موت احمر وجثة رمادية!

كانت السماء القائمة فوق رؤوسهم متجهمة وحمراء وكانت البيوت من خلفهم محطمة، يلفها الخراب وكان الرجال الستة يظهرون للعيان من وراء الافق في ثياب بيضاء، يحملون علي اكتافهم جثة بيضاء... بيضاء بلون الموت.. لم يكن احد منهم في واقع الامر يعلم ماهو لون الموت علي وجه التحديد . اهو احمر ام اسود ام ابيض ام انه عديم اللون كالماء.
توقف الرجال عند ساحة المقابر.. تقدم احدهم واخذ المعول استعدادا للحفر وفي تلك الأثناء وعلي نحو مفاجئ إصابته قذيفة من مصدر مجهول فتردي صريعا..تراجع الرجال مذعورين للوراء وصاح أحدهم:
(لقد أبلغنا الصليب الاحمر والهلال الاحمر والسماء الحمراء اننا محض رجال تعساء نروم قبر جثة احد المدنيين.. اكرام الميت دفنه ، فلماذا يطلقون النار اذن ؟)
وهكذا اذن كان يتوجب علي الرجال الخمسة وبعد ان انحسرت اصوات الرصاص قليلا ان يشرعوا في اعداد قبر اخر .. كانت الجثة الاولي ترقد امامهم بكفن ابيض وتتمدد علي عنقريب متهتك الحبال وكانوا قد انفقوا وقتا ليس باليسير في الصلاة علي الجنازة وفي اعدادها للدفن بينما كانت الجثة الأخرى التي سقطت للتو ما تزال طازجة.. دمها يقطر ساخنا وكانت ترقد امامهم بلا كفن ولا حنوط ولا صلاة ! ..
رفع احد الرجال راسه صوب السماء، همهم بادعية خافتة واخذ المعول بيده ولم يكد يتقدم خطوة واحدة نحو مكان الحفر حتي اردته احدي الرصاصات قتيلا!!
كان طرفا القتال في واقع الامر يتوجسان شرا من اي جسد يتحرك في الفراغ و كان مطر الرصاص ينهمر من القناصة المنتشرين علي اسطح البنايات المحيطة بالمقابر بمجرد ان يستشعر القناصة اية حركة حتي لو انها صدرت عن احد الموتي.
بهذه الطريقة وعلي هذا النحو سقط الرجال الخمسة تحت نيران القناصة وبقي سادسهم وحيدا علي قيد الحياة.. كأن ارادة السماء قد انتخبته كي يصبح شاهدا علي بشاعة ما حدث وحتي يروي للاجيال كيف انهم كلما غرسوا في باطن الارض قتيلا، نهض موت آخر لا أحد يدري ماهو لونه: اهو ابيض ام احمر ام انه بلا لون علي الإطلاق.
مكث الناجي الوحيد يدير بصره في السماء بعد ان تحصن بضريح احد الصالحين وعندما حل الليل واحتدمت الظلمة طفق يتحسس صوته الضائع من هول الفزع ثم اخذ يناجي الله الذي لا يموت، قائلا:
(يا اله السموات. هب لي كفنا وقبرا وحياة خضراء بعد ممات احمر،فهانذا الان محض جثة رمادية بلا رفيق ولا قبر!! .)
بدت السماء اكثر احمرارا من ذي قبل حتي خيل اليه انها تقطر دما ولم يمضي وقت طويل حتي ارتفعت من جديد اصوات القصف والقنابل وبدا الموت يزحف نحو الكائنات من كل صوب وعندما انبلجت اولي خيوط الصباح استطاع ان يبصر عددا لا يحصي من الجثث و الاشلاء متناثرة علي ساحة المقابر علي مقربة من جثث رفاقه الخمسة وكان هناك غرابان ينبشان باطن الارض بحثا عن الديدان والحشرات ويتطلعان بين فينة واخري نحو سماء المدينة الملبدة بغيوم الموت الحمراء . !!

_______

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى