لبثت مصطلحات النقد التي تدور عن كتابة المرأة - غائمة وغير محددة وقابلة للنقض ،اذ تختلف طروحات النقدية النسوية الفرنسية عن معطيات النقدية الاميركية والانكليزية ،وينسحب عدم استقرار المصطلح على المعنيين بالنقد النسوي العربي والعالمثالثي ويركن الكثيرون من المعنيين بالنقد النسوي الى الطروحات النقدية الواضحة إلى حد ما بخاصة لدى الناقدتين الانكليزيتين بام موريس وايلين شوالتر التي اطلقت مصطلح الادب النسوي وإلى حد ما الى ما طرحته قبلهما فيرجينيا وولف ..
قبل الحديث عن كتابة المرأة لابد من التعرف على التيارات النسوية للوقوف على تطورات النقدية النسوية من خلالها ، فهناك التيار النسوي الليبرالي الذي ينادي بالمساواة التامة بين النساء والرجال على الصعد كلها وفي مقدمتها الادب وضروب الابداع والقوانين ، ثم التيار الراديكالي النسوي المتعصب في اميركا و الذي دعا للانفصال عن الرجال لإيجاد مجتمع نسوي خالص ( أمازوني) و ادى انغلاقه وتطرفه الى فشل فادح وانحسرت انشطته منذ التسعينيات -والتيار الماركسي الذي يعتمد البعد الاقتصادي في التقسيم الجندري ، ثم التيار النسوي مابعد البنيوي الذي يقول بأن التمييز بين الجنسين كامن في اللغة- فاللغة هي التي تملي قوانينها في التذكير والتأنيث وخير من يمثل هذا التيار الفرنسية هيلين سكسوس وجوليا كريستيفا ، وهناك تيار النسوية السوداء التي تعنى بالنساء الملونات ونسوية العالم الثالث و تميل الى تبني المنظور البنيوي الذي يدعو الى الاعتراف بكل ما هو مختلف دون اقصائه وتركز على الاختلافات الثقافية في المجتمعات. لنتفحص اولا التيار النسوي مابعد البنيوي الذي يحصر عملية التمييز بين الجنسين في اللغة وهو التيار الذي اشتغلت عليه جوليا كريستيفا وهيلين سكسوس ابرز الناقدات النسويات ، وجرى التركيز فيه على الخطاب النسائي وقدرته على تأسيس نوع خاص من الخطاب ، كتابة لا تذعن ولا تقلد بل تطرح اسئلة الذات المهمشة منطلقة من سؤال الهوية : من انا ومن اكون ؟ وعندما تعرف المرأة ذاتها وتحدد مكانها في العالم تطرح سؤالها التالي : ماذا بوسعي ان انجز خلال حياتي تعبيرا عن هذه الذات التي عرفت حدودها توا ؟؟ نادت جوليا كريستيفا بخلق شكل من اشكال الفوضى الخلاقة في الحركة النسوية لبلورة خطاب يخصها ويمثل سيرورتها وتحولاتها وتقترب في طرحها هذا من الحركة الطليعية (الافانغارد) وتوجهها الفلسفي والسياسي الداعي الى تحطيم كل البنى والتقاليد المستقرة، وتؤكد هيلين سكسوس هي الاخرى تجاوز الخطاب الذكوري من اجل ابتداع خطاب خاص بالمرأة يحطم عزلة اللغة الانثوية ويطلق تمرداتها الحبيسة .. وترفض هيلين سكسوس مصطلح( الخنثوية الحيادية) الذي اطلقته الكاتبة فيرجينيا وولف واعتمدته جماعة( بلومزبري) الادبية وتعمل الخنثوية على ايجاد توازن بين التحقيق الذكوري للذات والإنكار الانثوي للذات على النقيض من الخنثوية السردية التي تحرض على كشف الاختلافات لا الغائها ، لكن سيكسوس وكريستيفا تؤكدان التمظهر اللغوي لدى الكاتبات باعتباره نشاطا حيويا عشوائيا مرتبطا بالرغبة والكبت انطلاقا من التفسير الفرويدي ومابعد الفرويدية عند جاك لاكان و تشتغلان في تحليل النصوص وكأنها تدفق أعمى يجري على وفق ايقاعات الجسد الانثوي وينطلق -حسب تفسيرهما –من مجال اللاشعور الذي لا يرتبط بالخبرات العقلية والمواقف الفكرية بل انه –كما اراه - يهدد بتعطيل اشتغال العقل وهذا ما لا تقره التيارات النسوية الليبرالية والماركسية والنسوية السوداء، وبناء على طرح المدرسة الفرنسية اخذت حشود من كاتبات العالم الثالث تنتج أدبا مرتبطا بايقاعات الجسد والجنس ومنطقة اللاشعور تعبيرا عن كبت دهري سببه اضطهاد النظم الذكورية الباترياركية لجموع النساء عبر التاريخ ..
تقسيمات الادب النسائي
تنحو بعض التوجهات النقدية النسوية الى تقسيم الادب النسائي الى ثلاثة مستويات :
• المستوى الأول كتابة الانثى -
وهي الكتابة التي تعتمد البوح والتشكي واعتماد لغة مهادنة عاطفية وهشة لا تتعدى الحديث عن الذات المهزومة والمستلبة، وتعتمدها نسبة واسعة من هاويات الكتابة المبتدئات او الكاتبات منتجات الادب السياحي والروايات العاطفية المتشكية وتحفل الساحة العربية بالكثير من هؤلاء الكاتبات اللائي يمكن حصرهن في خانة كتابة الانثى ويتفشى نمط كتاباتهن الهشة راهنا على مواقع التواصل الاجتماعي بمباركة من بعض الذكور ..
•المستوى الثاني : أدب نسائي
وهومصطلح يحيل الى تصنيف بيولوجي للفصل بين جنس الرجال والنساء والتعامل معه انطلاقا من احكام مؤسسة على تقاليد ذكورية متمركزة، وهو ما ترفضه معظم الكاتبات لأنه يحصرهن في غيتو بيولوجي لا أفق له يحاصر كتابة المرأة ويحدد التعامل مع نصوصها وفق تمييز جنسي ..
• المستوى الثالث : أدب نسوي
وهو مصطلح منبثق من النزعة النسوية الفيمنزم، يمثل الخطاب المنطلق من وعي ضدي لهيمنة الخطاب الذكوري ويتضمن وعيا معرفيا وفكريا ومضامين سياسية ولا يشترط ان تكتبه النساء، فهناك نقاد وكتاب نسويون (فيمنست) يؤازرون النسوية ويدافعون عن توجهاتها .. شخصيا لا أجدني معنية كثيرا بهذه التصنيفات النقدية ، لكني أعرف وبعد عقود من ممارسة الكتابة السردية في القصة والرواية أن هناك شحنة حيوية متدفقة في لغتي انبثقت من منطقة وعيي بالعالم ونظرتي اليه من وجهة نظر ( نسوية ذات محمولات معرفية وفكرية ) وليست نسائية وانني اقترب من تيار النسوية اليلبرالية الداعية الى المساواة التامة ، وقد واجهت المشهد الثقافي وذكوريته بخبرة نضال اجتماعي وسياسي مبكر ، ثم بقوة الاداء الابداعي والمثابرة والبحث المعرفي ونجحت في ارساء اسلوب سردي يخصني ولغة تقف على التخوم الغامضة التي تفصل بين الخطاب الذكوري الصارم المعني بالبلاغة التقليدية وبين اللغة الرؤيوية والعرفانية التي تجسد نظرتي الى الذات الانسانية والذات الانثوية الحرة ومستوياتها وموقعها من العالم، فتغدو لغتي او خطابي الادبي بعد هذا حقلا فعالا ومتفاعلا من الانشغالات الفكرية والمعرفية والصراعات والمواجهات مع الخطاب العام المستند الى موروث ابوي ذكوري يتحكم بمفاصل المجتمع بحجرها في اقفاص ايدلوجية وعقائدية تتشابك مع التقاليد الدينية والقبلية ، ولم تعترضني معيقات ثقافية او اجتماعية عبر مسيرتي الادبية الطويلة على الضد من حظوظ كاتبات اخريات كابدن مصاعب جمة وواجهن حواجز اجتماعية حالت دون ازدهارهن الابداعي ..
لايمكننا على هذا -تحديد سمات واضحة للإبداع النسائي العراقي وإخضاعه للتقييم النقدي ،بوسعنا القول ان مشكلاتنا الاجتماعية والأوضاع السياسية المضطربة والحروب والتحولات الطبقية التي مرت على العراق قد تركت وشومها على النص الادبي وقيدته او حددت اتجاهاته وطبيعة الخطاب ، وان معظم الاديبات عندنا - باستثناء اسماء معدودة – لم يعنين بتحديد خيارات الخطاب الادبي : هل هو خطاب نسوي يتوفر على الاشتراطات الاساسية في الكتابة النسوية ؟؟ ام أنه خطاب يتخذ من اللغة الذكورية السائدة وعاء له ؟؟ ام انه يقع بين كتابة الانثى والكتابة النسائية ؟؟ وهل انطوت اعمالهن على معطيات معرفية وفكرية تشير الى تبني خطاب محدد ؟؟ربما تمتلك بعضهن خصوصية في امتلاك وجهة نظر انثوية الى واقعنا وحياتنا واوضاع النساء في مجتمعنا ، إنما دون ان تتركز هذه الخصوصية وتشكل ملمحا بارزا في اعمالهن مما يتيح لنا اعتبارها سمة مميزة للكتابة النسائية العراقية ..
موقف الكاتبات من المصطلح
اعتمادا على تقسيم كتابة النساء إلى ثلاثة مستويات ، ترفض كثير من الكاتبات العراقيات والعربيات حصر نتاجهن في المعزل البيولوجي تحت مسمى ( الادب النسائي ) الذي تتحكم إيحاءاته بالاشتغال النقدي فيجري التعامل مع نتاجهن على انه ( نتاج فـئة) لا يندرج ضمن النتاج الأدبي العام الذي يبقى حكرا على الكتاب الرجال ،فقد ظهرت خلال العقود الاربع الماضيات كتب نقدية عراقية عن القصة و الرواية اتسمت بذكورية مفرطة و لم تتطرق الى أي عمل ادبي نسائي مكتفية بالكتاب من الرجال . يعامل بعض النقاد نتاج الكاتبات على انه نتاج ( الآخر المختلف ) ولابد من اخضاعه للتقييم المتشدد تارة أو التعاطي معه بضرب من التواطؤ القائم على دوافع اجتماعية تارة اخرى، أو يتساهل النقد حينا آخر في الحكم على المستوى الفني للنص كونه نتاج كاتبات ينبغي ( تشجيعهن ) وتكريسهن مع هشاشة النص وسذاجته وتقليديته وضعفه الفني..
ومن جانب آخر استمرأت بعض الاسماء العربية الإنضواء تحت مسمى ( كتابة الانثى ) التي اطلق عليها احد النقاد البارزين ( الكتابة السياحية) -لأنها كتابات قابلة للتسويق السريع تتبناها وسائل الاعلام ودور النشر التجارية وتسوقها في مواسم الصيف والسياحة لفئات عمرية معينة، تغويها مقاربة المسكوت عنه ودغدغة الحرمانات العاطفية و الكبت الجنسي، وتبعتها موجة من الكتابات النسائية من بلدان منغلقة اجتماعيا اشتغلت في الفضاء ذاته مستفيدة من هوس السوق بكتابة الانثى ..
مقابل ذلك كرست بعض الكاتبات المتمرسات - خطابا متميزا يمكن احالته الى ( السردية الجديدة ) وما تتطلبه من لغة تمزج بين خطابات متعددة تتبنى الاختلاف وتكرس المغايرة – لا تقلد الخطاب الذكوري ولا تنصاع الى اشتراطات النقدية النسوية مابعد البنيوية، التي تحبس النص النسوي في دائرة اللاشعور باعتبارها مركز إشعاع الخطاب النسوي- وتحرض النساء على ( وضع اجسادهن في كتاباتهن ) لمواجهة التمركز الذكوري والاضطهاد الجنسي -مما اوجد ظاهرة ادبية نسوية تستثمر اوضاع النساء الهامشية في المجتمعات الآسيوية والأفريقية لإعلان الحرب على الرجال باعتبارهم المسؤولين عن تردي اوضاعهن -دون ان تدرك هؤلاء الكاتبات الابعاد الأنثروبولوجية والسياسية والاقتصادية للاستقطاب الذكوري الناتج عن النظم الابوية الباترياركية التي تضاد التطبيق الديمقراطي، كما انه ناتج اساسي للإقتصاد الريعي في البلدان النفطية عندما تنحصر الثروة في يد الحاكم الاوحد بديل الاب المتسلط وشيخ القبيلة، فلا يمكن والحال هذه ان تزدهر المساواة او تتعزز الديمقراطية مما يعمق التمييز بين الجنسين ويبرز الاستقطابات المختلفة في تلك المجتمعات .. نجحت الكاتبات المتمرسات - رغم ذلك- في اتخاذ مسارهن الابداعي الخاص عن طريق الايمان بالتكامل والتقابل مع الرجال وتحقيق التكافؤ الابداعي خارج متن الصراعات الجنسية الذي كان وما يزال فضاء الكاتبات النسويات المستفزات ممن يصرحن بمناهضة الرجال.
قبل الحديث عن كتابة المرأة لابد من التعرف على التيارات النسوية للوقوف على تطورات النقدية النسوية من خلالها ، فهناك التيار النسوي الليبرالي الذي ينادي بالمساواة التامة بين النساء والرجال على الصعد كلها وفي مقدمتها الادب وضروب الابداع والقوانين ، ثم التيار الراديكالي النسوي المتعصب في اميركا و الذي دعا للانفصال عن الرجال لإيجاد مجتمع نسوي خالص ( أمازوني) و ادى انغلاقه وتطرفه الى فشل فادح وانحسرت انشطته منذ التسعينيات -والتيار الماركسي الذي يعتمد البعد الاقتصادي في التقسيم الجندري ، ثم التيار النسوي مابعد البنيوي الذي يقول بأن التمييز بين الجنسين كامن في اللغة- فاللغة هي التي تملي قوانينها في التذكير والتأنيث وخير من يمثل هذا التيار الفرنسية هيلين سكسوس وجوليا كريستيفا ، وهناك تيار النسوية السوداء التي تعنى بالنساء الملونات ونسوية العالم الثالث و تميل الى تبني المنظور البنيوي الذي يدعو الى الاعتراف بكل ما هو مختلف دون اقصائه وتركز على الاختلافات الثقافية في المجتمعات. لنتفحص اولا التيار النسوي مابعد البنيوي الذي يحصر عملية التمييز بين الجنسين في اللغة وهو التيار الذي اشتغلت عليه جوليا كريستيفا وهيلين سكسوس ابرز الناقدات النسويات ، وجرى التركيز فيه على الخطاب النسائي وقدرته على تأسيس نوع خاص من الخطاب ، كتابة لا تذعن ولا تقلد بل تطرح اسئلة الذات المهمشة منطلقة من سؤال الهوية : من انا ومن اكون ؟ وعندما تعرف المرأة ذاتها وتحدد مكانها في العالم تطرح سؤالها التالي : ماذا بوسعي ان انجز خلال حياتي تعبيرا عن هذه الذات التي عرفت حدودها توا ؟؟ نادت جوليا كريستيفا بخلق شكل من اشكال الفوضى الخلاقة في الحركة النسوية لبلورة خطاب يخصها ويمثل سيرورتها وتحولاتها وتقترب في طرحها هذا من الحركة الطليعية (الافانغارد) وتوجهها الفلسفي والسياسي الداعي الى تحطيم كل البنى والتقاليد المستقرة، وتؤكد هيلين سكسوس هي الاخرى تجاوز الخطاب الذكوري من اجل ابتداع خطاب خاص بالمرأة يحطم عزلة اللغة الانثوية ويطلق تمرداتها الحبيسة .. وترفض هيلين سكسوس مصطلح( الخنثوية الحيادية) الذي اطلقته الكاتبة فيرجينيا وولف واعتمدته جماعة( بلومزبري) الادبية وتعمل الخنثوية على ايجاد توازن بين التحقيق الذكوري للذات والإنكار الانثوي للذات على النقيض من الخنثوية السردية التي تحرض على كشف الاختلافات لا الغائها ، لكن سيكسوس وكريستيفا تؤكدان التمظهر اللغوي لدى الكاتبات باعتباره نشاطا حيويا عشوائيا مرتبطا بالرغبة والكبت انطلاقا من التفسير الفرويدي ومابعد الفرويدية عند جاك لاكان و تشتغلان في تحليل النصوص وكأنها تدفق أعمى يجري على وفق ايقاعات الجسد الانثوي وينطلق -حسب تفسيرهما –من مجال اللاشعور الذي لا يرتبط بالخبرات العقلية والمواقف الفكرية بل انه –كما اراه - يهدد بتعطيل اشتغال العقل وهذا ما لا تقره التيارات النسوية الليبرالية والماركسية والنسوية السوداء، وبناء على طرح المدرسة الفرنسية اخذت حشود من كاتبات العالم الثالث تنتج أدبا مرتبطا بايقاعات الجسد والجنس ومنطقة اللاشعور تعبيرا عن كبت دهري سببه اضطهاد النظم الذكورية الباترياركية لجموع النساء عبر التاريخ ..
تقسيمات الادب النسائي
تنحو بعض التوجهات النقدية النسوية الى تقسيم الادب النسائي الى ثلاثة مستويات :
• المستوى الأول كتابة الانثى -
وهي الكتابة التي تعتمد البوح والتشكي واعتماد لغة مهادنة عاطفية وهشة لا تتعدى الحديث عن الذات المهزومة والمستلبة، وتعتمدها نسبة واسعة من هاويات الكتابة المبتدئات او الكاتبات منتجات الادب السياحي والروايات العاطفية المتشكية وتحفل الساحة العربية بالكثير من هؤلاء الكاتبات اللائي يمكن حصرهن في خانة كتابة الانثى ويتفشى نمط كتاباتهن الهشة راهنا على مواقع التواصل الاجتماعي بمباركة من بعض الذكور ..
•المستوى الثاني : أدب نسائي
وهومصطلح يحيل الى تصنيف بيولوجي للفصل بين جنس الرجال والنساء والتعامل معه انطلاقا من احكام مؤسسة على تقاليد ذكورية متمركزة، وهو ما ترفضه معظم الكاتبات لأنه يحصرهن في غيتو بيولوجي لا أفق له يحاصر كتابة المرأة ويحدد التعامل مع نصوصها وفق تمييز جنسي ..
• المستوى الثالث : أدب نسوي
وهو مصطلح منبثق من النزعة النسوية الفيمنزم، يمثل الخطاب المنطلق من وعي ضدي لهيمنة الخطاب الذكوري ويتضمن وعيا معرفيا وفكريا ومضامين سياسية ولا يشترط ان تكتبه النساء، فهناك نقاد وكتاب نسويون (فيمنست) يؤازرون النسوية ويدافعون عن توجهاتها .. شخصيا لا أجدني معنية كثيرا بهذه التصنيفات النقدية ، لكني أعرف وبعد عقود من ممارسة الكتابة السردية في القصة والرواية أن هناك شحنة حيوية متدفقة في لغتي انبثقت من منطقة وعيي بالعالم ونظرتي اليه من وجهة نظر ( نسوية ذات محمولات معرفية وفكرية ) وليست نسائية وانني اقترب من تيار النسوية اليلبرالية الداعية الى المساواة التامة ، وقد واجهت المشهد الثقافي وذكوريته بخبرة نضال اجتماعي وسياسي مبكر ، ثم بقوة الاداء الابداعي والمثابرة والبحث المعرفي ونجحت في ارساء اسلوب سردي يخصني ولغة تقف على التخوم الغامضة التي تفصل بين الخطاب الذكوري الصارم المعني بالبلاغة التقليدية وبين اللغة الرؤيوية والعرفانية التي تجسد نظرتي الى الذات الانسانية والذات الانثوية الحرة ومستوياتها وموقعها من العالم، فتغدو لغتي او خطابي الادبي بعد هذا حقلا فعالا ومتفاعلا من الانشغالات الفكرية والمعرفية والصراعات والمواجهات مع الخطاب العام المستند الى موروث ابوي ذكوري يتحكم بمفاصل المجتمع بحجرها في اقفاص ايدلوجية وعقائدية تتشابك مع التقاليد الدينية والقبلية ، ولم تعترضني معيقات ثقافية او اجتماعية عبر مسيرتي الادبية الطويلة على الضد من حظوظ كاتبات اخريات كابدن مصاعب جمة وواجهن حواجز اجتماعية حالت دون ازدهارهن الابداعي ..
لايمكننا على هذا -تحديد سمات واضحة للإبداع النسائي العراقي وإخضاعه للتقييم النقدي ،بوسعنا القول ان مشكلاتنا الاجتماعية والأوضاع السياسية المضطربة والحروب والتحولات الطبقية التي مرت على العراق قد تركت وشومها على النص الادبي وقيدته او حددت اتجاهاته وطبيعة الخطاب ، وان معظم الاديبات عندنا - باستثناء اسماء معدودة – لم يعنين بتحديد خيارات الخطاب الادبي : هل هو خطاب نسوي يتوفر على الاشتراطات الاساسية في الكتابة النسوية ؟؟ ام أنه خطاب يتخذ من اللغة الذكورية السائدة وعاء له ؟؟ ام انه يقع بين كتابة الانثى والكتابة النسائية ؟؟ وهل انطوت اعمالهن على معطيات معرفية وفكرية تشير الى تبني خطاب محدد ؟؟ربما تمتلك بعضهن خصوصية في امتلاك وجهة نظر انثوية الى واقعنا وحياتنا واوضاع النساء في مجتمعنا ، إنما دون ان تتركز هذه الخصوصية وتشكل ملمحا بارزا في اعمالهن مما يتيح لنا اعتبارها سمة مميزة للكتابة النسائية العراقية ..
موقف الكاتبات من المصطلح
اعتمادا على تقسيم كتابة النساء إلى ثلاثة مستويات ، ترفض كثير من الكاتبات العراقيات والعربيات حصر نتاجهن في المعزل البيولوجي تحت مسمى ( الادب النسائي ) الذي تتحكم إيحاءاته بالاشتغال النقدي فيجري التعامل مع نتاجهن على انه ( نتاج فـئة) لا يندرج ضمن النتاج الأدبي العام الذي يبقى حكرا على الكتاب الرجال ،فقد ظهرت خلال العقود الاربع الماضيات كتب نقدية عراقية عن القصة و الرواية اتسمت بذكورية مفرطة و لم تتطرق الى أي عمل ادبي نسائي مكتفية بالكتاب من الرجال . يعامل بعض النقاد نتاج الكاتبات على انه نتاج ( الآخر المختلف ) ولابد من اخضاعه للتقييم المتشدد تارة أو التعاطي معه بضرب من التواطؤ القائم على دوافع اجتماعية تارة اخرى، أو يتساهل النقد حينا آخر في الحكم على المستوى الفني للنص كونه نتاج كاتبات ينبغي ( تشجيعهن ) وتكريسهن مع هشاشة النص وسذاجته وتقليديته وضعفه الفني..
ومن جانب آخر استمرأت بعض الاسماء العربية الإنضواء تحت مسمى ( كتابة الانثى ) التي اطلق عليها احد النقاد البارزين ( الكتابة السياحية) -لأنها كتابات قابلة للتسويق السريع تتبناها وسائل الاعلام ودور النشر التجارية وتسوقها في مواسم الصيف والسياحة لفئات عمرية معينة، تغويها مقاربة المسكوت عنه ودغدغة الحرمانات العاطفية و الكبت الجنسي، وتبعتها موجة من الكتابات النسائية من بلدان منغلقة اجتماعيا اشتغلت في الفضاء ذاته مستفيدة من هوس السوق بكتابة الانثى ..
مقابل ذلك كرست بعض الكاتبات المتمرسات - خطابا متميزا يمكن احالته الى ( السردية الجديدة ) وما تتطلبه من لغة تمزج بين خطابات متعددة تتبنى الاختلاف وتكرس المغايرة – لا تقلد الخطاب الذكوري ولا تنصاع الى اشتراطات النقدية النسوية مابعد البنيوية، التي تحبس النص النسوي في دائرة اللاشعور باعتبارها مركز إشعاع الخطاب النسوي- وتحرض النساء على ( وضع اجسادهن في كتاباتهن ) لمواجهة التمركز الذكوري والاضطهاد الجنسي -مما اوجد ظاهرة ادبية نسوية تستثمر اوضاع النساء الهامشية في المجتمعات الآسيوية والأفريقية لإعلان الحرب على الرجال باعتبارهم المسؤولين عن تردي اوضاعهن -دون ان تدرك هؤلاء الكاتبات الابعاد الأنثروبولوجية والسياسية والاقتصادية للاستقطاب الذكوري الناتج عن النظم الابوية الباترياركية التي تضاد التطبيق الديمقراطي، كما انه ناتج اساسي للإقتصاد الريعي في البلدان النفطية عندما تنحصر الثروة في يد الحاكم الاوحد بديل الاب المتسلط وشيخ القبيلة، فلا يمكن والحال هذه ان تزدهر المساواة او تتعزز الديمقراطية مما يعمق التمييز بين الجنسين ويبرز الاستقطابات المختلفة في تلك المجتمعات .. نجحت الكاتبات المتمرسات - رغم ذلك- في اتخاذ مسارهن الابداعي الخاص عن طريق الايمان بالتكامل والتقابل مع الرجال وتحقيق التكافؤ الابداعي خارج متن الصراعات الجنسية الذي كان وما يزال فضاء الكاتبات النسويات المستفزات ممن يصرحن بمناهضة الرجال.