* البعض يقول إن الرواية المغربية ما تزال في مرحلة التجريب، وأنه ليست لدينا بعد رواية مؤسسة تشكل نموذجا مكتمل البناء· هل تتفق مع هذا القول؟
- لست متفقا مع هذا القول إن الرواية المغربية الحديثة ليست في مرحلة التجريب أوالتعثر، بقدر ما هي في مرحلة التأسيس· ومن خلال هذا التأسيس هناك تجارب لإحداث رواية مغربية مستقلة عن بعض التجارب الروائية المشرقية والغربية·
* هناك من النقاد من يعتقد أن الشعر تراجع وأن الرواية أصبحت وسيلة الاتصال الأولى بالنسبة للقارئ العربي·· كيف ترى أنت منافسة الرواية للشعر في المغرب؟
- أعتقد أن هذه المنافسة بين النص الروائي والنص الشعري ستنتفي مستقبلا· بحيث يظل الشعر مالكا لمملكته الشعرية· أما الرواية فإنها ستؤسس بنياتها السردية متفاعلة مع صياغات البيئة التي تنطلق منها شكلا وموضوعا· وكل تأثير خارج عن بنياتها المحلية قد يغنيها·
هذا رأيي الخاص·
* كيف ترى رعاية الدولة للأدب في بلادنا، خلال هذه الفترة؟
- مع مجيء حكومة التناوب برئاسة المناضل عبد الرحمن اليوسفي، بدأت تبزغ بوادر الانتعاش في الحقل الأدبي المغربي·
وخليق بنا هنا أن نذكر الدور الكبير الذي يقوم به محمد الأشعري، وزير الثقافة، من أجل تصفية بعض الشوائب التي كانت تعنكب مسيرة الانفتاح على آفاق ثقافية وأدبية وفنية·
لقد استطاع محمد الأشعري، بذكائه وموهبته، أن يمزج بين ما هو سياسي وإبداعي، دون أن يُخلَّ هذا التزاوج بقيمة أحدهما على حساب الآخر·
* علاقتك باتحاد كُتَّاب المغرب، كيف كانت؟ وكيف هي الآن؟
- علاقتي باتحاد كُتّاب المغرب لم تنقطع أبدا منذ نشأته· فقد كنت أتابع نشاطاته حالما أن أصبح ذات يوم عضوا فيه· كان هذا في أواسط الستينات، ولم أكن بعد قد كتبت قصَّتي الأولى· وعندما نشرت أول قصة عام 1966 في مجلة "الآداب" البيروتية، بدا لي أن حلمي قد بدأ يتحقق· وكذلك كان· فقد انخرطت في الاتحاد وعدتي لا تتجاوز قصتين ومقالة بعنوان "البطل والخلاص"، هي كل تعميدي لقبول عضويتي!
* من يعجبك من كُتَّاب وأدباء طنجة؟
- كثيرون· أذكر بصفة خاصة: الزبير بن بوشتى، عبد السلام الطويل، أحمد الطريبق، بهاء الدين الطود·
* تردِّد كثيرا أنك كاتب طنجاوي وليس كاتبا مغربيا!
- أقصد بهذا أنني لا أتطفل على مجتمعات مدن مغربية أخرى تلافيا للوقوع في الكتابة السطحية·
ومعلوم أن الكتابة لها حميمية مع الفضاء والأشخاص الذين لا ينفصل أحدهما عن الآخر· وهما صنوان يكادان أن يكونا توأمين·
وهذه الحميمية بين المكان وشخوصه، لا يمكن أن تتكوَّن بين يوم وآخر· فلابد من تراكم وتخزين للتجارب لكي ينبثق منهما الانتقاء والشذب والصقل، سعيا وراء تكثيف الحياة الإنسانية، التي لا يبقى منها للإنسان إلا رحيقها·
* في لقاء صحفي بمدينة الدار البيضاء، قلت إن اللغة العربية مهما أسعفتك في التعبير، فإنها لا تعوض حرمانك من لغتك الأم: الريفية! هل تحس بالحنين الى اللغة الريفية؟ وماذا تمثل لك اللغة العربية؟
- لم يعد الحنين الى لغتي الريفية بنفس الحرارة التي كان مسكونا بها في السابق· تحوَّل الى حنين باهت أشبه بحلم يقظة جميل!!··
لغتي الآن هي العربية التي أكتب بها وأتواصل من خلالها مع أفراد المجتمع الذي أعيش فيه·
إن اللغة العربية تسعفني في التعبير· هذا صحيح· لكنها لا تمنحني تعويضا عن الحرمان من لغتي الريفية الأم! إذ في غياب لغتي الأم تظل العربية ـ وأية لغة أخرى ـ أداة اغتراب بالنسبة لي!!
* كتبت العديد من النصوص، ولكنك اشتهرت فقط بسيرتك الذاتية الروائية "الخبز الحافي"· هل يمكن للعمل الأدبي الواحد أن يمنح الشهرة للكاتب بصرف النظر عن أعماله الأخرى؟
- نعم· هذا وارد جدا·
هناك كثير من الكُتاب اشتهروا بعمل واحد رغم كثرة ما كتبوا· ويمكنني ان أذكر منهم بالنسبة للكُتاب العرب: يحيى حقي في "قنديل أم هاشم"· سهيل إدريس في "الحي اللاتيني"· الطيب صالح في "موسم الهجرة إلى الشمال"· محمد زفزاف في "المرأة والوردة"·· إلخ·
وبالنسبة للكُتاب الأجانب: فيكتور هيغو في "البؤساء"· جوستاف فلوبير في "مدام بوفاري"· استندال في "الأحمر والأسود"· جان جنيه في "يوميات لص"· أندري جيد في "السمفونية الرعوية"· جان بول سارتر في "الوجود والعدم"· واللائحة طويلة·
* ما هي في رأيك أهم سيرة ذاتية روائية صدرت في المغرب بعد سيرتك "الخبز الحافي"؟
- "كان وأخواتها" لعبد القادر الشاوي·
* معظم الكُتاب المغاربة لهم انتماؤهم الحزبي والسياسي، في حين أنك بعيد عن الأحزاب· هل ثمة موقف فرض هذا البعد أو هذه الاستقلالية؟
- الانتماء إلى حزب يعني الانشغال فيه· وأنا لا أستطيع هذا· ولا أريد لكتاباتي أن تتأثر بتوجيهات حزبية· يكفي أنني أعكس الحياة الاجتماعية التي تتبناها الأحزاب، عندما أدافع عن العاطلين والمجانين والمطرودين من المدارس·· هذا انتماء سياسي دون أن يكون حزبيا·
لستُ ضد من ينتمي إلى الأحزاب· وكتاباتي يسارية وليست حزبية تنتمي إلى هذا الحزب أو ذاك·
* يشاع بأنك تتعاطف مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية·
- أنا يمكن أن أتناول فطوري مع عبد الجبار السحيمي، وأتغذى مع عبد الله الشتوكي، وأتعشى مع محمد برادة! أزورهم كلهم دون أن يغضب أحدهم·
* في أحد أعداد مجلة "شؤون ثقافية" المغربية، قلت: "أحرق كتبي ولا أسلمها لناشر مغربي"!!
- مفهوم الناشر لم يتأسس بَعْدُ كما ينبغي في بلادنا، نحن عندنا طابعون لاناشرون! تتقدم بعمل أدبي فيطلب منك آداء ثمن الطبع، وفي أحسن الأحوال نتوصل بمبلغ مالي تافه وهزيل جدا، ويتم استغلالك حتى النخاع!!
الناشرون عندنا يمارسون قرصنة شنيعة على كتاب مغمورين بحجة مساعدتهم على الشهرة الأدبية!! أتعرف؟ لو أنني عوَّلت على أمثال هؤلاء الناشرين، لمتُّ جوعا! (يضحك)·
* رغم تهافت الناشرين على نشر كتبك، إلا أنك ما زلت مصرا على طبع ونشر مؤلفاتك على نفقتك الخاصة·
- هذا أفضل لي، وفي مصلحة القارئ·
* هل تهتم بالحصول على الجوائز الأدبية؟
- إذا أعطيت لي جائزة لن أرفضها، ولكني لست متهافتا على الحصول على الجوائز·
* علاقتك بالكُتَّاب المغاربة كانت شبه مجمدة في بداية مسيرتك الأدبية· أما الآن فالملاحظ أنها تشهد انتعاشا متواصلا·
- عكس ما تقوله هو الصحيح (يشعل سيجارة يأخذ منها نفسا، ويواصل)، من قبل كنت أعرف كل الأدباء المغاربة· ولم أكن منغلقا على نفسي، كنت متهافتا على ربط العلاقات لكي أبرز وأنتشر· ولكي يساعدني هذا أو ذاك من الأدباء·· أما اليوم فقد أصبحت شديد الانغلاق على نفسي أكثر مما كنت من قبل، واخترت من ينبغي أن تستمر علاقتي معه، ومن ينبغي أن أحسمها بقطيعة، أو ببرود·
* هل معنى هذا أنك أصبحت تنتقي علاقاتك مع الأدباء المغاربة؟
- من خلال تجربتي الطويلة مع هذه العلاقات، خَبَرْتُ الكثير منها ووجدت أن معظمها زائف! هناك بعض الأدباء (ولا داعي لذكر الأسماء تجنبا للحساسيات والحزازات!)، ربطت معهم علاقة صداقة لمدة عشر سنوات وأكثر، وفي النهاية اكتشفت أن بعضهم (وربما معظمهم!) لم يكن صديقا على الإطلاق!
* كيف ذلك؟
- إذا مازللت أدنى زلة، ووجد هو الفرصة، يمكن أن يطعن فيك ويدوس على الصداقة التي ربطت بينكما!!
* على سطيحة منزلك استقبلت الكثير من الكُتَّاب المغاربة والعرب والأجانب، هل تذكر لنا بعضهم؟
- في منزل آخر غير الذي أسكنه الآن، وهو قريب منه في نفس الحي، استقبلت الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي صحبة محمد العربي المساري وأحمد الطريبق، أما في منزلي الحالي فقد استقبلت محمد زفزاف، محمد برادة، محمد السرغيني، خناثة بنونة، محمد عز الدين التازي، الشاعر العراقي حميد سعيد، والكاتب التونسي حسونة المصباحي، وغيرهم·
بالنسبة للكُتَّاب الأجانب، بول بوولز قَبِل دعوتي لاستضافته وجاء إلى منزلي صحبة سائقه عبد الواحد، أما جان جنيه وتينسي وليامز فلم أستقبلهما في منزلي·
جنيه كانت له حياة خاصة، وليس من السهولة أن أستضيفه ويقبل، ليس استكبارا، ربما لنفسيته وخصوصياته، ووليامز لايمكن أن أستدعيه الى منزلي، لأنه متعود على السهرات الفاخرة·
بالنسبة لخوان غويتصولو، الكاتب الإسباني الكبير، أعرفه منذ عشرين عاما، ولا أريد أن أثقل عليه باستضافتي له، فله عزلته التي احترمها، ثم إن الراحة الموجودة في منزلي هي خاصة بي وبالبوهيميين أمثالي!
* في أحد حواراتك الصحفية، قلت إن منزلك مر بمراحل: المرحلة الأولى كان فيها المنزل مجرد فراش للنوم، المرحلة الثانية أصبح محطة لاستقبال الأصدقاء بمختلف أنواعهم· أما في المرحلة الثالثة فقد أصبح مكانا مقدسا لايدخله إلا المطهرون! هل هذا يعني أنك تخلصت من علاقة بعض الأدباء المشاكسين، المستفزين؟!
- استقبلت معظم الكُتَّاب المغاربة، الطيبين منهم والخبثاء، الجيدين والرديئين، في الكتابة والسلوك معا! وآويت الكثيرين لم يكونوا يجدون فرصة للإقامة في الفنادق، هناك من اعترف بجميل الضيافة والصداقة· وهناك من تنكر لهذه الضيافة بطريقة سيئة جدا!! (يتوتر، ويبدو عليه الغضب)·
الآن أنا أعيش عزلة سامية وخلاقة في بيتي، وهؤلاء الذين كانوا يترددون على منزلي ويثيرون صخبا ضجرت منه! لم أعد أستقبلهم إلا خارج المنزل، في المقاهيو المطاعم والحانات·
لقد تخلصت من علاقتي ببعض الأدباء المستفزين! ومنزلي أصبح مكانا للاستقرار، خاصة أنني الآن أعتبر أن ما أعيشه داخل منزلي يفوق ما أعيشه خارجه·
* أخيرا، هل يمكن الحديث عن طريق اختطه السي محمد شكري يسير عليه الكُتَّاب المغاربة الجدد؟
- أنا أعتبر نفسي كاتبا منفصلا وبعيدا عن مسيرة أغلبية الكُتَّاب المغاربة والعرب، ولا أحب أن يسير الكُتَّاب الجدد أو المبتدئين على نفس الطريق الذي سرت فيه أنا·
أنا لم أخرج من عباءة أي كاتب مغربي أو عربي على الإطلاق· أنا خرجت من عباءتي، ومن معطفي، ومن ثيابي الخاصة·
لم أقلد أحدا، ولا أريد أن يقلِّدني أحد·
10/28/2004
- لست متفقا مع هذا القول إن الرواية المغربية الحديثة ليست في مرحلة التجريب أوالتعثر، بقدر ما هي في مرحلة التأسيس· ومن خلال هذا التأسيس هناك تجارب لإحداث رواية مغربية مستقلة عن بعض التجارب الروائية المشرقية والغربية·
* هناك من النقاد من يعتقد أن الشعر تراجع وأن الرواية أصبحت وسيلة الاتصال الأولى بالنسبة للقارئ العربي·· كيف ترى أنت منافسة الرواية للشعر في المغرب؟
- أعتقد أن هذه المنافسة بين النص الروائي والنص الشعري ستنتفي مستقبلا· بحيث يظل الشعر مالكا لمملكته الشعرية· أما الرواية فإنها ستؤسس بنياتها السردية متفاعلة مع صياغات البيئة التي تنطلق منها شكلا وموضوعا· وكل تأثير خارج عن بنياتها المحلية قد يغنيها·
هذا رأيي الخاص·
* كيف ترى رعاية الدولة للأدب في بلادنا، خلال هذه الفترة؟
- مع مجيء حكومة التناوب برئاسة المناضل عبد الرحمن اليوسفي، بدأت تبزغ بوادر الانتعاش في الحقل الأدبي المغربي·
وخليق بنا هنا أن نذكر الدور الكبير الذي يقوم به محمد الأشعري، وزير الثقافة، من أجل تصفية بعض الشوائب التي كانت تعنكب مسيرة الانفتاح على آفاق ثقافية وأدبية وفنية·
لقد استطاع محمد الأشعري، بذكائه وموهبته، أن يمزج بين ما هو سياسي وإبداعي، دون أن يُخلَّ هذا التزاوج بقيمة أحدهما على حساب الآخر·
* علاقتك باتحاد كُتَّاب المغرب، كيف كانت؟ وكيف هي الآن؟
- علاقتي باتحاد كُتّاب المغرب لم تنقطع أبدا منذ نشأته· فقد كنت أتابع نشاطاته حالما أن أصبح ذات يوم عضوا فيه· كان هذا في أواسط الستينات، ولم أكن بعد قد كتبت قصَّتي الأولى· وعندما نشرت أول قصة عام 1966 في مجلة "الآداب" البيروتية، بدا لي أن حلمي قد بدأ يتحقق· وكذلك كان· فقد انخرطت في الاتحاد وعدتي لا تتجاوز قصتين ومقالة بعنوان "البطل والخلاص"، هي كل تعميدي لقبول عضويتي!
* من يعجبك من كُتَّاب وأدباء طنجة؟
- كثيرون· أذكر بصفة خاصة: الزبير بن بوشتى، عبد السلام الطويل، أحمد الطريبق، بهاء الدين الطود·
* تردِّد كثيرا أنك كاتب طنجاوي وليس كاتبا مغربيا!
- أقصد بهذا أنني لا أتطفل على مجتمعات مدن مغربية أخرى تلافيا للوقوع في الكتابة السطحية·
ومعلوم أن الكتابة لها حميمية مع الفضاء والأشخاص الذين لا ينفصل أحدهما عن الآخر· وهما صنوان يكادان أن يكونا توأمين·
وهذه الحميمية بين المكان وشخوصه، لا يمكن أن تتكوَّن بين يوم وآخر· فلابد من تراكم وتخزين للتجارب لكي ينبثق منهما الانتقاء والشذب والصقل، سعيا وراء تكثيف الحياة الإنسانية، التي لا يبقى منها للإنسان إلا رحيقها·
* في لقاء صحفي بمدينة الدار البيضاء، قلت إن اللغة العربية مهما أسعفتك في التعبير، فإنها لا تعوض حرمانك من لغتك الأم: الريفية! هل تحس بالحنين الى اللغة الريفية؟ وماذا تمثل لك اللغة العربية؟
- لم يعد الحنين الى لغتي الريفية بنفس الحرارة التي كان مسكونا بها في السابق· تحوَّل الى حنين باهت أشبه بحلم يقظة جميل!!··
لغتي الآن هي العربية التي أكتب بها وأتواصل من خلالها مع أفراد المجتمع الذي أعيش فيه·
إن اللغة العربية تسعفني في التعبير· هذا صحيح· لكنها لا تمنحني تعويضا عن الحرمان من لغتي الريفية الأم! إذ في غياب لغتي الأم تظل العربية ـ وأية لغة أخرى ـ أداة اغتراب بالنسبة لي!!
* كتبت العديد من النصوص، ولكنك اشتهرت فقط بسيرتك الذاتية الروائية "الخبز الحافي"· هل يمكن للعمل الأدبي الواحد أن يمنح الشهرة للكاتب بصرف النظر عن أعماله الأخرى؟
- نعم· هذا وارد جدا·
هناك كثير من الكُتاب اشتهروا بعمل واحد رغم كثرة ما كتبوا· ويمكنني ان أذكر منهم بالنسبة للكُتاب العرب: يحيى حقي في "قنديل أم هاشم"· سهيل إدريس في "الحي اللاتيني"· الطيب صالح في "موسم الهجرة إلى الشمال"· محمد زفزاف في "المرأة والوردة"·· إلخ·
وبالنسبة للكُتاب الأجانب: فيكتور هيغو في "البؤساء"· جوستاف فلوبير في "مدام بوفاري"· استندال في "الأحمر والأسود"· جان جنيه في "يوميات لص"· أندري جيد في "السمفونية الرعوية"· جان بول سارتر في "الوجود والعدم"· واللائحة طويلة·
* ما هي في رأيك أهم سيرة ذاتية روائية صدرت في المغرب بعد سيرتك "الخبز الحافي"؟
- "كان وأخواتها" لعبد القادر الشاوي·
* معظم الكُتاب المغاربة لهم انتماؤهم الحزبي والسياسي، في حين أنك بعيد عن الأحزاب· هل ثمة موقف فرض هذا البعد أو هذه الاستقلالية؟
- الانتماء إلى حزب يعني الانشغال فيه· وأنا لا أستطيع هذا· ولا أريد لكتاباتي أن تتأثر بتوجيهات حزبية· يكفي أنني أعكس الحياة الاجتماعية التي تتبناها الأحزاب، عندما أدافع عن العاطلين والمجانين والمطرودين من المدارس·· هذا انتماء سياسي دون أن يكون حزبيا·
لستُ ضد من ينتمي إلى الأحزاب· وكتاباتي يسارية وليست حزبية تنتمي إلى هذا الحزب أو ذاك·
* يشاع بأنك تتعاطف مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية·
- أنا يمكن أن أتناول فطوري مع عبد الجبار السحيمي، وأتغذى مع عبد الله الشتوكي، وأتعشى مع محمد برادة! أزورهم كلهم دون أن يغضب أحدهم·
* في أحد أعداد مجلة "شؤون ثقافية" المغربية، قلت: "أحرق كتبي ولا أسلمها لناشر مغربي"!!
- مفهوم الناشر لم يتأسس بَعْدُ كما ينبغي في بلادنا، نحن عندنا طابعون لاناشرون! تتقدم بعمل أدبي فيطلب منك آداء ثمن الطبع، وفي أحسن الأحوال نتوصل بمبلغ مالي تافه وهزيل جدا، ويتم استغلالك حتى النخاع!!
الناشرون عندنا يمارسون قرصنة شنيعة على كتاب مغمورين بحجة مساعدتهم على الشهرة الأدبية!! أتعرف؟ لو أنني عوَّلت على أمثال هؤلاء الناشرين، لمتُّ جوعا! (يضحك)·
* رغم تهافت الناشرين على نشر كتبك، إلا أنك ما زلت مصرا على طبع ونشر مؤلفاتك على نفقتك الخاصة·
- هذا أفضل لي، وفي مصلحة القارئ·
* هل تهتم بالحصول على الجوائز الأدبية؟
- إذا أعطيت لي جائزة لن أرفضها، ولكني لست متهافتا على الحصول على الجوائز·
* علاقتك بالكُتَّاب المغاربة كانت شبه مجمدة في بداية مسيرتك الأدبية· أما الآن فالملاحظ أنها تشهد انتعاشا متواصلا·
- عكس ما تقوله هو الصحيح (يشعل سيجارة يأخذ منها نفسا، ويواصل)، من قبل كنت أعرف كل الأدباء المغاربة· ولم أكن منغلقا على نفسي، كنت متهافتا على ربط العلاقات لكي أبرز وأنتشر· ولكي يساعدني هذا أو ذاك من الأدباء·· أما اليوم فقد أصبحت شديد الانغلاق على نفسي أكثر مما كنت من قبل، واخترت من ينبغي أن تستمر علاقتي معه، ومن ينبغي أن أحسمها بقطيعة، أو ببرود·
* هل معنى هذا أنك أصبحت تنتقي علاقاتك مع الأدباء المغاربة؟
- من خلال تجربتي الطويلة مع هذه العلاقات، خَبَرْتُ الكثير منها ووجدت أن معظمها زائف! هناك بعض الأدباء (ولا داعي لذكر الأسماء تجنبا للحساسيات والحزازات!)، ربطت معهم علاقة صداقة لمدة عشر سنوات وأكثر، وفي النهاية اكتشفت أن بعضهم (وربما معظمهم!) لم يكن صديقا على الإطلاق!
* كيف ذلك؟
- إذا مازللت أدنى زلة، ووجد هو الفرصة، يمكن أن يطعن فيك ويدوس على الصداقة التي ربطت بينكما!!
* على سطيحة منزلك استقبلت الكثير من الكُتَّاب المغاربة والعرب والأجانب، هل تذكر لنا بعضهم؟
- في منزل آخر غير الذي أسكنه الآن، وهو قريب منه في نفس الحي، استقبلت الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي صحبة محمد العربي المساري وأحمد الطريبق، أما في منزلي الحالي فقد استقبلت محمد زفزاف، محمد برادة، محمد السرغيني، خناثة بنونة، محمد عز الدين التازي، الشاعر العراقي حميد سعيد، والكاتب التونسي حسونة المصباحي، وغيرهم·
بالنسبة للكُتَّاب الأجانب، بول بوولز قَبِل دعوتي لاستضافته وجاء إلى منزلي صحبة سائقه عبد الواحد، أما جان جنيه وتينسي وليامز فلم أستقبلهما في منزلي·
جنيه كانت له حياة خاصة، وليس من السهولة أن أستضيفه ويقبل، ليس استكبارا، ربما لنفسيته وخصوصياته، ووليامز لايمكن أن أستدعيه الى منزلي، لأنه متعود على السهرات الفاخرة·
بالنسبة لخوان غويتصولو، الكاتب الإسباني الكبير، أعرفه منذ عشرين عاما، ولا أريد أن أثقل عليه باستضافتي له، فله عزلته التي احترمها، ثم إن الراحة الموجودة في منزلي هي خاصة بي وبالبوهيميين أمثالي!
* في أحد حواراتك الصحفية، قلت إن منزلك مر بمراحل: المرحلة الأولى كان فيها المنزل مجرد فراش للنوم، المرحلة الثانية أصبح محطة لاستقبال الأصدقاء بمختلف أنواعهم· أما في المرحلة الثالثة فقد أصبح مكانا مقدسا لايدخله إلا المطهرون! هل هذا يعني أنك تخلصت من علاقة بعض الأدباء المشاكسين، المستفزين؟!
- استقبلت معظم الكُتَّاب المغاربة، الطيبين منهم والخبثاء، الجيدين والرديئين، في الكتابة والسلوك معا! وآويت الكثيرين لم يكونوا يجدون فرصة للإقامة في الفنادق، هناك من اعترف بجميل الضيافة والصداقة· وهناك من تنكر لهذه الضيافة بطريقة سيئة جدا!! (يتوتر، ويبدو عليه الغضب)·
الآن أنا أعيش عزلة سامية وخلاقة في بيتي، وهؤلاء الذين كانوا يترددون على منزلي ويثيرون صخبا ضجرت منه! لم أعد أستقبلهم إلا خارج المنزل، في المقاهيو المطاعم والحانات·
لقد تخلصت من علاقتي ببعض الأدباء المستفزين! ومنزلي أصبح مكانا للاستقرار، خاصة أنني الآن أعتبر أن ما أعيشه داخل منزلي يفوق ما أعيشه خارجه·
* أخيرا، هل يمكن الحديث عن طريق اختطه السي محمد شكري يسير عليه الكُتَّاب المغاربة الجدد؟
- أنا أعتبر نفسي كاتبا منفصلا وبعيدا عن مسيرة أغلبية الكُتَّاب المغاربة والعرب، ولا أحب أن يسير الكُتَّاب الجدد أو المبتدئين على نفس الطريق الذي سرت فيه أنا·
أنا لم أخرج من عباءة أي كاتب مغربي أو عربي على الإطلاق· أنا خرجت من عباءتي، ومن معطفي، ومن ثيابي الخاصة·
لم أقلد أحدا، ولا أريد أن يقلِّدني أحد·
10/28/2004