قال العالم اللغوي ابن جني في معنى التضمين : (اعلم أنّ الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر, وكان أحدهما يتعدَّى بحرف والآخر بآخر , فإنّ العرب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه إيذانًا بأنّ هذا الفعل في معنى ذلك الآخر , فلذلك جـيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه)، وقال ابن هشام النحويّ : ( قد يشربون لفظا معنى لفظ فيعطونه حكمه وَيُسمى ذلك تضمينا , وفائدته أَن تُؤدِّي كلمة مؤدى كلمتين ) . ومن خلال ذلك سأتناول تأثير التضمين في إعراب كلمة ما في الجملة, ومن ذلك تضمين الفعل (يبغون) وإعراب (عوجًا) في قوله تعالى ( الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ ) .
حيث اختلفوا في معنى (يبغون) وإعراب كلمة (عوجا) , فمنهم من قال : كلمة (عوجا) مفعولٌ به , ومنهم من قال : إنها حال , ومنهم من قال : إنها تمييز , فمن قال إنها مفعول به جعل كلمة (يبغون) بمعنى: يطلبون , فقد جاء في المعاجم اللغوية: بغَى المالَ , وبغَى الأمرَ : طلَبه ، أرادَه ورغب فيه , وجعل منه قوله تعالى (خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) , أي : لا يطلبون تحولا عنها , ومثل ذلك قوله تعالى ( يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ) , أي : يطلبون لكم الفتنة . ويكون التقدير في شاهدنا : تطلبون للسبيل عوجا , فالمفعول الأول منصوب على نزع الخافض , مثل : وهبتك درهما , يريدون : وهبت لك درهما .
والتقدير الثاني : قيل : يبغون هنا من البغي وهو التعدي . أي : يتعدّون عليها، أو فيها . كما في قوله تعالى ( فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ) , وقوله تعالى ( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ)، ويكون التقدير في شاهدنا : يبغون عليها عوجا, أو يبغون فيها عوجا ويكون عوجا على هذا التأويل نصبه على الحال من الضمير في تبغون , أي : عوجا منكم وعدم استقامة , ومنهم من ضمن الفعل (يبغون) معاني أخر فقيل : يريدونها أو يرومونها عوجاء شديدة العوج ، ويكون عوجا حالا من ضمير النصب , أي : يريدون سبيلَ الله معوجة . و(عوجا) حال وقع فيها المصدر موضع الاسم المشتق أي : معوجة , وفي هذا الإعراب من المبالغة , والمعنى : أنهم يطلبون أن تكون الطريقة المستقيمة نفس العوج , على طريق المبالغة في استعمل المصدر مكان المشتق كما قيل : رجلٌ صوْم، ورجل عدل , فيكون ذلك أبلغ في ذمهم وتوبيخهم .
أما التقدير الثالث فتكون كلمة (عوجا) تمييزا من النسبة إلى المفعول ، أي : طالبين عوجها ، بأن تلبسوا عن الناس توهموا أن فيه عوجا عن الحق وذلك بمنع النسخ وتغير صفة رسول الله صلى الله عليه وآله ونحوهما .
الأوجه الثلاثة جديرة بالتقدير من حيث المعنى , ورجح عالم اللغة الكرماني الأول؛ لأنّه رأى والله أعلم تكلفا في الوجه الثاني , أي : يتعدون عن السبيل أو في السبيل معوجين , وأنّ الأيسر أن تكون الهاء مفعولا , وعوجا مفعولا ثانيا من حيث الصناعة النحوية .
ولي وجه في ترجيح الوجه الأول , وهو أنّ نظير قوله تعالى ( وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ), هو قوله تعالى ( يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ) , وهنا لا يصلح أن تكون (الفتنة) حالا أو تمييزا كما صلح في (عوجا) ؛ لأنّ (الفتنة) معرفة, والمعرفة لا تأتي حالا أو تمييزا على الصحيح , فتعين أن يكون الإعراب في مثل هذا التركيب مفعولا به .
د. محمد نوري جواد
حيث اختلفوا في معنى (يبغون) وإعراب كلمة (عوجا) , فمنهم من قال : كلمة (عوجا) مفعولٌ به , ومنهم من قال : إنها حال , ومنهم من قال : إنها تمييز , فمن قال إنها مفعول به جعل كلمة (يبغون) بمعنى: يطلبون , فقد جاء في المعاجم اللغوية: بغَى المالَ , وبغَى الأمرَ : طلَبه ، أرادَه ورغب فيه , وجعل منه قوله تعالى (خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) , أي : لا يطلبون تحولا عنها , ومثل ذلك قوله تعالى ( يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ) , أي : يطلبون لكم الفتنة . ويكون التقدير في شاهدنا : تطلبون للسبيل عوجا , فالمفعول الأول منصوب على نزع الخافض , مثل : وهبتك درهما , يريدون : وهبت لك درهما .
والتقدير الثاني : قيل : يبغون هنا من البغي وهو التعدي . أي : يتعدّون عليها، أو فيها . كما في قوله تعالى ( فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ) , وقوله تعالى ( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ)، ويكون التقدير في شاهدنا : يبغون عليها عوجا, أو يبغون فيها عوجا ويكون عوجا على هذا التأويل نصبه على الحال من الضمير في تبغون , أي : عوجا منكم وعدم استقامة , ومنهم من ضمن الفعل (يبغون) معاني أخر فقيل : يريدونها أو يرومونها عوجاء شديدة العوج ، ويكون عوجا حالا من ضمير النصب , أي : يريدون سبيلَ الله معوجة . و(عوجا) حال وقع فيها المصدر موضع الاسم المشتق أي : معوجة , وفي هذا الإعراب من المبالغة , والمعنى : أنهم يطلبون أن تكون الطريقة المستقيمة نفس العوج , على طريق المبالغة في استعمل المصدر مكان المشتق كما قيل : رجلٌ صوْم، ورجل عدل , فيكون ذلك أبلغ في ذمهم وتوبيخهم .
أما التقدير الثالث فتكون كلمة (عوجا) تمييزا من النسبة إلى المفعول ، أي : طالبين عوجها ، بأن تلبسوا عن الناس توهموا أن فيه عوجا عن الحق وذلك بمنع النسخ وتغير صفة رسول الله صلى الله عليه وآله ونحوهما .
الأوجه الثلاثة جديرة بالتقدير من حيث المعنى , ورجح عالم اللغة الكرماني الأول؛ لأنّه رأى والله أعلم تكلفا في الوجه الثاني , أي : يتعدون عن السبيل أو في السبيل معوجين , وأنّ الأيسر أن تكون الهاء مفعولا , وعوجا مفعولا ثانيا من حيث الصناعة النحوية .
ولي وجه في ترجيح الوجه الأول , وهو أنّ نظير قوله تعالى ( وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ), هو قوله تعالى ( يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ) , وهنا لا يصلح أن تكون (الفتنة) حالا أو تمييزا كما صلح في (عوجا) ؛ لأنّ (الفتنة) معرفة, والمعرفة لا تأتي حالا أو تمييزا على الصحيح , فتعين أن يكون الإعراب في مثل هذا التركيب مفعولا به .
د. محمد نوري جواد