"يُروى أن أول من كتب الكتاب العربي والسرياني والكتب كلها آدم عليه السلام، قبل موته بثلاثمئة سنة، كتبها في طين وطبخه. فلما أصاب الأرضَ الغرقُ وجد كلُّ قومٍ كتاباً فكتبوه، فأصاب إسماعيل عليه السلام الكتابَ العربي".
يعتمد ابن فارس في كتابه (الصاحبي) قراءته الخاصة لبدايات اللغة العربية على القرآن الكريم، ابتداءً من تعليم آدم الأسماء كلها، وصولاً إلى نزول القرآن الكريم بهذه اللغة، لهذا يؤكد أن لغتنا توقيفية وليست وضعية؛ عكس ما يرى أغلب علماء اللغات القدماء والحديثين. لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أن هذه التوقيفية لم تأتِ مرة واحدة، "بل وقّف الله جلَّ وعزَّ آدم عليه السلام على ما شاء أن يعلمه إياه مما احتاج إلى علمه في زمانه، وانتشر من ذلك ما شاء، ثم علَّم بعد آدم عليه السلام من عرب الأنبياء صلواتُ الله عليهم نبياً نبياً ما شاء أن يعمله، حتى انتهى الأمر إلى نبينا محمد (ص)، فآتاه الله جلَّ وعزَّ من ذلك ما لم يؤته أحداً قبله، تماماً على ما أحسنه من اللغة المتقدمة. ثم قرَّ الأمر قراره فلا نعلم لغة من بعده حدثت".
آراء ابن فارس وغيرها لا تستند؛ في أغلبها، إلا للشفاهية التي عُرف بها العرب على مدى تاريخهم، لكن المدونات والمخطوطات لديها رأي أهم بكثير، فالوثائق تؤكد أن أول ظهور للغة العربية كان في القرن الأول قبل الميلاد، في منطقة الفاو جنوب الحجاز، (إذ وجدت كتابة على قبر يكرس فيه بالصلاة والدعاء ويطلب من اللات وكهل وعشتار بحماية ذلك القبر)، غير أن هذه اللغة كانت مكتوبة بالخط المسند الذي كان مشهوراً في القرن العاشر قبل الميلاد مع ظهور مملكة سبأ، ومن ثمَّ توقف استخدام هذا الخط مع القرن السابع الميلادي حيث كان لظهور العصر الإسلامي أثر كبير في لفت الانتباه للكتابة العربية بلغة قريش. كما أن هناك اعتقاداً آخر بأن الأبجدية العربية ربما تطورت من النبطية أو من السريانية وهو التصور الأضعف.
التحولات التي مرَّت بها الكتابة بالخط العربي كثيرة، ربَّما كان الجاحظ هو الأصوب حين قال إن أول ظهور لهذا الخط كان قبل مئة وخمسين عاماً قبل الإسلام، ومن ثمَّ بدأ التحول الآخر في تنقيط الحروف وظهور الحركات، كل هذا كان بعد العام 22 بعد الهجرة، وهو العام الذي جُمعَ فيه القرآن الكريم.
ربّما لم تكن هذه الآراء لتتداول من جديد دون أن يفجّر مجمع اللغة العربية السعودي بيانه الأخير القاضي بإضافة حرف جديد للغتنا. الحرف الذي ننطقه جميعاً؛ لكن بأصوات مختلفة.
مثلاً، ما زال اسم "(كلكامش)" يلفظ بأصوات تختلف من بلد لآخر، في العراق يلفظ بالكاف الفارسية المعطّشة، وفي تونس يلفظ بالقاف "قلقاميش"، وهكذا بالنسبة للكلمات الأخرى، مثل الإنجليزية وغيرها. لكن هناك كلمات عربية تلفظ بأصوات مختلفة بين شعب وآخر، مثل قاسم الذي يلفظ في أغلب دول الخليج بـ"اسم"، لهذا اقترح المجمع السعودي أن يكون هناك حرف (القيف) وهو حرف له صوت وسط بين القاف والكاف، ويكتب برسم حرف القاف، لكن نقاطه تكون في أسفل الحرف وليس فوقه..
الاعتراضات حتى الآن كثيرة، فالسعوديون قرروا إرسال هذا الأمر لشركات الحاسوب والتقنيات الرقمية، لكن المجمع العلمي المصري ما زال رافضاً إدخال أي حرف جديد، وحجّتهم في ذلك أن هذا الحرف دخيل ولا يوجد في القرآن الكريم.
في العراق لغات عدّة، ولهجات في كل مدينة، فكيف سنقنع ابن مدينة العمارة والموصل والأنبار بأن هناك حرفاً سيضاف، وأن حروفهم الخاصة ستهمل دون أن يكون لها رسم في العوالم الرقمية الجديدة؟
* نقلا عن جريدة الصباح
يعتمد ابن فارس في كتابه (الصاحبي) قراءته الخاصة لبدايات اللغة العربية على القرآن الكريم، ابتداءً من تعليم آدم الأسماء كلها، وصولاً إلى نزول القرآن الكريم بهذه اللغة، لهذا يؤكد أن لغتنا توقيفية وليست وضعية؛ عكس ما يرى أغلب علماء اللغات القدماء والحديثين. لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أن هذه التوقيفية لم تأتِ مرة واحدة، "بل وقّف الله جلَّ وعزَّ آدم عليه السلام على ما شاء أن يعلمه إياه مما احتاج إلى علمه في زمانه، وانتشر من ذلك ما شاء، ثم علَّم بعد آدم عليه السلام من عرب الأنبياء صلواتُ الله عليهم نبياً نبياً ما شاء أن يعمله، حتى انتهى الأمر إلى نبينا محمد (ص)، فآتاه الله جلَّ وعزَّ من ذلك ما لم يؤته أحداً قبله، تماماً على ما أحسنه من اللغة المتقدمة. ثم قرَّ الأمر قراره فلا نعلم لغة من بعده حدثت".
آراء ابن فارس وغيرها لا تستند؛ في أغلبها، إلا للشفاهية التي عُرف بها العرب على مدى تاريخهم، لكن المدونات والمخطوطات لديها رأي أهم بكثير، فالوثائق تؤكد أن أول ظهور للغة العربية كان في القرن الأول قبل الميلاد، في منطقة الفاو جنوب الحجاز، (إذ وجدت كتابة على قبر يكرس فيه بالصلاة والدعاء ويطلب من اللات وكهل وعشتار بحماية ذلك القبر)، غير أن هذه اللغة كانت مكتوبة بالخط المسند الذي كان مشهوراً في القرن العاشر قبل الميلاد مع ظهور مملكة سبأ، ومن ثمَّ توقف استخدام هذا الخط مع القرن السابع الميلادي حيث كان لظهور العصر الإسلامي أثر كبير في لفت الانتباه للكتابة العربية بلغة قريش. كما أن هناك اعتقاداً آخر بأن الأبجدية العربية ربما تطورت من النبطية أو من السريانية وهو التصور الأضعف.
التحولات التي مرَّت بها الكتابة بالخط العربي كثيرة، ربَّما كان الجاحظ هو الأصوب حين قال إن أول ظهور لهذا الخط كان قبل مئة وخمسين عاماً قبل الإسلام، ومن ثمَّ بدأ التحول الآخر في تنقيط الحروف وظهور الحركات، كل هذا كان بعد العام 22 بعد الهجرة، وهو العام الذي جُمعَ فيه القرآن الكريم.
ربّما لم تكن هذه الآراء لتتداول من جديد دون أن يفجّر مجمع اللغة العربية السعودي بيانه الأخير القاضي بإضافة حرف جديد للغتنا. الحرف الذي ننطقه جميعاً؛ لكن بأصوات مختلفة.
مثلاً، ما زال اسم "(كلكامش)" يلفظ بأصوات تختلف من بلد لآخر، في العراق يلفظ بالكاف الفارسية المعطّشة، وفي تونس يلفظ بالقاف "قلقاميش"، وهكذا بالنسبة للكلمات الأخرى، مثل الإنجليزية وغيرها. لكن هناك كلمات عربية تلفظ بأصوات مختلفة بين شعب وآخر، مثل قاسم الذي يلفظ في أغلب دول الخليج بـ"اسم"، لهذا اقترح المجمع السعودي أن يكون هناك حرف (القيف) وهو حرف له صوت وسط بين القاف والكاف، ويكتب برسم حرف القاف، لكن نقاطه تكون في أسفل الحرف وليس فوقه..
الاعتراضات حتى الآن كثيرة، فالسعوديون قرروا إرسال هذا الأمر لشركات الحاسوب والتقنيات الرقمية، لكن المجمع العلمي المصري ما زال رافضاً إدخال أي حرف جديد، وحجّتهم في ذلك أن هذا الحرف دخيل ولا يوجد في القرآن الكريم.
في العراق لغات عدّة، ولهجات في كل مدينة، فكيف سنقنع ابن مدينة العمارة والموصل والأنبار بأن هناك حرفاً سيضاف، وأن حروفهم الخاصة ستهمل دون أن يكون لها رسم في العوالم الرقمية الجديدة؟
* نقلا عن جريدة الصباح