أخيرا جازفت وطلبت من الاستاذ جبرا ابراهيم جبرا ان يسمح لي باجراء حوار معه .. والغريب انه وافق .. وهنا بدأت المشكلة .
ما هي الموضوعات التي سأتحدث بها ، فانا امام روائي وناقد ومترجم وشاعر ومسرحي وتشكيلي ، قلت مع نفسي لأبدأ بسؤال تقليدي ربما استطيع من خلاله ان أمسك بناصية الحوار فسألت ببساطة .
• لماذا تكتب؟
- اجاب مبتسما منذ سنتين لم اكتب انشغلت بالترجمة
• على ذكر الترجمة.. لماذا اخترت الصخب والعنف بالذات لتقدمها للقارئ العربي ؟
كان هذا السؤال أشبه بالمشكلة التي يلقيها الواحد منا ثم ينتظر كيف تحل . ساد الصمت لحظات ..بعدها تكلم جبرا وكان علي ان ألاحقه ، فهو حين يتكلم .. يتدفق ، فتراه مثل ممثلي المسرح يندمج في الحديث ، يتقمص ، يتكلم ويتوقف ، يلون صوته ، وينسق الكلام مع حركة يديه ، انه يستأثر بك فتنسى موضوع الحوار ، وتكتفي بمتعة النظر اليه وسماعه وهو يتحدث .. الذين يعرفونه جيداً يقولون انها خطته العكسية في جعل الحوار يتحول الى مبارزة فكرية .. انه لايمنحك حديثاً ، وانما يقدم محاضرة في شتى أنواع المعارف . وكانت هذه هي المشكلة التي حاولت علاجها وانا أكتب ما يقوله .
************
كان باب المنزل الخارجي مفتوحا واستطعت ان اسمع صوت آلة كاتبة تدل على ان صاحبها يستعمل فقط اصبعين ، عدت لأضغط ثانية على جرس الباب وانا أقول لنفسي هل يعقل ان المعلم يستخدم نفس الآلة الكاتبة التي نستخدمها نحن تلامذته .. كنت أتوقعها آلة اخرى لاتُحدث أصواتا ، لحظات يتوقف خلالها صوت الآلة لأرى أمامي رجلا زحف الشيب الى رأسه وقبل ان اتكلم قال : ماذا تريد ياسيد
- وأخيراً استطيع ان أراك هكذا قلت والعرق يبلل جبهتي
بدت العبارة وكانها ملأت معدته بالغثيان ، إلتفت مرة او مرتين ثم قال
• عن ماذا تتحدث
- اجبت : عنك لقد قطعت مسافة كبيرة لألتقي بك
رأيته يعود يسألني واختلاجات الغثيان تظهر على وجهه بوضوح
• وما هو الأمر الذي تود ان تراني من أجله
حاولت أن أشرح له انني كاتب روائي صدرت لي رواية أثارت الاهتمام وانني أعمل الآن مراسلاً صحفياً ، وقد جئت لأجري معه حواراً لحساب إحدى المجلات ، وبدأت احاول أن أثير اهتماله فقلت له انني معجب بما يكتبه ، ولازلت اعتقد انه الأفضل بين كتاب هذا الجيل ، وأضفت ان بعض رواياته أروع ما قرأته في حياتي
نظر اليّ بإمتعاض ثم زفر وهو يقول : إدخل وسنرى ما الذي يمكنني أن أفعله لأجعلك تصمت
وفي حجرة الجلوس تأفأف قبل أن يدعوني للجلوس ثم بدأ يملأ غليونه ببطء، بعدها قال : انا لا أرغب باي أنواع الحديث الصحفي ، خصوصا عندما يريد مني مراسل صحفي أن أتفوّه بكلام يمتّع به قرّاءه وقبل ان أنطق بكلمة أضاف والآن ماذا تريد ان تقول بالتحديد
- قلت فقط أريد أن أعرف كيف تكتب ؟
• انتفض لا لا هذا ليس من اختصاص أحد هل تعني انك تريد أن تتبعني وتسجّل حركاتي ، وما أقوم به
- قلت واليأس يملأ نفسي ليس هذا ما أعنيه
واصل حديثه وهو يشعل الغليون دون ان ينظر اليّ : لا ياسيد هذا ليس من اختصاص أحد .. الكتابة شأن خاص بي وهززت رأسي موافقا وانا اقول وانا ايضا لاأسمح لأحد ان يسجل عليّ حركاتي نظر اليّ (فوكنر) وهو يسحب نفسا عميقا من الغليون ثم سأل ومن تكون أنت ؟
- انا (ارنست همنغواي) قلت، وعندي رواية ومجموعة من القصص وأعمل مراسلاً صحفياً
• وبعد.. قال والامتعاض يملأ وجهه
- أجبت لا شيء فقط كنت أحلم بان التقي بك وها قد تحقق الحلم
************
لحظات ثم تغير الموضوع !
انني أفكر في العودة الى سؤال جبرا ابراهيم جبرا عن الكتابه فقلت :
• عندما تشرع في كتابة رواية ..هل تخطط لها مقدما ، محدِدا أبعاد شخصياتها ، أم انك من نوع تشارلز ديكنز مثلاً الذي كان يترك نفسه يتشبث يما يكتبه حتى وان كان عفويا؟
يبتسم جبرا ثم يجيب : من هو الروائي؟ ، يقول هيغل إن مضمون العمل الفني هو الفنان نفسه ، انه يعطي الكلمة لعالمه الداخلي من أجل ان يوقظ على هذا النحو لدى قرائه المشاعر والحالات النفسية التي يشعر بها ، وحتى لو تناول العمل الادبي (ثيمات) موضوعية خارجية على حياته ، فان الكاتب الكبير سيبتعد عنها بسرعة كبيرة وسينتهي بأن يرسم صورة لنفسه
وسأسأل ثانية : أي الروائيين أقرب الى نفسك
يضحك جبرا حينها لحظات قصيرة ثم يقول : عندما فكرت في كتابة " السفينة " كنت انذاك اترجم الصخب والعنف لفوكنر ، كانت الرواية العربية في تلك الفترة منشغلة بالبحث عن أساليب جديدة خصوصا ان الواقعية كانت تلفظ انفاسها ، وكان لابد لي ان أهتم بهذا الجانب فوجدت في الصخب والعنف منقذاً لي من حيرتي انها رواية الاصوات المتعددة التي تمتلئ بالافكار المتداخلة والمتحررة من كل عبودية وخضوع لأي منطق وتجريبية أيضا من خلال علاقتها بالزمن .
************
خلال خمسة أعوام أعاد فوكنر كتابة الصخب والعنف عدة مرات لأن ناشر كتبه كان يرفض ان يطبع هذه الدفاتر الصغيرة المكتوب على الغلاف الاول منها بخط ناعم عنوان " الصخب والعنف " كان في الثانية والثلاثين من عمره ، الأوساط الادبية بدأت بالتعرف اليه مع نشر رواياته الاولى "رواتب الجنود" "بعوض"، و"سارتورس"- الرواية التي وضع فيها فوكنر كل آماله ، وكان يتوقع انه سيدخل تاريخ الأدب من خلالها ، وحين أخبره الناشر انها رواية طويلة ومملة ، اختصرها للنصف
سارتورس التي تدور أحداثها في الجنوب الاميركي حيث ثمة شعور بالملل من الحياة ، هي مفتاح لسلسلة من الروايات التي تناول فيها حياة أسرة اميركية ومن خلالها سلط الضوء على تدهور الجنوب الاميركي .
وعندما سأل بعد حصوله على نوبل عن سارتوس قال : " انها بوابتي لوصف هذا العالم حيث يختلط الشرف بالحب والرحمة بالكبرياء ، والعطف بالغرور،"
حين ظهرت"الصخب والعنف" عام 1929 لم يكن فوكنر يتوقع انها ستضعه على قائمة الكتاب الأكثر مكانة في تاريخ الادب العالمي ، فهي عمل تجريبي رغم انها تروي سيرة حياة أسرة من جنوب اميركا وهي سيرة آل كمبسُن ، من خلال استذكار ثلاثة إخوة للماضي، فضلا عن القسم الأخير الذي يرويه المؤلف، لذلك هي أشبه بسيمفونية تتكرر فيها الإشارة إلى الحوادث نفسها "كأن كل حادثة هي عبارة عن مقطوعة موسيقية واحدة لكنها تعزف في كل مرة من خلال آلة مختلفة. (بنجي) الذي يروي الحكاية في 7 نيسان 1928 معتوه، يسمع ولكن لا ينطق ولا يستطيع إلا الصراخ والعويل وهو حين يروي الحوادث لا يستطيع أن يرتبها زمنياً، وما حدث قبل عشرين سنة وما حدث اليوم كلاهما متساوي الأهمية عنده ، ، إنها مثل الحكاية التي أخبرنا عنها شكسبير في مكبث : انها حكاية يحكيها معتوه ، ملؤها الصخب والعنف ولا تعني أي شيء " ، و(كونتن) الذي يسرد حكايته في 2 حزيران 1910 طالب في هارفارد مفرط الحساسية؛ شديد التعلق بشرف الأسرة، و(جاسن) الذي يروي الحكاية بتاريخ 6 نيسان 1928 فظّ، شرس، ساديّ، أناني، يبغي من الحياة النجاح وتجميع الثروة عن أي طريق.
في الحوار الذي نشر همنغواي مقتطفات منه يسأل فوكنر : ألاحظ انك اخذت الكثير من شكسبير
يجيب فوكنر وهو ينظر من النافذة : هذا سؤال غير قابل للاجابة ، لاننا معشر الكتاب جميعنا قد تشكلنا بواسطة شكسبير ، وتلك على ما أظن المفارقة ، فالكلمات التي نستخدمها هي دائما نفس الكلمات التي اخترعها ، كلمات لم تكن لتوجد في اللغة حتى صاغها هو ، فشكسبير هو القانون لأن شكسبير هو نحن أنفسنا "
هل يمكن تلخيص الصخب والعنف..يكتب (هارولد بلوم) في كتابه " لماذا نقرأ" انني لست باحثا متبحراً في فوكنر ، ولكنني مجرد قارئ متحمس ، فانا افترض ان قراءتك لواحدة من روايات فوكنر بكل ما لديك من حدة وعقل يقظ سوف يكون نوعا من التدريب في عملية الإدراك ، أظن ان ذلك يمثل طريقة جديدة لايقاظ تلك الشعلة الداخلية ، لانبثاق النور في أعماقك ، او لخلق تلك الرئة التي تتنفس وتجعل أنفاسك تتسارع أكثر ، ليس بالضرورة قراءة فوكنر ستجعل منك شخصا أفضل ولكن من المؤكد انها ستثير بداخلك اسئلة جديدة ، ان فوكنر يشير لنا كيف يجب ان نفتح عقولنا بالتساؤلات والدهشة"
بعد ان تظهر الرواية الى العلن يقرر فوكنر ان يتوقف عن الكتابة قليلا ليرى ما الذي سيقوله القراء عن عمله الجديد ، لكن المبيعات تخيب أمله، الثلاثة آلاف نسخة التي طبعها الناشر لم يُبع منها سوى أقل من الفيّ نسخة ، فيما الرزم البقية تتكدس في المخازن ، النقاد يسخرون من الكاتب المتحفظ الجاف في تعامله ، رجل يملؤه التعصب والقسوة ، قادر على الإهانة ، صاحب الرواية التي هي اشبه بالكلمات المتقاطعة..ويكتب المحرر الادبي لصحيفة نيويورك تايمز ساخرا من الجنوبي المهووس بعالم المتاهات :" ترى ما الذي كان فوكنر، أصلاً، يريد قوله، عبر هذه الصفحات التي خطّها ووزعها في روايته الاخيرة ؟ لقد بدا واضحا ان السيد فوكنر لم يُخلق ليكون كاتبا"
************
في العام 1939 وبعد عشر سنوات على ظهور الصخب والعنف تظهر الترجمة الفرنسية ، كان أندريه جيد قد قرأ النسخة الانكليزية من الرواية وشجع صديقه صاحب دار غاليمار الشهيرة ان يترجم الرواية الى الفرنسية ، وما ان تصدر الطبعة الاولى منها حتى يتلقفها الفرنسيون فتبيع غاليمار العشرة آلاف الاولى من الرواية ، ويتحمس لها سارتر فيكتب مقالا مطولا في المجلة الادبية الفرنسية مبشرا بالروائي الذي توقع له ان يتربع على عرش الادب الحديث بل يذهب الحماس بسارتر الى ان يتمنى لو ان مارسيل بروست قرأ الصخب والعنف قبل ان يكتب البحث عن الزمن الضائع :" كان يتعين على بروست ان يستخدم تكنيكا شبيها بتكنيك فوكنر الروائي ، نحن ازاء ابطال ضائعون ولانهم ضائعون فهم يخاطرون بان يدفعوا بفكرهم الى نهايته ، أما أبطال بروست فهم كلاسيكيون يلتزمون الحذر حين يضيعون ، مع فوكنر نعيش في زمن التحولات التي يصعب تصورها ، وفوكنر يستخدم فنه الذي يفوق المعتاد ليصف لنا عالما يحتضر من الشيخوخة ونحن فيه نلهث ونشعر بالاختناق " وبعد سنوات يكتب البير كامو وهو يقدم الطبعة الفرنسية الجديدة من الصخب والعنف : أقل ما يمكننا أن نقول عن هذا الكاتب انه رجل أمسك بسر الأدب... وجعل لأميركا أدباً تجابه به الأدب الأوروبي "
لكن الناشر الاميركي لايزال يشكو قلة المبيعات ، وحين يخبرونه ان النسخة الفرنسية باعت عشرة الاف نسخة يضرب كفاً بكف وهو يقول " لا بد ان هؤلاء مجانين " وحين يلتقي فوكنر ذات يوم يقول له : الناس تشكو من روايتك ، هذه يقولون انهم لايفهمون منها شيئا حتى بعد ان يقرؤها مرتين او ثلاث مرات " يجيبه دون ان ينظر اليه " قل لهم ان يقرؤوها اربع مرات "
يتذكر فوكنر ان الصخب والعنف هي الرواية الوحيدة التي كتبها دون تعب او جهد ويقول لهمغواي انه عندما شرع في كتابتها لم تكن لديه أي خطة على الاطلاق ، كان قد كتب (راتب جندي) ولم تستغرق منه وقتا طويلا ونشرت بمساعدة صديقه شيرود اندرسن ليحصل من خلالها على اربعمئة دولار ، انه عمل سهل قال لنفسه ، ليكتب بعدها (البعوض) ويحصل على خمسمئة دولار ، يضحك وهو يتحدث عن هذه المهنة الممتعة التي تُدر كل هذه الاموال ولا تتطلب من صاحبها سوى الجلوس اربع ساعات في اليوم وراء لآلة الكاتبة ويقول لهمنغواي انه اكتشف طريقا يدر الكثير من المال ، لكنه ذات يوم بدا له ان عليه ان يقول لنفسه :" انني يمكنني ان أكتب الآن ، يمكنني ان أجعل من نفسي تلك الزهرية التي احتفظ بها الروماني القديم في سريره وأبلى حافتها من كثرة تقبله لها ، ومن ثم فانني انا الذي لم يكن لي اخت وكان قدري ان افقد ابنتي في طفولتها ، شرعت في ان اجعل من نفسي فتاة صغيرة تروي حكاية الصخب والعنف "
************
أقول لجبرا ابراهيم جبرا : لو تفحصنا تاريخ الادب والفن ، لوجدنا نوعين من الاعمال والمؤلفين ، ففي بعضها مثلا تكون حياة الكاتب اهم من اعماله ، ان حياة جان جاك روسو واعترافاته يمكن ان تكون مثالا لذلك، حيث ان حياته نفسها اصبحت أهم وأبقى من اعماله ، فيما نجد أعمالا اخرى يختفي فيها المؤلف بينما تبقى أعماله ..فوكنر مثلا نحن لانعرف كيف كان يعيش ، لقد اختفى الفنان داخل عمله ..من هنا أريد ان اسألك أنت مغرم بفوكنر لكننا كقراء نجد شخصية جبرا في معظم اعماله.
لحظات صمت ثم يرد جبرا في الواقع انا كنت حريصا في الدرجة الاولى على الاستفادة من تقنيات فوكنر الفنية في كتابة الرواية ، اما طريقته في الحياة فأنا أبعد ما اكون عنها ، فوكنر انعزالي ، وانا احب التجمعات سواء كانت اجتماعية او ثقافية . انا اجد نفسي جزءا من حراك ثقافي وفني متواصل منذ الاربعينيات ، وفوكنر كان يرى ان مهمته الاساسية البحث عن اسلوب جديد للأدب .
قلت : هل معرفة الحياة الشخصية للكاتب او الفنان تساعد على فهم اعمال - انا شخصيا عندما اقرأ للاخرين فإنني احاول ان اركز دائما على العمل الفني ذاته ، ولم يحدث في قراءاتي جميعها ان قرأت حياة كاتب قبل ان اقرأ اعماله .
كان فوكنر ينظر بغرابة لكل من يسأله عن حياته الشخصية وذات يوم قال ل(شرودر):- "وانا أسير في شوارع مسيسبي اشعر كان الجميع يراقبني ، ويريد ان يفهم كيف يمكن لرجل يجلس في الظل ويكسب 30 الف دولار مرة واحدة - كان هذا المبلغ هو قيمة جائزة نوبل انذاك - لمجرد انه كتب بعض كلمات على ورق ، في مسيسبي الرجال يفهمون انه لكي يحصلون على دولار عليهم ان يخرجوا اولا في الشمس ويعرقون وهذا ما يحيرهم في امري "
************
قال همنغواي لوهتشز في كتابه الممتع " بابا همنغواي " : لو كان بامكاني ان اذهب لالتقي بالمعلم سأله كيف يستطيع ان يواصل الكتابة بعد ان كتب ملحمته عن الصخب؟
سنفعل نذهب اليه هل تعتقد انه سيرحب بنا قال هوتشز
• سأحدثه قبل ان نذهب، تعرف ان مزاجه متقلب قال همنغواي، وهو ينحني لألتقاط حجرٍ براقٍ من على الارض ويواصل القول : ليس هناك من شيء يجلب الحظ لكاتب عجوز مثلي لايستطيع ان يكتب خمس سطور جيدة
صرخت فيه : بابا ..بابا ياللهول إصمت توقف لازلت أفضل كتّاب اميركا
• كيف تقول مثل هذا الكلام بحق الجحيم ، لقد هزمني المعلم العجوز المتربع على عرشه في المسيسبي
• ولكنك علمتني ان الانسان لم يخلق للهزيمة ، قد يتحطم لكنه لايهزم
************
14 تموز عام 1961 يدخل عليه سكرتيره ليقدم له نسخة من مجلة (لايف) الذي يتضمن مقابلة أجراها محرر المجلة معه ينظر فوكنر باستغراب الى غلاف المجلة لقد وعده المحرر إن صورته ستتصدر الغلاف لكنهم وضعوا بدلاً منها صورة همنغواي ، تأفأف من الضجر قبل ان تقع عيناه على العنوان المثير رصاصة من بندقية تضع حدا لحياة صاحب الشيخ والبحر يرمي المجلة جانبا يتذكر اللقاء الاول حين قال له همنغواي : لقد قطعت ياسيدي آلاف الأميال لكي أراك.
* عن جريدة المدى
ما هي الموضوعات التي سأتحدث بها ، فانا امام روائي وناقد ومترجم وشاعر ومسرحي وتشكيلي ، قلت مع نفسي لأبدأ بسؤال تقليدي ربما استطيع من خلاله ان أمسك بناصية الحوار فسألت ببساطة .
• لماذا تكتب؟
- اجاب مبتسما منذ سنتين لم اكتب انشغلت بالترجمة
• على ذكر الترجمة.. لماذا اخترت الصخب والعنف بالذات لتقدمها للقارئ العربي ؟
كان هذا السؤال أشبه بالمشكلة التي يلقيها الواحد منا ثم ينتظر كيف تحل . ساد الصمت لحظات ..بعدها تكلم جبرا وكان علي ان ألاحقه ، فهو حين يتكلم .. يتدفق ، فتراه مثل ممثلي المسرح يندمج في الحديث ، يتقمص ، يتكلم ويتوقف ، يلون صوته ، وينسق الكلام مع حركة يديه ، انه يستأثر بك فتنسى موضوع الحوار ، وتكتفي بمتعة النظر اليه وسماعه وهو يتحدث .. الذين يعرفونه جيداً يقولون انها خطته العكسية في جعل الحوار يتحول الى مبارزة فكرية .. انه لايمنحك حديثاً ، وانما يقدم محاضرة في شتى أنواع المعارف . وكانت هذه هي المشكلة التي حاولت علاجها وانا أكتب ما يقوله .
************
كان باب المنزل الخارجي مفتوحا واستطعت ان اسمع صوت آلة كاتبة تدل على ان صاحبها يستعمل فقط اصبعين ، عدت لأضغط ثانية على جرس الباب وانا أقول لنفسي هل يعقل ان المعلم يستخدم نفس الآلة الكاتبة التي نستخدمها نحن تلامذته .. كنت أتوقعها آلة اخرى لاتُحدث أصواتا ، لحظات يتوقف خلالها صوت الآلة لأرى أمامي رجلا زحف الشيب الى رأسه وقبل ان اتكلم قال : ماذا تريد ياسيد
- وأخيراً استطيع ان أراك هكذا قلت والعرق يبلل جبهتي
بدت العبارة وكانها ملأت معدته بالغثيان ، إلتفت مرة او مرتين ثم قال
• عن ماذا تتحدث
- اجبت : عنك لقد قطعت مسافة كبيرة لألتقي بك
رأيته يعود يسألني واختلاجات الغثيان تظهر على وجهه بوضوح
• وما هو الأمر الذي تود ان تراني من أجله
حاولت أن أشرح له انني كاتب روائي صدرت لي رواية أثارت الاهتمام وانني أعمل الآن مراسلاً صحفياً ، وقد جئت لأجري معه حواراً لحساب إحدى المجلات ، وبدأت احاول أن أثير اهتماله فقلت له انني معجب بما يكتبه ، ولازلت اعتقد انه الأفضل بين كتاب هذا الجيل ، وأضفت ان بعض رواياته أروع ما قرأته في حياتي
نظر اليّ بإمتعاض ثم زفر وهو يقول : إدخل وسنرى ما الذي يمكنني أن أفعله لأجعلك تصمت
وفي حجرة الجلوس تأفأف قبل أن يدعوني للجلوس ثم بدأ يملأ غليونه ببطء، بعدها قال : انا لا أرغب باي أنواع الحديث الصحفي ، خصوصا عندما يريد مني مراسل صحفي أن أتفوّه بكلام يمتّع به قرّاءه وقبل ان أنطق بكلمة أضاف والآن ماذا تريد ان تقول بالتحديد
- قلت فقط أريد أن أعرف كيف تكتب ؟
• انتفض لا لا هذا ليس من اختصاص أحد هل تعني انك تريد أن تتبعني وتسجّل حركاتي ، وما أقوم به
- قلت واليأس يملأ نفسي ليس هذا ما أعنيه
واصل حديثه وهو يشعل الغليون دون ان ينظر اليّ : لا ياسيد هذا ليس من اختصاص أحد .. الكتابة شأن خاص بي وهززت رأسي موافقا وانا اقول وانا ايضا لاأسمح لأحد ان يسجل عليّ حركاتي نظر اليّ (فوكنر) وهو يسحب نفسا عميقا من الغليون ثم سأل ومن تكون أنت ؟
- انا (ارنست همنغواي) قلت، وعندي رواية ومجموعة من القصص وأعمل مراسلاً صحفياً
• وبعد.. قال والامتعاض يملأ وجهه
- أجبت لا شيء فقط كنت أحلم بان التقي بك وها قد تحقق الحلم
************
لحظات ثم تغير الموضوع !
انني أفكر في العودة الى سؤال جبرا ابراهيم جبرا عن الكتابه فقلت :
• عندما تشرع في كتابة رواية ..هل تخطط لها مقدما ، محدِدا أبعاد شخصياتها ، أم انك من نوع تشارلز ديكنز مثلاً الذي كان يترك نفسه يتشبث يما يكتبه حتى وان كان عفويا؟
يبتسم جبرا ثم يجيب : من هو الروائي؟ ، يقول هيغل إن مضمون العمل الفني هو الفنان نفسه ، انه يعطي الكلمة لعالمه الداخلي من أجل ان يوقظ على هذا النحو لدى قرائه المشاعر والحالات النفسية التي يشعر بها ، وحتى لو تناول العمل الادبي (ثيمات) موضوعية خارجية على حياته ، فان الكاتب الكبير سيبتعد عنها بسرعة كبيرة وسينتهي بأن يرسم صورة لنفسه
وسأسأل ثانية : أي الروائيين أقرب الى نفسك
يضحك جبرا حينها لحظات قصيرة ثم يقول : عندما فكرت في كتابة " السفينة " كنت انذاك اترجم الصخب والعنف لفوكنر ، كانت الرواية العربية في تلك الفترة منشغلة بالبحث عن أساليب جديدة خصوصا ان الواقعية كانت تلفظ انفاسها ، وكان لابد لي ان أهتم بهذا الجانب فوجدت في الصخب والعنف منقذاً لي من حيرتي انها رواية الاصوات المتعددة التي تمتلئ بالافكار المتداخلة والمتحررة من كل عبودية وخضوع لأي منطق وتجريبية أيضا من خلال علاقتها بالزمن .
************
خلال خمسة أعوام أعاد فوكنر كتابة الصخب والعنف عدة مرات لأن ناشر كتبه كان يرفض ان يطبع هذه الدفاتر الصغيرة المكتوب على الغلاف الاول منها بخط ناعم عنوان " الصخب والعنف " كان في الثانية والثلاثين من عمره ، الأوساط الادبية بدأت بالتعرف اليه مع نشر رواياته الاولى "رواتب الجنود" "بعوض"، و"سارتورس"- الرواية التي وضع فيها فوكنر كل آماله ، وكان يتوقع انه سيدخل تاريخ الأدب من خلالها ، وحين أخبره الناشر انها رواية طويلة ومملة ، اختصرها للنصف
سارتورس التي تدور أحداثها في الجنوب الاميركي حيث ثمة شعور بالملل من الحياة ، هي مفتاح لسلسلة من الروايات التي تناول فيها حياة أسرة اميركية ومن خلالها سلط الضوء على تدهور الجنوب الاميركي .
وعندما سأل بعد حصوله على نوبل عن سارتوس قال : " انها بوابتي لوصف هذا العالم حيث يختلط الشرف بالحب والرحمة بالكبرياء ، والعطف بالغرور،"
حين ظهرت"الصخب والعنف" عام 1929 لم يكن فوكنر يتوقع انها ستضعه على قائمة الكتاب الأكثر مكانة في تاريخ الادب العالمي ، فهي عمل تجريبي رغم انها تروي سيرة حياة أسرة من جنوب اميركا وهي سيرة آل كمبسُن ، من خلال استذكار ثلاثة إخوة للماضي، فضلا عن القسم الأخير الذي يرويه المؤلف، لذلك هي أشبه بسيمفونية تتكرر فيها الإشارة إلى الحوادث نفسها "كأن كل حادثة هي عبارة عن مقطوعة موسيقية واحدة لكنها تعزف في كل مرة من خلال آلة مختلفة. (بنجي) الذي يروي الحكاية في 7 نيسان 1928 معتوه، يسمع ولكن لا ينطق ولا يستطيع إلا الصراخ والعويل وهو حين يروي الحوادث لا يستطيع أن يرتبها زمنياً، وما حدث قبل عشرين سنة وما حدث اليوم كلاهما متساوي الأهمية عنده ، ، إنها مثل الحكاية التي أخبرنا عنها شكسبير في مكبث : انها حكاية يحكيها معتوه ، ملؤها الصخب والعنف ولا تعني أي شيء " ، و(كونتن) الذي يسرد حكايته في 2 حزيران 1910 طالب في هارفارد مفرط الحساسية؛ شديد التعلق بشرف الأسرة، و(جاسن) الذي يروي الحكاية بتاريخ 6 نيسان 1928 فظّ، شرس، ساديّ، أناني، يبغي من الحياة النجاح وتجميع الثروة عن أي طريق.
في الحوار الذي نشر همنغواي مقتطفات منه يسأل فوكنر : ألاحظ انك اخذت الكثير من شكسبير
يجيب فوكنر وهو ينظر من النافذة : هذا سؤال غير قابل للاجابة ، لاننا معشر الكتاب جميعنا قد تشكلنا بواسطة شكسبير ، وتلك على ما أظن المفارقة ، فالكلمات التي نستخدمها هي دائما نفس الكلمات التي اخترعها ، كلمات لم تكن لتوجد في اللغة حتى صاغها هو ، فشكسبير هو القانون لأن شكسبير هو نحن أنفسنا "
هل يمكن تلخيص الصخب والعنف..يكتب (هارولد بلوم) في كتابه " لماذا نقرأ" انني لست باحثا متبحراً في فوكنر ، ولكنني مجرد قارئ متحمس ، فانا افترض ان قراءتك لواحدة من روايات فوكنر بكل ما لديك من حدة وعقل يقظ سوف يكون نوعا من التدريب في عملية الإدراك ، أظن ان ذلك يمثل طريقة جديدة لايقاظ تلك الشعلة الداخلية ، لانبثاق النور في أعماقك ، او لخلق تلك الرئة التي تتنفس وتجعل أنفاسك تتسارع أكثر ، ليس بالضرورة قراءة فوكنر ستجعل منك شخصا أفضل ولكن من المؤكد انها ستثير بداخلك اسئلة جديدة ، ان فوكنر يشير لنا كيف يجب ان نفتح عقولنا بالتساؤلات والدهشة"
بعد ان تظهر الرواية الى العلن يقرر فوكنر ان يتوقف عن الكتابة قليلا ليرى ما الذي سيقوله القراء عن عمله الجديد ، لكن المبيعات تخيب أمله، الثلاثة آلاف نسخة التي طبعها الناشر لم يُبع منها سوى أقل من الفيّ نسخة ، فيما الرزم البقية تتكدس في المخازن ، النقاد يسخرون من الكاتب المتحفظ الجاف في تعامله ، رجل يملؤه التعصب والقسوة ، قادر على الإهانة ، صاحب الرواية التي هي اشبه بالكلمات المتقاطعة..ويكتب المحرر الادبي لصحيفة نيويورك تايمز ساخرا من الجنوبي المهووس بعالم المتاهات :" ترى ما الذي كان فوكنر، أصلاً، يريد قوله، عبر هذه الصفحات التي خطّها ووزعها في روايته الاخيرة ؟ لقد بدا واضحا ان السيد فوكنر لم يُخلق ليكون كاتبا"
************
في العام 1939 وبعد عشر سنوات على ظهور الصخب والعنف تظهر الترجمة الفرنسية ، كان أندريه جيد قد قرأ النسخة الانكليزية من الرواية وشجع صديقه صاحب دار غاليمار الشهيرة ان يترجم الرواية الى الفرنسية ، وما ان تصدر الطبعة الاولى منها حتى يتلقفها الفرنسيون فتبيع غاليمار العشرة آلاف الاولى من الرواية ، ويتحمس لها سارتر فيكتب مقالا مطولا في المجلة الادبية الفرنسية مبشرا بالروائي الذي توقع له ان يتربع على عرش الادب الحديث بل يذهب الحماس بسارتر الى ان يتمنى لو ان مارسيل بروست قرأ الصخب والعنف قبل ان يكتب البحث عن الزمن الضائع :" كان يتعين على بروست ان يستخدم تكنيكا شبيها بتكنيك فوكنر الروائي ، نحن ازاء ابطال ضائعون ولانهم ضائعون فهم يخاطرون بان يدفعوا بفكرهم الى نهايته ، أما أبطال بروست فهم كلاسيكيون يلتزمون الحذر حين يضيعون ، مع فوكنر نعيش في زمن التحولات التي يصعب تصورها ، وفوكنر يستخدم فنه الذي يفوق المعتاد ليصف لنا عالما يحتضر من الشيخوخة ونحن فيه نلهث ونشعر بالاختناق " وبعد سنوات يكتب البير كامو وهو يقدم الطبعة الفرنسية الجديدة من الصخب والعنف : أقل ما يمكننا أن نقول عن هذا الكاتب انه رجل أمسك بسر الأدب... وجعل لأميركا أدباً تجابه به الأدب الأوروبي "
لكن الناشر الاميركي لايزال يشكو قلة المبيعات ، وحين يخبرونه ان النسخة الفرنسية باعت عشرة الاف نسخة يضرب كفاً بكف وهو يقول " لا بد ان هؤلاء مجانين " وحين يلتقي فوكنر ذات يوم يقول له : الناس تشكو من روايتك ، هذه يقولون انهم لايفهمون منها شيئا حتى بعد ان يقرؤها مرتين او ثلاث مرات " يجيبه دون ان ينظر اليه " قل لهم ان يقرؤوها اربع مرات "
يتذكر فوكنر ان الصخب والعنف هي الرواية الوحيدة التي كتبها دون تعب او جهد ويقول لهمغواي انه عندما شرع في كتابتها لم تكن لديه أي خطة على الاطلاق ، كان قد كتب (راتب جندي) ولم تستغرق منه وقتا طويلا ونشرت بمساعدة صديقه شيرود اندرسن ليحصل من خلالها على اربعمئة دولار ، انه عمل سهل قال لنفسه ، ليكتب بعدها (البعوض) ويحصل على خمسمئة دولار ، يضحك وهو يتحدث عن هذه المهنة الممتعة التي تُدر كل هذه الاموال ولا تتطلب من صاحبها سوى الجلوس اربع ساعات في اليوم وراء لآلة الكاتبة ويقول لهمنغواي انه اكتشف طريقا يدر الكثير من المال ، لكنه ذات يوم بدا له ان عليه ان يقول لنفسه :" انني يمكنني ان أكتب الآن ، يمكنني ان أجعل من نفسي تلك الزهرية التي احتفظ بها الروماني القديم في سريره وأبلى حافتها من كثرة تقبله لها ، ومن ثم فانني انا الذي لم يكن لي اخت وكان قدري ان افقد ابنتي في طفولتها ، شرعت في ان اجعل من نفسي فتاة صغيرة تروي حكاية الصخب والعنف "
************
أقول لجبرا ابراهيم جبرا : لو تفحصنا تاريخ الادب والفن ، لوجدنا نوعين من الاعمال والمؤلفين ، ففي بعضها مثلا تكون حياة الكاتب اهم من اعماله ، ان حياة جان جاك روسو واعترافاته يمكن ان تكون مثالا لذلك، حيث ان حياته نفسها اصبحت أهم وأبقى من اعماله ، فيما نجد أعمالا اخرى يختفي فيها المؤلف بينما تبقى أعماله ..فوكنر مثلا نحن لانعرف كيف كان يعيش ، لقد اختفى الفنان داخل عمله ..من هنا أريد ان اسألك أنت مغرم بفوكنر لكننا كقراء نجد شخصية جبرا في معظم اعماله.
لحظات صمت ثم يرد جبرا في الواقع انا كنت حريصا في الدرجة الاولى على الاستفادة من تقنيات فوكنر الفنية في كتابة الرواية ، اما طريقته في الحياة فأنا أبعد ما اكون عنها ، فوكنر انعزالي ، وانا احب التجمعات سواء كانت اجتماعية او ثقافية . انا اجد نفسي جزءا من حراك ثقافي وفني متواصل منذ الاربعينيات ، وفوكنر كان يرى ان مهمته الاساسية البحث عن اسلوب جديد للأدب .
قلت : هل معرفة الحياة الشخصية للكاتب او الفنان تساعد على فهم اعمال - انا شخصيا عندما اقرأ للاخرين فإنني احاول ان اركز دائما على العمل الفني ذاته ، ولم يحدث في قراءاتي جميعها ان قرأت حياة كاتب قبل ان اقرأ اعماله .
كان فوكنر ينظر بغرابة لكل من يسأله عن حياته الشخصية وذات يوم قال ل(شرودر):- "وانا أسير في شوارع مسيسبي اشعر كان الجميع يراقبني ، ويريد ان يفهم كيف يمكن لرجل يجلس في الظل ويكسب 30 الف دولار مرة واحدة - كان هذا المبلغ هو قيمة جائزة نوبل انذاك - لمجرد انه كتب بعض كلمات على ورق ، في مسيسبي الرجال يفهمون انه لكي يحصلون على دولار عليهم ان يخرجوا اولا في الشمس ويعرقون وهذا ما يحيرهم في امري "
************
قال همنغواي لوهتشز في كتابه الممتع " بابا همنغواي " : لو كان بامكاني ان اذهب لالتقي بالمعلم سأله كيف يستطيع ان يواصل الكتابة بعد ان كتب ملحمته عن الصخب؟
سنفعل نذهب اليه هل تعتقد انه سيرحب بنا قال هوتشز
• سأحدثه قبل ان نذهب، تعرف ان مزاجه متقلب قال همنغواي، وهو ينحني لألتقاط حجرٍ براقٍ من على الارض ويواصل القول : ليس هناك من شيء يجلب الحظ لكاتب عجوز مثلي لايستطيع ان يكتب خمس سطور جيدة
صرخت فيه : بابا ..بابا ياللهول إصمت توقف لازلت أفضل كتّاب اميركا
• كيف تقول مثل هذا الكلام بحق الجحيم ، لقد هزمني المعلم العجوز المتربع على عرشه في المسيسبي
• ولكنك علمتني ان الانسان لم يخلق للهزيمة ، قد يتحطم لكنه لايهزم
************
14 تموز عام 1961 يدخل عليه سكرتيره ليقدم له نسخة من مجلة (لايف) الذي يتضمن مقابلة أجراها محرر المجلة معه ينظر فوكنر باستغراب الى غلاف المجلة لقد وعده المحرر إن صورته ستتصدر الغلاف لكنهم وضعوا بدلاً منها صورة همنغواي ، تأفأف من الضجر قبل ان تقع عيناه على العنوان المثير رصاصة من بندقية تضع حدا لحياة صاحب الشيخ والبحر يرمي المجلة جانبا يتذكر اللقاء الاول حين قال له همنغواي : لقد قطعت ياسيدي آلاف الأميال لكي أراك.
* عن جريدة المدى