مما لاشك فيه ان العرب كانت لهم لغة مشتركة ، تلك هي لغة الأدب والمحاورة والمناظرة والخطابة.. وهذه لم يختلف فيها النحاة كثيراً ، كما كانت لهم لغات محلية تختص بها قبيلة دون قبيلة، وبين قوم دون آخرين، وهذه اللغات قد أختلف فيها النحاة أختلافاً كثيراً، فكان منهم المجيز والرافض، والمستحسن والمستقبح، والمسوغ والمشذذ، وناهيك إذا عرض لواحدة من هذه اللغات شاعر أو مسها في قصيدة قامت قيامة أهل القياس حاكمين بالشذوذ تارة وبالضرورة تارة أخرى.
لقد أهتمت المطولات في النحو وكتب الشواهد بألوان متنوعة لتخريج الشاذ، أو الضرورة تخريجاً يفيد الباحث والدارس دون أن يترك في نفس أحدهما أدنى شبهة ، غير أنها غالت في ذلك مغالاة أثقلت على البحث فيها مما جعل الكثير يصدف عنها، ولو أن أصحاب هذه الكتب اكتفوا بالآراء المعتدلة لكان خيراً، لكنها الأمانة العلمية .. ومن يتأمل مسلك النحاة يجدهم ساروا على درب الفقهاء، فما ثبت صحة نقله مع فصاحته، أتفقوا عليه عملاً بقاعدة (لا أجتهاد مع النص)، وما لايقويه النقل الصحيح والأستعمال الفصيح أختلفوا فيه، فترى فريقاً يمنع القياس عليه التزاماً بما سمع وفريقاً آخر يجيز توسعاً في اللغة ونهوضاً بها مع التماس علة الجواز.
وفيما يأتي نماذج من الضرورة والشذوذ سوف أبين أسرارها وثمرتها اللغوية:
1 -في الصيغ: كلمة (مرْفَق) القياس فيه فتح العين، لأن مضارعه من باب نصر، لكن سمع فيه كسر العين، فقالوا بأن الكسر شاذ، وهذا الذي اعَدّوه شاذاً فمرفق جاء بفتح العين قياساً ، وقد حكم النحاة عليها بالشذوذ تغليباً للقياس على السماع ، مع كونه لهجة، ولهجات العرب كلها حجة في اللغة، ووردت القراءة الصحيحة به، مع صحة النقل وفصاحة الأستعمال، وإذا فلا معنى لهذا الشذوذ.
2-اعراب الفعل المضارع إذا تقدمه جازم: من المعلوم أن قواعد النحو أظهرت لنا عداوة الجازم للحركات في آخر فعل المضارع سواء اكانت تلك الحركات قصيرة أم طويلة، وهذا ما نعرفه في علم اللغة بالتعاقب.
بمعنى إذا وجد الجازم ذهبت الحركات، وإذا فُقدَ عادت ، ومن هنا يستبين لنا أحوال الفعل المضارع فقد ورد بحذف الحركات عند وجود الجازم وهذا هو الغالب في اللغة الفصحى .. ورد بإثبات الحركات مع الجازم في قول الشاعر:
ألم يأتيك والأنباء تنمي
بما لاقت لبون بني زياد
3 -تأنيث الفعل: نعلم من دراستنا باب الفاعل أن فعله يونث في حالين اثنين: أحدهما إذا كان الفاعل اسماً ظاهراً حقيقي التأنيث متصلاً بالفعل مثل: فازت كريمة بالجائزة، أو كان الفاعل ضميراً مستتراً عائداً إلى مؤنث مثل: كريمة فازت، والشمس طلعت.
4 -التصغير: القياس في تصغير ما ، ثانيه حرف عله أن يرد الى أصله لأن التصغير مما يرد الأشياء الى أصولها مثل: قُويمة تصغير قيمة، ودُويمة تصغير ديمة ، ومويزين تصغير ميزان.
وبعد:فالضرورة والشذوذ لايخلوان من فوائد لغوية ، تلك الفوائد ، نراها متنوعة وذات مردود لغوي كبير، إذ تستظهر منها حال اللغة عند النشأة وبعض لهجات العرب المقبولة منها والمردودة، وخضوع الكلام لقصد المتكلم في التذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير ، والأفراد والتثنية والجمع ، إلى غير ذلك من الفوائد التي لايمكن إحصاؤها في هذا المقال المتواضع.
[طباعة]
لقد أهتمت المطولات في النحو وكتب الشواهد بألوان متنوعة لتخريج الشاذ، أو الضرورة تخريجاً يفيد الباحث والدارس دون أن يترك في نفس أحدهما أدنى شبهة ، غير أنها غالت في ذلك مغالاة أثقلت على البحث فيها مما جعل الكثير يصدف عنها، ولو أن أصحاب هذه الكتب اكتفوا بالآراء المعتدلة لكان خيراً، لكنها الأمانة العلمية .. ومن يتأمل مسلك النحاة يجدهم ساروا على درب الفقهاء، فما ثبت صحة نقله مع فصاحته، أتفقوا عليه عملاً بقاعدة (لا أجتهاد مع النص)، وما لايقويه النقل الصحيح والأستعمال الفصيح أختلفوا فيه، فترى فريقاً يمنع القياس عليه التزاماً بما سمع وفريقاً آخر يجيز توسعاً في اللغة ونهوضاً بها مع التماس علة الجواز.
وفيما يأتي نماذج من الضرورة والشذوذ سوف أبين أسرارها وثمرتها اللغوية:
1 -في الصيغ: كلمة (مرْفَق) القياس فيه فتح العين، لأن مضارعه من باب نصر، لكن سمع فيه كسر العين، فقالوا بأن الكسر شاذ، وهذا الذي اعَدّوه شاذاً فمرفق جاء بفتح العين قياساً ، وقد حكم النحاة عليها بالشذوذ تغليباً للقياس على السماع ، مع كونه لهجة، ولهجات العرب كلها حجة في اللغة، ووردت القراءة الصحيحة به، مع صحة النقل وفصاحة الأستعمال، وإذا فلا معنى لهذا الشذوذ.
2-اعراب الفعل المضارع إذا تقدمه جازم: من المعلوم أن قواعد النحو أظهرت لنا عداوة الجازم للحركات في آخر فعل المضارع سواء اكانت تلك الحركات قصيرة أم طويلة، وهذا ما نعرفه في علم اللغة بالتعاقب.
بمعنى إذا وجد الجازم ذهبت الحركات، وإذا فُقدَ عادت ، ومن هنا يستبين لنا أحوال الفعل المضارع فقد ورد بحذف الحركات عند وجود الجازم وهذا هو الغالب في اللغة الفصحى .. ورد بإثبات الحركات مع الجازم في قول الشاعر:
ألم يأتيك والأنباء تنمي
بما لاقت لبون بني زياد
3 -تأنيث الفعل: نعلم من دراستنا باب الفاعل أن فعله يونث في حالين اثنين: أحدهما إذا كان الفاعل اسماً ظاهراً حقيقي التأنيث متصلاً بالفعل مثل: فازت كريمة بالجائزة، أو كان الفاعل ضميراً مستتراً عائداً إلى مؤنث مثل: كريمة فازت، والشمس طلعت.
4 -التصغير: القياس في تصغير ما ، ثانيه حرف عله أن يرد الى أصله لأن التصغير مما يرد الأشياء الى أصولها مثل: قُويمة تصغير قيمة، ودُويمة تصغير ديمة ، ومويزين تصغير ميزان.
وبعد:فالضرورة والشذوذ لايخلوان من فوائد لغوية ، تلك الفوائد ، نراها متنوعة وذات مردود لغوي كبير، إذ تستظهر منها حال اللغة عند النشأة وبعض لهجات العرب المقبولة منها والمردودة، وخضوع الكلام لقصد المتكلم في التذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير ، والأفراد والتثنية والجمع ، إلى غير ذلك من الفوائد التي لايمكن إحصاؤها في هذا المقال المتواضع.
[طباعة]