الأولاد ... المدارس ... العمل ... السوق ... البواب .. التليفون ... وزوجي ..
باب أمي هو الرحمة الوحيدة التي تتلقفني من عبث تلك المتاهات لا أحد يرحمني، أو يحن على صدري بحضن دافئ يلهو مع قلبي، ويدغدغ وجنتيه ويرحل عني يمازحني لحين اللقاء، الكل يريدني أن ألتصق به، أن أقطع من لحمي، وأحشو فمه من جسدي حتى تحول إلى كتلة حديد صدئة أراها كلما نظرت لنفسي في مرآتي اللعينة.
لا تتألم..... لا تشكو.... لا تكل... لا تمل..
لكنها يوما ما ستنفجر، وتتحطم، وتتبعثر، وتتحول إلى برادة من الألم،تتوارى بأنوف المعذبين،ويبقى جسدي يترسب بقاع الحلم،ينتظر من ينتشله ويعيده للحياة ..
غفل عني الحظ يوما ما، فأشاح بوجهه للاتجاه الآخر،وتركني أتنفس ؛وافق زوجي أخيراً أن ننتقل إلى الشقة المواجهة لشقة أمي بمدينة نصر ،أخبرني بذلك بتلك اللحظة التي شعرت فيها أنني أدوس الأرض من تحتي،فتسمرت أمامه وهو يقبلني ، أغمضت عيني وأسندت راحتي على كتفيه ...
بالأمس كدت أن أقبل يديه، وقدميه، وأغسلهما بدموعي من أجل أن يوافق ،واليوم جاء يزف إلى بشرى الرحمة _ يااااه_ أي تجبر هذا الذي يحملني عاليا،ثم يطرحني أرضاً، ويأتي اليوم يقبلني كدمية مستباحة لطفل يفعل بها ما يشاء ..
ظلت متاهاتي تحاصرني، فانتقلت معي إلى مسكني الجديد؛الأولاد ومشاكلهم، مدارسهم،عملي ومديري المريض بهوس الروتين،السوق الذي يبتلع راتبي كل شهر،البواب اللعين الذي يحتفي بي كل يوم صعوداً ونزولاً بفواتير الكهرباء،والماء،والنظافة،والمصعد،والإيجار... ووووو
المطبخ آآآه من هذا التنين الذي ينتظرني ليفتح فمه لنصف عمري الباقي ... لكن من بين تلك المتاهات ينخرني الصمت ..
بالأمس صمت..
اليوم صمت ..
وغداً صمت..
باب أمي ... متى سيفتح؟
متى سأسمع قفله الموصد يطقطق في أذني، ليشق أمامي عوالم النجاة صمت يا أماه خيم على بابك وقفلك، وبقي كل شيء حولي يصرخ بالضجة العارمة، فيصفع رأسي بالفراغ .. كنت أنت جرعاتي الهنيئة من هذا الجفاف، وملاذي الذي يدثرني بالحرير ..
متى ستفتحين بابك لي من جديد؟
خمس سنوات يا أم .. خمس سنوات لم أر وجهك المتفتح من خلف الجدار ،وأنت تلملمين جدائل شعرك، تحت غطاء رأسك الملائكي عندما تسمعين وقع أقدامي،فتفتحي لي بابك بلا طرقات منى تطلبك ، بسمتك التي كانت تشق لي كل جدر الدنيا فأرى من خلفها كل الدنيا بحلتها المزركشة..
متى ستفتحين بابك؟
أتسمعين ؟؟ ككل يوم ..
صوت شجار الأولاد يعلو... ويعلو... من الغرفة الداخلية... والبواب يمط أحباله الصوتية بصياحه المزعج، جرس التليفون يطن بكل ركن من حولي.. الطعام يغلي ويغلي ...
زوجي .. زوجي ..
تصرخ ...
تقفز ...
تتعثر بكل شيء، تطرح أرضاً.. تتماسك... تفتح باب شقتها.. وتلقي بوجهها على باب شقة أمها، تدق الباب بقوة
تدق...
تدق ...
افتحي بابك يا أماه ... افتحي بابك يا أمي
تتشبث بالباب، تغرس أظافرها بأخشابه
تبكي..
وتكورَ جسدها في هدوء مستلقية أمامه ...
محمد سامي البوهي
باب أمي هو الرحمة الوحيدة التي تتلقفني من عبث تلك المتاهات لا أحد يرحمني، أو يحن على صدري بحضن دافئ يلهو مع قلبي، ويدغدغ وجنتيه ويرحل عني يمازحني لحين اللقاء، الكل يريدني أن ألتصق به، أن أقطع من لحمي، وأحشو فمه من جسدي حتى تحول إلى كتلة حديد صدئة أراها كلما نظرت لنفسي في مرآتي اللعينة.
لا تتألم..... لا تشكو.... لا تكل... لا تمل..
لكنها يوما ما ستنفجر، وتتحطم، وتتبعثر، وتتحول إلى برادة من الألم،تتوارى بأنوف المعذبين،ويبقى جسدي يترسب بقاع الحلم،ينتظر من ينتشله ويعيده للحياة ..
غفل عني الحظ يوما ما، فأشاح بوجهه للاتجاه الآخر،وتركني أتنفس ؛وافق زوجي أخيراً أن ننتقل إلى الشقة المواجهة لشقة أمي بمدينة نصر ،أخبرني بذلك بتلك اللحظة التي شعرت فيها أنني أدوس الأرض من تحتي،فتسمرت أمامه وهو يقبلني ، أغمضت عيني وأسندت راحتي على كتفيه ...
بالأمس كدت أن أقبل يديه، وقدميه، وأغسلهما بدموعي من أجل أن يوافق ،واليوم جاء يزف إلى بشرى الرحمة _ يااااه_ أي تجبر هذا الذي يحملني عاليا،ثم يطرحني أرضاً، ويأتي اليوم يقبلني كدمية مستباحة لطفل يفعل بها ما يشاء ..
ظلت متاهاتي تحاصرني، فانتقلت معي إلى مسكني الجديد؛الأولاد ومشاكلهم، مدارسهم،عملي ومديري المريض بهوس الروتين،السوق الذي يبتلع راتبي كل شهر،البواب اللعين الذي يحتفي بي كل يوم صعوداً ونزولاً بفواتير الكهرباء،والماء،والنظافة،والمصعد،والإيجار... ووووو
المطبخ آآآه من هذا التنين الذي ينتظرني ليفتح فمه لنصف عمري الباقي ... لكن من بين تلك المتاهات ينخرني الصمت ..
بالأمس صمت..
اليوم صمت ..
وغداً صمت..
باب أمي ... متى سيفتح؟
متى سأسمع قفله الموصد يطقطق في أذني، ليشق أمامي عوالم النجاة صمت يا أماه خيم على بابك وقفلك، وبقي كل شيء حولي يصرخ بالضجة العارمة، فيصفع رأسي بالفراغ .. كنت أنت جرعاتي الهنيئة من هذا الجفاف، وملاذي الذي يدثرني بالحرير ..
متى ستفتحين بابك لي من جديد؟
خمس سنوات يا أم .. خمس سنوات لم أر وجهك المتفتح من خلف الجدار ،وأنت تلملمين جدائل شعرك، تحت غطاء رأسك الملائكي عندما تسمعين وقع أقدامي،فتفتحي لي بابك بلا طرقات منى تطلبك ، بسمتك التي كانت تشق لي كل جدر الدنيا فأرى من خلفها كل الدنيا بحلتها المزركشة..
متى ستفتحين بابك؟
أتسمعين ؟؟ ككل يوم ..
صوت شجار الأولاد يعلو... ويعلو... من الغرفة الداخلية... والبواب يمط أحباله الصوتية بصياحه المزعج، جرس التليفون يطن بكل ركن من حولي.. الطعام يغلي ويغلي ...
زوجي .. زوجي ..
تصرخ ...
تقفز ...
تتعثر بكل شيء، تطرح أرضاً.. تتماسك... تفتح باب شقتها.. وتلقي بوجهها على باب شقة أمها، تدق الباب بقوة
تدق...
تدق ...
افتحي بابك يا أماه ... افتحي بابك يا أمي
تتشبث بالباب، تغرس أظافرها بأخشابه
تبكي..
وتكورَ جسدها في هدوء مستلقية أمامه ...
محمد سامي البوهي