1) حول الهوية والمذهبية
إن قضية الهوية في غاية الأهمية، لأنها كانت هي السبب في الاهتمام بقضية جامعة ابن يوسف بمراكش، وجامعة القرويين بفاس، وهي التي جعلت المغاربة يعتنقون الإسلام عبر المذهب المالكي، ويحاربون غيره، كالدين المسيحي، واللادينية، وغيرها، ولذلك يجب أن نحارب التحديات التي تواجه هذه الهوية المغربية. وعلى رأسها العولمة!..
فهل تريدون الاستمرار في مناقشة الهوية؟ أو نحاضر فقط في المذهبية التي اعتنقها المغاربة عبر التاريخ؟.
- وهنا يتدخل الجمهور الحاضر، وفي مقدمتهم الدكتور أحمد شوقي بنبين، والأستاذ إبراهيم الهلالي طالبين من المحاضر أن يتفضل بمناقشة الموضوعين معا.
1) الهوية المغربية ومقوماتها، والمذهب الذي اعتنقه المغاربة عبر اعتناقهم للإسلام!..
وهكذا تابع السيد المحاضر مناقشته للموضوعين فيما يلي:
2) لماذا موضوع الهوية؟ لأنه طرح وما يزال يطرح على الدول العربية والإسلامية، بصفة خاصة، وعلى الدول والشعوب النامية كذلك، التمسك بمقوماتها الوطنية، وحتى بالنسبة كذلك لبعض الشعوب المتحضرة، التي تحارب التحديات المواجهة لهويتها، والتي ترمي لجعل العولمة الاستعمارية تتحدى الهويات الوطنية، التي تواجه هذه القوة العالمية التي تهيمن على كثير من الهويات الوطنية للدول والشعوب المتخلفة التي تريد الحفاظ على هويتها.
3) توضيح الهوية، وصراعها مع العولمة: ولكي نوضح هذا الموضوع، يجب أن نُعرف ما هي هذه الهوية الوطنية التي نحافظ عليها، ما هي علاقتها بمفهوم الحفاظ على الكيان الوطني، وعلاقتها بالعولمة في السياسة والاقتصاد؟
4) الهوية هي الذات، ويقرأها بعضهم بفتح الهاء، ولكنها في الواقع يجب قراءتها بضم الهاء، من الضمير الغائب المنفصل "هو"، وهذه الهوية هي الشخصية، وهي الكيان بالنسبة لكل مجتمع، وشعب، ودولة، وبالنسبة لكل أمة، هذه الهوية هي التي تطبع شخصية هذا المجتمع ولها مقومات تشكلها، أي مكونات تكونها. ويمكن تلخيص هذه المقومات للهوية، في ثلاث أو أربع نقاط أساسية وهي:
العنصر الأول:1 الدين، وإن تنكَّرَ لـه كثير من المفكرين الأروبيين فالدين يُعتبر أهم مقومات الهوية، بل هو العنصر الأساسي في تشكيل الهوية.
العنصر الثاني:2 اللغة:وهي العنصر الثاني والأساسي أيضا في تكوين الهوية، فاللغة في أي مجتمع هي سبيل تواصل المجتمع مع غيره من المجتمعات المتحضرة، واللغة الرسمية للمغرب هي اللغة العربيةّ!.. لأنها سبيل التواصل مع المواطنين من جهة، ومع الدول المختلفة، وهي لغة الدين، ولغة القرآن، وعندما نقول اللغة، فإننا نقصد، اللغة الرسمية وهي اللغة الوطنية، أي اللغة العربية التي نتكلمها ونحبها، ونحترمها، ونتعامل بها حضاريا..، ولكن عندما نقول اللغة، فإنه يجب عدم إلغاء ما بجانبها من لغات صغيرة تابعة، ولهجات أخرى تتبعها، فهنا في المغرب إذا كانت لغتنا الرسمية هي اللغة العربية التي هي لغة الدين، ولغة القرآن، وهي اللغة الرسمية، والوطنية، فإننا لا يمكن أن نلغي ما بجانبها من لهجات ولغات تابعة، مثل الأمازيغية، والسوسية، والريفية، والحسانية، ومثل اللهجات العامية العربية، المختلفة مثل لهجة مراكش، ولهجة فاس، والرباط، والشمال ألخ.
فهذه اللغات الصغيرة، أو اللهجات المختلفة تابعة للغة العربية التي هي اللغة الوطنية الرسمية للمغرب.
ملاحظة:ولا ينبغي القول بأن في المغرب اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية فقط، بل ينبغي القول بأن هناك لهجات عربية عامة إلى جانب الأمازيغية والريفية، والسوسية ألخ..
العنصر الثالث:3 الوطن: والوطن أيضا عنصر أساسي في تكوين الهوية الوطنية!. فالوطن عندنا هو البلد الذي يعيش فيه أهالي المجتمع الذين يتحدثون بهذه اللغة الوطنية، ويدينون بالدين الإسلامي...
ونلاحظ أنه قد بدأت الروح الوطنية، أو روح المواطنة تضعف في المجتمع المغربي، وذلك ما يتجلى في الهجرة المعاصرة، التي يقوم بها بعض المواطنين إلى المجتمعات الأوروبية، والتي لا يسعى إليها فقط بعض المواطنين العاطلين الذين يرغبون في إيجاد العمل في دول متقدمة، ولكن يوجد مع الأسف، إلى جانب هؤلاء الباحثين عن العمل، بعض كبار المثقفين وبعض الأطر المهمة التي لها إمكانيات مادية وفكرية، مهمة، ومع ذلك تهاجر إلى بلاد أخرى، وهذه هجرة غير سليمة لأنها تُهاجر وطنها، وتذهب إلى مجتمع آخر لتخدمه، وتحرم وطنها من ثمار أعمالها وأفكارها بوصفها أطرا عليا في المجتمع، فالوطن والتعلق بالوطن وحب الوطن من أهم المقومات الأساسية للهوية المغربية...
العنصر الرابع: 4 وهناك عنصر آخر مهم من عناصر الهوية العربية والمغربية، ذلك هو عنصر الثقافة، وهي تراث عربي إسلامي أصيل في المغرب، وهو ذو أهمية خصوصا في مجالات الحضارة، وفي ميادين العلوم الإسلامية، والآداب، والفنون، ومختلف المهن الاجتماعية، والصِّناعات التي يعتز بها المغاربة، ويلاحظ أن هناك تراثا غنيا وغزيراً نعتز به نحن المغاربة!. ونحن ضد أولئك الذين يريدون الاهتمام بالحضارة الحديثة، والعالم الجديد بعد التخلي عن تراثهم الوطني الثقافي، الذي يقال عنه أنه تراث قديم، لا يكفي للوصول إلى المنافسة للحضارة والحداثة، ولذلك فيجب أن ندخل إلى هذه الميادين بتراثنا وحضارتنا، وثقافتنا!..
ولا يجب أن نكون كالذين لا تراث لهم ولا هوية لهم، بل نحن ندخل إلى ميدان الحداثة بلغتنا وتراثنا، وحضارتنا، وثقافتنا، ومقوماتنا كلها، ونفرض احترام الآخر لحضارتنا، ولغتنا، ووطننا، وثقافتنا، وهويتنا، وصناعتنا، ومقوماتنا الأساسية!.. ولا نرغب في التحرر من حضارتنا، ولغتنا وثقافتنا، ومقوماتنا، لنلتحق بركب الحداثة، وهو ما تدعو له العولمة!..
أ- ما هي العولمة
فما هي العولمة التي نسمع عنها في مجالات الإعلام والسياسة، والثقافة، والاقتصاد، والحضارة المعاصرة؟.
ويخطئ بعض الدارسين والباحثين حينما يقررون أن العولمة مرادفة للعالمية. فهذا خطأ فادح، ذلك أن العالمية هي من مزايا الدين الإسلامي، أما العولمة فهي فكرة فلسفية لدولة متحضرة قوية، تفرض على الناس أن تكون حضارتهم، ولغتهم، واقتصادهم، فكرة لاصقة بحضارتها، وفلسفتها، أي بحضارة وثقافة تلك الدولة القوية، يتبعونها، يومنون بها، وإن كانت خارجة عن تربيتهم وحضارتهم، وثقافتهم، وتراثهم الوطني، ومثل العولمة، قولهم:القولبة، أي إدخال شخص أو شيء ما في قالب. ويجب التفريق بين العولمة والعالمية، فنحن المسلمين نعتنق دينا يدعو إلى العالمية لا إلى العولمة، فالدين الإسلامي جاء عاما، يدعو الناس جميعا، ويدعو الشعوب كلها إلى الله؛ كما يقول الله تعالى:" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل، لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
فالإسلام يخاطب جميع الناس، والرسول عليه السلام أرسله الله لتبليغ الرسالة إلى جميع الناس، وإلى جميع الشعوب والأمم!..وهذه هي العالمية التي جاء بها الدين الإسلامي!..وهي مخالفة لفكرة العولمة!..
فالمقصود والمفهوم من الآية الكريمة، أن الله جعلنا شعوبا وقبائل للتعارف فيما بيننا! والتعارف هنا شمولي، من تبادل الخبرة والأفكار، فالعولمة هي محاولة إدخال جميع الدول في قالب واحد، وحضارة واحد،مها اختلفت حضارات الناس، ذلك أن الإسلام جاء للناس كافة، أما العولمة فهي تفرض على الناس نمطاً معيناً من الحضارة، والاقتصاد، والسياسة، وهو خلاف للتعارف الذي أراده الإسلام، وهو شعار من شعاراته. فالعولمة لها جوانب متعددة: فهناك الجانب السياسي الشائع، الذي يعرفه الناس جميعا، وهناك الجانب الاقتصادي، مثل السوق المفتوحة، والسوق الحرة، وتبادل البضائع، وإلغاء الحواجز، والجمارك،و..و..ألخ..
وهذا شيء في حد ذاته لا بأس به، غير أن اقتصاد العولمة، أو عولمة الاقتصاد، وقد بدأت تطبق على الشعوب الضعيفة مثل شعبنا، هذا النوع من اقتصاد العولمة، أو عولمة الاقتصاد لا يلائمنا؛ لأنها تضعف من اقتصادنا، وتتطلب منافسة قوية للوصول إلى مستوى الدول الكبرى؛ ذات الاقتصاد الكبير الذي يتوفر على قوة كبيرة في الإنتاج أي في إيجاد السلع و البضائع؛ وشعوبنا الضعيفة لا تتوفر على اقتصاد وطني قوي، وإنتاج كبير يخولنا القدرة على تزويد السوق العالمية ببضائع مثل التي تأتي من الخارج، وبأثمنة مناسبة، مثل بضائع الصين، وبضائع أمريكا، بحيث تنافس صناعتنا تلك الصناعات الخارجية، مثلا بالنسبة لإنتاجنا وصناعتنا في المغرب، فإن صناعتنا في النسيج، والزرابي على سبيل المثال، غير قادرة على منافسة السوق الأوروبية والسوق الأمريكية،أو السوق الصينية مثلا، أو غيرها من الأسواق، بحيث يمكن لأسواقنا تزويد صناعتنا ببضائع مماثلة في النسيج مثلا كمنافسة للبضائع العالمية، وذلك لأنه لا أحد في العالم قد يترك زربية جميلة من نوع زرابي تركيا مثلا، أو غيرها التي تساوي مثلا ألف درهم، ويشتري زربية مغربية مماثلة بعشرة آلاف درهم، وكذلك مثلا، قد يقال أنه قد يكون هناك اتصال باقتصاد دول أخرى، وعلى سبيل المثال فلا يمكن للصناعة المغربية في نطاق المنافسة الاقتصادية أن تنتج مثلا مليونا من القمصان بثمن السوق الأروبية مثلا، فنحن نجد كثيرا من البضائع المماثلة لاقتصادنا بثمن أقل، وعلى سبيل المثال، فالاقتصاد الوطني سيضعف ويتقلص، لأننا لا نتوفر على شروط المنافسة الاقتصادية الضرورية، فالمغرب ليس لـه إمكانيات للمنافسة التي تحتاج إلى جهود ضخمة، فمثلا إذا جاء السائح إلى السوق، وأراد أن يشتري مثلا حذاء فإنه يجد حذاء في المغرب يساوي مثلا مائة درهم، في حين أنه يجد مثل هذا الحذاء تقريبا بنحو عشرة دراهم، فالمواطن الضعيف يرغب في شراء بضاعة بثمن رخيص ولا تهمه الجودة، فالدول التي لها صناعة قوية ومنافسة كبيرة في الأسواق، مثل البضائع الصينية على سبيل المثال، تفرض بضائعها. فالأحذية الصينية وهي متوفرة بكثرة في الأسواق العالمية، ولكنها تنقص من قيمة اقتصادنا وتقضي عليه، وتقضي كذلك حتى على اليد العاملة التي تصنع هذه البضائع وهذا الاقتصاد المغربي كالزرابي، والقمصان، والأحذية على سبيل المثال!..
فاليد العاملة في المغرب ستصبح عاطلة لأن اليد العاملة في الأسواق الأروبية والصينية تقضي عليها.
6) فهذه العولمة الاقتصادية كارثة على الاقتصادات الضعيفة، كالاقتصاد المغربي، واقتصادات الدول الضعيفة، وهذه العولمة ليست مقتصرة على الجانب الاقتصادي فقط: بل هي تشمل السيطرة على المجالات الاجتماعية، والسياسية، في مختلف المجتمعات المتخلفة!..
فالعولمة تفرض على الدول أنظمة معينة واتفاقات معينة، وأن مختلف المجتمعات الضعيفة تضطر إلى قبول هذه الاتفاقات في العولمة، ولو أنها ملْغومة في معظمها.
7) فالعولمة تريد أن تُعَوْلِمَ كل الهويات الثقافية والاجتماعية، وحتى العولمة الثقافية أو الجانب المتعلق بالهوية الدينية، والاجتماعية، وحتى المعتقدات الدينية، ولكن هل يُتصور أن نتخلى عن مقوماتنا الدينية؟ أو اللغوية؟ أو الثقافية؟ لمواجهة هذه العولمة؟.. الجواب بالنفي طبعا..
وهناك مجموعة من الحلول للانسجام مع العولمة:
1) الحل الأول: أن ننحني أمام هذه العولمة، ونقبلها بعلتها.
مثلا أرادوا أن يتدخلوا في اللغة، فيمكننا أن ننحني ونقبل التخلي عن لغتنا، وعن ثقافتنا، وأرادوا أن يلغوا ما في تربيتنا الوطنية من آيات دينية، وخلقية، فهل نقبل ذلك؟
وهناك نقاط تتعلق بالمعتقدات، فهم في المجتمعات المتقدمة يريدون أن يلغوا ما في القرآن الكريم من سور وآيات لا تعجبهم، كالآيات التي تدعو للجهاد على سبيل المثال.
الجواب بالنفي، لأننا لا يمكن أن نتخلى عن هويتنا اللغوية، والثقافية، والدينية، فهذا الاختيار غير مقبول.
2) والاختيار الثاني هو مواجهة العولمة!.. والمواجهة للعولة صعبة، فكيف نواجهها؟
كيف نواجه هذه العولمة؟ ونحن متخلفون علميا واقتصاديا وصناعيا؟..
نحن لا نقدر على مواجهة هذه العولمة...
فلو تصورنا أن الساسة العرب قبلوا الاختيار السابق، أي قبول العولمة كما هي، فالشعوب العربية لا تقبل ذلك..
فالإنتاج العالمي يفرض العولمة على الشعوب الضعيفة..
ونحن، مع الأسف، نُشارك في الإنتاج العالمي..فنحن نستهلك مع الأسف ما ينتجه الآخرون!. فلو كانت لنا جامعات علمية عظيمة، ومصانع إنتاج كبيرة، ومراكز أبحاث مهمة، وكنا ننتج كل ما ينتجه الآخرون، ونبتكر ونشجع المبتكرين لكنا في المستوى الأفضل على المطلوب، ولكنا متخلفون عن ركب التقدم مع الأسف!..
وذلك لأسباب كثيرة:
أولا: لأننا ما زلنا ملتصقين في الأرض ولا ننتج، وذلك لسبب رئيسي، ذلك لأن الغرب يريدنا أن نبقى مستهلكين، وبعيدين من وسائل الإنتاج، والغرب يرفض أن نسير في ركب التقدم، فهو يحاربنا ويريد أن نستهلك الإنتاج، ولا يريد منا أن ننتج هذا التقدم، ولا يريد أن يمكننا من مفتاح الدخول إلى عالم ميدان الإنتاج والتقدم.. ولا يريد أن نواكبه في الإنتاج والتقدم كذلك..!
كما لا يريد منا الدخول إلى عالم الحداثة، ولكن يريدنا أن نبقى كما نحن فقراء، وأن يعطينا ما نحن بحاجة إليه للاستهلاك- ولكن عالم الحداثة التي نتشدق بها في مجلاتنا وصحفنا لا يريده الغرب لنا، ويظهر أن هناك اختيارا ثالثا هو:
التوفيق بين عولمة الغرب وبين هويتنا الوطنية!..
7) فالتوفيق بين العولمة وبين الهوية، يقتضي المواجهة والصمود. ذلك أن التوفيق ليس سهلا، فالتوفيق يعني أن ندخل مع الغرب في حوار.. ولكن هذا الحوار يقتضي شروطا أساسية:
- المعرفة: فينبغي أن أعرفك وأن تعرفني.
ولكن هل الغرب يعرفنا كما ينبغي أن يعرفنا؟
وهل نحن نعرفه كما ينبغي لنا ذلك؟ ربما كنا نعرفه أكثر مما يعرفنا هو!..
وهل نحن نعرف أنفسنا وذاتنا وقيمة ذاتنا؟ وما لنا من إمكانات؟.. وهكذا أصبحنا نتحدث كثيرا عن هذا الحوار، حتى فقد مصداقيته!. نتحدث عن الحوار ولكن نقطة البدء غير موجودة!..
إن قضية الهوية في غاية الأهمية، لأنها كانت هي السبب في الاهتمام بقضية جامعة ابن يوسف بمراكش، وجامعة القرويين بفاس، وهي التي جعلت المغاربة يعتنقون الإسلام عبر المذهب المالكي، ويحاربون غيره، كالدين المسيحي، واللادينية، وغيرها، ولذلك يجب أن نحارب التحديات التي تواجه هذه الهوية المغربية. وعلى رأسها العولمة!..
فهل تريدون الاستمرار في مناقشة الهوية؟ أو نحاضر فقط في المذهبية التي اعتنقها المغاربة عبر التاريخ؟.
- وهنا يتدخل الجمهور الحاضر، وفي مقدمتهم الدكتور أحمد شوقي بنبين، والأستاذ إبراهيم الهلالي طالبين من المحاضر أن يتفضل بمناقشة الموضوعين معا.
1) الهوية المغربية ومقوماتها، والمذهب الذي اعتنقه المغاربة عبر اعتناقهم للإسلام!..
وهكذا تابع السيد المحاضر مناقشته للموضوعين فيما يلي:
2) لماذا موضوع الهوية؟ لأنه طرح وما يزال يطرح على الدول العربية والإسلامية، بصفة خاصة، وعلى الدول والشعوب النامية كذلك، التمسك بمقوماتها الوطنية، وحتى بالنسبة كذلك لبعض الشعوب المتحضرة، التي تحارب التحديات المواجهة لهويتها، والتي ترمي لجعل العولمة الاستعمارية تتحدى الهويات الوطنية، التي تواجه هذه القوة العالمية التي تهيمن على كثير من الهويات الوطنية للدول والشعوب المتخلفة التي تريد الحفاظ على هويتها.
3) توضيح الهوية، وصراعها مع العولمة: ولكي نوضح هذا الموضوع، يجب أن نُعرف ما هي هذه الهوية الوطنية التي نحافظ عليها، ما هي علاقتها بمفهوم الحفاظ على الكيان الوطني، وعلاقتها بالعولمة في السياسة والاقتصاد؟
4) الهوية هي الذات، ويقرأها بعضهم بفتح الهاء، ولكنها في الواقع يجب قراءتها بضم الهاء، من الضمير الغائب المنفصل "هو"، وهذه الهوية هي الشخصية، وهي الكيان بالنسبة لكل مجتمع، وشعب، ودولة، وبالنسبة لكل أمة، هذه الهوية هي التي تطبع شخصية هذا المجتمع ولها مقومات تشكلها، أي مكونات تكونها. ويمكن تلخيص هذه المقومات للهوية، في ثلاث أو أربع نقاط أساسية وهي:
العنصر الأول:1 الدين، وإن تنكَّرَ لـه كثير من المفكرين الأروبيين فالدين يُعتبر أهم مقومات الهوية، بل هو العنصر الأساسي في تشكيل الهوية.
العنصر الثاني:2 اللغة:وهي العنصر الثاني والأساسي أيضا في تكوين الهوية، فاللغة في أي مجتمع هي سبيل تواصل المجتمع مع غيره من المجتمعات المتحضرة، واللغة الرسمية للمغرب هي اللغة العربيةّ!.. لأنها سبيل التواصل مع المواطنين من جهة، ومع الدول المختلفة، وهي لغة الدين، ولغة القرآن، وعندما نقول اللغة، فإننا نقصد، اللغة الرسمية وهي اللغة الوطنية، أي اللغة العربية التي نتكلمها ونحبها، ونحترمها، ونتعامل بها حضاريا..، ولكن عندما نقول اللغة، فإنه يجب عدم إلغاء ما بجانبها من لغات صغيرة تابعة، ولهجات أخرى تتبعها، فهنا في المغرب إذا كانت لغتنا الرسمية هي اللغة العربية التي هي لغة الدين، ولغة القرآن، وهي اللغة الرسمية، والوطنية، فإننا لا يمكن أن نلغي ما بجانبها من لهجات ولغات تابعة، مثل الأمازيغية، والسوسية، والريفية، والحسانية، ومثل اللهجات العامية العربية، المختلفة مثل لهجة مراكش، ولهجة فاس، والرباط، والشمال ألخ.
فهذه اللغات الصغيرة، أو اللهجات المختلفة تابعة للغة العربية التي هي اللغة الوطنية الرسمية للمغرب.
ملاحظة:ولا ينبغي القول بأن في المغرب اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية فقط، بل ينبغي القول بأن هناك لهجات عربية عامة إلى جانب الأمازيغية والريفية، والسوسية ألخ..
العنصر الثالث:3 الوطن: والوطن أيضا عنصر أساسي في تكوين الهوية الوطنية!. فالوطن عندنا هو البلد الذي يعيش فيه أهالي المجتمع الذين يتحدثون بهذه اللغة الوطنية، ويدينون بالدين الإسلامي...
ونلاحظ أنه قد بدأت الروح الوطنية، أو روح المواطنة تضعف في المجتمع المغربي، وذلك ما يتجلى في الهجرة المعاصرة، التي يقوم بها بعض المواطنين إلى المجتمعات الأوروبية، والتي لا يسعى إليها فقط بعض المواطنين العاطلين الذين يرغبون في إيجاد العمل في دول متقدمة، ولكن يوجد مع الأسف، إلى جانب هؤلاء الباحثين عن العمل، بعض كبار المثقفين وبعض الأطر المهمة التي لها إمكانيات مادية وفكرية، مهمة، ومع ذلك تهاجر إلى بلاد أخرى، وهذه هجرة غير سليمة لأنها تُهاجر وطنها، وتذهب إلى مجتمع آخر لتخدمه، وتحرم وطنها من ثمار أعمالها وأفكارها بوصفها أطرا عليا في المجتمع، فالوطن والتعلق بالوطن وحب الوطن من أهم المقومات الأساسية للهوية المغربية...
العنصر الرابع: 4 وهناك عنصر آخر مهم من عناصر الهوية العربية والمغربية، ذلك هو عنصر الثقافة، وهي تراث عربي إسلامي أصيل في المغرب، وهو ذو أهمية خصوصا في مجالات الحضارة، وفي ميادين العلوم الإسلامية، والآداب، والفنون، ومختلف المهن الاجتماعية، والصِّناعات التي يعتز بها المغاربة، ويلاحظ أن هناك تراثا غنيا وغزيراً نعتز به نحن المغاربة!. ونحن ضد أولئك الذين يريدون الاهتمام بالحضارة الحديثة، والعالم الجديد بعد التخلي عن تراثهم الوطني الثقافي، الذي يقال عنه أنه تراث قديم، لا يكفي للوصول إلى المنافسة للحضارة والحداثة، ولذلك فيجب أن ندخل إلى هذه الميادين بتراثنا وحضارتنا، وثقافتنا!..
ولا يجب أن نكون كالذين لا تراث لهم ولا هوية لهم، بل نحن ندخل إلى ميدان الحداثة بلغتنا وتراثنا، وحضارتنا، وثقافتنا، ومقوماتنا كلها، ونفرض احترام الآخر لحضارتنا، ولغتنا، ووطننا، وثقافتنا، وهويتنا، وصناعتنا، ومقوماتنا الأساسية!.. ولا نرغب في التحرر من حضارتنا، ولغتنا وثقافتنا، ومقوماتنا، لنلتحق بركب الحداثة، وهو ما تدعو له العولمة!..
أ- ما هي العولمة
فما هي العولمة التي نسمع عنها في مجالات الإعلام والسياسة، والثقافة، والاقتصاد، والحضارة المعاصرة؟.
ويخطئ بعض الدارسين والباحثين حينما يقررون أن العولمة مرادفة للعالمية. فهذا خطأ فادح، ذلك أن العالمية هي من مزايا الدين الإسلامي، أما العولمة فهي فكرة فلسفية لدولة متحضرة قوية، تفرض على الناس أن تكون حضارتهم، ولغتهم، واقتصادهم، فكرة لاصقة بحضارتها، وفلسفتها، أي بحضارة وثقافة تلك الدولة القوية، يتبعونها، يومنون بها، وإن كانت خارجة عن تربيتهم وحضارتهم، وثقافتهم، وتراثهم الوطني، ومثل العولمة، قولهم:القولبة، أي إدخال شخص أو شيء ما في قالب. ويجب التفريق بين العولمة والعالمية، فنحن المسلمين نعتنق دينا يدعو إلى العالمية لا إلى العولمة، فالدين الإسلامي جاء عاما، يدعو الناس جميعا، ويدعو الشعوب كلها إلى الله؛ كما يقول الله تعالى:" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل، لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
فالإسلام يخاطب جميع الناس، والرسول عليه السلام أرسله الله لتبليغ الرسالة إلى جميع الناس، وإلى جميع الشعوب والأمم!..وهذه هي العالمية التي جاء بها الدين الإسلامي!..وهي مخالفة لفكرة العولمة!..
فالمقصود والمفهوم من الآية الكريمة، أن الله جعلنا شعوبا وقبائل للتعارف فيما بيننا! والتعارف هنا شمولي، من تبادل الخبرة والأفكار، فالعولمة هي محاولة إدخال جميع الدول في قالب واحد، وحضارة واحد،مها اختلفت حضارات الناس، ذلك أن الإسلام جاء للناس كافة، أما العولمة فهي تفرض على الناس نمطاً معيناً من الحضارة، والاقتصاد، والسياسة، وهو خلاف للتعارف الذي أراده الإسلام، وهو شعار من شعاراته. فالعولمة لها جوانب متعددة: فهناك الجانب السياسي الشائع، الذي يعرفه الناس جميعا، وهناك الجانب الاقتصادي، مثل السوق المفتوحة، والسوق الحرة، وتبادل البضائع، وإلغاء الحواجز، والجمارك،و..و..ألخ..
وهذا شيء في حد ذاته لا بأس به، غير أن اقتصاد العولمة، أو عولمة الاقتصاد، وقد بدأت تطبق على الشعوب الضعيفة مثل شعبنا، هذا النوع من اقتصاد العولمة، أو عولمة الاقتصاد لا يلائمنا؛ لأنها تضعف من اقتصادنا، وتتطلب منافسة قوية للوصول إلى مستوى الدول الكبرى؛ ذات الاقتصاد الكبير الذي يتوفر على قوة كبيرة في الإنتاج أي في إيجاد السلع و البضائع؛ وشعوبنا الضعيفة لا تتوفر على اقتصاد وطني قوي، وإنتاج كبير يخولنا القدرة على تزويد السوق العالمية ببضائع مثل التي تأتي من الخارج، وبأثمنة مناسبة، مثل بضائع الصين، وبضائع أمريكا، بحيث تنافس صناعتنا تلك الصناعات الخارجية، مثلا بالنسبة لإنتاجنا وصناعتنا في المغرب، فإن صناعتنا في النسيج، والزرابي على سبيل المثال، غير قادرة على منافسة السوق الأوروبية والسوق الأمريكية،أو السوق الصينية مثلا، أو غيرها من الأسواق، بحيث يمكن لأسواقنا تزويد صناعتنا ببضائع مماثلة في النسيج مثلا كمنافسة للبضائع العالمية، وذلك لأنه لا أحد في العالم قد يترك زربية جميلة من نوع زرابي تركيا مثلا، أو غيرها التي تساوي مثلا ألف درهم، ويشتري زربية مغربية مماثلة بعشرة آلاف درهم، وكذلك مثلا، قد يقال أنه قد يكون هناك اتصال باقتصاد دول أخرى، وعلى سبيل المثال فلا يمكن للصناعة المغربية في نطاق المنافسة الاقتصادية أن تنتج مثلا مليونا من القمصان بثمن السوق الأروبية مثلا، فنحن نجد كثيرا من البضائع المماثلة لاقتصادنا بثمن أقل، وعلى سبيل المثال، فالاقتصاد الوطني سيضعف ويتقلص، لأننا لا نتوفر على شروط المنافسة الاقتصادية الضرورية، فالمغرب ليس لـه إمكانيات للمنافسة التي تحتاج إلى جهود ضخمة، فمثلا إذا جاء السائح إلى السوق، وأراد أن يشتري مثلا حذاء فإنه يجد حذاء في المغرب يساوي مثلا مائة درهم، في حين أنه يجد مثل هذا الحذاء تقريبا بنحو عشرة دراهم، فالمواطن الضعيف يرغب في شراء بضاعة بثمن رخيص ولا تهمه الجودة، فالدول التي لها صناعة قوية ومنافسة كبيرة في الأسواق، مثل البضائع الصينية على سبيل المثال، تفرض بضائعها. فالأحذية الصينية وهي متوفرة بكثرة في الأسواق العالمية، ولكنها تنقص من قيمة اقتصادنا وتقضي عليه، وتقضي كذلك حتى على اليد العاملة التي تصنع هذه البضائع وهذا الاقتصاد المغربي كالزرابي، والقمصان، والأحذية على سبيل المثال!..
فاليد العاملة في المغرب ستصبح عاطلة لأن اليد العاملة في الأسواق الأروبية والصينية تقضي عليها.
6) فهذه العولمة الاقتصادية كارثة على الاقتصادات الضعيفة، كالاقتصاد المغربي، واقتصادات الدول الضعيفة، وهذه العولمة ليست مقتصرة على الجانب الاقتصادي فقط: بل هي تشمل السيطرة على المجالات الاجتماعية، والسياسية، في مختلف المجتمعات المتخلفة!..
فالعولمة تفرض على الدول أنظمة معينة واتفاقات معينة، وأن مختلف المجتمعات الضعيفة تضطر إلى قبول هذه الاتفاقات في العولمة، ولو أنها ملْغومة في معظمها.
7) فالعولمة تريد أن تُعَوْلِمَ كل الهويات الثقافية والاجتماعية، وحتى العولمة الثقافية أو الجانب المتعلق بالهوية الدينية، والاجتماعية، وحتى المعتقدات الدينية، ولكن هل يُتصور أن نتخلى عن مقوماتنا الدينية؟ أو اللغوية؟ أو الثقافية؟ لمواجهة هذه العولمة؟.. الجواب بالنفي طبعا..
وهناك مجموعة من الحلول للانسجام مع العولمة:
1) الحل الأول: أن ننحني أمام هذه العولمة، ونقبلها بعلتها.
مثلا أرادوا أن يتدخلوا في اللغة، فيمكننا أن ننحني ونقبل التخلي عن لغتنا، وعن ثقافتنا، وأرادوا أن يلغوا ما في تربيتنا الوطنية من آيات دينية، وخلقية، فهل نقبل ذلك؟
وهناك نقاط تتعلق بالمعتقدات، فهم في المجتمعات المتقدمة يريدون أن يلغوا ما في القرآن الكريم من سور وآيات لا تعجبهم، كالآيات التي تدعو للجهاد على سبيل المثال.
الجواب بالنفي، لأننا لا يمكن أن نتخلى عن هويتنا اللغوية، والثقافية، والدينية، فهذا الاختيار غير مقبول.
2) والاختيار الثاني هو مواجهة العولمة!.. والمواجهة للعولة صعبة، فكيف نواجهها؟
كيف نواجه هذه العولمة؟ ونحن متخلفون علميا واقتصاديا وصناعيا؟..
نحن لا نقدر على مواجهة هذه العولمة...
فلو تصورنا أن الساسة العرب قبلوا الاختيار السابق، أي قبول العولمة كما هي، فالشعوب العربية لا تقبل ذلك..
فالإنتاج العالمي يفرض العولمة على الشعوب الضعيفة..
ونحن، مع الأسف، نُشارك في الإنتاج العالمي..فنحن نستهلك مع الأسف ما ينتجه الآخرون!. فلو كانت لنا جامعات علمية عظيمة، ومصانع إنتاج كبيرة، ومراكز أبحاث مهمة، وكنا ننتج كل ما ينتجه الآخرون، ونبتكر ونشجع المبتكرين لكنا في المستوى الأفضل على المطلوب، ولكنا متخلفون عن ركب التقدم مع الأسف!..
وذلك لأسباب كثيرة:
أولا: لأننا ما زلنا ملتصقين في الأرض ولا ننتج، وذلك لسبب رئيسي، ذلك لأن الغرب يريدنا أن نبقى مستهلكين، وبعيدين من وسائل الإنتاج، والغرب يرفض أن نسير في ركب التقدم، فهو يحاربنا ويريد أن نستهلك الإنتاج، ولا يريد منا أن ننتج هذا التقدم، ولا يريد أن يمكننا من مفتاح الدخول إلى عالم ميدان الإنتاج والتقدم.. ولا يريد أن نواكبه في الإنتاج والتقدم كذلك..!
كما لا يريد منا الدخول إلى عالم الحداثة، ولكن يريدنا أن نبقى كما نحن فقراء، وأن يعطينا ما نحن بحاجة إليه للاستهلاك- ولكن عالم الحداثة التي نتشدق بها في مجلاتنا وصحفنا لا يريده الغرب لنا، ويظهر أن هناك اختيارا ثالثا هو:
التوفيق بين عولمة الغرب وبين هويتنا الوطنية!..
7) فالتوفيق بين العولمة وبين الهوية، يقتضي المواجهة والصمود. ذلك أن التوفيق ليس سهلا، فالتوفيق يعني أن ندخل مع الغرب في حوار.. ولكن هذا الحوار يقتضي شروطا أساسية:
- المعرفة: فينبغي أن أعرفك وأن تعرفني.
ولكن هل الغرب يعرفنا كما ينبغي أن يعرفنا؟
وهل نحن نعرفه كما ينبغي لنا ذلك؟ ربما كنا نعرفه أكثر مما يعرفنا هو!..
وهل نحن نعرف أنفسنا وذاتنا وقيمة ذاتنا؟ وما لنا من إمكانات؟.. وهكذا أصبحنا نتحدث كثيرا عن هذا الحوار، حتى فقد مصداقيته!. نتحدث عن الحوار ولكن نقطة البدء غير موجودة!..