ليس من الهيّن متابعة مفهوم التّأويل عند الكاتب الإيطالي الشّهير إمبرتو إيكو Umberto Eco. فتعدّد وجوه كتابته وغزارة المواضيع الّتي طرقها ومسيرته العلميّة والإبداعيّة الطّويلة قد جعلت محاصرة هذا المفهوم بدقّة وعمق عملاً عسيراً. فلم يكن إمبرتو مجرّد رجل السّيميائيّات اللاّمع وإنّما أحد آبائها المؤسّسين ومن كبار المساهمين في انتشارها على نطاق واسع في العالم، ولا كان مجرّد كاتب مقالات في الصحف الإيطاليّة، يتابع بها إيقاع التّحوّل اليوميّ في مجتمعات الاستهلاك والفرجة والمخاطر، ولا كان مجرّد مؤلّف روايات بارع حاز شهرة عالميّة برواية اسم الوردة وما تلاها من الرّوايات ذات الطّابع الموسوعيّ والأجواء البورخيسيّة، ولا كان مجرّد فيلسوف في مجال الإستطيقا القروسطيّة، ومجرد مؤرّخ منقطع النّظير لجماليات القبح والجميل، ولا كان مجرّد منظّر مؤسّس لعلم السّرد، ولا مجرّد ناقد أدبيّ ما فتئت مقالاته الأدبيّة عن التّرجمة والأدب والرّواية... تثير ما تثير من القضايا الّتي لا ينقطع الخوض فيها ولا تحسم بفصل مقال. إنّ أمبرتو إيكو هو كلّ هذه الوجوه معاً، تواجهك دفعة واحدة في كلّ ما يكتب.
يتحلى أمبرتو إيكو بثقافة موسوعيّة ومعرفة ثاقبة بالتّراث الفلسفي واللاّهوتي، وحذق لغات عديدة كالإغريقيّة واللاّتينيّة أهّلته إلى أن يكون وجها من وجوه الثّقافة الكونيّة، واسما لامعا من أسماء الفكر الإيطالي الحديث يذكر دائما إلى جانب فلاسفة من قامة أنطونيو نيقري وجرجيو أقمبن وجياني فاتيمو إلى جانب أسماء أخرى لا تقلّ شهرة في عالم الأدب كإيتالو كالفينو وبيارو كمبورازي.
متعة التأويل
داخل هذه الغابة الكثيفة ودروبها المتشعّبة، ينبغي أن ننزّل شبكة العلاقات الّتي نسجها مفهوم التّأويل مع كلّ وجه من وجوه إيكو. ففي مجال التّنظيرات الأدبيّة والفنّيّة الأولى تأثّر مفهوم التّأويل عند إيكو بتصوّره لـ«الأثر المفتوح»، (Opera aperta, 1962). ويمكن أن نوجز هذا التّصوّر بأنّ كلّ أثر مفتوح حتّى وإن كان له شكل مكتمل منغلق، إنّما هو أثر منفتح على طرق مختلفة في تأويله دون أن يؤثّر ذلك في فرادته أو يغيّر شيئا من بنيته. ويضيف إيكو أنّ التّمتّع بالأثر الفنّي أو الأدبيّ يرجع بالدّرجة الأولى إلى تأويله أو طريقة أدائه، أو إحيائه من منظور طريف. وعلى ذلك النّحو أمكن إجراء شعريّة الأثر المفتوح على كلّ الآثار الموسيقيّة والشّعريّة والرّوائيّة... في حدود إمكانات المتذوّق للآثار الثّقافيّة الشّخصيّة وانفعالاته الذّاتيّة. فالتّأويل في سياق «الأثر المفتوح» قريب من معنى الأداء الموسيقيّ. فهو أداء واع حرّ ينجز شكله الخاصّ دون أن يكون ذلك الأداء مقترنا على نحو ضروريّ بالأثر. فشعريّة الأثر المفتوح تحتفي بعنصر المتعة الجماليّة الذّاتي، فهي تولي أهمّية بالغة لشخصيّة المتقبّل.
ونشعر في مجال السّرديات بأنّ هذه الحرّيّة التّأويليّة قد تقلّصت عندما انقلب إنتاج المعنى sens إلى إنتاج لوقع المعنى effet de sens أو لتأثيراته الممكنة. فعندما علّق إيكو على شريط «قصّة حبّ»، في كتابه الطّريف «من السّوبرمان إلى الإنسان الأرقى» بيّن أنّه من المستحيل أن نتذوّق طعم الملح إذا كنّا نأكل حلوى من عسل. فمهما كانت ثقافة الإنسان ومهما بلغت قدرات المرء على التّحكّم في حواسّه فإنّ الكيمياء لا تخطئ أبدا. وكما أنّ الكيمياء تجعل كلّ الأفواه السّليمة تحسّ بحلاوة الحلوى في مذاقها فكذلك للعواطف والأهواء كيمياء خاصّة بها، يمكن إثارتها بقول معلوم أو نظم مخصوص من طرائق النّظم الأدبيّ.
وبصفة عامّة إذا كان التّلاعب بـ«باتوس» السّامع أو انفعاله يتمّ دائما بفضل طرائق مدروسة في إخراج الأقاويل في حالة الخطابة فإنّ التّطهير لا يتحقّق إلاّ بتركيب الأحداث بالحبكة في حالة النّظم السّردي أو الشّعري بالمعنى الأرسطيّ للكلمة. وعلى هذا النّحو صار ما يسمّيه إيكو على سبيل الاستعارة بالـكيمياء هو الحبكة الجيّدة البناء والتّركيب، تلك الّتي تحدث في نفس المتفرّج أو القارئ، الفرح أو الحزن، الهلع أو الشّفقة، الضّحك أو البكاء. ومعنى ذلك أنّ المتقبّل لا يؤوّل النّصّ انطلاقا من بنيته، وإنّما بما يحدثه النّصّ من أثر، فالمتقبّل سواء أكان قارئا أم متفرّجا لا يؤّول معنى وإنّما أثر المعنى الّذي بني وقعه سلفا بطريقة ترتيب الأحداث وإخراجها، وهي طريقة تتنوّع كلّما تغيّر الجنس الأدبيّ وقواعد الكتابة، فالوقع الّذي تحدثه التراجيديا غير الوقع الّذي تحدثه النّادرة «الحارّة» بتعبير الجاحظ، أو «النّكات» المضحكة.
استراتيجيات الإيهام
أمّا في مجال المقالة فيتّخذ مفهوم التّأويل طابعا فضائحيّا يرمي، على غرار ما فعله رولان بارت في كتابه «أسطوريات»، إلى فضح ما في عالم اليوميّ من أساطير زائفة تجعلنا نرى الواقع على غير ما هو عليه، فقد اعتنى في كتابه «حرب الزّيف – La guerre du faux» بالأشياء الّتي ما فتئت تؤثّث حياتنا اليوميّة وتعمّرها ككرة القدم والجينز الأزرق Blue-jean والتّلفزة والإرهاب وظواهر الموضة وما يفوق الواقع hyperréalité والمستجدّات التّكنولوجيّة والأهواء المتعدّدة. بيد أنّ ما كان يشغله في كلّ المقالات الّتي تأَلَّف منها هذا الكتاب هو إستراتيجيّات الإيهام، وهي إستراتيجيّات لا تعني عند إيكو التّقابل بين الصّحيح والزّائف كما يمكن أن يفهم من عنوان الكتاب. فليس «حرب الزّيف» مجرّد كتاب عن الخطاب الزّائف الّذي يخفي حقيقة الأشياء ويحجبها، إذ لا توجد في الكتاب تحليلات للخطابات الزّائفة محكومة بميتافيزيقا الحقيقة. فما يعرضه إيكو في مقالاته هو خطابات تخفي بدورها خطابات أخرى، أو هي خطابات تعتقد أنّها تقول (أ) لتوعز بـ (ب)، أو قل هي خطابات تعتقد أنّها تقول (أ) ولكن ينبغي أن تُؤوّل على أساس أنّها (ب)، أو هي خطابات تعتقد أنّها تقول شيئا مّا ولكنّها تخفي في واقع الأمر هشاشتها ووَهَنَها وتناقضها الخاصّ.
بيد أنّ الصّياغة الصّارمة المتكاملة لمفهوم التّأويل سنجدها حتما في كتاب «حدود التّأويل» الّذي يمكن اعتباره من أهمّ كتب إيكو في مجال التّنظير السّيميائيّ وإن كانت المسائل الّتي طرحت وثيقة الصّلة بمجال الهرمونيطيقا والقارئ والتّقبّل.
إنّ الحكاية الّتي ينفتح بها الكتاب، وهي حكاية العبد الّذي يحمل رسالة يجهل فحواها، إنّما تثير قضية النّصّ حين ينفصل عن مرسله، ومقصد مؤلّفه، وظروف إرساله ومرجعه، انفصالا يترك النّصّ طافيا في فضاء فارغ لانهائيّ من التّأويل الممكنة. غير أنّه في المقابل لا يمكن لأيّ نصّ أن يؤوّل وفق يوتوبيا معنى وحيد محدّد أصليّ نهائيّ. ولأجل ذلك حاول إيكو أن يعرّف التّأويل على أساس هذا التّأرجح بين مبادرة المؤوّل والوفاء للأثر. فطريقة اشتغال النّصّ يمكن أن تفسّر بمراعاة دور المتلقّي في فهم النّصّ وتأويله، وبطريقة النّصّ ذاته في بناء مشاركة القارئ عندما ينتج المعنى. ويرسم هذا التّفسير خطّين متوازيين هما الخطّ السّيميائيّ البنيويّ والخطّ الهرمونيطيقيّ، إلاّ أنّ مقاصد التّأويل لم تتغيّر. فهي تدور على ثلاثة محاور هي مقصد المؤلّف، ومقصد الأثر، ومقصد القارئ. أمّا المقاربات فلم تخرج عن الجدل الكلاسيكيّ، ويمكن حصرها في مقاربتين: تعتني الأولى بالبحث في النّصّ عمّا أراد الكاتب قوله، أو البحث في النّصّ عمّا قاله الكاتب بغضّ النّظر عن مقاصده الحقيقيّة، وذلك إمّا بالاستناد إلى انسجام النّصّ، أو بالاعتماد على أنظمة الدّلالة عند المتلقّي.
تأويل العلامات
وبصفة عامّة، لا نعتبر ما جاء في كتاب «حدود التّأويل» هو الصّياغة الحاسمة لمفهوم التّأويل عند إيكو، ففي آخر كتبه المترجمة إلى الفرنسيّة «من الشّجرة إلى المتاهة» يفاجئنا العنوان الفرعي «دراسات تاريخيّة في«العلامة»و«التّأويل»بظهور هذا المفهوم في صيغة أخرى، أعيد فيها توزيع التّمثيلات الفلسفيّة المختلفة لمفهومي»العلامة«و»التّأويل«في أنموذجين عابرين للتّاريخ هما«الشّجرة»و«المتاهة». وهما استعارتان تمثّلان عند إيكو المعرفة أو العالم وفق منوالين، هما: منوال القاموس القائم على الشّجرة الفورفوريّة في حدّ ماهيات الأشياء وطبيعتها الجوهريّة، أو منوال الموسوعة الّذي يرمي إلى تمثيل معرفة الإنسان الكاملة بالعالم.
ينبغي في هذا السّياق أن نشير إلى أنّ مفهوم التّأويل قد ارتبط عند إيكو بمفاهيم كثيرة مستمدّة من حقول معرفيّة مجاورة للسّيميائيات والهرمونيطيقا كالعلوم العرفانيّة والمنطق الجهويّ، أو منطق الجهات ونظرية العوالم الممكنة.. ففي كتابه «كانط والخلد»، Kant et l’ornithorynque أثار أمبرتو إيكو قضيّة فلسفيّة شائكة تتعلّق بالإدراك: هل إدراكنا للأشياء محكوم ببنية جهازنا العرفانيّ (أي طرائقنا في تحصيل المعرفة)، أم ببنية جهازنا اللّساني، أم بكليهما؟ ويثير في الفصل الثّاني من هذا الكتاب، وتحديدا في فقرة (ماركو بولو و«الحصان وحيد القرن»Marco polo et la licorne) كيفيّة إدراك الكائنات المجهولة، فعندما شاهد ماركو بولو بسومترة Sumatra الكركدنّ وهو حيوان لم يسبق له أن رآه، أوّل علامة الكركدنّ بأن اعتبر هذا الحيوان القبيح هو الـ Licorne لوجود قرن في أعلى أنف الكركدنّ، ثمّ لأنّ موسوعته الثّقافيّة تعتبر الـ Licorne، هذا الحصان الأسطوريّ الّذي يوجد على وسط جبينه قرن، كائنا موجودا في الواقع وأكثر واقعيّة من الكركدنّ الحيوان الّذي تجهله موسوعة ماركو بولو الثّقافيّة. ذلك أنّ الإنسان قبل عصر العلم الحديث كان يميل إلى تشييد عناصر مجهولة من الواقع بعناصر من ثقافته أو من موسوعته نعتبرها اليوم خياليّة ولكنّها في تصوّر إنسان القرون الوسطى واقعيّة. فالتّأويل عند إيكو محكوم بالموسوعة الثّقافيّة الّتي تتغيّر باستمرار كلّما تغيّرت أبنية المعرفة والعوالم الثّقافيّة، أو طريقة بناء تلك العوالم. وقد تجلّى ذلك بوضوح في كتابه«القارئ في الحكاية». فقد استعرض في بعض فصوله مشاغل السّيميائيّات النّصّيّة الّتي لا تُعنى بماهية الأفراد لا بخصائص العوالم الممكنة المليئة، فلا تتساءل مثلا: إن كان السّندباد قد وجد فعلا في التّاريخ أو لم يوجد، وإن كان شهريار قد قتل الكثير من النّساء أو لم يقتل، وإن كان جبل الواق واق له وجود جغرافيّ أو خياليّ؟ فهذا الأسلوب في التّساؤل باستعمال جهة«الوجود»لا تشغل كثيرا السّيميائيّات النّصّيّة الّتي لا تعتني بالوجود الأنطولوجيّ للأفراد وخواصّها، وإنّما تهتمّ بوجودها الثّقافيّ. فعالم ثقافيّ هو في تصوّر إيكو عالم ممكن مؤثّث مليء بالأفراد ولكن دون أن تكون لخواصّه وأفراده ماهيّة. فالعوالم الممكنة النّصّيّة هي كيفيات وجود دون ماهية. وقد قاد ذلك إيكو إلى ضرورة اعتبار العالم الواقعيّ المرجعيّ المادّيّ اليوميّ التّاريخيّ تشييدا ثقافيّا. فإذا كان يستحيل أن يظلّ المرء حيّا إن ابتلعه حيوان مّا فلأنّ موسوعتنا لا تقبل نقض المبدأ الثّاني من الحرارة الدّيناميّة. ولكن يكفي أن نغيّر الموسوعة حتّى يصبح هذا المعطى المستحيل (بقاء المرء حيّا وإن ابتلعه حيوان عظيم) المخالف لموسوعتنا الرّاهنة مقبولا وممكنا. فالقارئ القديم لا يستغرب أن تعود حمراء حمراء حيّة بعد أن ابتلعها الذّئب لأنّه يجد في موسوعته قصّة النّبي يونس الّذي ابتلعه الحوت وخرج منه حيّا يرزق.
ويبدو أنّ قضايا التّأويل الشّائكة قد دفعت إيكو إلى العناية بالتّرجمة الّتي خصّص لها واحدا من أهمّ كتبه الأخيرة، ونعني كتابه الّذي نقل إلى العربيّة بعنوان«أن نقول الشّيء نفسه تقريبا» (ترجمة أحمد الصّمعي، المنظّمة العربيّة للتّرجمة، 2012). ففي هذا الكتاب يطرح إيكو مشكلا بالغ الصّعوبة رغم بساطته الظّاهرة، وهو تحديد ذلك الشّيء الّذي ينبغي ترجمته. والمشكل الأوّل هو: هل المؤلّف والقارئ والمترجم متّفقون جميعا على موضوع ذلك الشّيء المترجَم، ومتأكّدون من أنّ القول يعني الشّيء نفسه؟ وإذا كان الأمر غير ذلك أفلا تصبح التّرجمة ضربا من التّأويل، أو تجربة تأويليّة يخوضها المترجم حتّى يقترب ما وسعه الاقتراب من المعاني المشحونة في القول الدّلاليّة منها أو الإيحائيّة أو الجماليّة، وأن يحدث في القارئ تقريباً الوقع نفسه الّذي أحدثه النّصّ الأصليّ في القارئ؟
وبهذا المثال وغيره ممّا لا يتّسع المجال إلى ذكره، يتّضح لنا حضور مفهوم التّأويل المحوريّ في كتابات إيكو، واقترانه الصّريح والضّمنيّ بالكثير من القضايا الأدبيّة والفلسفيّة والجماليّة والسّياسيّة والتّاريخيّة... لكأنّ إيكو بهذا الحضور الكثيف يسعى إلى تجديد موسوعتنا الثّقافيّة وتغيير طرائقنا في تأويل هذا الكون اللاّنهائيّ من العلامات.
تيهُ الجهلاء
- أن يكتشف المرء فيه عنصرا لا غنى عنه لنظام الكون هو بالنسبة للناس واسعي الاطلاع من أمثالنا شيء شبيه بالحكم المسبق لدى الأميّ. لا يمكن تغيير العالم بمساعدة الأفكار. الناس الذي لا يملكون الكثير منها يتيهون بصورة أكثر ندرة. هم يتصرفون كما الباقين، أي لا يضايقون الآخرين، ويحققون النجاح ويحصلون على وظائف مربحة وشهادات تقدير، وهم نواب وأدباء معروفون وأساتذة وصحفيون. اذن أيمكن أن نسمي أحمق من يحرص على مصالحه؟ الأحمق أنا الذي أراد محاربة طواحين الهواء.
المجانين على حق
* في طفولتي كلها اعتقدت أنه نتيجة مصادفات عجيبة يكون جميع الأشخاص الذين عرفتهم أغبياء، وبعدها حين صرت عجوزاً اقتنعت بأن كل كائن بشري يخضع لقانونين: الأول هو أن الفكرة الأولى هي الأفضل، والثاني حين تأتي تلك الفكرة لا يدرك الإنسان بأنها أتت إلى الآخرين قبله.
* الثقافة تحرر الجسد من عبودية العمل وتكيّفه للتأمل.
* ليست جميع الحقائق لجميع الآذان.
* افحص الوجه ولا تستمع إلى ما يقوله الفم.
* من يقرأ الكتب يحيا مضاعفاً.
* المجانين والأطفال يقولون دائماً الحقيقة.
إيكو المتهكِّم
* الشيء الوحيد الذي يكتبه المرء لنفسه هو قائمة المشتريات، فهي تخدم التذكر، تذكر ما عليك شراؤه، وحين تشتري يمكنك أن ترمي القائمة، لأنها لا تصلح لأيّ شيء، فكل الأشياء الأخرى التي تكتبها يكون غرضها أن تقول شيئاً لأحدهم.
* أرغب القول بأنه لو لم تكن المكتبة، وفي حالات متطرفة، مفتوحة للجميع ينبغي تنظيم دورات كما في دورة تعلم السياقة، حيث فيها المحاضرات التي تعلم احترام الكتاب وسبيل الاستفادة منه.
* تجنب مناطق الرؤوس النووية، فعند رؤية الفطر النووي يرفع الإنسان لاإرادياً كفه (غير المغسول!) إلى فمه ويهمس (يا إلهي).
يتحلى أمبرتو إيكو بثقافة موسوعيّة ومعرفة ثاقبة بالتّراث الفلسفي واللاّهوتي، وحذق لغات عديدة كالإغريقيّة واللاّتينيّة أهّلته إلى أن يكون وجها من وجوه الثّقافة الكونيّة، واسما لامعا من أسماء الفكر الإيطالي الحديث يذكر دائما إلى جانب فلاسفة من قامة أنطونيو نيقري وجرجيو أقمبن وجياني فاتيمو إلى جانب أسماء أخرى لا تقلّ شهرة في عالم الأدب كإيتالو كالفينو وبيارو كمبورازي.
متعة التأويل
داخل هذه الغابة الكثيفة ودروبها المتشعّبة، ينبغي أن ننزّل شبكة العلاقات الّتي نسجها مفهوم التّأويل مع كلّ وجه من وجوه إيكو. ففي مجال التّنظيرات الأدبيّة والفنّيّة الأولى تأثّر مفهوم التّأويل عند إيكو بتصوّره لـ«الأثر المفتوح»، (Opera aperta, 1962). ويمكن أن نوجز هذا التّصوّر بأنّ كلّ أثر مفتوح حتّى وإن كان له شكل مكتمل منغلق، إنّما هو أثر منفتح على طرق مختلفة في تأويله دون أن يؤثّر ذلك في فرادته أو يغيّر شيئا من بنيته. ويضيف إيكو أنّ التّمتّع بالأثر الفنّي أو الأدبيّ يرجع بالدّرجة الأولى إلى تأويله أو طريقة أدائه، أو إحيائه من منظور طريف. وعلى ذلك النّحو أمكن إجراء شعريّة الأثر المفتوح على كلّ الآثار الموسيقيّة والشّعريّة والرّوائيّة... في حدود إمكانات المتذوّق للآثار الثّقافيّة الشّخصيّة وانفعالاته الذّاتيّة. فالتّأويل في سياق «الأثر المفتوح» قريب من معنى الأداء الموسيقيّ. فهو أداء واع حرّ ينجز شكله الخاصّ دون أن يكون ذلك الأداء مقترنا على نحو ضروريّ بالأثر. فشعريّة الأثر المفتوح تحتفي بعنصر المتعة الجماليّة الذّاتي، فهي تولي أهمّية بالغة لشخصيّة المتقبّل.
ونشعر في مجال السّرديات بأنّ هذه الحرّيّة التّأويليّة قد تقلّصت عندما انقلب إنتاج المعنى sens إلى إنتاج لوقع المعنى effet de sens أو لتأثيراته الممكنة. فعندما علّق إيكو على شريط «قصّة حبّ»، في كتابه الطّريف «من السّوبرمان إلى الإنسان الأرقى» بيّن أنّه من المستحيل أن نتذوّق طعم الملح إذا كنّا نأكل حلوى من عسل. فمهما كانت ثقافة الإنسان ومهما بلغت قدرات المرء على التّحكّم في حواسّه فإنّ الكيمياء لا تخطئ أبدا. وكما أنّ الكيمياء تجعل كلّ الأفواه السّليمة تحسّ بحلاوة الحلوى في مذاقها فكذلك للعواطف والأهواء كيمياء خاصّة بها، يمكن إثارتها بقول معلوم أو نظم مخصوص من طرائق النّظم الأدبيّ.
وبصفة عامّة إذا كان التّلاعب بـ«باتوس» السّامع أو انفعاله يتمّ دائما بفضل طرائق مدروسة في إخراج الأقاويل في حالة الخطابة فإنّ التّطهير لا يتحقّق إلاّ بتركيب الأحداث بالحبكة في حالة النّظم السّردي أو الشّعري بالمعنى الأرسطيّ للكلمة. وعلى هذا النّحو صار ما يسمّيه إيكو على سبيل الاستعارة بالـكيمياء هو الحبكة الجيّدة البناء والتّركيب، تلك الّتي تحدث في نفس المتفرّج أو القارئ، الفرح أو الحزن، الهلع أو الشّفقة، الضّحك أو البكاء. ومعنى ذلك أنّ المتقبّل لا يؤوّل النّصّ انطلاقا من بنيته، وإنّما بما يحدثه النّصّ من أثر، فالمتقبّل سواء أكان قارئا أم متفرّجا لا يؤّول معنى وإنّما أثر المعنى الّذي بني وقعه سلفا بطريقة ترتيب الأحداث وإخراجها، وهي طريقة تتنوّع كلّما تغيّر الجنس الأدبيّ وقواعد الكتابة، فالوقع الّذي تحدثه التراجيديا غير الوقع الّذي تحدثه النّادرة «الحارّة» بتعبير الجاحظ، أو «النّكات» المضحكة.
استراتيجيات الإيهام
أمّا في مجال المقالة فيتّخذ مفهوم التّأويل طابعا فضائحيّا يرمي، على غرار ما فعله رولان بارت في كتابه «أسطوريات»، إلى فضح ما في عالم اليوميّ من أساطير زائفة تجعلنا نرى الواقع على غير ما هو عليه، فقد اعتنى في كتابه «حرب الزّيف – La guerre du faux» بالأشياء الّتي ما فتئت تؤثّث حياتنا اليوميّة وتعمّرها ككرة القدم والجينز الأزرق Blue-jean والتّلفزة والإرهاب وظواهر الموضة وما يفوق الواقع hyperréalité والمستجدّات التّكنولوجيّة والأهواء المتعدّدة. بيد أنّ ما كان يشغله في كلّ المقالات الّتي تأَلَّف منها هذا الكتاب هو إستراتيجيّات الإيهام، وهي إستراتيجيّات لا تعني عند إيكو التّقابل بين الصّحيح والزّائف كما يمكن أن يفهم من عنوان الكتاب. فليس «حرب الزّيف» مجرّد كتاب عن الخطاب الزّائف الّذي يخفي حقيقة الأشياء ويحجبها، إذ لا توجد في الكتاب تحليلات للخطابات الزّائفة محكومة بميتافيزيقا الحقيقة. فما يعرضه إيكو في مقالاته هو خطابات تخفي بدورها خطابات أخرى، أو هي خطابات تعتقد أنّها تقول (أ) لتوعز بـ (ب)، أو قل هي خطابات تعتقد أنّها تقول (أ) ولكن ينبغي أن تُؤوّل على أساس أنّها (ب)، أو هي خطابات تعتقد أنّها تقول شيئا مّا ولكنّها تخفي في واقع الأمر هشاشتها ووَهَنَها وتناقضها الخاصّ.
بيد أنّ الصّياغة الصّارمة المتكاملة لمفهوم التّأويل سنجدها حتما في كتاب «حدود التّأويل» الّذي يمكن اعتباره من أهمّ كتب إيكو في مجال التّنظير السّيميائيّ وإن كانت المسائل الّتي طرحت وثيقة الصّلة بمجال الهرمونيطيقا والقارئ والتّقبّل.
إنّ الحكاية الّتي ينفتح بها الكتاب، وهي حكاية العبد الّذي يحمل رسالة يجهل فحواها، إنّما تثير قضية النّصّ حين ينفصل عن مرسله، ومقصد مؤلّفه، وظروف إرساله ومرجعه، انفصالا يترك النّصّ طافيا في فضاء فارغ لانهائيّ من التّأويل الممكنة. غير أنّه في المقابل لا يمكن لأيّ نصّ أن يؤوّل وفق يوتوبيا معنى وحيد محدّد أصليّ نهائيّ. ولأجل ذلك حاول إيكو أن يعرّف التّأويل على أساس هذا التّأرجح بين مبادرة المؤوّل والوفاء للأثر. فطريقة اشتغال النّصّ يمكن أن تفسّر بمراعاة دور المتلقّي في فهم النّصّ وتأويله، وبطريقة النّصّ ذاته في بناء مشاركة القارئ عندما ينتج المعنى. ويرسم هذا التّفسير خطّين متوازيين هما الخطّ السّيميائيّ البنيويّ والخطّ الهرمونيطيقيّ، إلاّ أنّ مقاصد التّأويل لم تتغيّر. فهي تدور على ثلاثة محاور هي مقصد المؤلّف، ومقصد الأثر، ومقصد القارئ. أمّا المقاربات فلم تخرج عن الجدل الكلاسيكيّ، ويمكن حصرها في مقاربتين: تعتني الأولى بالبحث في النّصّ عمّا أراد الكاتب قوله، أو البحث في النّصّ عمّا قاله الكاتب بغضّ النّظر عن مقاصده الحقيقيّة، وذلك إمّا بالاستناد إلى انسجام النّصّ، أو بالاعتماد على أنظمة الدّلالة عند المتلقّي.
تأويل العلامات
وبصفة عامّة، لا نعتبر ما جاء في كتاب «حدود التّأويل» هو الصّياغة الحاسمة لمفهوم التّأويل عند إيكو، ففي آخر كتبه المترجمة إلى الفرنسيّة «من الشّجرة إلى المتاهة» يفاجئنا العنوان الفرعي «دراسات تاريخيّة في«العلامة»و«التّأويل»بظهور هذا المفهوم في صيغة أخرى، أعيد فيها توزيع التّمثيلات الفلسفيّة المختلفة لمفهومي»العلامة«و»التّأويل«في أنموذجين عابرين للتّاريخ هما«الشّجرة»و«المتاهة». وهما استعارتان تمثّلان عند إيكو المعرفة أو العالم وفق منوالين، هما: منوال القاموس القائم على الشّجرة الفورفوريّة في حدّ ماهيات الأشياء وطبيعتها الجوهريّة، أو منوال الموسوعة الّذي يرمي إلى تمثيل معرفة الإنسان الكاملة بالعالم.
ينبغي في هذا السّياق أن نشير إلى أنّ مفهوم التّأويل قد ارتبط عند إيكو بمفاهيم كثيرة مستمدّة من حقول معرفيّة مجاورة للسّيميائيات والهرمونيطيقا كالعلوم العرفانيّة والمنطق الجهويّ، أو منطق الجهات ونظرية العوالم الممكنة.. ففي كتابه «كانط والخلد»، Kant et l’ornithorynque أثار أمبرتو إيكو قضيّة فلسفيّة شائكة تتعلّق بالإدراك: هل إدراكنا للأشياء محكوم ببنية جهازنا العرفانيّ (أي طرائقنا في تحصيل المعرفة)، أم ببنية جهازنا اللّساني، أم بكليهما؟ ويثير في الفصل الثّاني من هذا الكتاب، وتحديدا في فقرة (ماركو بولو و«الحصان وحيد القرن»Marco polo et la licorne) كيفيّة إدراك الكائنات المجهولة، فعندما شاهد ماركو بولو بسومترة Sumatra الكركدنّ وهو حيوان لم يسبق له أن رآه، أوّل علامة الكركدنّ بأن اعتبر هذا الحيوان القبيح هو الـ Licorne لوجود قرن في أعلى أنف الكركدنّ، ثمّ لأنّ موسوعته الثّقافيّة تعتبر الـ Licorne، هذا الحصان الأسطوريّ الّذي يوجد على وسط جبينه قرن، كائنا موجودا في الواقع وأكثر واقعيّة من الكركدنّ الحيوان الّذي تجهله موسوعة ماركو بولو الثّقافيّة. ذلك أنّ الإنسان قبل عصر العلم الحديث كان يميل إلى تشييد عناصر مجهولة من الواقع بعناصر من ثقافته أو من موسوعته نعتبرها اليوم خياليّة ولكنّها في تصوّر إنسان القرون الوسطى واقعيّة. فالتّأويل عند إيكو محكوم بالموسوعة الثّقافيّة الّتي تتغيّر باستمرار كلّما تغيّرت أبنية المعرفة والعوالم الثّقافيّة، أو طريقة بناء تلك العوالم. وقد تجلّى ذلك بوضوح في كتابه«القارئ في الحكاية». فقد استعرض في بعض فصوله مشاغل السّيميائيّات النّصّيّة الّتي لا تُعنى بماهية الأفراد لا بخصائص العوالم الممكنة المليئة، فلا تتساءل مثلا: إن كان السّندباد قد وجد فعلا في التّاريخ أو لم يوجد، وإن كان شهريار قد قتل الكثير من النّساء أو لم يقتل، وإن كان جبل الواق واق له وجود جغرافيّ أو خياليّ؟ فهذا الأسلوب في التّساؤل باستعمال جهة«الوجود»لا تشغل كثيرا السّيميائيّات النّصّيّة الّتي لا تعتني بالوجود الأنطولوجيّ للأفراد وخواصّها، وإنّما تهتمّ بوجودها الثّقافيّ. فعالم ثقافيّ هو في تصوّر إيكو عالم ممكن مؤثّث مليء بالأفراد ولكن دون أن تكون لخواصّه وأفراده ماهيّة. فالعوالم الممكنة النّصّيّة هي كيفيات وجود دون ماهية. وقد قاد ذلك إيكو إلى ضرورة اعتبار العالم الواقعيّ المرجعيّ المادّيّ اليوميّ التّاريخيّ تشييدا ثقافيّا. فإذا كان يستحيل أن يظلّ المرء حيّا إن ابتلعه حيوان مّا فلأنّ موسوعتنا لا تقبل نقض المبدأ الثّاني من الحرارة الدّيناميّة. ولكن يكفي أن نغيّر الموسوعة حتّى يصبح هذا المعطى المستحيل (بقاء المرء حيّا وإن ابتلعه حيوان عظيم) المخالف لموسوعتنا الرّاهنة مقبولا وممكنا. فالقارئ القديم لا يستغرب أن تعود حمراء حمراء حيّة بعد أن ابتلعها الذّئب لأنّه يجد في موسوعته قصّة النّبي يونس الّذي ابتلعه الحوت وخرج منه حيّا يرزق.
ويبدو أنّ قضايا التّأويل الشّائكة قد دفعت إيكو إلى العناية بالتّرجمة الّتي خصّص لها واحدا من أهمّ كتبه الأخيرة، ونعني كتابه الّذي نقل إلى العربيّة بعنوان«أن نقول الشّيء نفسه تقريبا» (ترجمة أحمد الصّمعي، المنظّمة العربيّة للتّرجمة، 2012). ففي هذا الكتاب يطرح إيكو مشكلا بالغ الصّعوبة رغم بساطته الظّاهرة، وهو تحديد ذلك الشّيء الّذي ينبغي ترجمته. والمشكل الأوّل هو: هل المؤلّف والقارئ والمترجم متّفقون جميعا على موضوع ذلك الشّيء المترجَم، ومتأكّدون من أنّ القول يعني الشّيء نفسه؟ وإذا كان الأمر غير ذلك أفلا تصبح التّرجمة ضربا من التّأويل، أو تجربة تأويليّة يخوضها المترجم حتّى يقترب ما وسعه الاقتراب من المعاني المشحونة في القول الدّلاليّة منها أو الإيحائيّة أو الجماليّة، وأن يحدث في القارئ تقريباً الوقع نفسه الّذي أحدثه النّصّ الأصليّ في القارئ؟
وبهذا المثال وغيره ممّا لا يتّسع المجال إلى ذكره، يتّضح لنا حضور مفهوم التّأويل المحوريّ في كتابات إيكو، واقترانه الصّريح والضّمنيّ بالكثير من القضايا الأدبيّة والفلسفيّة والجماليّة والسّياسيّة والتّاريخيّة... لكأنّ إيكو بهذا الحضور الكثيف يسعى إلى تجديد موسوعتنا الثّقافيّة وتغيير طرائقنا في تأويل هذا الكون اللاّنهائيّ من العلامات.
تيهُ الجهلاء
- أن يكتشف المرء فيه عنصرا لا غنى عنه لنظام الكون هو بالنسبة للناس واسعي الاطلاع من أمثالنا شيء شبيه بالحكم المسبق لدى الأميّ. لا يمكن تغيير العالم بمساعدة الأفكار. الناس الذي لا يملكون الكثير منها يتيهون بصورة أكثر ندرة. هم يتصرفون كما الباقين، أي لا يضايقون الآخرين، ويحققون النجاح ويحصلون على وظائف مربحة وشهادات تقدير، وهم نواب وأدباء معروفون وأساتذة وصحفيون. اذن أيمكن أن نسمي أحمق من يحرص على مصالحه؟ الأحمق أنا الذي أراد محاربة طواحين الهواء.
المجانين على حق
* في طفولتي كلها اعتقدت أنه نتيجة مصادفات عجيبة يكون جميع الأشخاص الذين عرفتهم أغبياء، وبعدها حين صرت عجوزاً اقتنعت بأن كل كائن بشري يخضع لقانونين: الأول هو أن الفكرة الأولى هي الأفضل، والثاني حين تأتي تلك الفكرة لا يدرك الإنسان بأنها أتت إلى الآخرين قبله.
* الثقافة تحرر الجسد من عبودية العمل وتكيّفه للتأمل.
* ليست جميع الحقائق لجميع الآذان.
* افحص الوجه ولا تستمع إلى ما يقوله الفم.
* من يقرأ الكتب يحيا مضاعفاً.
* المجانين والأطفال يقولون دائماً الحقيقة.
إيكو المتهكِّم
* الشيء الوحيد الذي يكتبه المرء لنفسه هو قائمة المشتريات، فهي تخدم التذكر، تذكر ما عليك شراؤه، وحين تشتري يمكنك أن ترمي القائمة، لأنها لا تصلح لأيّ شيء، فكل الأشياء الأخرى التي تكتبها يكون غرضها أن تقول شيئاً لأحدهم.
* أرغب القول بأنه لو لم تكن المكتبة، وفي حالات متطرفة، مفتوحة للجميع ينبغي تنظيم دورات كما في دورة تعلم السياقة، حيث فيها المحاضرات التي تعلم احترام الكتاب وسبيل الاستفادة منه.
* تجنب مناطق الرؤوس النووية، فعند رؤية الفطر النووي يرفع الإنسان لاإرادياً كفه (غير المغسول!) إلى فمه ويهمس (يا إلهي).