراو رانسون)، فلا غرو -إذن- أن نجده يحمل بقوة على الاتجاهات السياقية؛ ولا سيما منها النقد التاريخي، والنقد الاجتماعي، والنقد النفساني ... ويعتقد بأن القصيدة بنية لغوية»(37). ولذلك لا يجب النظر إليها «على أنها أداة حاملة لشخصية الكاتب، وأن أسلوبه لا يعدو أن يكون مجرد انعكاس لأحواله الذاتية»(38)، ذلك لأن للنص منطقه الداخلي الخاص، ومن الخطأ أن نجرد هذا النص من طبيعته اللغوية الخاصة. من هنا بدأ الاهتمام بالنص حتى غدا سلطة مهيمنة ومتحكمة في الظاهرة الأدبية.
وقد احتل النص هذه المنزلة الرفيعة في ظل التوجهات الشكلية التي وسمت النقد الأدبي، والتي تجسدت بشكل واضح في ظل البنيوية(39) التي استمدت روافدها من مصادر متنوعة قد لا يتسع المجال لحصرها ولذلك فإننا نكتفي بالإشارة إلى أن البنيوية كانت تتويجاً للجهود الألسنية وعلى رأسها جهود المدرسة السوسيرية بزعامة العالم اللغوي السويسري الكبير (فردينان دي سوسير) (1857-1913م) مؤسس اللسانيات الحديثة(40)، وصاحب المحاضرات الشهيرة التي كانت عصارة ثلاثة فصول دراسية بجامعة جنيف خلال الفترة الممتدة بين 1906 و1911م ثم نشرت عام 1916م برعاية تلاميذه تحت عنوان "دروس في الألسنية العامة"(41).
لقد هجر (دي سوسير) الدراسات اللغوية التاريخية في شكلها المعروف، " وذهب إلى القول بأن دراسة اللغة من حيث هي وسيلة اتصال يجب أن تكون دراسة وصفية ( آنية ) SYNCHROMICAL ، وليست تعاقبية ( زمنية ) DIACHROMICAL "(42).
وقد انبثقت البنيوية من خلال هذه الأفكار اللسانية التي شكات الأساس النظري لها لتتصدر دراسة الأدب في فرنسا وأمريكا .. وتربط النص في رباط ممتد من العلاقات المتداخلة ، ولعل هذا الذي يجعلنا نقول إن " البنيوية في معناها الأخص هي محاولة نقل النموذج اللغوي إلى حقول ثقافية أخرى ، وتعتمد هذه الفكرة عند ( جونتان كولر ) على اعتقادين أساسيين هما :
1- أن الظواهر الاجتماعية، والثقافية ليست مجرد موضوعات، أو أحداث مادية، بل هي موضوعات، أو أحداث ذات معنى ، وبالتالي فهي إشارات .
2- أن هذه الظواهر ليست جواهر أو ماهيات قائمة في ذاتها، بل إنها محددة بشبكة من العلائق الداخلية والخارجية "(43).
ويمكن عد بدايات السبعينات من القرن الماضي فاتحة عهد النقد العربي بالبنيوية، فيما كانت الستينات تمهيدا لذلك وإرهاصاً به، فقد كانت مرحلة انتقالية لا بد منها، اضطلع روادها كما رأينا سابقا بتعريب النقد الأنجلو أمريكي الجديد، وتقديمه إلى الساحة النقدية العربية تحت تسميات مختلفة (النقد الموضوعي، المنهج الفني، النقد الجمالي، النقد التحليلي، التحليل اللغوي الاستاطيقي) ... وبحكم القواسم المنهجية المشتركة بين (النقد الجديد) و(البنيوية) فقد مثلت تلك الجهود الرائدة وخاصة جهود (رشاد رشدي) ومن تتلمذوا عليه ... دوراً كبيراً في تهيئة أجواء التلقي البنيوي مع مطلع السبعينيات(44). ولعل أولى ثمار هذا التلقي كتاب الدكتور حسين الواد (البنية القصصية في رسالة الغفران)، وهو بحث أعد لنيل شهادة الكفاءة، ونوقش عام 1972م.
وتكتسي هذه الدراسة أهمية منهجية وتاريخية كبيرة حيث يَعُدها توفيق الزيدي «الأولى من نوعها من حيث الطول والأهمية زيادة على أنها ستكون نقطة الانطلاق لعدة دراسات جامعية مطولة»(45) مثل جهود كمال أبو ديب في البنية الإيقاعية للشعر العربي 1974م، وكتاب الدكتور صلاح فضل "نظرية البنائية في النقد الأدبي" 1978م، والذي قدم فيه الكثير من المعرفة النقدية، ومحمد بنيس "ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب مقاربة بنيوية تكوينية"(46) 1979 ... إلخ.
وبفضل هذه الجهود وغيرها انتشرت البنيوية في الدراسات النقدية الشعرية العربية، وانتشرت معها مفاهيم جديدة في قراءة النص الشعري مثل: القراءة النسقية، المحايثة، البنية(47) ... إلخ.
ولعل أهم ما تتميز به القراءة البنيوية (النسقية) عن القراءة (السياقية) ما يلي:
1-أنها قراءة داخلية لأنها لا تلتفت إلى مقصدية الأثر الأدبي وتلغي كل علاقة بين هذا الأثر والقيم الاجتماعية، إنها تتعامل مع النص على أنه موضوع أو شيء مكتف بذاته، ولعل هذا النزوع إلى البحث عن داخل النص هو الذي شجع الشكلانيين للدعوة إلى إقامة علم للأدب مستقل عن التصورات الخارجية.(48)
2-الاقتصار على القوانين الداخلية التي تحكم قيام اللغة بوظائفها الدلالية من مقابلات وتداعيات وتجانس أو تنافر ونحو ذلك.(49)
3-إزاحةُ سيادة النقد، ووصايته المطلقة على النص، لذا تم استبدال الناقد التاريخي بمفهوم القارئ الذي لا يدعي التسلط على النص أو الوصاية عليه، أو حتى الحكم عليه .. إنه يتساءل بدلَ أن يصدر الأحكام.(50)
4-ممارسة (قتل المؤلف) وهو في نظر (أمبرتو إيكو) تحرير لطاقة النص على الانتاج، إذ «ينبغي على المؤلف أن يموت بعد أن يكتب كي لا يربك المسار الذي يتخذه النص، فالموت هنا -إذن- ذو بعد مجازي يسمح بالتوالد الحر والدائم للمعني، والمؤلف ليس مطالبا بشرح عمله، وإلا انتفتْ أهمية إبداعه، إنه يصبح قارئاً بعد أن ينتهي من عملية إبداعه، حيث تعِنُ له فيما بعد النقائص والفجوات الواجبُ ملْؤُها، فيمارسُ على عمله النقد الذاتي ».(51)
ويصحح الدكتور (عبد السلام المسدي) الاعتقاد الشائع بأن البنيوية أتت على الإنسان ضرباً بالأعناق، إذ لا يؤمن بفكرة موت الإنسان، فالمسدي يعتقد أن البنيوية تسعى –وراء فكرة موت الإنسان التي ألصقها بها خصومُها- إلى إرساء عقلانيةٍ جديدة تبلغ مداها الأقصى في واقعية التحليل، وموضوعيةِ التقويم وعلمية الأحكام، وكل ذلك ضمن سلطة المفاهيم بدل سلطة الواقع.(52) إذ لا يمكن إنكارُ المبدع وانتمائه لنصه، ولكن ليس إلى درجة الإغراق في الذاتية؛ لأن النص الأدبي أكبرُ من أن يحصر في دائرة الانعكاس لصاحبه، أو يكون مجردَ مرآةٍ لها وهذا ما لا نرتضيه للأدب، وما لا يرتضيه الأديب لنفسه.
وعلى أية حال تبقى المسألة الجوهرية التي حققتها البنيوية هي أنها أخرجت النقد من الواقع المتهرئ الذي وضعته فيه المناهج السياقية (التاريخية والنفسية)، وأقامته على أساس النص وعلى أصول البنية اللغوية الداخلية.
إلا أن هذا النزوع الداخلي الذاتي للبنيوية والذي يجعلها إجراءً نقدياً مقبولاً في الظاهر، خلق مشكلة خطيرةً أضحت تقصِمُ ظهر البنية، وهي انغلاقها على نفسها داخل سياج الوصف والتصنيف والإحصاء والرسومِ البيانية الغامضة. مما أدى إلى ابتعاد هذه القراءة عن المعنى، ومن ثم فقد فشلت البنيوية فشلاً ذريعاً في الوصول إلى المعنى(53)، ولعل هذا ما حاولت السيميائية تجنبه من خلال طرحها لمفهوم الاعتباطية وإطلاق قيد العلامة وجعلها بديلاً للبنية، فالعلاقة بين الدال والمدلول علاقةٌ اعتباطية كما يرى (دي سوسير)، وهذا حرر (الدال) وجعله لا يتقيد بحدود المعاني المعجمية، وأعطى للنص فعالية قرائية وإبداعية تعتمد على الطاقة التخيلية (للدال) في تلاقي بواعثه مع بواعث ذهن المتلقي(54)، ولكن دائماً وفق قوانين النص، وفي إطار بنيته الداخلية.
-موضوع السيميائية :
من خلال تمعن مختلف التعريفات التي قدمت للسيميائية يمكن أن نلحظ أنها تجمع على أن موضوع السيميائيات هو ( العلامة ) ويعني هذا أن السيميائية هي علم العلامات ( الأيقون – الرمز – الإشارة ) . يقول ( دي سوسير)" ويمكننا أن نتصور علما موضوعه دراسة حياة العلامات في المجتمع، مثل هذا العلم يكون جزءا من علم النفس الاجتماعي، وهو بدوره جزء من علم النفس العام، سأطلق عليه علم العلامات semilogy ( وهي لفظة مشتقة من الكلمة الإغريقية semeion= العلامة ) . ويوضح علم العلامات ماهية مقومات العلامات، وماهية القواعد بطبيعته وماهيته . ولما كان هذا العلم لم يظهر إلى الوجود إلى حد الآن، لم يمكن التكهن بطبيعته وماهيته، ولكن له حق الظهور إلى الوجود، فعلم اللغة هو جزء من علم العلامات العام، والقواعد التي يكتشفها هذا العلم يمكن تطبيقها على علم اللغة" .
ويخلص دي سوسير إلى القول : " أن دراسة الطقوس والعادات والتقاليد وغيرها بوصفها إشارات تساعدنا – على ما أعتقد – على إلقاء ضوء جديد على هذه الحقائق، وإبراز الحاجة إلى ضم هذه الأمور إلى علم العلامات، وتفسيره طبقا لقواعده " .
ويعد دي سوسير العلامة الغوية كيانا ثنائي المبنى، يتكون من وجهين يشبهان وجهي ( العملة النقدية ) ، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، الأول هو الدال ، أي الصورة الصوتية الحسية التي تحدثها في دماغ المستمع سلسلة الأصوات التي تلتقطها أذنه، وتستدعي إلى الذهن هذا المستمع صورة ذهنية، أو فكرة، أو مفهوما . والثاني هو المدلول، وكلاهما : الدال والمدلول، ذو طبيعة نفسية يتحدان في دماغ الإنسان بآصرة التداعي ( الإيحاء ) " وحسب تعريف ( دي سوسير ) دائما فإن العلاقة بين الدال، والمدلول علاقة اعتباطية وليس هناك أي صلة طبيعية بينهما باستثناء العلامات اللغوية المحاكية مثل مواء القطة، وخرير الماء ، ونحو ذلك .
- مجالات التطبيق السيميائي :
صارت السيميائية منهجا تطبيقيا في شتى المعارف، والدراسات الإنسانية والفكرية، والعلمية، وأداة في مقاربة الأنساق اللغوية، وغير اللغوية . وأصبح هذا التحليل مفتاحا حداثيا، وموضة لابد من الالتجاء إليها قصد عصرنة الفهم، وآليات التأويل، والقراءة، ويمكن أن نشير إلى بعض الحقول التي استخدمت فيها السيميائية :
1- الشعر ( مولينو، رومان ياكبسون، جوليا كرستيفا، ميكائيل ريفاتير )
2- الرواية والقصة ( غريماس، كلود بريمون، رولان بارت، تودوروف، جيرار جينيت، فيليب هامون )
3- الأسطورة والخرافة ( فلاديمير بروب )
4- السينما ( كريستيان ميتز، يوري لوتمان )
5- الإشهار ( رولان بارت، جورج بنينو، جان دوران )
6- الأزياء والأطعمة والأشربة، والموضة ( رولان بارت )
7- التواصل ( جورج مونان، برييطو)
8- الثقافة ( يوري لوتمان، توبوروف، إيفانوف، أمبرتو إيكو، روسي لاندي )...إلخ .
وعلى العموم فإن المقاربة السيميائية تقوم على تتبع مختلف العلاقات القائمة بين (الدوال) ، و لا يتم ذلك إلا من خلال التمايز والاختلاف .لأن اللغة نظام من الاختلافات ، ولذلك يقال " بالضد تتضح الأشياء ". وفي هذا الإطار يطرح المنهج السيميائي جملة من الآليات أساسها التفاعل, والتماس كدراسة التشاكل, والتباين, والتقابل, وتبيان درجات التناص , وما إلى ذلك من العلاقات المختلفة المتولدة عن حركات النص الداخلية .
ونشير في الختام إلى أن هذا الرهان والتعصب للبنية أدى إلى انقلاب معرفي نتجت عنه حركة معرفية جديدة عرفت باسم (ما بعد البنيوية)(55)، ومن أشهر ممثلي هذه الحركة (جاك ديريدا) الفرنسي الجنسية اليهودي الأصل الذي ولد في الأبيار بالجزائر العاصمة في : 15 جويلية1930 م زعيم (التفكيكية)، وقد وسعت هذه الحركة الهوة الدلالية بين (الدال والمدلول) وحولت كل دال " إلى نوع من الحرباء التي تتبدل ألوانها مع كل سياق جديد، وينصبُ قدر كبير من جهد حركة (ما بعد البنيوية) على تتبع هذا التقلب الملحاح لنشاط الدال، وذلك في تشكيله مع غيره من الدوال سلاسل وتيارات متقاطعة من المعنى، يتأبى على المتطلبات المنظمة للمدلول"(56). كما أنها أعلنت موت المؤلف بصورة رسمية ثم جاء رولان بارت بالضربة القاضية التي أسقطت عن المؤلف تلك السلطة المطلقة، وبإعلان موت المؤلف يكون بارت قد بشر بعهد جديد، وهو عهد ميلاد القارئ وميلاد عصر القراءة حيث سيصبح القارئ منتجاً للنص بعدما كان متفرجاً عليه أو مستهلكاً له في أحسن الأحوال، كما تقول بذلك (نظرية القراءة) و(جمالية التلقي)(57).
وهذه النظرية تعود بنا من جديد إلى طرح إشكالية القراءة وقراءة النص الأدبي والتي لم تحسم بعد ولا نراها ستحسم، وستبقى المسألة كما قال المتنبي:
أنام ملئ جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جرّاها ويختصم
الخـــاتمة :
في ختام هذا العرض للمناهج النقدية المعاصرة في تعاملها مع النص الإبداعي. يمكن أن نخلص إلى جملة من النتائج نلخصها في ما يلي :
1- يجب التعامل مع المنهج بشيء من المرونة فلا يجب أن نحوله إلى فلسفة، أو أيديولوجيا فالمنهج أداة للكشف والتحقيق، وهو في اتكائه على العلم أو الفلسفة أو الأيديولوجية يظل محافظا على جوهره الأصلي، ولا يتحول إلى واحد من هذه الأشياء .
2- ينبغي الانفتاح على جميع المناهج النقدية، وخاصة المناهج الحديثة فلا نصادر حرية الباحث في الاستفادة من أي منهج، وخاصة في هذا الزمن الذي هو زمن الحوار بين الحضارات ثم إن طبيعة الثقافة تنح دائما إلى امتصاص العناصر الجديدة التي تساعدها على التطور، والنماء، وتاريخنا العربي الإسلامي يشهد أن أزهى فترات ازدهار الحضارة الإسلامية هي تلك الفترة التي تمازجت فيها مع الثقافات الأخرى فامتصت رحيقها، وتفاعلت معها، وبذلك استطاعت أن تقدم للإنسانية تلك الحضارة الباذخة .
3- يجب أن نؤمن بتعدد المناهج النقدية، وحقها في الحوار دون مصادرة، أو محاولة فرض منهج أحادي يزعم لنفسه القدرة المطلقة على الإجابة عن جميع الأسئلة، ولعل طبيعة النص أحيانا هي التي تفرض على القارئ المنهج المناسب للقراءة .
4- كما يجب أن نؤمن بالإضافة إلى ذلك بحق كل ناقد أن يجترح لنفسه منهجا نقديا خاصا به، وحقه كذلك في التعامل مع المنهج بشيء من الحرية والتصرف بدل الاستسلام السلبي لسلطة المناهج، وتوظيفها بطريقة الاستنساخ، أو التقليد الأعمى لهذه المناهج على علاتها، وما قد ينتج عن ذلك من مخاطر المثاقفة السلبية وفقدان الخصوصيات التي تطبع الثقافة العربية الإسلامية ، ويعني ذلك تحقيق فكرة الاستقلال الثقافي العربي، وهي لا تعني الجمود والانعزال، كما لا تعني التبعية والخضوع .
5- وأخيرا يجب التفكير في تطوير الحركة النقدية العربية من خلال استيعاب كل ما قدمته الحضارة الإنسانية قديما وحديثا، من فكر وثقافة وفن، و الاستعداد الدائم للمراجعة، والنقد الذاتي، وربط النقد بالهموم الثقافية الخاصة. بدل استيراد هموم الآخرين.
الهوامش
(1)عبد الله ابراهيم، في معرفة الآخر، المركز الثقافي العربي بيروت ، ط 2 ،1996، ص07.
(2) الشكلانية الروسية : تزامن ظهورها مع قيام الثورة الاشتراكية البلشفية في العشرينات من القرن العشرين ... وهي تعود في أصلها إلى تجمعين علميين هما : حلقة موسكو( 1915 1920 ) بزعامة رومان ياكبسون . وجماعة الأبوياز 1916 التي تأسست في ( سان بترسبورغ ) وتعني هذه التسمية ( جمعية دراسة اللغة الشعرية ) ومن أعضائها فيكتور سلوفسكي وبوريس إخنباوم
-ينظر فكتور إيرليخ، الشكلانية الروسية، ترجمة محمد الولي، المركز الثقافي العربي، بيروت 2000، ص 5،6
(3)صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر، إفريقيا الشرق، المغرب 2002، ص10.
(4)فاضل تامر، اللغة الثانية، المركز الثقافي العربي، ط1/1994، ص71.
(5)ينظر المرجع نفسه، ص75.
(6)سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي ، المركز الثقافي العربي ، بيروت ، ط3 .1997 ، ص 50 وما بعدها .
(7)مادة (نصص) في التراث ذات معان متعددة أهمها أربعة هي: الرفع والحركة والاظهار وبلوغ الغاية، يقال: بلغ الشيء نصه: أي منتهاه (لسان العرب)
(8)محمد مفتاح، تحليل الخطاب الشعري، استراتيجية التناص، ص120.
(9)عبد الله الغذامي، الخطيئة والتكفير، المركز الثقافي العربي، ص10.
(10)المرجع نفسه، ص10.
(11)المرجع نفسه، ص 10،11.
(12)التناص: تبلور هذا المصطلح على يد الباحثة البلغارية (جوليا كرستيفا) في الستينات (1966-1967) وغيرها من رواد هذا الاتجاه في الغرب وعلى رأسهم رولان بارت وريفايتر وجاك ديريدا وقبل ذلك ميخائيل باختين في الحوارية.
-ينظر عبد الحميد هيمه، سيميوطيقا التداخل النصي، مجلة قوافل ع/مايو 2005، ص111.
(13) نقلا عن عبد الله الغذامي، الخطيئة والتكفير، ص16.
(14)المحايثة: (immanence ) يعود هذا المصطلح إلى آرسطو ، وهو يعني عند كانط "وجود الشيء في ذاته" والنقد المحايث هو نقد لفكرة ما أو نسق من الأفكار وهو نقد ينطلق من مقدمات الفكرة أو النسق من الأفكار، فالمحايثة مقولة تدل على ما هو داخل الكائن أو داخل موضوع الفكر وهو عكس التعالي.
(15)ينظر يوسف وغليسي، مناهج النقد الأدبي، ص57.
(16)أحمد يوسف، القراءة النسقية، ص152، 153.
(17)ينظر يوسف وغليسي، مناهج النقد الأدبي، ص58.
(18)شكري عياد، موقف من البنيوية، مجلة فصول، ع2/جانفي 1981، ص188.
(19)ينظر إبراهيم محمود خليل، النقد الأدبي الحديث، ط1، دار الميسرة للنشر والتوزبع، الأردن ، ص 80 .
(20)محمود الربيعي، من أوراقي النقدية، دار غريب القاهرة، ص12.
(21)المرجع نفسه، ص13.
(22)مصطفى ناصف، دراسة الأدب العربي، ط3، دار الأندلس بيروت 1983، ص101.
(23)المرجع نفسه، ص102.
(24)محمود الربيعي، من أوراقي النقدية، ص08.
(25)شريف بشير أحمد، آفاق المصطلح وأعماق المفهوم، علامات ع/فيفري 2008، ص21.
(26)يوسف وغليسي، مناهج النقد الأدبي، ص15.
(27)عبد السلام المسدي، في آليات النقد الأدبي، دار الجنوب، تونس 1994، ص79.
(28)محمد مندور، في الميزان الجديد، دار نهضة مصر، الفجالة-القاهرة، ص129.
(29)اللانسوية: نسبة إلى غوستاف لانسون (1857-1934م) ويعد هذا الأكاديمي الفرنسي الرائد الأكبر للمنهج التاريخي، ويعد النقد العلمي الذي ظهر في أواخر القرن 19م شكلاً مبكراً للنقد التاريخي ومن أبرز ممثليه:
-هيبوليت تين (1828-1893م) الفرنسي الذي درس الأدب في ضوء تأثير ثلاثيته المشهورة (العرق-البيئة الجغرافية-الزمان).
-فردينان برونتيار (1849-1906م) الناقد الفرنسي الذي آمن بنظرية التطور لدى (داروين)، وطبقها على النص الأدبي، متمثلاً الأنواع الأدبية كائنات عضوية متطورة، له كتاب "تطور الأنواع الأدبية" 1890م.
-سانت بيف (1804-1869م) ركز في دراساته على شخصية الأديب تركيزا مطلقا.
(30)ينظر يوسف وغليسي، ص20، 21.
(31)سمير سعيد حجازي ، مناهج النقد الأدبي المعاصر، دار الآفاق العربية، القاهرة 2007، ص 109.
(32)ينظر أحمد حيدوش ، التحليل النفسي في النقد العربي الحديث ، ص 12 وما بعدها.
(33)خريستو نجم، في النقد الأدبي والتحليل النفسي، دار الجيل، بيروت 1991، ص39.
(34)محمد مندور، في الميزان الجديد، ص170.
(35)ينظر أعمال (دورة الأخطل الصغير مؤسسة جائزة البابطين للإبداع الشعري)، 2000، ص344 وما بعدها.
(36)ينظر عبد المالك مرتاض، القراءة بين القيود النظرية وحرية التلقي، تجليات الحداثة، وهران ع4/1996، ص18، وفي نظرية النقد ص155.
(37)أحمد يوسف، القراءة النسقية، منشورات الاختلاف ط2003، ص157.
(38)المرجع نفسه، ص157.
(39)البنيوية : البنيويون هم جماعة يؤلف بينها البحث عن علاقات كلية كامنة .
-ينظر أديث كرزويل، عصر البنيوية، تر.جابر عصفور، ص246.
(40)من المبادئ الأساسية التي جاء بها (دي سوسير): تفريقه بين الدال والمدلول واللغة كظاهرة اجتماعية والكلام كظاهرة فردية، وبلورته لمفهوم: "النسق" أو "النظام" الذي تطور فيما بعد إلى بنية.
-ينظر ابراهيم صحراوي، تحليل الخطاب الأدبي، دار الآفاق، الجزائر 1999، ص09.
(41)ترجم هذا الكتاب إلى العربية خمس مرات في كل من لبنان وتونس ومصر والعراق والمغرب.
(42)إبراهيم محمود خليل، النقد الأدبي الحديث ، ص 88 ..
(43)ينظر عبد الله إبراهيم وآخرون، معرفة الآخر، مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة، ص 41 .
(44)يوسف وغليسي، ص72.
(45)توفيق الزيدي، أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث، ص40.
(46)هي اتجاه بنيوي يخالف أطروحات البنيوية الصورية من منظور الفلسفة الماركسية خاصة، والفلسفة الاجتماعية عامة ومن أبرز أعلامها لوسيان غولدمان وتنطلق البنيوية التكوينية في وجهة نظرها حيال مسألة المؤلف من تصور مغاير لكل من الماركسية والبنيوية الصورية، فلا هي تذيبه في الجماعة ذوبانا كليا، ولا هي تمارس عليه عملية القتل ممارسة قاسية، فهي تعترف له بفرادته وعبقريته داخل الإطار الاجتماعي.
-ينظر أحمد يوسف، القراءة النسقية، ص198.
(47)البنية: نسق من العلاقات الباطنية، يقول (رانسون) البنية في الحقل الأدبي، تمثل الأثر إلى جانب عنصر النسج أو السبك. المحايثة: يعود هذا المصطلح إلى آرسطو وهو يعني عند كانط وجود الشيء في ذاته.
(48)أحمد يوسف، القراءة النسقية، ص29.
(49)المرجع نفسه، ص198.
(50)المرجع نفسه، ص176.
(51)أحمد يوسف، القراءة النسقية، ص176.
(52)عبد السلام المسدي، قضية البنيوية (دراسة ونماذج)، دار الجنوب للنشر، تونس 1995م، ص29.
(53)أحمد يوسف، القراءة النسقية، ص198.
(54)عبد الله الغذامي، الخطيئة والتكفير، ص47.
(55)هي حركة ظهرت في منتصف الستينات وشكلت منعطفا تصحيحياً للطروحات البنيوية السابقة ومن أشهر ممثلي هذه الحركة (جاك ديريد) زعيم المنهج التفكيكي الذي أفضى إلى تبني القراءة التأويلية المفتوحة.
(56)رامان سلدن، النظرية الأدبية المعاصرة، تر.جابر عصفور، دار قباء، ص119.
(57)هو اتجاه ألماني كرسته في السبعينيات مدرسة (كونستانس) بزعامة (هانس روبرت ياوس) و(ولففانغ إيزر)، وقد مهدت نظريات التلقي الطريق للتفكيكية لأنهما يلتقيان في أهم مبادئهما وهو إلغاء النص، وقصدية المؤلف.
على أن سطوع التفكيكية في عز رواج جماليات التلقي (إلى جانب التداولية) لا يعني أن الأولى نتيجة للثانية، بل الأرجح أن هذا النشاط المتوازي زمنيا والمتوافق معرفيا إلى حد كبير يتم من خلال تداخلات البيئة الثقافية.
د. عبد الحميد هيـمة
جامعة ورقلة (الجزائر)
* منقول لفائدة
كما نحفظ أيضا قول أبي الطيب المتنبي في وصف شعره:
أنام ملئ جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم
وقد ازدادت هذه الإشكالية مع الشعر الحديث، وغدت أكثر تعقيدا فلم يعد النص الشعري مجرد بستان وارف الظلال يقصده المرء طلبا للراحة والاستجمام، وإنما أصبح هماً مؤرقا، وأصبحت عملية قراءة النص عملية شاقة تحتاج إلى قارئ حاذق مزود "بأسلحة الفن" كما قال الناقد الجزائري المرحوم (محمد مصايف) قارئ لا يكتفي باستهلاك النص وإنما يساهم في عملية إنتاجه، وقد أخذت هذه الإشكالية حيزاً كبيراً من اهتمام النقاد والدارسين منذ فجر النهضة العربية الحديثة، وإلى يومنا هذا، ولكن على الرغم من الجهود المبذولة من طرف النقاد في مجال قراءة النص الإبداعي (الشعري) فإنه لا يزال لغزاً محيرا لأي باحث يروم مواجهة هذا العالم المليء بالسحر والفتنة والغرابة، حيث يبقى النص ذا وجود عائم غير محدد يلقيه مبدعه (شارداً) ويسهر النقاد جراه ويختصم على حد تعبير المتنبي.
وهذه الدراسة تسعى إلى البحث في إشكالية المنهج في قراءة النص الشعري ، وتحاول الإجابة عن جملة من الأسئلة التي تطرح في هذا المجال مثل:
س) كيف نقرأ النص الشعري؟ وما هي الأدوات الإجرائية التي تستطيع أن تفك رموزه، وتكشف شفرته؟ ما هي المناهج العلمية المناسبة والقادرة على الوصول إلى جوهر العملية الإبداعية؟ ثم ما مدى وعي القارئ بأهمية المنهج؟ أو ما مدى وضوح هذه المسألة في الممارسة النقدية لديه؟ ثم هل استطعنا أن نكون هذا القارئ الجديد الذي يمتلك المنهج العلمي الصحيح، والقادر على قراءة النص الشعري بأدوات نقدية جديدة بدلا من الآليات التقليدية التي تنظر إلى العمل الأدبي نظرة جزئية أو مسطحة فيها الكثير من المجانية والتبسيط في حين نجد أن الدراسات الحديثة تبدو ذات سمات معقدة أو مركبة، وتعتمد على معايير علمية وآليات دقيقة؟ هذه الأسئلة وغيرها تفرض نفسها على كل باحث بشكل أو بآخر وهي أسئلة مشروعة تكشف عن المأزق الخطير الذي قد يقع فيه الناقد بسبب هذا الانفجار النقدي الكبير، وتعدد المناهج وعدم استقرارها.
ولعل الضحية الأولى لهذه الإشكالية هو الطالب والباحث المبتدئ حيث نلحظ أن مسألة المنهج غير واضحة وغير مستقرة في الممارسة النقدية لمعظم الطلبة، بل إننا نزعم أن مسألة المنهج تكاد تكون شبه غائبة عن وعي الطالب وفي ممارساته البحثية.
ولو قمنا بدراسة متفحصة في بحوث طلبتنا فإننا سنصاب بالحسرة والأسى، بل إننا نصدم أحيانا لهول ما نرى، وما نقف عليه من اضطراب واضح في أذهان الطلاب فيما يتعلق بالمنهج، وكأن المنهج لا قيمة له في تصور البعض أو أنه يحتل مكانة ثانوية، في حين أن قضية المنهج تعد اليوم القضية الأولى في جميع حقول المعرفة إذ ترتبط نتائج كل علم بالمنهجية المتبعة فيه ولذلك فإننا لا نكاد نجد في عصرنا الحالي علماً دون منهج. وبذلك احتل المنهج كل هذه الأهمية وغدا هاجساً مؤرقا لكل الباحثين وتطرح حوله كثيراً من الأسئلة ... خاصة في ظل هذا الانفجار النقدي الكبير، وتعدد بل وتشعب المناهج ثم عدم استقرارها وتحولها السريع، مما يجعلنا نقر«بأن القرن العشرين خلافا للقرون السابقة تميز بأنه عصر التحليل في حقول الفكر والمعرفة، وعصر اجتراح المنهجيات للوصف والنظر في منظومة الأفكار المتداخلة »(1).
فظهرت المناهج النقدية الحديثة التي دشنها الشكلانيون الروس(2) (1915-1930) ودي سوسير مروراً بكشوفات النظرية البنيوية التي تقوم على تطبيق المنهج اللغوي في التحليل، ورفض المؤثرات الخارجية، وصولاً إلى السيميائيات التي حررت الأدب والنص الأدبي من سطوة البنيوية، وانتهاءً بالتفكيك الذي طور السيميائية إلى آفاق جديدة في البحث عما هو مغيب في الخطاب الأدبي.
وإذا عدنا إلى مسألة المنهج في البحوث الجامعية فإنني يمكن أن أشير إلى جملة من العيوب والنقائص والتي ألخصها في النقاط الآتية:
1-عدم تمييز الطلاب بين آليات التحليل مثل : التأمل والوصف والتحليل، والمنهج العلمي القائم على أسس معرفية وأدوات إجرائية خاصة.
2-إخفاق الطلاب في تطبيق المنهج بطريقة صحيحة بسبب ضعف الخلفية المعرفية، وعدم امتلاكهم للرؤية النقدية التي تؤهلهم للبحث والتحليل.
3-وقوع بعض الطلاب في عملية التلفيق بين المناهج بدل التركيب من ذلك الجمع بين جميع مناهج النقد وطرائق التحليل الأدبي، ثم الادعاء بتقديم منهج تكاملي يستفيد من مختلف هذه المناهج وهذا ما لا يمكن تحقيقه بسبب بسيط وهو أن هذه المناهج تختلف فيما بينها اختلافا جذرياً إلى حد التناقض من حيث المرجعيات الفكرية وهذا يوقع الباحث في عملية تلفيقية كمية تقوم على الجمع بين المتناقضات بدل التركيب الذي يجب أن يقوم على مبدأ الانتقاء الواعي، ويعتمد على خطة تصورية محددة.
4-سيطرة النقد المعياري الذي يستند على إصدار الأحكام القيمية من خارج النص بدلاً من التحليل والوصف، وما ينجر عن ذلك من إصدار الأحكام الاعتباطية وعدم الاستماع إلى منطق النص وقوانينه الداخلية، وهذا يؤدي في الكثير من الأحيان إلى التعسف وتحميل النص ما لا يحتمل.
5-سيطرة النقد التاريخي على أغلب الممارسات النقدية، مما أدى إلى خلق مفارقة واضحة بين المبدع والمتلقي، تتجلى في اختلاف سياق المبدع عن سياق المتلقي؛ فسياق الإبداع سياق ثقافي، وهم الشاعر فيه همٌ إبداعي، في حين أن سياق التلقي سياق اجتماعي تاريخي متخلف، مما أدى إلى توسيع الهوة بين حركة الإبداع المتعالية أحيانا عن الزمان والمكان، وبين حركة النقد التي لا تزال تجتر ما هو قديم وكلاسيكي.
ولعل هذا ما يجعلنا نتبنى الدعوة التي نادى بها الكثير من المبدعين والنقاد، وأعني بذلك الدعوة إلى خلق قارئ جديد يمتلك وعيا عميقا بالمنهج لقراءة النص الإبداعي الحديث وبخاصة النص الشعري الذي يعد من أكثر الخطابات الإبداعية تعقيداً.
1- أهمية المنهج في قراءة النص الشعري
في البداية أشير إلى أن قضية المنهج هي القضية الأولى في كل حقول المعرفة، إذ ترتبط نتائج كل علم بالمنهجية المتبعة فيه، ولذلك فإننا لا نكاد نجد في هذا العصر علماً دون منهج خاص للتعامل معه.
من هنا احتل المنهج أهمية كبيرة، وغدا هاجسا مؤرقا في نقدنا العربي الحديث، وتطرح حوله الكثير من الأسئلة التي قد لا يتسع المجال لذكرها سواء على صعيد التنظير أو على مستوى الممارسة والتطبيق أو على مستوى المصطلح، بل إننا قد نطرح حتى سؤال المفهوم لأن البعض يخلط بين المنهج العلمي بمعناه العام والمنهج النقدي بمفهومه الخاص.
س) فما هو المنهج؟ أو بالأحرى ما هو المنهج النقدي؟
للإجابة عن هذا السؤال نجد أنفسنا أمام مفهومين اثنين: عام وخاص؛ أما العام فيرتبط بطبيعة الفكر النقدي ذاته في العلوم الإنسانية بأكملها –هذه الطبيعة الفكرية النقدية أسسها (ديكارت)- على أساس أنها لا تقبل أي مسلمات قبل عرضها على العقل، وكذلك الفكر النقدي فإن فيه سمة أساسية، وذلك أنه لا يقبل القضايا على غلاتها انطلاقا من شيوعها، بل إنه يختبرها ويدلل عليها بالوسائل التي تؤدي إلى التأكد من سلامتها وصحتها. أما المعنى الخاص: فهو الذي يتعلق بالدراسة الأدبية، وبطرق معالجة القضايا الأدبية، والنظر في مظاهر الإبداع الأدبي بأشكاله المختلفة»(3)
المنهج إذن هو الطريقة التي نعالج بها النص الأدبي، وتتم هذه المعالجة في ثلاثة مستويات هي:
1-النظرية الأدبية: لأن لكل منهج نظرية أدبية
2-الأدوات الإجرائية: التي نستخدمها أثناء عملية التحليل
3-الجهاز الاصطلاحي: الخاص بالمنهج إذ لكل منهج مصطلحاته التي يجب الالتزام بها عند التحليل
2- مفهوم النص الشعري المعاصر
ليس النص كيانا تاريخيا نقرأ فيه أخبار ما كان وما حدث، ولكنه كيان أنتربولوجي وأنطولوجي في الوقت نفسه، وإن اللغة لتخط فيه كل نماذج تعالق التراث الإنساني وتناصه من فكر ودين وأسطورة وفلسفة ... إلخ.
هذا التحول في رؤية النص لا شك أنه يستدعي تحولاً آخر في منهج قراءة النص، وقبل الانتقال للحديث عن هذه المناهج نبقى مع النص للحظات، لنرى أن الاتجاهات والمقاربات النقدية الحديثة قد أولت النص اهتماماً خاصاً، الأمر الذي أدى إلى علو شأنه على حساب بقية عناصر الترسيمة التواصلية (المؤلف-النص-القارئ) بل جعلته يخرج عن إطار التواصل، بحيث غدا مستقلاً بذاته وتحول إلى سلطة مهيمنة ومتحكمة في الظاهرة الأدبية ... وهكذا أصبح النص يمثل إشكالية معقدة في النقد المعاصر، ويتجلى ذلك في أنه راح يكتسب دلالات جديدة، ويتداخل مع عدد كبير من المصطلحات المجاورة له مثل الخطاب (discourse)، والعمل أو الأثر الأدبي»(4) لدرجة أنه قد يصعب أحيانا التمييز بينهما في الاستعمالات النقدية المعاصرة، وإذا كان بعض النقاد والباحثين قد حصروا مفهوم "النص" في المظهر الكتابي، فيما حصروا مفهوم "الخطاب" في المظهر الشفهي، فإن الدراسات الحديثة المتأثرة باللسانيات تقدم مفهوماً أكثر تحديدا ففون دايك مثلاً ينظر إلى النص بوصفه يمثل بنية عميقة ويسميه "المظهر التجريدي" بينما يمثل الخطاب بنية سطحية ويسميها "المظهر الحسي".(5)
ويقدم الدكتور (سعيد يقطين) تمييزا بين الخطاب والنص، وهو بصدد الحديث عن الخطاب الروائي فيرى أن " الخطاب يتم من خلال مظهره التركيبي أو النحوي... أما النص فهو مفهوم متميز عن الخطاب وله بعد دلالي(6) يتم خلاله إنتاج المعنى من قبل المتلقي.
وعليه يصبح الخطاب رسالة لغوية يبثها المتكلم إلى المتلقي فيستقبلها ويفك رموزها فيتشكل النص.
ويقف الدكتور (محمد مفتاح) في كتابه (تحليل الخطاب الشعري) عند مجموعة من التعريفات المختلفة للنص تعكس توجهات معرفية ونظرية مختلفة ومن هذه التعريفات يعمد (محمد مفتاح) إلى التركيب ليستخلص المقومات الجوهرية والأساسية للنص(7) فهو:
1-مدونة كلامية (أي أنه مؤلف من كلام .. ) وإن كان الدارس يستعين رسم الكتابة في التحليل.
2-حدث: كل نص هو حدث يقع في زمان ومكان معين.
3-تواصلي: يهدف إلى توصيل معلومات ومعارف، ونقل تجارب إلى المتلقي.
4-تفاعلي: وهذه الوظيفة تقيم علاقات اجتماعية بين أفراد المجتمع، وتحافظ عليها.
5-مغلق: ويقصد (محمد مفتاح) انغلاق سمته الكتابية التي لها بداية ونهاية، ولكنه من الناحية المعنوية فهو: توالدي لأن الحدث اللغوي ليس منبثقاً من عدم، وإنما هو متولد من أحداث تاريخية ونفسانية ولغوية.
فالنص إذن هو مدونة حدث كلامي ذي وظائف متعددة»(8).
وهذه التعريفات تضعنا وجها لوجه أمام عدة سمات للنص منها "السمة اللغوية" والتي تركز عليها جميع المناهج النقدية المتأثرة باللسانيات، وعليه فالنص «فعالية لغوية –كما يقول الغذامي- انحرفت عن مواضعات العادة والتقليد وتلبست بروح متمردة رفعتها عن سياقها الاصطلاحي إلى سياق جديد يخصها ويميزها»(9). ولذلك فإن «خير وسيلة للنظر في حركة النص الأدبي .. هي الانطلاق من مصدره اللغوي»(10).
إن النص -كما يرى الغذامي- هو نتيجة لارتداد خط سير الرسالة إلى متلق معين، وفي حالة الوظيفة الأدبية أو الشعرية، وهي التي تهمنا ترتد الرسالة إلى نفسها «ويتحول القول اللغوي من رسالة إلى (نص) ولا يصبح هدفها هو نقل الأفكار، وإنما تتحول لتصبح هي غاية نفسها، وهدفها هو غرس وجودها الذاتي في عالمها الخاص بها، والذي هو جنسها الأدبي الذي يحتويها»(11).
ويلتقي مصطلح النص مع (مصطلح التناص)(12) "intertexte" الذي ازدهر في ظل الدراسات السيميائية، وفي كتابات ما بعد البنيوية بشكل عام ومعناه أن النص لا يمكن أن يكون نقياً بريئا، لأنه في جوهره مجموعة من النصوص المتداخلة، إنه (كريستيفا) «عبارة عن لوحة فسيفسائية من الاقتباسات، وكل نص هو تشرب وتحويل لنصوص أخرى»(13)، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها فالنص لا ينشأ من فراغ، وإنما هو عبارة عن بؤرة تلتقي فيها نصوص سابقة تتنوع بتنوع ثقافة المبدع، وتتراكم فوق بعضها على شكل طبقات رسوبية، وهذا يفرض على القارئ أن يحفر عميقا للوصول إلى الطبقات الرسوبية العميقة.
من كل هذا العرض نخلص إلى النقاط الآتية:
1-التأكيد على السمة اللغوية للنص الأدبي، وأن النص بنية لغوية قائمة بذاتها ومستقلة عن صاحبها.
2-هذا الفهم لطبيعة النص هو الذي سيقوض أسس القراءة السياقية (المؤلف-التاريخ-المجتمع) ويقيم على أنقاضها أسس القراءة النسقية والتي تدعو القارئ إلى استكشاف العمل الفني في ذاته، وقراءة النص قراءة محايثة(14) بعيداً عن كل ما هو خارج النص، فلا قيمة للمقاييس الخارجة عنه سواء كانت نفسية أو اجتماعية أو تاريخية .. لأن كل ما لا ينبع من النص ولا يرتبط بعناصره المكونة له هو في الواقع دخيل عليه.
3-هذا التصور الذي ظهر مع النقد الجديد (الانجلوأمريكي) و(المدرسة الشكلانية الروسية) و(البنيوية الفرنسية) أو لنقل "النقد الجديد" بصبغته الفرنسية (nouvelle critique ) الذي ساد في الستينات من القرن الماضي، وكان عنوانا للمناهج النسقية الجديدة (بنيوية-سيميائية-موضوعاتية) هذا التصور نجد أصداءه تتردد في نقدنا العربي الحديث عند الناقد المصري الدكتور (رشاد رشدي) 1912-1983م وهو فارس هذه المرحلة كما يقول الدكتور (يوسف وغليسي) فهو الذي ناضل وعارك في سبيل ترسيخ هذه الحركة النقدية الجديدة عبر مؤلفاته المختلفة: (ما هو الأدب، مقالات في النقد الأدبي، النقد والنقد الأدبي) وقد آزره في ذلك، وحمل الراية بعده طلبته الذين تولوا تقديم النظرية النقدية الجديدة عبر سلسلة من المؤلفات حيث نشر محمد عناني "النقد التحليلي" عام 1962م عن (كلينث بروكس) (CleanthBrooks )، ونشر سمير سرحان "النقد الموضوعي" ط2 عام 1990 عن (مايثو أرنولد)، كما نشر عبد العزيز حمودة كتابه "علم الجمال" عن (كروتشي) ... وقد صدرت هذه الكتب جميعا عن الدار الأنجلو المصرية ضمن سلسلة (مكتبة النقد الأدبي) بالإضافة إلى أسماء أخرى كالدكتور مصطفى ناصف الذي درس النص الأدبي من وجهة التحليل اللغوي الإستاطيقي، والدكتور لطفي عبد البديع، والدكتور أنس داود الذي درس الأدب وفقا لمنهج "الرؤية الداخلية"(15) وهذا التصور قوامه فلسفة فنية لا ترى بأن الأدب يطابق الواقع أو يطرح نفسه بديلاً عنه، فالفن يقدم صورة خاصة عن طبيعته فقط، ووظيفتهُ لا تتسع لنقل ما هو خارج عنها»(16). ومثل هذا التصور نجده في ما عرف في نقدنا العربي باسم "المنهج الفني" وهو في حقيقة الأمر صدى عربياً مباشراً لمدرسة (النقد الجديد) "الأنجلو الأمريكية" وإن تعددت تسمياته في الممارسة النقدية العربية: كالنقد الفني، والنقد الجمالي لدى روز غريب، والنقد الموضوعي لدى سمير سرحان، ومحمود الربيعي، والنقد التحليلي لدى محمد عناني، والتحليل اللغوي الاستيطيقي لدى لطفي عبد البديع ومنهج الرؤية الداخلية للنص الأدبي لدى أنس داود ... إلخ(17).
وكل هذه التصورات تؤكد تفرد النص الأدبي واستقلاله عن كل ما هو خارجُ ذاته –كما تدعو إلى ذلك البنيوية- فللنص الأدبي كما يقول (شكري عياد): «وجود خاص له منطقه وله نظامه، أو بعبارة أخرى له بنيته التي تتميز عن بنية اللغة العادية»(18). وعليه فإن هاجس النقد الجديد هو :
1- التركيز على الكيفية التي ينقل بها النص الأدبي معناه وليس ما الذي عناه
2- يتجاهل النقد الجديد السياق التاريخي، والمؤلف، والعوامل الخارجية المؤثرة في العمل الأدبي (19).
ولعل محمود الربيعي من أكثر النقاد استماتةً في الدفاع عن استقلالية النص الأدبي، التي تتحول لديه إلى عقيدة نقدية راسخة، يقول في هذا الشأن: «تتلخص عقيدتي النقدية في استقلال العمل الأدبي عن كل ظرف من ظروف تكوينه، وبخاصة ما يتصل بالظروف السياسية والاجتماعية، إنني أؤمن بأن العمل الأدبي نشاطٌ بشري حيوي كامل في ذاته، مستقل بنفسه، له أصالته وقدرته التوجيهية المستقلة للحياة، وأدين بأن العلاقة بين الأدب والمجتمع علاقةُ تفاعل حيوي لا علاقة فعل ورد فعل، أو علاقة صورة منعكسة في مرآة لذا يدهشني جداً ما يهتم به كثيرون من فحص العناصر المكونة للمجتمع على أساس أنها هي التي تؤثر على الأدب بصفته إنتاجاً هو ابن بيئته ويدهشني أكثر ما يحدث من الربط العضوي بين حياة الأديب الذاتية وأدبه، فيفسر الثاني في ضوء الأول، وأرى الأدب في كل صوره طائراً متأبياً مستعصياً جموحاً، لا يخضع لتوجيه شيء من خارجه ولا يستجيب إلا للعناصر التي تشكل كيانه هو، وأرى أن هذا المخلوق المتخلق من عناصر أولية (هي السياسة أو الاجتماع أو الاقتصاد) إنما هو مخلوق جديد يحيا حياة لا تحددها العناصرُ الأوليةُ له، ولا يُحْدث أثرَه على نحو محكوم بهذه العناصر، وهل نقول إن الماء الذي هو أكسجين وهيدروجين يحمل خصائص أي من عنصريه المكونين له؟ وهل لأثره علاقة بأثر أي منهما؟ إننا نرى –على العكس- أن أثره في الإطفاء يناقض أثر أحد عنصريه في الإشتعال »(20).
3-النص كيان فني يقتضي دراسة لغوية جمالية، حسب رأي محمود الربيعي الذي يؤثر الدخول إلى عالمه الأدبي من باب لغوي فيقول: «مدخلي إلى نقد العمل الأدبي مدخل لغوي، وأنا من المؤمنين بأن العمل الأدبي إنمـا هو بناء لغوي»(21).
كما يتشيع مصطفى ناصف للتحليل الاستاطيقي (الجمالي) الذي يرى أن النص يحتاج إليه «حاجة ماسة أيا كان الغرض الذي يسعى إلى تحقيقه»(22).
4-النظر إلى النص الأدبي كصورة عضوية متكاملة موحدَة الشكل والمضمون، فالشكل عند مصطفى ناصف هو قوةُ المضمون ووحدته وليس قالبَهُ أو وعاءَهُ الذي يُحفظ فيه(23).
5-الدعوة إلى التحليل ونبذ التقييم، وما ينجر عنه من إصدار للأحكام دون (حيثيات)، ودون مجرد الاستماع إلى عناصر القضية(24) ذلك أن التحليل موقف يتيح لنا رؤية الكثير واستيعاب الغريب برحابة أوسع، أما التقييم فكثيراً ما يرتبط بمعايير غير أدبية.
تحولات الخطاب النقدي العربي الحديث
مر الخطاب النقدي العربي الحديث بثلاث مراحل أساسية، وقد تميزت كل مرحلة بتوجهاتها النقدية والمنهجية الخاصة، كما أنجبت كل مرحلة نقادها ونصوصها ورؤيتها الخاصة للنص الشعري. ويمكن تحديد هذه المراحل على النحو التالي:
1-مرحلة سيطرة المناهج السياقية: والسلطة فيها للمؤلف، وتشمل المنهج التاريخي، والنفسي، والاجتماعي
2-مرحلة سيطرة المناهج النسقية: والسلطة فيها للنص، وتشمل المنهج البنيوي، والأسلوبي، والموضوعاتي، والسيميائي، والتفكيكي .
3-مرحلة مناهج ما بعد النص : السلطة فيها للقارئ وتشمل نظرية القراءة وجمالية التلقي.
(أولا) ولنبدأ بالمناهج السياقية :
وهي التي تهتم بالعوامل المنتجة للعمل الأدبي (المؤلف-التاريخ-المجتمع)، وقد جعلت هذه المناهج «المؤلف عمدتها في الرؤية والتحليل ومحورها الأساس في التفسير»(25) ولذلك فقد دأبت هذه المناهج على الإعلاء من سلطة المؤلف وجعلته يتربع على عرش الكتابة الأدبية بوصفه يمتلك مفتاح فهم النص وتفسيره، ويأتي في مقدمة المناهج السياقية (المنهج التاريخي) «وهو منهج يتخذ من حوادث التاريخ السياسي والاجتماعي وسيلة لتفسير الأدب، وتعليل ظواهره »(26). ويعتمد النقد التاريخي «على ما يشبه سلسلة من المعادلات السببية؛ فالنص ثمرة صاحبه والأديب صورة لثقافته، والثقافة إفراز للبيئة، والبيئة جزء من التاريخ، فإذا النقد تأريخ للأدب من خـلال البيئة»(27).
وعلى هذا فإن المنهج التاريخي مفيد في دراسة تطور الأدب إنه –على حد تعبير محمد مندور- «تمهيد لازم ولكنه لا يجوز أن نقف عنده، وإلا كنا كمن يجمع المواد الأولية ثم لا يقيم البناء »(28).
وتعد نهايات الربع الأول من القرن العشرين بداية النقد التاريخي في الأدب العربي، بفضل عدد من النقاد الذين تتلمذوا بشكل أو بآخر على يد رموز المدرسة الفرنسية، وعلى رأس هؤلاء النقاد نذكر الدكتور أحمد ضيف (1880-1945م) الذي يمكن عده أول متخرج عربي في مدرسة غوستاف لانسون (1857-1934م) الفرنسية، على أن محمد مندور (1907-1965م) يمكن عدّه الجسر المباشر بين النقدين الفرنسي والعربي على أساس أنه أول من أرسى معالم اللانسوية(29) في نقدنا العربي حين أصدر كتابه "النقد المنهجي عند العرب" مذيلاً بترجمة لمقالة (لانسون) الشهيرة "منهج البحث في الأدب" عام 1946م.
ومنذ الستينات أخذ التقد التاريخي يزدهر في كثير من الجامعات العربية على يد رموزه أمثال: شوقي صيف وسهير القلماوي وعمر الدسوقي في مصر، وشكري فيصل في سوريا، ومحمد الصالح الجابري في تونس، وعباس الجراري في المغرب، وبلقاسم سعد الله وصالح خرفي وعبد الله الركيبي ومحمد ناصر في الجزائر.
وقد اتسم النقد التاريخي بخصائص منها:
1-الربط الآلي بين النص الأدبي ومحيطه السياقي، واعتبار الأول وثيقة للثاني.
2-الاهتمام بالمبدع والبيئة الإبداعية على حساب النص الإبداعي.
3-التركيز على المضمون وسياقاته الخارجية، مع تغييب واضح للخصوصية الأدبية للنص.
4-التعامل مع النصوص المدروسة على أنها مخطوطات بحاجة إلى توثيق ..
وهكذا تبدو لنا الأهمية الأساسية لهذا المنهج في أنه يقدم جهوداً في سبيل تقديم المادة الأدبية الخام، أما دراسة هذه المادة في ذاتها فإنها أوسع بكثير من أن يستوعبها مثل هذا المنهج(30).
ومن المناهج السياقية كذلك يمكن أن نذكر (المنهج النفساني) وهو منهج خارج نصي بامتياز، ويستمد هذا المنهج آلياته النقدية من نظرية التحليل النفسي (لسيغموند فرويد) (1856-1939م) والتي ربطت السلوك الإنساني باللاشعور، " وعلى هذا الأساس حاول فريد " أن يضع تفسيرا لظاهرة الإبداع الفني عن طريق فكرة التسامي النفسي لدى المبدع، فهذا الأخير يندفع تحت وطأة الرغبة اللاشعورية، نحو إنتاج ما يشبع هذه الرغبة، فنشاطه النفسي على رأي (فرويد ) موزع بين ثلاث قوى : الأنا (الشعور)، والأنا الأعلى (الضمير)، والهو (اللاشعور)، والصراع فيما بينهم يتجلى في سلوكه الشخصي في أي موقف من المواقف وهو – أي الصراع - يتم بواسطة ما يطلق عليه فرويد اسم الآليات منها القمع، والكبت، والتسامي "(31).
و قد أخذ النقد النفساني على عاتقه الإجابة عن أسئلة جديدة لم يعرها النقاد أهمية من قبل، ويمكن تلخيص هذه الأسئلة في ثلاثة محاور وهي :
1- المحور الأول :يتمثل في دراسة عملية الخلق أو الإبداع الأدبي ، ويمكن تلخيصه في السؤال : ما العوامل التي أيقظت عبقرية المبدع، ووجهته هذه الوجهة أو تلك ؟
2- المحور الثاني :ويتمثل في معرفة علاقة المبدع الأدبي بآثاره الفنية، ويمكن تلخيصه في السؤال الآتي : من أين يتأتى للمبدع الأدبي الحصول على المادة الفنية ؟ وهل لها علاقة بحياته ، وبعالمه النفسي الخاص ؟ وماهي هذه العلاقة ؟
3- المحور الثالث : ويتمثل في سر تذوق القارئ للآثار الأدبية، أو الفنية، ويتلخص هذا المحور في السؤال : ما العناصر المشتركة بين التجربة الأدبية، وصاحبها، والمتلقي الذي يتأثر بالآثار الفنية . (32)
ويعد المنهج النفساني من أكثر المناهج النقدية إثارةً للمواقف المختلفة فثمة من يناصره، ويتطرف في الدفاع عنه مثل: العقاد وجورج طرابيشي ود.خريستو نجم الذي يرى أن «التحليل النفسي للأدب من أصلح المناهج الأدبية تقصيا للحقيقة وإثراء للفن»(33) وثمة من يعارضه، ويأتي في مقدمة المعارضين (محمد مندور) الذي دعا إلى فصل دراسة الأدب عن العلوم المختلفة ومنها علم النفس ونبه إلى أن الاهتمام بالأديب –باسم علاقة الأدب بعلم النفس- سينتهي بنا إلى قتل الأدب»(34)، ومن المعارضين كذلك نذكر (محي الدين صبحي) (1935-2003م) الذي يرى أن الناقد النفساني يرتكب خطيئة كبرى حين يسوي بين (الشخصية الشعرية) و(شخصية الشاعر) دون اعتبار بأن الشخصية الأدبية شخصية افتراضية، وعليه فإن الخلط بين (أنا الشاعر)، و(أنا الشخص التاريخي) خطأ فادح، ومن هنا يسقط –في نظره- المنهج النفساني بأكمله(35).
وأخيراً نشير إلى الدكتور (عبد المالك مرتاض) والذي يعد من ألد أعداء النقد النفساني، وقد وصفه بـ: النقد المريض المتسلط ثم أشار إلى أن علم النفس وُضع -أصلاً- لمحاولة تفسير الأعراض الجنونية، فمن العسير عليه –بحكم الوضع والوظيفة والطبيعة- أن يضع يده على مرتكزات الجمال الفني للنصوص كما أن الغاية من التحليل النفسي للأدب ليست قراءة الأدب في ذاته، وإنما اتخاذ النص الأدبي ذريعة لتأويل تصرفات الأديب من خلال ما أبدعه(36).
ومهما يكن من أمر فإن القارئ للتطبيقات النقدية النفسانية لا يستطيع أن ينكر ما فيها من عيوب ونقاط ضعف أشار إليها الكثير من الباحثين منها:
1-الاهتمام المبالغ فيه بصاحب النص على حساب النص ذاته (وهو موضوع الدراسة).
2-الافراط في الاهتمام بمنطقة (اللاشعور) التي سماها الدكتور عبد القادر فيدوح بـ (العلبة السوداء).
3-التسوية في هذا النقد بين النصوص الرديئة والجيدة.
4-وأخيراً الإفراط في التفسير الجنسي للأدب وإهمال الجوانب الفنية.
(ثانيا) المناهج النسقية (النصية):
كما رأينا سابقا فقد بدأت ملامح إزاحة وزحزحة السياق تظهر في الخطاب النقدي العربي المعاصر مع النقد الجديد الذي انتقل إلى الوطن العربي في بداية الستينات على يد الدكتور رشاد رشدي (1912-1983م) أول دكتور مصري في الأدب الانجليزي سعى إلى ترسيخ هذا النقد في الساحة العربية.
وقد حمل لواء التبشير بهذه الحركة النقدية عددٌ من النقاد نذكر منهم على الخصوص (مصطفى ناصف) «الذي ينطلق في رفضه لسلطة السياق من تشبعه بثقافة النقد الجديد التي جسدتها كتابات (تي.أس.إليوت) و(رتشاردز) و(كلينث بروكس) و(جون كراو رانسون)، فلا غرو -إذن- أن نجده يحمل بقوة على الاتجاهات السياقية؛ ولا سيما منها النقد التاريخي، والنقد الاجتماعي، والنقد النفساني ... ويعتقد بأن القصيدة بنية لغوية»(37). ولذلك لا يجب النظر إليها «على أنها أداة حاملة لشخصية الكاتب، وأن أسلوبه لا يعدو أن يكون مجرد انعكاس لأحواله الذاتية»(38)، ذلك لأن للنص منطقه الداخلي الخاص، ومن الخطأ أن نجرد هذا النص من طبيعته اللغوية الخاصة. من هنا بدأ الاهتمام بالنص حتى غدا سلطة مهيمنة ومتحكمة في الظاهرة الأدبية.
وقد احتل النص هذه المنزلة الرفيعة في ظل التوجهات الشكلية التي وسمت النقد الأدبي، والتي تجسدت بشكل واضح في ظل البنيوية(39) التي استمدت روافدها من مصادر متنوعة قد لا يتسع المجال لحصرها ولذلك فإننا نكتفي بالإشارة إلى أن البنيوية كانت تتويجاً للجهود الألسنية وعلى رأسها جهود المدرسة السوسيرية بزعامة العالم اللغوي السويسري الكبير (فردينان دي سوسير) (1857-1913م) مؤسس اللسانيات الحديثة(40)، وصاحب المحاضرات الشهيرة التي كانت عصارة ثلاثة فصول دراسية بجامعة جنيف خلال الفترة الممتدة بين 1906 و1911م ثم نشرت عام 1916م برعاية تلاميذه تحت عنوان "دروس في الألسنية العامة"(41).
لقد هجر (دي سوسير) الدراسات اللغوية التاريخية في شكلها المعروف، " وذهب إلى القول بأن دراسة اللغة من حيث هي وسيلة اتصال يجب أن تكون دراسة وصفية ( آنية ) SYNCHROMICAL ، وليست تعاقبية ( زمنية ) DIACHROMICAL "(42).
وقد انبثقت البنيوية من خلال هذه الأفكار اللسانية التي شكات الأساس النظري لها لتتصدر دراسة الأدب في فرنسا وأمريكا .. وتربط النص في رباط ممتد من العلاقات المتداخلة ، ولعل هذا الذي يجعلنا نقول إن " البنيوية في معناها الأخص هي محاولة نقل النموذج اللغوي إلى حقول ثقافية أخرى ، وتعتمد هذه الفكرة عند ( جونتان كولر ) على اعتقادين أساسيين هما :
1- أن الظواهر الاجتماعية، والثقافية ليست مجرد موضوعات، أو أحداث مادية، بل هي موضوعات، أو أحداث ذات معنى ، وبالتالي فهي إشارات .
2- أن هذه الظواهر ليست جواهر أو ماهيات قائمة في ذاتها، بل إنها محددة بشبكة من العلائق الداخلية والخارجية "(43).
ويمكن عد بدايات السبعينات من القرن الماضي فاتحة عهد النقد العربي بالبنيوية، فيما كانت الستينات تمهيدا لذلك وإرهاصاً به، فقد كانت مرحلة انتقالية لا بد منها، اضطلع روادها كما رأينا سابقا بتعريب النقد الأنجلو أمريكي الجديد، وتقديمه إلى الساحة النقدية العربية تحت تسميات مختلفة (النقد الموضوعي، المنهج الفني، النقد الجمالي، النقد التحليلي، التحليل اللغوي الاستاطيقي) ... وبحكم القواسم المنهجية المشتركة بين (النقد الجديد) و(البنيوية) فقد مثلت تلك الجهود الرائدة وخاصة جهود (رشاد رشدي) ومن تتلمذوا عليه ... دوراً كبيراً في تهيئة أجواء التلقي البنيوي مع مطلع السبعينيات(44). ولعل أولى ثمار هذا التلقي كتاب الدكتور حسين الواد (البنية القصصية في رسالة الغفران)، وهو بحث أعد لنيل شهادة الكفاءة، ونوقش عام 1972م.
وتكتسي هذه الدراسة أهمية منهجية وتاريخية كبيرة حيث يَعُدها توفيق الزيدي «الأولى من نوعها من حيث الطول والأهمية زيادة على أنها ستكون نقطة الانطلاق لعدة دراسات جامعية مطولة»(45) مثل جهود كمال أبو ديب في البنية الإيقاعية للشعر العربي 1974م، وكتاب الدكتور صلاح فضل "نظرية البنائية في النقد الأدبي" 1978م، والذي قدم فيه الكثير من المعرفة النقدية، ومحمد بنيس "ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب مقاربة بنيوية تكوينية"(46) 1979 ... إلخ.
وبفضل هذه الجهود وغيرها انتشرت البنيوية في الدراسات النقدية الشعرية العربية، وانتشرت معها مفاهيم جديدة في قراءة النص الشعري مثل: القراءة النسقية، المحايثة، البنية(47) ... إلخ.
ولعل أهم ما تتميز به القراءة البنيوية (النسقية) عن القراءة (السياقية) ما يلي:
1-أنها قراءة داخلية لأنها لا تلتفت إلى مقصدية الأثر الأدبي وتلغي كل علاقة بين هذا الأثر والقيم الاجتماعية، إنها تتعامل مع النص على أنه موضوع أو شيء مكتف بذاته، ولعل هذا النزوع إلى البحث عن داخل النص هو الذي شجع الشكلانيين للدعوة إلى إقامة علم للأدب مستقل عن التصورات الخارجية.(48)
2-الاقتصار على القوانين الداخلية التي تحكم قيام اللغة بوظائفها الدلالية من مقابلات وتداعيات وتجانس أو تنافر ونحو ذلك.(49)
3-إزاحةُ سيادة النقد، ووصايته المطلقة على النص، لذا تم استبدال الناقد التاريخي بمفهوم القارئ الذي لا يدعي التسلط على النص أو الوصاية عليه، أو حتى الحكم عليه .. إنه يتساءل بدلَ أن يصدر الأحكام.(50)
4-ممارسة (قتل المؤلف) وهو في نظر (أمبرتو إيكو) تحرير لطاقة النص على الانتاج، إذ «ينبغي على المؤلف أن يموت بعد أن يكتب كي لا يربك المسار الذي يتخذه النص، فالموت هنا -إذن- ذو بعد مجازي يسمح بالتوالد الحر والدائم للمعني، والمؤلف ليس مطالبا بشرح عمله، وإلا انتفتْ أهمية إبداعه، إنه يصبح قارئاً بعد أن ينتهي من عملية إبداعه، حيث تعِنُ له فيما بعد النقائص والفجوات الواجبُ ملْؤُها، فيمارسُ على عمله النقد الذاتي ».(51)
ويصحح الدكتور (عبد السلام المسدي) الاعتقاد الشائع بأن البنيوية أتت على الإنسان ضرباً بالأعناق، إذ لا يؤمن بفكرة موت الإنسان، فالمسدي يعتقد أن البنيوية تسعى –وراء فكرة موت الإنسان التي ألصقها بها خصومُها- إلى إرساء عقلانيةٍ جديدة تبلغ مداها الأقصى في واقعية التحليل، وموضوعيةِ التقويم وعلمية الأحكام، وكل ذلك ضمن سلطة المفاهيم بدل سلطة الواقع.(52) إذ لا يمكن إنكارُ المبدع وانتمائه لنصه، ولكن ليس إلى درجة الإغراق في الذاتية؛ لأن النص الأدبي أكبرُ من أن يحصر في دائرة الانعكاس لصاحبه، أو يكون مجردَ مرآةٍ لها وهذا ما لا نرتضيه للأدب، وما لا يرتضيه الأديب لنفسه.
وعلى أية حال تبقى المسألة الجوهرية التي حققتها البنيوية هي أنها أخرجت النقد من الواقع المتهرئ الذي وضعته فيه المناهج السياقية (التاريخية والنفسية)، وأقامته على أساس النص وعلى أصول البنية اللغوية الداخلية.
إلا أن هذا النزوع الداخلي الذاتي للبنيوية والذي يجعلها إجراءً نقدياً مقبولاً في الظاهر، خلق مشكلة خطيرةً أضحت تقصِمُ ظهر البنية، وهي انغلاقها على نفسها داخل سياج الوصف والتصنيف والإحصاء والرسومِ البيانية الغامضة. مما أدى إلى ابتعاد هذه القراءة عن المعنى، ومن ثم فقد فشلت البنيوية فشلاً ذريعاً في الوصول إلى المعنى(53)، ولعل هذا ما حاولت السيميائية تجنبه من خلال طرحها لمفهوم الاعتباطية وإطلاق قيد العلامة وجعلها بديلاً للبنية، فالعلاقة بين الدال والمدلول علاقةٌ اعتباطية كما يرى (دي سوسير)، وهذا حرر (الدال) وجعله لا يتقيد بحدود المعاني المعجمية، وأعطى للنص فعالية قرائية وإبداعية تعتمد على الطاقة التخيلية (للدال) في تلاقي بواعثه مع بواعث ذهن المتلقي(54)، ولكن دائماً وفق قوانين النص، وفي إطار بنيته الداخلية.
-موضوع السيميائية :
من خلال تمعن مختلف التعريفات التي قدمت للسيميائية يمكن أن نلحظ أنها تجمع على أن موضوع السيميائيات هو ( العلامة ) ويعني هذا أن السيميائية هي علم العلامات ( الأيقون – الرمز – الإشارة ) . يقول ( دي سوسير)" ويمكننا أن نتصور علما موضوعه دراسة حياة العلامات في المجتمع، مثل هذا العلم يكون جزءا من علم النفس الاجتماعي، وهو بدوره جزء من علم النفس العام، سأطلق عليه علم العلامات semilogy ( وهي لفظة مشتقة من الكلمة الإغريقية semeion= العلامة ) . ويوضح علم العلامات ماهية مقومات العلامات، وماهية القواعد بطبيعته وماهيته . ولما كان هذا العلم لم يظهر إلى الوجود إلى حد الآن، لم يمكن التكهن بطبيعته وماهيته، ولكن له حق الظهور إلى الوجود، فعلم اللغة هو جزء من علم العلامات العام، والقواعد التي يكتشفها هذا العلم يمكن تطبيقها على علم اللغة" .
ويخلص دي سوسير إلى القول : " أن دراسة الطقوس والعادات والتقاليد وغيرها بوصفها إشارات تساعدنا – على ما أعتقد – على إلقاء ضوء جديد على هذه الحقائق، وإبراز الحاجة إلى ضم هذه الأمور إلى علم العلامات، وتفسيره طبقا لقواعده " .
ويعد دي سوسير العلامة الغوية كيانا ثنائي المبنى، يتكون من وجهين يشبهان وجهي ( العملة النقدية ) ، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، الأول هو الدال ، أي الصورة الصوتية الحسية التي تحدثها في دماغ المستمع سلسلة الأصوات التي تلتقطها أذنه، وتستدعي إلى الذهن هذا المستمع صورة ذهنية، أو فكرة، أو مفهوما . والثاني هو المدلول، وكلاهما : الدال والمدلول، ذو طبيعة نفسية يتحدان في دماغ الإنسان بآصرة التداعي ( الإيحاء ) " وحسب تعريف ( دي سوسير ) دائما فإن العلاقة بين الدال، والمدلول علاقة اعتباطية وليس هناك أي صلة طبيعية بينهما باستثناء العلامات اللغوية المحاكية مثل مواء القطة، وخرير الماء ، ونحو ذلك .
- مجالات التطبيق السيميائي :
صارت السيميائية منهجا تطبيقيا في شتى المعارف، والدراسات الإنسانية والفكرية، والعلمية، وأداة في مقاربة الأنساق اللغوية، وغير اللغوية . وأصبح هذا التحليل مفتاحا حداثيا، وموضة لابد من الالتجاء إليها قصد عصرنة الفهم، وآليات التأويل، والقراءة، ويمكن أن نشير إلى بعض الحقول التي استخدمت فيها السيميائية :
1- الشعر ( مولينو، رومان ياكبسون، جوليا كرستيفا، ميكائيل ريفاتير )
2- الرواية والقصة ( غريماس، كلود بريمون، رولان بارت، تودوروف، جيرار جينيت، فيليب هامون )
3- الأسطورة والخرافة ( فلاديمير بروب )
4- السينما ( كريستيان ميتز، يوري لوتمان )
5- الإشهار ( رولان بارت، جورج بنينو، جان دوران )
6- الأزياء والأطعمة والأشربة، والموضة ( رولان بارت )
7- التواصل ( جورج مونان، برييطو)
8- الثقافة ( يوري لوتمان، توبوروف، إيفانوف، أمبرتو إيكو، روسي لاندي )...إلخ .
وعلى العموم فإن المقاربة السيميائية تقوم على تتبع مختلف العلاقات القائمة بين (الدوال) ، و لا يتم ذلك إلا من خلال التمايز والاختلاف .لأن اللغة نظام من الاختلافات ، ولذلك يقال " بالضد تتضح الأشياء ". وفي هذا الإطار يطرح المنهج السيميائي جملة من الآليات أساسها التفاعل, والتماس كدراسة التشاكل, والتباين, والتقابل, وتبيان درجات التناص , وما إلى ذلك من العلاقات المختلفة المتولدة عن حركات النص الداخلية .
ونشير في الختام إلى أن هذا الرهان والتعصب للبنية أدى إلى انقلاب معرفي نتجت عنه حركة معرفية جديدة عرفت باسم (ما بعد البنيوية)(55)، ومن أشهر ممثلي هذه الحركة (جاك ديريدا) الفرنسي الجنسية اليهودي الأصل الذي ولد في الأبيار بالجزائر العاصمة في : 15 جويلية1930 م زعيم (التفكيكية)، وقد وسعت هذه الحركة الهوة الدلالية بين (الدال والمدلول) وحولت كل دال " إلى نوع من الحرباء التي تتبدل ألوانها مع كل سياق جديد، وينصبُ قدر كبير من جهد حركة (ما بعد البنيوية) على تتبع هذا التقلب الملحاح لنشاط الدال، وذلك في تشكيله مع غيره من الدوال سلاسل وتيارات متقاطعة من المعنى، يتأبى على المتطلبات المنظمة للمدلول"(56). كما أنها أعلنت موت المؤلف بصورة رسمية ثم جاء رولان بارت بالضربة القاضية التي أسقطت عن المؤلف تلك السلطة المطلقة، وبإعلان موت المؤلف يكون بارت قد بشر بعهد جديد، وهو عهد ميلاد القارئ وميلاد عصر القراءة حيث سيصبح القارئ منتجاً للنص بعدما كان متفرجاً عليه أو مستهلكاً له في أحسن الأحوال، كما تقول بذلك (نظرية القراءة) و(جمالية التلقي)(57).
وهذه النظرية تعود بنا من جديد إلى طرح إشكالية القراءة وقراءة النص الأدبي والتي لم تحسم بعد ولا نراها ستحسم، وستبقى المسألة كما قال المتنبي:
أنام ملئ جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جرّاها ويختصم
الخـــاتمة :
في ختام هذا العرض للمناهج النقدية المعاصرة في تعاملها مع النص الإبداعي. يمكن أن نخلص إلى جملة من النتائج نلخصها في ما يلي :
1- يجب التعامل مع المنهج بشيء من المرونة فلا يجب أن نحوله إلى فلسفة، أو أيديولوجيا فالمنهج أداة للكشف والتحقيق، وهو في اتكائه على العلم أو الفلسفة أو الأيديولوجية يظل محافظا على جوهره الأصلي، ولا يتحول إلى واحد من هذه الأشياء .
2- ينبغي الانفتاح على جميع المناهج النقدية، وخاصة المناهج الحديثة فلا نصادر حرية الباحث في الاستفادة من أي منهج، وخاصة في هذا الزمن الذي هو زمن الحوار بين الحضارات ثم إن طبيعة الثقافة تنح دائما إلى امتصاص العناصر الجديدة التي تساعدها على التطور، والنماء، وتاريخنا العربي الإسلامي يشهد أن أزهى فترات ازدهار الحضارة الإسلامية هي تلك الفترة التي تمازجت فيها مع الثقافات الأخرى فامتصت رحيقها، وتفاعلت معها، وبذلك استطاعت أن تقدم للإنسانية تلك الحضارة الباذخة .
3- يجب أن نؤمن بتعدد المناهج النقدية، وحقها في الحوار دون مصادرة، أو محاولة فرض منهج أحادي يزعم لنفسه القدرة المطلقة على الإجابة عن جميع الأسئلة، ولعل طبيعة النص أحيانا هي التي تفرض على القارئ المنهج المناسب للقراءة .
4- كما يجب أن نؤمن بالإضافة إلى ذلك بحق كل ناقد أن يجترح لنفسه منهجا نقديا خاصا به، وحقه كذلك في التعامل مع المنهج بشيء من الحرية والتصرف بدل الاستسلام السلبي لسلطة المناهج، وتوظيفها بطريقة الاستنساخ، أو التقليد الأعمى لهذه المناهج على علاتها، وما قد ينتج عن ذلك من مخاطر المثاقفة السلبية وفقدان الخصوصيات التي تطبع الثقافة العربية الإسلامية ، ويعني ذلك تحقيق فكرة الاستقلال الثقافي العربي، وهي لا تعني الجمود والانعزال، كما لا تعني التبعية والخضوع .
5- وأخيرا يجب التفكير في تطوير الحركة النقدية العربية من خلال استيعاب كل ما قدمته الحضارة الإنسانية قديما وحديثا، من فكر وثقافة وفن، و الاستعداد الدائم للمراجعة، والنقد الذاتي، وربط النقد بالهموم الثقافية الخاصة. بدل استيراد هموم الآخرين.
الهوامش
(1)عبد الله ابراهيم، في معرفة الآخر، المركز الثقافي العربي بيروت ، ط 2 ،1996، ص07.
(2) الشكلانية الروسية : تزامن ظهورها مع قيام الثورة الاشتراكية البلشفية في العشرينات من القرن العشرين ... وهي تعود في أصلها إلى تجمعين علميين هما : حلقة موسكو( 1915 1920 ) بزعامة رومان ياكبسون . وجماعة الأبوياز 1916 التي تأسست في ( سان بترسبورغ ) وتعني هذه التسمية ( جمعية دراسة اللغة الشعرية ) ومن أعضائها فيكتور سلوفسكي وبوريس إخنباوم
-ينظر فكتور إيرليخ، الشكلانية الروسية، ترجمة محمد الولي، المركز الثقافي العربي، بيروت 2000، ص 5،6
(3)صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر، إفريقيا الشرق، المغرب 2002، ص10.
(4)فاضل تامر، اللغة الثانية، المركز الثقافي العربي، ط1/1994، ص71.
(5)ينظر المرجع نفسه، ص75.
(6)سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي ، المركز الثقافي العربي ، بيروت ، ط3 .1997 ، ص 50 وما بعدها .
(7)مادة (نصص) في التراث ذات معان متعددة أهمها أربعة هي: الرفع والحركة والاظهار وبلوغ الغاية، يقال: بلغ الشيء نصه: أي منتهاه (لسان العرب)
(8)محمد مفتاح، تحليل الخطاب الشعري، استراتيجية التناص، ص120.
(9)عبد الله الغذامي، الخطيئة والتكفير، المركز الثقافي العربي، ص10.
(10)المرجع نفسه، ص10.
(11)المرجع نفسه، ص 10،11.
(12)التناص: تبلور هذا المصطلح على يد الباحثة البلغارية (جوليا كرستيفا) في الستينات (1966-1967) وغيرها من رواد هذا الاتجاه في الغرب وعلى رأسهم رولان بارت وريفايتر وجاك ديريدا وقبل ذلك ميخائيل باختين في الحوارية.
-ينظر عبد الحميد هيمه، سيميوطيقا التداخل النصي، مجلة قوافل ع/مايو 2005، ص111.
(13) نقلا عن عبد الله الغذامي، الخطيئة والتكفير، ص16.
(14)المحايثة: (immanence ) يعود هذا المصطلح إلى آرسطو ، وهو يعني عند كانط "وجود الشيء في ذاته" والنقد المحايث هو نقد لفكرة ما أو نسق من الأفكار وهو نقد ينطلق من مقدمات الفكرة أو النسق من الأفكار، فالمحايثة مقولة تدل على ما هو داخل الكائن أو داخل موضوع الفكر وهو عكس التعالي.
(15)ينظر يوسف وغليسي، مناهج النقد الأدبي، ص57.
(16)أحمد يوسف، القراءة النسقية، ص152، 153.
(17)ينظر يوسف وغليسي، مناهج النقد الأدبي، ص58.
(18)شكري عياد، موقف من البنيوية، مجلة فصول، ع2/جانفي 1981، ص188.
(19)ينظر إبراهيم محمود خليل، النقد الأدبي الحديث، ط1، دار الميسرة للنشر والتوزبع، الأردن ، ص 80 .
(20)محمود الربيعي، من أوراقي النقدية، دار غريب القاهرة، ص12.
(21)المرجع نفسه، ص13.
(22)مصطفى ناصف، دراسة الأدب العربي، ط3، دار الأندلس بيروت 1983، ص101.
(23)المرجع نفسه، ص102.
(24)محمود الربيعي، من أوراقي النقدية، ص08.
(25)شريف بشير أحمد، آفاق المصطلح وأعماق المفهوم، علامات ع/فيفري 2008، ص21.
(26)يوسف وغليسي، مناهج النقد الأدبي، ص15.
(27)عبد السلام المسدي، في آليات النقد الأدبي، دار الجنوب، تونس 1994، ص79.
(28)محمد مندور، في الميزان الجديد، دار نهضة مصر، الفجالة-القاهرة، ص129.
(29)اللانسوية: نسبة إلى غوستاف لانسون (1857-1934م) ويعد هذا الأكاديمي الفرنسي الرائد الأكبر للمنهج التاريخي، ويعد النقد العلمي الذي ظهر في أواخر القرن 19م شكلاً مبكراً للنقد التاريخي ومن أبرز ممثليه:
-هيبوليت تين (1828-1893م) الفرنسي الذي درس الأدب في ضوء تأثير ثلاثيته المشهورة (العرق-البيئة الجغرافية-الزمان).
-فردينان برونتيار (1849-1906م) الناقد الفرنسي الذي آمن بنظرية التطور لدى (داروين)، وطبقها على النص الأدبي، متمثلاً الأنواع الأدبية كائنات عضوية متطورة، له كتاب "تطور الأنواع الأدبية" 1890م.
-سانت بيف (1804-1869م) ركز في دراساته على شخصية الأديب تركيزا مطلقا.
(30)ينظر يوسف وغليسي، ص20، 21.
(31)سمير سعيد حجازي ، مناهج النقد الأدبي المعاصر، دار الآفاق العربية، القاهرة 2007، ص 109.
(32)ينظر أحمد حيدوش ، التحليل النفسي في النقد العربي الحديث ، ص 12 وما بعدها.
(33)خريستو نجم، في النقد الأدبي والتحليل النفسي، دار الجيل، بيروت 1991، ص39.
(34)محمد مندور، في الميزان الجديد، ص170.
(35)ينظر أعمال (دورة الأخطل الصغير مؤسسة جائزة البابطين للإبداع الشعري)، 2000، ص344 وما بعدها.
(36)ينظر عبد المالك مرتاض، القراءة بين القيود النظرية وحرية التلقي، تجليات الحداثة، وهران ع4/1996، ص18، وفي نظرية النقد ص155.
(37)أحمد يوسف، القراءة النسقية، منشورات الاختلاف ط2003، ص157.
(38)المرجع نفسه، ص157.
(39)البنيوية : البنيويون هم جماعة يؤلف بينها البحث عن علاقات كلية كامنة .
-ينظر أديث كرزويل، عصر البنيوية، تر.جابر عصفور، ص246.
(40)من المبادئ الأساسية التي جاء بها (دي سوسير): تفريقه بين الدال والمدلول واللغة كظاهرة اجتماعية والكلام كظاهرة فردية، وبلورته لمفهوم: "النسق" أو "النظام" الذي تطور فيما بعد إلى بنية.
-ينظر ابراهيم صحراوي، تحليل الخطاب الأدبي، دار الآفاق، الجزائر 1999، ص09.
(41)ترجم هذا الكتاب إلى العربية خمس مرات في كل من لبنان وتونس ومصر والعراق والمغرب.
(42)إبراهيم محمود خليل، النقد الأدبي الحديث ، ص 88 ..
(43)ينظر عبد الله إبراهيم وآخرون، معرفة الآخر، مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة، ص 41 .
(44)يوسف وغليسي، ص72.
(45)توفيق الزيدي، أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث، ص40.
(46)هي اتجاه بنيوي يخالف أطروحات البنيوية الصورية من منظور الفلسفة الماركسية خاصة، والفلسفة الاجتماعية عامة ومن أبرز أعلامها لوسيان غولدمان وتنطلق البنيوية التكوينية في وجهة نظرها حيال مسألة المؤلف من تصور مغاير لكل من الماركسية والبنيوية الصورية، فلا هي تذيبه في الجماعة ذوبانا كليا، ولا هي تمارس عليه عملية القتل ممارسة قاسية، فهي تعترف له بفرادته وعبقريته داخل الإطار الاجتماعي.
-ينظر أحمد يوسف، القراءة النسقية، ص198.
(47)البنية: نسق من العلاقات الباطنية، يقول (رانسون) البنية في الحقل الأدبي، تمثل الأثر إلى جانب عنصر النسج أو السبك. المحايثة: يعود هذا المصطلح إلى آرسطو وهو يعني عند كانط وجود الشيء في ذاته.
(48)أحمد يوسف، القراءة النسقية، ص29.
(49)المرجع نفسه، ص198.
(50)المرجع نفسه، ص176.
(51)أحمد يوسف، القراءة النسقية، ص176.
(52)عبد السلام المسدي، قضية البنيوية (دراسة ونماذج)، دار الجنوب للنشر، تونس 1995م، ص29.
(53)أحمد يوسف، القراءة النسقية، ص198.
(54)عبد الله الغذامي، الخطيئة والتكفير، ص47.
(55)هي حركة ظهرت في منتصف الستينات وشكلت منعطفا تصحيحياً للطروحات البنيوية السابقة ومن أشهر ممثلي هذه الحركة (جاك ديريد) زعيم المنهج التفكيكي الذي أفضى إلى تبني القراءة التأويلية المفتوحة.
(56)رامان سلدن، النظرية الأدبية المعاصرة، تر.جابر عصفور، دار قباء، ص119.
(57)هو اتجاه ألماني كرسته في السبعينيات مدرسة (كونستانس) بزعامة (هانس روبرت ياوس) و(ولففانغ إيزر)، وقد مهدت نظريات التلقي الطريق للتفكيكية لأنهما يلتقيان في أهم مبادئهما وهو إلغاء النص، وقصدية المؤلف.
على أن سطوع التفكيكية في عز رواج جماليات التلقي (إلى جانب التداولية) لا يعني أن الأولى نتيجة للثانية، بل الأرجح أن هذا النشاط المتوازي زمنيا والمتوافق معرفيا إلى حد كبير يتم من خلال تداخلات البيئة الثقافية.
د. عبد الحميد هيـمة
جامعة ورقلة (الجزائر)
* منقول لفائدة