لقد شهدت القرون السابقة وفرة في الدراسات النقدية التي عنيت ببحث الطرائق المعتمدة في الترجمة. لكنها دراسات كانت تغلب عليها التقييمات الانطباعية لما ينبغي أن تكون عليه الترجمة الجيدة. وظلت الدراسات الترجمية على حالها تلك، إلى منتصف القرن العشرين، حيث ظهرت أولى الدراسات اللسانية التي اهتمت بالترجمة. وهي دراسات لم يعد أصحابها يعتبرون الترجمة مجرد فن، بل أصبحوا يعتبرونها، كذلك، بمثابة علم من العلوم، ويسعون، من ثم، إلى منهجية سيرورة عملية الترجمة.
أصل لفظ “ترجم”:
لم يكن للفظ Traduire (على صيغة الفعل) وجود في اللسان الفرنسي قبل القرن السادس عشر. وهو يعود، في أصله، إلى فعل لاتيني قديم جدا، كانت هيأته في صيغة المصدر المضارع Transferre، وفي صيغة اسم المفعول Translatus.وكان المترجم يعرف في اللسان اللاتيني باسم Interpres. وكان اسم الترجمان في اللسان الفرنسي Interpète –كما في اللسان الإنجليزي Interpreter- يطلق على من كانت وظيفته “فك” مستغلقات النصوص التي يستعصي فهمها. وكان يطلق، كذلك، على الشخص الذي يرافق الخارجين إلى البلاد الأجنبية. وقد كان هذا الشخص يعرف، في الماضي، باسم دراكومان (في مصر)، أو دروكمان (Drogmanno في اللسان الإيطالي)، وهو اسم مشتق من الكلمة العربية ترجمان(*)، التي تعود في أصلها، كذلك، إلى الكلمة الأشورية Ragamo –وتعني تكلم (انظر كاري، 1963: 5)- ثم وجدنا موليير قد كتب هذه الكلمة كذا: Truchement (أو Traucheman) (سيليسكوفيتش، 1968: 3). ويفيدنا (كاري، 1963، ج: 36) أن اسم دروكمان كان يطلق، في القسطنطينية وفي سائر بلاد الشرق، على من يقوم بمهمة الترجمة الرسمية لوفد من الوفود، أو سفارة من السفارات. كما كان يطلق على التراجمة الذين يوكل إليهم، رسميا، مرافقة الديبلوماسيين والقناصلة المعتمدين في بلدان الشرق، وبخاصة منها البلدان المسلمة. (وقد تم التخلي عن لقب دروكمان في عام 1902)، بينما أصبح اسم ترجمان مقصورا على الأعوان العاملين في بلدان الشرق الأقصى. ويرى (ستاينر، 1978: 237) أن لكلمة Truchement في كتاب باسكال Les provinciales إيحاءات قدحية، فهي تجعل اسما لوسيط لا يبلغ كل ما يسمع في أمانة تامة! ولقد كانت هذه الكلمات تشير، في المقام الأول، إلى عملية ذهنية، لأن غالبية الناس كانوا أميين، أو لأن اللسان المتداول شفاها كان يعتبر أكثر أصالة من الكتابة. ويعود الفضل إلى روبير إيتيان في إدخال فعل Traduire إلى اللسان الفرنسي (كان ذلك في 1539)، ليحل، فور ذلك، محل فعل Translater. ثم أضاف إليه إتيان دولي كلمتين، هما: Traducteur وtraduction في 1540(1).
لمحة تاريخية موجزة:
ظلت طرائق الترجمة يتجاذبها، على مر التاريخ(2)، قطبان متصارعان. يتعصب أنصار القطب الأول للترجمة الحرفية، أي الأمينة، ويرفضون الترجمة الحرة، أو ما كان يعرف باسم الترجمة الحسناء الخائنة(3). ويجعل أنصار القطب الثاني الأولوية للمحتوى على الشكل. وليست هاتان المعادلتان بالمتطابقتين، برغم ما يلوح من شبه بينهما، بما أن الأمانة والخيانة يمكن أن تتجليا في المحتوى تجليهما في الشكل. ولقد ظهرت هذه التجاذبات، على مر التاريخ، في نوعين رئيسيين من الترجمة هما الترجمة الدينية والترجمة الأدبية(4). فقد اتسم النوع الأول بالحرفية حرصا على تبليغ ما اعتبر كلام الله، المشبع ألغازا والمفعم أسرارا، تبليغا أمينا(5). فقد جاء في التلمود أن حذف حرف أو إضافته يمكن أن ينجم عنهما انخساف العالم.
وقال (كاري، 1963 ب: 33) في هذا الشأن: “ينبغي على المترجم أن يأخذ في الحسبان أن من الناس من كان، في فترات من التاريخ، يؤمن بأن نطقه كلمة من الكلمات كان يعني خلقه شيئا من الأشياء، وأن من شأن جملة تقال أن تحدث اضطرابات في نظام الكون، وأن معرفة المرء لاسم حيوان من الحيوانات كانت تجعل له تأثيرا على هذا الحيوان، وأن المرء كان يكفيه لاستحضار الجني وحمله على تنفيذ ما يطلب منه، أن يكتب اسمه، وأنه لم يكن يجوز التلفظ باسم الله”.
وبقي شأن الترجمة الدينية كذلك في العصور اللاحقة. فقد ظلت الترجمة الحرفية هي وحدها المقبول بها في ترجمة النصوص المقدسة. فكان الخارج عنها يرمى بالهرطقة والابتداع، على الرغم من تأكيد القديس بولس، في وصيته إلى الكورنيثيين (الرسالة الأولى، 14: 2)، على أن من يتكلم لسانا أجنبيا لا يخاطب الناس، بل يخاطب الله. ويبلغ هذا الأمر مداه عند المسلمين، في قناعتهم الراسخة بتعذر ترجمة القرآن. ولذلك لا يزالون في جميع أقطار العالم، إلى يومنا هذا، يجدون لزاما عليهم، إذا قاموا إلى الصلاة، أو قرأوا القرآن، أن يقرؤوه بلسانه العربي. وهذا على خلاف ما يسير عليه البوذيون، الذين يجوز لهم أن يحفظوا تعاليم بوذا، كل بلسانه الخاص.
أما الترجمة الأدبية فقد ظلت تتراوح بين التصرف الحر (كما تجلى في ما سمي بالترجمة الحسناء الخائنة في القرن السابع عشر) والمطابقة الحرفية للنص الأصلي (كما كان حالها، على سبيل التمثيل، عند مترجمي القرن التاسع عشر)، التي تعكس حاجة جميع المترجمين إلى النظر من “وجهي المرآة”.
بيد أن هذه القطبية ليست حكرا على الترجمة. فقد ضرب لها (ستاينر، 1989: 348) مثلا بالتضاد الذي يعيشه المؤلف الموسيقي، قائلا: “مثل الأدوات التي تدخل في عمل المؤلف الموسيقي –والمتكونة من المفتاح، والسجل، والنوطة، والإيقاع، ومقام الألحان والتجويف- كمثل الاختيارات الأسلوبية التي تكون أمام المترجم. ومثل المواطن الصعبة في الموسيقى كمثلها في الترجمة. ونحن نجد الخلاف بين دعاة الحرفية ودعاة التصرف وإعادة الخلق، الذي ساد الترجمة في القرون السابقة، قد عاد ليسود، بحذافيره، المجال الموسيقي طيلة القرن التاسع عشر، بين دعاة التصرف في الكراس والرسم في الليدة والأوبرا ودعاة التقيد بهما تقيدا حرفيا”.
ولم يكن ستاينر هو الوحيد الذي أقام هذه المقارنة بين الترجمة والتصرف من جهة، والتأدية الموسيقية من جهة ثانية. فقد سبق لفولتير، والقس دوليل، ثم لاربو وكاري، وسواهم، أن لاحظوا ما بين هذين المجالين من تماثل. ولقد شبه سان-سيمون ودرايدن الترجمة بمحاكاة لوحة فنية. وزاد إتيان دوسيلويت في الحط من شأن الترجمة حين شبهها بظهر بساط. وكانت الترجمة موضوعا لكثير من الرواسم السخرية، تحشد فيها المعاطف، والخونة، والمرايا، والقطع النقدية، والزجاج، الملون منه والشفاف، والنساء الخائنات والجنون. ولقد أخذ ستاينر بتشبيه فيتجنشتاين الترجمة برياضيات تسلم بالنتائج، لكن لا تسلم بمنهاج نسقي في الوصول إليها.
وقد يزعم البعض، أحيانا، أن الترجمة أقدم مهنة عرفها الإنسان. وهو زعم لا يخلو من نصيب من الحقيقة. وبداية من عهد بابل، وما كان من نقوش إليفانتين، وحجر رشيد الذي اهتدى به شامبوليون إلى فك مستغلقات الكتابات الهيروغليفية، في عام 1822، وانتهاء بالترجمات التي أضحت تنجزها، على أيامنا هذه، الآلات الإلكترونية، لا تني طريقة الترجمة تتغير بتغير الأزمان. ولقد دفع ذلك (كاري، 1963 أ: 11) إلى القول: “إن الترجمة التي تبدو، في فترة من الفترات، ترجمة استنساخية، قد يتم طرحها جانبا، بعد مضي خمسين سنة من وضعها، بدعوى خيانتها للأصل”. وأضاف في موضع آخر (1963 ج: 28): “إن الترجمة التي تبدو لنا قمة في الدقة والأمانة قد تبدو لمن يأتي بعدنا، بعد قرن من الزمان، هرطقة لا مسوغ لها من كل الوجوه”. فمآل الترجمات البلى. وإلى ذلك أشار (لاتيمور، 1966: 54-55) بقوله: “ليس في مقدور أي مترجم أن يتأبى على التلون بلون عصره. ومن الخطأ أن يجهد المترجم إلى دفع أسباب هذا التأثر عنه. فلن يكون في وسعه، أن يزاول الترجمة في فراغ. وليس هذا الأمر بحاجة إلى تدليل. فبموجبه تظل آثار من قبيل “الإلياذة”، و”أوريست”، و”البتيارية الثالثة”، آثارا خالدة، تتجاوز ترجماتها، واحدة تلو الأخرى. فهذه الترجمات وضعت، كل منها على حدة، في زمن من الأزمان، واصطبغت، لتصير، بحكم ذلك، ركاما يتجاوز بعضه جدة وتقادما. وليس الأمر كذلك في أصولها، فهي تلبث على حالها، لا يطالها التقادم ولا التبدل”.
وخلص رويبن إ. براور، كذلك، من تحليله سبع ترجمات لمسرحية إيشيل Agamemnon في الفصل بعنوان “Seven Agamemnons من كتابه On Translation إلى قناعة مفادها أن طرائق الترجمة هي انعكاس لتصورات المرء عن زمنه، وأن الأفكار التي تسود عصرا من العصور هي التي تحدد قيمة ترجمة من الترجمات.
ولقد كانت الترجمة في العصور الوسطى أشبه شيء بجنس أدبي تفسيري وتهذيبي، موجه إلى جمهور لم تعد له معرفة باللسان اللاتيني. مما جعل المترجمين في تلك الفترة يستعملون في ترجماتهم لسانا محليا تحفيزيا. وكان كانتيليان وشيشيرون يعتران الترجمة وسيلة “لاكتساب الفصاحة”. وكان شيشيرون يدعو إلى “أن يكون تقدير الكلمات بحسب وزنها لا بحسب كمها”. وظل اللسان الفرنسي يجهد، في مجال ترجمة الأدب، في عسر، للتخلص من عقدة الدونية والنقص التي تحكمت فيه أمدا طويلا، وتجلى ذلك في ظهور المدرسة الماروطية (نسبة إلى الشاعر كليمون مارو (1496-1544)، في فرنسا، خلال عصر النهضة. فقد جعلت هذه المدرسة الصدارة في عملها لتقليد القدامى. ثم قامت مجموعة لابلياد ضدها. وأما الترجمة الدينية فقد كان مارثان لوثر أبرز ممثليها طيلة القرن السادس عشر. وكان إتيان دولي (1540) أول من وضع نظرية في الترجمة. وكان دولي معاصرا لإيرازموس، ولقد جمعت الرجلين جدالات في أمور لاهوتية (فقد كان إيرازموس ينتصر للترجمة اليونانية لكتاب “العهد الجديد”، مما يعني رفضه الترجمة اللاتينية Vulgate لكتاب التوراة، التي أنجزها القديس جيروم في بيت لحم (390-405)، وهي الترجمة التي كانت تؤثرها الكنيسة في روما). ويعود الفضل إلى مارتن لوثر في كونه أول من شدد على ضرورة ترجمة النصوص الدينية في أسلوب واضح، وعلى أهمية هذا الأمر في كونه أول من شدد على ضرورة ترجمة النصوص الدينية في أسلوب واضح، وعلى أهمية هذا الأمر في ما يعود به على عامة الناس. وتفيدنا باسنيت –ماك كواير (1980-49) أن لوثر قد أولى في كتابه Lettre circulaire sur la traduction(1530) أهمية كبرى للأسلوب العامي، الذي يكون في متناول العموم، ومرضيا من الناحية الجمالية. وقد بلغ ذلك من لوثر أنه كان يستعمل فعلي überstzen (تَرْجَمَ) وverdeutschen (أَلْمَنَ) باعتبارهما فعلين مترادفين، أو في حكم المترادفين. ولقد بسط لوثر مذهبه في الترجمة، في كتابه Sendbrief vom Dolmetschen (كاري، 1962، 119) وعبر عنه بوضوح في قوله: “ليس علينا أن نستفسر من المتعلمين، بل يجدر بنا أن نسأل ربات البيوت، والأطفال في الشوارع، والرجل العادي في السوق. فنسمع من أفواههم كيف يتكلمون، ثم نترجم (dolmetschen)، ما نترجم، آخذين في حسباننا كل ذلك”. وتقوم هذه المبادئ على: 1) تغيير ترتيب الكلمات، 2) استعمال المساعدات الصيغية، 3) استعمال الروابط، عند الاقتضاء، 4) حذف الألفاظ والعبارات اليونانية أو العبرية التي ليس لها مقابلات ملائمة في اللسان الألماني، 5) الإتيان في الترجمة، عند الضرورة، بجمل لتبليغ معاني كلمات بسيطة في الأصل، 6) الانتقال من الاستعارات إلى اللااستعارات، والعكس كذلك، 7) توخي الدقة في التفسير وإيراد الأبدال النصية (نايدا، 1964: 15). وتبقى أهم أعمال لوثر ترجمته لكتاب العهد الجديد من اللسان اليوناني إلى اللسان الألماني، ولقد استغرق عمله في هذه الترجمة عشرة شهور، وكذا ترجمته كتاب العهد القديم(6) التي نشرها في عام 1534، واستعان فيها ببعض الفقهاء العبريين، على الرغم من نزعته الواضحة في رفض السامية. ولقد كانت ترجمة التوراة قبل لوثر خليطا من اللهجات، فوضع ترجمته لهذا الكتاب، لتصبح الترجمة الرسمية التي لا يزال البروتستانتيون يعتمدونها في ألمانيا إلى يومنا هذا. وهذا ما جعل هردر يقول عن لوثر إنه أطلق الجني، أي اللسان الألماني، من قمقمه. بل إن من الدارسين، وهم كثر، من يرى أن أهمية لوثر في الثقافة الألمانية ربما فاقت أهمية شكسبير في اللسان الإنجليزي.
أما القرن السابع عشر فقد كان عصر الترجمات “الحسان الخائنات”. فقد سادته الترجمة الحرة، وأصبح فيه أدب الحذلقة يتحكم في الذوق، والأكاديمية تلقن “الاستعمال السليم”. ويأتي على رأس المشتغلين بهذه الترجمة بيرو دابلاكور، الذي منحته الأكاديمية عضويتها في عام 1637 وقد كتب دابلانكور، في مقدمة بعنوان Epistre à M.Conrart، صدر بها ترجمته Oeuvres de Lucien(1654)، ومما جاء فيها قوله (هوركولان، 1981: 94): “…جرت العادة أن يكون هندام السفراء على نحو ما يلبس الناس في البلدان التي يرسلون إليها، خشية أن لا يروق هندامهم المحلي لمن سيمثلون بلدانهم عندهم. ورب قائل إن هذا الأمر لا يكون في الترجمة بأي من الأحوال، لكنه، عندنا، يفضل الترجمة. وقد كان القدامى يلتزمونه في ترجماتهم، ولا يخرجون عنه”. وكان أبلانكور يعتبر “الفصاحة والبيان أمرين بالغي الدقة، بحيث يكفي، في بعض الأحيان، إضافة مقطع لفظي واحد أو حذفه لإفسادهما” فكان يؤثر الاستعمال الذي يقره “اللوفر” على الاستعمال الذي تفرضه المجامع الدينية(7). ويتجلى هذا الأمر في أتم وضوح في مسرحية موليير Femmes savantes. وبذلك يصير من اليسير علينا أن ندرك كيف أن الترجمات “الحسان الخائنات” كانت تبدو عند كثير من معاصري أبلانكور ترجمات “أمينة”. ولقد وجهت واضعي الترجمات “الحسان الخائنات” رغبة في إثراء اللسان الفرنسي بأجمل ما في آداب العصور القديمة، مع الحرص على احترام أصالتهم، بحيث كانوا يجعلون الأسبقية لوضوح العبارة، ومراعاة الأعراف الأدبية والعادات المعمول بها في عصرهم. ولقد بلغ منهم ذلك أن أجازوا لأنفسهم تصحيح ما يترجمون من أعمال الشعراء والفلاسفة. وكان انشغالهم بفرنسة ما يترجمون، أعني عدم مجافاة أعراف عصرهم في التفكير والقول، يخرج بهم، أحيانا، إلى التمحل والتحريف (ومن وجوه ذلك أنهم كانوا يفرغون على البطل الإغريقي لباس الفارس الفرنسي)، كما تجلى ذلك في الترجمة التي وضعتها مدام ضاسيي، في القرن الثامن عشر، لأعمال هوميروس، وكانت مثار الجدال (الذي أصبح يعرف بالخصومة الثانية بين القدامى والمحدثين) الذي دار بينها وأنطوان هودار دولاموط، الذي زعم أنه طلب إليه أن يضع ترجمة لكتاب الإلياذة “تكون في صورة كأنما وضعها هوميروس في العصر الحاضر”. وكان بوالو يثمن ترجمات مدام ضاسيي (رغم المؤاخذات الكثيرة عليها، ومن أمثلة ذلك أنها استبدلت، في إحدى ترجماتها، عبارة “معتوه مسكين” في النص الأصلي بعبارة “أمير على شأن عظيم من النبل”). ولقد انحط شأن ترجمات ضاسيي كثيرا على أيامنا، إذ أصبحت قراءتها متعذرة تعذرا مطلقا. لكن هل يجد القارئ، في الوقت الراهن، من اختلاف، حقا، بين ترجمة مدام ضاسيي “الأمينة” والترجمات “الحسان الخائنات”؟
وساد تيار “الحسان الخائنات”، كذلك إنجلترا في القرن السابع عشر. وكان جون درايدن من بين الدارسين الإنجليزيين الذين تصدوا لقضية الترجمة، فميز فيها بين ثلاث طرائق رئيسية، هي: 1) الترجمة اللفظية، أو الترجمة الحرفية (ومن أمثلتها الترجمة التي وضعها بن جونسون لكتاب هوراس Arts poetica) و2) الترجمة التفسيرية، تبعا لمبدإ شيشيرون في تكافئ المعنى (ينص هذا المبدأ على وجوب تجاوز الألفاظ في الترجمة إلى المعاني: (non verbum de verbo, sed sensum exprimere de sensu) و3) الترجمة المحاكية، أو الترجمة الحرة (التي يقر أنها قد لا تكون من الترجمة في شيء). ولقد اعتبر درايدن الطريقة الثانية أكثر تلك الطرائق الثلاث توازنا. وقد قال في ذلك (نايدا: 1964: 18): “يحسن بالمترجم في رأيي أن يتحاشى حدي الترجمة المحاكية والترجمة اللفظية”. وتبنى ألكسندر بوب نفس الموقف في القرن الثامن عشر. وقال فيه: “[يتعين على المترجم أن يحاول جهده ] عند نقله [مؤلفات هوميروس ] إلى لسانه، أن يحيط في ترجمته بكل تنويعات أساليب تلك الأعمال، ومختلف دقائق إيقاعاتها، وأن يحفظ لجل المواطن الحدثية والوصفية فيها حرارتها وسموها، ولمعظم المناحي السكونية والسردية جزالتها وفخامتها، وللخطابات عمقها ووضوحها، وللجمل اكتنازها ورصانتها، من دون أن يهمل، في كل ذلك، ترجمة أدق الصور والمجازات، ولا أدق الصيغ الجميلة والتلاعبات اللفظية، أو يترخص، في بعض الأحيان، في ترجمة الأشكال والهيآت المميزة للعصور القديمة” (أموس، 1973: 171).
ويعود ظهور أول دراسة نظرية في الترجمة في اللسان الإنجليزي إلى القرن الثامن عشر، تلك هي Essay on the principles of translation (1791)(8) لمؤلفها ألكسندر فريزر تيتلر. وقد وضع المؤلف في هذا الكتاب ثلاثة مبادئ للترجمة، هي: 1) على المترجم أن يحافظ على أفكار النص الأصلي كاملة، لا نقصان فيها، ويعيد صياغتها في ترجمته و2) عليه أن يأتي في ترجمته أسلوبا أقرب إلى أسلوب النص الأصلي، و3) ينبغي أن تأتي ترجمته في مثل سهولة النص الأصلي.
وساد تيار الترجمات “الحسان الخائنات” فرنسا خلال القرن الثامن عشر. وهي فترة تميزت بولع الفرنسيين الشديد بالفكر والأدب الإنجليزيين، وإقبالهم الواسع على ترجمتهما إلى لسانهم. وكما كان حال المترجمين الفرنسيين في القرن السابع عشر من تشذيب كتابات القدامى وتهذيبها لكي لا يسيئوا، بترجمتها في هيأتها الأصلية، إلى لسان صالوناتهم الأدبية، أصبح هؤلاء المترجمون في القرن الثامن عشر يكيفون الآثار الإنجليزية مع بيئتهم، تلخيصا، وتهذيبا وتنقيحا، مقتنعين، في ذلك، بأن الترجمة ينبغي أن تقرأ وكأنها نص أصلي.
وبعد أن كان مفهوم الأمانة قد أصبح مفهوما ثانويا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، إذا هو يتحول إلى ما يشبه العقيدة في القرن التاسع عشر، جريا على المسلمة التي تفيد أنه لا يمكن ترجمة شيء مما يستحق أن يترجم، وأن الترجمات الحرفية هي الأكثر أمانة. ويكفينا تمثيلا لذلك بالترجمة “الاستنساخية” التي وضعها نيرفال لرواية غوته Faust، وكذا ترجمة شاطوبريان لديوان ميلتون Le paradis perdu، التي لم يَعْدُ فيها المترجم أن استنسخ ذلك الديوان استنساخا أمينا، فضلا عن ترجمة لوكونت دوليل لملحمتي هوميروس الإلياذة والأوديسة، وهي ترجمة نحا فيها دوليل إلى “إعادة بناء تاريخ” تينك الملحمتين، متوسلا فيها حرفية متناهية.
وسوف يكون القرن العشرون حدا فاصلا بين ما يسميه مونان بالزجاج الملون (يعني به الترجمة الحرفية) والزجاج الشفاف (يعني به الترجمة الحرة). وإذا كان فولتير قد قال قولته التي صارت مضرب المثل: “الأمور بمقاصدها لا بألفاظها” La lettre tue et l’esprit vivifie، فقد تجلى في القرن العشرين انتصار الترجمة الفكرية على الترجمة الحرفية التي سادت القرن التاسع عشر. وبدل أن يرفع من شأن الاستنساخ المحكم إلى مستوى العقيدة، كما كان شأنه، من قبل، إذا هو يطرح ويستبعد (إلا عند أمثال عزرا باوند)، وأصبح الاحتكام إلى معايير أخرى في تحديد جودة الترجمة، من بينها فعالية التواصل واحترام النص الأصلي.
لقد شهدت القرون السابقة وفرة في الدراسات النقدية التي عنيت ببحث الطرائق المعتمدة في الترجمة. لكنها دراسات كانت تغلب عليها التقييمات الانطباعية لما ينبغي أن تكون عليه الترجمة الجيدة. وظلت الدراسات الترجمية على حالها تلك، إلى منتصف القرن العشرين، حيث ظهرت أولى الدراسات اللسانية التي اهتمت بالترجمة. وهي دراسات لم يعد أصحابها يعتبرون الترجمة مجرد فن، بل أصبحوا يعتبرونها، كذلك، بمثابة علم من العلوم، ويسعون، من ثم، إلى منهجية سيرورة عملية الترجمةn
المراجع:
كاري إ. ـ (1962): “Pour une théorie de la traduction I“، مجلة Journal des traducteurs، المجلد السابع، العدد 4.
ـ (1963 أ): Les grands traducteurs Français، جينيف، نشر Georg.
ـ (1963ج): “Pour une théorie de la traduction II“، مجلة Journal des traducteurs، المجلد الثامن،العدد1.
سيليسكوفيتش د. (1968): L’interprète dans les conférences internationales، باريز، نشر Minard.
ستاينر ج. (1978): Après Babel. Une poétique du dire et de la traduction، باريز، نشر Albin Michel.
لاتيمور ر. (1969): “Practice Notes on Translating Greek Poetry“، في كتاب On translation، نيويورك، نشر Oxford University Press، 1966.
باسنيت م.ك (1980): Translation Studies، لندن، نشر Methuen
نايدا أ. (1964): Toward a Science of translation، نشر E.J.Brill Leyde,
هوركولان ب. (1981): Anthologie de la manière de traduire. Domaine Français، مونريال، نشر Linguatech.
أموس ف. (1973): Early Theories of Translation، نيويورك، نشر Octagon، ط1، 1920.
برالدي ف. (1976): “Pour traduire un coude dés…”، مجلة Meta، المجلد 23، العدد1.
المصدر:
ROBERT LAROSE
Théories contemporaines de la traduction. Deuxième édition, Presses de l’Université du Québec, 1989.
الهوامش
(*) (م) كذا كانت تنطق في الأصل. وقد جاءت كذلك عند الجاحظ، حيث قال: “إن الترجمان لا يؤدي أبدا ما قال الحكيم”. انظر كتاب الحيوان، جزء 1، ص75، منشورات المجمع العلمي العربي الإسلامي، بيروت-لبنان. وقد انحرف النطق بهذه الكلمة في الوقت الحاضر على نحو ما نعرف.
(1) جاء بيرالدي (1978: 110-112) بدراسة مستفيضة لاشتقاق كلمتي “ترجم” و”ترجمة”.
(2) وضعت في التاريخ للترجمة مؤلفات، نذكر منها فهرس ج.دوليل ول.ألبير Guide bibliographique du traducteur et terminologue، أوطاوا، نشر Presses de l’université d’Ottawa، 1979، وفهرس ك.ر.بوش، وج.كليكراف و و.زيلس The science of translation: An analytical bibliography، وقد جاء في مجلدين، توبنكن، نشر Beitrüge zur Linguistik، المجلد الأول (1962-1969)، 1970، والمجلد الثاني (1971-1979، وتكملة 1962-1969)، في 1972. ويمكن العودة، في نفس الموضوع، إلى مؤلفات ج.مونان 1955 Les belles infidèles، وla traduction dans le monde moderne (1950)، وles grands traducteurs Français (1963)، وكتاب لـ ج.كيلي The true interpreter (1979)، وكتاب ب.هوركولان Anthologie de la manière de traduire (1981).
(3) تنسب عبارة “الحسان الخائنات” إلى ميناج، الذي قيل إنها جاءت في تعليقه على ترجمة أبلانكور “الطريفة” لمؤلفات طاسيت ولوسيان، وغيرهما من الكتاب القدامى. إذ قال عن تلك الترجمات: “إنها تذكرني بامرأة كنت التقيتها في مدينة تور، وشغفت بها حبا، وكانت حسناء لكن خائنة”.
(4) هذا لا يعني أن القدامى لم يعرفوا أنواعا أخرى من الترجمة. فقد ذكر كاري (1963 ج.4) صنيع سيبيون إيميليان عند سقوط قرطاجة، إذ أفلح في تخليص المجلدات الثمانية والعشرين التي وضعها ماكون في ميدان الزراعة عن النار، والقدوم بها إلى روما. وقد تم تقديم هذه الدراسة إلى مجلس الشيوخ في حقل مهيب، وعين المجلس لجنة لترجمتها. ويقال إن هذه الدراسة أحيطت، بعدئذ، بتقديس يضاهي التقديس الذي كانت تحاط به كتب التنجيم.
(5) ذكر نايدا وطابر (1969: 25) أن اليهود كانوا يبلغون بكلمة يهوه (رب بني إسرائيل –م-) من التقديس (أي يجعلونها من المحرمات، بالمعنى التقني لهذه الكلمة)، أنهم لم يكونوا يجيزون التلفظ بها في غير المناسبات الجليلة.
(6) ظهرت ترجمة “العهد القديم” من اللسان العبري إلى اللسان اليوناني قبل 2000 سنة، في الإسكندرية. وقد أنجز هذه الترجمة فريق من اثنين وسبعين ترجمانا يهوديا، وحملت اسم “الترجمة السبعينية”. وتعتبر الترجمة الكبرى الوحيدة التي تنسب إلى بلاد الإغريق القديمة. وقيل إن الترجمة السبعينية جاءت ثمرة مجهود قام به اثنان وسبعون رجلا (ستة عن كل قبيلة من القبائل الإثني عشرة)، توزعوا إلى مجموعات صغرى من رجلين، باشرت عمل الترجمة في معزل عن بعضها. ولقد استلهموا في ترجماتهم نص الوحي الإلهي، بحيث جاءت تلك الترجمات الست والثلاثون متطابقة أتم تطابق. بيد أن اليهودية التقليدية لم تعترف بغير النسخة العبرية من كتاب التوراة، وظلت على موقفها في رفض ما عداها، إلى وقت قريب جدا، أي إلى ظهور ترجمة تحديثية للكتب المقدسة إلى اللسان الإنجليزي (غير الإليصاباتي) في عام 1983، وقد صدرت عن Jewish Publication Society of America.
(7) يمكن العودة في شأن بيرو دابلانكور وقواعد الترجمة المعمول بها في عصره، إلى مقال هنرييت فالو “Les belles infidèles”، مجلة Babel، المجلد XVI، العدد3، 1980، الصفحة من 116 إلى 123، ويمكن العودة، بخاصة، إلى كتاب روجيه زوبير “Les belles infidèles et le goût classique“، صدر في باريز عن Armand Colin، عام 1968.
(8) اتهم جورج كامبل تيتلر بالسرقة الأدبية، وكان كامبل قد أصدر في 1789 مؤلفا في تاريخ الترجمة ونظريتها (نايدا، 1964: 18).
المصدر : مجلة فكر ونقد
أصل لفظ “ترجم”:
لم يكن للفظ Traduire (على صيغة الفعل) وجود في اللسان الفرنسي قبل القرن السادس عشر. وهو يعود، في أصله، إلى فعل لاتيني قديم جدا، كانت هيأته في صيغة المصدر المضارع Transferre، وفي صيغة اسم المفعول Translatus.وكان المترجم يعرف في اللسان اللاتيني باسم Interpres. وكان اسم الترجمان في اللسان الفرنسي Interpète –كما في اللسان الإنجليزي Interpreter- يطلق على من كانت وظيفته “فك” مستغلقات النصوص التي يستعصي فهمها. وكان يطلق، كذلك، على الشخص الذي يرافق الخارجين إلى البلاد الأجنبية. وقد كان هذا الشخص يعرف، في الماضي، باسم دراكومان (في مصر)، أو دروكمان (Drogmanno في اللسان الإيطالي)، وهو اسم مشتق من الكلمة العربية ترجمان(*)، التي تعود في أصلها، كذلك، إلى الكلمة الأشورية Ragamo –وتعني تكلم (انظر كاري، 1963: 5)- ثم وجدنا موليير قد كتب هذه الكلمة كذا: Truchement (أو Traucheman) (سيليسكوفيتش، 1968: 3). ويفيدنا (كاري، 1963، ج: 36) أن اسم دروكمان كان يطلق، في القسطنطينية وفي سائر بلاد الشرق، على من يقوم بمهمة الترجمة الرسمية لوفد من الوفود، أو سفارة من السفارات. كما كان يطلق على التراجمة الذين يوكل إليهم، رسميا، مرافقة الديبلوماسيين والقناصلة المعتمدين في بلدان الشرق، وبخاصة منها البلدان المسلمة. (وقد تم التخلي عن لقب دروكمان في عام 1902)، بينما أصبح اسم ترجمان مقصورا على الأعوان العاملين في بلدان الشرق الأقصى. ويرى (ستاينر، 1978: 237) أن لكلمة Truchement في كتاب باسكال Les provinciales إيحاءات قدحية، فهي تجعل اسما لوسيط لا يبلغ كل ما يسمع في أمانة تامة! ولقد كانت هذه الكلمات تشير، في المقام الأول، إلى عملية ذهنية، لأن غالبية الناس كانوا أميين، أو لأن اللسان المتداول شفاها كان يعتبر أكثر أصالة من الكتابة. ويعود الفضل إلى روبير إيتيان في إدخال فعل Traduire إلى اللسان الفرنسي (كان ذلك في 1539)، ليحل، فور ذلك، محل فعل Translater. ثم أضاف إليه إتيان دولي كلمتين، هما: Traducteur وtraduction في 1540(1).
لمحة تاريخية موجزة:
ظلت طرائق الترجمة يتجاذبها، على مر التاريخ(2)، قطبان متصارعان. يتعصب أنصار القطب الأول للترجمة الحرفية، أي الأمينة، ويرفضون الترجمة الحرة، أو ما كان يعرف باسم الترجمة الحسناء الخائنة(3). ويجعل أنصار القطب الثاني الأولوية للمحتوى على الشكل. وليست هاتان المعادلتان بالمتطابقتين، برغم ما يلوح من شبه بينهما، بما أن الأمانة والخيانة يمكن أن تتجليا في المحتوى تجليهما في الشكل. ولقد ظهرت هذه التجاذبات، على مر التاريخ، في نوعين رئيسيين من الترجمة هما الترجمة الدينية والترجمة الأدبية(4). فقد اتسم النوع الأول بالحرفية حرصا على تبليغ ما اعتبر كلام الله، المشبع ألغازا والمفعم أسرارا، تبليغا أمينا(5). فقد جاء في التلمود أن حذف حرف أو إضافته يمكن أن ينجم عنهما انخساف العالم.
وقال (كاري، 1963 ب: 33) في هذا الشأن: “ينبغي على المترجم أن يأخذ في الحسبان أن من الناس من كان، في فترات من التاريخ، يؤمن بأن نطقه كلمة من الكلمات كان يعني خلقه شيئا من الأشياء، وأن من شأن جملة تقال أن تحدث اضطرابات في نظام الكون، وأن معرفة المرء لاسم حيوان من الحيوانات كانت تجعل له تأثيرا على هذا الحيوان، وأن المرء كان يكفيه لاستحضار الجني وحمله على تنفيذ ما يطلب منه، أن يكتب اسمه، وأنه لم يكن يجوز التلفظ باسم الله”.
وبقي شأن الترجمة الدينية كذلك في العصور اللاحقة. فقد ظلت الترجمة الحرفية هي وحدها المقبول بها في ترجمة النصوص المقدسة. فكان الخارج عنها يرمى بالهرطقة والابتداع، على الرغم من تأكيد القديس بولس، في وصيته إلى الكورنيثيين (الرسالة الأولى، 14: 2)، على أن من يتكلم لسانا أجنبيا لا يخاطب الناس، بل يخاطب الله. ويبلغ هذا الأمر مداه عند المسلمين، في قناعتهم الراسخة بتعذر ترجمة القرآن. ولذلك لا يزالون في جميع أقطار العالم، إلى يومنا هذا، يجدون لزاما عليهم، إذا قاموا إلى الصلاة، أو قرأوا القرآن، أن يقرؤوه بلسانه العربي. وهذا على خلاف ما يسير عليه البوذيون، الذين يجوز لهم أن يحفظوا تعاليم بوذا، كل بلسانه الخاص.
أما الترجمة الأدبية فقد ظلت تتراوح بين التصرف الحر (كما تجلى في ما سمي بالترجمة الحسناء الخائنة في القرن السابع عشر) والمطابقة الحرفية للنص الأصلي (كما كان حالها، على سبيل التمثيل، عند مترجمي القرن التاسع عشر)، التي تعكس حاجة جميع المترجمين إلى النظر من “وجهي المرآة”.
بيد أن هذه القطبية ليست حكرا على الترجمة. فقد ضرب لها (ستاينر، 1989: 348) مثلا بالتضاد الذي يعيشه المؤلف الموسيقي، قائلا: “مثل الأدوات التي تدخل في عمل المؤلف الموسيقي –والمتكونة من المفتاح، والسجل، والنوطة، والإيقاع، ومقام الألحان والتجويف- كمثل الاختيارات الأسلوبية التي تكون أمام المترجم. ومثل المواطن الصعبة في الموسيقى كمثلها في الترجمة. ونحن نجد الخلاف بين دعاة الحرفية ودعاة التصرف وإعادة الخلق، الذي ساد الترجمة في القرون السابقة، قد عاد ليسود، بحذافيره، المجال الموسيقي طيلة القرن التاسع عشر، بين دعاة التصرف في الكراس والرسم في الليدة والأوبرا ودعاة التقيد بهما تقيدا حرفيا”.
ولم يكن ستاينر هو الوحيد الذي أقام هذه المقارنة بين الترجمة والتصرف من جهة، والتأدية الموسيقية من جهة ثانية. فقد سبق لفولتير، والقس دوليل، ثم لاربو وكاري، وسواهم، أن لاحظوا ما بين هذين المجالين من تماثل. ولقد شبه سان-سيمون ودرايدن الترجمة بمحاكاة لوحة فنية. وزاد إتيان دوسيلويت في الحط من شأن الترجمة حين شبهها بظهر بساط. وكانت الترجمة موضوعا لكثير من الرواسم السخرية، تحشد فيها المعاطف، والخونة، والمرايا، والقطع النقدية، والزجاج، الملون منه والشفاف، والنساء الخائنات والجنون. ولقد أخذ ستاينر بتشبيه فيتجنشتاين الترجمة برياضيات تسلم بالنتائج، لكن لا تسلم بمنهاج نسقي في الوصول إليها.
وقد يزعم البعض، أحيانا، أن الترجمة أقدم مهنة عرفها الإنسان. وهو زعم لا يخلو من نصيب من الحقيقة. وبداية من عهد بابل، وما كان من نقوش إليفانتين، وحجر رشيد الذي اهتدى به شامبوليون إلى فك مستغلقات الكتابات الهيروغليفية، في عام 1822، وانتهاء بالترجمات التي أضحت تنجزها، على أيامنا هذه، الآلات الإلكترونية، لا تني طريقة الترجمة تتغير بتغير الأزمان. ولقد دفع ذلك (كاري، 1963 أ: 11) إلى القول: “إن الترجمة التي تبدو، في فترة من الفترات، ترجمة استنساخية، قد يتم طرحها جانبا، بعد مضي خمسين سنة من وضعها، بدعوى خيانتها للأصل”. وأضاف في موضع آخر (1963 ج: 28): “إن الترجمة التي تبدو لنا قمة في الدقة والأمانة قد تبدو لمن يأتي بعدنا، بعد قرن من الزمان، هرطقة لا مسوغ لها من كل الوجوه”. فمآل الترجمات البلى. وإلى ذلك أشار (لاتيمور، 1966: 54-55) بقوله: “ليس في مقدور أي مترجم أن يتأبى على التلون بلون عصره. ومن الخطأ أن يجهد المترجم إلى دفع أسباب هذا التأثر عنه. فلن يكون في وسعه، أن يزاول الترجمة في فراغ. وليس هذا الأمر بحاجة إلى تدليل. فبموجبه تظل آثار من قبيل “الإلياذة”، و”أوريست”، و”البتيارية الثالثة”، آثارا خالدة، تتجاوز ترجماتها، واحدة تلو الأخرى. فهذه الترجمات وضعت، كل منها على حدة، في زمن من الأزمان، واصطبغت، لتصير، بحكم ذلك، ركاما يتجاوز بعضه جدة وتقادما. وليس الأمر كذلك في أصولها، فهي تلبث على حالها، لا يطالها التقادم ولا التبدل”.
وخلص رويبن إ. براور، كذلك، من تحليله سبع ترجمات لمسرحية إيشيل Agamemnon في الفصل بعنوان “Seven Agamemnons من كتابه On Translation إلى قناعة مفادها أن طرائق الترجمة هي انعكاس لتصورات المرء عن زمنه، وأن الأفكار التي تسود عصرا من العصور هي التي تحدد قيمة ترجمة من الترجمات.
ولقد كانت الترجمة في العصور الوسطى أشبه شيء بجنس أدبي تفسيري وتهذيبي، موجه إلى جمهور لم تعد له معرفة باللسان اللاتيني. مما جعل المترجمين في تلك الفترة يستعملون في ترجماتهم لسانا محليا تحفيزيا. وكان كانتيليان وشيشيرون يعتران الترجمة وسيلة “لاكتساب الفصاحة”. وكان شيشيرون يدعو إلى “أن يكون تقدير الكلمات بحسب وزنها لا بحسب كمها”. وظل اللسان الفرنسي يجهد، في مجال ترجمة الأدب، في عسر، للتخلص من عقدة الدونية والنقص التي تحكمت فيه أمدا طويلا، وتجلى ذلك في ظهور المدرسة الماروطية (نسبة إلى الشاعر كليمون مارو (1496-1544)، في فرنسا، خلال عصر النهضة. فقد جعلت هذه المدرسة الصدارة في عملها لتقليد القدامى. ثم قامت مجموعة لابلياد ضدها. وأما الترجمة الدينية فقد كان مارثان لوثر أبرز ممثليها طيلة القرن السادس عشر. وكان إتيان دولي (1540) أول من وضع نظرية في الترجمة. وكان دولي معاصرا لإيرازموس، ولقد جمعت الرجلين جدالات في أمور لاهوتية (فقد كان إيرازموس ينتصر للترجمة اليونانية لكتاب “العهد الجديد”، مما يعني رفضه الترجمة اللاتينية Vulgate لكتاب التوراة، التي أنجزها القديس جيروم في بيت لحم (390-405)، وهي الترجمة التي كانت تؤثرها الكنيسة في روما). ويعود الفضل إلى مارتن لوثر في كونه أول من شدد على ضرورة ترجمة النصوص الدينية في أسلوب واضح، وعلى أهمية هذا الأمر في كونه أول من شدد على ضرورة ترجمة النصوص الدينية في أسلوب واضح، وعلى أهمية هذا الأمر في ما يعود به على عامة الناس. وتفيدنا باسنيت –ماك كواير (1980-49) أن لوثر قد أولى في كتابه Lettre circulaire sur la traduction(1530) أهمية كبرى للأسلوب العامي، الذي يكون في متناول العموم، ومرضيا من الناحية الجمالية. وقد بلغ ذلك من لوثر أنه كان يستعمل فعلي überstzen (تَرْجَمَ) وverdeutschen (أَلْمَنَ) باعتبارهما فعلين مترادفين، أو في حكم المترادفين. ولقد بسط لوثر مذهبه في الترجمة، في كتابه Sendbrief vom Dolmetschen (كاري، 1962، 119) وعبر عنه بوضوح في قوله: “ليس علينا أن نستفسر من المتعلمين، بل يجدر بنا أن نسأل ربات البيوت، والأطفال في الشوارع، والرجل العادي في السوق. فنسمع من أفواههم كيف يتكلمون، ثم نترجم (dolmetschen)، ما نترجم، آخذين في حسباننا كل ذلك”. وتقوم هذه المبادئ على: 1) تغيير ترتيب الكلمات، 2) استعمال المساعدات الصيغية، 3) استعمال الروابط، عند الاقتضاء، 4) حذف الألفاظ والعبارات اليونانية أو العبرية التي ليس لها مقابلات ملائمة في اللسان الألماني، 5) الإتيان في الترجمة، عند الضرورة، بجمل لتبليغ معاني كلمات بسيطة في الأصل، 6) الانتقال من الاستعارات إلى اللااستعارات، والعكس كذلك، 7) توخي الدقة في التفسير وإيراد الأبدال النصية (نايدا، 1964: 15). وتبقى أهم أعمال لوثر ترجمته لكتاب العهد الجديد من اللسان اليوناني إلى اللسان الألماني، ولقد استغرق عمله في هذه الترجمة عشرة شهور، وكذا ترجمته كتاب العهد القديم(6) التي نشرها في عام 1534، واستعان فيها ببعض الفقهاء العبريين، على الرغم من نزعته الواضحة في رفض السامية. ولقد كانت ترجمة التوراة قبل لوثر خليطا من اللهجات، فوضع ترجمته لهذا الكتاب، لتصبح الترجمة الرسمية التي لا يزال البروتستانتيون يعتمدونها في ألمانيا إلى يومنا هذا. وهذا ما جعل هردر يقول عن لوثر إنه أطلق الجني، أي اللسان الألماني، من قمقمه. بل إن من الدارسين، وهم كثر، من يرى أن أهمية لوثر في الثقافة الألمانية ربما فاقت أهمية شكسبير في اللسان الإنجليزي.
أما القرن السابع عشر فقد كان عصر الترجمات “الحسان الخائنات”. فقد سادته الترجمة الحرة، وأصبح فيه أدب الحذلقة يتحكم في الذوق، والأكاديمية تلقن “الاستعمال السليم”. ويأتي على رأس المشتغلين بهذه الترجمة بيرو دابلاكور، الذي منحته الأكاديمية عضويتها في عام 1637 وقد كتب دابلانكور، في مقدمة بعنوان Epistre à M.Conrart، صدر بها ترجمته Oeuvres de Lucien(1654)، ومما جاء فيها قوله (هوركولان، 1981: 94): “…جرت العادة أن يكون هندام السفراء على نحو ما يلبس الناس في البلدان التي يرسلون إليها، خشية أن لا يروق هندامهم المحلي لمن سيمثلون بلدانهم عندهم. ورب قائل إن هذا الأمر لا يكون في الترجمة بأي من الأحوال، لكنه، عندنا، يفضل الترجمة. وقد كان القدامى يلتزمونه في ترجماتهم، ولا يخرجون عنه”. وكان أبلانكور يعتبر “الفصاحة والبيان أمرين بالغي الدقة، بحيث يكفي، في بعض الأحيان، إضافة مقطع لفظي واحد أو حذفه لإفسادهما” فكان يؤثر الاستعمال الذي يقره “اللوفر” على الاستعمال الذي تفرضه المجامع الدينية(7). ويتجلى هذا الأمر في أتم وضوح في مسرحية موليير Femmes savantes. وبذلك يصير من اليسير علينا أن ندرك كيف أن الترجمات “الحسان الخائنات” كانت تبدو عند كثير من معاصري أبلانكور ترجمات “أمينة”. ولقد وجهت واضعي الترجمات “الحسان الخائنات” رغبة في إثراء اللسان الفرنسي بأجمل ما في آداب العصور القديمة، مع الحرص على احترام أصالتهم، بحيث كانوا يجعلون الأسبقية لوضوح العبارة، ومراعاة الأعراف الأدبية والعادات المعمول بها في عصرهم. ولقد بلغ منهم ذلك أن أجازوا لأنفسهم تصحيح ما يترجمون من أعمال الشعراء والفلاسفة. وكان انشغالهم بفرنسة ما يترجمون، أعني عدم مجافاة أعراف عصرهم في التفكير والقول، يخرج بهم، أحيانا، إلى التمحل والتحريف (ومن وجوه ذلك أنهم كانوا يفرغون على البطل الإغريقي لباس الفارس الفرنسي)، كما تجلى ذلك في الترجمة التي وضعتها مدام ضاسيي، في القرن الثامن عشر، لأعمال هوميروس، وكانت مثار الجدال (الذي أصبح يعرف بالخصومة الثانية بين القدامى والمحدثين) الذي دار بينها وأنطوان هودار دولاموط، الذي زعم أنه طلب إليه أن يضع ترجمة لكتاب الإلياذة “تكون في صورة كأنما وضعها هوميروس في العصر الحاضر”. وكان بوالو يثمن ترجمات مدام ضاسيي (رغم المؤاخذات الكثيرة عليها، ومن أمثلة ذلك أنها استبدلت، في إحدى ترجماتها، عبارة “معتوه مسكين” في النص الأصلي بعبارة “أمير على شأن عظيم من النبل”). ولقد انحط شأن ترجمات ضاسيي كثيرا على أيامنا، إذ أصبحت قراءتها متعذرة تعذرا مطلقا. لكن هل يجد القارئ، في الوقت الراهن، من اختلاف، حقا، بين ترجمة مدام ضاسيي “الأمينة” والترجمات “الحسان الخائنات”؟
وساد تيار “الحسان الخائنات”، كذلك إنجلترا في القرن السابع عشر. وكان جون درايدن من بين الدارسين الإنجليزيين الذين تصدوا لقضية الترجمة، فميز فيها بين ثلاث طرائق رئيسية، هي: 1) الترجمة اللفظية، أو الترجمة الحرفية (ومن أمثلتها الترجمة التي وضعها بن جونسون لكتاب هوراس Arts poetica) و2) الترجمة التفسيرية، تبعا لمبدإ شيشيرون في تكافئ المعنى (ينص هذا المبدأ على وجوب تجاوز الألفاظ في الترجمة إلى المعاني: (non verbum de verbo, sed sensum exprimere de sensu) و3) الترجمة المحاكية، أو الترجمة الحرة (التي يقر أنها قد لا تكون من الترجمة في شيء). ولقد اعتبر درايدن الطريقة الثانية أكثر تلك الطرائق الثلاث توازنا. وقد قال في ذلك (نايدا: 1964: 18): “يحسن بالمترجم في رأيي أن يتحاشى حدي الترجمة المحاكية والترجمة اللفظية”. وتبنى ألكسندر بوب نفس الموقف في القرن الثامن عشر. وقال فيه: “[يتعين على المترجم أن يحاول جهده ] عند نقله [مؤلفات هوميروس ] إلى لسانه، أن يحيط في ترجمته بكل تنويعات أساليب تلك الأعمال، ومختلف دقائق إيقاعاتها، وأن يحفظ لجل المواطن الحدثية والوصفية فيها حرارتها وسموها، ولمعظم المناحي السكونية والسردية جزالتها وفخامتها، وللخطابات عمقها ووضوحها، وللجمل اكتنازها ورصانتها، من دون أن يهمل، في كل ذلك، ترجمة أدق الصور والمجازات، ولا أدق الصيغ الجميلة والتلاعبات اللفظية، أو يترخص، في بعض الأحيان، في ترجمة الأشكال والهيآت المميزة للعصور القديمة” (أموس، 1973: 171).
ويعود ظهور أول دراسة نظرية في الترجمة في اللسان الإنجليزي إلى القرن الثامن عشر، تلك هي Essay on the principles of translation (1791)(8) لمؤلفها ألكسندر فريزر تيتلر. وقد وضع المؤلف في هذا الكتاب ثلاثة مبادئ للترجمة، هي: 1) على المترجم أن يحافظ على أفكار النص الأصلي كاملة، لا نقصان فيها، ويعيد صياغتها في ترجمته و2) عليه أن يأتي في ترجمته أسلوبا أقرب إلى أسلوب النص الأصلي، و3) ينبغي أن تأتي ترجمته في مثل سهولة النص الأصلي.
وساد تيار الترجمات “الحسان الخائنات” فرنسا خلال القرن الثامن عشر. وهي فترة تميزت بولع الفرنسيين الشديد بالفكر والأدب الإنجليزيين، وإقبالهم الواسع على ترجمتهما إلى لسانهم. وكما كان حال المترجمين الفرنسيين في القرن السابع عشر من تشذيب كتابات القدامى وتهذيبها لكي لا يسيئوا، بترجمتها في هيأتها الأصلية، إلى لسان صالوناتهم الأدبية، أصبح هؤلاء المترجمون في القرن الثامن عشر يكيفون الآثار الإنجليزية مع بيئتهم، تلخيصا، وتهذيبا وتنقيحا، مقتنعين، في ذلك، بأن الترجمة ينبغي أن تقرأ وكأنها نص أصلي.
وبعد أن كان مفهوم الأمانة قد أصبح مفهوما ثانويا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، إذا هو يتحول إلى ما يشبه العقيدة في القرن التاسع عشر، جريا على المسلمة التي تفيد أنه لا يمكن ترجمة شيء مما يستحق أن يترجم، وأن الترجمات الحرفية هي الأكثر أمانة. ويكفينا تمثيلا لذلك بالترجمة “الاستنساخية” التي وضعها نيرفال لرواية غوته Faust، وكذا ترجمة شاطوبريان لديوان ميلتون Le paradis perdu، التي لم يَعْدُ فيها المترجم أن استنسخ ذلك الديوان استنساخا أمينا، فضلا عن ترجمة لوكونت دوليل لملحمتي هوميروس الإلياذة والأوديسة، وهي ترجمة نحا فيها دوليل إلى “إعادة بناء تاريخ” تينك الملحمتين، متوسلا فيها حرفية متناهية.
وسوف يكون القرن العشرون حدا فاصلا بين ما يسميه مونان بالزجاج الملون (يعني به الترجمة الحرفية) والزجاج الشفاف (يعني به الترجمة الحرة). وإذا كان فولتير قد قال قولته التي صارت مضرب المثل: “الأمور بمقاصدها لا بألفاظها” La lettre tue et l’esprit vivifie، فقد تجلى في القرن العشرين انتصار الترجمة الفكرية على الترجمة الحرفية التي سادت القرن التاسع عشر. وبدل أن يرفع من شأن الاستنساخ المحكم إلى مستوى العقيدة، كما كان شأنه، من قبل، إذا هو يطرح ويستبعد (إلا عند أمثال عزرا باوند)، وأصبح الاحتكام إلى معايير أخرى في تحديد جودة الترجمة، من بينها فعالية التواصل واحترام النص الأصلي.
لقد شهدت القرون السابقة وفرة في الدراسات النقدية التي عنيت ببحث الطرائق المعتمدة في الترجمة. لكنها دراسات كانت تغلب عليها التقييمات الانطباعية لما ينبغي أن تكون عليه الترجمة الجيدة. وظلت الدراسات الترجمية على حالها تلك، إلى منتصف القرن العشرين، حيث ظهرت أولى الدراسات اللسانية التي اهتمت بالترجمة. وهي دراسات لم يعد أصحابها يعتبرون الترجمة مجرد فن، بل أصبحوا يعتبرونها، كذلك، بمثابة علم من العلوم، ويسعون، من ثم، إلى منهجية سيرورة عملية الترجمةn
المراجع:
كاري إ. ـ (1962): “Pour une théorie de la traduction I“، مجلة Journal des traducteurs، المجلد السابع، العدد 4.
ـ (1963 أ): Les grands traducteurs Français، جينيف، نشر Georg.
ـ (1963ج): “Pour une théorie de la traduction II“، مجلة Journal des traducteurs، المجلد الثامن،العدد1.
سيليسكوفيتش د. (1968): L’interprète dans les conférences internationales، باريز، نشر Minard.
ستاينر ج. (1978): Après Babel. Une poétique du dire et de la traduction، باريز، نشر Albin Michel.
لاتيمور ر. (1969): “Practice Notes on Translating Greek Poetry“، في كتاب On translation، نيويورك، نشر Oxford University Press، 1966.
باسنيت م.ك (1980): Translation Studies، لندن، نشر Methuen
نايدا أ. (1964): Toward a Science of translation، نشر E.J.Brill Leyde,
هوركولان ب. (1981): Anthologie de la manière de traduire. Domaine Français، مونريال، نشر Linguatech.
أموس ف. (1973): Early Theories of Translation، نيويورك، نشر Octagon، ط1، 1920.
برالدي ف. (1976): “Pour traduire un coude dés…”، مجلة Meta، المجلد 23، العدد1.
المصدر:
ROBERT LAROSE
Théories contemporaines de la traduction. Deuxième édition, Presses de l’Université du Québec, 1989.
الهوامش
(*) (م) كذا كانت تنطق في الأصل. وقد جاءت كذلك عند الجاحظ، حيث قال: “إن الترجمان لا يؤدي أبدا ما قال الحكيم”. انظر كتاب الحيوان، جزء 1، ص75، منشورات المجمع العلمي العربي الإسلامي، بيروت-لبنان. وقد انحرف النطق بهذه الكلمة في الوقت الحاضر على نحو ما نعرف.
(1) جاء بيرالدي (1978: 110-112) بدراسة مستفيضة لاشتقاق كلمتي “ترجم” و”ترجمة”.
(2) وضعت في التاريخ للترجمة مؤلفات، نذكر منها فهرس ج.دوليل ول.ألبير Guide bibliographique du traducteur et terminologue، أوطاوا، نشر Presses de l’université d’Ottawa، 1979، وفهرس ك.ر.بوش، وج.كليكراف و و.زيلس The science of translation: An analytical bibliography، وقد جاء في مجلدين، توبنكن، نشر Beitrüge zur Linguistik، المجلد الأول (1962-1969)، 1970، والمجلد الثاني (1971-1979، وتكملة 1962-1969)، في 1972. ويمكن العودة، في نفس الموضوع، إلى مؤلفات ج.مونان 1955 Les belles infidèles، وla traduction dans le monde moderne (1950)، وles grands traducteurs Français (1963)، وكتاب لـ ج.كيلي The true interpreter (1979)، وكتاب ب.هوركولان Anthologie de la manière de traduire (1981).
(3) تنسب عبارة “الحسان الخائنات” إلى ميناج، الذي قيل إنها جاءت في تعليقه على ترجمة أبلانكور “الطريفة” لمؤلفات طاسيت ولوسيان، وغيرهما من الكتاب القدامى. إذ قال عن تلك الترجمات: “إنها تذكرني بامرأة كنت التقيتها في مدينة تور، وشغفت بها حبا، وكانت حسناء لكن خائنة”.
(4) هذا لا يعني أن القدامى لم يعرفوا أنواعا أخرى من الترجمة. فقد ذكر كاري (1963 ج.4) صنيع سيبيون إيميليان عند سقوط قرطاجة، إذ أفلح في تخليص المجلدات الثمانية والعشرين التي وضعها ماكون في ميدان الزراعة عن النار، والقدوم بها إلى روما. وقد تم تقديم هذه الدراسة إلى مجلس الشيوخ في حقل مهيب، وعين المجلس لجنة لترجمتها. ويقال إن هذه الدراسة أحيطت، بعدئذ، بتقديس يضاهي التقديس الذي كانت تحاط به كتب التنجيم.
(5) ذكر نايدا وطابر (1969: 25) أن اليهود كانوا يبلغون بكلمة يهوه (رب بني إسرائيل –م-) من التقديس (أي يجعلونها من المحرمات، بالمعنى التقني لهذه الكلمة)، أنهم لم يكونوا يجيزون التلفظ بها في غير المناسبات الجليلة.
(6) ظهرت ترجمة “العهد القديم” من اللسان العبري إلى اللسان اليوناني قبل 2000 سنة، في الإسكندرية. وقد أنجز هذه الترجمة فريق من اثنين وسبعين ترجمانا يهوديا، وحملت اسم “الترجمة السبعينية”. وتعتبر الترجمة الكبرى الوحيدة التي تنسب إلى بلاد الإغريق القديمة. وقيل إن الترجمة السبعينية جاءت ثمرة مجهود قام به اثنان وسبعون رجلا (ستة عن كل قبيلة من القبائل الإثني عشرة)، توزعوا إلى مجموعات صغرى من رجلين، باشرت عمل الترجمة في معزل عن بعضها. ولقد استلهموا في ترجماتهم نص الوحي الإلهي، بحيث جاءت تلك الترجمات الست والثلاثون متطابقة أتم تطابق. بيد أن اليهودية التقليدية لم تعترف بغير النسخة العبرية من كتاب التوراة، وظلت على موقفها في رفض ما عداها، إلى وقت قريب جدا، أي إلى ظهور ترجمة تحديثية للكتب المقدسة إلى اللسان الإنجليزي (غير الإليصاباتي) في عام 1983، وقد صدرت عن Jewish Publication Society of America.
(7) يمكن العودة في شأن بيرو دابلانكور وقواعد الترجمة المعمول بها في عصره، إلى مقال هنرييت فالو “Les belles infidèles”، مجلة Babel، المجلد XVI، العدد3، 1980، الصفحة من 116 إلى 123، ويمكن العودة، بخاصة، إلى كتاب روجيه زوبير “Les belles infidèles et le goût classique“، صدر في باريز عن Armand Colin، عام 1968.
(8) اتهم جورج كامبل تيتلر بالسرقة الأدبية، وكان كامبل قد أصدر في 1789 مؤلفا في تاريخ الترجمة ونظريتها (نايدا، 1964: 18).
المصدر : مجلة فكر ونقد