784 - النبي والفيلسوف
الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي:
إن أبا سليمان (المنطقي السجستاني - محمد بن بهرام - يقول:. . . صاحب الشريعة مبعوث، وصاحب الفلسفة مبعوث إليه، وأحدهما مخصوص بالوحي، والآخر مخصوص ببحثه، والأول مكفيء، والثاني كادح، وهذا يقول: أمرت وعلمت، وقيل لي، وما أقول شيئا من تلقاء نفسي. وهذا يقول: رأيت ونظرت واستحسنت واستقبحت، وهذا يقول نور العقل اهتدي به، وهذا يقول: معي نور خالق العقل امشي بضيائه. وهذا يقول: قال الله وقال الملك، وهذا يقول قال أفلاطون وسقراط.
785 - لقد جئتم شيئا إدا!
رسالة الغفران لأبي العلاء:
حكى لي عن بعض ملوك الهند وكان شابا حسنا أنه جدر فنظر إلى وجهه في المرآة وقد تغير فاحرق نفسه، وقال: أريد أن ينقلني الله إلى صورة احسن من هذه. وحدثني قوم من الفقهاء ما هم بكاذبين ولا في أسباب النحل جاذبين أنهم كانوا في بلاد محمود وكان معه جماعة من الهند قد وثق بصفائهم، يفيض عليهم الأعطية لوفائهم، ويكونون اقرب الجند إليه إذا حل أو إذا ارتحل وان رجلا منهم سافر في جيش جهزه، فجاء خبره أنه قد هلك بموت أو قتل فجمعت امرأته لها حطبا كثيرا، وأوقدت نارا عظيمة، واقتحمتها والناس ينظرون، وكان ذلك الخبر باطلا، فلما قدم الزوج أوقد له نارا جامحة ليحرق نفسه حتى يلحق بصاحبته، فاجتمع خلق كثير للنظر إليه وان أصحابه من الهند كانوا يجيئون إليه فيوصونه بأشياء إلى أمواتهم هذا إلى أبيه وهذا إلى أخيه، وجاءه إنسان منهم بوردة وقال: أعط هذه فلانا يعني ميتا له، وقذف نفسه في تلك النار. وحدّث من شاهد إحراقهم نفوسهم أنهم إذا لدغتهم النار أرادوا الخروج فيدفعهم من حضر إليها بالعصي والخشب. فلا اله إلا الله، لقد جئتم شيئا إدا!!! 786 - فضح الموت الدنيا
في (شرح النهج) لابن أبي الحديد: قيل لخالد بن صفوان: من ابلغ الناس؟
قال: الحسن لقوله: فضح الموت الدنيا!
787 - وبقيت الدنيا
وقف بأبي العيناء رجلا من العامة فأحس به فقال من هذا؟
قال رجلا من بني آدم.
قال: مرحبا بك. أطال الله بقاءك، وبقيت في الدنيا ما ظننت هذا النسل إلا قد انقطع.
788 - إياك أن تلقى الله كذابا بخيلا
في (كتاب المنظوم والمنثور) لأحمد بن أبي طاهر: قال بعض الأعراب مررت يوم عرفة ببيت، بطنبه كبش مربوط، فسمعت رجلا في البيت يقول: وا سوءتي من ضيفنا هذا! إننا وما عندنا ما نقربه إليه. فقالت له امرأته: أبا فلان، إياك أن تلقى الله كذابا بخيلا! أو ليست هذه شاتك مربوطة بفنائك؟
قال هذه نسيكتي غدا.
قالت: وأي نسيكة اعظم أجرا، واحسن ذخرا من ذبحك إياها لضيفك.
789 - بالتوهم. . .
في (الأغاني): كان كثير (الشاعر) كيسانيا يرى الرجعة، وكان يزعم أن الأرواح تتناسخ ويحتج بقول الله تعالى (في أوربا صورة ما شاء ركبك) ويقول: ألا ترى أنه حوله في صورة من صورة. ولما قال - وهو يعني محمد بن الحنفية -:
هو المهدي خبرناه كعب ... أخو الأحبار في الحقب الخوالي
قيل له: ألقيت كعبا؟ قال: لا. قيل: فلم قلت: خبرناه كعب؟ قال: بالتوهم. . .
790 - فكان الخسوف حدادا على فقده
قال بعض المؤرخين مما يدل على ظرف محمد بن أحمد الحداد الوادي آشي أنه فقد سكنا عزيزا عليه، واحتاج الحال إلى تكلف سلوة، فلما حضر الندماء وكان قد رصد خسوف القمر فلما حقق أنه قد أبتدأ اخذ العود وغنى:
شقيقك غُيِّبَ في لحده ... وتُشرق يا بدر من بعده
فهلا خسفت فكان الخسوفُ ... حداداً لبستَ على فَقْدِه
وجعل يردد الشعر، ويخاطب البدر، فلم يتم ذلك حتى اعتراه الخسوف، فعظم من الحاضرين التعجب.
791 - إنما شهادة يا فتح. . .
قال صاحب الحدائق: إن الفتح بن خاقان ذكر الوزير ابن الصائغ الفيلسوف في قلائد العقيان فقال فيه: (هو رمد جفن الدين، وكمد نفوس المهتدين، يعتقد أن الزمان دور، وان الإنتاج نبات له نور، حمامة تمامه، واختطافه اقتطافه) فبلغ ذلك ابن الصائغ فمر يوما على الفتح بن خاقان وهو جالس في جماعة فسلم على القوم وضرب على كتف الفتح وقال: (إنما شهادة يا فتح) ومضى ولم يدر أحد ما قال للفتح. فتغير لونه، فقيل له: ما قال لك؟ فقال: إني وصفته - كما تعلمون - في (قلائد العقيان) فما بلغت بذلك عشر ما بلغ مني بهذه الكلمة، فأنه الشار إلى قول المتنبي:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل
792 - صارف الهم
ابن المغارفي:
لا يصرف الهم إلا شدو محسنة ... أو منظر حسن تهواه أو قدح
793 - ما وجد بريدا غيرك
جاء رجل إلى وهب فقال: إن فلانا شتمك.
فقال: أما وجد الشيطان بريدا غيرك.
قال رجل لحكيم: عابك فلان بكذا.
فقال لقيتني لِقِحتكَ بما لم يلقني به لحيائه.
794 - من فيّ مسيلمة. . .
صلى أعرابي بقوم فقرا:
أفلح من هينم في صلاته
وأخرج الواجب من زكاته
وأطعم المسكين من مخلاته
فضحك القوم فالتفت إليهم وقال:
أشهد أنى أخذته مِن فِيِّ مسيلمة.
795 - سوى أن يرى الروحان يمتزجان
ابن الرومي:
أعانقها والنفس بعد مشوقة ... إليها وهل بعد العناق تدان
وألثم فاها كي تموت حرارتي ... فيشتد ما ألقى من الهيمان
ولم يك مقدار الذي بي من الهوى ... ليشفيه ما ترشف الشفتان
كأن فؤادي ليس يشفى غليله ... سوى أن يرى الروحان يمتزجان
مجلة الرسالة - العدد 679
بتاريخ: 08 - 07 - 1946
الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي:
إن أبا سليمان (المنطقي السجستاني - محمد بن بهرام - يقول:. . . صاحب الشريعة مبعوث، وصاحب الفلسفة مبعوث إليه، وأحدهما مخصوص بالوحي، والآخر مخصوص ببحثه، والأول مكفيء، والثاني كادح، وهذا يقول: أمرت وعلمت، وقيل لي، وما أقول شيئا من تلقاء نفسي. وهذا يقول: رأيت ونظرت واستحسنت واستقبحت، وهذا يقول نور العقل اهتدي به، وهذا يقول: معي نور خالق العقل امشي بضيائه. وهذا يقول: قال الله وقال الملك، وهذا يقول قال أفلاطون وسقراط.
785 - لقد جئتم شيئا إدا!
رسالة الغفران لأبي العلاء:
حكى لي عن بعض ملوك الهند وكان شابا حسنا أنه جدر فنظر إلى وجهه في المرآة وقد تغير فاحرق نفسه، وقال: أريد أن ينقلني الله إلى صورة احسن من هذه. وحدثني قوم من الفقهاء ما هم بكاذبين ولا في أسباب النحل جاذبين أنهم كانوا في بلاد محمود وكان معه جماعة من الهند قد وثق بصفائهم، يفيض عليهم الأعطية لوفائهم، ويكونون اقرب الجند إليه إذا حل أو إذا ارتحل وان رجلا منهم سافر في جيش جهزه، فجاء خبره أنه قد هلك بموت أو قتل فجمعت امرأته لها حطبا كثيرا، وأوقدت نارا عظيمة، واقتحمتها والناس ينظرون، وكان ذلك الخبر باطلا، فلما قدم الزوج أوقد له نارا جامحة ليحرق نفسه حتى يلحق بصاحبته، فاجتمع خلق كثير للنظر إليه وان أصحابه من الهند كانوا يجيئون إليه فيوصونه بأشياء إلى أمواتهم هذا إلى أبيه وهذا إلى أخيه، وجاءه إنسان منهم بوردة وقال: أعط هذه فلانا يعني ميتا له، وقذف نفسه في تلك النار. وحدّث من شاهد إحراقهم نفوسهم أنهم إذا لدغتهم النار أرادوا الخروج فيدفعهم من حضر إليها بالعصي والخشب. فلا اله إلا الله، لقد جئتم شيئا إدا!!! 786 - فضح الموت الدنيا
في (شرح النهج) لابن أبي الحديد: قيل لخالد بن صفوان: من ابلغ الناس؟
قال: الحسن لقوله: فضح الموت الدنيا!
787 - وبقيت الدنيا
وقف بأبي العيناء رجلا من العامة فأحس به فقال من هذا؟
قال رجلا من بني آدم.
قال: مرحبا بك. أطال الله بقاءك، وبقيت في الدنيا ما ظننت هذا النسل إلا قد انقطع.
788 - إياك أن تلقى الله كذابا بخيلا
في (كتاب المنظوم والمنثور) لأحمد بن أبي طاهر: قال بعض الأعراب مررت يوم عرفة ببيت، بطنبه كبش مربوط، فسمعت رجلا في البيت يقول: وا سوءتي من ضيفنا هذا! إننا وما عندنا ما نقربه إليه. فقالت له امرأته: أبا فلان، إياك أن تلقى الله كذابا بخيلا! أو ليست هذه شاتك مربوطة بفنائك؟
قال هذه نسيكتي غدا.
قالت: وأي نسيكة اعظم أجرا، واحسن ذخرا من ذبحك إياها لضيفك.
789 - بالتوهم. . .
في (الأغاني): كان كثير (الشاعر) كيسانيا يرى الرجعة، وكان يزعم أن الأرواح تتناسخ ويحتج بقول الله تعالى (في أوربا صورة ما شاء ركبك) ويقول: ألا ترى أنه حوله في صورة من صورة. ولما قال - وهو يعني محمد بن الحنفية -:
هو المهدي خبرناه كعب ... أخو الأحبار في الحقب الخوالي
قيل له: ألقيت كعبا؟ قال: لا. قيل: فلم قلت: خبرناه كعب؟ قال: بالتوهم. . .
790 - فكان الخسوف حدادا على فقده
قال بعض المؤرخين مما يدل على ظرف محمد بن أحمد الحداد الوادي آشي أنه فقد سكنا عزيزا عليه، واحتاج الحال إلى تكلف سلوة، فلما حضر الندماء وكان قد رصد خسوف القمر فلما حقق أنه قد أبتدأ اخذ العود وغنى:
شقيقك غُيِّبَ في لحده ... وتُشرق يا بدر من بعده
فهلا خسفت فكان الخسوفُ ... حداداً لبستَ على فَقْدِه
وجعل يردد الشعر، ويخاطب البدر، فلم يتم ذلك حتى اعتراه الخسوف، فعظم من الحاضرين التعجب.
791 - إنما شهادة يا فتح. . .
قال صاحب الحدائق: إن الفتح بن خاقان ذكر الوزير ابن الصائغ الفيلسوف في قلائد العقيان فقال فيه: (هو رمد جفن الدين، وكمد نفوس المهتدين، يعتقد أن الزمان دور، وان الإنتاج نبات له نور، حمامة تمامه، واختطافه اقتطافه) فبلغ ذلك ابن الصائغ فمر يوما على الفتح بن خاقان وهو جالس في جماعة فسلم على القوم وضرب على كتف الفتح وقال: (إنما شهادة يا فتح) ومضى ولم يدر أحد ما قال للفتح. فتغير لونه، فقيل له: ما قال لك؟ فقال: إني وصفته - كما تعلمون - في (قلائد العقيان) فما بلغت بذلك عشر ما بلغ مني بهذه الكلمة، فأنه الشار إلى قول المتنبي:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل
792 - صارف الهم
ابن المغارفي:
لا يصرف الهم إلا شدو محسنة ... أو منظر حسن تهواه أو قدح
793 - ما وجد بريدا غيرك
جاء رجل إلى وهب فقال: إن فلانا شتمك.
فقال: أما وجد الشيطان بريدا غيرك.
قال رجل لحكيم: عابك فلان بكذا.
فقال لقيتني لِقِحتكَ بما لم يلقني به لحيائه.
794 - من فيّ مسيلمة. . .
صلى أعرابي بقوم فقرا:
أفلح من هينم في صلاته
وأخرج الواجب من زكاته
وأطعم المسكين من مخلاته
فضحك القوم فالتفت إليهم وقال:
أشهد أنى أخذته مِن فِيِّ مسيلمة.
795 - سوى أن يرى الروحان يمتزجان
ابن الرومي:
أعانقها والنفس بعد مشوقة ... إليها وهل بعد العناق تدان
وألثم فاها كي تموت حرارتي ... فيشتد ما ألقى من الهيمان
ولم يك مقدار الذي بي من الهوى ... ليشفيه ما ترشف الشفتان
كأن فؤادي ليس يشفى غليله ... سوى أن يرى الروحان يمتزجان
مجلة الرسالة - العدد 679
بتاريخ: 08 - 07 - 1946