دائما تسبقها الشمس لتجد كل الأماكن مشغولة، الصباحات نوافذ مشرعة على المجهول، والنهايات مفتوحة على بدايات لا معنى لها, العمر مرّ سراعا كخدعة من نوع ما على محطات انتظار بإشارات مبهمة كشواهد قبور فاغرة فاها.
تتنهد اذ تستحضر كما من أسئلة لم تجرؤ على طرحها لسنوات خلت من دون أن يتلعثم الجواب أو تقفز كلمة "عيب" ممطوطة محذرة على طريقة عماد حمدي في أفلام الأسود والأبيض ، فهل الجحيم هو الاخرون ؟. . ولو ان للزمن كرّة اخرى، ترى هل كانت ستختلف الخيارات.. و بالمحصلة الخواتيم .
تطفو على سطح الذاكرة أبيات حفظتها للخيام عن ظهر قلب :
سمعت صوتا هاتفا في السحر \نادى من الغيب غفاة البشر \هبّوا إملؤوا كأس المنى
قبل أن تملأ كأس العمر كفّ القدر \تهمس في سرها: كلنا نولد صفحات بيض نرسم عليها بإصابعنا شموسا وبيوتا وأشجارا بعصافير ملونة تنتهي محنطة على شجرة متخشبة .. كخربشات مشوشة مظللة!
كل يوم تخادع الدرب تمنّي النفس ببراءة طفلة لبست أحلى ثيابها بانتظار العيد ولم يأت العيد، لتصفعها الشمس بحكمتها العارية وهي تبثّها رسائلها المكررة .. القلب قد أضناه عشق الجمال\والصدر قد ضاق بما لا يقال \يا رب هل يرضيك هذا الظمأ\والماء ينساب أمامي زلال..
لتظل تدور و تدور في حلقة مفرغة كماكنة غير مسموح لها بالعطب، تشتتها أعمال لا رابط بينها ومسؤوليات لا نهاية لها بل تنتهي لتبدأ من جديد, فيما العقل سارح بعيدا في محاولة استدراج سعادات صغيرة انطفأت, عبثا تنفخ في رمادها لتبعثها من جديد:فكم توالى الليل بعد النهار\وطال بالأنجم ذاك المدار ..
ها هي تنقّل الخطوة في مسارات خبرتها بامتداداتها الخاملة باستداراتها المراوغة مع ما ترك على جانبيها من بقايا بشر وما سفحوه من اعمارهم او القوا به بلا مبالاة في مكبّات النسيان، تمصمص شفتيها وتردد مع نفسها: ما أكثر ما نرى من دون أن نعي ونردد دون أن نعني حتى نتعثر بالحقيقة الصادمة، الحقيقة التي تخرس ما عداها، التي تفقدنا نعمة جهلنا وبركة براءتنا لتلقي بنا في اتون جحيم تساؤلات لا حصر لها. تند عنها آهة حرّى وهي تستحضر كلماته:لا توحش النفس بخوف الظنون\واهنأ من الحاضر أمن اليقين
- حسنا هذا ما تراه يا خيام، أما نيتشه فيرى أن ليس الشك ما يدفعه الى الجنون وإنما اليقين .
ولكن ما اليقين؟ تلوح ابتسامة ساخرة على زاوية فمها كعادتها كلما همت ببث غبار اسئلة تبدو للوهلة الاولى بلا اجوبة، ثم وهي تمطّ شفتيها قائلة:
-لعله الموت.. الحقيقة الوحيدة التي لا يخالطها شك، أما الحياة فهي الجانب المرئي الملموس منها.. تلك التي تجري من أمامها وتلوّح لها بمسراتها فيما هي مسمّرة مكانها كمسمار صدئ، حيث اختارت التوقف عند محطة بعينها ذات كثبان رملية متحركة تخالطها سرابات خادعة ارتضت زمنا تصديقها، فنحن الذين نختار مصائرنا وإن ادعينا العكس، الخطأ خطؤها منذ البداية اذ حبست نفسها داخل حدودها المفترضة لتعيش سباتا ارتضوه لها، والحق ان ما كان يشلّ حركتها لم يكن اكثر من خيوط العنكبوت الواهية، كانت تنقصها دوما الشجاعة التي تقود الى اعماق الاشياء, التي توجه جناحيها للرفرفة والتحليق فوق الاسوار والأسلاك الشائكة.
اختارت التوقف عند كثبان الرمال.. والرمل غدى اصفر نعجنه بأيدينا نبتني منه قصورا نشقى بهشاشتها وتخنقنا بغبارها.. قصورا تذروها الرياح قذى يجرح حدقات العيون فتنغلق عليها مغرورقة بالدم، هي نفسها استحالت امرأة من رمال تنحتها الريح على هواها لتهدم وتشكل فيها كما تشاء.
ادركت لاحقا ان الخوف هو ما كان عليها ان تخشاه وان التغيير هو ديدن الحياة وكل ما عداه في الدنيا الى .. زوال، لذا ليس مستغربا ان تجد نفسها بل طمأنينتها في حضرته، ففي حضرة الزوال الكل سواء، الاموات والاحياء وفي مجلسه تتشابه الوجوه على نحو مريب حيث تطوف صواني الحزن مضمّخة بضوع القهوة ومرارة الرحيل، رحيل متتابع لا يعير شيئا أو احدا التفاتا، هنا يلتقي البشر ليعزّوا انفسهم ويرثوها ويترحموا عليها بعد ان تدوسهم سرفات الدهر ونوائبه، فالمصائب طرقات القدر على ابوابنا المتهالكة، صفعاته التي توقظنا من سبات لترينا الوجه الآخر للقمر وحقيقته بلا رتوش او نيونات ساطعة تغشي الأبصار .. تلقننا الحكمة كأفضل معلم لنعيد برمجة عقولنا وولادة انفسنا عبر مخاضات نزيف واحتراق فنصحح المسار ونعيد النظر على وفق قوانينها الصارمة,
و هي اصابع الديناميت تنفجر في مناجم الذهب استخلاصا لعروقه النفيسة الباهرة، يستخرجها المنقبون من وسط أكوام الغبار والحجارة.
هناك اعتادت ان تتخذ لها مجلسا بين نسوة لا تكاد تقاطيعهن تبين من بين اكداس السواد, يرددن الصلوات.. يتمتمن بدعوات مبهمة وهن يحتضن صغارا مذعورين بأصابع معروقة وسلاميات متورمة أدمنت الصبر والتعلق بشبابيك الاضرحة, تفيض عيونهن بالدمع مع كل "السلام عليكم ..البقاء لله " وهن يتناجين أو يصغين الى صوت المقرئ يتلو آيات من الذكر الحكيم.. وهن يتوادعن بعد أن يقرأن سورة الفاتحة على من رحل بعيدا خلف سدم الغيب بغير وداع ..وحين تعلو حناجر الرجال بالتكبير وهم يرفعون نعوشا صامتة مهيبة يوارونها الثرى حيث لا سيد ولا مســود فقد تساوى في الثرى راحل غدا.. و ماض من الوف السنين فتهمس في سرها : يا عالم الاسرار علم اليقين\يا كاشف الضر عن البائسين \يا قابل الاعذار عدنا الى ظلك\فاقبل توبة التائبين .
تتنهد اذ تستحضر كما من أسئلة لم تجرؤ على طرحها لسنوات خلت من دون أن يتلعثم الجواب أو تقفز كلمة "عيب" ممطوطة محذرة على طريقة عماد حمدي في أفلام الأسود والأبيض ، فهل الجحيم هو الاخرون ؟. . ولو ان للزمن كرّة اخرى، ترى هل كانت ستختلف الخيارات.. و بالمحصلة الخواتيم .
تطفو على سطح الذاكرة أبيات حفظتها للخيام عن ظهر قلب :
سمعت صوتا هاتفا في السحر \نادى من الغيب غفاة البشر \هبّوا إملؤوا كأس المنى
قبل أن تملأ كأس العمر كفّ القدر \تهمس في سرها: كلنا نولد صفحات بيض نرسم عليها بإصابعنا شموسا وبيوتا وأشجارا بعصافير ملونة تنتهي محنطة على شجرة متخشبة .. كخربشات مشوشة مظللة!
كل يوم تخادع الدرب تمنّي النفس ببراءة طفلة لبست أحلى ثيابها بانتظار العيد ولم يأت العيد، لتصفعها الشمس بحكمتها العارية وهي تبثّها رسائلها المكررة .. القلب قد أضناه عشق الجمال\والصدر قد ضاق بما لا يقال \يا رب هل يرضيك هذا الظمأ\والماء ينساب أمامي زلال..
لتظل تدور و تدور في حلقة مفرغة كماكنة غير مسموح لها بالعطب، تشتتها أعمال لا رابط بينها ومسؤوليات لا نهاية لها بل تنتهي لتبدأ من جديد, فيما العقل سارح بعيدا في محاولة استدراج سعادات صغيرة انطفأت, عبثا تنفخ في رمادها لتبعثها من جديد:فكم توالى الليل بعد النهار\وطال بالأنجم ذاك المدار ..
ها هي تنقّل الخطوة في مسارات خبرتها بامتداداتها الخاملة باستداراتها المراوغة مع ما ترك على جانبيها من بقايا بشر وما سفحوه من اعمارهم او القوا به بلا مبالاة في مكبّات النسيان، تمصمص شفتيها وتردد مع نفسها: ما أكثر ما نرى من دون أن نعي ونردد دون أن نعني حتى نتعثر بالحقيقة الصادمة، الحقيقة التي تخرس ما عداها، التي تفقدنا نعمة جهلنا وبركة براءتنا لتلقي بنا في اتون جحيم تساؤلات لا حصر لها. تند عنها آهة حرّى وهي تستحضر كلماته:لا توحش النفس بخوف الظنون\واهنأ من الحاضر أمن اليقين
- حسنا هذا ما تراه يا خيام، أما نيتشه فيرى أن ليس الشك ما يدفعه الى الجنون وإنما اليقين .
ولكن ما اليقين؟ تلوح ابتسامة ساخرة على زاوية فمها كعادتها كلما همت ببث غبار اسئلة تبدو للوهلة الاولى بلا اجوبة، ثم وهي تمطّ شفتيها قائلة:
-لعله الموت.. الحقيقة الوحيدة التي لا يخالطها شك، أما الحياة فهي الجانب المرئي الملموس منها.. تلك التي تجري من أمامها وتلوّح لها بمسراتها فيما هي مسمّرة مكانها كمسمار صدئ، حيث اختارت التوقف عند محطة بعينها ذات كثبان رملية متحركة تخالطها سرابات خادعة ارتضت زمنا تصديقها، فنحن الذين نختار مصائرنا وإن ادعينا العكس، الخطأ خطؤها منذ البداية اذ حبست نفسها داخل حدودها المفترضة لتعيش سباتا ارتضوه لها، والحق ان ما كان يشلّ حركتها لم يكن اكثر من خيوط العنكبوت الواهية، كانت تنقصها دوما الشجاعة التي تقود الى اعماق الاشياء, التي توجه جناحيها للرفرفة والتحليق فوق الاسوار والأسلاك الشائكة.
اختارت التوقف عند كثبان الرمال.. والرمل غدى اصفر نعجنه بأيدينا نبتني منه قصورا نشقى بهشاشتها وتخنقنا بغبارها.. قصورا تذروها الرياح قذى يجرح حدقات العيون فتنغلق عليها مغرورقة بالدم، هي نفسها استحالت امرأة من رمال تنحتها الريح على هواها لتهدم وتشكل فيها كما تشاء.
ادركت لاحقا ان الخوف هو ما كان عليها ان تخشاه وان التغيير هو ديدن الحياة وكل ما عداه في الدنيا الى .. زوال، لذا ليس مستغربا ان تجد نفسها بل طمأنينتها في حضرته، ففي حضرة الزوال الكل سواء، الاموات والاحياء وفي مجلسه تتشابه الوجوه على نحو مريب حيث تطوف صواني الحزن مضمّخة بضوع القهوة ومرارة الرحيل، رحيل متتابع لا يعير شيئا أو احدا التفاتا، هنا يلتقي البشر ليعزّوا انفسهم ويرثوها ويترحموا عليها بعد ان تدوسهم سرفات الدهر ونوائبه، فالمصائب طرقات القدر على ابوابنا المتهالكة، صفعاته التي توقظنا من سبات لترينا الوجه الآخر للقمر وحقيقته بلا رتوش او نيونات ساطعة تغشي الأبصار .. تلقننا الحكمة كأفضل معلم لنعيد برمجة عقولنا وولادة انفسنا عبر مخاضات نزيف واحتراق فنصحح المسار ونعيد النظر على وفق قوانينها الصارمة,
و هي اصابع الديناميت تنفجر في مناجم الذهب استخلاصا لعروقه النفيسة الباهرة، يستخرجها المنقبون من وسط أكوام الغبار والحجارة.
هناك اعتادت ان تتخذ لها مجلسا بين نسوة لا تكاد تقاطيعهن تبين من بين اكداس السواد, يرددن الصلوات.. يتمتمن بدعوات مبهمة وهن يحتضن صغارا مذعورين بأصابع معروقة وسلاميات متورمة أدمنت الصبر والتعلق بشبابيك الاضرحة, تفيض عيونهن بالدمع مع كل "السلام عليكم ..البقاء لله " وهن يتناجين أو يصغين الى صوت المقرئ يتلو آيات من الذكر الحكيم.. وهن يتوادعن بعد أن يقرأن سورة الفاتحة على من رحل بعيدا خلف سدم الغيب بغير وداع ..وحين تعلو حناجر الرجال بالتكبير وهم يرفعون نعوشا صامتة مهيبة يوارونها الثرى حيث لا سيد ولا مســود فقد تساوى في الثرى راحل غدا.. و ماض من الوف السنين فتهمس في سرها : يا عالم الاسرار علم اليقين\يا كاشف الضر عن البائسين \يا قابل الاعذار عدنا الى ظلك\فاقبل توبة التائبين .