دائماً ما يكون قارع الباب ضيفاً ولكن قليلاً ما يكون لطيفاً، وتاريخ 17 شباط - فبراير - من العام 1987 جنّد ضيفاً ليس لطيفاً أبداً وغير متوقّع وليس مرغوباً ولا مشرّفاً دخوله قلعة الفكر والعلم. في ذلك التاريخ قارع الباب جاء غريباً وجاهلاً، الغدر من صفاته، الإجرام والقتل أمانته.
قرع باب القلعة الفكريّة الماركسيّة ليدخل على أهل العلم والمعرفة بزيفه وسلاحه فأردى ببانيها على فراش لطالما احتضن أحلامه بالتقدّم وألهم عقله فكراً وصفّى ذهنه من مصائب الدنيا الكادحة وأعطى خياله مساحة ليبدع في الأدب.
دخل وقحاً ليعدم راعيها وحاميها، لم يدخل بدافع السرقة ولا كان السبب هو النشل. على العكس تماماً، دخل القاتل ودافعه الحقد على الإبداع، ذلك الشعور الّذي لم تعرفه أخلاق الضحيّة، والخوف من العلم الّذي كان يعشقه عقل المغدور، والجبن من مواجهة الحقيقة الّتي كانت تأكل من عمر القتيل ليالي حتّى تتكشّف وتبان. أمّا السبب واضح وهو الجهل والغباء.
أعدمت اليد السوداء الظلاميّة اليد البيضاء الحالمة وأطلقت باتجاه رأس القلم رصاصة هي نفسها لم تكن مقتنعة بما تفعله وانطلقت رغماً عنها لأن ليس باستطاعتها أن تتحكّم بزناد يخيّم عليه اللا شعور واللا إحساس واللا معرفة، لأنّها كانت تدرك أكثر من القاتل أنّها ترمي وتردي فقيراً كادحاً ودارساً دؤوباً للعلوم الدينيّة، ومجتهداً واسع الأفق، متمرّداً دائم على الجمود واللاحركة في التحليل المادي للزمان والمكان، للتاريخ والأحداث والظواهر، وكاتباً أديباً منحازاً للناس والفقراء والكادحين والتقدّميين، لأنّها تعرف أكثر من المنفّذ أنّها تقتل مناضلاً وطنيّاً شارك في العديد من معارك الكفاح والنضال الوطني التحرّري، لأنّها تعرف أنّها تدمّر مدرسة رياديّةً قدّمت الكثير لحركة النفد الأدبي الواقعي العلمي، وبحثت عميقاً في التراث العربي الفكري والفلسفي معتمدة المنهج العلمي المادي، وخلّدت أسطورة فكريّة إسمها "النزعات الماديّة في الفلسفة العربيّة والإسلاميّة".
لم تكن تعرف أنّها تحرم العالم من قيمة إبداعيّة ثقافيّة معرفيّة ربطت نتاجها الفكري بالتفاعل الميداني والنشاط العملي في الحركة الكفاحيّة ومسارها النضالي، فبان بوضوح ذلك الذكاء المعرفي لهذه القيمة بالربط بين الفكر والممارسة العمليّة بتفاعلٍ دياليكتيكي، فكانت دائماً حيث الكتابة يبدع قلمها وحيث العمل المباشر تصوغ المعرفة العلميّة، لم تكن هذه الرصاصة تعرف أنّها تقتل الشهيد المفكّر "حسين مروّة".
غيّبت هذه الرصاصة مولود العام 1908 عن قريته حداثا الّتي تفبع في جغرافيا قضاء بنت جبيل، والّتي هاجرها الى العراق عام1924 لدراسة العلوم الاسلامية في جامعة النجف, و عاد منها عام 1938 مكملاً شروطها العلميّة، فكانت بدايات اهتماماته بالكتابة الادبيّة منذ سنوات دراسته الاولى في العشرينات . كتب الأدب والنقد، والسياسة والفلسفة، وتميزت كتاباته بالتحريض على محاربة الإستعمار وبإلتزامه المبكّربقضية التحرر الوطني في العالم العربي. كتب القليل من الشعر، و درّس مادة فلسفة الفكر العربي في الجامعة اللبنانية في بيروت، أمّا بداية اطلاعه على الفكر الماركسي فكانت في العام 1948 عبر قراءة «البيان الشيوعي» الذي اعاره ايّاه الشهيد حسين محمد الشبيبي (أحد مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي) , فوجد فيه الطريق الى الانسانيّة و العدالة الاجتماعية كما يقول. شارك أدبياً و اعلامياً وعملياً في احداث الوثبة الوطنية العراقية عام 1948 , التي اسقطت معاهدة « بورستموث» البريطانية مع حكومة العهد الملكي وأبعد على أثرها من العراق عام 1949 بعد عودة نوري السعيد الى الحكم، استأنف الكتابة الادبية في لبنان بعد عودته مباشرةً, وبقي سبع سنوات متواصلة يكتب زاويته اليومية المعروفة «مع القافلة» في جريدة الحياة، حيث تميزت هذه المقالات بملاحقته للأحداث اليومية والقضايا المطروحة بهدف كشف ما تحمله من أبعاد سياسية، إجتماعية، فكرية وأدبية وذلك بإسلوبه المميز. جمعت هذه المقالات فيما بعد بكتاب "مع القافلة" والّذي صدر في العام 1952، تعرّف عام 1950 على فرج الله الحلو و انطون تابت مفكرّي الحزب الشيوعي اللبناني ثم على محمد دكروب مؤرّخ هذا الحزب, نتج عن هذا التعارف تاسيس مجلّة "الثقافة الوطنية" , والتي اصبح الشهيد المفكّرحسين مديراً لتحريرها الى جانب دكروب. فخاض على صفحاتها معركة فكرية ضد أتباع الفكر المثالي والرجعي في الأدب والنقد، حيث وضع دراسات تناول فيها التراث الأدبي والفكري العربي بنظرة جديدة ورائدة تضيء جوانبه الجمالية التقدمية المحجوبة، وإنتقد، في الوقت نفسه، نظرية "الفن للفن"، وبذلك ساهم بتأسيس المنهج الواقعي في مجال النقد الأدبي في العالم العربي. بعد ذلك جمعت هذه المقالات والدراسات في كتاب "قضايا أدبية" الّذي صدر عام 1956 .
انتظم رسمياً في الحزب الشيوعي اللبناني عام1951، كما انتظم في صفوف قوات انصار السلم (تجمعّ الاحزاب الشيوعية العربية لتحرير فلسطين) وذلك في العام 1952 ، انتخب عام 1965 عضواً في اللجنة المركزية للحزب , و بعدها عضواً في المكتب السياسي، كما ترأس تحرير مجلّة الطريق الثقافيّة من العام 1966 حتى شباط 1987 (تاريخ استشهاده).
كان عضواً في مجلس تحرير مجلّة النهج الصادرة عن مركز الابحاث و الدراسات الاشتراكية في العالم العربي، من مؤلّفاته "الثورة العراقية" الذّي صدر في العام 1958 ، والذي عمل فيه على تحليل أسباب الثورة العراقية عام 1958 ، كاشفا الظروف الإجتماعية والسياسية التي أدت إلى إنتصارها مع عرض للأحداث والإنقلابات التي شهدها العراق في مطلع عشرينات القرن الماضي، بعد 9 سنوات، أكمل حسين مروة معركته الفكرية التي خاضها ضد أتباع الفكر المثالي والرجعي، حيث صدر عام 1965 كتابه "دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي"، والّذي تميز بمساهمته في إستكمال المعركة، وذلك بتطوير الشهيد حسين من خلال الكتاب للمنهج الواقعي للنقد وبدراسات جديدة نقد فيها بعض الأعمال الأدبية والنقدية والفكرية لبعض الكتاب من لبنان والعالم العربي.
ايمن مروة
قرع باب القلعة الفكريّة الماركسيّة ليدخل على أهل العلم والمعرفة بزيفه وسلاحه فأردى ببانيها على فراش لطالما احتضن أحلامه بالتقدّم وألهم عقله فكراً وصفّى ذهنه من مصائب الدنيا الكادحة وأعطى خياله مساحة ليبدع في الأدب.
دخل وقحاً ليعدم راعيها وحاميها، لم يدخل بدافع السرقة ولا كان السبب هو النشل. على العكس تماماً، دخل القاتل ودافعه الحقد على الإبداع، ذلك الشعور الّذي لم تعرفه أخلاق الضحيّة، والخوف من العلم الّذي كان يعشقه عقل المغدور، والجبن من مواجهة الحقيقة الّتي كانت تأكل من عمر القتيل ليالي حتّى تتكشّف وتبان. أمّا السبب واضح وهو الجهل والغباء.
أعدمت اليد السوداء الظلاميّة اليد البيضاء الحالمة وأطلقت باتجاه رأس القلم رصاصة هي نفسها لم تكن مقتنعة بما تفعله وانطلقت رغماً عنها لأن ليس باستطاعتها أن تتحكّم بزناد يخيّم عليه اللا شعور واللا إحساس واللا معرفة، لأنّها كانت تدرك أكثر من القاتل أنّها ترمي وتردي فقيراً كادحاً ودارساً دؤوباً للعلوم الدينيّة، ومجتهداً واسع الأفق، متمرّداً دائم على الجمود واللاحركة في التحليل المادي للزمان والمكان، للتاريخ والأحداث والظواهر، وكاتباً أديباً منحازاً للناس والفقراء والكادحين والتقدّميين، لأنّها تعرف أكثر من المنفّذ أنّها تقتل مناضلاً وطنيّاً شارك في العديد من معارك الكفاح والنضال الوطني التحرّري، لأنّها تعرف أنّها تدمّر مدرسة رياديّةً قدّمت الكثير لحركة النفد الأدبي الواقعي العلمي، وبحثت عميقاً في التراث العربي الفكري والفلسفي معتمدة المنهج العلمي المادي، وخلّدت أسطورة فكريّة إسمها "النزعات الماديّة في الفلسفة العربيّة والإسلاميّة".
لم تكن تعرف أنّها تحرم العالم من قيمة إبداعيّة ثقافيّة معرفيّة ربطت نتاجها الفكري بالتفاعل الميداني والنشاط العملي في الحركة الكفاحيّة ومسارها النضالي، فبان بوضوح ذلك الذكاء المعرفي لهذه القيمة بالربط بين الفكر والممارسة العمليّة بتفاعلٍ دياليكتيكي، فكانت دائماً حيث الكتابة يبدع قلمها وحيث العمل المباشر تصوغ المعرفة العلميّة، لم تكن هذه الرصاصة تعرف أنّها تقتل الشهيد المفكّر "حسين مروّة".
غيّبت هذه الرصاصة مولود العام 1908 عن قريته حداثا الّتي تفبع في جغرافيا قضاء بنت جبيل، والّتي هاجرها الى العراق عام1924 لدراسة العلوم الاسلامية في جامعة النجف, و عاد منها عام 1938 مكملاً شروطها العلميّة، فكانت بدايات اهتماماته بالكتابة الادبيّة منذ سنوات دراسته الاولى في العشرينات . كتب الأدب والنقد، والسياسة والفلسفة، وتميزت كتاباته بالتحريض على محاربة الإستعمار وبإلتزامه المبكّربقضية التحرر الوطني في العالم العربي. كتب القليل من الشعر، و درّس مادة فلسفة الفكر العربي في الجامعة اللبنانية في بيروت، أمّا بداية اطلاعه على الفكر الماركسي فكانت في العام 1948 عبر قراءة «البيان الشيوعي» الذي اعاره ايّاه الشهيد حسين محمد الشبيبي (أحد مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي) , فوجد فيه الطريق الى الانسانيّة و العدالة الاجتماعية كما يقول. شارك أدبياً و اعلامياً وعملياً في احداث الوثبة الوطنية العراقية عام 1948 , التي اسقطت معاهدة « بورستموث» البريطانية مع حكومة العهد الملكي وأبعد على أثرها من العراق عام 1949 بعد عودة نوري السعيد الى الحكم، استأنف الكتابة الادبية في لبنان بعد عودته مباشرةً, وبقي سبع سنوات متواصلة يكتب زاويته اليومية المعروفة «مع القافلة» في جريدة الحياة، حيث تميزت هذه المقالات بملاحقته للأحداث اليومية والقضايا المطروحة بهدف كشف ما تحمله من أبعاد سياسية، إجتماعية، فكرية وأدبية وذلك بإسلوبه المميز. جمعت هذه المقالات فيما بعد بكتاب "مع القافلة" والّذي صدر في العام 1952، تعرّف عام 1950 على فرج الله الحلو و انطون تابت مفكرّي الحزب الشيوعي اللبناني ثم على محمد دكروب مؤرّخ هذا الحزب, نتج عن هذا التعارف تاسيس مجلّة "الثقافة الوطنية" , والتي اصبح الشهيد المفكّرحسين مديراً لتحريرها الى جانب دكروب. فخاض على صفحاتها معركة فكرية ضد أتباع الفكر المثالي والرجعي في الأدب والنقد، حيث وضع دراسات تناول فيها التراث الأدبي والفكري العربي بنظرة جديدة ورائدة تضيء جوانبه الجمالية التقدمية المحجوبة، وإنتقد، في الوقت نفسه، نظرية "الفن للفن"، وبذلك ساهم بتأسيس المنهج الواقعي في مجال النقد الأدبي في العالم العربي. بعد ذلك جمعت هذه المقالات والدراسات في كتاب "قضايا أدبية" الّذي صدر عام 1956 .
انتظم رسمياً في الحزب الشيوعي اللبناني عام1951، كما انتظم في صفوف قوات انصار السلم (تجمعّ الاحزاب الشيوعية العربية لتحرير فلسطين) وذلك في العام 1952 ، انتخب عام 1965 عضواً في اللجنة المركزية للحزب , و بعدها عضواً في المكتب السياسي، كما ترأس تحرير مجلّة الطريق الثقافيّة من العام 1966 حتى شباط 1987 (تاريخ استشهاده).
كان عضواً في مجلس تحرير مجلّة النهج الصادرة عن مركز الابحاث و الدراسات الاشتراكية في العالم العربي، من مؤلّفاته "الثورة العراقية" الذّي صدر في العام 1958 ، والذي عمل فيه على تحليل أسباب الثورة العراقية عام 1958 ، كاشفا الظروف الإجتماعية والسياسية التي أدت إلى إنتصارها مع عرض للأحداث والإنقلابات التي شهدها العراق في مطلع عشرينات القرن الماضي، بعد 9 سنوات، أكمل حسين مروة معركته الفكرية التي خاضها ضد أتباع الفكر المثالي والرجعي، حيث صدر عام 1965 كتابه "دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي"، والّذي تميز بمساهمته في إستكمال المعركة، وذلك بتطوير الشهيد حسين من خلال الكتاب للمنهج الواقعي للنقد وبدراسات جديدة نقد فيها بعض الأعمال الأدبية والنقدية والفكرية لبعض الكتاب من لبنان والعالم العربي.
ايمن مروة