سبع نسوة سمينات يحطن بسريريها.عانقتها إحداهن، و سلمتها ورقة خضراء، رُسمت عليها سبع أعين. ثم توجهت إلى صديقاتها و أخبرتهن:
- السفر إلى سبع عيون شاق، و طويل ، و علينا الانصراف في الحال، إن كنا نحرص على الوصول في رابعة النهار.
قفزت هند من سريرها مذعورة، ثم خرجت، و القلق يؤجج في عقلها الأسئلة. بعد الرجوع من عملها، قررت أن تؤدي صلاة الاستخارة، لعلها تهتدي إلى السر الكامن في هذا التواجد الكثيف للعدد سبعة في حياتها هذه الأيام، و إلى سر ذلك المكان - سبع عيون - ولماذا اختلفت أحجام تلك العيون؟ الأولى كبيرة...الثانية أصغر... الثالثة تقل حجما عن الثانية...و العيون المتبقية هي الأصغر لكنها أكثر جحوظا.
في الحقيقة،ليست هند غريبة عن أجواء العدد سبعة. عاشت ردحا طويلا من عمرها، بين أحضان طقوسه المترعة بالأحلام، و الابتهالات والأحزان.في قريتها القريبة جدا من قرى القرون الغابرة. فتحت عينيها،و عقلها ،و قلبها على - سبع رواضي – تلك المقابر السبع المسكونة بالأرواح، و بسبعة ضمان يضمنون الناس عند ربهم في الدنيا، و الآخرة. تنهدت تنهيدة حارة،مصحوبة بكلمات مغلفة بعواطف مبهمة:
- آه يا سبع رواضى. يا بنك الوجع. لكل قروي فيك حساب جار من الألم...رصيد كبير من الابتهالات، و الخيبات. تحت ثراك ينام رميم أجدادنا،و قد أسبغ عليها العدد سبعة كراماته، فصارت لها مكانة في العقول، و القلوب. يا لغرابة هذا العدد. يحف بنا كالهواء من كل الجهات. يندس في ثنايا حياتنا... يتسرب إلى معتقداتنا... يضفي على أوهامنا،و خرافاتنا قداسة لا تقهر.
ثم يأتيها صوت زوجة أبيها مفعما بالحيوية، و الرهبة،و هي تردد الحكاية نفسها:
- سبع رواضى، رحاب طاهرة. كلما عز المطر، وعطش الزرع، و جف الضرع. وقف جدي القديم، في الغسق بين القبور،مبتهلا متضرعا،فتنزل من السماء خيمة عظيمة، ينصبها الناس للأكــل، و طلب الغيث، و ما يكاد النهار ينتصف إلا و المطر يهطل مدرارا، و شآبيب الرحمة تبهج الناس، وتبلل ثيابهم و قلوبهم.
تستطيع زوجة أبيها التحدث بثقة كبيرة. أما هي فذكرياتها مع كل شيء مقرون بالعدد سبعة موسومة بالحزن، و الوجع.و قصتها مع "سبع رواضي" كانت مؤلمة. سيظل ألمها يعتصر قلبها إلى الأبد، وكلما سنحت لها الفرصة حكتها بحسرة عميقة:
- يوم مشؤوم. كانت فيه الأرض و كأنها تريد الالتحام بالشمس، التي صارت فوق هاماتنا. تصهر أمخاخنا، و نقي عظامنا. خلت أزقة القرية الضيقة من البشر، و البهائم، و الطير. لتحتلها حمم الشمس الحارقة، و الظلال الرابضة أمام البنايات، و الأشجار كحيوانات سقيمة. ابتلعت جميع الكائنات أصواتها،باستثناء جداجد احتمت بجحورها، و طفقت تضغط على الأعصاب بأزيزها المسترسل.
في ذلك اليوم ، تبين لمحمد ، حبي الأول، و الأخير. أن العوم في النهر وحده القادر على التخفيف من غلواء هذا الحر. ظل يسبح حتى دنت الشمس من المغيب. اقترب من ملابسه. كانت هناك تتربص به،أفعى ضخمة نفثت سمها في جسمه. نزل الخبر على قلبي كالصاعقة. صعدت التل، الذي تستريح على سفحه المقابر السبع. ابتهلت ابتهالا حارا، بعينين دامعتين. قربت ذبيحة سمينة. تركتها هناك للأرواح، و سبعة ضمان. لكنهم قابلوا تضرعي، و ابتهالي بخذلان كبير. دفن عمي ابنه في فناء بيته. و دفن معه قلبي، و رغبتي في الزواج إلى الأبد.
أيمكن لخيباتها المتكررة مع هذا العدد، أن تقلل من هيبته في قلبها؟بالطبع لا. مازال يفتنها. و إن لم يكن كما في السابق، فقد ظل قابعا في دواخلها.
وصلت هند إلى مقر عملها، و هي غارقة في التفكير. جلست خلف مكتبها متعبة. فجأة، دخلت المكتب فتاة في مقتبل العمر.توجهت صوب زميلة هند في العمل. قبلت رأسها،ثم يديها.أدركت هند أنها أيضا ابنة أخرى لصاحبتها.عندما انصرفت، و تحت تأثير المفاجأة سألتها هند.
- أليس عندك أولاد...أعني الذكور؟
دوى السؤال في مسامع صديقتها دويا قويا، و بدا عليها ارتباك ملحوظ. نظرت إلى هند بحزن، وطفق الكلام يتدفق من فمها بحرقة بالغة:
- فتحتِ البعبع لينفلت منه ماردُ الذكريات الأليمةِ. كل ذريتي بنات.لا أعترض على ذلك.أحبهن جميعهن. لكن حماتي تريد ذكرا لضمان استمرار نسل العائلة، و زوجي يريده ليقيمَ الدليلَ على كمال فحولته.
لم أستطع أن أفهم، كيف يتعايش الرجل مع تناقض فاضح دون حرج. في الفراش يضم المرأة... يقبل يديها...يتوهج جسده... يَبْيَضُّ محياه، وعندما تطل عليه الأنثى من رحم زوجته يسْوَدُ وجهُه.
صرت أصدق الجميع.مرة أعطاني فقيه أعشابا كثيرة. طلب مني أن أخلطَها مع الماء،و أغتسلَ به سبعة أيام متوالية، و ألا أشاركَ السرير مع زوجي إلا في اليوم السابع، لكن الولد لم يأت.
قرت في الأخير،أن أزور أضرحة سبعةِ رجال،بالترتيب الذي نصحَتني به أمي. عندما كنت أغادر الضريح الأول، ارتمى صبي صغير في حضني، و قبلني قبلة حارة،و لما انشغلت بانتعال حذائي اختفى.
لست أدري ما الذي جعلني أعتقد أن الذكر، لا يلد الذكر إلا إذا قذف إلى الأعلى. هل كان الأمر محض صدفة، أم وحيا؟ صرت أعتلي زوجي في السرير،كتجسيد فعلي، و سريع لهذا الاعتقاد. علاوة على أن هذه الوضعية تمنحني إمكانية أن يكون رأسي مرتفعا إلى السماء، مطلا على أضرحة سبعة رجال.و في حالة الهيجان، سالت من عيني دموع حارة. نزلت عبر أخدود صدري. امتزج الماء بالماء. سمعت أحشائي تزغرد، و رأيت جسمي يتوهج ... يتوهج، حتى غشي غرفة النوم نور ساطع يكاد يخطف الأبصار، و في رحم تلك الهالة النورانية، رأيت سبعة أقمار تبتسم لي، ومعهم الولد، الذي قبلني في حضرة الشيخ الأول من شيوخ سبعة رجال.
يوم الولادة، كانت الصدمة عنيفة. هزتنا جميعا. رفض زوجي أن يتقبل الأمر. صاح في وجهي:
- رحمك وكر ملعون، لا يلد إلا النحس. ما أقسى هذا اللقب على قلب
( أبو البنات)
طلقني زوجي مع بناتي . كان الأمر صعبا. معه أدركت متأخرة، أن الأجدر بالابتهالات،و التضرعات هي السماء و من لاذ بغيرها، أنزلت به عقابا ماكرا. توهمه بالأمل... تتعلق به الروح ... يتشبث به القلب، ثم تنزل العقاب المفجع. من تمسح بغير السماء، ظل هدفا دائما لسهام القدر.ما أعطت السماء هو الأبقى... هو الأصلح، و ما وعدت به الأضرحة مجرد سراب.
كانت كل كلمة من كلمات زميلتها تنفجر في القاعة كقنبلة صوتية تمزق طبلة أذنيها. بالكاد حملتها رجلاها. ألقت بنفسها داخل سيارتها، و قررت السفر بعيدا، دون أن تحدد وجهة لسفرها.
ضغطت على المكبح، حتى أنَّت الطريقُ تحت العجلات. كانت هناك إشارةٌ طرقيةٌ. مسحت الزجاج الأمامي، و من خلفه قرأت "سبع عيون"لم تصدق عينيها.كانت الإشارة تشير إلى الجهة التي تهب منها ريح سموم تحرق البشرة، و تحمل معها غبارا كثيفا يحجب النظر. التفتت يمنة،و يسرة.لا أحد تسأله.كانت هناك فقط طريق تمتد على طول البصر، في منعرجات حادة:
- أي بركة كامنة في هذا العدد الغريب، كل ما ينسب إليه حقيقي.كنت أعلم في قرارة نفسي، أن هذا المكان موجود، و أنا الآن، لا أشك في رونقه،وجماله. و ما يمكن لعيون سبع أن تسبغه عليه من خير و بركات. خاصة تلك العين الكبيرة. لابد أنها ستكون غزيرة عذبة.
انطلقت تقود سيارتها في تلك الطريق. ما أن وصلت إلى المكان المنشود، حتى انتهى حماسها، و قفت مشدوهة. لم تصدق ما تراه عيناها. كل الأحلام الوردية التي رسمتها حول هذا المكان تبددت في لمح البصر. هل تكون هذه الخيبة الأخرى،الحد الفاصل بينها، و بين البركات المزعومة لهذا العدد، أم أن افتتانها بكراماته، أكبر من أن ينغصها أي شيء.
لم تجد الكلمات المناسبة لتصف بؤس ذلك المكان، الذي امتد أمامها قفرا... يبابا. و الناس يركضون خلف البهائم المحملة بالبراميل ليقطعوا مسافات طويلة من أجل قطرة ماء عكرة. استوقفت هند أحدهم، و سألته.
- أين توجد العيون السبع؟ و خاصة تلك العين الكبيرة.
- لا أظنك تودين معرفة ذلك. و في ماذا يمكن أن يفيدك الأمر؟
ألحت عليه، و أخربته أن الأمر مهم جدا، وعليه ستبني مواقف كثيرة.
- العيون السبع يا سيدتي هم: القايد*...الخليفة...الشيخ...و أربعة مقدمين. شغلهم الشاغل هو إحصاء أنفاس الناس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- * القايد ...الخليفة ... الشيخ ... المقدمين: رجال السلطة و أعوانها.
- السفر إلى سبع عيون شاق، و طويل ، و علينا الانصراف في الحال، إن كنا نحرص على الوصول في رابعة النهار.
قفزت هند من سريرها مذعورة، ثم خرجت، و القلق يؤجج في عقلها الأسئلة. بعد الرجوع من عملها، قررت أن تؤدي صلاة الاستخارة، لعلها تهتدي إلى السر الكامن في هذا التواجد الكثيف للعدد سبعة في حياتها هذه الأيام، و إلى سر ذلك المكان - سبع عيون - ولماذا اختلفت أحجام تلك العيون؟ الأولى كبيرة...الثانية أصغر... الثالثة تقل حجما عن الثانية...و العيون المتبقية هي الأصغر لكنها أكثر جحوظا.
في الحقيقة،ليست هند غريبة عن أجواء العدد سبعة. عاشت ردحا طويلا من عمرها، بين أحضان طقوسه المترعة بالأحلام، و الابتهالات والأحزان.في قريتها القريبة جدا من قرى القرون الغابرة. فتحت عينيها،و عقلها ،و قلبها على - سبع رواضي – تلك المقابر السبع المسكونة بالأرواح، و بسبعة ضمان يضمنون الناس عند ربهم في الدنيا، و الآخرة. تنهدت تنهيدة حارة،مصحوبة بكلمات مغلفة بعواطف مبهمة:
- آه يا سبع رواضى. يا بنك الوجع. لكل قروي فيك حساب جار من الألم...رصيد كبير من الابتهالات، و الخيبات. تحت ثراك ينام رميم أجدادنا،و قد أسبغ عليها العدد سبعة كراماته، فصارت لها مكانة في العقول، و القلوب. يا لغرابة هذا العدد. يحف بنا كالهواء من كل الجهات. يندس في ثنايا حياتنا... يتسرب إلى معتقداتنا... يضفي على أوهامنا،و خرافاتنا قداسة لا تقهر.
ثم يأتيها صوت زوجة أبيها مفعما بالحيوية، و الرهبة،و هي تردد الحكاية نفسها:
- سبع رواضى، رحاب طاهرة. كلما عز المطر، وعطش الزرع، و جف الضرع. وقف جدي القديم، في الغسق بين القبور،مبتهلا متضرعا،فتنزل من السماء خيمة عظيمة، ينصبها الناس للأكــل، و طلب الغيث، و ما يكاد النهار ينتصف إلا و المطر يهطل مدرارا، و شآبيب الرحمة تبهج الناس، وتبلل ثيابهم و قلوبهم.
تستطيع زوجة أبيها التحدث بثقة كبيرة. أما هي فذكرياتها مع كل شيء مقرون بالعدد سبعة موسومة بالحزن، و الوجع.و قصتها مع "سبع رواضي" كانت مؤلمة. سيظل ألمها يعتصر قلبها إلى الأبد، وكلما سنحت لها الفرصة حكتها بحسرة عميقة:
- يوم مشؤوم. كانت فيه الأرض و كأنها تريد الالتحام بالشمس، التي صارت فوق هاماتنا. تصهر أمخاخنا، و نقي عظامنا. خلت أزقة القرية الضيقة من البشر، و البهائم، و الطير. لتحتلها حمم الشمس الحارقة، و الظلال الرابضة أمام البنايات، و الأشجار كحيوانات سقيمة. ابتلعت جميع الكائنات أصواتها،باستثناء جداجد احتمت بجحورها، و طفقت تضغط على الأعصاب بأزيزها المسترسل.
في ذلك اليوم ، تبين لمحمد ، حبي الأول، و الأخير. أن العوم في النهر وحده القادر على التخفيف من غلواء هذا الحر. ظل يسبح حتى دنت الشمس من المغيب. اقترب من ملابسه. كانت هناك تتربص به،أفعى ضخمة نفثت سمها في جسمه. نزل الخبر على قلبي كالصاعقة. صعدت التل، الذي تستريح على سفحه المقابر السبع. ابتهلت ابتهالا حارا، بعينين دامعتين. قربت ذبيحة سمينة. تركتها هناك للأرواح، و سبعة ضمان. لكنهم قابلوا تضرعي، و ابتهالي بخذلان كبير. دفن عمي ابنه في فناء بيته. و دفن معه قلبي، و رغبتي في الزواج إلى الأبد.
أيمكن لخيباتها المتكررة مع هذا العدد، أن تقلل من هيبته في قلبها؟بالطبع لا. مازال يفتنها. و إن لم يكن كما في السابق، فقد ظل قابعا في دواخلها.
وصلت هند إلى مقر عملها، و هي غارقة في التفكير. جلست خلف مكتبها متعبة. فجأة، دخلت المكتب فتاة في مقتبل العمر.توجهت صوب زميلة هند في العمل. قبلت رأسها،ثم يديها.أدركت هند أنها أيضا ابنة أخرى لصاحبتها.عندما انصرفت، و تحت تأثير المفاجأة سألتها هند.
- أليس عندك أولاد...أعني الذكور؟
دوى السؤال في مسامع صديقتها دويا قويا، و بدا عليها ارتباك ملحوظ. نظرت إلى هند بحزن، وطفق الكلام يتدفق من فمها بحرقة بالغة:
- فتحتِ البعبع لينفلت منه ماردُ الذكريات الأليمةِ. كل ذريتي بنات.لا أعترض على ذلك.أحبهن جميعهن. لكن حماتي تريد ذكرا لضمان استمرار نسل العائلة، و زوجي يريده ليقيمَ الدليلَ على كمال فحولته.
لم أستطع أن أفهم، كيف يتعايش الرجل مع تناقض فاضح دون حرج. في الفراش يضم المرأة... يقبل يديها...يتوهج جسده... يَبْيَضُّ محياه، وعندما تطل عليه الأنثى من رحم زوجته يسْوَدُ وجهُه.
صرت أصدق الجميع.مرة أعطاني فقيه أعشابا كثيرة. طلب مني أن أخلطَها مع الماء،و أغتسلَ به سبعة أيام متوالية، و ألا أشاركَ السرير مع زوجي إلا في اليوم السابع، لكن الولد لم يأت.
قرت في الأخير،أن أزور أضرحة سبعةِ رجال،بالترتيب الذي نصحَتني به أمي. عندما كنت أغادر الضريح الأول، ارتمى صبي صغير في حضني، و قبلني قبلة حارة،و لما انشغلت بانتعال حذائي اختفى.
لست أدري ما الذي جعلني أعتقد أن الذكر، لا يلد الذكر إلا إذا قذف إلى الأعلى. هل كان الأمر محض صدفة، أم وحيا؟ صرت أعتلي زوجي في السرير،كتجسيد فعلي، و سريع لهذا الاعتقاد. علاوة على أن هذه الوضعية تمنحني إمكانية أن يكون رأسي مرتفعا إلى السماء، مطلا على أضرحة سبعة رجال.و في حالة الهيجان، سالت من عيني دموع حارة. نزلت عبر أخدود صدري. امتزج الماء بالماء. سمعت أحشائي تزغرد، و رأيت جسمي يتوهج ... يتوهج، حتى غشي غرفة النوم نور ساطع يكاد يخطف الأبصار، و في رحم تلك الهالة النورانية، رأيت سبعة أقمار تبتسم لي، ومعهم الولد، الذي قبلني في حضرة الشيخ الأول من شيوخ سبعة رجال.
يوم الولادة، كانت الصدمة عنيفة. هزتنا جميعا. رفض زوجي أن يتقبل الأمر. صاح في وجهي:
- رحمك وكر ملعون، لا يلد إلا النحس. ما أقسى هذا اللقب على قلب
( أبو البنات)
طلقني زوجي مع بناتي . كان الأمر صعبا. معه أدركت متأخرة، أن الأجدر بالابتهالات،و التضرعات هي السماء و من لاذ بغيرها، أنزلت به عقابا ماكرا. توهمه بالأمل... تتعلق به الروح ... يتشبث به القلب، ثم تنزل العقاب المفجع. من تمسح بغير السماء، ظل هدفا دائما لسهام القدر.ما أعطت السماء هو الأبقى... هو الأصلح، و ما وعدت به الأضرحة مجرد سراب.
كانت كل كلمة من كلمات زميلتها تنفجر في القاعة كقنبلة صوتية تمزق طبلة أذنيها. بالكاد حملتها رجلاها. ألقت بنفسها داخل سيارتها، و قررت السفر بعيدا، دون أن تحدد وجهة لسفرها.
ضغطت على المكبح، حتى أنَّت الطريقُ تحت العجلات. كانت هناك إشارةٌ طرقيةٌ. مسحت الزجاج الأمامي، و من خلفه قرأت "سبع عيون"لم تصدق عينيها.كانت الإشارة تشير إلى الجهة التي تهب منها ريح سموم تحرق البشرة، و تحمل معها غبارا كثيفا يحجب النظر. التفتت يمنة،و يسرة.لا أحد تسأله.كانت هناك فقط طريق تمتد على طول البصر، في منعرجات حادة:
- أي بركة كامنة في هذا العدد الغريب، كل ما ينسب إليه حقيقي.كنت أعلم في قرارة نفسي، أن هذا المكان موجود، و أنا الآن، لا أشك في رونقه،وجماله. و ما يمكن لعيون سبع أن تسبغه عليه من خير و بركات. خاصة تلك العين الكبيرة. لابد أنها ستكون غزيرة عذبة.
انطلقت تقود سيارتها في تلك الطريق. ما أن وصلت إلى المكان المنشود، حتى انتهى حماسها، و قفت مشدوهة. لم تصدق ما تراه عيناها. كل الأحلام الوردية التي رسمتها حول هذا المكان تبددت في لمح البصر. هل تكون هذه الخيبة الأخرى،الحد الفاصل بينها، و بين البركات المزعومة لهذا العدد، أم أن افتتانها بكراماته، أكبر من أن ينغصها أي شيء.
لم تجد الكلمات المناسبة لتصف بؤس ذلك المكان، الذي امتد أمامها قفرا... يبابا. و الناس يركضون خلف البهائم المحملة بالبراميل ليقطعوا مسافات طويلة من أجل قطرة ماء عكرة. استوقفت هند أحدهم، و سألته.
- أين توجد العيون السبع؟ و خاصة تلك العين الكبيرة.
- لا أظنك تودين معرفة ذلك. و في ماذا يمكن أن يفيدك الأمر؟
ألحت عليه، و أخربته أن الأمر مهم جدا، وعليه ستبني مواقف كثيرة.
- العيون السبع يا سيدتي هم: القايد*...الخليفة...الشيخ...و أربعة مقدمين. شغلهم الشاغل هو إحصاء أنفاس الناس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- * القايد ...الخليفة ... الشيخ ... المقدمين: رجال السلطة و أعوانها.