661 - رب قليل أبلغ من الكثير
دخل سعيد بن وهب على الفضل بن يحيى في يوم قد جلس فيه للشعراء فجعلوا ينشدونه ويأمر لهم بالجوائز حتى لم يبق منهم أحد، فالتقت إلى سعيد بن وهب كالمستنطق، فقال له: أيها الوزير، إني ما كنت استعددت لهذه الحال، ولا تقدمت لها عندي مقدمة فأعرفها، ولكن قد حضرني بيتان أرجو أن ينوبا عن قصيدة. فقال: هاتهما، فرب قليل أبلغ من الكثير، فقال سعيد:
مدح الفضل نفسه بالفعال ... فعلا عن مديحنا بالمقال
أمروني بمدحه قلت كلا ... كبر الفضل عن مديح الرجال
فطرب الفضل، وقال له: أحسنت (والله) وأجدت! ولئن قل القول ونزر، لقد اتسع المعنى وكثر. ثم أمر له بمثل ما أعطاه كل من أنشده مديحاً يومئذ، وقال: لا خير فيما يجئ بعد بيتك، وقام من المجلس وخرج الناس يومئذ بالبيتين لا يتناشدون سواهما.
662 - وشريكي في الصنعة
قيل لشبيب بن شبة بن عقال:
ما بال عبد الله بن الأهتم يغتابك وينتقصك؟
قال: لأنه شقيقي في النسب، وجاري في البلد، وشريكي في الصنعة.
663 - شر من إبليس
قال الراغب الأصبهاني: توصل رجل إلى إبليس فقال له: لي إليك حاجة؛ إن لي ابن عم ذا ثروة، وله إحسان كثير إلي ولي بماله نفع بين، ولكن أريد أن تزيل نعمته وإن افتقرت بفقره. فقال إبليس لأصحابه: من أراد أن يرى من هو شر مني فلينظر إليه.
664 - لا والله بل أنا
قال رجل لأبي عمرو بن العلاء: وعدتني بأمر فلم تنجزه.
فقال أبو عمرو: من أولى منا بالتعب أنا وإلا أنت؟ قال: أنا
قال: لا (والله) بل أنا
قال: وكيف؟
قال: لأني وعدتك وعداً فأنت تفرح بالوعد، فبت جذلان مسروراً، وبت أنا بهم الإنجاز، فبت ليلتي مفكراً مغموماً بما عاق الدهر من بلوغ الإرادة فيه. فلقيتني مدلا، ولقيتك مستحيياً
665 - وبالشباب شفيعاً أيها الرجل
في (الأغاني): الرياشي: سمعت الأصمعي يقول: قال هذا الباهلي محمد بن حازم في وصف الشيب شيئاً حسناً، فقال له أبو محمد الباهلي تعني قوله:
كفاك بالشيب ذنباً عند غانية ... وبالشباب شفيعاً أيها الرجل
فقال: إياه عنيت. فقال أبو محمد الباهلي: ما سمعت لأحد من المحدثين أحسن منه.
666 - جحود الذنب ذنبان
أنكر الصابي على صديق له شيئاً فكتب إليه: إما أن تقر بذنبك فيكون إقرارك حجة علينا في العفو عنك، وإلا فطب نفساً بالانتصاف منك، فإن الشاعر يقول:
أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزنا ... عنه فإن جحود الذنب ذنبان
667 - أوميروس وأنابو الماجن
(إخبار العلماء بأخبار الحكماء): جاء أنابو الماجن إلى أوميروس الشاعر اليوناني فقال: اهجني لأفتخر بهجائك إذ لم أكن أهلاً لمديحك. فقال له: لست فاعلاً ذلك أبداً، قال: فإني أمضي إلى رؤساء اليونانيين فأشعرهم بنكولك. قال أوميروس مرتجلاً: بلغنا أن كلباً حاول قتال أسد بجزيرة قبرص فامتنع عليه أنفة منه، فقال له الكلب: إنني أمضي فأشعر السباع بضعفك. قال له الأسد: لأن تعيرني السباع بالنكول عن مبارزتك أحبُّ إلي من أن ألوّث شاربي بدمك.
668 - شدة الاحتياط في الدين. . .!
في (الحيوان) للجاحظ: قال أبو بكر الهذلي: كنا عند الحسن البصري إذ أقبل وكيع بن أبي سُود فجلس، فقال: يا أبا سعيد، ما تقول في دم البراغيث يصيب الثوب أيصلي فيه؟ فقال: يا عجبا ممن يلغ في دماء المسلمين كأنه كلب ثم يسأل عن دم البراغيث. . .! فقام وكيع يتخلج في مشيه كتخلج المجنون. فقال الحسن: إن الله في كل عضو منه نعمةً فيستعين بها على المعصية. اللهم، لا تجعلنا ممن يتقوى بنعمتك على معصيتك.
669 - فلم لا يكذب الوراقوق عليك؟
حضر أبو العيناء يوماً مجلس بعض الوزارء، فتفاوضوا حديث البرامكة وكرمهم، فقال الوزير لأبي العيناء (وكان قد بالغ في وصفهم): قد أكثرت من ذكرهم ووصفك إياهم، وإنما هذا تصنيف الوراقين، وكذب المؤلفين.
فقال له أبو العيناء: فلم لا يكذب الوراقون عليك أيها الوزير؟ فسكت الوزير، وعجب الحاضرون من إقدامه عليه.
670 - والغصن بمرح في غلائد
في (نفح الطيب): كانت نزهون القلاعية الأدبية الأندلسية تقرأ على أبي بكر المخزومي الأعمى، فدخل عليهما أبو بكر الكندي فقال يخاطب المخزومي:
لو كنت تبصر من تجالسه
فأفحم وأطال الفكر فما وجد شيئاً، فقالت نزهون:
لغدوتَ أخرس من خلاخله
البذر يطلع من أزرته ... والغصن يمرح في غلائله
671 - يطول وقوفك إذن
أبن الجوزي: مر رجل من الفطناء برجل قائم في طريق، فقال: ما وقوفك؟
قال: أنتظر إنساناً.
قال: يطول وقوفك إذن. . .
672 - أيها الأمير، ليس هذا من عملك. . .
في (نثار الأزهار في الليل والنهار) لابن منظور صاحب (لسان العرب): دخل عبد الله بن عمر قاضي أفريقية على أميرها يزيد بن حاتم فقال: أهللنا هلال رمضان فتشايرناه بالأيدي، فقال يزيد: لحنت يا ابن غانم، إنما هو تشاورناه. قال: بيني وبينك أيها الأمير قتيبة النحوي - وكان إذ ذاك قدم على يزيد، وهو إمام الكوفة - فبعث إليه، وكان في قتيبة غفلة؛ فقال له يزيد: إذا رأيت الهلال وأشرت إليه وأشار غيرك إليه كيف تقول؟ قال: أقول: ربي وربك الله! فقال يزيد: ليس هذا أردنا، فقال ابن غانم: دعني أفهمه من طريق النحو فقال: إذا أشرت وأشار غيرك وقلت: تفاعلنا في الإشارة إليه كيف تقول؟
قال: تشايرنا وأنشد لكثر عزة:
وقلت وفي الأحشاء داء مخامر ... ألا حبذا (يا عز) ذاك التشاير
قال يزيد: فأين أنت يا قتيبة من التشاور؟ قال: هيهات أيها الأمير، ليس هذا من عملك، هذا من عملك، هذا من الإشارة وذاك من الشورى. فضحك يزيد، وعرف جفاء قتيبة فأعرض عنه، واستحيا من ابن غانم.
مجلة الرسالة - العدد 621
بتاريخ: 28 - 05 - 1945
دخل سعيد بن وهب على الفضل بن يحيى في يوم قد جلس فيه للشعراء فجعلوا ينشدونه ويأمر لهم بالجوائز حتى لم يبق منهم أحد، فالتقت إلى سعيد بن وهب كالمستنطق، فقال له: أيها الوزير، إني ما كنت استعددت لهذه الحال، ولا تقدمت لها عندي مقدمة فأعرفها، ولكن قد حضرني بيتان أرجو أن ينوبا عن قصيدة. فقال: هاتهما، فرب قليل أبلغ من الكثير، فقال سعيد:
مدح الفضل نفسه بالفعال ... فعلا عن مديحنا بالمقال
أمروني بمدحه قلت كلا ... كبر الفضل عن مديح الرجال
فطرب الفضل، وقال له: أحسنت (والله) وأجدت! ولئن قل القول ونزر، لقد اتسع المعنى وكثر. ثم أمر له بمثل ما أعطاه كل من أنشده مديحاً يومئذ، وقال: لا خير فيما يجئ بعد بيتك، وقام من المجلس وخرج الناس يومئذ بالبيتين لا يتناشدون سواهما.
662 - وشريكي في الصنعة
قيل لشبيب بن شبة بن عقال:
ما بال عبد الله بن الأهتم يغتابك وينتقصك؟
قال: لأنه شقيقي في النسب، وجاري في البلد، وشريكي في الصنعة.
663 - شر من إبليس
قال الراغب الأصبهاني: توصل رجل إلى إبليس فقال له: لي إليك حاجة؛ إن لي ابن عم ذا ثروة، وله إحسان كثير إلي ولي بماله نفع بين، ولكن أريد أن تزيل نعمته وإن افتقرت بفقره. فقال إبليس لأصحابه: من أراد أن يرى من هو شر مني فلينظر إليه.
664 - لا والله بل أنا
قال رجل لأبي عمرو بن العلاء: وعدتني بأمر فلم تنجزه.
فقال أبو عمرو: من أولى منا بالتعب أنا وإلا أنت؟ قال: أنا
قال: لا (والله) بل أنا
قال: وكيف؟
قال: لأني وعدتك وعداً فأنت تفرح بالوعد، فبت جذلان مسروراً، وبت أنا بهم الإنجاز، فبت ليلتي مفكراً مغموماً بما عاق الدهر من بلوغ الإرادة فيه. فلقيتني مدلا، ولقيتك مستحيياً
665 - وبالشباب شفيعاً أيها الرجل
في (الأغاني): الرياشي: سمعت الأصمعي يقول: قال هذا الباهلي محمد بن حازم في وصف الشيب شيئاً حسناً، فقال له أبو محمد الباهلي تعني قوله:
كفاك بالشيب ذنباً عند غانية ... وبالشباب شفيعاً أيها الرجل
فقال: إياه عنيت. فقال أبو محمد الباهلي: ما سمعت لأحد من المحدثين أحسن منه.
666 - جحود الذنب ذنبان
أنكر الصابي على صديق له شيئاً فكتب إليه: إما أن تقر بذنبك فيكون إقرارك حجة علينا في العفو عنك، وإلا فطب نفساً بالانتصاف منك، فإن الشاعر يقول:
أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزنا ... عنه فإن جحود الذنب ذنبان
667 - أوميروس وأنابو الماجن
(إخبار العلماء بأخبار الحكماء): جاء أنابو الماجن إلى أوميروس الشاعر اليوناني فقال: اهجني لأفتخر بهجائك إذ لم أكن أهلاً لمديحك. فقال له: لست فاعلاً ذلك أبداً، قال: فإني أمضي إلى رؤساء اليونانيين فأشعرهم بنكولك. قال أوميروس مرتجلاً: بلغنا أن كلباً حاول قتال أسد بجزيرة قبرص فامتنع عليه أنفة منه، فقال له الكلب: إنني أمضي فأشعر السباع بضعفك. قال له الأسد: لأن تعيرني السباع بالنكول عن مبارزتك أحبُّ إلي من أن ألوّث شاربي بدمك.
668 - شدة الاحتياط في الدين. . .!
في (الحيوان) للجاحظ: قال أبو بكر الهذلي: كنا عند الحسن البصري إذ أقبل وكيع بن أبي سُود فجلس، فقال: يا أبا سعيد، ما تقول في دم البراغيث يصيب الثوب أيصلي فيه؟ فقال: يا عجبا ممن يلغ في دماء المسلمين كأنه كلب ثم يسأل عن دم البراغيث. . .! فقام وكيع يتخلج في مشيه كتخلج المجنون. فقال الحسن: إن الله في كل عضو منه نعمةً فيستعين بها على المعصية. اللهم، لا تجعلنا ممن يتقوى بنعمتك على معصيتك.
669 - فلم لا يكذب الوراقوق عليك؟
حضر أبو العيناء يوماً مجلس بعض الوزارء، فتفاوضوا حديث البرامكة وكرمهم، فقال الوزير لأبي العيناء (وكان قد بالغ في وصفهم): قد أكثرت من ذكرهم ووصفك إياهم، وإنما هذا تصنيف الوراقين، وكذب المؤلفين.
فقال له أبو العيناء: فلم لا يكذب الوراقون عليك أيها الوزير؟ فسكت الوزير، وعجب الحاضرون من إقدامه عليه.
670 - والغصن بمرح في غلائد
في (نفح الطيب): كانت نزهون القلاعية الأدبية الأندلسية تقرأ على أبي بكر المخزومي الأعمى، فدخل عليهما أبو بكر الكندي فقال يخاطب المخزومي:
لو كنت تبصر من تجالسه
فأفحم وأطال الفكر فما وجد شيئاً، فقالت نزهون:
لغدوتَ أخرس من خلاخله
البذر يطلع من أزرته ... والغصن يمرح في غلائله
671 - يطول وقوفك إذن
أبن الجوزي: مر رجل من الفطناء برجل قائم في طريق، فقال: ما وقوفك؟
قال: أنتظر إنساناً.
قال: يطول وقوفك إذن. . .
672 - أيها الأمير، ليس هذا من عملك. . .
في (نثار الأزهار في الليل والنهار) لابن منظور صاحب (لسان العرب): دخل عبد الله بن عمر قاضي أفريقية على أميرها يزيد بن حاتم فقال: أهللنا هلال رمضان فتشايرناه بالأيدي، فقال يزيد: لحنت يا ابن غانم، إنما هو تشاورناه. قال: بيني وبينك أيها الأمير قتيبة النحوي - وكان إذ ذاك قدم على يزيد، وهو إمام الكوفة - فبعث إليه، وكان في قتيبة غفلة؛ فقال له يزيد: إذا رأيت الهلال وأشرت إليه وأشار غيرك إليه كيف تقول؟ قال: أقول: ربي وربك الله! فقال يزيد: ليس هذا أردنا، فقال ابن غانم: دعني أفهمه من طريق النحو فقال: إذا أشرت وأشار غيرك وقلت: تفاعلنا في الإشارة إليه كيف تقول؟
قال: تشايرنا وأنشد لكثر عزة:
وقلت وفي الأحشاء داء مخامر ... ألا حبذا (يا عز) ذاك التشاير
قال يزيد: فأين أنت يا قتيبة من التشاور؟ قال: هيهات أيها الأمير، ليس هذا من عملك، هذا من عملك، هذا من الإشارة وذاك من الشورى. فضحك يزيد، وعرف جفاء قتيبة فأعرض عنه، واستحيا من ابن غانم.
مجلة الرسالة - العدد 621
بتاريخ: 28 - 05 - 1945