المعنى اللغوي:
عند النظر إلى لفظة "استشراق" نجد أنها مصوغة على وزن استفعال، ولوجدناها مأخوذة من كلمة شرق ثم أضيف إليها ثلاثة حروف هي الألف والسين والتاء، ومعناها طلب الشرق، وليس طلب الشرق سوى طلب علوم الشرق وآدابه ولغاته وأديانه وجاء في "المعجم الوسيط" "شرقت الشمس شرقاً وشروقاً إذا طلعت"[1] وفي لسان العرب: شرق: "شرقت الشمس تشرق شروقا وشرقاً: طلعت، واسم الموضع: المشرق... والتشريق: الأخذ في ناحية المشرق، يقال: شتان بين مشرّق ومغرّب، وشّرقوا ذهبوا إلى الشرق، وكل ما طلع من المشرق فقد شرق، وفي الحديث: " لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شّرقوا أو غّربوا"[2].
أما في اللغات الأوروبية فثمة تعريف آخر يدل على أن المقصود بالشرق ليس الشرق الجغرافي وإنما الشرق المقترن بمعنى الشروق والضياء والنور والهداية. ويرى البعض أن كلمة استشراق لا ترتبط فقط بالمشرق الجغرافي وإنما تعني أن الشرق هو مشرق الشمس ولهذا دلالة معنوية بمعنى الشروق والضياء والنور بعكس الغروب بمعنى الأفول والانتهاء[3].
واللفظ ORIENT في الدراسات الأوروبية يشير إلى منطقة الشرق المقصودة بالدراسات الشرقية بكلمة " تتميز بطابع معنوي وهو: Morgenland وتعني بلاد الصباح، ومعروف أن الصباح تشرق فيه الشمس، وتدل هذه الكلمة على تحول من المدلول الجغرافي الفلكي إلى التركيز على معنى الصباح الذي يتضمن معنى النور واليقظة، وفي مقابل ذلك نستخدم في اللغة كلمة Abendland وتعني بلاد المساء لتدل على الظلام والراحة"[4].
وفي اللاتينية تعني كلمة Orient: يتعلم أو يبحث عن شيء ما، وبالفرنسية تعنى كلمة Orienter وجّه أو هدى أو أرشد، وبالإنجليزية Orientation , وorientate تعني "توجيه الحواس نحو اتجاه أو علاقة ما في مجال الأخلاق أو الاجتماع أو الفكر أو الأدب نحو اهتمامات شخصية في المجال الفكري أو الروحي [5]. وبذلك يتبين أن مصطلح الاستشراق ليس مستمداً من المدلول اللغوي، بل من المدلول المعنوي لشروق الشمس التي هي مصدر العلم[6].
المفهوم الاصطلاحي:
إن مفهوم الاستشراق ((orientalism يعني: "علم الشرق أو علم العالم الشرقي[7]" وعّرف البعض الاستشراق أيضاً بأنه: "ذلك التيار الفكري الذي تمثل في الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي، والتي شملت حضارته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته[8]" وأحياناً يقصد به: "أسلوب للتفكير يرتكز على التمييز المعرفي والعرقي والأيدلوجي بين الشرق والغرب". ومرة يراد به: "ذلك العلم الذي تناول المجتمعات الشرقية بالدراسة والتحليل من قبل علماء الغرب[9]".
ويرى الطيب بن إبراهيم أن الاستشراق لا يعتبر تاريخاً أو جغرافيا فقط، ولا إنسانيا أو ثقافة فحسب، وإنما هو مجموع ذلك كله، فهو مكان وزمان وإنسان وثقافة. والحديث عن الاستشراق مرتبط ارتباطاً عضوياً وتكاملياً مع هذه العناصر الأربعة الأساسية، إذ لا بد له من مسافة زمنية ومساحة مكانية ونوع إنساني وإنتاج ثقافي وفكري[10] ويرى أن الشرق الذي اهتم الغرب بدراسته والتخصص في ثقافته وتراثه، ليس هو الشرق الجغرافي الطبيعي، وإنما هو "الشرق الهوية" وهو محور ما استهدفه علم الاستشراق ومصدر العناية والاهتمام، فهدف الاستشراق هو معرفة "الشرق الهوية والتاريخ" المتمثل في الإسلام والمسلمين.
وبصفة عامة يمكن تعريف الاستشراق بأنه: "أسلوب من الفكر قائم على تمييز وجودي (انطلوجي)، ومعرفي (ابستمولوجي) بين الشرق والغرب، ويستخدم دراسات أكاديمية يقوم بها علماء غربيين للإسلام والمسلمين من شتى الجوانب عقيدة وشريعة وثقافة وحضارة وتاريخ ونظم وثروات وإمكانات، سواء أكانت هذه الشعوب تقطن شرق البحر الأبيض أم الجانب الجنوبي منه، وسواء أكانت لغة هذه الشعوب العربية أم غير العربية "كالتركية والفارسية والأوردية" وغيرها من اللغات، لأهداف متنوعة ومقاصد مختلفة".
ومع أن مصطلح الاستشراق ظهر في الغرب منذ قرنين من الزمان على تفاوت بسيط بالنسبة للمعاجم الأوروبية المختلفة، لكن الأمر المتيقن أن البحث في لغات الشرق وأديانه وبخاصة الإسلام قد ظهر قبل ذلك بكثير، ولعل كلمة مستشرق قد ظهرت قبل مصطلح استشراق، فنجد آربري[11] Arberry في بحث له في هذا الموضوع يقول "والمدلول الأصلي لاصطلاح (مستشرق) كان في سنة 1638 وفي سنة 1691 وصف آنتوني وود Anthony Wood صمويل كلارك Samuel Clarke بأنه (استشراقي نابه) يعنى ذلك أنه عرف بعض اللغات الشرقية. وبيرون في تعليقاته على (Childe Harold's Pilgrimage) يتحدث عن المستر ثورنتون وإلماعاته الكثيرة الدالة على استشراق عميق[12].
ويرى رودي بارت [13] أن الاستشراق هو "علم يختص بفقه اللغة خاصة، وأقرب شيء إليه إذن أن نفكر في الاسم الذي أطلق عليه كلمة استشراق مشتقة من كـلمة ’شرق’ وكلمة شرق تعني مشرق الشمس[14].
أما المفكر إدوارد سعيد فيعرف الاستشراق بأنه:" نمطاً من الإسقاط الغربي على الشرق وإرادة السيطرة عليه "[15] ويرى د. رضوان السيد " ان الاستشراق يتناثر ويدخل في تخصصات متباينة كالتاريخ والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا والاقتصاد والسياسة، ولم يعد هناك عالم واحد اسمه الاستشراق، بل هناك عوالم متباينة يحمل كل منها عنوان المجال الذي يهتم به، فإذا كانت مفاهيم الشرق والعالم الثالث والشرق الاوسط متباينة وغير علمية، فان مفهوم الاستشراق صار اليوم كذلك[16].
أما المستشرق فهو: "عالم متمكن من المعارف الخاصة بالشرق ولغاته وآدابه[17].
ويذكر المستشرق رودنسون أن كلمة مستشرق ظهرت في اللغة الإنجليزية نحو عام 1779م كما دخلت كلمة الاستشراق معجم الأكاديمية الفرنسية في عام 1838م وفيها تجسدت فكرة نظام خاص مكرس لدراسة الشرق. [18] ويعتمد المستشرق الإنجليزي آربري علي قاموس اكسفورد الجديد المستشرق بأنه "من تبحر في لغات الشرق وآدابه"[19].وقد ورد في موسوعة "لاروس" تعريف المستشرق في مادة Orientaliste.
"بأنه العالم المتضلع في معرفة الشرق وثقافته وآدابه"[20].
أما ألبرت ديتريش فيعرف المستشرق بأنه "ذلك الباحث الذي يحاول دراسة الشرق وتفهمه، ولن يتأتي له الوصول الي نتائج سليمة في هذا المضمار ما لم يتقن لغات الشرق"[21].
ويرى كثير من الباحثين أن جيرار دي أورلياك الفرنسي هو أول من استشرق[22]. أما د.شكري النجار فيعرف المستشرق قائلا: "تطلق كلمة مستشرق بشيء من التجاوز على كل من يتخصص في أحد فروع المعرفة المتصلة بالشرق من قريب أو بعيد"[23]. ويرى مالك بن نبي في مقال له تحت عنوان إنتاج المستشرقين يحدد مصطلح الاستشراق فيقول: "إننا نعني بالمستشرقين الكتاب الغربيين الذين يكتبون عن الفكر الإسلامي وعن الحضارة الإسلامية"[24] وأن صفة مستشرق ينبغي أن تقتصر علي من ليس شرقيّاً، لأنها تصف حالة طلب لشيء غير متوفر في البيئة التي نشأ فيها الطالب.وقد أستخدم شيخ المستشرقين سلفستر دي ساسي [25] de Sacy( 1758 - 1838) هذا المصطلح مرتين مره في مقدمة كتابه الشهير (النحو العربي) في معرض حديثه عن المستشرق الهولندي إربنيوس Erpenius ومره ثانيه عندما وصف به زملائه الذين لعبوا دوراً هاماً في دراسة فقه اللغة العربية ونحوها[26].
[1] المعجم الوسيط: ج1، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ص482.
[2] متفق عليه: رواه البخاري برقم494،ومسلم برقم 264.
[3] السيد محمد الشاهد: الاستشراق ومنهجية النقد عند المسلمين المعاصرين، الاجتهاد، ع 22، السنة السادسة، 1994م، ص 191-211.
[4] انظر: مازن بن صلاح مطبقاني: الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي، الرياض، مكتبة الملك فهد الوطنية، 1995.
[5] نفسه، ص 3.
[6] عبدالله محمد الأمين: الاستشراق في السيرة النبوية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، 1997، ص16.
[7] محمود حمدي زقزوق: الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، دار المعارف، القاهرة 1997 ص 18.
[8] عبدالله محمد الأمين: المرجع السابق ص16.
[9] ساسي سالم الحاج: نقد الخطاب الاستشراقي، ج1، دار المدار الإسلامي، بيروت، 2002،، ص20.
[10] انظر: الطيب بن إبراهيم: الاستشراق الفرنسي وتعدد مهامه خاصة في الجزائردار المنابع للنشر والتوزيع، الجزائر، 2004.
[11] آربري: مستشرق بريطاني التحق بجامعة كامبريدج لدراسة اللغات الكلاسيكية اللاتينية واليونانية، وشجعه أحد أساتذته منس على دراسة العربية والفارسية، ارتحل إلى مصر لمواصلة دراسته للغة العربية، عاد إلى مصر ليعمل في كلية الآداب رئيساً لقسم الدراسات القديمة (اليونانية واللاتينية) وزار فلسطين وسوريا ولبنان.
[12] ا. ج آربري: المستشرقون البريطانيون.تعريب محمد الدسوقي النويهي. (لندن: وليم كولينز، 1946) ص8.
[13] رودي بارت: مستشرق ألماني درس في جامعة توبنجن اللغات السامية والتركية والفارسية في الفترة من 1920 حتى 1924وتخرج على يد المستشرق الألماني ليتمان.امضى سنتين في القاهرة (1925-1926)، كان اهتمامه في البداية بالأدب الشعبي ولكنه تحول إلى الاهتمام باللغة العربية والدراسات الإسلامية وبخاصة القرآن الكريم.
[14] رودي بارت: الدراسات العربية والإسلامبة في الجامعات الألمانية(المستشرقون الألمان منذ تيودور نولدكه). ترجمة مصطفى ماهر (القاهرة: دار الكتاب العربي)، ص 11.
[15] إدوارد سعيد: الاستشراق، ترجمة كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، الطبعة السابعة، 2005، ص 120.
[16] رضوان السيد: مجلة الفكر العربي،العدد: 31، ص9.
[17] يحيى مراد: أسماء المستشرقين، دار الكتب العلمية، بيروت 2004، ص6.
[18] مكسيم رودنسون: صورة العالم الإسلامي في أوربا، دار الطليعة، 1970، ص 74.
[19] آربري: المرجع السابق، ص 7.
[20] انظر مادة Orientaliste في موسوعة لاروس الكبرى، باريس 1962م، Grad encyclopique paris. Lareusse.
[21] محمد كرد علي: اثر المستعربين من علماء المشرقيات في الحضارة العربية، المجمع العربي 1927.
[22] شكري النجار: مجلة الفكر العربي، العدد: 31، ص60.
[23] محمد عوني عبدالرؤوف: جهود المستشرقين في التراث العربي، المجلس الأعلي للثقافة 2004، ص3.
[24] مالك بن نبي: مجلة الفكر العربي، العدد: 32، ص130.
[25] ساسي: ج1،ص 243.
[26] ساسي: ج1،ص 243.
عند النظر إلى لفظة "استشراق" نجد أنها مصوغة على وزن استفعال، ولوجدناها مأخوذة من كلمة شرق ثم أضيف إليها ثلاثة حروف هي الألف والسين والتاء، ومعناها طلب الشرق، وليس طلب الشرق سوى طلب علوم الشرق وآدابه ولغاته وأديانه وجاء في "المعجم الوسيط" "شرقت الشمس شرقاً وشروقاً إذا طلعت"[1] وفي لسان العرب: شرق: "شرقت الشمس تشرق شروقا وشرقاً: طلعت، واسم الموضع: المشرق... والتشريق: الأخذ في ناحية المشرق، يقال: شتان بين مشرّق ومغرّب، وشّرقوا ذهبوا إلى الشرق، وكل ما طلع من المشرق فقد شرق، وفي الحديث: " لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شّرقوا أو غّربوا"[2].
أما في اللغات الأوروبية فثمة تعريف آخر يدل على أن المقصود بالشرق ليس الشرق الجغرافي وإنما الشرق المقترن بمعنى الشروق والضياء والنور والهداية. ويرى البعض أن كلمة استشراق لا ترتبط فقط بالمشرق الجغرافي وإنما تعني أن الشرق هو مشرق الشمس ولهذا دلالة معنوية بمعنى الشروق والضياء والنور بعكس الغروب بمعنى الأفول والانتهاء[3].
واللفظ ORIENT في الدراسات الأوروبية يشير إلى منطقة الشرق المقصودة بالدراسات الشرقية بكلمة " تتميز بطابع معنوي وهو: Morgenland وتعني بلاد الصباح، ومعروف أن الصباح تشرق فيه الشمس، وتدل هذه الكلمة على تحول من المدلول الجغرافي الفلكي إلى التركيز على معنى الصباح الذي يتضمن معنى النور واليقظة، وفي مقابل ذلك نستخدم في اللغة كلمة Abendland وتعني بلاد المساء لتدل على الظلام والراحة"[4].
وفي اللاتينية تعني كلمة Orient: يتعلم أو يبحث عن شيء ما، وبالفرنسية تعنى كلمة Orienter وجّه أو هدى أو أرشد، وبالإنجليزية Orientation , وorientate تعني "توجيه الحواس نحو اتجاه أو علاقة ما في مجال الأخلاق أو الاجتماع أو الفكر أو الأدب نحو اهتمامات شخصية في المجال الفكري أو الروحي [5]. وبذلك يتبين أن مصطلح الاستشراق ليس مستمداً من المدلول اللغوي، بل من المدلول المعنوي لشروق الشمس التي هي مصدر العلم[6].
المفهوم الاصطلاحي:
إن مفهوم الاستشراق ((orientalism يعني: "علم الشرق أو علم العالم الشرقي[7]" وعّرف البعض الاستشراق أيضاً بأنه: "ذلك التيار الفكري الذي تمثل في الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي، والتي شملت حضارته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته[8]" وأحياناً يقصد به: "أسلوب للتفكير يرتكز على التمييز المعرفي والعرقي والأيدلوجي بين الشرق والغرب". ومرة يراد به: "ذلك العلم الذي تناول المجتمعات الشرقية بالدراسة والتحليل من قبل علماء الغرب[9]".
ويرى الطيب بن إبراهيم أن الاستشراق لا يعتبر تاريخاً أو جغرافيا فقط، ولا إنسانيا أو ثقافة فحسب، وإنما هو مجموع ذلك كله، فهو مكان وزمان وإنسان وثقافة. والحديث عن الاستشراق مرتبط ارتباطاً عضوياً وتكاملياً مع هذه العناصر الأربعة الأساسية، إذ لا بد له من مسافة زمنية ومساحة مكانية ونوع إنساني وإنتاج ثقافي وفكري[10] ويرى أن الشرق الذي اهتم الغرب بدراسته والتخصص في ثقافته وتراثه، ليس هو الشرق الجغرافي الطبيعي، وإنما هو "الشرق الهوية" وهو محور ما استهدفه علم الاستشراق ومصدر العناية والاهتمام، فهدف الاستشراق هو معرفة "الشرق الهوية والتاريخ" المتمثل في الإسلام والمسلمين.
وبصفة عامة يمكن تعريف الاستشراق بأنه: "أسلوب من الفكر قائم على تمييز وجودي (انطلوجي)، ومعرفي (ابستمولوجي) بين الشرق والغرب، ويستخدم دراسات أكاديمية يقوم بها علماء غربيين للإسلام والمسلمين من شتى الجوانب عقيدة وشريعة وثقافة وحضارة وتاريخ ونظم وثروات وإمكانات، سواء أكانت هذه الشعوب تقطن شرق البحر الأبيض أم الجانب الجنوبي منه، وسواء أكانت لغة هذه الشعوب العربية أم غير العربية "كالتركية والفارسية والأوردية" وغيرها من اللغات، لأهداف متنوعة ومقاصد مختلفة".
ومع أن مصطلح الاستشراق ظهر في الغرب منذ قرنين من الزمان على تفاوت بسيط بالنسبة للمعاجم الأوروبية المختلفة، لكن الأمر المتيقن أن البحث في لغات الشرق وأديانه وبخاصة الإسلام قد ظهر قبل ذلك بكثير، ولعل كلمة مستشرق قد ظهرت قبل مصطلح استشراق، فنجد آربري[11] Arberry في بحث له في هذا الموضوع يقول "والمدلول الأصلي لاصطلاح (مستشرق) كان في سنة 1638 وفي سنة 1691 وصف آنتوني وود Anthony Wood صمويل كلارك Samuel Clarke بأنه (استشراقي نابه) يعنى ذلك أنه عرف بعض اللغات الشرقية. وبيرون في تعليقاته على (Childe Harold's Pilgrimage) يتحدث عن المستر ثورنتون وإلماعاته الكثيرة الدالة على استشراق عميق[12].
ويرى رودي بارت [13] أن الاستشراق هو "علم يختص بفقه اللغة خاصة، وأقرب شيء إليه إذن أن نفكر في الاسم الذي أطلق عليه كلمة استشراق مشتقة من كـلمة ’شرق’ وكلمة شرق تعني مشرق الشمس[14].
أما المفكر إدوارد سعيد فيعرف الاستشراق بأنه:" نمطاً من الإسقاط الغربي على الشرق وإرادة السيطرة عليه "[15] ويرى د. رضوان السيد " ان الاستشراق يتناثر ويدخل في تخصصات متباينة كالتاريخ والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا والاقتصاد والسياسة، ولم يعد هناك عالم واحد اسمه الاستشراق، بل هناك عوالم متباينة يحمل كل منها عنوان المجال الذي يهتم به، فإذا كانت مفاهيم الشرق والعالم الثالث والشرق الاوسط متباينة وغير علمية، فان مفهوم الاستشراق صار اليوم كذلك[16].
أما المستشرق فهو: "عالم متمكن من المعارف الخاصة بالشرق ولغاته وآدابه[17].
ويذكر المستشرق رودنسون أن كلمة مستشرق ظهرت في اللغة الإنجليزية نحو عام 1779م كما دخلت كلمة الاستشراق معجم الأكاديمية الفرنسية في عام 1838م وفيها تجسدت فكرة نظام خاص مكرس لدراسة الشرق. [18] ويعتمد المستشرق الإنجليزي آربري علي قاموس اكسفورد الجديد المستشرق بأنه "من تبحر في لغات الشرق وآدابه"[19].وقد ورد في موسوعة "لاروس" تعريف المستشرق في مادة Orientaliste.
"بأنه العالم المتضلع في معرفة الشرق وثقافته وآدابه"[20].
أما ألبرت ديتريش فيعرف المستشرق بأنه "ذلك الباحث الذي يحاول دراسة الشرق وتفهمه، ولن يتأتي له الوصول الي نتائج سليمة في هذا المضمار ما لم يتقن لغات الشرق"[21].
ويرى كثير من الباحثين أن جيرار دي أورلياك الفرنسي هو أول من استشرق[22]. أما د.شكري النجار فيعرف المستشرق قائلا: "تطلق كلمة مستشرق بشيء من التجاوز على كل من يتخصص في أحد فروع المعرفة المتصلة بالشرق من قريب أو بعيد"[23]. ويرى مالك بن نبي في مقال له تحت عنوان إنتاج المستشرقين يحدد مصطلح الاستشراق فيقول: "إننا نعني بالمستشرقين الكتاب الغربيين الذين يكتبون عن الفكر الإسلامي وعن الحضارة الإسلامية"[24] وأن صفة مستشرق ينبغي أن تقتصر علي من ليس شرقيّاً، لأنها تصف حالة طلب لشيء غير متوفر في البيئة التي نشأ فيها الطالب.وقد أستخدم شيخ المستشرقين سلفستر دي ساسي [25] de Sacy( 1758 - 1838) هذا المصطلح مرتين مره في مقدمة كتابه الشهير (النحو العربي) في معرض حديثه عن المستشرق الهولندي إربنيوس Erpenius ومره ثانيه عندما وصف به زملائه الذين لعبوا دوراً هاماً في دراسة فقه اللغة العربية ونحوها[26].
[1] المعجم الوسيط: ج1، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ص482.
[2] متفق عليه: رواه البخاري برقم494،ومسلم برقم 264.
[3] السيد محمد الشاهد: الاستشراق ومنهجية النقد عند المسلمين المعاصرين، الاجتهاد، ع 22، السنة السادسة، 1994م، ص 191-211.
[4] انظر: مازن بن صلاح مطبقاني: الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي، الرياض، مكتبة الملك فهد الوطنية، 1995.
[5] نفسه، ص 3.
[6] عبدالله محمد الأمين: الاستشراق في السيرة النبوية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، 1997، ص16.
[7] محمود حمدي زقزوق: الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، دار المعارف، القاهرة 1997 ص 18.
[8] عبدالله محمد الأمين: المرجع السابق ص16.
[9] ساسي سالم الحاج: نقد الخطاب الاستشراقي، ج1، دار المدار الإسلامي، بيروت، 2002،، ص20.
[10] انظر: الطيب بن إبراهيم: الاستشراق الفرنسي وتعدد مهامه خاصة في الجزائردار المنابع للنشر والتوزيع، الجزائر، 2004.
[11] آربري: مستشرق بريطاني التحق بجامعة كامبريدج لدراسة اللغات الكلاسيكية اللاتينية واليونانية، وشجعه أحد أساتذته منس على دراسة العربية والفارسية، ارتحل إلى مصر لمواصلة دراسته للغة العربية، عاد إلى مصر ليعمل في كلية الآداب رئيساً لقسم الدراسات القديمة (اليونانية واللاتينية) وزار فلسطين وسوريا ولبنان.
[12] ا. ج آربري: المستشرقون البريطانيون.تعريب محمد الدسوقي النويهي. (لندن: وليم كولينز، 1946) ص8.
[13] رودي بارت: مستشرق ألماني درس في جامعة توبنجن اللغات السامية والتركية والفارسية في الفترة من 1920 حتى 1924وتخرج على يد المستشرق الألماني ليتمان.امضى سنتين في القاهرة (1925-1926)، كان اهتمامه في البداية بالأدب الشعبي ولكنه تحول إلى الاهتمام باللغة العربية والدراسات الإسلامية وبخاصة القرآن الكريم.
[14] رودي بارت: الدراسات العربية والإسلامبة في الجامعات الألمانية(المستشرقون الألمان منذ تيودور نولدكه). ترجمة مصطفى ماهر (القاهرة: دار الكتاب العربي)، ص 11.
[15] إدوارد سعيد: الاستشراق، ترجمة كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، الطبعة السابعة، 2005، ص 120.
[16] رضوان السيد: مجلة الفكر العربي،العدد: 31، ص9.
[17] يحيى مراد: أسماء المستشرقين، دار الكتب العلمية، بيروت 2004، ص6.
[18] مكسيم رودنسون: صورة العالم الإسلامي في أوربا، دار الطليعة، 1970، ص 74.
[19] آربري: المرجع السابق، ص 7.
[20] انظر مادة Orientaliste في موسوعة لاروس الكبرى، باريس 1962م، Grad encyclopique paris. Lareusse.
[21] محمد كرد علي: اثر المستعربين من علماء المشرقيات في الحضارة العربية، المجمع العربي 1927.
[22] شكري النجار: مجلة الفكر العربي، العدد: 31، ص60.
[23] محمد عوني عبدالرؤوف: جهود المستشرقين في التراث العربي، المجلس الأعلي للثقافة 2004، ص3.
[24] مالك بن نبي: مجلة الفكر العربي، العدد: 32، ص130.
[25] ساسي: ج1،ص 243.
[26] ساسي: ج1،ص 243.