ليس بإمكان الواحدة منا أن تقدر قيمة الشيء إلا إذا افتقدته وليس بإمكانها ان تدقق في تفاصيله إلا إذا نأت عنه، وبيني وبينكم لم أكن أصدق أن لحمام المرأة في المغرب العربي الكبير، أو ما يصطلح على تسميته هنا في الخليج 'الحمام المغربي'، كل هذه الحميمية، التي تجعلني أحن إليه كل مرة... ببساطة انه يكشف عن طقوس حب تجمع ما بين الجسد الأنثوي والماء
لا شك في أن تردد المرأة المغاربية على الحمام، هو تعبير منها على تقديسها لجسدها، فتراها تسارع 'ربة بيت كانت او عاملة' يوم عطلتها، وغالبا ما يكون الخميس او الجمعة، للجلوس امام ما يسمى بالعامية هناك 'قصرية' والقصرية هي حوض رخامي يعلوه صنبوران واحد للماء البارد والآخر للماء الساخن.
ولكن قبيل ان ادخل وإياكن الحمام النسوي، دعونا نرى ما الذي تحمله المغاربية معها الى هذا المكان العزيز على قلبها؟
يشكل الحمام بالنسبة للمرأة المغاربية حيزا للراحة والنسيان، ذلك ان معانقة الماء والاستمتاع ببخاره لا يمكن ان يكون الا في 'البيت السخون'، وهي التسمية العامية التي يطلقها المغاربة على المكان الذي تستحم فيه النسوة.
تبدأ المرأة في تحضير حقيبتها ليلا، فتأخذ معها 'فوطة الدخول' والفوطة هي إزار محتشم تلف به جسدها عند دخول مكان الاستحمام، وغالبا ما يكون ورديا او ابيض، مطرز الجوانب، كما تأخذ 'الطاسة' وهي اناء نحاسي به نقوش مختلفة ويستعمل في غرف الماء اثناء الاستحمام، كما لا تنسى المستحضرات الطبيعية وعلى رأسها الطين الأسود لاستعماله كقناع للشعر، اما الطين الأبيض فيستعمل في نهاية الحمام كقناع لبشرة الوجه. ومن عادة المرأة المغاربية ان تصطحب معها حبات من البرتقال لأكلها بعد الاستحمام، ففيتامين ج يمنحها الطاقة والنشاط اللذين افتقدتهما اثناء الاستحمام.
الحمام أسر الأوروبيات أيضا
لا يمكن ان اصف لكم فرحة النسوة بالتوجه الى الحمام في هذا العالم الذي يبدو غريبا، لكنه يثير اعجاب الكثيرات من الأوروبيات اللواتي صرن يعشقنه ويتلهفن على التردد عليه لاكتشاف أسراره العجيبة.
تختار المرأة مكانا لها امام احدى 'القصريات الرخامية'، أي الاحواض، فتنظف المكان باستعمال الصابون وماء جافيل 'الكلوركس' الذي تكون قد احضرته معها ثم تجلس على مقعد بلاستيكي صغير يشبه كرسي الاطفال، وتضع أدوات الغسل من صابون ومشط وفرشاة اسنان ولفافات و... في المكان المخصص لها، وهذا دون ان ننسى بأنها تحضر بساطا بلاستيكيا تستعمله للجلوس ايضا اثناء الاستحمام.
تبدأ المرأة في الاستحمام، وحتى يكون حمامها كاملا تراها تستنجد بخدمات 'الطيانة'، والطيانة هي سيدة متوسطة العمر تمتهن فرك العضلات وإزالة كل طبقات الجلد الميتة من عليها، وكثيرا ما يكن من جنسيات افريقية، ذلك انهن يتحملن اكثر ضغط العمل وارتفاع الحرارة داخل الحمام.
تنهي الطيانة عملها في دقائق معدودات وقد خلصت السيدة ليس فقط من الأوساخ التي تراكمت فوق بشرتها طيلة اسبوع من العمل داخل البيت وخارجه، ولكن أيضا من الضغوط الاجتماعية التي تعانيها، فلا تجد غير الحمام من متنفس، تتنفس فيه الصعداء.
الحمام للخطبة أيضا
ولأن المجتمع تغير، تغيرت أيضا عادات النساء اللواتي صار الحمام بالنسبة لبعضهن مكانا لاستعراض ما يمكن من ذهب، فتراهن يلبسن ما غلا من حلي اثناء استحمامهن، لاثارة غيرة الأخريات بطبيعة الحال.. فيما ترى بعضهن وهن يتغامزن وبعضهن الأخريات منشغلات بالاستحمام، في حين يتربص بعض العجائز بالفتيات فتلاحظهن وهن يجبن بأبصارهن ذات اليمين وذات الشمال لاختيار عرائس لأبنائهن. وهنا علي ان اذكر ان غالبية الزيجات في هذه المنطقة من العالم العربي كانت تتم عن طريق الحمام، الذي كان افضل مكان لاختيار افضل عروس.
للعروس طقوس أيضا
وللعروس طقوس خاصة ايضا في الحمام، فهي تقصده قبيل زواجها مباشرة برفقة عدد معتبر من رفيقاتها وقريباتها، اللواتي يشعلن الشموع ويغنين ويزغردن اثناء دخولها ثم يزين يديها بالحناء التي تخلط بماء الورد بعد جلوسهن، إيذانا ببدء مراسم حمام العروس وهو آخر حمام لها قبيل الزواج.
يغطي رأس العروس اثناء دخولها الحمام وشاح وردي، كما ترتدي فوطة وردية. وبخروجها فور انتهاء الحمام ترتدي 'روبا' ورديا وغطاء للرأس كذلك يدعى بالعامية 'بنيقة' ولا تتوقف الزغاريد في الحمام الا بخروج العروس التي تحظى باهتمام كل من توجهن إلى الحمام ذلك اليوم.
ومع تطور الحياة الاجتماعية، تطور الحمام ايضا ليتوسع هو الآخر، باحتضانه لمحلات تجارية لبيع ملابس النساء ولصالونات حلاقة تمر عليها المرأة بعد استحمامها قصد تصفيف الشعر وهذه طريقة اخرى للكسب، اخرجت الحمام من طابعه التقليدي الى الطابع العصري.
في التراث الأدبي
لم يخل التراث الأدبي في منطقة المغرب العربي من نصوص ادبية نثرية وشعرية تتغنى بالمرأة وحمامها وسر العلاقة بينهما، فكان الحمام بذلك منهلا نهل منه الأدباء في وصفهم لتأثير هذا المكان على علاقة الرجل بالمرأة، وفي وصفهم ايضا لعذابات الرجل وهو يتتبع خطوات المرأة وهي تخرج من الحمام مرتدية الحايك ولا يظهر منها سوى عينيها بعد ان غطى وجهها 'العجار' اي البرقع على الطريقة المغاربية.. انه الحمام المغاربي الذي لن تلمس الواحدة منكن سحره الا اذا جربته.
لا شك في أن تردد المرأة المغاربية على الحمام، هو تعبير منها على تقديسها لجسدها، فتراها تسارع 'ربة بيت كانت او عاملة' يوم عطلتها، وغالبا ما يكون الخميس او الجمعة، للجلوس امام ما يسمى بالعامية هناك 'قصرية' والقصرية هي حوض رخامي يعلوه صنبوران واحد للماء البارد والآخر للماء الساخن.
ولكن قبيل ان ادخل وإياكن الحمام النسوي، دعونا نرى ما الذي تحمله المغاربية معها الى هذا المكان العزيز على قلبها؟
يشكل الحمام بالنسبة للمرأة المغاربية حيزا للراحة والنسيان، ذلك ان معانقة الماء والاستمتاع ببخاره لا يمكن ان يكون الا في 'البيت السخون'، وهي التسمية العامية التي يطلقها المغاربة على المكان الذي تستحم فيه النسوة.
تبدأ المرأة في تحضير حقيبتها ليلا، فتأخذ معها 'فوطة الدخول' والفوطة هي إزار محتشم تلف به جسدها عند دخول مكان الاستحمام، وغالبا ما يكون ورديا او ابيض، مطرز الجوانب، كما تأخذ 'الطاسة' وهي اناء نحاسي به نقوش مختلفة ويستعمل في غرف الماء اثناء الاستحمام، كما لا تنسى المستحضرات الطبيعية وعلى رأسها الطين الأسود لاستعماله كقناع للشعر، اما الطين الأبيض فيستعمل في نهاية الحمام كقناع لبشرة الوجه. ومن عادة المرأة المغاربية ان تصطحب معها حبات من البرتقال لأكلها بعد الاستحمام، ففيتامين ج يمنحها الطاقة والنشاط اللذين افتقدتهما اثناء الاستحمام.
الحمام أسر الأوروبيات أيضا
لا يمكن ان اصف لكم فرحة النسوة بالتوجه الى الحمام في هذا العالم الذي يبدو غريبا، لكنه يثير اعجاب الكثيرات من الأوروبيات اللواتي صرن يعشقنه ويتلهفن على التردد عليه لاكتشاف أسراره العجيبة.
تختار المرأة مكانا لها امام احدى 'القصريات الرخامية'، أي الاحواض، فتنظف المكان باستعمال الصابون وماء جافيل 'الكلوركس' الذي تكون قد احضرته معها ثم تجلس على مقعد بلاستيكي صغير يشبه كرسي الاطفال، وتضع أدوات الغسل من صابون ومشط وفرشاة اسنان ولفافات و... في المكان المخصص لها، وهذا دون ان ننسى بأنها تحضر بساطا بلاستيكيا تستعمله للجلوس ايضا اثناء الاستحمام.
تبدأ المرأة في الاستحمام، وحتى يكون حمامها كاملا تراها تستنجد بخدمات 'الطيانة'، والطيانة هي سيدة متوسطة العمر تمتهن فرك العضلات وإزالة كل طبقات الجلد الميتة من عليها، وكثيرا ما يكن من جنسيات افريقية، ذلك انهن يتحملن اكثر ضغط العمل وارتفاع الحرارة داخل الحمام.
تنهي الطيانة عملها في دقائق معدودات وقد خلصت السيدة ليس فقط من الأوساخ التي تراكمت فوق بشرتها طيلة اسبوع من العمل داخل البيت وخارجه، ولكن أيضا من الضغوط الاجتماعية التي تعانيها، فلا تجد غير الحمام من متنفس، تتنفس فيه الصعداء.
الحمام للخطبة أيضا
ولأن المجتمع تغير، تغيرت أيضا عادات النساء اللواتي صار الحمام بالنسبة لبعضهن مكانا لاستعراض ما يمكن من ذهب، فتراهن يلبسن ما غلا من حلي اثناء استحمامهن، لاثارة غيرة الأخريات بطبيعة الحال.. فيما ترى بعضهن وهن يتغامزن وبعضهن الأخريات منشغلات بالاستحمام، في حين يتربص بعض العجائز بالفتيات فتلاحظهن وهن يجبن بأبصارهن ذات اليمين وذات الشمال لاختيار عرائس لأبنائهن. وهنا علي ان اذكر ان غالبية الزيجات في هذه المنطقة من العالم العربي كانت تتم عن طريق الحمام، الذي كان افضل مكان لاختيار افضل عروس.
للعروس طقوس أيضا
وللعروس طقوس خاصة ايضا في الحمام، فهي تقصده قبيل زواجها مباشرة برفقة عدد معتبر من رفيقاتها وقريباتها، اللواتي يشعلن الشموع ويغنين ويزغردن اثناء دخولها ثم يزين يديها بالحناء التي تخلط بماء الورد بعد جلوسهن، إيذانا ببدء مراسم حمام العروس وهو آخر حمام لها قبيل الزواج.
يغطي رأس العروس اثناء دخولها الحمام وشاح وردي، كما ترتدي فوطة وردية. وبخروجها فور انتهاء الحمام ترتدي 'روبا' ورديا وغطاء للرأس كذلك يدعى بالعامية 'بنيقة' ولا تتوقف الزغاريد في الحمام الا بخروج العروس التي تحظى باهتمام كل من توجهن إلى الحمام ذلك اليوم.
ومع تطور الحياة الاجتماعية، تطور الحمام ايضا ليتوسع هو الآخر، باحتضانه لمحلات تجارية لبيع ملابس النساء ولصالونات حلاقة تمر عليها المرأة بعد استحمامها قصد تصفيف الشعر وهذه طريقة اخرى للكسب، اخرجت الحمام من طابعه التقليدي الى الطابع العصري.
في التراث الأدبي
لم يخل التراث الأدبي في منطقة المغرب العربي من نصوص ادبية نثرية وشعرية تتغنى بالمرأة وحمامها وسر العلاقة بينهما، فكان الحمام بذلك منهلا نهل منه الأدباء في وصفهم لتأثير هذا المكان على علاقة الرجل بالمرأة، وفي وصفهم ايضا لعذابات الرجل وهو يتتبع خطوات المرأة وهي تخرج من الحمام مرتدية الحايك ولا يظهر منها سوى عينيها بعد ان غطى وجهها 'العجار' اي البرقع على الطريقة المغاربية.. انه الحمام المغاربي الذي لن تلمس الواحدة منكن سحره الا اذا جربته.