نزار عبد الستار - معنى الصورة وبراهينها

قد يعمل التصوير الفوتوغرافي على تجريد علاقتنا مع العالم من سماتها الإنسانية والشخصية، كما تقول سوزان سونتاغ، إلا انه بكل تأكيد يمنحنا الكثير من المشاعر الجديدة والسريعة، سواء كان الأمر يتعلّق بالدهشة، أو الشعور بالألم، أو حتى السخرية.تنظر سوزان سونتاغ في كتابها "حول الفوتوغراف" بكثير من الجهد إلى فضيلة "جمع العالم" التي هي الهدف التقليدي من كمية الصور الفوتوغرافية التي نملكها، وترى أن هذا الفن المعرفي دائما ما يمدنا بالبراهين، أو يجعلنا نحمد الرب لأننا لم نكن في الصورة أصلا. إن كمية المشاعر التي ترصدها سونتاغ في كتابها تثير دهشتنا لأسباب عدّة أولها اننا نمتلك مفهوما شخصيا وسطحيا عن الصورة، وأننا حتى في الاشتغالات الإعلامية لا ننظر إلى الصورة إلا من خلال حاجة آنية، في حين أن هذا الفن "الفوتوغراف" له كبير الأثر في ترسيخ وجودنا الأرضي.سونتاغ تنجح في تحليل كل ما يتصل بالفوتوغراف، وتبحث في كل الافتراضات التي من شأنها توسيع مديات قدرتنا على احترام الصورة، وفهم وظيفتها، وتقدير حياتها، وهي تتنقّل من التفسير الشخصي إلى العمق الأدبي إلى الأداء الإعلامي، فضلا عن اهتمامها بالتاريخ، والطبقات الاجتماعية، ونمو المفاهيم، وتغيّرها مع الانتشار الكاسح للفوتوغراف.تركّز سوزان سونتاغ على مقولة لويس هاين بشأن الوثيقة الإنسانية وترى أن الفوتوغراف ليس فقط سجلا للماضي، بل أيضا طريقة جديدة للتعامل مع الحاضر حيث تصنع الكاميرا العلاقة الاستنتاجية، وتزوّدنا بمشهد ارتجاعي للتجربة، وتحوّل الواقع المعاش إلى انطباعات ذهنية.الجميل في هذا الكتاب انه يطلُّ على كلّ الاحتمالات، وبقدر كبير من الحرص، وبهمّة حقيقية حيث يتطرّق إلى ردود الأفعال المشينة التي يتسبّب بها الفوتوغراف، ومنها أشكال التملّك الزائفة التي نشعر بها، ونظن أننا نملك الماضي والحاضر والمستقبل. وعلى الجانب الآخر من هذه المساوئ ترشدنا سوزان سونتاغ إلى علاقة البصر بالروح، وكيف أن الفوتوغراف يمكن له دفعنا إلى التفكير بالغيبيّات، وكيف وسّع لنا الرؤية، وجعلنا نراجع الأدلة من اجل تحقيق العدالة. إن أهمَّ ما يميّز هذا الجهد هو كفاح التصوير الفوتوغرافي وانتقاله من الدناءة إلى الفن الراقي "فلا احد سيراوده الشكّ في أن الفوتوغراف قدَّم دعما هائلا للحقوق المعرفية للبصر". كما انه أعاننا في اكتشاف الجمال. هذه الاضافة الاخيرة هي قيمة الجهد الذي بذلته سوزان سونتاغ في تحليل فن التصوير الفوتوغرافي فهي تناصر كل التشويهات غير المقصودة التي ابتدعها هذا الفن، كما انها ترينا بحرص كبير كيف أن الفوتوغراف ناضل ببسالة من أجل أن يكون النقلة الأكثر أهمية في مسيرتنا الحضارية.