هى الرواية الثانية للكاتبة الجزائرية إنعام بيّوض وقد صدرت فى عام 2023 عن دار ميم فى مئتين وست وعشرين صفحة ، وكانت روايتها الأولى بعنوان السمك لا يبالى عام 2003 وكانت العشرية السوداء الدامية فى تسعينيات القرن الماضى فى الجزائر هى الساحة الخلفية للأحداث بالروايتين ، وقد أثارت الرواية لغطًا كبيرًا وهجوما إعلاميا كبيرًا عليها بعد فوزها بجائزة آسيا جبارعام 2024 ناسبين إليها إحتوائها على ألفاظ نابية وخادشة للحياء العام والإساءة للأديان .
تدور أحداث الرواية فى حى أكميل أحد أحياء مدينة وهران غرب الجزائر وسط طبقة من الفقراء والمهمشين وأبناء الشوارع الذين يصارعون من أجل البقاء ويعبرون عن حياتهم بلغتهم الدنيا والبذيئة وربما هذا سبب ما وُجّه إلى الرواية من انتقادات على ما سنرى . قام بناء الرواية على حياة شخصياتها ومن خلال أصواتهم تدور أحداثها ، فهى رواية أصوات بإمتياز عبر كل صوت عن حياته ومن خلال ثلاثة عشر صوتًا تكونت الرواية وكل صوت يشغل فصلا أو أكثر دون وضع أرقاما للفصول، كانت شخصية هُوَّاريَّة هى الشخصية الجامعة لباقى الشخصيات حتى نستطيع أن نحدد باقى الشخصيات بمدى صلتها بهوارية، ويرتبط اسم هوارية باسم الولى (سيدى الهوارى) أحد أولياء وهران الصالحين، تبدأ أحداث الرواية بهوارية داخل عنبر النساء بقسم الصدمات و الأمراض العصبية بمستشفى وهران الجامعى فى شبه غيبوبة ثم تبدأ حالتها تستقر قليلا وتستعيد ما حدث لها حيث قطع الإرهابيون رأس حبيبها هشام حين كانت معه فى نزهة بعين الترك بشاطئ البحر" ص16 فى مشهد من أشد المشاهد الإرهابية بشاعة "لكن، ها هو رأسه يتدحرج أمامها على الارض وتبتسم لها العينان الخضراوان لعله ليس دما بل لون الحذاء؟ يغشاها الضباب مرة أخرى ويبدو كل شئ بعيدا.تتزاحم الأحداث والصور فى ذهنها.تتقاطع .تتداخل ..جيوش من النمل تزحف فوق جسدها تتوقف عند عنقها ، يلمع نصل يتقاطر منه دم قانٍ تمسحه لحية محناة، أسفل سحنة متشفية" ص16 ، تسترجع هوارية الماضى واسترجعت حياتها حيث مارست أسرتها عليها القمع بأبشع صوره فأجبرتها على ترك المدرسة حين اكتشفوا أن آخر يرسل لها قصاصة ورقة فى ملابسها والذى كان يدسها هشام فى ملابسها بدون توقيعه وقد كان مغرما بالأفلام المصرية فكان يشبهها بنادية لطفى فى فيلم الخطايا أوهند رستم فى فيلم صراع فى النيل، وقد قتله الإرهابيون وكانت فى صحبته آنذاك ، وأطلقت عليها أمها لقب المنحوسة وعرفت فى الحى بهذا الاسم وأطلق عليها أخيها هوارى بالمصيبة ، امتلكت هوارية نوعا من الروخانية والفراسة فى قراءة الكف واستشراف المستقبل والتنبؤ بمصائر بعض الشخصيات معترفة فى نفسها أنها تضيف بعض الاكاذيب إلى كلامها، تكفلها الشيخ هنان شيخ زاوية سيدى يوسف عندما رأى مواهبها وروحانيتها وفراستها فكانت له "الإوزة التى تضع بيضا من ذهب" وجرى الإتفاق ضمنيا بين الشيخ وأمها بأن يتقاسما حصيلة الفأل الذى يتركه الزائرون ناعتا إياها بأنها بركة سيدى يوسف ليضاعف الزائرون العطايا للزاوية.
تقاطعت شخصية هوارية مع أخيها هوارى وزوجته هدية والذى كان دميما قصير الساقين ووجود إصبع سادس بقدميه وكان قليل الحظ مع النساء فتاجر بجسد زوجته هدية وكانت شديدة الجمال ولكنها نشأت فى بيئة منحطة وقاسية،تعرفت على الطبيب هاشمى وأحبته ، كان هوارى يعشق الموسيقى والعزف على القيثارة وكان محبا للخيل ، ثم تحولت حياته وأطلق لحيته وامتنع عن الغناء والموسيقى التى اعتبرها عرائس الشيطان، والتحق بجماعة إرهابية قتلت الطبيب هاشمى عشيق زوجته وكذلك هشام عشيق هوارية.
كانت شخصية هشام (حبيب هوارية) وأخيه هانى الملقب بالروجى لاحمرار شعره ووجود نمش فى وجهه وقد اسمته أمه باسم هانى على اسم الفنان المصرى هانى شاكر لإعجابها به وبغنائه، كان الأَخوَان هشام وهانى شخضيتين متناقضتين نشأ كلاهما بأسرة مفككة فقيرة كثيرة العدد يغيب أبوهما طويلا عن أسرته ويمتهن تجارة المخدرات ويعتدى على زوجته (أمهما) هنودة الزينة أطلق عليها ذلك لجمالها، يسير هشام سيرة أبيه ويمتهن تجارة المخدرات وينتهى مذبوحا من الإرهابيين ويتوجه الأخر( هانى) إلى تثقيف نفسه فكان نهما فى تحصيل المعرفة فقرأ كتبا عديدة فى الأدب والشعر والفلسفة والتاريخ وعلم النفس والرياضيات أغلبها بالفرنسية والقليل بالعربية، وقد تلاقى مع هبة ووقع فى حبها أثناء عمله بمراعى أبيها مقابل أجرة الحجرة التى تعيش فيها أسرته بالحوش الذى يملكه أبيها، وقد أنقذه حبها من فكرة الإنتحار التى كانت ترواده "عدَّلت هذه الفكرة (الإنتحار) حين تملكنى حب هبة إذ أدركت أن الإيمان هو أصفى درجات المحبة " وقد هاجر إلى الخارج تاركا حبيبته هبة، وقد نجا كل منهما من المصير البشع الذى لاقاه باقى شخصيات الرواية وربما هى إشارة إلى أهمية الثقافة والعلم فى النجاة من الأزمات.
كانت شخصية هاجر جدة هبة وأسمها الحقيقي هيلين هايبرون شخصية مأساوية ومؤلمة فقد كانت يتيمة وكفلها أحد الأطباء الكبار والمشهورين فى وهران و كبرت وأصبحت ممرضة بالمستشفى ووقعت فى حب ذلك الطبيب الذى كان فى عمر أبيها وحملت منه ووضعت طفلة لم يعترف بها الوالد الذى أخفاها فور ولادتها دون علمها خشية أن تدمر هذه المغامرة العاطفية حياته الزوجية والمهنية وقيل لها أن المولودة ماتت ودفنت فى مقبرة النصارى القريبة من المستشفى -وتبين فيما بعد أنها على قيد الحياة حيث ربتها سيدة- وقد هامت هاجر على وجهها وأصيبت بصدمة عصبية ثم أودعت قسم الصدمات والأمرض العصبية فى الوقت الذى كانت هوارية بنفس القسم ثم انتقلت هاجر إلى أحد الأديرة وقد زارتها هوارية وحاولت أن تخبرها لتريح قلبها أن ابنتها لم تمت وقد تزوجت وأنجبت طفلة اسمها هبة إلا أنها قد فارقت الحياة .
كان التشظى هى التقنية الأكثر بروزا بالسرد ، فقد شمل التشظى فى الزمان والاشخاص والحدث،وربما كان تعبيرًا عن أزمة الشخصيات وتمزقها النفسى، فلم يكن السرد على خط زمنى تقليدى من الماضى إلى الحاضر إلى المستقبل بل تم تشظى الزمن، فكان مراوحا بين الحاضر والعودة إلى الماضى ثم العودة إلى الحاضر مرة أخرى وهكذا وهو ماحدث فى فصل هوارية فى بداية الرواية بدا الفصل وهى بالمستشفى إثر مقتل حبيبها هشام ثم حدثت عملية إسترجاع أو فلاش باك إلى الماضى ثم العودة مرة إخرى إلى الحاضر كذلك حدث ف باقى الفصول ، كذلك كان هناك تشظى فى وصف الشخصيات فلم تكن مركزة فى موضع واحد بل كانت موزعة على مدار فصول الرواية كذلك كانت الأحداث متشظية فلم يكن هناك حدث واحد للرواية بل كانت أحداث لكل شخصية مما أضفى على الرواية التشويق والإثارة والجاذبية .
تراوح السرد بين ضمير المتكلم أنا فقد عبرت به كل شخصية عن نفسها وكان الأنسب فى بوح الشخصية بمكنوناتها الداخلية، واشترك ضمير الغائب (الراوى العليم) للربط بين الأحداث والشخصيات .
كانت اللغة فى السرد هى اللغة العربية الفصحى المبسطة وكانت تتسم بالتعبيرية والمشهدية فى مواضع مثال مشهد قتل هاشم السابق ذكره ،وبالجمال والشاعرية فى مواضع أخرى حيث الصورة البلاغية التى احتوت على المجاز والتشبيه والإستعارة مثل" تحس دفء يده يستشرى فى راحتها الباردة . تنفرط الهنيهات فى ذاكرتها كحبات عقيق تغرق فى رمال تحاول أن تلتقطها دون جدوى"ص12 ومثل " كانت أنامل الليل قد بدأت تحيك نسيج العتمة وتسربل به الأنحاء "ص17 كذلك "ترطب دموعهم وجنتى وتنفرج إبتساماتهم على ثغرى كلمسات البتلات الطرية لنوار العشب الندى .أنصهر فيهم .وتطوقنى هالاتهم"ص165
أما الحوار فكان باللهجة العامية الجزائرية التى قد لاتكون مفهومة فى بعض المواضع وأضيف معناها بالهامش مثل
- على من وراك تعلبيها (من تستخفين فى ظنك )
- أشكون هاد الكبول اللى يرسلك البراوات(من هو اللقيط الذى يبعث لك رسائل).
كما وردت أمثال شعبية لربط الرواية بالبيئة الشعبية مثل (الحمَّام ما يقلعشى الزعافة) وتعنى الحمَّام لا يغسل الدمامة،(خصك غيرالسواك يا معوّج الحناك)، وقد وردت بعض الكلمات القليلة البذيئة على لسان بعض شخصيات الرواية ونرى أنها فى سياقها ومعبرة عن تلك الشخصيات فتجار المخدرات والعاهرات والقوَّادون والمشردون بالشوارع لهم لغتهم البذيئة ولهجتهم السوقية وألفاظهم الخادشة وهى مناسبة لهم حتى تكون هناك مصداقية للرواية ولا يحق مؤاخذة الرواية بسبب هذه الالفاظ بعيدا عن سياقها ومستوى الأشخاص المتحدثين بها .
عبرت الرواية عن أزمة المجتمع الجزائرى الذى كان يمر بازمة وجودية فى سنوات العشرية السوداء فى تسعينيات القرن الماضى كما عبرت عن الفساد الإجتماعى والإنهيار الأخلاقى كما ورد مع بعض شخصيات الرواية، وعبرت كذلك عن معاناة المرأة واضطهادها وحرمانها من حقها فى التعليم لمجرد الشك فى صدور تصرفات من آخرين تجاهها ، كذلك اعتبار أن المرأة تنحصر حياتها فى مكانين الحمام لتغتسل والمقبرة لتزور أوتُدفن، كذلك أزمة الجماعات الإرهابية وسفكها للدماء وقتلها لمئات من المواطنين كل ذلك بطريقة أسلوبية وفنية .
تفاوتت مصائر الشخصيات بنهاية الرواية بين موت وقتل وجنون وهجرة ووحدة وإعتكاف وضياع ، فهوارية اعتكفت بزاوية سيدى يوسف بعد مقتل حبيبها هشام ، وإختفاء أخيها هوارى فى ظروف غامضة آواخر العشرية السوداء حيث أُكتشف أمره بأنه يعمل مخبرا لدى الأمن وتدهورت صحة أمها، أما زوجة أخيها هدية فقد زُج بها فى السجن بعد إعتدائها بمياه النار على وجه الطبيبة هالة حبيبة عشيقها الطبيب هاشمى وبعد السجن هامت على وجهها كالمجنونة إلى أن غادرت وهران دون معرفة مصيرها ، أما هبة فقد بقيت وحيدة بعد وفاة أبيها وخالتها وهجرة حبيبها هانى بعد دفن أخيه هشام وأمه هنودة فعبرت مصائرهم عن أزمة وجودية وإجتماعية وأخلاقية عميقة ألمت بالمجتمع الجزائرى إبان حقبة العشرية السوداء .
تدور أحداث الرواية فى حى أكميل أحد أحياء مدينة وهران غرب الجزائر وسط طبقة من الفقراء والمهمشين وأبناء الشوارع الذين يصارعون من أجل البقاء ويعبرون عن حياتهم بلغتهم الدنيا والبذيئة وربما هذا سبب ما وُجّه إلى الرواية من انتقادات على ما سنرى . قام بناء الرواية على حياة شخصياتها ومن خلال أصواتهم تدور أحداثها ، فهى رواية أصوات بإمتياز عبر كل صوت عن حياته ومن خلال ثلاثة عشر صوتًا تكونت الرواية وكل صوت يشغل فصلا أو أكثر دون وضع أرقاما للفصول، كانت شخصية هُوَّاريَّة هى الشخصية الجامعة لباقى الشخصيات حتى نستطيع أن نحدد باقى الشخصيات بمدى صلتها بهوارية، ويرتبط اسم هوارية باسم الولى (سيدى الهوارى) أحد أولياء وهران الصالحين، تبدأ أحداث الرواية بهوارية داخل عنبر النساء بقسم الصدمات و الأمراض العصبية بمستشفى وهران الجامعى فى شبه غيبوبة ثم تبدأ حالتها تستقر قليلا وتستعيد ما حدث لها حيث قطع الإرهابيون رأس حبيبها هشام حين كانت معه فى نزهة بعين الترك بشاطئ البحر" ص16 فى مشهد من أشد المشاهد الإرهابية بشاعة "لكن، ها هو رأسه يتدحرج أمامها على الارض وتبتسم لها العينان الخضراوان لعله ليس دما بل لون الحذاء؟ يغشاها الضباب مرة أخرى ويبدو كل شئ بعيدا.تتزاحم الأحداث والصور فى ذهنها.تتقاطع .تتداخل ..جيوش من النمل تزحف فوق جسدها تتوقف عند عنقها ، يلمع نصل يتقاطر منه دم قانٍ تمسحه لحية محناة، أسفل سحنة متشفية" ص16 ، تسترجع هوارية الماضى واسترجعت حياتها حيث مارست أسرتها عليها القمع بأبشع صوره فأجبرتها على ترك المدرسة حين اكتشفوا أن آخر يرسل لها قصاصة ورقة فى ملابسها والذى كان يدسها هشام فى ملابسها بدون توقيعه وقد كان مغرما بالأفلام المصرية فكان يشبهها بنادية لطفى فى فيلم الخطايا أوهند رستم فى فيلم صراع فى النيل، وقد قتله الإرهابيون وكانت فى صحبته آنذاك ، وأطلقت عليها أمها لقب المنحوسة وعرفت فى الحى بهذا الاسم وأطلق عليها أخيها هوارى بالمصيبة ، امتلكت هوارية نوعا من الروخانية والفراسة فى قراءة الكف واستشراف المستقبل والتنبؤ بمصائر بعض الشخصيات معترفة فى نفسها أنها تضيف بعض الاكاذيب إلى كلامها، تكفلها الشيخ هنان شيخ زاوية سيدى يوسف عندما رأى مواهبها وروحانيتها وفراستها فكانت له "الإوزة التى تضع بيضا من ذهب" وجرى الإتفاق ضمنيا بين الشيخ وأمها بأن يتقاسما حصيلة الفأل الذى يتركه الزائرون ناعتا إياها بأنها بركة سيدى يوسف ليضاعف الزائرون العطايا للزاوية.
تقاطعت شخصية هوارية مع أخيها هوارى وزوجته هدية والذى كان دميما قصير الساقين ووجود إصبع سادس بقدميه وكان قليل الحظ مع النساء فتاجر بجسد زوجته هدية وكانت شديدة الجمال ولكنها نشأت فى بيئة منحطة وقاسية،تعرفت على الطبيب هاشمى وأحبته ، كان هوارى يعشق الموسيقى والعزف على القيثارة وكان محبا للخيل ، ثم تحولت حياته وأطلق لحيته وامتنع عن الغناء والموسيقى التى اعتبرها عرائس الشيطان، والتحق بجماعة إرهابية قتلت الطبيب هاشمى عشيق زوجته وكذلك هشام عشيق هوارية.
كانت شخصية هشام (حبيب هوارية) وأخيه هانى الملقب بالروجى لاحمرار شعره ووجود نمش فى وجهه وقد اسمته أمه باسم هانى على اسم الفنان المصرى هانى شاكر لإعجابها به وبغنائه، كان الأَخوَان هشام وهانى شخضيتين متناقضتين نشأ كلاهما بأسرة مفككة فقيرة كثيرة العدد يغيب أبوهما طويلا عن أسرته ويمتهن تجارة المخدرات ويعتدى على زوجته (أمهما) هنودة الزينة أطلق عليها ذلك لجمالها، يسير هشام سيرة أبيه ويمتهن تجارة المخدرات وينتهى مذبوحا من الإرهابيين ويتوجه الأخر( هانى) إلى تثقيف نفسه فكان نهما فى تحصيل المعرفة فقرأ كتبا عديدة فى الأدب والشعر والفلسفة والتاريخ وعلم النفس والرياضيات أغلبها بالفرنسية والقليل بالعربية، وقد تلاقى مع هبة ووقع فى حبها أثناء عمله بمراعى أبيها مقابل أجرة الحجرة التى تعيش فيها أسرته بالحوش الذى يملكه أبيها، وقد أنقذه حبها من فكرة الإنتحار التى كانت ترواده "عدَّلت هذه الفكرة (الإنتحار) حين تملكنى حب هبة إذ أدركت أن الإيمان هو أصفى درجات المحبة " وقد هاجر إلى الخارج تاركا حبيبته هبة، وقد نجا كل منهما من المصير البشع الذى لاقاه باقى شخصيات الرواية وربما هى إشارة إلى أهمية الثقافة والعلم فى النجاة من الأزمات.
كانت شخصية هاجر جدة هبة وأسمها الحقيقي هيلين هايبرون شخصية مأساوية ومؤلمة فقد كانت يتيمة وكفلها أحد الأطباء الكبار والمشهورين فى وهران و كبرت وأصبحت ممرضة بالمستشفى ووقعت فى حب ذلك الطبيب الذى كان فى عمر أبيها وحملت منه ووضعت طفلة لم يعترف بها الوالد الذى أخفاها فور ولادتها دون علمها خشية أن تدمر هذه المغامرة العاطفية حياته الزوجية والمهنية وقيل لها أن المولودة ماتت ودفنت فى مقبرة النصارى القريبة من المستشفى -وتبين فيما بعد أنها على قيد الحياة حيث ربتها سيدة- وقد هامت هاجر على وجهها وأصيبت بصدمة عصبية ثم أودعت قسم الصدمات والأمرض العصبية فى الوقت الذى كانت هوارية بنفس القسم ثم انتقلت هاجر إلى أحد الأديرة وقد زارتها هوارية وحاولت أن تخبرها لتريح قلبها أن ابنتها لم تمت وقد تزوجت وأنجبت طفلة اسمها هبة إلا أنها قد فارقت الحياة .
كان التشظى هى التقنية الأكثر بروزا بالسرد ، فقد شمل التشظى فى الزمان والاشخاص والحدث،وربما كان تعبيرًا عن أزمة الشخصيات وتمزقها النفسى، فلم يكن السرد على خط زمنى تقليدى من الماضى إلى الحاضر إلى المستقبل بل تم تشظى الزمن، فكان مراوحا بين الحاضر والعودة إلى الماضى ثم العودة إلى الحاضر مرة أخرى وهكذا وهو ماحدث فى فصل هوارية فى بداية الرواية بدا الفصل وهى بالمستشفى إثر مقتل حبيبها هشام ثم حدثت عملية إسترجاع أو فلاش باك إلى الماضى ثم العودة مرة إخرى إلى الحاضر كذلك حدث ف باقى الفصول ، كذلك كان هناك تشظى فى وصف الشخصيات فلم تكن مركزة فى موضع واحد بل كانت موزعة على مدار فصول الرواية كذلك كانت الأحداث متشظية فلم يكن هناك حدث واحد للرواية بل كانت أحداث لكل شخصية مما أضفى على الرواية التشويق والإثارة والجاذبية .
تراوح السرد بين ضمير المتكلم أنا فقد عبرت به كل شخصية عن نفسها وكان الأنسب فى بوح الشخصية بمكنوناتها الداخلية، واشترك ضمير الغائب (الراوى العليم) للربط بين الأحداث والشخصيات .
كانت اللغة فى السرد هى اللغة العربية الفصحى المبسطة وكانت تتسم بالتعبيرية والمشهدية فى مواضع مثال مشهد قتل هاشم السابق ذكره ،وبالجمال والشاعرية فى مواضع أخرى حيث الصورة البلاغية التى احتوت على المجاز والتشبيه والإستعارة مثل" تحس دفء يده يستشرى فى راحتها الباردة . تنفرط الهنيهات فى ذاكرتها كحبات عقيق تغرق فى رمال تحاول أن تلتقطها دون جدوى"ص12 ومثل " كانت أنامل الليل قد بدأت تحيك نسيج العتمة وتسربل به الأنحاء "ص17 كذلك "ترطب دموعهم وجنتى وتنفرج إبتساماتهم على ثغرى كلمسات البتلات الطرية لنوار العشب الندى .أنصهر فيهم .وتطوقنى هالاتهم"ص165
أما الحوار فكان باللهجة العامية الجزائرية التى قد لاتكون مفهومة فى بعض المواضع وأضيف معناها بالهامش مثل
- على من وراك تعلبيها (من تستخفين فى ظنك )
- أشكون هاد الكبول اللى يرسلك البراوات(من هو اللقيط الذى يبعث لك رسائل).
كما وردت أمثال شعبية لربط الرواية بالبيئة الشعبية مثل (الحمَّام ما يقلعشى الزعافة) وتعنى الحمَّام لا يغسل الدمامة،(خصك غيرالسواك يا معوّج الحناك)، وقد وردت بعض الكلمات القليلة البذيئة على لسان بعض شخصيات الرواية ونرى أنها فى سياقها ومعبرة عن تلك الشخصيات فتجار المخدرات والعاهرات والقوَّادون والمشردون بالشوارع لهم لغتهم البذيئة ولهجتهم السوقية وألفاظهم الخادشة وهى مناسبة لهم حتى تكون هناك مصداقية للرواية ولا يحق مؤاخذة الرواية بسبب هذه الالفاظ بعيدا عن سياقها ومستوى الأشخاص المتحدثين بها .
عبرت الرواية عن أزمة المجتمع الجزائرى الذى كان يمر بازمة وجودية فى سنوات العشرية السوداء فى تسعينيات القرن الماضى كما عبرت عن الفساد الإجتماعى والإنهيار الأخلاقى كما ورد مع بعض شخصيات الرواية، وعبرت كذلك عن معاناة المرأة واضطهادها وحرمانها من حقها فى التعليم لمجرد الشك فى صدور تصرفات من آخرين تجاهها ، كذلك اعتبار أن المرأة تنحصر حياتها فى مكانين الحمام لتغتسل والمقبرة لتزور أوتُدفن، كذلك أزمة الجماعات الإرهابية وسفكها للدماء وقتلها لمئات من المواطنين كل ذلك بطريقة أسلوبية وفنية .
تفاوتت مصائر الشخصيات بنهاية الرواية بين موت وقتل وجنون وهجرة ووحدة وإعتكاف وضياع ، فهوارية اعتكفت بزاوية سيدى يوسف بعد مقتل حبيبها هشام ، وإختفاء أخيها هوارى فى ظروف غامضة آواخر العشرية السوداء حيث أُكتشف أمره بأنه يعمل مخبرا لدى الأمن وتدهورت صحة أمها، أما زوجة أخيها هدية فقد زُج بها فى السجن بعد إعتدائها بمياه النار على وجه الطبيبة هالة حبيبة عشيقها الطبيب هاشمى وبعد السجن هامت على وجهها كالمجنونة إلى أن غادرت وهران دون معرفة مصيرها ، أما هبة فقد بقيت وحيدة بعد وفاة أبيها وخالتها وهجرة حبيبها هانى بعد دفن أخيه هشام وأمه هنودة فعبرت مصائرهم عن أزمة وجودية وإجتماعية وأخلاقية عميقة ألمت بالمجتمع الجزائرى إبان حقبة العشرية السوداء .