في روايته الجديدة الصادرة عن دار نوفل في بيروت يتابع محمود شقير سيرة بعض أبطال ثلاثيته الروائية " فرس العائلة " و "مديح لنساء العائلة " و" ظلال العائلة" متتبعاً حياة محمد الأصغر في شيخوخته ،مستحضراً بطلي الكولمبي ماركيز والياباني كاواباتا العجوزين في روايتيهما " الجميلات النائمات" للثاني، و" ذكريات عن عاهراتي الحزينات " للأول ليجعلهما شريكي محمد الأصغر في أحلام اليقظة وأحلام النوم ، على امتداد الرواية ، عبر فصول مكثفة قصيرة في معظمها ، محافظاً على إيقاع سريع للنص.
يمتزج الواقع بالأحلام في الرواية إلى حد يستحيل معه الفصل بينهما ، ليبدو محمد الأصغروكأنه نسخة ثالثة من بطلي ماركيز وكاواباتا ، رغم فرق الزمان والمكان وبعض الوقائع في الرواية. ففي نومه لأول مرة مع الفتاة سميرة بائعة الهوى يقلد عجوز كاواباتا بأن يستلقي إلى جانب الفتاة وهي نائمة بعري كامل ، بعد أن أعطاها حبة منوم ، ليتبين فيما بعد أن الحبة مغشوشة وأن الفتاة كانت تمثل النوم لترضي رغبات محمد الأصغر، التي لم تتجاوز تأمل جسد الفتاة الجميل وأخذ قبلة من ركبتها :
" فجأة استدار جسدها نحوي وارتفعت ساقها في فضاء الغرفة ثم حطت على صدري، ما مكنني من الاحتفاء بهذا الجمال الوارف ، بدءاً من أخمص القدم مروراً بربلة الساق وصابون الركبة الوضاء، وانتهاء ببياض الفخذ الممتد الوافرالرحيب. اكتفيت من ذلك كله بأن طبعت قبلة على الركبة ، قبلة هادئة خاشعة أشبه بصلاة في غبش الفجر، ثم شرعت في تحريك ساقها بيدي الإثنتين لأعيدها إلى موضعها "( ص38)
هكذا يقدم محمود الحنين إلى الجنس في الشيخوخة التي تحول في كثير من الأحيان دون ممارسته لعجز ما ، ليبدو أمراً شبه مقدس ،ولتغدو ممارسته أقرب إلى القدسية . ولم يخل المشهد من حضور عجوزي ماركيز وكاواباتا لاستكمال الواقع في الحلم .
يستحضر محمود امرأة أخرى في أحلام محمد الأصغر هي أسمهان ، الأرملة التي تجمع تبرعات مختلفة للمحتاجين من الفقراء ، غير أن هذا الحلم يتحول إلى واقع حين يعلم به جميحان شقيق أسمهان عبرها هي ، فيلجأ إلى ارغام محمد على الزواج منها . كان محمد يخاف سطوة جميحان لأنه رجل شرير وقاتل فوافق على الزواج دون جدال . ولم يكتف جميحان بذلك بل أرغم محمد على أن يسجل البيت وقطعة أرض يملكها باسمه ، وليطلق أسمهان منه بعد فترة زمنية محدودة بحجة العجز الزوجي ، ليصبح محمد مجرداً من كل شيء له علاقة بذكرياته وخاصة مع زوجته سناء ، التي رحلت متأثرة بمرض كوفيد 19، ليعيش محمد بعد ذلك في بيت قريبه رهوان.
لم تخل الرواية من حضور الاحتلال الذي يظهر بين فترة وأخرى في شكل دوريات في الشوارع أو مداهمة البيوت ومن ضمنها بيت محمد الأصغر.
حفلت الرواية بأكثر من عشرين شخصية بينها شخصية سيمون بوليفار مؤسس كولومبيا وأحد أبرز الشخصيات التي لعبت دوراً هاماً في تحرير أمريكا اللاتينية من الاحتلال الاسباني، حيث يستحضره محمود في أحلام محمد الأصغر:
"
" نهضت من مكاني واتجهت إلى تمثال سيمون بوليفار، اقتربت منه وقلت له بصراحة ووضوح
: " أدعوك إلى زيارة بلادي يا سيمون "
هز رأسه على نحو بالغ الصعوبة وقال :
" أنت ترى أنني مزروع في هذه الحديقة منذ سنوات ولا أستطيع الانتقال إلى أي مكان "
ثم بدا كما لو انه تفطن شيئاً وسألني بفضول" أي بلاد تقصد ؟" قلت " فلسطين " بدا على وجهه انفعال أكيد وقال : " أحب هذه البلاد وأحب شعبها الذي بذل الغالي والنفيس منذ أكثر من مائة عام من أجل حريته " وأضاف " أعلن تضامني مع شعبكم في غزة الذي يتعرض الآن لأبشع عدوان "
ثم ربت على كتفي وقال " فيكم الخير يا ولدي" وكررها " فيكم الخير "
يمثل حضور محمود شقير الكاتب في بعض جوانب شخصية محمد الأصغرككاتب وفي شخصية أخيه محمود الذي يسرق بعض كتاباته وينشرها باسمه ، ومحمود هذا ليس إلا محمود شقير نفسه مع ذكرعيد ميلاده الذي يتفق مع ميلاد محمود شقير :
" ثم انتبهت إلى حقيقة سارة " وهي أن أخي محمود لن يسطو على هذا الكتاب الذي أنا بصدده الآن ، ولن يدعيه لنفسه لأنه لا يقر بأنه دخل مرحلة الشيخوخة ، فهو يصغرني بخمسة أعوام " مواليد 15/3/ 1941"
وقد وصل إلى الثمانين وتعداها بعامين . وهذا عمر محمود شقير حين كتابة الرواية؟
ليس ما تطرقت إليه إلا القليل مما ورد في رواية مشوقة فريدة بعالمها وأجوائها ، وخاصة في محاكاة شخصيات روائية واستحضارها ..
محمود شاهين
****
يمتزج الواقع بالأحلام في الرواية إلى حد يستحيل معه الفصل بينهما ، ليبدو محمد الأصغروكأنه نسخة ثالثة من بطلي ماركيز وكاواباتا ، رغم فرق الزمان والمكان وبعض الوقائع في الرواية. ففي نومه لأول مرة مع الفتاة سميرة بائعة الهوى يقلد عجوز كاواباتا بأن يستلقي إلى جانب الفتاة وهي نائمة بعري كامل ، بعد أن أعطاها حبة منوم ، ليتبين فيما بعد أن الحبة مغشوشة وأن الفتاة كانت تمثل النوم لترضي رغبات محمد الأصغر، التي لم تتجاوز تأمل جسد الفتاة الجميل وأخذ قبلة من ركبتها :
" فجأة استدار جسدها نحوي وارتفعت ساقها في فضاء الغرفة ثم حطت على صدري، ما مكنني من الاحتفاء بهذا الجمال الوارف ، بدءاً من أخمص القدم مروراً بربلة الساق وصابون الركبة الوضاء، وانتهاء ببياض الفخذ الممتد الوافرالرحيب. اكتفيت من ذلك كله بأن طبعت قبلة على الركبة ، قبلة هادئة خاشعة أشبه بصلاة في غبش الفجر، ثم شرعت في تحريك ساقها بيدي الإثنتين لأعيدها إلى موضعها "( ص38)
هكذا يقدم محمود الحنين إلى الجنس في الشيخوخة التي تحول في كثير من الأحيان دون ممارسته لعجز ما ، ليبدو أمراً شبه مقدس ،ولتغدو ممارسته أقرب إلى القدسية . ولم يخل المشهد من حضور عجوزي ماركيز وكاواباتا لاستكمال الواقع في الحلم .
يستحضر محمود امرأة أخرى في أحلام محمد الأصغر هي أسمهان ، الأرملة التي تجمع تبرعات مختلفة للمحتاجين من الفقراء ، غير أن هذا الحلم يتحول إلى واقع حين يعلم به جميحان شقيق أسمهان عبرها هي ، فيلجأ إلى ارغام محمد على الزواج منها . كان محمد يخاف سطوة جميحان لأنه رجل شرير وقاتل فوافق على الزواج دون جدال . ولم يكتف جميحان بذلك بل أرغم محمد على أن يسجل البيت وقطعة أرض يملكها باسمه ، وليطلق أسمهان منه بعد فترة زمنية محدودة بحجة العجز الزوجي ، ليصبح محمد مجرداً من كل شيء له علاقة بذكرياته وخاصة مع زوجته سناء ، التي رحلت متأثرة بمرض كوفيد 19، ليعيش محمد بعد ذلك في بيت قريبه رهوان.
لم تخل الرواية من حضور الاحتلال الذي يظهر بين فترة وأخرى في شكل دوريات في الشوارع أو مداهمة البيوت ومن ضمنها بيت محمد الأصغر.
حفلت الرواية بأكثر من عشرين شخصية بينها شخصية سيمون بوليفار مؤسس كولومبيا وأحد أبرز الشخصيات التي لعبت دوراً هاماً في تحرير أمريكا اللاتينية من الاحتلال الاسباني، حيث يستحضره محمود في أحلام محمد الأصغر:
"
" نهضت من مكاني واتجهت إلى تمثال سيمون بوليفار، اقتربت منه وقلت له بصراحة ووضوح
: " أدعوك إلى زيارة بلادي يا سيمون "
هز رأسه على نحو بالغ الصعوبة وقال :
" أنت ترى أنني مزروع في هذه الحديقة منذ سنوات ولا أستطيع الانتقال إلى أي مكان "
ثم بدا كما لو انه تفطن شيئاً وسألني بفضول" أي بلاد تقصد ؟" قلت " فلسطين " بدا على وجهه انفعال أكيد وقال : " أحب هذه البلاد وأحب شعبها الذي بذل الغالي والنفيس منذ أكثر من مائة عام من أجل حريته " وأضاف " أعلن تضامني مع شعبكم في غزة الذي يتعرض الآن لأبشع عدوان "
ثم ربت على كتفي وقال " فيكم الخير يا ولدي" وكررها " فيكم الخير "
يمثل حضور محمود شقير الكاتب في بعض جوانب شخصية محمد الأصغرككاتب وفي شخصية أخيه محمود الذي يسرق بعض كتاباته وينشرها باسمه ، ومحمود هذا ليس إلا محمود شقير نفسه مع ذكرعيد ميلاده الذي يتفق مع ميلاد محمود شقير :
" ثم انتبهت إلى حقيقة سارة " وهي أن أخي محمود لن يسطو على هذا الكتاب الذي أنا بصدده الآن ، ولن يدعيه لنفسه لأنه لا يقر بأنه دخل مرحلة الشيخوخة ، فهو يصغرني بخمسة أعوام " مواليد 15/3/ 1941"
وقد وصل إلى الثمانين وتعداها بعامين . وهذا عمر محمود شقير حين كتابة الرواية؟
ليس ما تطرقت إليه إلا القليل مما ورد في رواية مشوقة فريدة بعالمها وأجوائها ، وخاصة في محاكاة شخصيات روائية واستحضارها ..
محمود شاهين
****