ارتبط الفكر الصوفي في جوهره بالرمز واللغة الرمزية، تأسيساً على ثنائية الظاهر والباطن، ومن حيث اختص العرفان الصوفي بالمعرفة الباطنية، التي تتجاوز حدود مظاهر الأشياء باتجاه سبر أغوار أعماقها، وصولاً المعرفة الكامنة، وهي المعرفة التي لا يعبر عنها إلا بالرمز، عدا ذلك فإن كل معرفة هي سطحية وظاهرية.
تفرض الطبيعة الرمزية للمعرفة الباطنية اللجوء إلى التأويل، كوسيلة لتحري المعاني الممكنة والمحتملة، وبالتالي فإن التأويل ليس إلا محاولة للعبور من ظاهر المعرفة الى باطنها، أو من المعنى الثالث أو الثاني إلى المعنى الأول، والذي يمكن أن يكون هو الحقيقة أو الطريق إليها.
بيد إن التنقل من الظاهر إلى الباطن لا يعني أبداً سطحية الأول وعمق الثاني، وسهولة إدراك الأول وصعوبة في الثاني، فليس هذا هو المراد، بل الظاهر لا يخلو من صعوبة الإدراك ولا يخلو من رمزية، لأنه - حسب الاعتقاد الصوفي- يعبر عن الاسم الإلهي كما يعبر الباطن عن اسم الهي آخر يقابله على نحو من طراز (الظاهر، الباطن)، وفي الوقت نفسه يجسد ثاني ثنائي المسألة الأساسية في الفلسفة، والتي لا حل لها إلا بالجمع بينهما.
"الحقيقة في الأسماء"- هذه احدى المقولات التي رسخت في ذهني، ولا أستطيع أن أحيلها الى مصدر أو أن أنسبها الى نفسي، لأنها في حقيقة الأمر مما توصلت إليه عبر التجربة العرفانية التأملية، إنها تماماً تشبه في معناها ومغزاها المقولة الصوفية الشهيرة لأحد العارفين: "ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله معه"، نفس الأمر مع مقولة الفيلسوف "سبينوزا" القائمة على استخدامه للمنهج الهندسي في عرض أفكاره الفلسفية، والتي تقول: "الله = الطبيعة"!!.
المتأمل في هذه المقولات الثلاث يجد رتماً دلالياً يشير الى تقابل أكثر منه تطابق، إنه تقابل ثنائي لوجهي اكتمال المعرفة الباطنية بالحقيقة، الأمر نفسه سيفضي بنا الى نفس النتيجة لو أننا استخدمنا لغة الرياضيات أو لغة الفيزياء الكونية، وهو الأمر الذي يعيدنا الى جذر عميق من جذور المعرفة، وهو الجذر اللغوي، من حيث أننا نستخدم اللغة في التعبير عن حقائق الأشياء كما تبدو لنا، والأسماء في الأساس ما هي الا وحدات لغوية، يمكن تفريدها أو تفكيكها الى وحدات دقيقة على نحو (حرف/ صوت)، مع الأخذ بالاعتبار الفارق بين الحرف والصوت، تماماً كما نقول أن (ألف) حرف وصوته (آآآآآ)، والحقيقة أن الحرف والصوت ليسا إلا منطوقين لاسم (الألف)، فالحروف في أصلها وجوهرها أسماء، لذا يمكن الآن تصور كيف أن صوت الألف يتحرك في فضاء المعاني اللغوية بسلوك مشابه لسلوكه في الفضاء الفيزيائي، مع مراعاة اختلاف الوسط البيئي أو المجال.
يستطيع علم الفيزياء أن يشرح لنا سلوك الصوت في الفضاء المادي- السمعي، لكنه لا يستطيع أن يجد فروقاً في الأصوات من حيث افرادها أو تركيبها أو تنغيمها، لكننا في فضاء المعنى اللغوي- السمعي، نستطيع بكفاءة عالية أن نفرق بين الأصوات لكن دون أن ندرك سلوكها الحركي كيف يكون، ومن ثم فإن الأمر يحتاج الى تلك المقابلة التي أشرت إليها آنفاً.
ننتقل الى مستوى رمزي آخر، وهو الفضاء الكتابي، حينما يتم تحويل الأصوات الى نماذج مرئية، إنها رموز للأصوات وليست الأصوات ذاتها، ولكن ما الذي يقابل التنغيم الصوتي والحركة الفيزيائية في هذا المجال؟- إننا نتحدث عن رموز مرئية تدركها عقولنا بالطريقة التي جرى بها تعليمنا كيف نرسم الألف والباء وسائر الحروف على ورقة بيضاء أو سبورة سوداء.
إذن، فما ندركه بالعادة لا يكون مما توصلنا إليه أصالة بأنفسنا، وإنما هو مما تم تلقيننا إياه، وهنا يأتي دور المعرفة الذاتية أو الفهم الذاتي، الذي يتطلبه المرء لنفسه، تماماً كأن يقول الانسان لنفسه: يجب أن أصل الى معنى وتفسير آخر غير الذي تعلمته في المدرسة لحرف الألف أو اسم الألف، كما أن بإمكاني مراقبة حركة الصوت الموجية وسماعه وتمييزه وكتابته ورسمه.
ببساطة، فإن هذا النوع من التفكير هو بداية الدخول في معترك البحث العرفاني الباطني.
قادتني احدى جولاتي البحثية الى طرح مفاهيم مغايرة لتعبيرات من نوع: "هندسة المعرفة" "هندسة التفكير"، حيث تنقسم كل واحدة من هاتين العبارتين الى نصفين، تتفقان في النصف الذي هو كلمة (هندسة) وتختلفان في النصف الآخر بين (معرفة وفكر)، ولكن هل هذا الاختلاف حقيقي؟!- في الحقيقة انه اختلاف ظاهري، لأن المعرفة والفكر هما وجهان أو تعبيران متغايران لشيء واحد، فما كان لي أن أصل الى معرفة بدون فكر، وبدون معرفة موجودة أساساً يستحيل أن أفكر، الأمر نفسه ينطبق على اللغة، إذ يستحيل على الاطلاق أن يفكر الانسان أو أن يصل الى معرفة مهما كانت تافهة، في حال فقد القدرة على اكتساب اللغة، ففي هذه الحالة يبدو الحال مثلما أنك تتوقع من ورقة بيضاء لا شيء فيها أن تكتب على نفسها بنفسها، هذا مستحيل ولن يحدث اطلاقاً.
أين تكمن المشاكل بالضبط؟!
سأقول مجدداً أنها تكمن في عدة جوانب منها في المعرفة المسبقة وأيضاً في اللامعرفة المسبقة، والتي تدفعنا الى فهم الأمور وتفسيرها على نحو نمطي حافل بالجمود، في حين أننا – لو تمعنا جيداً- نستخدم الكلمة نفسها في سياقات متعددة ومتباينة، ليكون لها معاني ودلالات أخرى غير التي يخبرنا بها النمط المعجمي.. فدلالة الكلمات والأصوات تختلف من سياق الى آخر ومن متلقي الى متلقي آخر، إذ لا يتوقع أحد هنا أن يدرك طفل في السادسة من العمر المعنى الذي يدركه شاب في العشرينات لكلمة (كيمياء)..
نعم، فالأمر يتوقف هنا على المعرفة المسبقة أو اللامعرفة المسبقة كما قلت.
ثم أن هناك مكمن آخر للمشكلة، انه التأويل، فحين يكون شخصان في حوار ويدخل عليهما شخص ثالث في اللحظة التي يقول فيها أحدهما لصاحبه: "حسناً سأفعل"؟!
إننا لنتساءل: ما الذي يمكن أن يفهمه الشخص الثالث من هذه العبارة؟!- بالطبع هناك الكثير والكثير من المعاني التي يستطيع أن تؤول إليها عبارة "حسناً، سأفعل".. لكن مع كل تلك المعاني اللامنتهية التي يمكن وضعها في دائرة الاحتمال بأنها هي نفسها ما قصده ذلك الشخص الذي قالها، فإنه ما من سبيل الى اعطاء أي احتمال منها نسبة ترجيح بأنه الأقرب الى المقصد الفعلي أو الحقيقة.
وبالطبع فإن هذا المثال قابل للتطوير بإضافة افتراضات معينة، كأن نقول أن الشخص الثالث يعرف الشخصين المتحاورين، ولديه معرفة واسعة بما يمكن أن يشغلهما ويتكلمان عنه معاً.. أو أن نذكر في سياق ايراد الحادثة أن الشخص الذي قال تلك العبارة يرتدي ملابس متواضعة وكان واقفاً، بينما الآخر كان يرتدي ملابس فاخرة ويجلس على كرسيه بثقة، هنا يبدو المشهد بين رئيس ألقى أوامره ومرؤوس يخفض جناح الطاعة لرئيسه، وعندما دخل الشخص الثالث، سمع ذلك الرجل الواقف وهو يقول: "حسناً، سأفعل"..
وهكذا، فإنه وبوضع افتراضات اكثر واكثر تتعقد المسألة أكثر وأكثر.. ولا نعرف بالضبط ماذا كانت تعني تلك العبارة بالنسبة لقائلها ومن وجهت إليه..
أنظروا، إنها مجرد عبارة صغيرة في موقف صغير..!!
وإذن، كيف نتوقع أن يكون الأمر بالنسبة لمحتوى كتاب من (300) صفحة لو أننا تعاملنا معه وفق هذا النوع من التفكير؟!- ثم كيف كان سيكون حالنا لو لم نخترع الرموز التي نتعلم بها الرياضيات؟!- وكيف كان الأمر سيكون لو لم يكن لدينا رموز كتابية للأبجدية؟!
هذه الأسئلة تفسر لنا بشكل مباشر لماذا احتجنا دائماً الى الرموز والتعبير الرمزي.
والسؤال الذي لا يزال مطروحاً هو: إذا كانت تعددية المقاصد واقع حقيقي، فكيف نصل الى أعمق الدلالات وأقرب المعارف الى الحقيقة فيما وراء السطور والكلمات والمعاني القاموسية؟
والجواب هو (هندسة التفكير): العمل على تطوير نموذج متقدم للبحث والتأمل باستخدام وسائل ومداخل غير تقليدية وغير اعتيادية يمكن استخدامها في عملية التفكير.
الحقيقة أنه يمكن ابتكار أو الاهتداء الى نماذج كثيرة متقدمة، فما دراسة الفيزياء والتعمق في الدرس اللساني وكذا التأمل الصوفي.. والفلسفة والتدين وغيرها إلا نماذج مصممة لمثل هذا الغرض لا أكثر..!!
ختاماً، يمكننا القول بأننا خدشنا قشرة البيضة..!!
- منقول للفائدة عن alantologia.co
تفرض الطبيعة الرمزية للمعرفة الباطنية اللجوء إلى التأويل، كوسيلة لتحري المعاني الممكنة والمحتملة، وبالتالي فإن التأويل ليس إلا محاولة للعبور من ظاهر المعرفة الى باطنها، أو من المعنى الثالث أو الثاني إلى المعنى الأول، والذي يمكن أن يكون هو الحقيقة أو الطريق إليها.
بيد إن التنقل من الظاهر إلى الباطن لا يعني أبداً سطحية الأول وعمق الثاني، وسهولة إدراك الأول وصعوبة في الثاني، فليس هذا هو المراد، بل الظاهر لا يخلو من صعوبة الإدراك ولا يخلو من رمزية، لأنه - حسب الاعتقاد الصوفي- يعبر عن الاسم الإلهي كما يعبر الباطن عن اسم الهي آخر يقابله على نحو من طراز (الظاهر، الباطن)، وفي الوقت نفسه يجسد ثاني ثنائي المسألة الأساسية في الفلسفة، والتي لا حل لها إلا بالجمع بينهما.
"الحقيقة في الأسماء"- هذه احدى المقولات التي رسخت في ذهني، ولا أستطيع أن أحيلها الى مصدر أو أن أنسبها الى نفسي، لأنها في حقيقة الأمر مما توصلت إليه عبر التجربة العرفانية التأملية، إنها تماماً تشبه في معناها ومغزاها المقولة الصوفية الشهيرة لأحد العارفين: "ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله معه"، نفس الأمر مع مقولة الفيلسوف "سبينوزا" القائمة على استخدامه للمنهج الهندسي في عرض أفكاره الفلسفية، والتي تقول: "الله = الطبيعة"!!.
المتأمل في هذه المقولات الثلاث يجد رتماً دلالياً يشير الى تقابل أكثر منه تطابق، إنه تقابل ثنائي لوجهي اكتمال المعرفة الباطنية بالحقيقة، الأمر نفسه سيفضي بنا الى نفس النتيجة لو أننا استخدمنا لغة الرياضيات أو لغة الفيزياء الكونية، وهو الأمر الذي يعيدنا الى جذر عميق من جذور المعرفة، وهو الجذر اللغوي، من حيث أننا نستخدم اللغة في التعبير عن حقائق الأشياء كما تبدو لنا، والأسماء في الأساس ما هي الا وحدات لغوية، يمكن تفريدها أو تفكيكها الى وحدات دقيقة على نحو (حرف/ صوت)، مع الأخذ بالاعتبار الفارق بين الحرف والصوت، تماماً كما نقول أن (ألف) حرف وصوته (آآآآآ)، والحقيقة أن الحرف والصوت ليسا إلا منطوقين لاسم (الألف)، فالحروف في أصلها وجوهرها أسماء، لذا يمكن الآن تصور كيف أن صوت الألف يتحرك في فضاء المعاني اللغوية بسلوك مشابه لسلوكه في الفضاء الفيزيائي، مع مراعاة اختلاف الوسط البيئي أو المجال.
يستطيع علم الفيزياء أن يشرح لنا سلوك الصوت في الفضاء المادي- السمعي، لكنه لا يستطيع أن يجد فروقاً في الأصوات من حيث افرادها أو تركيبها أو تنغيمها، لكننا في فضاء المعنى اللغوي- السمعي، نستطيع بكفاءة عالية أن نفرق بين الأصوات لكن دون أن ندرك سلوكها الحركي كيف يكون، ومن ثم فإن الأمر يحتاج الى تلك المقابلة التي أشرت إليها آنفاً.
ننتقل الى مستوى رمزي آخر، وهو الفضاء الكتابي، حينما يتم تحويل الأصوات الى نماذج مرئية، إنها رموز للأصوات وليست الأصوات ذاتها، ولكن ما الذي يقابل التنغيم الصوتي والحركة الفيزيائية في هذا المجال؟- إننا نتحدث عن رموز مرئية تدركها عقولنا بالطريقة التي جرى بها تعليمنا كيف نرسم الألف والباء وسائر الحروف على ورقة بيضاء أو سبورة سوداء.
إذن، فما ندركه بالعادة لا يكون مما توصلنا إليه أصالة بأنفسنا، وإنما هو مما تم تلقيننا إياه، وهنا يأتي دور المعرفة الذاتية أو الفهم الذاتي، الذي يتطلبه المرء لنفسه، تماماً كأن يقول الانسان لنفسه: يجب أن أصل الى معنى وتفسير آخر غير الذي تعلمته في المدرسة لحرف الألف أو اسم الألف، كما أن بإمكاني مراقبة حركة الصوت الموجية وسماعه وتمييزه وكتابته ورسمه.
ببساطة، فإن هذا النوع من التفكير هو بداية الدخول في معترك البحث العرفاني الباطني.
قادتني احدى جولاتي البحثية الى طرح مفاهيم مغايرة لتعبيرات من نوع: "هندسة المعرفة" "هندسة التفكير"، حيث تنقسم كل واحدة من هاتين العبارتين الى نصفين، تتفقان في النصف الذي هو كلمة (هندسة) وتختلفان في النصف الآخر بين (معرفة وفكر)، ولكن هل هذا الاختلاف حقيقي؟!- في الحقيقة انه اختلاف ظاهري، لأن المعرفة والفكر هما وجهان أو تعبيران متغايران لشيء واحد، فما كان لي أن أصل الى معرفة بدون فكر، وبدون معرفة موجودة أساساً يستحيل أن أفكر، الأمر نفسه ينطبق على اللغة، إذ يستحيل على الاطلاق أن يفكر الانسان أو أن يصل الى معرفة مهما كانت تافهة، في حال فقد القدرة على اكتساب اللغة، ففي هذه الحالة يبدو الحال مثلما أنك تتوقع من ورقة بيضاء لا شيء فيها أن تكتب على نفسها بنفسها، هذا مستحيل ولن يحدث اطلاقاً.
أين تكمن المشاكل بالضبط؟!
سأقول مجدداً أنها تكمن في عدة جوانب منها في المعرفة المسبقة وأيضاً في اللامعرفة المسبقة، والتي تدفعنا الى فهم الأمور وتفسيرها على نحو نمطي حافل بالجمود، في حين أننا – لو تمعنا جيداً- نستخدم الكلمة نفسها في سياقات متعددة ومتباينة، ليكون لها معاني ودلالات أخرى غير التي يخبرنا بها النمط المعجمي.. فدلالة الكلمات والأصوات تختلف من سياق الى آخر ومن متلقي الى متلقي آخر، إذ لا يتوقع أحد هنا أن يدرك طفل في السادسة من العمر المعنى الذي يدركه شاب في العشرينات لكلمة (كيمياء)..
نعم، فالأمر يتوقف هنا على المعرفة المسبقة أو اللامعرفة المسبقة كما قلت.
ثم أن هناك مكمن آخر للمشكلة، انه التأويل، فحين يكون شخصان في حوار ويدخل عليهما شخص ثالث في اللحظة التي يقول فيها أحدهما لصاحبه: "حسناً سأفعل"؟!
إننا لنتساءل: ما الذي يمكن أن يفهمه الشخص الثالث من هذه العبارة؟!- بالطبع هناك الكثير والكثير من المعاني التي يستطيع أن تؤول إليها عبارة "حسناً، سأفعل".. لكن مع كل تلك المعاني اللامنتهية التي يمكن وضعها في دائرة الاحتمال بأنها هي نفسها ما قصده ذلك الشخص الذي قالها، فإنه ما من سبيل الى اعطاء أي احتمال منها نسبة ترجيح بأنه الأقرب الى المقصد الفعلي أو الحقيقة.
وبالطبع فإن هذا المثال قابل للتطوير بإضافة افتراضات معينة، كأن نقول أن الشخص الثالث يعرف الشخصين المتحاورين، ولديه معرفة واسعة بما يمكن أن يشغلهما ويتكلمان عنه معاً.. أو أن نذكر في سياق ايراد الحادثة أن الشخص الذي قال تلك العبارة يرتدي ملابس متواضعة وكان واقفاً، بينما الآخر كان يرتدي ملابس فاخرة ويجلس على كرسيه بثقة، هنا يبدو المشهد بين رئيس ألقى أوامره ومرؤوس يخفض جناح الطاعة لرئيسه، وعندما دخل الشخص الثالث، سمع ذلك الرجل الواقف وهو يقول: "حسناً، سأفعل"..
وهكذا، فإنه وبوضع افتراضات اكثر واكثر تتعقد المسألة أكثر وأكثر.. ولا نعرف بالضبط ماذا كانت تعني تلك العبارة بالنسبة لقائلها ومن وجهت إليه..
أنظروا، إنها مجرد عبارة صغيرة في موقف صغير..!!
وإذن، كيف نتوقع أن يكون الأمر بالنسبة لمحتوى كتاب من (300) صفحة لو أننا تعاملنا معه وفق هذا النوع من التفكير؟!- ثم كيف كان سيكون حالنا لو لم نخترع الرموز التي نتعلم بها الرياضيات؟!- وكيف كان الأمر سيكون لو لم يكن لدينا رموز كتابية للأبجدية؟!
هذه الأسئلة تفسر لنا بشكل مباشر لماذا احتجنا دائماً الى الرموز والتعبير الرمزي.
والسؤال الذي لا يزال مطروحاً هو: إذا كانت تعددية المقاصد واقع حقيقي، فكيف نصل الى أعمق الدلالات وأقرب المعارف الى الحقيقة فيما وراء السطور والكلمات والمعاني القاموسية؟
والجواب هو (هندسة التفكير): العمل على تطوير نموذج متقدم للبحث والتأمل باستخدام وسائل ومداخل غير تقليدية وغير اعتيادية يمكن استخدامها في عملية التفكير.
الحقيقة أنه يمكن ابتكار أو الاهتداء الى نماذج كثيرة متقدمة، فما دراسة الفيزياء والتعمق في الدرس اللساني وكذا التأمل الصوفي.. والفلسفة والتدين وغيرها إلا نماذج مصممة لمثل هذا الغرض لا أكثر..!!
ختاماً، يمكننا القول بأننا خدشنا قشرة البيضة..!!
- منقول للفائدة عن alantologia.co