لا يضاهي حكايا البشر على الأرض إلا حكايا ذلك «الجلد على خشب»، والغوص في حكاياه، هو إعلان عن الغرق في دويّ قادم من عمق الأزل وماضٍ إلى أغوار الأبد، مُرشداً لتائه أو مُحذِّراً من خطر أو مُعلناً عن حرب أو صانعاً لأفراح البشر..
«طبل»، نكرة لا يحتاج إلى تعريف، فهو مُعرَّف بأصواته وبأدواره التي اضطلع بها منذ فجر الحضارات الإنسانية، ولمّا يزل مُصرَّاً على أن يكون رفيق السلم والحرب، والشاهد إذا استُنطق حول مسيرة الإنسان.
في هذا الملف يأخذنا، محمد ياسين رحمة، في إطلالة عريضة على هذه الآلة العريقة، يقرأ تاريخها وطبيعة وجودها في فنون العالم ماضياً وحاضراً.
شيء من تاريخ الطبل
للطبل تاريخ طويل ضارب في عمق الأزمنة، فقد دلّت الاكتشافات الأثرية أنه يعود إلى ستة آلاف سنة، استناداً إلى الطبول الفخارية التي تم اكتشافها في مورافيا، وهي منطقة جبلية في شرقي جمهورية التشيك. وتذهب بعض المصادر استناداً إلى الآثار الموسيقية في الشرق الأدنى، إلى أن الطبل الكبير المستدير الشكل هو أقدم أنواع الطبول، وأقدم أثر سومري لهذا النوع من الطبول هو المسلة السومرية المعروفة باسم «مسلة بدرة» الموجودة في المتحف العراقي والمؤرخة بـ 2600 – 2500ق. م.
ومن سومر انتشر هذا الطبل في جميع أنحاء آسيا الصغرى، ولا يزال مستعملاً حتى الآن. وفي الأساطير العربية أن «لامك» كان أول من صنع الطبل والعود والدف، وتنسب إلى أخته «دلال» صناعة القيثارة أو المعزف. غير أن الدراسات التاريخية والأثرية تُجمع على أن كل الحضارات الإنسانية قد عرفت الطبل، وأن الطبول وُجدت قبل أي سجلّ تاريخي.
يرى المؤرخ الموسيقي «كورت زاكس» أن الحضارات القديمة عرفت الطبول بأشكال وهيئات مُنوّعة وأحجام مختلفة، وذلك منذ الحضارة السومرية التي عرفت اثني عشر نوعاً من الطبول، ودليل «كورت زاكس» في هذا، وجود اثني عشر اسماً للطبول في اللغة السومرية واثني عشر مرادفاً في اللغة الأكادية.
ومن أشهر الطبول عند قدماء السومريين والبابليين، ذلك الذي سموه «بالاق» وهو الطبل المُقدَّس، وإذا ما قُرع فصوته من صوت «الآلهة» ويجب الإنصات إليه والخشوع له.
والبالاق طبل كبير مشدود عليه جلد من الجهتين ضيق الخصر، وتُبيِّن الصور القديمة أنه كان يُحمل على الكتف بواسطة حزام من الجلد، وكان لهذا الطبل الكبير أهمية كبرى في موسيقى الهيكل وفي الموسيقى المدنية والعسكرية على السواء، وكان يصنع أحياناً من خشب الأرز الثمين تقديراً لقيمته ومكانته المُقدَّسة. أما اسم الطبل العادي فهو في اللغة السومرية القديمة «أُب»، بضم الهمزة وفي اللغة الأكادية السامية «أوبو» أو «أبو»، وإذا أضيفت إلى الاسم لفظة تور -فإنها تعني في اللغة السومرية «صغير»- أصبحت كلمة أوب تور أي الطبل الصغير.
ومن أنواع الطبول أيضاً، طبل مصنوع من النحاس يُسمَّى في اللغة السومرية القديمة «دوب»، وقد انتشرت هذه التسمية مع الزمن إلى مختلف الأمم، فقلبها الهنود إلى دودي أو بدبديكا وفي القوقاس طبل يدعى دوبدبي، وحتى في اللغة الهنغارية الحديثة يسمى الطبل دوب. أما أكبر الطبول القديمة فهو ما كان يُسمِّيه السومريون «آلا» وقد وصل قطره أحياناً إلى مترين وكان يُعلَّق بعمود أو يوضع على منصة ويُقرع باليدين أو بالعصا.
وتؤكِّد الآثار أن الطبول كانت أكثر تنوعاً في العصرين البابلي والآشوري، فقد كانت بين طبول كبيرة توضع على الأرض وصغيرة تُمسك باليد في وضعية أفقية معلقة في حزام يلتف حول وسط القارع الذي يقرعها بيديه. وكان للطبول منزلة مُقدَّسة عند السومريين والبابليين، حيث تذكر الكتابات المسمارية الآكادية أن الجلد الذي يُصنع منه الطبل يجب أن يكون من ثور لم يُصب بمرض ولم يعلُ رقبته نير، وعند ذبح الثور تُقام طقوس دينية ومراسيم خاصة، ثم يحرق قلب الثور ويجفف جلده ويُنشر ثم يعالج الجلد بالدقيق الناعم والخمر والدهن والطيب، وبعد أسبوعين يُعاد الاحتفال ويقرع الطبل للمرة الأولى في هيكل الآلهة لكي تُرفع إليهم أصوات الناس مُتضمِّنة في أصوات القرع على الطبل. وقد وصفت اللوحات التي وجدت في منطقة «وركاء آريك» في العراق، هذه الطريقة في صنع الطبل المُسمَّى يسمى «ليليس».
وقد كان لقب «حارس الطبل» من أهم الألقاب عندهم، فقد خصصوا للطبل الكبير المقدس، الذي لا يفارق الهيكل حارساً، برتبة كاهن عظيم وميَّزوه بلقب «حارس الطبل المقدس». وحُرَّاس الطبول هم أشخاص يُنتقون بعناية ويتم تدريبهم وتأهيلهم لحراسة طبول الهياكل الدينية وبيوت الحكمة، لأن القرع على الطبول المحروسة هو تعبير عن هيبة الحاكمين وسيطرتهم على شعوبهم. وقد كان للقرع على الطبول مناسبات مرتبطة بالمعتقدات والشؤون الاجتماعية والاحتفالات الموسمية. فالقرع على الطبول في حالات المحاق أو الكسوف الكلي، كانت غايته إثارة الحزن والنواح على القمر الذي كان من معبوداتهم.
أما الحضارة الفرعونية فقد عرفت الطبول المصنوعة من خشب السّدر وكانت لها فنون في صناعتها، لا سيما صناعة الطبل العملاق الذي بُنيت الأهرامات على إيقاعات قرعه، حسبما جاء في بعض الدراسات، حيث كوَّن الفراعنة فرقاً خاصة لها وظائف وأدوار محددة، ترافق المشيِّدين والبنَّائين في عملهم، لاعتقادهم أن إيقاع صوت الطبول يحفِّز العقل والجسم ويحثُّهما على الإبداع. ويُعتقد أن القرع على الطبل كان يُُدرَّس في المعابد الفرعونية القديمة.
يجوز القول إن لكل حضارة طبولها، فلا يخلو التراث الشعبي للشعوب والأمم من مرافقة الطبل للإنسان في مختلف شؤون حياته، في آسيا وإفريقيا وغيرهما.. وما تُجمع عليه الدراسات أن إنسان العصر الحجري استخدم الطبل ضمن أسلحته في مواجهة الحيوانات المُفترسة بإحداث الضجيج، كما استخدم الطبل لاتقاء شرّ بعض الظواهر الطبيعية التي يخاف منها وللتواصل عن بُعد ولإقامة الطقوس وغيرها.. ومنذ ذلك الزمن، تطوَّر الطبل في الشكل والدور والوظيفة ولكنه حافظ على حضوره الدائم في شؤون الحياة.. بل إن الطبل حافظ حتى على أشكاله البدائية وأدواره القديمة عند بعض القبائل الإفريقية وفي أمريكا اللاتينية.
أنواع الطبل وأشكاله
تختلف أنواع الطبول باختلاف البلدان وثقافات الشعوب وتنوُّع الموروث التراثي، وكان لتاريخ الطبل الضارب في القِدَمْ تأثيره في تنوّع أسماء الطبل وأشكاله وأنواعه. وتُعد الطبول الأسطوانية هي الأكثر شيوعاً وانتشاراً في العالم، مثل الطبول الأسطوانية المتعددة الأحجام في جزيرة «بالي»، وطبل الحرب لهنود السبوكس الذي له حبل حول منتصفه مشدود إلى وجهيه، وطبل نيجيريا ذي الوجه المزدوج المشدود بالحبال. وطبل أوكيدو الخشبي الياباني الذي يُستخدم في مسرح الكابوكي.
والطبل من أشهر الآلات الموسيقية الإيقاعية، هو عبارة عن أسطوانة من الخشب أو في بعض الأحيان من المعدن، مشدود على قاعدتيها طبقتان رقيقتان من الجلد تسمَّى كل منهما «رقمة»، ومنها ما يضرب بالعصا على رقمة ويضرب على الأخرى باليد. و منها ما يضرب بالعصا على جانب واحد فقط ومنها ما يضرب باليدين على الرقميتين دون استخدام العصا.
طبول عربية
وقد زوَّدتنا المصادر العربية -مثلاً- بأسماء كثيرة للطبل حسب وظيفته ومناسبة استعماله، مثل: طبل الغز، وطبل العيد، وطبل المسحّر، وطبل الحجيج ، وطبل المواكب، وطبول الملاحين، وطبل الجمَّال وغير ذلك من الأسماء الكثيرة. أما من حيث الشكل فهناك المستدير الكبير والطبل الطويل والطبل الأسطواني والنقَّارات والطبلة وغيرها كثير.
وأكثر أنواع الطبول شعبية، الطبل المُطوّق والطبلة الكبرى والدف. والدفوف فقط هي التي تصدر أنغاماً موسيقية، بينما يُستخدم النوعان الآخران، بوصفهما آلتين إيقاعيتين.
يتكوَّن الطبل المطوَّق، من أسطوانة معدنية أو خشبية، وجلدتين طبليتين على الجانبين. تُسمَّى الجلدة التي يُعزف عليها جلدة الطرق والجلدة المقابلة جلدة الطوق. ويمتد عبر جلدة الطوق حوالي اثنا عشر وتراً من السلك تُسمى الأطواق. يضرب العازف على جلدة الطرق بعصاتين خشبيتين، مما يؤدي إلى تذبذب الأطواق على جلدة الطرق مُصدرة صوتاً ممتداً وحاداً. والطبلة الكبرى هي طبل مطوق كبير. وتُسمى الجلدة التي يطرق عليها جلدة الضرب، والجلدة المقابلة الجلدة الرنانة.
أما الدف فيتم الطرق عليه، في شكل مجموعات ثنائية، أو رباعية، ويُطلق عليه عادة اسم النقَّارية. ويتكون الدف من جسمٍ كبير من النحاس، أو الألياف الزجاجية، وله جلدة واحدة. وهو يعمل بنظام الدواسة، وهو نظام يمكِّن العازف من ضبط الطبل على طبقات صوتية مختلفة. ويصدر الدف نغمات عميقة، وواضحة عند ضرب الجلدة بالمطارق، ويمكن الحصول على نغمات متنوعة، باستخدام مطارق مختلفة مصنوعة من اللباد اللين، أو اللباد القوي أو الخشب.
وهناك الدربكة أو الدربوكة في بعض البلدان العربية، وهي إحدى الآلات الإيقاعية المنتشرة في البلدان العربية وتركيا ، وهي آلة قديمة عرفها البابليون و السومريون منذ عام 1100 قبل الميلاد. يصنع جسم الدربكة من الخزف أو الخشب ويُشد على الطرف العريض منها سطح جلدي أو بلاستيكي.
يمسك العازف الدربكة تحت ذراعه، و ينقر على سطحها بكلتا يديه، ويتم النقر على وسط السطح أو على طرفه لإنتاج الصوتين المختلفين المستخدمين في الإيقاع «دم تك»، وقد استخدم هكتور برليوز الدربكة في إحدى أوبراته في عام 1890م وكذلك استخدمها المؤلف الموسيقي دوريس ميلهاود في عام 1932م.
الطبل والفلكلور
ويبقى لكل بلد عربي طبوله التي تميّزه وغالباً ما تكون مرتبطة من حيث شكلها وتسميتها بأداء فلكلوري معيَّن. ففي دولة الإمارات مثلاً، تشتهر أنواع من الطبول مثل طبل «المسندو»، أكبر أنواع الطبول المحلية التقليدية، فهو إفريقي الأصل، وحجمه يقارب حجم البرميل الكبير. وهناك طبل «الشوباني»، نوع آخر من الطبول الطويلة المخروطية الشكل، لكن يمكن حمله وممارسة الإيقاع عليه وقوفاً، وغالباً ما يُستخدم في رقصة «الأنديما» الشعبية. أما طبل «الكاسر» وطبل «الرحماني»، فهما يشكلان ثنائي الطبول الأساسية في الإمارات، ويستخدمان في معظم الأنماط الموسيقية التقليدية والحديثة التي تُؤدَّى بمصاحبة آلات إيقاعية، وكذلك الآلات الوترية والهوائية في الأغنيات الحديثة. أما طبل «الرنَّة» فهو من طبول البادية تحديداً، وهو كبير الحجم، ويُكسى من الجهتين بجلد الماعز، ويُشد بحبال من ألياف النخيل، ويُضرب بالكف، ونادراً ما يُضرب بالعصا، ويكون استخدامه لغرض تعزيز صوت طبل «الرحماني» العميق.
طبول غربية
تشتهر الفرق الموسيقية الغربية العصرية لا سيما فرق «موسيقى الجاز» و«موسيقى الروك». باستعمالها لآلة الباتري كآلة ضابطة للإيقاع وأداة معبِّرة موسيقياً. تتكوَّن آلة الباتري من مجموعة من الآلات الإيقاعية خاصة الطبول والصنوج. وتُعد هذه الآلة حديثة العهد، فقد ظهر أول نموذج منها سنة 1930م.
تتركب هذه الآلة غالباً من خمسة أجزاء هي:
-1 طبل كبير: يوضع على الأرض, وبواسطة «دواسة» خاصة يضغط عليها العازف بقدمه فتتحرَّك عصا منتهية برأس كروي محاط بطبقة من الجلد أو القماش فتنقر جلد الطبل بحيث يصدر عنه صوت قوي.
-2 طبل متوسط الحجم: يوضع على يمين العازف، يصدر صوتاً غليظاً.
-3 طبلان صغيران: يوضعان أمام العازف على حاملين خاصين، يصدران أصواتاً متوسطة الغلظة.
-4 طبل معدني أسطواني: يوضع على يسار العازف (على حامل)، ويصدر صوتاً حاداً.
-5 ويُلحق بالمجموعة المُكوِّنة لآلة الباتري، مجموعة من الصنوج، وتستعمل آلة «الباتري» غالباً في فرق «موسيقى الجاز» و«موسيقى الروك». كما بدأت تغزو الفرق الموسيقية العصرية كآلة ضابطة للإيقاع وأداة معبِّرة موسيقياً.
طبول بونجو
آلات عالية النغمة تعمل بالنقر وتستعمل أصلاً بوصفها آلات إيقاع في موسيقى أمريكا اللاتينية، لكنها تُعزف أيضاً في موسيقى الروك والجاز. ينقر معظم الموسيقيين طبول بونجو وهم جالسون. وتوضع الطبول بين ركبتي العازف، ويكون الطبل الأكبر في اليمين، لكن تعزف طبول بونجو -في الأوركسترا وفرق الحفلات الموسيقية- في وضع الوقوف مع تثبيتها على حامل.
طبلة الكُونْجا
أسطوانة قليلة الاستدارة تُصنع من الخشب أو الألياف الزجاجية. يُشد على قمة الأسطوانة غشاء من جلد الحيوان. ويعزف الموسيقيون بالنقر على الغشاء الجلدي بالأصابع والدق عليه باليد. وعادةً، يعزف الموسيقي بطبلة الكونجا وهو جالس والطبلة بين ركبتيه، ولكنه قد ينقر عليها وهو واقف. وتكون الآلة مثبتة على حامل أو معلَّقة بشريط من الكتف.
صناعة الطبل
تُرى كيف كان صوت الطبل قبل آلاف السنين، هل هذَّبته رحلته عبر العصور، وهل «عقلنت» التكنولوجيا بوسائلها وأدواتها، دوّيه المرعب وضجيجه المفزع؟. بعض الإجابة يكمن في الغاية من قرع الطبول، وبعض آخر من الإجابة يكمن في تتبع مكونات الطبل ومواد صناعته باعتبارها العناصر المُنتجة للصوت.
صحيح أن التكنولوجيا طوَّرت كثيراً في صناعة الطبول، لا سيما الطبول الغربية التي دخلت عناصر جديدة في تصنيعها مثل الألياف الزجاجية والبلاستيك وأنواع من المعادن، غير أن صناعة الطبول على الطريقة التقليدية لمَّا تزل متواصلة في كثير من بلدان العالم، لا سيما في بلدان عالمنا العربي، حيث تُعد صناعة الطبول من الصناعات التقليدية التي تحظى ببرامج خاصة للحفاظ عليها وضمان استمراريتها. فقد حافظ الطبل على عنصرين أساسيين في تصنيعه هما الخشب والجلد.
الجزء الرئيس في صناعة الطبل هو الأسطوانة الخشبية، وغالباً ما يُعتمد فيها على أنواع جيدة من الخشب الذي تُوفِّره أشجار البيئة التي ينتمي إليها الصانع، وفي بعض الحالات يتم استيراد الخشب من الهند أو من بعض البلدان الإفريقية التي تشتهر بصناعة الطبول. ومن أشهر الأشجار التي توفّر خشباً جيداً لصناعة أسطوانة الطبل هي شجرة السدر وشجرة الجوز.
يُؤخذ من جذع شجرة كبيرة الطول المطلوب في صناعة الطبل وفق عملية حسابية دقيقة، ويتم تشذيبه من الشوائب والزوائد، وتُزال الأطراف والحواف التي تزيد على الطول المطلوب، ثم يُجَوَّف الجذع ليأخذ شكلاً أسطوانياً ملائماً، ثم يترك بعدها تحت الشمس لمدة تكفي ليجف ويصير جاهزاً لعملية التخصير والزخرفة وغيرها. ثم يدهن هيكل الطبل أو يُطلى بمواد خاصة حتى يصير ناعماً.
بعد أن يصبح الطبل هيكلاً قوياً وناعماً وقابلاً لما يُسمى بعملية التجليد، يُختار له جلد من البقر أو الإبل أو الغنم، بحسبما توارثته كل منطقة في صناعة الطبول، فبينما يختار البعض جلد البقر لقوته ومتانته، يختار البعض الآخر جلد الغنم. ويتم تثبيت الجلد على فوهتي الأسطوانة أو تجويفي الطبل، باستعمال ضفائر من الجلد أو حبال خاصة.
ولا يكون الطبل جاهزاً للاستعمال إلا بعد فترة قد تطول وقد تقصر، يتم خلالها تجريب الطبل و«تأهيله»، ويُقال في بعض المناطق العربية، مرحلة «ترويض الطبل»، حيث يكون مسموحاً لكل من صادفه الطبل أن يضرب عليه.
صناعة الطبول فن من فنون الصناعات التقليدية التي تعمل بعض الدول العربية على المحافظة عليها وتشجيعها، وهناك روَّاد لهذه الصناعة التقليدية يستعملون الأدوات القديمة ويحافظون على الطرق والأساليب التي ورثوها في تصنيع الطبول غير متأثرين بما وفَّرته التكنولوجيا من وسائل وعناصر في صناعة الطبول.
الطبل يقتل صانعه
اختطفت «جمرة الأنثراكس» صانع طبول إنجليزي وهو في سن الخامسة والثلاثين من عمره، واعتقد مسؤولو القطاع الصحي بلندن، بعد إجراء الفحوصات المخبرية في منزل وورشة صانع الطبول، أن سبب الوفاة كان إثر استنشاق الضحية لمسحوق «أنثراكس» أو الجمرة الخبيثة أثناء تفحصه لجلود حيوانات مستوردة.
وقال كبير مستشار هيئة حماية الصحة: «من الأهمية بمكان التشديد على أن صناعة الطبول من جلود الحيوانات هي التي تشكِّل خطراً جرَّاء وجود الأنثراكس، وليس العزف على هذه الطبول أو حملها»، وأضاف: «ومع ذلك فنحن نشدِّد على جميع الأفراد الذين يعملون في صناعة الطبول من جلود الحيوانات المستوردة بأن هناك خطراً من التعامل مع الأنثراكس، وأن عليهم التأكد من أنهم مدركون لهذا الأمر وعليهم أن يتخذوا الإجراءات الاحتياطية لحماية أنفسهم أثناء صناعة الطبول».
لم تحمل الأخبار بعد هذه الحادثة، ما يفيد أن الطبول تقتل صانعيها، ولم تؤكِّد الدراسات العلمية أن الجمرة الخبيثة تختار الجلود التي تُصنع منها الطبول كي تتخفى فيها.
الطبل في الأدب
لم تغفر مرافقة الطبل للإنسان منذ فجر الحضارات، أن يكون له ذكر طيِّب في حقول الأدب، فهو سيء السمعة ومُرادف للمعاني التي تفيد إهدار الوقت، والجنوح إلى اللهو على حساب الجد والاجتهاد، ونشر الإشاعة، والأحاديث الجوفاء وغيرها من المعاني التي لا توافق الخُلق القويم.
ولعل من أنصف الطبل هي الكاتبة الشيلية إيزابيل الليندي، حيث افتتحت كتابها «الجزيرة تحت البحر» بهذه الكلمات: «الطبول تهزم الخوف، والطبول هي إرث أمي، إنها قوة غينيا التي في دمي. وعندئذ لا يجاريني أحد، أصير قوة خارقة».
الثَّعلب والطبل
قصة «الثعلب والطبل» التي وردت في كتاب «كليلة ودمنة» لابن المقفع، من أشهر القصص التي علَّمتنا منذ الصغر ألا نغترَّ بالجثة العظيمة فمقياس النفع لا يكون بالحجم.
تقول القصة: «زعموا أنّ ثعلباً أتى أجمة فيها طبل معلَّق على شجرة، وكلّما هبت الريح على قضبان الشجرة حركتها، فضربت الطبل، فسُمِعَ له صوت عظيم. فتوجَّه الثعلب نحوه، فلما أتاه وجده ضخماً، فأيقن بكثرة الشحم واللحم، فعالجه حتى شقه. فلما رآه أجوف، لا شيء فيه، قال: لا أدري.. ربّما كانت أتفه الأشياء أجهرها صوتاً وأعظمها جثةً».
الطبل الصفيح
من أشهر روايات الأديب الألماني «غونتر غراس» روايته الطبل الصفيح التي نشرها سنة 1959م وهي أولى روايات الثلاثية «دانسيغ»، حيث تلتها رواية «القط والفأر» (1961م) ثم رواية «سنوات البؤس» (1963م).. وبعد أن نال غراس جائزة نوبل للآداب سنة 1999م نُشرت الترجمة العربية التي أنجزها حسين الموزاني وصدرت عن منشورات دار الجمل بألمانيا سنة 2000م.
تجري أحداث هذه الرواية قبيل وخلال الحكم النازي في ولاية دانتزغ المستقلة آنذاك على الحدود الألمانية البولونية. وتحكي قصة طفل يدعى أوسكار ماتسرات ولد لأم كاشوبية (من غجر بولونيا) وأب ألماني.
عند بلوغ الطفل أوسكار السنة الثالثة من عمره، تقرَّر أن يجمِّد نموه الجسدي ويبدأ مشواره في الحياة على شكل قزم، مسلحاً بطبل صفيحي وحنجرته التي تصدر أصواتاً هدَّامة. الطبل له وقع سحري على سامعيه والحنجرة لها القدرة على تكسير الزجاج. وكلاهما سلاح يستعمله أوسكار تارة للتمرد على وضع قائم وتارة للانتقام ممن يراه مستبداً بأمر وتارة أخرى ليختبر سلوك الناس وردود فعلهم. ويفسِّر أوسكار تطبيله وصراخه قائلاً: «ليس هناك من يقوم بأعمال التخريب إلا من كان يعبث، لكنني لم أكن عابثاً، بل كنت أشتغل على الطبل. أما فيما يتعلق بصوتي، فإنه لا يستجيب إلا لنزعة الدفاع الذاتي المحض. كان الخوف والقلق هما اللذان دفعاني إلى استخدام أوتار حنجرتي استخداماً هادفاً».. وتمضي الرواية مع الطفل أوسكار في تتبع هذيان الكبار، مع الصوت المُدمِّر وطبل الصفيح.
الطبل المسافر
«الطبل المسافر» (The walking Drum) رواية تاريخية للمؤلف الأمريكي لويس ديربون لُ آمور (Louis Dearbor L’Amour)، من إصدارات دار النشر «بانتام» (Bantam Books)، تدور أحداث الرواية في القرن الثاني عشر بين أوروبا والشرق الأوسط، وتحكي قصة ماثورين كيربوشارد (Mathurin Kerbouchard) في رحلته بحثاً عن أبيه ثم تتحوَّل الرحلة إلى البحث عن المعرفة والثراء، وهو يتنقل من مدينة إلى أخرى وسط عوالم من التحديات والمخاطر. وتأتي تسمية الكتاب «الطبل المسافر» كنايةً عن مواكبة الطبل لرحلة قافلة كيربوشارد التجارية، والتي يرد ذكرها في الفصل السادس والثلاثين من القصة: «في معظم رحلات القافلة، كنا نسير ونغني، وكان صوت الطبل رفيق أغنياتنا على الدوام.. صوت سيلازمني ماحييت.. وسيخلد عميقاً في أعماق كياني».
الطبل نداء الحرب
كان القرع على الطبول من أولى أشكال التواصل و«الإعلام» بين البشر، فطريقة القرع عليه هي أشبه بإرسال «برقية» عاجلة يتوافق المُرسل والمتلقي على شفراتها. ولعل الطبل لم يزل يحتفظ بهذا الدور في أعماق إفريقيا ومناطق من آسيا وفي أدغال أمريكا الجنوبية، حيث القبائل التي لم تزل تحيا على طريقتها التقليدية.
فعند قبائل «الطوارق» بالمغرب العربي، يحظى الطبل بمكانة خاصة ، فقد كان يلعب دور وسيلة إعلام، ويوضع عند خيمة زعيم القبيلة صاحب الحل والعقد فيها، ويتضح الدور الإعلامي للطبل من نوعية استخدامه، فإن أمر قائد القبيلة بقرع الطبل خمس مرات، فمعنى ذلك أن الحي قرر الرحيل إلى منتجع آخر من الصحراء، وإن دوَّى الطبل عالياً ثلاث مرات متواصلة سريعة، كان ذلك بمثابة صفارة الإنذار من هجوم وشيك للعدو، وهنالك قرعات للطبل تعني أن ثمة شخصاً تائهاً أو مفقوداً في الصحراء، أو أن عرساً قد بدأ.
وفي موريتانيا، يمثِّل الطبل رمزاً من رموز السيادة وعنصراً مهماً في نظام الإمارة أو القبيلة. وكان لكل إمارة بل لكل قبيلة طبلها وإذا كان الفخذ قوياً يكون لرئيسه طبل أيضاً. ويحتفظ الأمير أو شيخ القبيلة بالطبل ويرثه عنه من يتولى بعده. ويُعد انتزاع الطبل في الحروب وأخذه قهراً في عُرف القبائل الموريتانية، من مظاهر الانتصار وإغاظة العدو وإهانته؛ وهو أبلغ عندهم أحياناً من القتل والتنكيل. ويشكِّل الطبل رمزاً من رموز السيادة.
وقد أصبح الطبل لشدة ارتباطه بالقبيلة وحياتها الحربية يطلق على الجيش، فيقال للقبيلة الفلانية سبعة طبول أو ستة أو خمسة كناية عن عدد الجيوش. أما عن حضور الطبل في المعارك، فليس أبلغ من المشاهد التي ترسمها الأفلام، عن قرع الطبول قبل ابتداء المعركة وخلال التهابها، والغاية هي إثارة الحمية وتحفيز الهمم على الاستبسال في القتال.
ولعل أوثق حضور للطبل في الحروب، هو الطبل العسكري في الجيوش النظامية لا سيما الأوروبية منها، فقد كان يوكَّل لطبل الحرب ضابط له رتبة ومكانة، حيث يشرف على فرقة الطبالة ويتقدَّم صفوفهم بطبل مكسوّ بألوان الزي الرسمي لذلك الجيش، وعند الفرنسيين قصة مشهورة عن ابنة رائد الطبل وما قامت به من بطولة في إحدى حروب فرنسا.
طبل الحرب يقرع للسلام
تُؤرخ بعض الرقصات الشعبية التي تعتمد على الطبول لحروب ومعارك قديمة، ويتم تقديم العروض التي تسترجع وتصوِّر مشاهد من تلك الحروب والمعارك، في المناسبات الوطنية خاصة لتعميق الانتماء الوطني وإحياء الذاكرة الشعبية.
وقد اشتهرت أنواع من الطبول كانت مخصصة للحروب فحسب، ثم تحوَّلت مع الزمن لتصنع الأفراح والبهجة.
ومن أشهر الطبول في العالم، التي تحوَّلت من طبول حرب إلى طبول تصنع الفرح، هي طبول «آنساي» الصينية، فهي لها تاريخ عريق وضارب في القدم، وكانت في الأصل طبولاً للإنذار في عهد أسرتي تشين وهان القديمتين كما كانت وسيلة لحشد القوة المعنوية للجنود وللتعبير عن الانتصار في المعارك، ثم تطوَّرت عبر الأجيال لتكون آلة موسيقية تُستخدم في المناسبات السعيدة والمسابقات وفي العروض الفنية لعامة الشعب في حياتهم العادية.
وتنقسم طبول آنساي إلى نوعين، أحدهما للقرع الهادئ، والآخر للقرع القوي؛ فالأول يتميز بالأداء الخفيف المرن، بينما يتميَّز الثاني بالقوة والخشونة، ليشكِّلا أساليب أدائية متعددة.
ولعل أشهر طبول الحرب التي تقرع للسلام هي التي تلك تدخل في عناصر الجوقة الرسمية التي تعزف نشيد السلام الوطني للدول.
للطبل برج في الصين
يقع برج الطبل في قلب مدينة شيآن الصينية.و هو مبنى صغير يقع في طريق جميل ومكتظ بالتجار والباعة المتجولين، وليس بعيداً من برج الطبل يُوجد المربع الإسلامي، حيث يقوم شامخاً المسجد الكبير الذي تم بناؤه قبل 1200 عام.
الطبل .. عربي
ماذا لو اختفى الطبل من مجموعة آلات الموسيقى العربية؟ ليس في وسع السؤال إلاَّ أن يطارد جوابه عبر تاريخ عميق مثَّل فيه الطبل ناظم الإيقاع وقائد الجوقة، بل إن هوية الموسيقى العربية تقوم على الطبل العربي بمختلف أنواعه وأشكاله التقليدية والمعاصرة، ربما لأن الموسيقى العربية فلكلورية في معظمها ومرتبطة بيوميات الشعوب لا سيما في الأفراح والمناسبات الاجتماعية. وربما لأن الزخرف اللحني الذي تتميَّز به الموسيقى العربية في التخت الشرقي والمُوشَّح والقصيدة والطقطوقة وغيرها من أشكال الغناء العربي، يفرض بأن يكون الطبل العربي هو القائد.
وعلى خلاف حضور الطبل في الموسيقى العربية، فقد اتجهت الموسيقى الغربية إلى التكنولوجيا وصناعة «الأصوات» الموسيقية، وإن يكن الطبل حاضراً فيها فهو بأشكال ابتعدت فيه عن الخشب والجلد وأوغلت في المعدن واللدائن. ويظهر هذا في موسيقى البلوز والروك والجاز، وحتى في الموسيقى الكلاسيكية وخاصة السيمفونية لا نكاد نستوضح حضور «الطبل» بالشكل الواضح الجلي الذي يتهادى إلينا في الموسيقى العربية.
ولعل اعتماد بعض الفرق الشعبية العربية على الطبول فحسب في أداء عروضها ورقصاتها إلى حد قد يكون لكل رقصة طبل خاص، هو تعبير مدوّ من الطبل: أنا عربي.
ولقارعي الطبل، مؤرِّخون..
قارع أو عازف الطبل يستأثر بدور البطولة في الموسيقى العربية، ولكنه يبدو دوراً غير مُعلن، لذلك لم يصل بنا البحث -عن قصور أو تقصير- إلى كتب عربية تستقل بالطبل وقارعيه، ولعل صانعي الطبول أشهر من قارعيها في عالمنا العربي، ربما لأن صناعة الطبول تدخل في إطار الحِرفْ التقليدية المرتبة بالموروث الشعبي فهي تحظى بالعناية الخاصة. وعلى خلاف هذا، فإن المكتبة الغربية حافلة بالكتب التي تهتم بالطبل وقارعيه.
وهذه بعض عناوين الكتب التي كرَّس مؤلفوها جهدهم البحثي للغوص في عوالم مشاهير قارعي الطبول:
عِصي وجلود
كتاب «عِصي وجلود» (Sticks n’Skins) يتحدث عن عوالم وتاريخ قرع الطبل عبر السنوات السبعين الأخيرة، ويقدِّم أندر صور وقصص مشاهير قارعي الطبل أمثال لوي بيلسون (Louie Bellson)، ستيف غاد (Steve Gadd)، جيم كيلتنر (Jim Keltner)، وَ هال بلين (Hal Blain).
قارع الطبل في مائة عام
يُعّد كتاب «قارع الطبل في مائة عام» (The Drummer- 100 Years Book) لمؤلفه أدم بودوفسكي، من أوائل الكتب التي أسهبت باستعراض خبايا عوالم وقصص كبار قارعي الطبل المعاصرين عبر مائة عام، من أمثال جون بونهام (John Bonham)، بادي ريتش (Buddy Rich)، إلفين جونز (Elvin Jones)، كيث موون (Keith Moon)، والكثير غيرهم (Buddy Rich, John Bonham, Keith Moon, Elvin Jones).
كتاب الطبل
يروي جيف نيكولز (Geoff Nichols) مؤلف «كتاب الطبل» «DrumBook»، روائع القصص عن تطور موسيقى الطبل، منذ بدايات تألق رينغو ستار (Ringo Starr) في الستينيات، إلى مشاهير القارعين في التسعينيات من القرن الماضي.
اقرع الطبل بالفأرة
لو شكا موجود يوماً مما لحقه من أيدي البشر، فسيكون الطبل بكل تأكيد. فلم يسلم الطبل من الضرب والنَّقر والقرع حتى في مجال الألعاب الإلكترونية، لا سيما تلك المنتشرة على الإنترنت بصيغة الفلاش.
لعبة الطبل الإفريقي
هي لعبة لها إصدارات عديدة أساسها الضرب على آلة الطبل الإفريقي لإحداث الأصوات المختلفة، ثم تجميع «الضربات» في مقطوعة موسيقية.
لعبة دروس الطبول الغريبة
هى أحدث وأغرب ألعاب الفلاش الجديدة المتعلِّقة بمجال الموسيقي والألحان الإفريقية الجميلة والخلابة، فاللاعب يمثِّل طالباً جديداً في المعهد العالي لدراسة الموسيقي بمختلف أنواعها، عليه أن يتحلَّى بالتركيز الشديد وأن يتتبع خطوات المعلم (من عناصر اللعبة) الذي سيساعده في تعلم العزف على الطبول بمنتهى السهولة والسرعة. ويتوجَّب على اللاعب أولاً أن يقوم بسماع العزف ثم بعد ذلك يقوم بعزف المقطع بنفسه على الطبل من خلال استخدام الفأرة.
أسطوانة الثعلب والطبل
من وحي كليلة ودمنة أنتجت شركة صخر لبرامج الحاسب «الثعلب والطبل» وهي أسطوانة مُوجَّهة إلى الأطفال، ومُوزعة على عدد من الأقسام التعليمية والقصصية والترفيهية وغيرها.
طبلة الأذن
يقع غشاء الطبل (طبلة الأذن) في نهاية القناة الخارجية وهي التي تفصل بين الأذن الخارجية والأذن الوسطى. وغشاء الطبل عبارة عن غشاء جلدي رقيق ذي سطح مخروطي بطول 9-8 مم، ومكون من ثلاث طبقات ذات أنسجة مختلفة. ويوجد في غور غشاء الطبل المطرقة التي تقوم بنقل الموجات الصوتية إلى بقية العظيمات. وغشاء الطبل متين كالصلب ومرن كالمطاط وحيوي جداً لنقل الأصوات.
وغشاء الطبل مربوط بأربع عظيمات لا يزيد وزنها على 55 مم ولا يزيد طولها على 19 مم، وظيفتها تكبير الأصوات الضعيفة إلى عشرين مثلاً وتخفيض الأصوات الضخمة المؤذية.
قد يتعرَّض غشاء الطبل للتمزق ما يؤدي إلى فقدان السمع وتعريض الأذن الوسطى لكثير من الإصابات. لكن تمزّق غشاء الطبل يُشفى عادةً بشكل تلقائي خلال بضعة أسابيع دون أي علاج. وإذا لم يلتئم الغشاء بعد مضي ستة أشهر من حدوث التمزُّق، يضطر الأطباء إلى إجراء عملية جراحية لترقيع الغشاء.
ونسبة نجاح العملية قد تصل إلى %90 وتزداد بمهارة الجراح وصغر حجم الثقب وجفاف الأذن من الصديد والإفرازات قبل العملية لمدة طويلة، وعدم وجود انسداد بالأنف وقناة استاكيوس.
للبحر طبوله أيضاً
سُمِّيت سمكة الطبل بهذا الاسم لأنها تصدر ضجيجاً مميزاً يشبه صوت الطبل، وهي أنواع عديدة منها سمكة الطبل المُبقَّعة وسمكة الطبل الأسود، وسمكة الطبل الأحمر التي بدأ الاهتمام باستزراعها في أواخر سبعينيات القرن الماضي بسبب القلق من الصيد التجاري والترفيهي، كونها سمكة جيدة للاستهلاك ومطلوبة على الموائد.
الطبل الأحمر سمكة تتحمل مدى واسعاً من ملوحة الماء، ولذلك فهي تنتشر بطول سواحل المحيط الأطلنطي وخليج المكسيك.. وتتناسل الأسماك الناضجة في أغسطس وحتى أكتوبر في المياه الساحلية بالقرب من فتحات المد. وبيض الطبل الأحمر بيض سابح (يصل قطر البيضة إلى حوالي 1 مم)، وتضع الأنثى الكبيرة أكثر من مليون بيضة. ثم يجري نقل اليرقات (التي يصل طولها من 6-8 مم) مع التيارات المائية إلى مصبات الأنهار حيث تستقر في مناطق الحشائش البحرية.
الطبل في معاجم اللغة
لم تفصَّل معاجم اللغة في تعريف الطبل بتفصيل صفاته كآلة، وفيما يُستعمل وأدواره وغيرها من الأمور، بل اقتصرت على أنه ذلك «المعروف» ذو الوجه أو الوجهين.
فقد ورد في لسان العرب
طبل: معروف الذي يُضْرَب به وهو ذو الوجه الواحد والوجهين، والجمع أَطْبال وطُبُول. والطبَّال: صاحب الطَّبْل، وفِعْله التَّطْبِيل، وحِرْفته الطِّبالة، وقد طَبَلَ يَطْبُل.
والطَّبْلة شيء من خَشَب تتخذه النساء، والطَّبْل الرَّبْعة للطيِّب، والطَّبْل سَلَّة الطعام. الجوهري: وطَبْلُ الدراهِم وغيرها معروفٌ، والطَّبْلُ الخَلْق؛ قال: قد عَلِمُوا أَنَّا خِيارُ الطَّبْل، وأَنَّنا أَهْلُ النَّدى والفَضْل وما أَدْري أَيُّ الطَّبْل هُو وأَيُّ الطَّبْن هُو أَي ما أَدري أَيُّ الناس.
والطَّبالة: النَّعْجة، وفي المحكم: الطُّوبالةُ، وجمعها طُوبالاتٌ، ولا يقال للكبش طُوبالٌ.
وورد في أساس البلاغة للزمخشري
ط ب ل طبل الرجل تطبيلاً وطبل يطبل طبلاً وهو مطبل وطبال حاذق وحرفته. الطبالة. وتقول، الخبل والموق حيث الطبل والبوق. وعنده طبل من الدراهم. وأدى أهل مصر طبلاً من الخراج وطبلين وطبولاً أي نجماً سميَ بطبل البندار.
الطبل في التراث الشعبي
التراث الشعبي مجال حيوي، تستلهم منه الأمم قيمها وعناصر أصالتها، وتجتهد في إحيائه واستثماره في حاضرها بالشكل الذي يقوِّي ذاكرتها ويعمِّق تواصل أجيالها. وللطبل حضور قوي في التراث الشعبي، لا سيما في احتفاليات الصيد وجني المحاصيل والأعراس ومناسبات السمر، وفي فنون الرقص الجماعي. وكثيرة هي الفرق الفلكلورية العربية التي تُعنى بالحفاظ على التراث الشعبي الذي قوامه الطبل.
طبول «الرواح»
يُعد فن الرواح من أشهر الفنون الشعبية التي يشتهر بها خليجنا العربي، وميزة هذا الفن أنه يؤصِّل التلاحم الاجتماعي ويعزِّز تواصل الأجيال، فقد يشارك الابن والأب والجد في الرواح .
وتُدق طبول الرواح في الاحتفالات والأعراس والمناسبات الرسمية ويشارك فيه الرجال حيث يقفون، كل رجل يحمل طبلاً إلى جانب بعضهم البعض في صف طويل وحيد به قليل من الميلان، ويبـدأ الجميع في القرع على الطبول بصورة متشابهة فيما هم يمشون خطوة إلى الأمام وأخرى إلى الخلف ويـدورون حول أنفسهم، ومع مرور الوقت يتصاعد القرع على الطبول وتبدأ بعض الطبول منفردة في تشكيل زخرفات إيقاعية.
الحكمة وراء قرع الطبل
خلال بحثنا عن حضور الطبل في التراث الشعبي، استوقفتنا مدونة «منتدى الجماهير الثقافي الفكري» التي تُعنى بالتراث الليبي، وقد اخترنا منها موضوع «تبييت الطبل»، وحسبما جاء في المُدوَّنة: «تبييت الطبل ما هو إلا نتاج تجارب الأولين وخبرتهم في الحياة أُختُزلت في تعابير جميلة منمقة مختصرة كأنها برقيات تُوصِلنا على وجه السرعة إلى قلب الهدف دون لف أو دوران لأخذ الفائدة والعبرة».
وحول كيفية تبييت الطبل ورد في المُدوّنة: «تبدأ الجلسة في ساعة متأخرة من ليل يوم «الزهاز» وهو غالباً يوم الأربعاء الذي يسبق يوم «المرواح»، وهما من أيام العُرس المعروفة، ويقام أيضاً لدى البعض ضمن حفلة الخِتان «الطهارة»، تبدأ الجلسة بالتفاف مجموعة من المؤدين الذين يحفظون أبيات الشعر المتوارث حول طبل مصنوع من قصعة عود شُد عليها بإحكام رقُعة كبيرة من الجلد المعالج يصدُر عنه صوت مدو ذو رنة مميزة حين النقر عليه بإيقاع معيَّن مصحوب بترديد أبيات الحكمة بحيث يبدأ أحدهم بإنشاد شطر من البيت ليتبعه الآخرون بلازمة ملحَّنة، بحيث يعلو صوتهم تارة ويخفت تارة أخرى تبعاً لحدة نقراتهم على الطبل.
ومن أشعار الحكمة التي تُقال في جلسة «تبييت الطبل»:
اللي طلب يطلب الله ويقول يا كريم المعاطي
أما العبــد خليك منّه لا يشيعــــك لا يواطــي
والطبل محطوط فاني حاست عليه الجماعه
ويـن الحبيب المداوي يهمد ويبري أوجاعه
طبل المسحّراتي مازال يُقرع
لم تنجح وسائل الإعلام المعاصرة بكل تقنياتها ولم تفلح الساعات بمنبهاتها القوية في أن تُخمد صوت الطبل وتدفع «المسحراتي» للدخول إلى ذاكرة النسيان. فالمسحراتي لم يزل حاضراً في الثقافة الشعبية العربية ويمارس وظيفته الرمضانية بكل عناد وإصرار، خاصة في الأرياف والمناطق النائية. بل إن هناك من يقوم بدور المسحراتي في بعض أحياء المُدن الكبيرة، تمسكاً منه بمورثه وتقاليده.
تختلف أسماء المسحراتي من قطر عربي إلى آخر، فهو المُسحِّر وهو المسحَّراتي وهو النقَّار وهو الطبَّال وهو أبو طبيلة، وأسماء أخرى عديدة، ولكن صفته واحدة فهو «بطل» تلك اللوحة الرمضانية الأصيلة لرجل يحمل طبلاً ويطوف بين الأحياء موقظاً الناس لكي يتسحَّروا.
وقد أبدع «المُسحِّرون» أشكالاً مختلفة في ممارسة «مهنتهم الرمضانية»، ففي «عُمان» يوقظ المسحراتي النائمين على الطبلة وهو يقول يا «نائمين الليل، قوموا اتسحروا سحور.. سحور يا صائمين»، وفي «الكويت» يقوم المسحراتي الذي يسمى أبو طبيلة بالتسحير ومعه أولاده فيردد بعض الأدعية وهم يردون عليه، وأما في «اليمن» فيقوم بالتسحير واحد من الأهالي بالحي حيث يدق بالعصا على باب البيت وهو ينادي على أهله قائلاً: «قوموا كلوا»، وفي «السودان» يطرق المسحراتي البيوت ومعه طفل صغير يحمل فانوساً ودفتراً به أسماء أصحاب البيوت حيث ينادي عليهم بأسمائهم قائلاً «يا عباد الله وحدوا الدايم ورمضان كريم».
ويذكر المؤرخون أن المسحراتي ظهر إلى الوجود عندما لاحظ والي مصر «عتبة بن إسحاق» أن الناس لا ينتبهون إلى وقت السحور، ولا يوجد من يقوم بهذه المهمة آنذاك، فتطوع هو بنفسه لهذه المهمة فكان يطوف شوارع القاهرة ليلاً لإيقاظ أهلها وقت السحور، وكان ذلك عام 238هـ، حيث كان يطوف على قدميه سيراً من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاصي في الفسطاط منادياً الناس: «عباد الله تسحَّروا فإن في السحور بركة».
وفي عصر الدولة الفاطمية أصدر الحاكم بأمر الله الفاطمي أمراً لجنوده بأن يمروا على البيوت ويدقوا على الأبواب بهدف إيقاظ النائمين للسحور، ومع مرور الوقت تم تخصيص رجل للقيام بمهمة المسحراتي كان ينادي: «يا أهل الله قوموا تسحروا»، ويدق على أبواب المنازل بعصا كان يحملها في يده.
تطورت بعد ذلك طريقة «التسحير» فظهرت في مصر طبلة المسحّر ليحملها المسحراتي ويدق عليها بدلاً من استخدام العصا، هذه الطبلة كانت تسمَّى «بازة» وهي صغيرة الحجم يدق عليها المسحراتي دقات منتظمة، ثم تطورت مظاهر المهنة فاستعان المسحراتي بالطبلة الكبيرة التي يدق عليها أثناء تجوله بالأحياء وهو يشدو بأشعار شعبية وزجل خاص بهذه المناسبة، ثم تطوَّر الأمر إلى عدة أشخاص معهم طبل بلدي وصاجات برئاسة المسحراتي، ويقومون بغناء أغاني خفيفة حيث شارك المسحراتي الشعراء في تأليف الأغاني التي ينادون بها كل ليلة.
ومن أشهر هذه الأشعار:
«اصح يا نايم وحِّد الدايم = وقول نويت بكرة إن حييت
الشهر صايم والفجر قايم ورمضان كريم».
الطبل في الشعر
ورد ذكر الطبل كثيراً على ألسنة الشعراء بألفاظ متعددة، وفي معانٍ مختلفة، ومنها قول المتنبي:
إذا كان بعض الناس سيفاً لدولة = ففي الناس بوقات لها وطبول
وهو من الأبيات التي عاب فيها النقاد على المتنبي جمعه بوقاً على بوقات في غير ضرورة.
وقال أبو الشمقمق
وليس على بابِ بن إدريسَ حاجبٌ = وليس على باب بن إدريسَ من قفلِ
طربتُ إلى معروفهِ فطلبتهُ = كما طَرِبَتْ زَنْجُ الحجازِ إلى الطَّبْلِ
وقال الشاعر السوري نزار قباني:
إذا خسرنا الحربَ لا غرابهْ
لأننا ندخُلها..
بكلِّ ما يملكُه الشرقيُّ من مواهبِ الخطابةْ
بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابهْ
لأننا ندخلها..
بمنطقِ الطبلةِ والربابهْ
وقال أبو العتاهية:
رأيْتُ خرابَ الدَّار يحليهِ لهْوهَا = إذا اجتَمَعَ المِزْمارُ والطّبلُ والصَّنج
وقال ابن حزم في طوق الحمامة في مخالفة الحقيقة لظن المحبوب عند وقوع الرؤية:
وصفوك لي حتى إذا أبصرت ما = وصفوا علمت بأنه هذيان
فالطبل جلد فارغ وطنينه = يرتاع منه ويفرق الإنسان
طبول لها أساطير
إن لم تكن الطبول صانعة للأساطير فهي جزء منها أو متخفيَّة في تفاصيلها، ذلك أن الطبل كان مُقدساً عند الشعوب القديمة، وكانت غاية أولى الطبول التي صنعها الإنسان هي مخاطبة «الآلهة» من خلال القرع على الطبول.
طبل الهنود الحمر
تروي إحدى أساطير قدامى قبائل الهنود الحمر، وتعرف بأسطورة قبيلة أبيناكي (Abenaki Legend) أنه بينما كان الخالق يمكِّن الأرواح كافةً من تعمير الأرض الأم، جلجل صوت مدوٍ من بعيد ومع دنوّ الصوت من الخالق، عرَّف الصوت عن نفسه بأنه «روح الطبل» وقد أتى إلى الخالق راجياً أن يأذن له بالمشاركة في ذلك «العمل البديع» بتوزيع أرواح المخلوقات على الأرض. وعندما سأل الخالق الطبل عن كيفية الدور الذي يودّ أن يسهم به، أجاب الطبل بقوله: «سأكون رفيقاً للناس كلَّما صدح صوتهم بالغناء الجميل النابع من القلب، وسأغني معهم آنذاك وأغدو لهم نبض قلب الأرض الأم. عندها، ستغنِّي كل المخلوقات بتناغم وانسجام».
وتقول الأسطورة إن الخالق استجاب لرغبة الطبل، فكان له ما أراد، ومنذ ذلك الوقت بات الطبل رفيقاً دائماً لصوت الشعوب كافة.
ومع قرع الطبول وما حملته من مشاعر الهيبة والإثارة، والوقار، والقوة، والشجاعة، أضحى الطبل ملازماً للشعوب، وكان حافزاً لروح أغانيها وأهازيجها، فكانت إيقاعاته تدعو النسور لحمل الرسالة إلى الخلاَّق وترمز لنبض قلب الأرض وهي تبارك من سكن على أديمها.
طبل كوريا القديمة
يحكى عن مملكة من ممالك كوريا القديمة عرفت باسم مملكة «ناكرانغ» التي يُولد لملكها ابنتان في اليوم نفسه ولكن من والدتين مختلفتين، وتقول الأسطورة: إن أميرة منهما ستكون أميرة الدمار التي ستتسبب في انهيار المملكة، والأخرى ستكون المنقذة التي ستنقذها، فقامت الملكة الثانية بمحاولة قتل ابنة الملكة الأولى فطعنتها في قلبها بدبوس شعر مرجاني، فقامت الملكة الأولى المفجوعة بإلقاء ابنتها «جاميونغ» في نهر متجمد في الشتاء، وتمت تربية الإبنة الأخرى «لاهي» على أنها المنقذة.
ومرَّت السنون وكان من المخطط زواج أمير المملكة المعادية «كوغوريو هودونغ» من «لاهي» أميرة مملكة «ناكرانغ».
لكن أمير المملكة المعادية كان يُحب «جاميونغ» الفتاة التي كانت قد ألقيت في النهر المتجمد، حيث حملت اسم «بوكو» وتربَّت على أنها فتاة سيرك. عادت جاميونغ إلى ناكرانغ وأصبحت كاهنة المملكة وقامت بصناعة طبل مقدَّس يمنع الحروب، فهو طبل يقرع من تلقاء نفسه عند مهاجمة الأعداء.
فأراد ملك كوغوريو غزو مملكة ناكرانغ، فطلب هودونغ من زوجته «لاهى» التي أعماها الحب تمزيق طبل «جاميونغ»، فاستجابت الأميرة لطلب زوجها وقامت بتمزيق الطبل، فانهارت مملكة ناكرانغ وصارت تحت سيطرة مملكة كوغوريو وقُتلت الأميرة لاهي على يد شعبها الغاضب وأصبحت الأميرة جاميونغ تقود متمردي مملكة ناكرانغ من أجل تحريرها. وفي مواجهة بالسيوف بين الأمير هودونغ والأميرة جاميونغ، يموت كلاً منهما على يد الآخر. وهناك مسلسل مشهور حول هذه الأسطورة يحمل اسم الأميرة جاميونغ.
الطّبل في السينما
الطبل يفوز بالجائزة الذهبية
تقدِّم لنا دلالات الطبل ورمزيته، المفاتيح الأساسية لنفهم موقع الطبل في الأعمال الإبداعية الكبيرة. ففي خمسينيات القرن الماضي تردَّدت عبر مجلة «الطبل» الأصوات التقدمية معبِّرة عن مسار دار النشر البريطانية المناوئة للتمييز العنصري، وارتقت المجلة من صحيفة التابلويد المتداولة بين صفوف الأفارقة من الطبقة الوسطى إلى مجلة سياسية ذات شأن وصيت ذائع.
هذه العلاقة بين «الطبل» والتمييز العنصري، نجدها في فِلم الافتتاح لمهرجان السينما عام 2005م في ميونيخ، فقد تألق الفِلم السينمائي «الطبل» (Drum)، الحائز للجائزة الذهبية في مهرجان الفِلم الإفريقي (FESPACO) سنة 2005م، وفيه طرح المخرج الزنجي زولا ماسيكو (Zola Maseko) من جنوب إفريقيا ذاتَ الموقف المناهض للتمييز العنصري من منظور إفريقي بديلاً عن المنظور الأوروبي، وهو ما كان مُغيَّباً كلياً عن جمهور السينما الألماني. وقد لعب كل من الصحافي الزنجي هنري نكسومالو (Henry Nxumalo) ونظيره الألماني المنشأ، المصوِّر يورغين شادنبيرغ (Jürgen Schadeberg) دوراً كبيراً في إيصال رسالة الفِلم على أكمل وجه.
الطبل الصفيح يقرع مرتين
فولكر شلوندورف من أبرز المخرجين الألمان الذين نجحوا في تحويل الأعمال الأدبية إلى أفلام سينمائية متميِّزة، فقد حقق فِلم «الطبل الصفيح» المُقتبس عن رواية الطبل الصفيح للكاتب الألماني غونتر غراس، نجاحاً عالمياً ونال السعفة الذهبية في مهرجان كان 1979م، كما نال جائزة الأوسكار لأفضل فِلم أجنبي، وبهذا الفِلم أضحى فولكر شلوندورف من مشاهير السينما الألمانية والعالمية.
لقد أبدع المُخرج في معالجة الشخصيات الصعبة مثل أوسكار بطل الرواية، كما اهتم المخرج بالفترة الزمنية التي يعالجها الفِلم منذ عام 1925م وحتى عام 1952م حيث يقبع أوسكار في إحدى المصحات العقلية، وفي المقابل فإن اهتمام المخرج نال كذلك بعض المقاطع الخادشة التي تناولها غراس في روايته، وهو ما جعل الفِلم يتعرَّض للمنع في عدة أماكن مثل أوكلاهوما بالولايات المتحدة الأمريكية، وبعض مناطق كندا. ولعل «الطبل الصفيح» من نوادر الأعمال التي حظيت بنجاح عالمي ونالت الجوائز كعمل أدبي وكفِلم سينمائي أيضاً. ويُذكر أن فولكر شلوندورف أصدر سيرته الذاتية في كتاب سمَّاه «ضارب الطّبل» وهناك من ترجمه «الطّبل الرنان»، ويقول فولكر: «أنا من مواليد ألمانيا ثم أصبحت فرنسياً فأمريكياً. حالماً بطبيعتي لكنني جعلت من نفسي رجل فعل وعمل، وأميل للكآبة بطبيعتي، لكن سباق الماراثون جعلني أعتنق فضيلة الفرح. ولم أكن في يوم من الأيام حيث ينتظرني الآخرون. مع ذلك لم يسكنني أبداً الإحساس أنني ضائع».
الراقصة والسياسي
من أشهر الأفلام العربية التي كان للطبل فيها دور مميز، فِلم «الراقصة والسياسي» بطولة الممثل أحمد زكي والممثلة نبيلة عبيد ومن إخراج أشرف فهمي وتأليف إحسان عبدالقدوس.
تدور أحداث الفِلم حول طبَّال -أحمد زكي- يتولَّى تدريب راقصة الموالد «مباهج» نبيلة عبيد، وتحويلها لراقصة محترفة.. وتتوالى أحداث الفِلم ملقية الأضواء على دور إيقاع الطبلة في الرقص الشرقي، ومدى اعتزاز الطبَّال بطبله وفنِّه.
الطبول البعيدة
«الطبول البعيدة» (Distant Drums) من كلاسيكيات السينما الأمريكية بالأبيض والأسود، أخرجه راوول وولش وقام بدور البطولة غاري كوبر. يحكي الفِلم عن هنود السيمينول في ولاية فلوريدا وهم يواجهون القوَّات البيضاء بين تلك الأحراش والغابات الممتدة بمستنقعاتها وبركها المتحركة. ومهمة بطل الفِلم هي إنقاذ هنود السيمينول الذين اشتهروا بصداقتهم للزنوج الأمريكيين، حيث كان الأفرو أمريكيين يلجأون إلى السيمينول بحثاً عن الأمان من الرجل الأبيض، لا سيما خلال الحرب الأهلية في القرن التاسع عشر.
وفِلم «طبول بعيدة» كان في الأصل فِلما حربياً أخرجه وولش بنفسه سنة 1945م بعنوان «الهدف بورما» ويحكي الصراع الأمريكي الياباني.
للطبل مشاهير
وُلد وارن بيبي دودس (Warren Baby Dodds)، الأخ الأصغر لعازف الكلارينت الشهير جوني دودس، في مدينة نيو اورلينس (New Orleans) سنة 1898م، وبدأ العزف على الطبل في السادسة عشرة من عمره وباشر الأداء مع كيد أوري (Kid Ory) برفقة أخيه. آنذاك، اضطر وارن إلى مغادرة الفرقة الموسيقية لسوء عزفه، مما حفَّزه على التدرّب الشاق والمستمر ليصبح من أوائل وأبرز عازفي طبل الجاز. ومع حلول عام 1918م كان يرافق المغني وعازف الجاز الأمريكي الشهير، لويس آرمسترونغ. إضافة إلى عمله كعازف طبل، كان يعمل بشركة لسيَّارات الأجرة. وكثيراً ما كان يعزف برفقة أخيه ولكن بعد وفاة الأخ انضم إلى فرق عديدة وتضاربت الآراء حول أدائه الذي كثيراً ما كان أقرب إلى العزف المنفرد من مرافق للفرق الموسيقية التي عمل معها. أصيب سنة 1949م بعدة جلطات أدت إلى شلله جزئياً، ولكنه ثابر على الحضور بساحة الموسيقى بين الحين والآخر. وقد توفي في شيكاغو سنة 1959م.
ولقرع الطبول فوائده
توصلت بعض الدراسات العلمية إلى أن قرع الطبل لمدَّة نصف ساعة، يساعد على حرق 270 سعرة حرارية أي بنسبة أكبر من نشاط بعض الرياضات مثل المشي وركوب الدراجة ورفع الأثقال.
أفادت بعض التجارب العلمية أن مستوى الطلاب الذين مارسوا تعلُّم القرع على الطبل قد تحسَّن بشكل جيد، وذهبت التجارب إلى أن التمرين المتواصل على قرع الطبل، يعلِّم المثابرة وعدّ الضربات يطوِّر المهارات الحسابية ويزيد نسبة التركيز لدى الطلاب.
أشارت إثباتاتٌ علمية إلى أن العزف على الطبل يخفِّض عدد الهورمونات التي تزيد من نسبة الضغوط.
يساعد العزف على الطبل في التنبه إلى نبضات القلب التي تبقينا على قيد الحياة وتحافظ على حيويتنا. فقد يشكِّل القرع على الطبل علاجاً يسهم في تواصلنا مع ذاتنا، والعزف وفق تواترٍ بطيء يريحنا، أما زيادة سرعة هذا التواتر فتزرع فينا الحماس.
* القافلة
«طبل»، نكرة لا يحتاج إلى تعريف، فهو مُعرَّف بأصواته وبأدواره التي اضطلع بها منذ فجر الحضارات الإنسانية، ولمّا يزل مُصرَّاً على أن يكون رفيق السلم والحرب، والشاهد إذا استُنطق حول مسيرة الإنسان.
في هذا الملف يأخذنا، محمد ياسين رحمة، في إطلالة عريضة على هذه الآلة العريقة، يقرأ تاريخها وطبيعة وجودها في فنون العالم ماضياً وحاضراً.
شيء من تاريخ الطبل
للطبل تاريخ طويل ضارب في عمق الأزمنة، فقد دلّت الاكتشافات الأثرية أنه يعود إلى ستة آلاف سنة، استناداً إلى الطبول الفخارية التي تم اكتشافها في مورافيا، وهي منطقة جبلية في شرقي جمهورية التشيك. وتذهب بعض المصادر استناداً إلى الآثار الموسيقية في الشرق الأدنى، إلى أن الطبل الكبير المستدير الشكل هو أقدم أنواع الطبول، وأقدم أثر سومري لهذا النوع من الطبول هو المسلة السومرية المعروفة باسم «مسلة بدرة» الموجودة في المتحف العراقي والمؤرخة بـ 2600 – 2500ق. م.
ومن سومر انتشر هذا الطبل في جميع أنحاء آسيا الصغرى، ولا يزال مستعملاً حتى الآن. وفي الأساطير العربية أن «لامك» كان أول من صنع الطبل والعود والدف، وتنسب إلى أخته «دلال» صناعة القيثارة أو المعزف. غير أن الدراسات التاريخية والأثرية تُجمع على أن كل الحضارات الإنسانية قد عرفت الطبل، وأن الطبول وُجدت قبل أي سجلّ تاريخي.
يرى المؤرخ الموسيقي «كورت زاكس» أن الحضارات القديمة عرفت الطبول بأشكال وهيئات مُنوّعة وأحجام مختلفة، وذلك منذ الحضارة السومرية التي عرفت اثني عشر نوعاً من الطبول، ودليل «كورت زاكس» في هذا، وجود اثني عشر اسماً للطبول في اللغة السومرية واثني عشر مرادفاً في اللغة الأكادية.
ومن أشهر الطبول عند قدماء السومريين والبابليين، ذلك الذي سموه «بالاق» وهو الطبل المُقدَّس، وإذا ما قُرع فصوته من صوت «الآلهة» ويجب الإنصات إليه والخشوع له.
والبالاق طبل كبير مشدود عليه جلد من الجهتين ضيق الخصر، وتُبيِّن الصور القديمة أنه كان يُحمل على الكتف بواسطة حزام من الجلد، وكان لهذا الطبل الكبير أهمية كبرى في موسيقى الهيكل وفي الموسيقى المدنية والعسكرية على السواء، وكان يصنع أحياناً من خشب الأرز الثمين تقديراً لقيمته ومكانته المُقدَّسة. أما اسم الطبل العادي فهو في اللغة السومرية القديمة «أُب»، بضم الهمزة وفي اللغة الأكادية السامية «أوبو» أو «أبو»، وإذا أضيفت إلى الاسم لفظة تور -فإنها تعني في اللغة السومرية «صغير»- أصبحت كلمة أوب تور أي الطبل الصغير.
ومن أنواع الطبول أيضاً، طبل مصنوع من النحاس يُسمَّى في اللغة السومرية القديمة «دوب»، وقد انتشرت هذه التسمية مع الزمن إلى مختلف الأمم، فقلبها الهنود إلى دودي أو بدبديكا وفي القوقاس طبل يدعى دوبدبي، وحتى في اللغة الهنغارية الحديثة يسمى الطبل دوب. أما أكبر الطبول القديمة فهو ما كان يُسمِّيه السومريون «آلا» وقد وصل قطره أحياناً إلى مترين وكان يُعلَّق بعمود أو يوضع على منصة ويُقرع باليدين أو بالعصا.
وتؤكِّد الآثار أن الطبول كانت أكثر تنوعاً في العصرين البابلي والآشوري، فقد كانت بين طبول كبيرة توضع على الأرض وصغيرة تُمسك باليد في وضعية أفقية معلقة في حزام يلتف حول وسط القارع الذي يقرعها بيديه. وكان للطبول منزلة مُقدَّسة عند السومريين والبابليين، حيث تذكر الكتابات المسمارية الآكادية أن الجلد الذي يُصنع منه الطبل يجب أن يكون من ثور لم يُصب بمرض ولم يعلُ رقبته نير، وعند ذبح الثور تُقام طقوس دينية ومراسيم خاصة، ثم يحرق قلب الثور ويجفف جلده ويُنشر ثم يعالج الجلد بالدقيق الناعم والخمر والدهن والطيب، وبعد أسبوعين يُعاد الاحتفال ويقرع الطبل للمرة الأولى في هيكل الآلهة لكي تُرفع إليهم أصوات الناس مُتضمِّنة في أصوات القرع على الطبل. وقد وصفت اللوحات التي وجدت في منطقة «وركاء آريك» في العراق، هذه الطريقة في صنع الطبل المُسمَّى يسمى «ليليس».
وقد كان لقب «حارس الطبل» من أهم الألقاب عندهم، فقد خصصوا للطبل الكبير المقدس، الذي لا يفارق الهيكل حارساً، برتبة كاهن عظيم وميَّزوه بلقب «حارس الطبل المقدس». وحُرَّاس الطبول هم أشخاص يُنتقون بعناية ويتم تدريبهم وتأهيلهم لحراسة طبول الهياكل الدينية وبيوت الحكمة، لأن القرع على الطبول المحروسة هو تعبير عن هيبة الحاكمين وسيطرتهم على شعوبهم. وقد كان للقرع على الطبول مناسبات مرتبطة بالمعتقدات والشؤون الاجتماعية والاحتفالات الموسمية. فالقرع على الطبول في حالات المحاق أو الكسوف الكلي، كانت غايته إثارة الحزن والنواح على القمر الذي كان من معبوداتهم.
أما الحضارة الفرعونية فقد عرفت الطبول المصنوعة من خشب السّدر وكانت لها فنون في صناعتها، لا سيما صناعة الطبل العملاق الذي بُنيت الأهرامات على إيقاعات قرعه، حسبما جاء في بعض الدراسات، حيث كوَّن الفراعنة فرقاً خاصة لها وظائف وأدوار محددة، ترافق المشيِّدين والبنَّائين في عملهم، لاعتقادهم أن إيقاع صوت الطبول يحفِّز العقل والجسم ويحثُّهما على الإبداع. ويُعتقد أن القرع على الطبل كان يُُدرَّس في المعابد الفرعونية القديمة.
يجوز القول إن لكل حضارة طبولها، فلا يخلو التراث الشعبي للشعوب والأمم من مرافقة الطبل للإنسان في مختلف شؤون حياته، في آسيا وإفريقيا وغيرهما.. وما تُجمع عليه الدراسات أن إنسان العصر الحجري استخدم الطبل ضمن أسلحته في مواجهة الحيوانات المُفترسة بإحداث الضجيج، كما استخدم الطبل لاتقاء شرّ بعض الظواهر الطبيعية التي يخاف منها وللتواصل عن بُعد ولإقامة الطقوس وغيرها.. ومنذ ذلك الزمن، تطوَّر الطبل في الشكل والدور والوظيفة ولكنه حافظ على حضوره الدائم في شؤون الحياة.. بل إن الطبل حافظ حتى على أشكاله البدائية وأدواره القديمة عند بعض القبائل الإفريقية وفي أمريكا اللاتينية.
أنواع الطبل وأشكاله
تختلف أنواع الطبول باختلاف البلدان وثقافات الشعوب وتنوُّع الموروث التراثي، وكان لتاريخ الطبل الضارب في القِدَمْ تأثيره في تنوّع أسماء الطبل وأشكاله وأنواعه. وتُعد الطبول الأسطوانية هي الأكثر شيوعاً وانتشاراً في العالم، مثل الطبول الأسطوانية المتعددة الأحجام في جزيرة «بالي»، وطبل الحرب لهنود السبوكس الذي له حبل حول منتصفه مشدود إلى وجهيه، وطبل نيجيريا ذي الوجه المزدوج المشدود بالحبال. وطبل أوكيدو الخشبي الياباني الذي يُستخدم في مسرح الكابوكي.
والطبل من أشهر الآلات الموسيقية الإيقاعية، هو عبارة عن أسطوانة من الخشب أو في بعض الأحيان من المعدن، مشدود على قاعدتيها طبقتان رقيقتان من الجلد تسمَّى كل منهما «رقمة»، ومنها ما يضرب بالعصا على رقمة ويضرب على الأخرى باليد. و منها ما يضرب بالعصا على جانب واحد فقط ومنها ما يضرب باليدين على الرقميتين دون استخدام العصا.
طبول عربية
وقد زوَّدتنا المصادر العربية -مثلاً- بأسماء كثيرة للطبل حسب وظيفته ومناسبة استعماله، مثل: طبل الغز، وطبل العيد، وطبل المسحّر، وطبل الحجيج ، وطبل المواكب، وطبول الملاحين، وطبل الجمَّال وغير ذلك من الأسماء الكثيرة. أما من حيث الشكل فهناك المستدير الكبير والطبل الطويل والطبل الأسطواني والنقَّارات والطبلة وغيرها كثير.
وأكثر أنواع الطبول شعبية، الطبل المُطوّق والطبلة الكبرى والدف. والدفوف فقط هي التي تصدر أنغاماً موسيقية، بينما يُستخدم النوعان الآخران، بوصفهما آلتين إيقاعيتين.
يتكوَّن الطبل المطوَّق، من أسطوانة معدنية أو خشبية، وجلدتين طبليتين على الجانبين. تُسمَّى الجلدة التي يُعزف عليها جلدة الطرق والجلدة المقابلة جلدة الطوق. ويمتد عبر جلدة الطوق حوالي اثنا عشر وتراً من السلك تُسمى الأطواق. يضرب العازف على جلدة الطرق بعصاتين خشبيتين، مما يؤدي إلى تذبذب الأطواق على جلدة الطرق مُصدرة صوتاً ممتداً وحاداً. والطبلة الكبرى هي طبل مطوق كبير. وتُسمى الجلدة التي يطرق عليها جلدة الضرب، والجلدة المقابلة الجلدة الرنانة.
أما الدف فيتم الطرق عليه، في شكل مجموعات ثنائية، أو رباعية، ويُطلق عليه عادة اسم النقَّارية. ويتكون الدف من جسمٍ كبير من النحاس، أو الألياف الزجاجية، وله جلدة واحدة. وهو يعمل بنظام الدواسة، وهو نظام يمكِّن العازف من ضبط الطبل على طبقات صوتية مختلفة. ويصدر الدف نغمات عميقة، وواضحة عند ضرب الجلدة بالمطارق، ويمكن الحصول على نغمات متنوعة، باستخدام مطارق مختلفة مصنوعة من اللباد اللين، أو اللباد القوي أو الخشب.
وهناك الدربكة أو الدربوكة في بعض البلدان العربية، وهي إحدى الآلات الإيقاعية المنتشرة في البلدان العربية وتركيا ، وهي آلة قديمة عرفها البابليون و السومريون منذ عام 1100 قبل الميلاد. يصنع جسم الدربكة من الخزف أو الخشب ويُشد على الطرف العريض منها سطح جلدي أو بلاستيكي.
يمسك العازف الدربكة تحت ذراعه، و ينقر على سطحها بكلتا يديه، ويتم النقر على وسط السطح أو على طرفه لإنتاج الصوتين المختلفين المستخدمين في الإيقاع «دم تك»، وقد استخدم هكتور برليوز الدربكة في إحدى أوبراته في عام 1890م وكذلك استخدمها المؤلف الموسيقي دوريس ميلهاود في عام 1932م.
الطبل والفلكلور
ويبقى لكل بلد عربي طبوله التي تميّزه وغالباً ما تكون مرتبطة من حيث شكلها وتسميتها بأداء فلكلوري معيَّن. ففي دولة الإمارات مثلاً، تشتهر أنواع من الطبول مثل طبل «المسندو»، أكبر أنواع الطبول المحلية التقليدية، فهو إفريقي الأصل، وحجمه يقارب حجم البرميل الكبير. وهناك طبل «الشوباني»، نوع آخر من الطبول الطويلة المخروطية الشكل، لكن يمكن حمله وممارسة الإيقاع عليه وقوفاً، وغالباً ما يُستخدم في رقصة «الأنديما» الشعبية. أما طبل «الكاسر» وطبل «الرحماني»، فهما يشكلان ثنائي الطبول الأساسية في الإمارات، ويستخدمان في معظم الأنماط الموسيقية التقليدية والحديثة التي تُؤدَّى بمصاحبة آلات إيقاعية، وكذلك الآلات الوترية والهوائية في الأغنيات الحديثة. أما طبل «الرنَّة» فهو من طبول البادية تحديداً، وهو كبير الحجم، ويُكسى من الجهتين بجلد الماعز، ويُشد بحبال من ألياف النخيل، ويُضرب بالكف، ونادراً ما يُضرب بالعصا، ويكون استخدامه لغرض تعزيز صوت طبل «الرحماني» العميق.
طبول غربية
تشتهر الفرق الموسيقية الغربية العصرية لا سيما فرق «موسيقى الجاز» و«موسيقى الروك». باستعمالها لآلة الباتري كآلة ضابطة للإيقاع وأداة معبِّرة موسيقياً. تتكوَّن آلة الباتري من مجموعة من الآلات الإيقاعية خاصة الطبول والصنوج. وتُعد هذه الآلة حديثة العهد، فقد ظهر أول نموذج منها سنة 1930م.
تتركب هذه الآلة غالباً من خمسة أجزاء هي:
-1 طبل كبير: يوضع على الأرض, وبواسطة «دواسة» خاصة يضغط عليها العازف بقدمه فتتحرَّك عصا منتهية برأس كروي محاط بطبقة من الجلد أو القماش فتنقر جلد الطبل بحيث يصدر عنه صوت قوي.
-2 طبل متوسط الحجم: يوضع على يمين العازف، يصدر صوتاً غليظاً.
-3 طبلان صغيران: يوضعان أمام العازف على حاملين خاصين، يصدران أصواتاً متوسطة الغلظة.
-4 طبل معدني أسطواني: يوضع على يسار العازف (على حامل)، ويصدر صوتاً حاداً.
-5 ويُلحق بالمجموعة المُكوِّنة لآلة الباتري، مجموعة من الصنوج، وتستعمل آلة «الباتري» غالباً في فرق «موسيقى الجاز» و«موسيقى الروك». كما بدأت تغزو الفرق الموسيقية العصرية كآلة ضابطة للإيقاع وأداة معبِّرة موسيقياً.
طبول بونجو
آلات عالية النغمة تعمل بالنقر وتستعمل أصلاً بوصفها آلات إيقاع في موسيقى أمريكا اللاتينية، لكنها تُعزف أيضاً في موسيقى الروك والجاز. ينقر معظم الموسيقيين طبول بونجو وهم جالسون. وتوضع الطبول بين ركبتي العازف، ويكون الطبل الأكبر في اليمين، لكن تعزف طبول بونجو -في الأوركسترا وفرق الحفلات الموسيقية- في وضع الوقوف مع تثبيتها على حامل.
طبلة الكُونْجا
أسطوانة قليلة الاستدارة تُصنع من الخشب أو الألياف الزجاجية. يُشد على قمة الأسطوانة غشاء من جلد الحيوان. ويعزف الموسيقيون بالنقر على الغشاء الجلدي بالأصابع والدق عليه باليد. وعادةً، يعزف الموسيقي بطبلة الكونجا وهو جالس والطبلة بين ركبتيه، ولكنه قد ينقر عليها وهو واقف. وتكون الآلة مثبتة على حامل أو معلَّقة بشريط من الكتف.
صناعة الطبل
تُرى كيف كان صوت الطبل قبل آلاف السنين، هل هذَّبته رحلته عبر العصور، وهل «عقلنت» التكنولوجيا بوسائلها وأدواتها، دوّيه المرعب وضجيجه المفزع؟. بعض الإجابة يكمن في الغاية من قرع الطبول، وبعض آخر من الإجابة يكمن في تتبع مكونات الطبل ومواد صناعته باعتبارها العناصر المُنتجة للصوت.
صحيح أن التكنولوجيا طوَّرت كثيراً في صناعة الطبول، لا سيما الطبول الغربية التي دخلت عناصر جديدة في تصنيعها مثل الألياف الزجاجية والبلاستيك وأنواع من المعادن، غير أن صناعة الطبول على الطريقة التقليدية لمَّا تزل متواصلة في كثير من بلدان العالم، لا سيما في بلدان عالمنا العربي، حيث تُعد صناعة الطبول من الصناعات التقليدية التي تحظى ببرامج خاصة للحفاظ عليها وضمان استمراريتها. فقد حافظ الطبل على عنصرين أساسيين في تصنيعه هما الخشب والجلد.
الجزء الرئيس في صناعة الطبل هو الأسطوانة الخشبية، وغالباً ما يُعتمد فيها على أنواع جيدة من الخشب الذي تُوفِّره أشجار البيئة التي ينتمي إليها الصانع، وفي بعض الحالات يتم استيراد الخشب من الهند أو من بعض البلدان الإفريقية التي تشتهر بصناعة الطبول. ومن أشهر الأشجار التي توفّر خشباً جيداً لصناعة أسطوانة الطبل هي شجرة السدر وشجرة الجوز.
يُؤخذ من جذع شجرة كبيرة الطول المطلوب في صناعة الطبل وفق عملية حسابية دقيقة، ويتم تشذيبه من الشوائب والزوائد، وتُزال الأطراف والحواف التي تزيد على الطول المطلوب، ثم يُجَوَّف الجذع ليأخذ شكلاً أسطوانياً ملائماً، ثم يترك بعدها تحت الشمس لمدة تكفي ليجف ويصير جاهزاً لعملية التخصير والزخرفة وغيرها. ثم يدهن هيكل الطبل أو يُطلى بمواد خاصة حتى يصير ناعماً.
بعد أن يصبح الطبل هيكلاً قوياً وناعماً وقابلاً لما يُسمى بعملية التجليد، يُختار له جلد من البقر أو الإبل أو الغنم، بحسبما توارثته كل منطقة في صناعة الطبول، فبينما يختار البعض جلد البقر لقوته ومتانته، يختار البعض الآخر جلد الغنم. ويتم تثبيت الجلد على فوهتي الأسطوانة أو تجويفي الطبل، باستعمال ضفائر من الجلد أو حبال خاصة.
ولا يكون الطبل جاهزاً للاستعمال إلا بعد فترة قد تطول وقد تقصر، يتم خلالها تجريب الطبل و«تأهيله»، ويُقال في بعض المناطق العربية، مرحلة «ترويض الطبل»، حيث يكون مسموحاً لكل من صادفه الطبل أن يضرب عليه.
صناعة الطبول فن من فنون الصناعات التقليدية التي تعمل بعض الدول العربية على المحافظة عليها وتشجيعها، وهناك روَّاد لهذه الصناعة التقليدية يستعملون الأدوات القديمة ويحافظون على الطرق والأساليب التي ورثوها في تصنيع الطبول غير متأثرين بما وفَّرته التكنولوجيا من وسائل وعناصر في صناعة الطبول.
الطبل يقتل صانعه
اختطفت «جمرة الأنثراكس» صانع طبول إنجليزي وهو في سن الخامسة والثلاثين من عمره، واعتقد مسؤولو القطاع الصحي بلندن، بعد إجراء الفحوصات المخبرية في منزل وورشة صانع الطبول، أن سبب الوفاة كان إثر استنشاق الضحية لمسحوق «أنثراكس» أو الجمرة الخبيثة أثناء تفحصه لجلود حيوانات مستوردة.
وقال كبير مستشار هيئة حماية الصحة: «من الأهمية بمكان التشديد على أن صناعة الطبول من جلود الحيوانات هي التي تشكِّل خطراً جرَّاء وجود الأنثراكس، وليس العزف على هذه الطبول أو حملها»، وأضاف: «ومع ذلك فنحن نشدِّد على جميع الأفراد الذين يعملون في صناعة الطبول من جلود الحيوانات المستوردة بأن هناك خطراً من التعامل مع الأنثراكس، وأن عليهم التأكد من أنهم مدركون لهذا الأمر وعليهم أن يتخذوا الإجراءات الاحتياطية لحماية أنفسهم أثناء صناعة الطبول».
لم تحمل الأخبار بعد هذه الحادثة، ما يفيد أن الطبول تقتل صانعيها، ولم تؤكِّد الدراسات العلمية أن الجمرة الخبيثة تختار الجلود التي تُصنع منها الطبول كي تتخفى فيها.
الطبل في الأدب
لم تغفر مرافقة الطبل للإنسان منذ فجر الحضارات، أن يكون له ذكر طيِّب في حقول الأدب، فهو سيء السمعة ومُرادف للمعاني التي تفيد إهدار الوقت، والجنوح إلى اللهو على حساب الجد والاجتهاد، ونشر الإشاعة، والأحاديث الجوفاء وغيرها من المعاني التي لا توافق الخُلق القويم.
ولعل من أنصف الطبل هي الكاتبة الشيلية إيزابيل الليندي، حيث افتتحت كتابها «الجزيرة تحت البحر» بهذه الكلمات: «الطبول تهزم الخوف، والطبول هي إرث أمي، إنها قوة غينيا التي في دمي. وعندئذ لا يجاريني أحد، أصير قوة خارقة».
الثَّعلب والطبل
قصة «الثعلب والطبل» التي وردت في كتاب «كليلة ودمنة» لابن المقفع، من أشهر القصص التي علَّمتنا منذ الصغر ألا نغترَّ بالجثة العظيمة فمقياس النفع لا يكون بالحجم.
تقول القصة: «زعموا أنّ ثعلباً أتى أجمة فيها طبل معلَّق على شجرة، وكلّما هبت الريح على قضبان الشجرة حركتها، فضربت الطبل، فسُمِعَ له صوت عظيم. فتوجَّه الثعلب نحوه، فلما أتاه وجده ضخماً، فأيقن بكثرة الشحم واللحم، فعالجه حتى شقه. فلما رآه أجوف، لا شيء فيه، قال: لا أدري.. ربّما كانت أتفه الأشياء أجهرها صوتاً وأعظمها جثةً».
الطبل الصفيح
من أشهر روايات الأديب الألماني «غونتر غراس» روايته الطبل الصفيح التي نشرها سنة 1959م وهي أولى روايات الثلاثية «دانسيغ»، حيث تلتها رواية «القط والفأر» (1961م) ثم رواية «سنوات البؤس» (1963م).. وبعد أن نال غراس جائزة نوبل للآداب سنة 1999م نُشرت الترجمة العربية التي أنجزها حسين الموزاني وصدرت عن منشورات دار الجمل بألمانيا سنة 2000م.
تجري أحداث هذه الرواية قبيل وخلال الحكم النازي في ولاية دانتزغ المستقلة آنذاك على الحدود الألمانية البولونية. وتحكي قصة طفل يدعى أوسكار ماتسرات ولد لأم كاشوبية (من غجر بولونيا) وأب ألماني.
عند بلوغ الطفل أوسكار السنة الثالثة من عمره، تقرَّر أن يجمِّد نموه الجسدي ويبدأ مشواره في الحياة على شكل قزم، مسلحاً بطبل صفيحي وحنجرته التي تصدر أصواتاً هدَّامة. الطبل له وقع سحري على سامعيه والحنجرة لها القدرة على تكسير الزجاج. وكلاهما سلاح يستعمله أوسكار تارة للتمرد على وضع قائم وتارة للانتقام ممن يراه مستبداً بأمر وتارة أخرى ليختبر سلوك الناس وردود فعلهم. ويفسِّر أوسكار تطبيله وصراخه قائلاً: «ليس هناك من يقوم بأعمال التخريب إلا من كان يعبث، لكنني لم أكن عابثاً، بل كنت أشتغل على الطبل. أما فيما يتعلق بصوتي، فإنه لا يستجيب إلا لنزعة الدفاع الذاتي المحض. كان الخوف والقلق هما اللذان دفعاني إلى استخدام أوتار حنجرتي استخداماً هادفاً».. وتمضي الرواية مع الطفل أوسكار في تتبع هذيان الكبار، مع الصوت المُدمِّر وطبل الصفيح.
الطبل المسافر
«الطبل المسافر» (The walking Drum) رواية تاريخية للمؤلف الأمريكي لويس ديربون لُ آمور (Louis Dearbor L’Amour)، من إصدارات دار النشر «بانتام» (Bantam Books)، تدور أحداث الرواية في القرن الثاني عشر بين أوروبا والشرق الأوسط، وتحكي قصة ماثورين كيربوشارد (Mathurin Kerbouchard) في رحلته بحثاً عن أبيه ثم تتحوَّل الرحلة إلى البحث عن المعرفة والثراء، وهو يتنقل من مدينة إلى أخرى وسط عوالم من التحديات والمخاطر. وتأتي تسمية الكتاب «الطبل المسافر» كنايةً عن مواكبة الطبل لرحلة قافلة كيربوشارد التجارية، والتي يرد ذكرها في الفصل السادس والثلاثين من القصة: «في معظم رحلات القافلة، كنا نسير ونغني، وكان صوت الطبل رفيق أغنياتنا على الدوام.. صوت سيلازمني ماحييت.. وسيخلد عميقاً في أعماق كياني».
الطبل نداء الحرب
كان القرع على الطبول من أولى أشكال التواصل و«الإعلام» بين البشر، فطريقة القرع عليه هي أشبه بإرسال «برقية» عاجلة يتوافق المُرسل والمتلقي على شفراتها. ولعل الطبل لم يزل يحتفظ بهذا الدور في أعماق إفريقيا ومناطق من آسيا وفي أدغال أمريكا الجنوبية، حيث القبائل التي لم تزل تحيا على طريقتها التقليدية.
فعند قبائل «الطوارق» بالمغرب العربي، يحظى الطبل بمكانة خاصة ، فقد كان يلعب دور وسيلة إعلام، ويوضع عند خيمة زعيم القبيلة صاحب الحل والعقد فيها، ويتضح الدور الإعلامي للطبل من نوعية استخدامه، فإن أمر قائد القبيلة بقرع الطبل خمس مرات، فمعنى ذلك أن الحي قرر الرحيل إلى منتجع آخر من الصحراء، وإن دوَّى الطبل عالياً ثلاث مرات متواصلة سريعة، كان ذلك بمثابة صفارة الإنذار من هجوم وشيك للعدو، وهنالك قرعات للطبل تعني أن ثمة شخصاً تائهاً أو مفقوداً في الصحراء، أو أن عرساً قد بدأ.
وفي موريتانيا، يمثِّل الطبل رمزاً من رموز السيادة وعنصراً مهماً في نظام الإمارة أو القبيلة. وكان لكل إمارة بل لكل قبيلة طبلها وإذا كان الفخذ قوياً يكون لرئيسه طبل أيضاً. ويحتفظ الأمير أو شيخ القبيلة بالطبل ويرثه عنه من يتولى بعده. ويُعد انتزاع الطبل في الحروب وأخذه قهراً في عُرف القبائل الموريتانية، من مظاهر الانتصار وإغاظة العدو وإهانته؛ وهو أبلغ عندهم أحياناً من القتل والتنكيل. ويشكِّل الطبل رمزاً من رموز السيادة.
وقد أصبح الطبل لشدة ارتباطه بالقبيلة وحياتها الحربية يطلق على الجيش، فيقال للقبيلة الفلانية سبعة طبول أو ستة أو خمسة كناية عن عدد الجيوش. أما عن حضور الطبل في المعارك، فليس أبلغ من المشاهد التي ترسمها الأفلام، عن قرع الطبول قبل ابتداء المعركة وخلال التهابها، والغاية هي إثارة الحمية وتحفيز الهمم على الاستبسال في القتال.
ولعل أوثق حضور للطبل في الحروب، هو الطبل العسكري في الجيوش النظامية لا سيما الأوروبية منها، فقد كان يوكَّل لطبل الحرب ضابط له رتبة ومكانة، حيث يشرف على فرقة الطبالة ويتقدَّم صفوفهم بطبل مكسوّ بألوان الزي الرسمي لذلك الجيش، وعند الفرنسيين قصة مشهورة عن ابنة رائد الطبل وما قامت به من بطولة في إحدى حروب فرنسا.
طبل الحرب يقرع للسلام
تُؤرخ بعض الرقصات الشعبية التي تعتمد على الطبول لحروب ومعارك قديمة، ويتم تقديم العروض التي تسترجع وتصوِّر مشاهد من تلك الحروب والمعارك، في المناسبات الوطنية خاصة لتعميق الانتماء الوطني وإحياء الذاكرة الشعبية.
وقد اشتهرت أنواع من الطبول كانت مخصصة للحروب فحسب، ثم تحوَّلت مع الزمن لتصنع الأفراح والبهجة.
ومن أشهر الطبول في العالم، التي تحوَّلت من طبول حرب إلى طبول تصنع الفرح، هي طبول «آنساي» الصينية، فهي لها تاريخ عريق وضارب في القدم، وكانت في الأصل طبولاً للإنذار في عهد أسرتي تشين وهان القديمتين كما كانت وسيلة لحشد القوة المعنوية للجنود وللتعبير عن الانتصار في المعارك، ثم تطوَّرت عبر الأجيال لتكون آلة موسيقية تُستخدم في المناسبات السعيدة والمسابقات وفي العروض الفنية لعامة الشعب في حياتهم العادية.
وتنقسم طبول آنساي إلى نوعين، أحدهما للقرع الهادئ، والآخر للقرع القوي؛ فالأول يتميز بالأداء الخفيف المرن، بينما يتميَّز الثاني بالقوة والخشونة، ليشكِّلا أساليب أدائية متعددة.
ولعل أشهر طبول الحرب التي تقرع للسلام هي التي تلك تدخل في عناصر الجوقة الرسمية التي تعزف نشيد السلام الوطني للدول.
للطبل برج في الصين
يقع برج الطبل في قلب مدينة شيآن الصينية.و هو مبنى صغير يقع في طريق جميل ومكتظ بالتجار والباعة المتجولين، وليس بعيداً من برج الطبل يُوجد المربع الإسلامي، حيث يقوم شامخاً المسجد الكبير الذي تم بناؤه قبل 1200 عام.
الطبل .. عربي
ماذا لو اختفى الطبل من مجموعة آلات الموسيقى العربية؟ ليس في وسع السؤال إلاَّ أن يطارد جوابه عبر تاريخ عميق مثَّل فيه الطبل ناظم الإيقاع وقائد الجوقة، بل إن هوية الموسيقى العربية تقوم على الطبل العربي بمختلف أنواعه وأشكاله التقليدية والمعاصرة، ربما لأن الموسيقى العربية فلكلورية في معظمها ومرتبطة بيوميات الشعوب لا سيما في الأفراح والمناسبات الاجتماعية. وربما لأن الزخرف اللحني الذي تتميَّز به الموسيقى العربية في التخت الشرقي والمُوشَّح والقصيدة والطقطوقة وغيرها من أشكال الغناء العربي، يفرض بأن يكون الطبل العربي هو القائد.
وعلى خلاف حضور الطبل في الموسيقى العربية، فقد اتجهت الموسيقى الغربية إلى التكنولوجيا وصناعة «الأصوات» الموسيقية، وإن يكن الطبل حاضراً فيها فهو بأشكال ابتعدت فيه عن الخشب والجلد وأوغلت في المعدن واللدائن. ويظهر هذا في موسيقى البلوز والروك والجاز، وحتى في الموسيقى الكلاسيكية وخاصة السيمفونية لا نكاد نستوضح حضور «الطبل» بالشكل الواضح الجلي الذي يتهادى إلينا في الموسيقى العربية.
ولعل اعتماد بعض الفرق الشعبية العربية على الطبول فحسب في أداء عروضها ورقصاتها إلى حد قد يكون لكل رقصة طبل خاص، هو تعبير مدوّ من الطبل: أنا عربي.
ولقارعي الطبل، مؤرِّخون..
قارع أو عازف الطبل يستأثر بدور البطولة في الموسيقى العربية، ولكنه يبدو دوراً غير مُعلن، لذلك لم يصل بنا البحث -عن قصور أو تقصير- إلى كتب عربية تستقل بالطبل وقارعيه، ولعل صانعي الطبول أشهر من قارعيها في عالمنا العربي، ربما لأن صناعة الطبول تدخل في إطار الحِرفْ التقليدية المرتبة بالموروث الشعبي فهي تحظى بالعناية الخاصة. وعلى خلاف هذا، فإن المكتبة الغربية حافلة بالكتب التي تهتم بالطبل وقارعيه.
وهذه بعض عناوين الكتب التي كرَّس مؤلفوها جهدهم البحثي للغوص في عوالم مشاهير قارعي الطبول:
عِصي وجلود
كتاب «عِصي وجلود» (Sticks n’Skins) يتحدث عن عوالم وتاريخ قرع الطبل عبر السنوات السبعين الأخيرة، ويقدِّم أندر صور وقصص مشاهير قارعي الطبل أمثال لوي بيلسون (Louie Bellson)، ستيف غاد (Steve Gadd)، جيم كيلتنر (Jim Keltner)، وَ هال بلين (Hal Blain).
قارع الطبل في مائة عام
يُعّد كتاب «قارع الطبل في مائة عام» (The Drummer- 100 Years Book) لمؤلفه أدم بودوفسكي، من أوائل الكتب التي أسهبت باستعراض خبايا عوالم وقصص كبار قارعي الطبل المعاصرين عبر مائة عام، من أمثال جون بونهام (John Bonham)، بادي ريتش (Buddy Rich)، إلفين جونز (Elvin Jones)، كيث موون (Keith Moon)، والكثير غيرهم (Buddy Rich, John Bonham, Keith Moon, Elvin Jones).
كتاب الطبل
يروي جيف نيكولز (Geoff Nichols) مؤلف «كتاب الطبل» «DrumBook»، روائع القصص عن تطور موسيقى الطبل، منذ بدايات تألق رينغو ستار (Ringo Starr) في الستينيات، إلى مشاهير القارعين في التسعينيات من القرن الماضي.
اقرع الطبل بالفأرة
لو شكا موجود يوماً مما لحقه من أيدي البشر، فسيكون الطبل بكل تأكيد. فلم يسلم الطبل من الضرب والنَّقر والقرع حتى في مجال الألعاب الإلكترونية، لا سيما تلك المنتشرة على الإنترنت بصيغة الفلاش.
لعبة الطبل الإفريقي
هي لعبة لها إصدارات عديدة أساسها الضرب على آلة الطبل الإفريقي لإحداث الأصوات المختلفة، ثم تجميع «الضربات» في مقطوعة موسيقية.
لعبة دروس الطبول الغريبة
هى أحدث وأغرب ألعاب الفلاش الجديدة المتعلِّقة بمجال الموسيقي والألحان الإفريقية الجميلة والخلابة، فاللاعب يمثِّل طالباً جديداً في المعهد العالي لدراسة الموسيقي بمختلف أنواعها، عليه أن يتحلَّى بالتركيز الشديد وأن يتتبع خطوات المعلم (من عناصر اللعبة) الذي سيساعده في تعلم العزف على الطبول بمنتهى السهولة والسرعة. ويتوجَّب على اللاعب أولاً أن يقوم بسماع العزف ثم بعد ذلك يقوم بعزف المقطع بنفسه على الطبل من خلال استخدام الفأرة.
أسطوانة الثعلب والطبل
من وحي كليلة ودمنة أنتجت شركة صخر لبرامج الحاسب «الثعلب والطبل» وهي أسطوانة مُوجَّهة إلى الأطفال، ومُوزعة على عدد من الأقسام التعليمية والقصصية والترفيهية وغيرها.
طبلة الأذن
يقع غشاء الطبل (طبلة الأذن) في نهاية القناة الخارجية وهي التي تفصل بين الأذن الخارجية والأذن الوسطى. وغشاء الطبل عبارة عن غشاء جلدي رقيق ذي سطح مخروطي بطول 9-8 مم، ومكون من ثلاث طبقات ذات أنسجة مختلفة. ويوجد في غور غشاء الطبل المطرقة التي تقوم بنقل الموجات الصوتية إلى بقية العظيمات. وغشاء الطبل متين كالصلب ومرن كالمطاط وحيوي جداً لنقل الأصوات.
وغشاء الطبل مربوط بأربع عظيمات لا يزيد وزنها على 55 مم ولا يزيد طولها على 19 مم، وظيفتها تكبير الأصوات الضعيفة إلى عشرين مثلاً وتخفيض الأصوات الضخمة المؤذية.
قد يتعرَّض غشاء الطبل للتمزق ما يؤدي إلى فقدان السمع وتعريض الأذن الوسطى لكثير من الإصابات. لكن تمزّق غشاء الطبل يُشفى عادةً بشكل تلقائي خلال بضعة أسابيع دون أي علاج. وإذا لم يلتئم الغشاء بعد مضي ستة أشهر من حدوث التمزُّق، يضطر الأطباء إلى إجراء عملية جراحية لترقيع الغشاء.
ونسبة نجاح العملية قد تصل إلى %90 وتزداد بمهارة الجراح وصغر حجم الثقب وجفاف الأذن من الصديد والإفرازات قبل العملية لمدة طويلة، وعدم وجود انسداد بالأنف وقناة استاكيوس.
للبحر طبوله أيضاً
سُمِّيت سمكة الطبل بهذا الاسم لأنها تصدر ضجيجاً مميزاً يشبه صوت الطبل، وهي أنواع عديدة منها سمكة الطبل المُبقَّعة وسمكة الطبل الأسود، وسمكة الطبل الأحمر التي بدأ الاهتمام باستزراعها في أواخر سبعينيات القرن الماضي بسبب القلق من الصيد التجاري والترفيهي، كونها سمكة جيدة للاستهلاك ومطلوبة على الموائد.
الطبل الأحمر سمكة تتحمل مدى واسعاً من ملوحة الماء، ولذلك فهي تنتشر بطول سواحل المحيط الأطلنطي وخليج المكسيك.. وتتناسل الأسماك الناضجة في أغسطس وحتى أكتوبر في المياه الساحلية بالقرب من فتحات المد. وبيض الطبل الأحمر بيض سابح (يصل قطر البيضة إلى حوالي 1 مم)، وتضع الأنثى الكبيرة أكثر من مليون بيضة. ثم يجري نقل اليرقات (التي يصل طولها من 6-8 مم) مع التيارات المائية إلى مصبات الأنهار حيث تستقر في مناطق الحشائش البحرية.
الطبل في معاجم اللغة
لم تفصَّل معاجم اللغة في تعريف الطبل بتفصيل صفاته كآلة، وفيما يُستعمل وأدواره وغيرها من الأمور، بل اقتصرت على أنه ذلك «المعروف» ذو الوجه أو الوجهين.
فقد ورد في لسان العرب
طبل: معروف الذي يُضْرَب به وهو ذو الوجه الواحد والوجهين، والجمع أَطْبال وطُبُول. والطبَّال: صاحب الطَّبْل، وفِعْله التَّطْبِيل، وحِرْفته الطِّبالة، وقد طَبَلَ يَطْبُل.
والطَّبْلة شيء من خَشَب تتخذه النساء، والطَّبْل الرَّبْعة للطيِّب، والطَّبْل سَلَّة الطعام. الجوهري: وطَبْلُ الدراهِم وغيرها معروفٌ، والطَّبْلُ الخَلْق؛ قال: قد عَلِمُوا أَنَّا خِيارُ الطَّبْل، وأَنَّنا أَهْلُ النَّدى والفَضْل وما أَدْري أَيُّ الطَّبْل هُو وأَيُّ الطَّبْن هُو أَي ما أَدري أَيُّ الناس.
والطَّبالة: النَّعْجة، وفي المحكم: الطُّوبالةُ، وجمعها طُوبالاتٌ، ولا يقال للكبش طُوبالٌ.
وورد في أساس البلاغة للزمخشري
ط ب ل طبل الرجل تطبيلاً وطبل يطبل طبلاً وهو مطبل وطبال حاذق وحرفته. الطبالة. وتقول، الخبل والموق حيث الطبل والبوق. وعنده طبل من الدراهم. وأدى أهل مصر طبلاً من الخراج وطبلين وطبولاً أي نجماً سميَ بطبل البندار.
الطبل في التراث الشعبي
التراث الشعبي مجال حيوي، تستلهم منه الأمم قيمها وعناصر أصالتها، وتجتهد في إحيائه واستثماره في حاضرها بالشكل الذي يقوِّي ذاكرتها ويعمِّق تواصل أجيالها. وللطبل حضور قوي في التراث الشعبي، لا سيما في احتفاليات الصيد وجني المحاصيل والأعراس ومناسبات السمر، وفي فنون الرقص الجماعي. وكثيرة هي الفرق الفلكلورية العربية التي تُعنى بالحفاظ على التراث الشعبي الذي قوامه الطبل.
طبول «الرواح»
يُعد فن الرواح من أشهر الفنون الشعبية التي يشتهر بها خليجنا العربي، وميزة هذا الفن أنه يؤصِّل التلاحم الاجتماعي ويعزِّز تواصل الأجيال، فقد يشارك الابن والأب والجد في الرواح .
وتُدق طبول الرواح في الاحتفالات والأعراس والمناسبات الرسمية ويشارك فيه الرجال حيث يقفون، كل رجل يحمل طبلاً إلى جانب بعضهم البعض في صف طويل وحيد به قليل من الميلان، ويبـدأ الجميع في القرع على الطبول بصورة متشابهة فيما هم يمشون خطوة إلى الأمام وأخرى إلى الخلف ويـدورون حول أنفسهم، ومع مرور الوقت يتصاعد القرع على الطبول وتبدأ بعض الطبول منفردة في تشكيل زخرفات إيقاعية.
الحكمة وراء قرع الطبل
خلال بحثنا عن حضور الطبل في التراث الشعبي، استوقفتنا مدونة «منتدى الجماهير الثقافي الفكري» التي تُعنى بالتراث الليبي، وقد اخترنا منها موضوع «تبييت الطبل»، وحسبما جاء في المُدوَّنة: «تبييت الطبل ما هو إلا نتاج تجارب الأولين وخبرتهم في الحياة أُختُزلت في تعابير جميلة منمقة مختصرة كأنها برقيات تُوصِلنا على وجه السرعة إلى قلب الهدف دون لف أو دوران لأخذ الفائدة والعبرة».
وحول كيفية تبييت الطبل ورد في المُدوّنة: «تبدأ الجلسة في ساعة متأخرة من ليل يوم «الزهاز» وهو غالباً يوم الأربعاء الذي يسبق يوم «المرواح»، وهما من أيام العُرس المعروفة، ويقام أيضاً لدى البعض ضمن حفلة الخِتان «الطهارة»، تبدأ الجلسة بالتفاف مجموعة من المؤدين الذين يحفظون أبيات الشعر المتوارث حول طبل مصنوع من قصعة عود شُد عليها بإحكام رقُعة كبيرة من الجلد المعالج يصدُر عنه صوت مدو ذو رنة مميزة حين النقر عليه بإيقاع معيَّن مصحوب بترديد أبيات الحكمة بحيث يبدأ أحدهم بإنشاد شطر من البيت ليتبعه الآخرون بلازمة ملحَّنة، بحيث يعلو صوتهم تارة ويخفت تارة أخرى تبعاً لحدة نقراتهم على الطبل.
ومن أشعار الحكمة التي تُقال في جلسة «تبييت الطبل»:
اللي طلب يطلب الله ويقول يا كريم المعاطي
أما العبــد خليك منّه لا يشيعــــك لا يواطــي
والطبل محطوط فاني حاست عليه الجماعه
ويـن الحبيب المداوي يهمد ويبري أوجاعه
طبل المسحّراتي مازال يُقرع
لم تنجح وسائل الإعلام المعاصرة بكل تقنياتها ولم تفلح الساعات بمنبهاتها القوية في أن تُخمد صوت الطبل وتدفع «المسحراتي» للدخول إلى ذاكرة النسيان. فالمسحراتي لم يزل حاضراً في الثقافة الشعبية العربية ويمارس وظيفته الرمضانية بكل عناد وإصرار، خاصة في الأرياف والمناطق النائية. بل إن هناك من يقوم بدور المسحراتي في بعض أحياء المُدن الكبيرة، تمسكاً منه بمورثه وتقاليده.
تختلف أسماء المسحراتي من قطر عربي إلى آخر، فهو المُسحِّر وهو المسحَّراتي وهو النقَّار وهو الطبَّال وهو أبو طبيلة، وأسماء أخرى عديدة، ولكن صفته واحدة فهو «بطل» تلك اللوحة الرمضانية الأصيلة لرجل يحمل طبلاً ويطوف بين الأحياء موقظاً الناس لكي يتسحَّروا.
وقد أبدع «المُسحِّرون» أشكالاً مختلفة في ممارسة «مهنتهم الرمضانية»، ففي «عُمان» يوقظ المسحراتي النائمين على الطبلة وهو يقول يا «نائمين الليل، قوموا اتسحروا سحور.. سحور يا صائمين»، وفي «الكويت» يقوم المسحراتي الذي يسمى أبو طبيلة بالتسحير ومعه أولاده فيردد بعض الأدعية وهم يردون عليه، وأما في «اليمن» فيقوم بالتسحير واحد من الأهالي بالحي حيث يدق بالعصا على باب البيت وهو ينادي على أهله قائلاً: «قوموا كلوا»، وفي «السودان» يطرق المسحراتي البيوت ومعه طفل صغير يحمل فانوساً ودفتراً به أسماء أصحاب البيوت حيث ينادي عليهم بأسمائهم قائلاً «يا عباد الله وحدوا الدايم ورمضان كريم».
ويذكر المؤرخون أن المسحراتي ظهر إلى الوجود عندما لاحظ والي مصر «عتبة بن إسحاق» أن الناس لا ينتبهون إلى وقت السحور، ولا يوجد من يقوم بهذه المهمة آنذاك، فتطوع هو بنفسه لهذه المهمة فكان يطوف شوارع القاهرة ليلاً لإيقاظ أهلها وقت السحور، وكان ذلك عام 238هـ، حيث كان يطوف على قدميه سيراً من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاصي في الفسطاط منادياً الناس: «عباد الله تسحَّروا فإن في السحور بركة».
وفي عصر الدولة الفاطمية أصدر الحاكم بأمر الله الفاطمي أمراً لجنوده بأن يمروا على البيوت ويدقوا على الأبواب بهدف إيقاظ النائمين للسحور، ومع مرور الوقت تم تخصيص رجل للقيام بمهمة المسحراتي كان ينادي: «يا أهل الله قوموا تسحروا»، ويدق على أبواب المنازل بعصا كان يحملها في يده.
تطورت بعد ذلك طريقة «التسحير» فظهرت في مصر طبلة المسحّر ليحملها المسحراتي ويدق عليها بدلاً من استخدام العصا، هذه الطبلة كانت تسمَّى «بازة» وهي صغيرة الحجم يدق عليها المسحراتي دقات منتظمة، ثم تطورت مظاهر المهنة فاستعان المسحراتي بالطبلة الكبيرة التي يدق عليها أثناء تجوله بالأحياء وهو يشدو بأشعار شعبية وزجل خاص بهذه المناسبة، ثم تطوَّر الأمر إلى عدة أشخاص معهم طبل بلدي وصاجات برئاسة المسحراتي، ويقومون بغناء أغاني خفيفة حيث شارك المسحراتي الشعراء في تأليف الأغاني التي ينادون بها كل ليلة.
ومن أشهر هذه الأشعار:
«اصح يا نايم وحِّد الدايم = وقول نويت بكرة إن حييت
الشهر صايم والفجر قايم ورمضان كريم».
الطبل في الشعر
ورد ذكر الطبل كثيراً على ألسنة الشعراء بألفاظ متعددة، وفي معانٍ مختلفة، ومنها قول المتنبي:
إذا كان بعض الناس سيفاً لدولة = ففي الناس بوقات لها وطبول
وهو من الأبيات التي عاب فيها النقاد على المتنبي جمعه بوقاً على بوقات في غير ضرورة.
وقال أبو الشمقمق
وليس على بابِ بن إدريسَ حاجبٌ = وليس على باب بن إدريسَ من قفلِ
طربتُ إلى معروفهِ فطلبتهُ = كما طَرِبَتْ زَنْجُ الحجازِ إلى الطَّبْلِ
وقال الشاعر السوري نزار قباني:
إذا خسرنا الحربَ لا غرابهْ
لأننا ندخُلها..
بكلِّ ما يملكُه الشرقيُّ من مواهبِ الخطابةْ
بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابهْ
لأننا ندخلها..
بمنطقِ الطبلةِ والربابهْ
وقال أبو العتاهية:
رأيْتُ خرابَ الدَّار يحليهِ لهْوهَا = إذا اجتَمَعَ المِزْمارُ والطّبلُ والصَّنج
وقال ابن حزم في طوق الحمامة في مخالفة الحقيقة لظن المحبوب عند وقوع الرؤية:
وصفوك لي حتى إذا أبصرت ما = وصفوا علمت بأنه هذيان
فالطبل جلد فارغ وطنينه = يرتاع منه ويفرق الإنسان
طبول لها أساطير
إن لم تكن الطبول صانعة للأساطير فهي جزء منها أو متخفيَّة في تفاصيلها، ذلك أن الطبل كان مُقدساً عند الشعوب القديمة، وكانت غاية أولى الطبول التي صنعها الإنسان هي مخاطبة «الآلهة» من خلال القرع على الطبول.
طبل الهنود الحمر
تروي إحدى أساطير قدامى قبائل الهنود الحمر، وتعرف بأسطورة قبيلة أبيناكي (Abenaki Legend) أنه بينما كان الخالق يمكِّن الأرواح كافةً من تعمير الأرض الأم، جلجل صوت مدوٍ من بعيد ومع دنوّ الصوت من الخالق، عرَّف الصوت عن نفسه بأنه «روح الطبل» وقد أتى إلى الخالق راجياً أن يأذن له بالمشاركة في ذلك «العمل البديع» بتوزيع أرواح المخلوقات على الأرض. وعندما سأل الخالق الطبل عن كيفية الدور الذي يودّ أن يسهم به، أجاب الطبل بقوله: «سأكون رفيقاً للناس كلَّما صدح صوتهم بالغناء الجميل النابع من القلب، وسأغني معهم آنذاك وأغدو لهم نبض قلب الأرض الأم. عندها، ستغنِّي كل المخلوقات بتناغم وانسجام».
وتقول الأسطورة إن الخالق استجاب لرغبة الطبل، فكان له ما أراد، ومنذ ذلك الوقت بات الطبل رفيقاً دائماً لصوت الشعوب كافة.
ومع قرع الطبول وما حملته من مشاعر الهيبة والإثارة، والوقار، والقوة، والشجاعة، أضحى الطبل ملازماً للشعوب، وكان حافزاً لروح أغانيها وأهازيجها، فكانت إيقاعاته تدعو النسور لحمل الرسالة إلى الخلاَّق وترمز لنبض قلب الأرض وهي تبارك من سكن على أديمها.
طبل كوريا القديمة
يحكى عن مملكة من ممالك كوريا القديمة عرفت باسم مملكة «ناكرانغ» التي يُولد لملكها ابنتان في اليوم نفسه ولكن من والدتين مختلفتين، وتقول الأسطورة: إن أميرة منهما ستكون أميرة الدمار التي ستتسبب في انهيار المملكة، والأخرى ستكون المنقذة التي ستنقذها، فقامت الملكة الثانية بمحاولة قتل ابنة الملكة الأولى فطعنتها في قلبها بدبوس شعر مرجاني، فقامت الملكة الأولى المفجوعة بإلقاء ابنتها «جاميونغ» في نهر متجمد في الشتاء، وتمت تربية الإبنة الأخرى «لاهي» على أنها المنقذة.
ومرَّت السنون وكان من المخطط زواج أمير المملكة المعادية «كوغوريو هودونغ» من «لاهي» أميرة مملكة «ناكرانغ».
لكن أمير المملكة المعادية كان يُحب «جاميونغ» الفتاة التي كانت قد ألقيت في النهر المتجمد، حيث حملت اسم «بوكو» وتربَّت على أنها فتاة سيرك. عادت جاميونغ إلى ناكرانغ وأصبحت كاهنة المملكة وقامت بصناعة طبل مقدَّس يمنع الحروب، فهو طبل يقرع من تلقاء نفسه عند مهاجمة الأعداء.
فأراد ملك كوغوريو غزو مملكة ناكرانغ، فطلب هودونغ من زوجته «لاهى» التي أعماها الحب تمزيق طبل «جاميونغ»، فاستجابت الأميرة لطلب زوجها وقامت بتمزيق الطبل، فانهارت مملكة ناكرانغ وصارت تحت سيطرة مملكة كوغوريو وقُتلت الأميرة لاهي على يد شعبها الغاضب وأصبحت الأميرة جاميونغ تقود متمردي مملكة ناكرانغ من أجل تحريرها. وفي مواجهة بالسيوف بين الأمير هودونغ والأميرة جاميونغ، يموت كلاً منهما على يد الآخر. وهناك مسلسل مشهور حول هذه الأسطورة يحمل اسم الأميرة جاميونغ.
الطّبل في السينما
الطبل يفوز بالجائزة الذهبية
تقدِّم لنا دلالات الطبل ورمزيته، المفاتيح الأساسية لنفهم موقع الطبل في الأعمال الإبداعية الكبيرة. ففي خمسينيات القرن الماضي تردَّدت عبر مجلة «الطبل» الأصوات التقدمية معبِّرة عن مسار دار النشر البريطانية المناوئة للتمييز العنصري، وارتقت المجلة من صحيفة التابلويد المتداولة بين صفوف الأفارقة من الطبقة الوسطى إلى مجلة سياسية ذات شأن وصيت ذائع.
هذه العلاقة بين «الطبل» والتمييز العنصري، نجدها في فِلم الافتتاح لمهرجان السينما عام 2005م في ميونيخ، فقد تألق الفِلم السينمائي «الطبل» (Drum)، الحائز للجائزة الذهبية في مهرجان الفِلم الإفريقي (FESPACO) سنة 2005م، وفيه طرح المخرج الزنجي زولا ماسيكو (Zola Maseko) من جنوب إفريقيا ذاتَ الموقف المناهض للتمييز العنصري من منظور إفريقي بديلاً عن المنظور الأوروبي، وهو ما كان مُغيَّباً كلياً عن جمهور السينما الألماني. وقد لعب كل من الصحافي الزنجي هنري نكسومالو (Henry Nxumalo) ونظيره الألماني المنشأ، المصوِّر يورغين شادنبيرغ (Jürgen Schadeberg) دوراً كبيراً في إيصال رسالة الفِلم على أكمل وجه.
الطبل الصفيح يقرع مرتين
فولكر شلوندورف من أبرز المخرجين الألمان الذين نجحوا في تحويل الأعمال الأدبية إلى أفلام سينمائية متميِّزة، فقد حقق فِلم «الطبل الصفيح» المُقتبس عن رواية الطبل الصفيح للكاتب الألماني غونتر غراس، نجاحاً عالمياً ونال السعفة الذهبية في مهرجان كان 1979م، كما نال جائزة الأوسكار لأفضل فِلم أجنبي، وبهذا الفِلم أضحى فولكر شلوندورف من مشاهير السينما الألمانية والعالمية.
لقد أبدع المُخرج في معالجة الشخصيات الصعبة مثل أوسكار بطل الرواية، كما اهتم المخرج بالفترة الزمنية التي يعالجها الفِلم منذ عام 1925م وحتى عام 1952م حيث يقبع أوسكار في إحدى المصحات العقلية، وفي المقابل فإن اهتمام المخرج نال كذلك بعض المقاطع الخادشة التي تناولها غراس في روايته، وهو ما جعل الفِلم يتعرَّض للمنع في عدة أماكن مثل أوكلاهوما بالولايات المتحدة الأمريكية، وبعض مناطق كندا. ولعل «الطبل الصفيح» من نوادر الأعمال التي حظيت بنجاح عالمي ونالت الجوائز كعمل أدبي وكفِلم سينمائي أيضاً. ويُذكر أن فولكر شلوندورف أصدر سيرته الذاتية في كتاب سمَّاه «ضارب الطّبل» وهناك من ترجمه «الطّبل الرنان»، ويقول فولكر: «أنا من مواليد ألمانيا ثم أصبحت فرنسياً فأمريكياً. حالماً بطبيعتي لكنني جعلت من نفسي رجل فعل وعمل، وأميل للكآبة بطبيعتي، لكن سباق الماراثون جعلني أعتنق فضيلة الفرح. ولم أكن في يوم من الأيام حيث ينتظرني الآخرون. مع ذلك لم يسكنني أبداً الإحساس أنني ضائع».
الراقصة والسياسي
من أشهر الأفلام العربية التي كان للطبل فيها دور مميز، فِلم «الراقصة والسياسي» بطولة الممثل أحمد زكي والممثلة نبيلة عبيد ومن إخراج أشرف فهمي وتأليف إحسان عبدالقدوس.
تدور أحداث الفِلم حول طبَّال -أحمد زكي- يتولَّى تدريب راقصة الموالد «مباهج» نبيلة عبيد، وتحويلها لراقصة محترفة.. وتتوالى أحداث الفِلم ملقية الأضواء على دور إيقاع الطبلة في الرقص الشرقي، ومدى اعتزاز الطبَّال بطبله وفنِّه.
الطبول البعيدة
«الطبول البعيدة» (Distant Drums) من كلاسيكيات السينما الأمريكية بالأبيض والأسود، أخرجه راوول وولش وقام بدور البطولة غاري كوبر. يحكي الفِلم عن هنود السيمينول في ولاية فلوريدا وهم يواجهون القوَّات البيضاء بين تلك الأحراش والغابات الممتدة بمستنقعاتها وبركها المتحركة. ومهمة بطل الفِلم هي إنقاذ هنود السيمينول الذين اشتهروا بصداقتهم للزنوج الأمريكيين، حيث كان الأفرو أمريكيين يلجأون إلى السيمينول بحثاً عن الأمان من الرجل الأبيض، لا سيما خلال الحرب الأهلية في القرن التاسع عشر.
وفِلم «طبول بعيدة» كان في الأصل فِلما حربياً أخرجه وولش بنفسه سنة 1945م بعنوان «الهدف بورما» ويحكي الصراع الأمريكي الياباني.
للطبل مشاهير
وُلد وارن بيبي دودس (Warren Baby Dodds)، الأخ الأصغر لعازف الكلارينت الشهير جوني دودس، في مدينة نيو اورلينس (New Orleans) سنة 1898م، وبدأ العزف على الطبل في السادسة عشرة من عمره وباشر الأداء مع كيد أوري (Kid Ory) برفقة أخيه. آنذاك، اضطر وارن إلى مغادرة الفرقة الموسيقية لسوء عزفه، مما حفَّزه على التدرّب الشاق والمستمر ليصبح من أوائل وأبرز عازفي طبل الجاز. ومع حلول عام 1918م كان يرافق المغني وعازف الجاز الأمريكي الشهير، لويس آرمسترونغ. إضافة إلى عمله كعازف طبل، كان يعمل بشركة لسيَّارات الأجرة. وكثيراً ما كان يعزف برفقة أخيه ولكن بعد وفاة الأخ انضم إلى فرق عديدة وتضاربت الآراء حول أدائه الذي كثيراً ما كان أقرب إلى العزف المنفرد من مرافق للفرق الموسيقية التي عمل معها. أصيب سنة 1949م بعدة جلطات أدت إلى شلله جزئياً، ولكنه ثابر على الحضور بساحة الموسيقى بين الحين والآخر. وقد توفي في شيكاغو سنة 1959م.
ولقرع الطبول فوائده
توصلت بعض الدراسات العلمية إلى أن قرع الطبل لمدَّة نصف ساعة، يساعد على حرق 270 سعرة حرارية أي بنسبة أكبر من نشاط بعض الرياضات مثل المشي وركوب الدراجة ورفع الأثقال.
أفادت بعض التجارب العلمية أن مستوى الطلاب الذين مارسوا تعلُّم القرع على الطبل قد تحسَّن بشكل جيد، وذهبت التجارب إلى أن التمرين المتواصل على قرع الطبل، يعلِّم المثابرة وعدّ الضربات يطوِّر المهارات الحسابية ويزيد نسبة التركيز لدى الطلاب.
أشارت إثباتاتٌ علمية إلى أن العزف على الطبل يخفِّض عدد الهورمونات التي تزيد من نسبة الضغوط.
يساعد العزف على الطبل في التنبه إلى نبضات القلب التي تبقينا على قيد الحياة وتحافظ على حيويتنا. فقد يشكِّل القرع على الطبل علاجاً يسهم في تواصلنا مع ذاتنا، والعزف وفق تواترٍ بطيء يريحنا، أما زيادة سرعة هذا التواتر فتزرع فينا الحماس.
* القافلة