الإهداء إلى المبدع أحمد بوزفور بمناسبة تكريمه من قبل مدير مجلة ديهيا محمد العتروس بأبركان
في صبيحة باردة شاهدته في أبهى حلّة. يخرج في وقار من منزلهم الكائن بإحدى الحارات المغربية العتيقة، يلبس طيلسانا أبيض ودُرّاعة خضراء ويعتمر عمامة مكوّرة تدلّت ذؤابتُها بين كتفيه ويحتذي حذاءً جلديا بنيَ اللّون.ويحمل على كتفه جرابا ملأه بكومة من القراطيس البيضاء وأربعة أقلام من قصب ودواةَ حبرٍ صيني.
مشيت خلفه في دروب الحارة مسافة طويلة حتى انتبه إليّ، فتوقف عن المشي. تفرّس في ملامحي وسألني مستغربا:
ـ لماذا تتبعني يا هذا؟
أجبته:
ـ أريد الصُّحبة يا سيّدي.
قطّب ما بين عينيه سائلا:
ـ أوَ تدري مَقْصِدِي؟
قلتُ:
ـ أي نعم يا سيّدي.
ردّ عليّ:
ـ إنك لن تستطيع معي صبرا. اذهبْ إلى حال سبيلك فمشواري طويل. أنا ذاهب...
قاطعته قائلا:
ـ أنت ذاهب في بحث عن كلمة هربت منك يوما وتلاشت حروفها في هذا الكون. ذاك مقصدي أنا أيضا لكنّني أريد صحبتك فاصطحبني رجاءً.
أشاح بوجهه عنّي على غير عادته وكرّر عليّ:
ـ إنك لن تستطيع معي صبرا.
واصل طريقه يخيط أزقّة الحارات زقاقا بزقاق حتى المرفأِ حيث الباخرةُ الشراعيةُ المشهورةُ باسم "الشّمّاء" راسيةً في شموخ الكبراء. صعد إليها ولم يلتفتْ إليّ وكنت أوده أن يفعل. وقف على دَستور السّفينة ونظر بعيدا إلى الأفق. وتلى الآية الكريمة "باسم الله مجراها ومرساها" وأعطى إشارته للبحّارة بالإبحار. لم يكن البحّارة سوى مبدعين من وطني. عرفتهم واحدا واحدا من خلال ما قرأت لهم فأحبّبهم.
تحركت "الشّمّاء" ببطء شديد ومع تحركها تملّكني اليأس وخنقتني العبرات. وقلت في نفسي ضاع الأمل في الصّحبة. لكن فجأة توقفت السفينة ولم تكن قد ابتعدت كثيرا عن الرّصيف، رأيت الرّجل يقف على دَستورها ويلوّح لي بيده اليمنى ويناديني بصوت جهوري اختلطت نبراته بهدير الأمواج.من فرحي قفزت في الماء وسبحت بقوة حتى وصلت السفينة. رأيت الرّجل يمدّ إليّ يده الطويلة كيد عملاق وينتشلني من الماء. وقفتُ أمامه أرتجف من برودة ملابسي المبتلّة.ابتسم لي ابتسامة عريضة شجعتني على الارتماء عليه ومعانقتِه فبلّلتُ دُرّاعته وطيلسانه. تراجعتُ خطوة إلى الوراء في حياء قائلا:
ـ معذرة يا سيّدي معذرة.
******
أحسست ب"الولية" تهزّني هزّاً خفيفا. استفقتُ من حلمي الجميل، فسألتني:
ـ لمن كنتَ تعتذر؟
أجبتها:
ـ كنت أعتذر للسّندباد الصغير لسّي أحمد بوزفور
في صبيحة باردة شاهدته في أبهى حلّة. يخرج في وقار من منزلهم الكائن بإحدى الحارات المغربية العتيقة، يلبس طيلسانا أبيض ودُرّاعة خضراء ويعتمر عمامة مكوّرة تدلّت ذؤابتُها بين كتفيه ويحتذي حذاءً جلديا بنيَ اللّون.ويحمل على كتفه جرابا ملأه بكومة من القراطيس البيضاء وأربعة أقلام من قصب ودواةَ حبرٍ صيني.
مشيت خلفه في دروب الحارة مسافة طويلة حتى انتبه إليّ، فتوقف عن المشي. تفرّس في ملامحي وسألني مستغربا:
ـ لماذا تتبعني يا هذا؟
أجبته:
ـ أريد الصُّحبة يا سيّدي.
قطّب ما بين عينيه سائلا:
ـ أوَ تدري مَقْصِدِي؟
قلتُ:
ـ أي نعم يا سيّدي.
ردّ عليّ:
ـ إنك لن تستطيع معي صبرا. اذهبْ إلى حال سبيلك فمشواري طويل. أنا ذاهب...
قاطعته قائلا:
ـ أنت ذاهب في بحث عن كلمة هربت منك يوما وتلاشت حروفها في هذا الكون. ذاك مقصدي أنا أيضا لكنّني أريد صحبتك فاصطحبني رجاءً.
أشاح بوجهه عنّي على غير عادته وكرّر عليّ:
ـ إنك لن تستطيع معي صبرا.
واصل طريقه يخيط أزقّة الحارات زقاقا بزقاق حتى المرفأِ حيث الباخرةُ الشراعيةُ المشهورةُ باسم "الشّمّاء" راسيةً في شموخ الكبراء. صعد إليها ولم يلتفتْ إليّ وكنت أوده أن يفعل. وقف على دَستور السّفينة ونظر بعيدا إلى الأفق. وتلى الآية الكريمة "باسم الله مجراها ومرساها" وأعطى إشارته للبحّارة بالإبحار. لم يكن البحّارة سوى مبدعين من وطني. عرفتهم واحدا واحدا من خلال ما قرأت لهم فأحبّبهم.
تحركت "الشّمّاء" ببطء شديد ومع تحركها تملّكني اليأس وخنقتني العبرات. وقلت في نفسي ضاع الأمل في الصّحبة. لكن فجأة توقفت السفينة ولم تكن قد ابتعدت كثيرا عن الرّصيف، رأيت الرّجل يقف على دَستورها ويلوّح لي بيده اليمنى ويناديني بصوت جهوري اختلطت نبراته بهدير الأمواج.من فرحي قفزت في الماء وسبحت بقوة حتى وصلت السفينة. رأيت الرّجل يمدّ إليّ يده الطويلة كيد عملاق وينتشلني من الماء. وقفتُ أمامه أرتجف من برودة ملابسي المبتلّة.ابتسم لي ابتسامة عريضة شجعتني على الارتماء عليه ومعانقتِه فبلّلتُ دُرّاعته وطيلسانه. تراجعتُ خطوة إلى الوراء في حياء قائلا:
ـ معذرة يا سيّدي معذرة.
******
أحسست ب"الولية" تهزّني هزّاً خفيفا. استفقتُ من حلمي الجميل، فسألتني:
ـ لمن كنتَ تعتذر؟
أجبتها:
ـ كنت أعتذر للسّندباد الصغير لسّي أحمد بوزفور