أ. د. عادل الأسطة - قراءات في روايات عربية / كاتبات (1--10)

1- الفلسطينيون في الرواية العربية :

ملخص
أتناول في هذه الورقة صورة الفلسطيني في الرواية العربية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين من خلال التركيز على روايتين هما " العاطل " للكاتب المصري ناصر عراق ، و "النبيذة " للكاتبة العراقية أنعام كجه جي ، وألقي نظرةعلى الروايات العربية التي التفت فيها إلى الفلسطيني ، وهذه الروايات هي موضع دراسة أشمل .
الالتفات إلى الموضوع الفلسطيني في الأدب العربي الحديث بدأت منذ بدأ الموضوع الفلسطيني يشغل العرب ، وقد التفت إليه في الأدب دارسون عرب وفلسطينيون منذ ستينيات وسبعينيات القرن العشرين ، فكتب فيه صبري حافظ وحسام الخطيب وآخرون .
أول رواية تناولت حياة الفلسطينيين بعد ١٩٤٨ كتبها اللبناني جورج حنا " لاجئة " 1 في بداية خمسينات القرن العشرين ، وعالبا ما يذكرها الدارسون حين يدرسون الأدب العربي في ظل الحرب ذكرا عابرا دون أن يتوقفوا أمامها ، فلم يأت عليها شمعون بلاص في دراسته إتيانا تفصيليا .
بعد هزيمة ١٩٦٧ قارب روائيون ، مثل السوريين حليم بركات في " عودة الطائر إلى البحر " 2 ، وأديب نحوي في " عرس فلسطيني " 3 الموضوع الفلسطيني ، وقد حفلت هاتان الروايتان بتلق نقدي بارز وأعيدت طباعة رواية نحوي في فلسطين ، ربما لدال العنوان ، وربما للصورة الإيجابية للفلسطيني فيها ، ويبدو أن الموضوع هو ما لفت نظر الدارسين في الروايتين .
استحوذ الموضوع على اهتمام الروائيين وطغى أكثر من التفاتهم إلى الشخصية اليهودية ، فقد ظل الكتاب العرب على مسافة من الكتابة عن اليهود لأسباب ؛ ربما سياسية بالدرجة الأولى ، وربما لأن صلتهم باليهود كانت ضعيفة بعد أن ترك يهود البلدان العربية بلادهم مهاجرين أو مهجرين منها .4
ويمكن القول إنه قبل جهود غسان كنفاني في كتابه " في الأدب الصهيوني "5 ، و كتابته عن اليهود في روايته " عائد إلى حيفا "6 ، ومعين بسيسو في دراسته " في الأدب الإسرائيلي " 7 و في مسرحيته " شمشون ودليلة "8 وبعض قصائده ، نادرا ما قارب الروائيون العرب الشخصية اليهودية ، ولكنهم بدأوا يكتبون عن الفلسطينيين ، ما لفت أنظار الدكتور الإسرائيلي شمعون بلاص ذي الأصول العربية العراقية ، فدرسهم في رسالة الدكتوراه التي أنجزها في فرنسا ونقلها إلى العربية القاص زكي درويش " الأدب العربي في ظل الحرب ١٩٤٨ - ١٩٧٣ "9 ، فالتفت إلى صورة اليهود ، وأفرد جزءا لصورة الفدائي الذي عده أديب نحوي بطلا أسطوريا ، فكتب بلاص تحت عنوان " الفدائي كبطل أسطوري " 10.
حتى ١٩٩٣ نادرا ما كتب الروائيون العرب كتابة إيجابية عن اليهود ، وظلوا ينظرون إليهم غالبا على أنهم أعداء .
بعد العام ٢٠٠٠ اختلف الأمر .
كان الروائيون يكتبون عن الفلسطينيين ويصورونهم على أنهم ضحايا ، ولهذا تعاطفوا مع اللاجيء وأعجبوا بالفدائي . تلخص هذا الإعجاب عبارة قالها الزعيم المصري جمال عبد الناصر الذي رأى في المقاومة الفلسطينية أنبل ظاهرة عربية في القرن العشرين . وما كثرة دراسات الدارسين العرب للأدب الفلسطيني وإعادة دور النشر العربية طباعته ، سوى تعبير واضح عن مقدار حب الجماهير العربية ومثقفيها وكتابها وأدبائها للفلسطيني .
يستطيع المرء أن يوازن بين الاهتمام بالأدبين الفلسطيني والإسرائيلي ، قبل العام ٢٠٠٠ وبعده ، ليرى الفارق .
بعد ٢٠٠٠ كثرت الكتابة عن اليهود وطغى عليها ضرب من التصالح ، فلم يعد اليهود ينعتون بالصهيونيين الغاصبين . لقد نظر إليهم على أنهم ضحايا وبشر يمكن التفاهم معهم وتفهم معاناتهم . صار اليهود يتسيدون عناوين الروايات ، وارتفعت الأصوات التي تدعو إلى ترجمة أدبهم وأقبلت دور النشر على طباعته . بل وأخذ بعض الروائيين يكتب عن اليهود وعلاقتهم بالمسلمين في الفترات التي ساد فيها الوئام ، للقول إننا لسنا ضد اليهود وإن التعايش معهم ممكن ، فقد تحقق من قبل .11
مقابل تسيد دال اليهودي ، لم نقرأ عناوين روايات عربية يظهر فيها دال الفلسطيني . لقد حفلت روايات فلسطينيين بمفردات " فلسطيني " في العنوان ، مثل " الفلسطيني الطيب "12 ( ق 20 ) لعلي فودة و" لعنة الفلسطيني " 13( 2016 ) لمحمد عبدالله القواسمة . هنا أشير ثانية إلى رواية أديب نحوي "عرس فلسطيني " فقد كانت استثناء 14 .
لا يعني ما سبق أن الروائيين العرب لم يحتفلوا بالفلسطيني ولم يبرزوا له صورة إيجابية . على العكس فإن هناك روايات كان حضوره فيها لافتا ، وبدت صورته إيجابية ، وهو ما يظهر في روايات السوري حيدر حيدر 15 الذي كتب عن خلية فدائية أبعدت إلى الأردن بعد أن اعترف عليهم فلسطيني ، و السوري حليم بركات في " عودة الطائر إلى البحر "16 ، واللبناني الياس خوري في رواياته " باب الشمس " و" سينالكول " و " أولاد الغيتو : اسمي آدم " و " أولاد الغيتو : نجمة البحر "17 و المصرية رضوى عاشور " الطنطورية " 18 والعراقية انعام كجه جي " النبيذة " 19 و السوري ممدوح عدوان " أعدائي " 20 و السورية جنى فواز الحسن " طابق ٩٩ " 21 والجزائرية أحلام مستغانمي " ذاكرة الجسد " و " عابر سرير " 22 والجزائري واسيني الأعرج " سوناتا لأشباح القدس "23 - وربما هنا نذكر روايته " مي ، ليالي ايزيس كوبيا " - و الأردني أمجد ناصر في روايته " حيث لا تسقط الأمطار " 24، وإن اختلفت صورته لدى آخرين .
أصدر محمد القواسمة، وهو يقيم في الأردن ، روايته التي
تجري أحداثها في قرية " عروبة " قرب مدينة " الرجيع " ، وكلا الاسمين افتراضي ، وصورت معاناة الفلسطيني في العالم العربي في زمن الربيع العربي . ولما كان الفلسطيني دكتورا ونشيطا اجتماعيا وسياسيا ، فإنه يفصل من عمله ثم يختطف ويقتل .
تظهر الرواية موقفين متناقضين في " عروبة " من الفلسطيني .
يقيم الفلسطيني علاقة مع شابة ويخطبها ، وحين تعلم صديقتها أنها ارتبطت بفلسطيني تبدي دهشتها ، معبرة عن موقف سلبي من شعبه ، وهذا لا يروق للفتاة . إنها معجبة بخطيبها كونه لا يتنكر لفلسطينيته ، وتقول لصديقتها إنه لو تنكر لأصله لما احترمته ، وأنه إنما كبر في عينها لاعتزازه بفلسطينيته .
يختطف النظام الحاكم في " الرجيع " الدكتور أنس الفلسطيني حين يكون مع خطيبته التي لا تمس بسوء ، ويقتله .
ولهذا فإن " عروبة " لا تنجو .
تنتهي الرواية بطوفان يغرق القرية فلا يبقى منها أثر عقابا لأهلها ، فقد ظلموا الفلسطيني وعائلته على الرغم من إسهامه في تطور المكان . الطوفان في الرواية يذكرنا بطوفان نوح .
حين يمر جواد بالقرية لا يرى من بقاياها إلا لافتة مكتوب عليها " عروبة ترحب بكم " وحين ينتزعها من مكانها ، بمساعدة الشباب ، وينصبها على مرتفع يتناول أحد الشباب قلما " غليظا " ويكتب مكان عبارة " عروبة ترحب بكم " عبارة " لعنة الفلسطيني " .
وإذا ما تأملنا في الروايات التي صدرت في ق 21 فإننا لا نعثر على صورة مشرقة دائما للفلسطيني ، كما لدى الروائية العراقية أنعام كجه جي في روايتها " النبيذة " ، والأكثر أننا نعثر على صورته كما تتجسد في واقعه ، وهي صورة لا تسر صديقا ولا تغيظ عدوا .
يكتب ممدوح عدوان عن الواقع العربي في الحرب العالمية الأولى وينهزم الفلسطيني عارف النابلسي فيم ينتصر غريمه الصهيوني . يلام الأول على إخلاصه ويطلق سراح الثاني مع تآمره . وتصور رضوى عاشور مجازر " الطنطورة " في 1948 وما يعقبها من مجازر في لبنان ، ويفعل الياس خوري الشيء ذاته فيكتب عن ابن النكبة اللقيط الذي ينتهي به المطاف في نيويورك ، كما ينتهي مشوار شخصية رواية جنى الحسن " طابق 99 " أيضا هناك بعد أن نجا من مجزرة صبرا وشاتيلا في 1982.
في الأعمال السابقة نقرأ عن مآل الفدائي وما صار إليه الشعب الفلسطيني ، وهو مآل كئيب وحزين يستحق الرثاء ، وتبلغ ذروة بؤس هذا الواقع في رواية فواز حداد " المترجم الخائن "25 .
لم أتابع الروايات كلها التي صدرت في الخليج وأتى أصحابها على الفلسطيني متابعة حثيثة . لقد قرأت لزينب حفني السعودية " سيقان ملتوية " 26 وفيها أبرزت صورة مشرقة للفلسطيني زياد ، وقرأت لليلى العثمان التي أبرزت للفلسطيني الصورة المشرقة نفسها 27 ، وقرأت مراجعات عن روايات لاسماعيل فهد تبرز أيضا الصورة ذاتها ، إلا أنني أعتقد أن هناك روائيين آخرين قاربوا الصورة .
من الروايات التي أبرزت صورة سلبية لنا في ق 21 رواية المصري ناصر عراق " العاطل " 28 وتجري أحداثها في بلد خليجي . الفلسطيني فيها انتهازي ولا يطاق .
قبل " العاطل " صدرت رواية فواز حداد الروائي السوري وتبدو صورة الفلسطيني فيها مأساوية جدا ، وهو أصلا ما يلخصه عنوان فرعي من عناوين الرواية ، وهذا ما سوف أتوسع به .
وتبقى الأسئلة الآتية مهمة في دراسة موضوع مثل هذا :
- من هو السارد في الروايات السابقة ؟
- وما هي صلته بالمؤلف ؟
- وما صلة المؤلف بالفلسطينيين ؟
- وعن أية فترة زمنية يكتب الروائي وما الصورة التي كان عليها الفلسطينيون فيها ؟
ونظرا لكثرة الروايات ، وقد توقفت أمام صورة الفلسطيني فيها ، وإن بإيجاز ، فإنني سوف أتوقف في هذه الورقة أمام روايتين هما " العاطل " 2011 و " النبيذة " ، ولسوف أركز على ما تقوله الروايتان ، علما بأن ما هو مجد أكثر هو التوقف أمام الأسئلة المثارة سابقا ، ولعلني أفعل هذا في فترة لاحقة .
1 - صورة الفلسطيني في رواية الكاتب المصري ناصر عراق " العاطل " :
ناصر عراق روائي مصري درس الأدب في جامعات القاهرة ثم ترك مصر واستقر في أثناء صدور الرواية في دبي وعمل في صحافتها .
صدرت روايته " العاطل " في العام ٢٠١١ ، وهي تروي بضمير المتكلم قصة مواطن مصري هو محمد الزبال الذي يقر بأنه مأزوم نفسيا وجنسيا واجتماعيا ومحبط ومهان وشبه فاشل ويعاني من عقدة كراهية الأب ، فقد كان الأب الجندي المتقاعد قاسيا جدا في تربية أبنائه ويتصرف معهم باستبداد واضح ، ولا يتوانى عن ضربهم وشتمهم وتحقيرهم ، وهذا ولد لديهم كراهية عميقة نحوه لدرجة أن أبناءه ، ومنهم محمد السارد والشخصية الرئيسة ، تمنوا موته ، وحين مات لم يحزنوا بل شعروا بالرضا .
يسافر محمد إلى الخليج ليعمل هناك مع أخيه حسن الذي ساعده في الحصول على الوظيفة ، وفي الشركة التي يكون مديره فيها موسى الوحش الفلسطيني القادم من غزة يظل محمد يسرح ولا يركز ما يدفع الفلسطيني في نهاية الأمر إلى فصله من عمله .
محمد الزبال ، هذا الذي هو في الثلاثين من العمر ، يقيم علاقات عديدة مع غير امرأة ويفشل في علاقاته الحميمة معهن كما يفشل مع زوجته ، على الرغم من أنه ليس عاجزا جنسيا ، فهو يمارس العادة السرية ، وعضوه الذكري في أقوى حالاته .
لا نصغي في الرواية إلى الفلسطيني لكي نعرف وجهة نظره ، فالرواية كما ذكرت مصوغة بضمير المتكلم ، وهكذا نعرف تصور أنا المتكلم محمد الزبال للآخرين ، وما ينطق به الآخرون قليل ، بل إنه كلام معاد نقله من أنا المتكلم .
في الرواية يتعرف محمد الزبال إلى فلسطينيين اثنين هما مديره في الشركة موسى الوحش والموظف نائل أبو شمالة ، وكلاهما نشأ في غزة ودرس في القاهرة وسافر إلى دبي . وتبدو صورة هذين سلبية في المطلق ، لا من وجهة نظر محمد فقط ، بل من وجهة نظر ابن خالته منصور وهو مصري يساري ومثقف ، ومن هند المغربية الموظفة في الشركة وهي تحذره من الفلسطينيين .
ببساطة يبدو الفلسطينيون متعصبين لأبناء جلدتهم ويكرهون الآخرين ومتعالين ، ومع ذلك فإن المرء يستطيع أن يستخرج من هذه الصورة السلبية للفلسطيني صورة إيجابية لم يظهرها محمد ولم يرد إظهارها أصلا ، ولكن المرء يستشفها ، فمن الصورة السلبية يمكن استخراج صورة إيجابية .
إن ما رآه محمد كريها في الفلسطيني يراه القاريء إيجابيا ، فموسى مدير محمد جاد ومسؤول ويحاسب المقصرين ومحمد منهم . إنه لا يتسامح مع غير الملتزمين الكذابين ، ومحمد يقر بأنه بارع في الكذب . ثم إن أحد أسباب فصله من عمله ، عدا تركيزه على النساء ومؤخراتهن ، أنه لا يجيد الانجليزية ، والعمل في الشركة يتطلب إتقان هذه اللغة .
علاقة موسى الوحش الفلسطيني سيئة مع الموظفين كلهم باستثناء الفلسطينيين وهو مرتش ، وأما نائل أبو شمالة فابتسامته صفراء ، وهو يلاحق هند المغربية ولكنها ترفضه وتميل إلى محمد .
يخصص ناصر عراق عنوانا فرعيا لموسى الوحش هو العنوان الذي يدرج تحت الرقم 15 ولكنه لا يتركه يعبر عن وجهة نظره . إن راويه وبطله هو من يروي عن موسى :
" فالرجل يتسم بخصال انتقامية تغذيها دوما رغبة متأججة في السخربة من الآخرين وتسفيههم " و " لا أعرف من أين جاء بهذه النفس الشريرة ؟ " و " لكن من أين تمتليء نفسه بكل هذا السواد ؟" .
في المكان نفسه يتحدث محمد عن زوجة الفلسطيني ويورد ما سمعه من صديق له :
" يقول أمجد إنه رآه مرة مصطحبا زوجته وابنه في مول " بورجمان " ، وإن زوجته آية في الجمال ، وأطول منه ، وتصبغ شعرها بلون ذهبي ، وإنها تعمل في العلاقات العامة بإحدى الشركات ، كما سمع من أحدهم ! " ويمكن أن تقرأ الفقرة السابقة غير قراءة ، فهل كان موسى يعاني من عقدة ما في علاقته بزوجته ، وكان هذا وراء سوء علاقته بالآخرين أم أن ما أوردته عن انضباطه وجديته هو الأصح ؟
وأما نائل أبو شمالة فيبدو ناقل أخبار - أي مفسدا وجاسوسا للإدارة حيث يشي بالآخرين ومنهم محمد ويعرف محمد هذا من صديقته المغربية هند .
طبعا لا يستطيع الدارس أن يقول إن ناصر عراق له تصور سلبي للفلسطيني ، فالتصور صادر عن محمد ، والأقرب إلى ناصر هو منصور المصري المثقف اليساري الذي سيكون له دور في إعادة صياغة الرواية التي يكتبها محمد عن تجربته .
والطريف أن منصور يرى أن الفلسطينيين متعصبون لبعضهم .
ربما ما يجدر ملاحظته في أثناء متابعة تصور محمد للفلسطيني هو نظرته إلى المصريين أنفسهم .
ليس ثمة صورة إيجابية بالمطلق للمصري ، فهناك مصريون تبدو صورتهم منفرة وأولهم والد الراوي ، وهناك وصف منفر لأحد المصريين " له رائحة نتنة ينفق أمواله على الروسيات العاهرات " وهو يصلي ويزني ، تماما كما أن ابن خالة محمد - أعني منصور - ماركسي ويقرأ القرآن .
هند المغربية التي يعجب بها محمد تنظر إلى الفلسطينيين على أنهم اوباش ، وهي تقف إلى جانب محمد ، والطريف أن هندا هذه ترحل من دبي لاضطلاعها بتهريب المخدرات .
وحين نقرأ رأي محمد في شخصيته هو فلن نفاجأ من نظرته للفلسطيني . في الصفحات الأخيرة من الرواية يخبرنا محمد أنه سيكتب قصة حياته ويقر بأنه ليس موهوبا ليكتب ، ولكنه سيكتب وسيعطي ما يكتبه لابن خالته منصور :
" هل أنا متحمس لأن أريح همومي من صدري ؟ هل أنا فعلا راغب في تخطي ازماتي النفسية والجنسية التي لازمتني طويلا ؟ نعم .. فضلك يا عزة لا ينكر وحضورك البهي في فؤادي نعمة احمد أحمد الله علينا وأشكرك .
2- أنعام كجه جي " النبيذة " :
تعد أنعام كجه جي صوتا روائيا معروفا فقد أصدرت أربع روايات وصلت ثلاث منهن إلى القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية العالمية ( بوكر ) ، وهي تقارب الموضوع العراقي في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين .
في روايتها " النبيذة " 2018 تروي عن صحفية عراقية تمنحها في الرواية اسم تاجي عبد المجيد وتأتي على حياتها منذ ولدت لأم عراقية وأب فارسي من أسرة عريقة ، وحياتها في ظل زوج أمها العراقي ، وعملها صحفية في العراق ، ثم إصدارها مجلة " الرحاب " ، ومعرفتها بكبار رجال أربعينيات وخمسينيات العراق ومقابلتهم ، ومقابلة أبرز الحكام العرب في تينك العقدين ومنهم الحبيب بورقيبة قبل صيرورته رئيسا ، ثم غضب القصر عليها لمشاركتها في مظاهرة جماهيرية ضد معاهدة وقعها القصر مع الانجليز ، إذ رأى الزعيم الذي تبناها أنها عضت اليد التي ساعدتها وبصقت في الصحن الذي أكلت منه .
تسافر تاجي إلى كراتشي لتعمل هناك في الإذاعة العربية ، وهناك تلتقي بالفلسطيني منصور البادي .
منصور البادي فلسطيني مقدسي ولد في العام ١٩٢٩ في البقعة الفوقا في القدس الجديدة ، وأكمل دراسته الجامعية في لندن ، ولما عاد وحدثت النكبة هاجر أهله إلى بيروت ، وذهب هو إلى بغداد لفترة قصيرة ، ثم استقر في كراتشي لمدة عام ونصف يقرأ الأخبار بالعربية في الإذاعة الجديدة بصوت ذي نغمة لافتة ، وفي الإذاعة يلتقي بتاجي عبد المجيد ويتعارفان ويعجبان ببعضهما ، ولكنهما بعد عام ونصف يطردان من الإذاعة ويفترقان ، والسبب يكمن في غيرة رئيس الإذاعة من العلاقة بين منصور وتاجي ، ما دفعه إلى تأليب المسؤولين عليهما بحجة الخلاعة ، وهكذا تم طردهما " وبحسب العقلية الشرقية ، أصبح من الوارد أن يظن البعض أن بيني وبين الآنسة تاجي تفاهما خفيا وعلاقة نتستر عليها . ما دخل هذا الفلسطيني لكي ينصب نفسه محاميا لها " .
في " النبيذة " لا نصغي إلى سارد واحد يروي ، إذ يتعدد الرواة : تاجي عبد المجيد ومنصور البادي ووديان الملاح ، وهكذا تترك أنعام كجه جي الشخصية الفلسطينية تعبر عن نفسها وتقص عن حياتها ، ولا يحتكر السرد سارد آخر غير هؤلاء . إن الثلاثة هم الساردون الأساسيون ويسرد منصور الفلسطيني صفحات لا بأس بها .
من مذيع في إذاعة كراتشي إلى أستاذ جامعي ناجح ومؤلف كتب وكاتب أبحاث إلى صديق للرئيس ( هوغو شافيز ) الذي يعجب بكتابات منصور لدرجة أنه لا يقرأ " كتاب البروفيسور الفلسطيني فحسب ، بل حفظ عباراته عن ظهر قلب أيضا " ، ثم يغدو منصور الناطق الرسمي لوفد الرئاسة الفنزويلية في باريس وعضوا في الخارجية إلى سفير لفنزويلا في تركيا . هذا هو الفلسطيني في رواية أنعام كجه جي هذه .
حين تعرفت تاجي إلى منصور كان شابا أصغر منها بسبع سنوات ، وهي التي أسرت لب الرجال وجعلتهم يخضعون لها " حافظت عليه بمنأى من لهيبي " خلافا لهم " فكلهم كانوا مجانين تاجي " وكلهم تعني السياسيين وكبار رجال المجتمع والقادة والقوادين وضباط المخابرات الفرنسيين الذين طلبوا من ضابط فرنسي أن يتزوجها لتوظيفها في خدمة المخابرات الفرنسية ، وهذا ما تم ولهذا استقرت في باريس . ويظل هذا الفلسطيني الذي تعرفت إليه لمدة عام ونصف خالدا حيا في ذاكرتها ، وحين يزور باريس بعد بضع عقود بصحبة الرئيس الفنزويلي( شافيز ) وتلتقي به وديان المالح وتخبر تاجي التي تقيم معها ، حيث استضافتها في شقتها الباريسية ، عن فلسطيني في الوفد هو منصور البادي . تدهش وديان لأن تاجي مازالت تذكر اسم الفلسطيني :
" - هل تذكرين اسمه؟
- منصور البادي . أنسى اسمه ولا أنساه " .
ويفكر منصور بعد مغادرة كراتشي بمواصلة علاقته بتاجي ويطل يراسلها مدة عام ونصف ، وحين يعرف أنها ، بعد مغادرتها كراتشي ، أقامت علاقة جنسية في عبدان ، مع إيراني من أسرة تنتمي إلى السلالات الحاكمة التي خسرت الحكم ، وأنها أنجبت طفلة ثمرة تلك العلاقة العابرة ، ينقطع عن مراسلتها .
يؤلف منصور كتابا عن ( سيمون بوليفار ) وكتبا أخرى ، تروق ل ( شافيز ) وهو في السجن ، وحين يغدو رئيسا يقربه منه .
يلخص منصور البادي حياته التي عاشها في بضع كلمات :
" في ثلاث كلمات يمكن وصف حياتي بأنها تاريخ مضغوط في مذكرات . كراسات صغيرة أكتب فيها مواجيز حياتي "
و
" دفاتر مذكراتي هي كنزي المتراكم "
تزوج منصور من أرجنتينية وخلف منها ابنتين ثم انفصلا ، وتزوج من فنزويلية.
هذا الفلسطيني الأب اللبناني الأم الفنزويلي الجنسية لم يفارقه إحساسه الكامل بانتمائه وأصله ، فقد ظل حتى حزيران ١٩٦٧ عروبيا لدرجة أنه تساءل إن كان مجنونا من مجانين العروبة ؟!
" توهمت أننا سنستعيد الأرض وستعود نعيمة ديوانحي ، أمي ، إلى بيتها في فلسطين ، توهمت وما نسيت " .
بعد شعوره بالخيبة يندمج في المجتمع الفنزويلي ويغدو انسانا ناجحا ، وبعد تجاربه يكتب مذكراته بالانجليزية لا بالعربية " حتى تقرأ الأجيال التي ولدت في المنافي ولا تعرف العربية " تاريخها .
يبدو الفلسطيني منصور عزيز النفس إذ يرفض زيارة القدس ، وهو سفير ، في تركيا ، حتى لا يختم جواوه بختم دولة إسرائيل .
إن منصور البادي في الرواية يذكرنا بفلسطينيي جبرا ابراهيم جبرا الفلسطيني في رواياته العديدة ، وفلسطيني جبرا في رواياته كان على صورة جبرا نفسه : الفلسطيني المثقف اللامع المعشوق من النساء الذي يظل يحلم بالعودة إلى فلسطين والقدس مهما طال الزمن ، فهل خرج منصور البادي في رواية أنعام كجه جي من معطف روايات جبرا أم أننا يمكن أن نعثر في الواقع على شبيه به ؟
في مراسلاتي مع الكاتبة أوضحت لي أنها استمدت شخصية منصور من شخصية فلسطينية حقيقية ما زالت على قيد الحياة وما زالت تقيم في ( كراكاس ) .
إن البحث عن واقعية شخصية منصور قد يعيدنا أيضا إلى شخصية تاجي عبد المجيد وإلى تاريخ الصحافة في العراق وإلى مجلة " الرحاب " والبحث عن صاحبتها ومدى توافقها مع الشخصية الروائية ، وليس غريبا أن يخمن بعض القراء شخصية تاجي في الواقع . حقا إن التطابق قد لا يكون كاملا وأن يد الروائية ومخيلتها لهما دور كبير في رسم ملامح الشخصية الروائية ، ولكن ما لا يستطيع المرء تجاهله هو الأصول الواقعية لكل من منصور البادي وتاجي عبد المجيد ، والرواية عموما لا تخلو من ذكر رموز سياسية عراقية بأسمائها الحقيقية ، وإن جنحت في قسم منها إلى التلميح لا إلى التصريح حين كتبت عن حقبة حكم صدام حسين .

الهوامش :
1 - صدرت رواية "لاجئة " في العام 1952 وغالبا ما أشير إليها ، ونادرا ما درست دراسة مفصلة ، وهي مذكرات مصوغة بقالب روائي كما كتب في التعريف بها .
2 - حول رواية حليم بركات وبطلها الفلسطيني الأستاذ الجامعي المحبط أنظر جميل كتاني " دراسات وأبحاث في الرواية العربية المعاصرة " ، 2014 دار الهدى ، ص 120 - 147 وفيها اتكأ على الدراسات السابقة للرواية وتوقف أمام شخصية الفلسطيني .
3 - حول رواية " عرس فلسطيني " انظر شمعون بلاص " الأدب العربي في ظل الحرب 1948 - 1973 " ترجمة زكي درويش ، حيفا 1984 . ص61 وما بعدها.
4 - مجلة " الجديد " لندن عدد 60 كانون الأول ، وانظر بلاص ، ص 93 وما بعدها ، وعادل الأسطة "جدل الذات والآخر : لليهود في الرواية " رام الله ،2012 .
5 - يعد كتاب كنفاني كتابا رائدا في مجاله ، وهو كتاب تأسيسي اعتمد عليه الدارسون اللاحقون ، وقد صدر في العام 1966 .
6 - " عائد إلى حيفا " 1969 وحول صورة اليهود فيها هناك دراسات ومقالات أكثر من أن تعد . على سبيل المثال انظر الأسطة "جدل الذات والآخر : صورة اليهود في " عائد إلى حيفا " على ضوء صورتهم في رواية ( هرتسل ) "، أرض قديمة - جديدة " .
7 - نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة ، دار الفارابي ، بيروت (ط 2/2014 وصدرت الطبعة الأولى في 1970 ).
8 - حول اليهود في المسرحية كتب بلاص في كتابه ( ص 76 ) وعادل الاسطة في كتابه " اليهود في الأدب الفلسطيني " القدس 1992 ( ص 120 - 125 )
9 - صدر كتاب بلاص بالعربية ، من ترجمة زكي درويش ، عن دار المشرق في 1984 ، وهو في الأصل رسالة دكتوراه بالفرنسية ونقل إلى العبرية وعن الأخيرة نقل إلى العربية.
10 - انظر : بلاص نحوي ص 61 وما بعدها .
11 - مثلا روايات أفنان القاسم في الأدب الفلسطيني وروايتي واسيني الأعرج " البيت الأندلسي " و " سوناتا لأشباح القدس " وقد تتبعت صورة اليهودي فيهما في زاويتي في جريدة الأيام الفلسطينية.
12 - صدرت رواية " الفلسطيني الطيب " في بيروت عن دار ابن خلدون في العام 1979 ، ولم تتم لها مراجعات نقدية لافتة فيما أعرف ، وهي أشبه بسيرة روائية لكاتبها .
13 - لعنة الفلسطيني ، وقد صدرت في عمان في 2015 .
14 - احتفل الفلسطينيون بهذه الرواية ، فأعادوا طباعتها في الأرض المحتلة حال صدورها . وحول الرواية انظر شمعون بلاص ص 61 وما بعدها .
15 - حيدر حيدر ، وذكر في روايته أسماء حقيقية لخلية فدائية فلسطينية أبعدت إلى الأردن ، وكان فلسطيني متعاون اعترف على الخلية الفدائية .
16 - حليم بركات " عودة الطائر إلى البحر " انظر هامش 2 .
17 - أنجزت عن روايات الياس خوري وصورة اليهود فيها العديد من الدراسات ، وحتى اللحظة لم تكتب دراسة مفصلة فيها عن صورة الفلسطيني . انظر كتابي " اليهود في الرواية العربية " وكتابي " أسئلة الرواية العربية " الصادر عن دار الآداب في بيروت 2018 .
18 - الطنطورية لرضوى عاشور ، وقد صدرت في 2011 عن دار الشروق المصرية في القاهرة .
19 - صدرت النبيذة في بيروت في العام 2018 عن دار الجديد .
20 - صدرت رواية ممدوح عدوان في العام 2000 في بيروت عن منشورات رياض الريس ، وحول صورة اليهود فيها ومرايا الذات والآخر أنظر كتابي " اليهود في الرواية العربية " .
21 - جنى فواز الحسن " طابق 99 " وقد صدرت في العام 2014 في بيروت عن منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف .
22 - ثلاثية أحلام مستغانمي حازت على شهرة واسعة وأنجزت عنها كتب ورسائل علمية ، وتلفت شخصية زياد الخليل الفلسطيني فيها النظر .
23 - صدرت الطبعة الأولى لرواية واسيني الأعرج " سوناتا لأشباح القدس " عن دار الآداب في بيروت في العام 2009 .
24 - رواية أمجد ناصر " حيث لا تسقط الأمطار " وقد صدرت في بيروت
25 - صدرت رواية فواز حداد " المترجم الخائن " عن منشورات رياض الريس في بيروت في العام 2008 وحول صورة الفلسطيني فيها أنظر مقالتي في جريدة الايام الفلسطينية بتاريخ 12 / 1/ 2020 وقد توسعت فيه على صفحتي في الفيسبوك .
26 - صدرت الطبعة الأولى من " سيقان ملتوية " في العام 2008 في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر . وصورة الفلسطيني فيها موضع دراسة في مقال قد ينشر في جريدة الأيام الفلسطينية 19 / 1 / 2020 .
27 - صدرت رواية ناصر عراق " العاطل " في القاهرة في العام 2011 عن الدار المصرية اللبنانية .حول الرواية انظر مقالي في جريدة الأيام الفلسطينية 26 / 2 / 2012 .
28 - انظر هامش 19 . وانظر مقالي في جريدة الأيام الفلسطينية 17 / 11 /2019 .
الجمعة والسبت ٢٧ و ٢٨ كانون الأول ٢٠١٩

***

2- إنعام كجه جي " النبيذة " العنوان ، والفلسطيني النوراني اللامع

أول ما يلفت النظر في رواية إنعام كجه جي الصادرة في ٢٠١٧ - عدا لوحة الغلاف التي هي صورة مفترضة للنبيذة نفسها - هو العنوان " النبيذة " الذي تمحورت الرواية كلها حوله وتعلقت به وشكل تساؤلا تطلب إجابة ؟
يرد ذكر هذا الدال تارة ذكرا عابرا وطورا ذكرا فيه توضيح معناه في صفحات عديدة هي ١٨٠ / ٢٤٩ / ٢٥٨ / ٣٠٢ / ٣٠٨ .
وحين يؤتى على ذكر إحدى للشخصيات الرئيسة في الرواية وهي تاجي عبد المجيد التي تعددت أسماؤها /تاج الملوك / مارتين شامبيون / السيدة شامبيون نقرأ أنها " ظلت العصية والنبيذة وعلامة الاستفهام . لم تجد مستقرا في أي بلد". وحين يبحث منصور في معنى النبيذة يجده ويكتب الآتي :
" أمسك القلم وأتردد . "نبيذ " وأتأمل المفردة .أضيف إليها تاء التأنيث "نبيذة " .أخطف معطفي وأذهب إلى بيت جارنا الخوري.خطواتي تنطبع في الثلج، أطلب معجما وأجلس قرب نار الموقد. أحب هذه المقاعد الواطئة من الخيزران والأرجل الخشب ، بلا ظهر ولا مسندين. أبحث عن الفعل الثلاثي: "نبذ الشيءنبذا ، وأنبذه وانتبذه، طرحه أمامه أو وراءه، فهو منبوذ ونبيذ، والنبيذ: غليان العصير . والعامة تخص النبيذ بالخمر وليس بصحيح، وانتبذ: جلس ناحية. والمنبذة الوسادة والأنباذ الأوباش " .أغلق معجم "أحكام الإعراب في لغة الأعراب ".
وحين تستقر تاجي في باريس مع طفلتها التي أنجبتها في لحظة حب عابرة مع أمير إيراني
" تؤمن بأن المسيحي الحق هو من يفتح بيته للمنبوذين " .
وحين تتم المقارنة بين تاجي ووديان الملاح نعرف أن " جنازة وطنية رمت بالأولى خارج الحدود وحفلة تنكرية طردت الثانية من جنة السماع. لا أدري من منا النبيذة . ولا من القادرة على تحدي زمنها " .
أقامت وديان مع تاجي في باريس في الشقة التي ورثتها الأخيرة من زوجها الضابط الفرنسي وكانت " تعرف أنها لن تتخلى عن العجوز، أمها في الغربة. والدتها التي لم تلدها. لم تكن جاحدة ولا انضمت إلى قائمة النابذين".
وإذا ما ربطنا بين قصة تاجي في حملها غير الشرعي وخروجها من إيران والعراق واستقرارها في باريس مع طفلتها الأشبه باللقيطة ، بما ورد عن مريم في القرآن الكريم ( فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ) و ( فنفخنا فيه من روحنا بغلام فحملته فانتبذت من أهلها مكانا شرقيا ) قلنا بقدر من الاطمئنان إن النبيذة في المقام الأول هي تاجي .
وتاجي بإيجاز هي فتاة عاشت مع أمها وزوج أمها الايرانيين ، بعد أن تخلى أبوها عنها وهي طفلة ، ولما تزوجت أمها من عراقي وكبرت خافت الأم على ابنتها من الزوج، فأرسلتها لتعمل خادمة في بيت طبيبة، وهناك استغلها أخو الطبيبة وعلمها وصارت صحفية. كان هذا في العهد الملكي في ٤٠ ق ٢٠ .
وأما وديان الملاح فهي شابة تدرس الموسيقى وتعاني من صمم جزئي وتقع ضحية العهد الجمهوري وابن الحاكم المستبد الذي يعذبها بسادية ، فتفقد سمعها بالكامل، ويحدث أن تسافر إلى باريس لتدرس الموسيقى وتظل هناك ، وهناك تقيم مع تاجي تخدمها وتغدو لها مثل ابنتها.

الفلسطيني :
كتب عن الرواية مقالات كثيرة أتت على الشخصيتين السابقتين، وهناك شخصية ثالثة هي منصور البادي المقدسي الفلسطيني الذي تعرف إلى تاجي حيث عملا معا في كراتشي، في العامين ١٩٤٩و١٩٥٠، في إذاعة تنطق بالعربية .
كانت تاجي تكبر منصور بسنوات وكانت " قنبلة جنسية " أقامت علاقات عديدة مع أشخاص عديدين ولكنها أحبت الفلسطيني وأحبها دون أن يتصارحا ، وكان أن أنهي عملهما مع مصريين آخرين من الإذاعة، فغادرا كراتشي وسار كل في اتجاه. وظلا يحملان لبعضهما مشاعر حب آملين أن يلتقيا ذات نهار .
ولد منصور البادي في القدس في أواخر ٢٠ ق ٢٠ وكان الذكر الوحيد بين خمسة إخوة ، ولما حدثت نكبة ١٩٤٨ هاجرت العائلة إلى لبنان حيث استقرت هناك .
في أثناء عمله مع تاجي يقعان معا في الحب دون أن يتفاتحا في موضوعه .
تاجي التي أقامت علاقات عديدة مع أشخاص عديدين ترى في منصور البادي شخصا مختلفا:
" تتأمله وهو يقرأ بصوته الرخيم أمام الميكروفون، وسيم دون أن يتوافق وذوقها في عشاقها...نحيل بالغ التهذيب.. يصغرها بحفنة أعوام، لكن شيئا ما يشدها إليه. تطمئن لصحبته. الوحيد الذي لا يغازلها. لا يرمي لها كلمات ترميها، بدورها، في كيس التأوهات الملقى وراء ظهرها .
أما هذا الولد الطري ، زميلها الفلسطيني، فلا أكثر من أن يسمعها تغني. لهجتها العراقية تفعل فيه المفاعيل ...
أدركت أنه مغرم وممسوس ،جاهز للاحتراق مثل عود كبريت .ولم ترق له وتتجاوب،بل أحست بإشفاق. خافت عليه من غوايتها. كان صغير السن ونقيا وابن أوادم. ولم تكن تنوي تلويثه. لن تضيفه إلى ضحاياها. فلتبق البريء على براءته" ويبقى منصور حبها الذي يعيش معها طيلة حياتها التي بلغت التسعين .
الفلسطيني في الرواية يذكرنا بفلسطيني جبرا ابراهيم جبرا في رواياته العديدة، ولا أدري إن كانت الروائية وهي تكتب عن منصور تمثلت جبرا الذي كان وجها من وجوه بغداد الثقافية. إن منصور يتشابه مع جبرا وإن لم يتطابق معه تطابقا كليا ، ويتشابه أيضا مع أبطال جبرا الذين خلقهم على صورته؛ جميل فران ووديع عساف ووليد مسعود .
منصور مثقف فلسطيني يتبت جدارته في عمله وقد أخذته نكبة ١٩٤٨ بعيدا عن مدينته القدس. سافر إلى بغداد ومنها إلى كراتشي واستقر به المقام في فنزويلا أستاذا جامعيا لامعا وكاتبا متميزا غدا مقربا من الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز. وتظل القدس وجهته الأولى وحين يغدو سفيرا لفنزويلا يفكر في زيارتها ولكنه يرفض أن يختم جواز سفره بالختم الإسرائيلي.
الفلسطيني هنا يبدو مختلفا عن الفلسطيني في بعض الروايات العربية التي رشحت لبوكر جائزة الرواية العربية العالمية، مثل رواية المصري ناصر عراق "العاطل "(انظر مقالي في الأيام الفلسطينية ٢٦شباط ٢٠١٢) .في "العاطل "يبدو الفلسطيني متعصبا ومكروها وغير محتمل ، بخلاف ما يبدو في "النبيذة".إن انعام كجه جي تعيد الاعتبار للفلسطيني وتواصل رسم صورة إيجابية له في زمن يقسو عليه فيه كثيرون .
وعموما فإن الرواية تشدك إليها وهي آسرة مشوقة ممتعة تحفل بأبعادتاريخية تثقفك، رغم بعض الهنات والأخطاء القليلة جدا التي لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.

الجمعة والسبت ٨و٩ / ١١ / ٢٠١٩ .

***

3- أنعام كجه جي "النبيذة" رعب صدام حسين

لم أقرأ المراجعات التي أنجزت حول رواية الروائية أنعام كجه جي " النبيذة " لأعرف السبب الذي جعلها تسمي رموز العهد الملكي في العراق الذين أطيح بهم في ١٤ تموز ١٩٥٨ ، ولا تسمي رموز العهد الجمهوري منذ حكم صدام حسين .
لم تأت الرواية على حكم عبد السلام عارف وحكم أخيه وحكم أحمد حسن البكر ، وهذا له مبرراته فنيا عموما وليس هذا عيبا أو مطعنا في الرواية ، فشخصيتا الرواية الأساسيتان كانت صلتهما بالثلاثة معدومة أصلا ، وصلتهما كانت مع العهد الملكي فيما يخص تاجي ، ومع عهد صدام حسين فيما يخص وديان الملاح . وحين تأتي الرواية على حياة تاجي في العهد الملكي فإنها تذكر أسماء رموزه ، ولكنها حين تصور حياة وديان في العهد الجمهوري ؛ عهد صدام ، فإنها لا تذكر الأسماء الحقيقية ، وإنما تذكر أسماء تلمح ولا تصرح فترمز إلى صدام بشيخ القبيلة وإلى عدي صدام بابن الشيخ ، مع أن القاريء الذي عاش زمن صدام سرعان ما يفك الشيفرة .
أشير إلى أن اسم صدام ورد في الرواية في بضعة مواطن ، ولكنه ورود عادي لا يسبب حرجا ولا يجر عاقبة ، أما حين كتب عنه وعن ابنه كتابة صورتهما شريرين متسلطين مرعبين مريضين نفسيا فإنهما ذكرا بالشيخ وابنه .
هل مازال العراقيون الذين عانوا من حكم صدام يخافون منه؟
أعتقد أن هذه الملاحظة ملاحظة سيثيرها كل من قرأ الرواية وكل من يقرؤها .
في مؤتمرات القمة العربية التي كان صدام يحضرها كان الحكام العرب يحسبون له ألف حساب وفي المؤتمرات التي كان يغيب عنها كان الحاضر الأبرز ، وهذا قرأته مرة .
من الذي أوصل العراق إلى ما وصل إليه ؟ العالم الرأسمالي الجشع أم تخلف الحكام العرب أم ... ؟
عادل الاسطة
مساء الخير
خربشات
٥تشرين الثاني ٢٠١٩

***

4- انعام كجه جي "النبيذة"

أثارت الفقرة التي كتبتها عن صورة الفلسطيني في رواية انعام كجه جي " النبيذة " جدلا شارك فيه الدكتور أحمد خريس من جامعة اليرموك ، وللدكتور آراء قيمة وغالبا ما أقرأها بتمعن .
من ضمن آرائه في رواية " النبيذة " أن شخصيتها الرئيسة وهي شخصية تاجي عبد المجيد على قدر كبير من التناقض وأنها غير مقنعة ، عدا أنها شخصية لا تتسم بالضعف الانساني . ولمن يرغب في قراءة آراء د.احمد بحرفيتها فيمكن أن يقرأ التعليقات على الفقرة التي كتبتها ونشرتها أول أمس .
لا أدري إن لم تكن العلاقة في عبادان بين تاجي والأمير الإيراني الغاربة إمارة عائلته ، وقد نجم عنها حب عابر أسفر عن حمل ، ضعفا انسانيا ، وكذلك تحولها في نهاية حياتها الصاخبة إلى قارئة قرآن.
استغرب د.احمد مثلا أن تكون تاجي على علاقة بالوصي على العرش عبد الإله ثم فجأة تسير في مظاهرة ضده ، والصحيح أنني تذكرت الشاعر حيدر محمود وعلاقته الوطيدة بالقصر الملكي في عمان ، وقد استمرت العلاقة الممتازة بين الشاعر والقصر فترة طويلة ، وفجأة في انتفاضة ١٩٨٧ كتب الشاعر قصيدة " أيوب الفلسطيني " وقد غضب القصر منه .
عموما ثمة آراء عديدة تصدر عادة في نص أدبي واحد ، ولكن ما أود أن ألفت النظر إليه هو أن تاجي عبد المجيد مستوحاة شخصيتها من شخصية الصحفية اقدس عبد الحميد وهي صحفية حقيقية ، وقد لفتت نظري طالبتي نوال الستيتي إلى أن ذكرها ورد في كتاب " عبرات بغدادية " .
في الرواية وفي صفحاتها الأخيرة هناك خدعة تقوم بها وديان التي أقامت مع تاجي تعرف من خلالها أنه ليس كل ما تحدثت عنه تاجي كان صحيحا " تعرف أن العجوز تكذب وتدمل جرح كرامتها . " ص ٣١٣ .
في آخر صفحة من الرواية ٣٢٧ تشير انعام كجه جي إلى أنها اعتمدت في كتابة روايتها على وثائق وأشخاص أولوها الثقة ، ويبدو أنهم قصوا عليها قصة أقدس عبد الحميد .
وأنا أقرأ الرواية وما ورد فيها عن ابن الشيخ وأبيه / عن عدي صدام حسين ، حمدت الله أنني أعيش في الضفة الغربية.
الكتابة كثيرة ولا تغني عن قراءة الرواية التي تحفل بإبعاد معرفية تثقف القاريء .
عادل الاسطة
مساء الخير
مساء الخير د.احمد خريس
خربشات
٦ تشرين الثاني ٢٠١٩

***

5- أنعام كجه جي " النبيذة " : "إن جمهرت خربت ".

كان بعض الطلبة الجزائريين ممن التقيت بهم في ألمانيا يكررون على مسمعي العبارة الآتية :
" إن عربت خربت " .
كما لو أنهم كانوا يحنون إلى الاستعمار الفرنسي البغيض .
لا تخلو الرواية الجزائرية من نماذج جزائرية كانت تحن إلى الاستعمار وتحارب الثورة وعهد الاستقلال . في رواية الطاهر وطار " الزلزال " تطالعنا شخصية عبد المجيد بو الأرواح الذي يبرز صورتين لمدينة قسنطينة ؛ سلبية زمن الاستقلال وايجابية زمن الاستعمار .
إن قارنت بين أوضاع العراق في الزمن الملكي وأوضاعه في العهد الجمهوري - أيام حكم صدام حسين تحديدا - فسوف تحور قليلا في عبارة الجزائريين وستصبح العبارة " إن جمهرت خربت " .
ثمة خراب في العهد الملكي وثمة تبعية للانجليز . هناك دمى تتحرك وقرارها ليس بيدها ، ومع ذلك لم تقد البلاد إلى الخراب الذي وصل إليه في العهد الجمهوري .
قاد صدام حسين العراق إلى حربين انتهتا باحتلاله ووصل الخراب إلى ما وصل إليه . ذهبت بريطانيا من الباب وعادت أميركا من الشباك وعانى العراقيون الأمرين في الأزمنة كلها ؛ الاستعمار والملكية والجمهورية والاحتلال الأمريكي البغيض الذي أتى بالديموقراطية من أوسع أبوابها : باب الدبابات .
كنت كتبت عن " رعب صدام حسين " والرواية تصور الخراب في زمنه من خلاله ومن خلال ابنه عدي وإن لم يذكر الأخير بالاسم .
بعد احتلال بغداد في نيسان ٢٠٠٣ زار شوقي عبد الأمير المدينة وهي تحت الأقدام الأمريكية وألف كتابه "يوم في بغداد " ومما كتبه فيه أن أكبر مصائب العراق تمت منذ تريفت بغداد وحكمها العسكر ذوو الأصول الريفية ، ورأى عبد الأمير أن العهد الملكي لو استمر وظلت الطبقة الارستقراطية المدنية تحكم لربما قادت بغداد المنطقة كلها نحو الحضارة ، ولحققت استقرارا لشعوب بلاد الشام والعراق كلها .
هل كانت أنعام كجه جي من خلال بطلتها تاجي عبد المجيد تحن إلى العهد الملكي ؟ وهل كان لسان حال الرواية هو " إن جمهرت خربت "؟
عادل الاسطة
مساء الخير
خربشات
٧تشرين الثاني ٢٠١٩

***

6- روح الكاتب ووحدة أعماله : انعام كجه جي " النبيذة "

وأنا أتابع أعمال بعض الكتاب التي كتبوها في فترات زمنية مختلفة ألحظ أن هناك صلة بينها ؛ في الشعر وفي الرواية .
عندما قرأت " جدارية " محمود درويش ربطتها بأعماله السابقة "جدارية محمود درويش وصلتها بأعماله "( ٢٠٠١) .
وأنا أتابع روايات الياس خوري التي تجري أحداثها في أزمنة وأمكنة مختلفة ويتنوع أبطالها وتختلف هويتهم وثقافتهم ألحظ صلة مشتركة بينها تتمثل في حضور روح المؤلف نفسه .
وأنا أقرأ في رواية انعام كجه جي الأخيرة " النبيذة " لاحظت شيئا مشتركا بينها وبين روايتيها السابقتين وتحديدا روايتها " الحفيدة الأميركية " ، ما يعني أن روح الروائية حاضرة في رواياتها .
خذوا مثلا الولع بحفظ الشعر العربي القديم والتباري فيه وحب اللغة العربية وقسوة النظام ووحشية تعامله مع من يمس الحاكم أو يعترض على سلوكه أو رغباته .
صباح الخير
خربشات
٩تشرين الثاني ٢٠١٩

***


7- انعام كجه جي " النبيذة " واليهودي الجميل

من هو اليهودي الجميل في الرواية الفلسطينية والعربية ؟
ربما يتساءل قسم من القراء إن كان هناك يهودي جميل أصلا !
الأمر عموما يتعلق بالموقف والمنطلق الفكري والتجربة والموقع الذي يكون فيه المرء .
لا تخلو الرواية الفلسطينية والعربية من نماذج يهودية يمكن وصفها ب " اليهودي الجميل " .
في الروايتين الفلسطينية والعربية نقرأ عن اليهودي العراقي نعيم قطان ، نقرأ عنه في رواية الشاعر غسان زقطان " عربة قديمة بستائر " ٢٠١٢ ، وفي رواية انعام كجه جي " النبيذة " .
تلتقي تاجي عبد المجيد في باريس بروائي عراقي جاء من كندا كانت تعرفه أيام بغداد - قبل ١٩٥٤ - وحين تذهب إلى مقهى "سيليكيت " في مونبارناس تعرفه ويعرفها ولا يلتبس الأمر عليهما رغم أنهما لم يلتقيا منذ عقود .
" لو كانت أمي هنا لقالت :" الدم يحن " - تقصد الدم العراقي- تعانقا عناقا طويلا والتمعت أعينهما من التأثر.
-شلونك نعيم؟
- وأنت كيف حالك يا ست تاجي ؟
- ما شاء الله عليك بعدك شباب ...
- وأنت ... الضحكة نفسها ."
وتشرب وديان التي تروي عن اللقاء بين تاجي ونعيم " المترجم اليافع الذي كان يذهب إلى مجلتها - مجلة تاجي - بالسروال القصير ، يزودها بالتقارير الدولية لمجلة " الرحاب " .وتأتي وديان على حوار تاجي ونعيم فتقص :
" أسمعهما يأتيان على ذكر أشخاص و أماكن امحت من ذاكرة المدينة . لم يعرف جيلي قرندل ولا حبزبوز ولا الهوزوز. تسميات تليق بققص زرازير . يهديها رواية كان قد نشرها بالفرنسية عن هجرته من العراق...." اديو بابيلون ". وداعا بابل. أفهم من كلامه أنه يهودي . أفزع .
- أنت إسرائيلي ؟
- لا تخافي. أنا مواطن كندي ."
اليهود ملح الأرض ، ونحن صرنا الآن ملح الأرض .
ترى أين سننشيء وطننا بعد ألفي سنة من الشتات والمنفى ؟
في أوغندا أو في الأرجنتين أو في الدول الاسكندنافية .
مساء الخير
خربشات
٩ تشرين الثاني ٢٠١٩

***

8- انعام كجه جي :"النبيذة " وصناعة الدكتاتور

من الذي يصنع الدكتاتور ؟
في موروثنا نكرر المثل الآني :
- قيل لفرعون من فرعنك؟
فأجاب:
-لم أجد أحدا يصدني .
وفي المقطعين ١٣ و١٥ من " النبيذة " كتابة عن صناعة الدكتاتور .
حكم الشيخ العراق - صدام - واستبد ، واستبد الابن ؛ ابن الشيخ، أكثر .
هل كانت جينات الأب تنتقل إلى الابن وتتضخم أيضا؟
في " النبيذة " يكتب عن ابن الشيخ أكثر مما يكتب عن الشيخ ، ويبدو الابن مريضا مرضا نفسيا .
كنا نقرأ عن عدي صدام حسين ولاحظنا ما ألم به وعرفنا أنه نجا من محاولة اغتيال لأنه تعدى على شرف بعض العائلات ، ولكنه عاش مشوها ، وسمعنا أن والده أراد إعدامه لولا توسط زوجة صدام إلى الملك حسين الذي توسط بدوره لدى الأب.
لو أعدم صدام ابنه لكبر في أعين كثيرين.
من الذي صنع من ابن الشيخ شخصا متسلطا ودمويا وساديا إلى أبعد الحدود؟
الرواية تأتي على معلمي المدرسة التي تعلم فيها ابن الشيخ ، وتوضح تعاملهم مع التلميذ. صار هو الأستاذ وصاروا هم التلاميذ، فقد أخذوا ينادونه بالأستاذ وهو على مقاعد الدراسة، وصدق أنه كذلك وحصل على علامات ٩٩،٩٩ بالمائة ، كما حصل الشيخ في الانتخابات الرئاسية على ١٠٠ بالمائة .
تنعت المتكلمة في الفصلين المعلمين والمحيطين بالشيخ وابنه بأنهم "بنو نفاق" ، وهذان الفصلان ١٣ و ١٥ من الفصول اللافتة في الكتابة عن الدكتاتور يذكرنا برواية الدكتاتور في أدب أميركا اللاتينية .
هل قرأتم قصيدة محمود درويش "خطاب الدكتاتور " في خطبه "خطب الدكتاتور الموزونة " ؟
لا أحد ينجو !
تعالوا وانظروا في بعض مؤسساتنا ولاحظوا رعب الموظفين ومنهم حملة دكتوراه وأعلى من المسؤول الأول !
مرة أخبرني موظف أنه يعجب بما أكتب ولكنه لا يضع " لايكا" - أي اعجابا، لأنه يخاف من أن يراجع ويسأل ويؤثر هذا على وظيفته .
عندنا مثل يقول :" فكرنا الباشا باشا طلع الباشا زلمة " ، وأنا أعرف أن الباشا زلمة.
رحم الله عمر المختار.
مساء الخير
خربشات
١٠تشرين الثاني ٢٠١٩

***

9- المخابرات وطريقتها في الإيقاع :

في روايتها " النبيذة " تكتب الروائية العراقية أنعام كجه جي عن صحفية عراقية حقيقية ، غدا اسمها في الرواية تاجي عبد المجيد ، جندتها المخابرات الفرنسية في ٥٠ القرن ٢٠ لاغتيال المناضل الجزائري أحمد بن بللا .
وتأتي على طريقة المخابرات المقترحة في إيقاع المرأة بالضحية . تجلس في المكان الذي يجلس فيه وتتظاهر بأنها تقرأ الصحيفة .تشرب قهوتها وتراقب الواصلين " حتى إذا رأت الهدف يصل المكان تطوي الجريدة وتستخدمها مروحة أمام وجهها . يلتقط فريق الاغتيال الإشارة ويفهم أنها شخصته .
كتبت عن " نينا " في رواية " تداعيات ضمير المخاطب " ١٩٩٣ ولقاء ضمير المخاطب بها وتعرفه إليها في مكتبة جامعة بامبرغ ، حيث كانت " نينا " تقرأ جريدة الجروزالم بوست وتنظر اليه .
من وسائل الاغتيال التظاهر بنفخ عجل السيارة " في سنواتها اللاحقة ، كلما سمعت ( تاجي ) عن حادث اغتيال غامض ، قالت : " فتشوا عن الدراجة " ، ورحم الله وائل زعيتر وفتحي الشقاقي .
عادل الاسطة
صباح الخير
خربشات
11 / 1 / 2020

***

10- "طشاري" و"الحفيدة الامريكية" لأنعام كجه جي:

هل من صلة بين روايتي انعام كجه جي الكاتبة العراقية ؟
هل استطاعت الكاتبة أن تنسى روايتها الأولى ، - اقصد "الحفيدة الأمريكية " - كليا وهي تكتب روايتها "طشاري"؟
ألا يكرر كتاب كثيرون نصوصهم حين يكتبون ؟
اعتقد أن المسافة بين روايتي كجه جي واسعة ، فالأولى تأتي على العراق إبان الاحتلال الأمريكي لها ، وتصور حياة العراقيين إبان حكم صدام وفي أمريكا ، الدكتاتور والاحتلال ، وتأتي على حياة المنفيين العراقيين في أمريكا ، و"طشاري" تأتي على عالم العراقيين في العراق وفي المنافي ، زمن الاحتلال وما آل إليه العراق ، وتأتي أكثر على زمن كان فيه النسيج الاجتماعي في العراق متماسكا ، ثم تفسخ وتطشر .
ومع ذلك ، فهل يمكن أن يجد المرء نقاط التقاء بين الروايتين ؟
مثلا التشابه بين ساردة "طشاري" وبين سارد "الحفيدة الامريكية"؟
مع أن الحفيدة تقيم في امريكا وساردة "طشاري" تقيم في باريس ، ومع أن الحفيدة تنتمي إلى الإسلام وساردة "طشاري" تنتمي الى المسيحية ، إلا أن المرء إن أمعن النظر في الروايتين فسيجد أن أنعام كجه جي تقف وراء البطلتين ، أو أن هناك ما هو مشترك بين البطلتين والمؤلفة ، وهو هذا الولع باللغة العربية واتقانها.
وأنا أقرأ واسيني الاعرج ألاحظ هذا وألاحظ هذا أيضا لدى كتاب كثيرين ، ما يجعلني أتساءل عن جدوى قراءة أكثر من نص أو نصين للكاتب نفسه . مرة قلت إن ثنائيات سحر خليفة تتكرر في رواياتها كلها تقريبا ، ما يجعل قراءة أكثر من رواية لها مضيعة للوقت .
قد أكون مخطئا وقد اكون مصيبا ، ولكن راقت لي فكرة قرأتها عن سبب عدم منح الكاتب التشيكي (ميلان كونديرا) جائزة نوبل وهي تكرار أفكاره نفسها في كتاباته .
هذا صباح غيبة ونميمة ، كم أنا رجل فاسد وبائس
صباح الخير
خربشات

***

وفاة منصور البادي الشخصية الفلسطينية في رواية الكاتبة العراقية أنعام كجه جي " النبيذة " :

توفي الفلسطيني خلدون نويهض أستاذ القانون الدولي في جامعة سيمون بوليفار وسفير فنزويلا في تركيا المقيم في كراكاس عاصمة فنزويلا .
المهندس خلدون نويهض هو الغلسطيني الذي استوحت منه الكاتبة أنعام كجه جي شخصيتها الروائية منصور البادي .
قرأ خلدون نويهض رواية " النبيذة " مرات عديدة ورأى صورته في شخصيتها منصور البادي وتأثر كثيرا .
الصحافية والعراقية تاج الملوك في الرواية أيضا مستوحاة من شخصية حقيقية أصدرت مجلة " الرحاب " .
هل قرأت الصحفية العراقية رواية " النبيذة " قبل موتها؟
استلمت صاحبة مجلة " الرحاب " وهي في المشفى نسخة من رواية أنعام كجه جي ، ورأت صورتها على الغلاف وبكت .
رواية أنعام كجه جي ، مثل رواياتها السابقة " الحفيدة الأمريكية " و " طشاري " تستحق القراءة .
أنا شخصيا قرأت الروايات الثلاثة بمتعة كبيرة .
المحامي خلدون نويهض هو صهر الفلسطيني اليافاوي شفيق الحوت .
رحم الله الأستاذ خلدون نويهض / منصور البادي ، وكنت أعتقد قبل أن أعرف هذا أن الكاتبة كانت واقعة تحت تأثير روايات جبرا ابراهيم جبرا ، وأن منصور البادي شخصية مخترعة تقتفي آثار جميل فران ووديع عساف ووليد مسعود .
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٤ شباط ٢٠٢٠

***




***



















------------
1- الفلسطينيون في الرواية العربية
2- إنعام كجه جي "النبيذة" العنوان ، والفلسطيني النوراني اللامع
3- أنعام كجه جي "النبيذة" رعب صدام حسين
4- انعام كجه جي "النبيذة"
5- أنعام كجه جي "النبيذة" : "إن جمهرت خربت".
6- روح الكاتب ووحدة أعماله : انعام كجه جي " النبيذة "
7- انعام كجه جي " النبيذة " واليهودي الجميل
8- انعام كجه جي :"النبيذة " وصناعة الدكتاتور
9- المخابرات وطريقتها في الإيقاع
10- "طشاري" و"الحفيدة الامريكية" لأنعام كجه جي

--

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى